إن مجال صناعة النفط بتاريخه المليء بفترات الانتعاش و الكساد يمر حاليًا بأسوأ حالات التراجع الحاد منذ تسعينيات القرن الماضي.
فقد انخفضت أرباح شركات النفط التي كانت قد وصلت إلى مستويات قياسية من الأرباح خلال السنوات الأخيرة، وهو ما جعل تلك الشركات تلجأ إلى وقف أكثر من ثلثي عمليات الحفر، وخفض الاستثمار فى مجال التنقيب والإنتاج، بالإضافة إلى إفلاس عشرات الشركات،
وفقد قرابة 250.000 عامل لوظائفهم. والسبب وراء ذلك هو هبوط سعر برميل النفط، والذى فقد مايقرب من 70 بالمائة من قيمته منذ يونيو 2014.
وبالرغم من انتعاش الأسعار عدة مرات فى العام الماضى إلا أنها غاصت إلى القاع بالفعل هذا العام ووصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2004، حيث يرى مديروا الشركات أن الأمر يحتاج إلى سنوات حتى تتمكن الأسعار من العودة لمستويات ما بين 90 و 100 دولار للبرميل وهو السعر الذى كان سائدًا خلال العقد الماضي.
ما هو السعر الحالي للنفط؟
بلغ سعر التداول للخام برنت (خام نفطي يستخدم كمعيار لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمى، خاصة في الأسواق الأوروبية والأفريقية) نحو 39 دولارًا للبرميل يوم الثلاء الموافق (8\3\2016) وهو الذى كان سعره يتراوح بين 90 و 100 دولار لبرميل، كما بلغ المؤشر الأمريكى نحو 36 دولارًا للبرميل وقد كان سعره يتراوح بين 80 و 90 دولارًا للبرميل فى فترة سابقة.
لماذا ينخفض سعر النفط بهذه السرعة؟ ولم الآن؟
هذه مسألة معقدة؛ ولكن يمكن أن تتلخص
في المفهوم الاقتصادي للعرض و الطلب.
لقد ضاعفت الولايات المتحدة إنتاجها المحلي خلال السنوات القليلة الماضية؛ مما اضطر مُصَدِّرى النفط إلى البحث عن أسواق أخرى غير السوق الأمريكي لبيع النفط الذي يقومون بانتاجه. وبالتالي أصبح النفط السعودي والنيجيري والجزائري الذى كان يباع يومًا ما في الولايات المتحدة يتنافس الان على الأسواق الآسيوية. وبذلك اضطر المنتجون إلى خفض الأسعار.
وما زاد الطين بلة؛ هو زيادة الإنتاج العراقي والكندي عامًا بعد عام وحفاظ روسيا على مستوى إنتاجها بالرغم من كل المشكلات الاقتصادية التى تواجهها.
لقد حددت مؤسسة وود ماكينزى (وهي شركة استشارية) أن 68 مشروعًا من المشروعات الضخمة للنفط والغاز الطبيعى، تم تقدير قيمها مجمعة بما يقرب من 380 مليار دولار، قد أوقفت إنتاج 2.9 مليون برميل يوميًا.
في الوقت نفسه قدَّر بنك الاستثمار الكندي أن المشروعات القادرة على إنتاج نحو نصف مليون برميل يوميًا
قد أصبحت متوقفة أو ملغات أو مؤجلة من قبل دول أوبك خلال العام الماضي، وسيعدنا العام الحالي بالمزيد!
ولكن انخفاض الإنتاج لم يحدث بالسرعة الكافية خاصة مع عمليات الإستخراج من المياه العميقة في خليج المكسيك مع استمرار كندا في بناء المزيد من المشروعات الجديدة..هذا من جانب العرض.
فيما يتعلق بجانب الطلب؛ فإن اقتصاديات أوروبا والبلدان النامية ضعيفة بعد الأزمة المالية الأخيرة، كما أن المَركَبات أصبحت أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وبالتالي تراجع الطلب على الوقود قليلًا.
من المستفيد من انخفاض الأسعار؟
يمكن لأي سائق أن يخبرك بانخفاض أسعار البنزين، كما أن أسعار وقود الديزل (السولار) وزيوت التدفئة والغاز الطبيعي قد تراجعت بشكل كبير، كما أن الانخفاضات الأخيرة في أسعار الطاقة – الوقود العادي المحلي يقع حاليًا في متوسط الــ1.76 دولار للجالون أي أنه انخفض بنحو 43 سنتًاعن نفس الفترة من العام الماضي- تساعد على نحو غير متكافئ الفئات ذات الدخل المنخفض حيث تلتهم تكاليف الوقود النصيب الأكبر من دخولهم المحدودة. وتمكنت الأسر التي تستخدم زيوت التدفئة في الأغراض المنزلية أيضًا من تحقيق بعض الإدخار.
من هم الخاسرون؟؟
ببساطة؛ الخاسرون هم الدول المنتجة للنفط. ففنزويلا ونيجيريا والإكوادور والبرازيل وروسيا ليسوا إلا قلة من الدول النفطية التي تعاني اضطرابات اقتصادية وربما سياسية أيضًا تؤثر على أوضاعها.
