بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا ينتحر الجنود الأمريكيُّون؟
اولا تعريف الانتحار
الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته. يرى آخرون أنه قتل النفس تخلصا من الحياة التي وهبها الله لعباده، وقد اختلفت الآراء حول الانتحار هل يعكس شجاعة الشخص المنتحر أم جبنه وانعكاس لفشله وعدم الحاجة لاستمرار حياته.بعض الشعوب لديها رمزية خاصة للانتحار كما هو عند اليابانين. يحرم الإسلام قتل النفس بأي حال من الأحوال ويشير إلى أن حياة الإنسان ليست ملكا له وبالتالي لا يجوز التحكم بها من قبله.
- و65% يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية او تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ مثل القيام بالعمليات الانتحارية
لماذا ينتحر الجنود الأمريكيُّون؟
مِنَ المعروف عند علماء الاجتماع العسكريّ في الولايات المتحدة أن القوات المسلحة تمثِّلُ لمَنْ يرغبون في الالتحاق بها ملاذًا للهروب مِنْ مجتمعٍ يقوم في بنائِهِ على المنافسة الحرة التي لا يستطيعون الدخول في حلبتها، ومكانًا للحصول على متطلباتهم الأساسية، بالإضافة إلى دَخْلٍ عالٍ لا يتمكَّنون من الحصول على نظيرِه في الحياة المدنية؛ ولهذا يكون مِن المنطقي أن يفكِّر الجنود الأمريكيون في الانتحار، في ظلِّ ظروفٍ قتاليةٍ صعبةٍ؛ يعانون فيها من الخوف والذعر من الموت في كلِّ لحظة، ولا يرون حولهم إلا القتل والدمار والنيران والقنابل، وهذا يعني بالنسبة إليهم أنه يلزمهم أنْ يدفعوا ثمنًا باهظًا لتحقيق أهدافهم التي التحقوا مِنْ أجلها بالقوات المسلحة.
أمَّا أن يُقْدِمَ هؤلاء الجنود على الانتحار حتى بعد الخلاص من هذا الجوِّ القتاليِّ العنيف، وبعد العودة إلى بلادهم؛ حيث الهدوءُ والسلامُ والحياة المدنية التي تتناقض تمامًا مع الحياة العسكرية، فهذا غير منطقي، ويحتاج إلى وقفة.
في مقالته بتاريخ 13 ديسمبر 2007م، بعنوان "موجة انتحار الجنود الأمريكيين العائدين مِنَ الحرب"، كتب الباحث الاشتراكي الأمريكي "جو ماكاي" يقول: "مِنْ بين الآثار الدرامية لتفجير العسكرية الأمريكية، هو هذا الارتفاع الحادُّ في معدلات الانتحار بين الجنود الأمريكيين، سواءٌ بين الذين يقومون بأداء الخدمة الفعلية، أو الذين سُرِّحُوا مِنَ الخدمة وعادوا إلى موطنهم.
إنَّ هؤلاء الجنود قد أصابهمُ الذُّعْرُ والهَلَعُ لما شاهدوه، وما أُجْبِرُوا على فِعْلِهِ في العراق وأفغانستان، ولمَّا لم يجدوا مِنَ الدولة اهتمامًا يساعدهم على تَخَطِّي الأزمات الصحية والنفسية التي يعانون منها، قرَّرَ العديدُ منهم أن يُنْهِيَ حياته بنفسه".
تَعَرَّضَ "ماكاي" في مقالتِهِ السَّالفة الذِّكْر لما دار في جلسة استماع لجنة شئون الجنود المُسَرَّحين، ولشهادات أُسَرِ الجنود المنتحرين، وخبراء الصحة العقلية، والعديد من الشهود الآخرين لما وُصِفَ بـ"وباء الانتحار" بين الجنود العائدين من الحرب، وأوضح "ماكاي" أنَّ هذا الاستماع كان استجابةً للتقارير التي أطلقتها محطة (سي. بي. إس) الإخبارية، والتي أَخذَت على عاتقها- ولأول مرةٍ- محاولةَ إحصاء أعداد هؤلاء الجنود، وأعلنت المحطة أنَّ هذه الأعداد ليست صادرةً عن الجيش الأمريكي، الذي لا يُحْصِي إلا أعداد الجنود المنتحرين أثناء أداء الخدمة فقط، وأكدتِ المحطة أنَّ الأعداد التي أحصتها قد تحصلَّتْ عليها مِنْ خمسٍ وأربعين ولاية، مِنْ مجموع الولايات الخمسين في الولايات المتحدة.
وكشفتِ المحطة أنَّ أعداد الجنود العائدين مِنَ الخدمة في ميدان الحرب الذين قاموا بقَتْلِ أنفسِهم تبلغ 6256 منتحرًا، بمعدل 120 حالة كلّ أسبوع، بواقع سبعَ عَشْرَةَ حالةً كلّ يوم.
وجميع حالات الانتحار هذه كانت بين الجنود الشبان الذين قاتلوا في العراق وأفغانستان، وتتراوح أعمارهم بين 20 و24 عامًا.
وأوضحتِ المحطة كذلك أنَّ معدلات الانتحار بين الجنود العائدين تزيد عَنْ معدلاتها بين جنود الخدمة الفعلية، من 2.5 إلى أربع مرات.
اقتبستِ المحطة في تقريرها السابق كلمة "بول سوليفان" مسئول الجنود العائدين أمام لجنة الاستماع، وهي: "تُبيِّن هذه الأعداد بوضوح أنَّ هناك وباءً منتشرًا بين الجنود العائدين اسمه اختلال الصحة العقلية".
"مايك لوبان" والد "تيموثي"، وهو أحد الجنود المنتحرين العائدين مِنَ العراق في عام 2005م، أدلى بشهادته أمام اللجنة المذكورة، وانتقد موقف لجنة شئون الجنود العائدين من تقرير المحطة، وقال: "إنه كان أَحْرَى باللجنة بدلاً مِنْ أنْ تنتقد الكيفية التي أظهرت بها المحطة أعداد الجنود المنتحرِيْن، أنْ تتبنَّى هذا التقرير، وأنْ تستخدمَهُ كوسيلةٍ تساعد على تحسين أمور الصحة العقلية والنفسية داخل إدارتها"، وامتدح "لوبان" جهود المحطة، وقال: "إنها قامت بما لم تَقُمْ به أية جهة حكومية، بإحصائها أعداد الجنود المنتحرين؛ مما ألقى الضوء على هذا الوباء الخَفِيّ؛ ليكون الشعب الأمريكي على دراية بالموقف".
تحدَّثَ "لوبان" في شهادته عَنِ ابنه "تيموثي"، وقال إنَّ حالة ابنه مشابهة للعديد مِنْ حالات أقرانه الجنود المنتحرين.. التحق "تيموثي" بالحرس الوطني عام 2003م ليتمكَّن مِنْ جَمْعِ المال الذي يكون به قادرًا على استكمال دراسته الجامعية؛ ولكي يجمع رصيدًا ماليًّا يبدأ به مسيرته في الحياة، ذهب "تيموثي" إلى العراق، ورجع منه في عام 2005م شخصًا مختلفًا تمامًا؛ كان يضع نظارةً على عينيه ويُحَمْلِقُ على بُعْدِ ألف ياردة؛ باحثًا عَنْ متمرِّدٍ عراقيٍّ، لم يتلقَّ "تيموثي" ولا عائلته أيَّة مساعدة صحية تساعدهم على تَخَطِّي الأزمة النفسية العقلية، الناتجة عَنْ ضغوطِ مرحلةِ ما بعد العودة مِنَ الحرب، وحسم "تيموثي" الأمر بأنْ أطلق النار على نَفْسِه ولم يتخطَّ عمره وقتها ثلاثة وعشرين عامًا".
ويرى "جون ماكاي" أنَّ أهم الشهادات التي كانت أمام اللجنة المذكورة هي شهادة "ييني كولمان"، مؤلفة كتاب شهير عَنِ الاختلالات العقلية والنفسية لمرحلة ما بعد العودة مِنَ الحرب.. حاولت "كولمان" في شهادتها أنْ تكشف عن الأسباب الاجتماعية لارتفاع معدلات الانتحار بين الجنود العائدين من الحرب.
انتهت "كولمان" من تحليلاتها إلى القول بأنَّ آثار الانهيارات العقلية المتزايدة بين الجنود الأمريكيين يجب ألا يُنْظَرَ إليها فقط في حدود ميلهم أنفسهم إلى الانتحار، ولكن يجب أن يُنْظَرَ إليها كذلك في حدود الجرائم التي ارتكبها هؤلاء الجنود ضد الشعب العراقي؛ فحينما ظهرت صور التعذيب في سجن "أبو غريب" في عام 2004م انهار جدار الصمت في الصحافة عَنْ جرائمِ الجنود الأمريكيين في العراق، وانكشف المستور مِنْ حالات القتل والتعذيب والعنف ضد المدنيين، وأظهرت التقارير الأخرى فيما بعد حالات عنف مِنْ نوع آخر ارتكبها الجنود العائدون مِنَ الحرب ضدَّ مواطنيهم الأمريكيين.
فَسَّرَتْ "كولمان" هذه الفوضى مِنْ حالات القتل على أنَّها ناتجٌ حَتْمِيٌّ خرج مِنْ رَحِمِ احتلالٍ لبلدٍ، صُوِّرَ فيه مواطنوه على أنهم أعداء، كما أنَّ التطورات الحديثة في التدريب القتالي الأمريكي عمدت إلى فَصْلِ المُجَنَّد عَنْ هويته المدنية؛ بهدف الوصول بكفاءة وفاعلية الجندي في قَتْلِ العدو إلى حدِّها الأقصى؛ ومِنْ ثَمَّ كانتِ الأساليب الوحشية في إذلال المدنيين العراقيين وإهانتهم، وقَتْلِ مَلْيون عراقي، وتَحَوُّلِ أربعة ملايين إلى لاجئين، وتدميرِ مجتمعٍ بأَسْرِه.. ثمرةَ إعادة برمجة المجنَّدِيْن وَفْقًا لمجموعةٍ جديدةٍ مِنَ الاستجابات المُتَعَلَّمة، التي تحقق أهداف الصفوة السياسية العسكرية الحاكمة.