- بالنسبة لإيران، فإن للعقوبات الغربية عليها تداعياتها الكبيرة، فقد أدت إلى خفض الإنتاج بنحو مليون برميل يوميًا خلال السنوات الأخيرة، كما مُنعت إيران من الحصول على أحدث التقنيات والمعدات النفطية الغربية، ولكن مع رفع العقوبات مؤخرًا يُتوقع أن تفتح إيران صنابير إنتاجها من صناعة النفط قريبًا.
- أما الولايات المتحدة، فالدولة تكاد أن تخلو من أية آبار ذات عائد ربحي في حال القيام بعمليات التنقيب فيها. وتواجه عدة ولايات أمريكية مثل:ألاسكا وشمال داكوتا وتكساس وأوكلاهوما ولويزيانا تحديات اقتصادية.
- وفي المملكة السعودية شهد الشباب السعودي اختفاء العديد من الوظائف بسبب تدهور حال صناعة النفط.
وقد أعلنت شركات مثل “شيفرون” ، و”رويال داتش شل” ، و”بريتش بتروليم” عن تخفيض رواتب موظفيها للحد من أعباء عدم توافر السيولة النقدية، إلا أن حال تلك الشركات يُعد أفضل بكثير من الشركات الصغيرة الأخرى المستقلة. كما أن انخفاض أسعار الوقود نتج عنه زيادة فى الطلب على السفر برًا مخلفًا بذلك إرتفاع فى وفيات حوادث المرور.
كيف تأثرت دول “أوبك”؟
قامت إيران وفنزويلا والاكوادور والجزائر بالضغط على “أوبك” (تكتل منتجي النفط) لخفض الإنتاج من أجل تحقيق الاستقرار في الأسعار وقوبل هذا الأمر بالرفض من قبل المملكة السعودية والإمارات وحلفاء آخرين فى منطقة الخليج. وفي نفس الوقت قامت العراق بضخ المزيد، ويُتوقع أن تصبح إيران من المصدرين المهمين مرة أخرى.
في السادس عشر من شهر فبراير/شباط قام أعضاء “أوبك”، المملكة العربية السعودية و فينزويلا و قطر، مع روسيا بإعلان خطة
لإيقاف عمليات الإستخراج عند المستويات الحالية.
و تمثل هذه الخطة تراجعا بالنسبة للملكة العربية السعودية بصفة خاصة. فهذه الدولة القائدة لمنظمة أوبك قد تجنبت محاولات السيطرة على السوق من خلال قَطع عمليات الإستخراج، أو حتى مجرد التحدث عن ذلك. و بدلاً من ذلك قامت بتكثيف الإنتاج على الرغم من الانخفاض الحاد في الأسعار.
واذا استمرت الأسعار على هذا النحو لمدة عام أو أكثر ستجد المملكة صعوبة فى إقناع أعضاء أوبك الآخرين في الصمود أمام الضغوط المالية –
وخاصة مع تولى الملك سلمان مقاليد السلطة حديثاً–. وذكر صندوق النقد الدولى أن إيرادات المملكة وحلفائها في الخليج الفارسي سوف تنخفض بنحو 300 مليار دولار هذا العام.
هل هناك مؤامرة لتخفيض أسعار النفط؟
بالطبع هناك شك في وجود عدد من من المؤامرات، حتى أن بعض مسئولي شركات النفط ذكروا أن المملكة السعودية لديها الرغبة فى إلحاق الضرر بمصالح روسيا وإيران،الشيء الذي تشاركها فيه الولايات المتحدة الأمريكية. مما يجعل من مصلحة الدولتين المنتجتين للنفط لخفض الأسعار؛ ففي ثمانينيات القرن الماضي تسبب انخفاض أسعار النفط في الإطاحة بالاتحاد السوفيتي.
و لكن على الرغم من ذلك، فإنه لا يوجد أى دليل يثبت صحة تلك المزاعم حول نظريات المؤامرة؛ فمن ناحية لا تقوم الولايات المتحدة والمملكة السعودية بالتنسيق فيما بينهما بشكل سلس، ومن ناحية أخرى فإن إدارة أوباما في موقف لا يكاد يُمَكِّنُها من تنظيم عمليات التنقيب لمئات من الشركات النفطية التي تسعى إلى الربح والوفاء بالتزاماتها أمام مساهميها.
متى يمكن أن تسترد أسعار النفط عافيتها؟
في الواقع أن ذلك ليس بقريب؛ فإنتاج النفط لا ينخفض بالسرعة الكافية في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، وبالرغم من إمكانية حدوث ذلك خلال هذا العام؛ إلا أنه توجد بعض الدلائل على أن
مؤشرات العرض و الطلب و السعر أيضًا قد تستعيد بعض التوازن بحلول نهاية عام 20166، وخاصة أن الطلب على الوقود آخذ في التعافى في بعض البلدان مما قد يساعد أسعار النفط على التعافي خلال هذا العام أو العامين المقبلين. ويجرى الآن تقليل الإنتاج الاحتياطى لتهيئة السوق في حال وجود أزمة أخرى في البلدان الأكثر أهمية فى إنتاج النفط.
كتبه: كاروس كليفورد
نيويورك تايمز:9 فبراير 2016 (معدل بتاريخ 8 مارس)