تقول "كولمان": إنَّ هذا المشروع البربريَّ لهذه الصفوة الحاكمة، لا بُدَّ أنْ يترك تأثيره النافذ على الصحة العقلية للجنود الذين لا يزالون بَشَرًا، ولكي يمكن التغلب على هذا الجانب الإنسانيّ في الجنود الذي قد يمنعهم مِنْ قَتْلِ بشرٍ مثلهم؛ كان لا بُدَّ مِنْ تحويلهم إلى مرضى عَنْ طريق زَرْعِ استجاباتٍ لديهم؛ أساسُها الوحشيةُ والقسوةُ، وهي أمرٌ لازمٌ لكلِّ قوى احتلال، هذا بالإضافة إلى إشعارهم المستمر بالخوف مِنَ الموت الذي يسبِّبُ- وحده- لهم مشاكل نفسية حادة.
وتستمر "كولمان" في تحليلاتها فتقول "إنَّ الانتحار في حدِّ ذاته مكسبٌ لإنسانية الجنود، وليس دليلاً على ضعفهم؛ فقد وجد الجنود- رجالاً ونساءً- أنه مِنَ الصعب عليهم أنْ يستمروا في هذه الحياة بعدما رَأَوْه وفَعَلُوه في الحرب".
وهناك عوامل أخرى ساهمتْ في رَفْعِ معدلات الانتحار طوال فترة الخدمة الفعلية في الحرب؛ منها: إعادة تجنيد بعض الجنود لفترة أطول، بالرغم من ظهور اضطرابات نفسية وعقلية عليهم، ومنها استخدامهم المكثَّف للأدوية المقاومة للاكتئاب؛ بحثًا عَنْ علاج قصير المدى لما يعانون منه من اضطرابات، وكذلك تجنيد الأفراد الذين يعانون أصلاً مِنَ اضطرابات نفسية سابقة.
ضربت "كولمان" مثالاً بحالة الملازم "إليزابيث هوايت سايد" كرمزٍ يُبيِّن الطريقة التي يتعامل بها الجيش الأمريكي مع جنوده المنهارين في الحرب.. كانت "إليزابيث" تقوم بحراسة أحد السجون، وإِثْرَ حالةٍ مِنَ الشَّغَبِ قام بها النُّزَلاء بعد إعدام "صَدَّام حُسَيْن" في ديسمبر 2006م، أُصِيْبَتْ باضطرابٍ حادٍّ، فلَوَّحَتْ ببندقيتها في الهواء، وأطلقتِ النار على السقف، ثم أطلقتِ النار على نَفْسها.
شَخَّصَ الأطباء النفسيون العسكريون حالتها- بعد أنْ تعافت- على أنها عانتْ من اضطرابٍ عقليٍّ حادٍّ، ربما سَبَّبَتْه ضغوطُ الحرب الشديدة عليها، لكنَّ رؤساءها صمَّموا على محاكمتِها، واعتبروا أنَّ هذا الاضطراب الذي تَدَّعيه إنَّما هو بمثابةِ اعتذارٍ عَنْ سلوكها الإجراميّ.
ولا يبدو- في تصوُّرنا- أنَّ تحليل "كولمان" مقنعٌ، بل نرى فيه محاولةً تبريريةً لتصرفات الجنود في الحرب، وكذلك لتبرير انتحارهم أيضًا، وإلقاء اللوم كلّه على الصفوة السياسية العسكرية الحاكمة، على أساس أنها هي التي دفعتهم إلى ذلك، كما نرى في هذا التحليل محاولةً أخرى للتركيز على أنَّ الجانب الإنسانيَّ هو الأصل عند هؤلاء الجنود، وأنَّ انتحارَهم كان مِنْ باب تأكيد هذا الجانب الذي توقَّف بسبب الحرب.
أغفلتْ "كولمان" تمامًا أنَّ الصفوة السياسية والعسكرية الحاكمة في الولايات المتحدة، وهؤلاء الجنود هم نِتَاجُ ثقافةِ خاصةٍ، هي الثقافة الأمريكية.. هذه الثقافة التي لها خصائصها المُمَيَّزَة، وأَوَّلُها أنها ثقافة تُصَوِّرُ الحياة على أنها المنفعة فقط، والنفعية عند هذه الثقافة- كما وضع أُسُسَها جريمي بنتام في عام 1863م- هي مقياس الأعمال، وهي المفهوم البارز في النظم الغربية جميعها، ومفهومها الخاص عَنِ السعادة هو إعطاء الإنسان أكبر قِسْطِ مِنَ المتعة الجسدية، وتوفير أسبابها له، أما الناحية الروحية فهي فردية بحتة، لا شأن للجماعة بها، وتعزل هذه الثقافة عَنِ الحياة كلَّ قيمة إلا القيمةَ المادية، وهي الربح.
ويقوم جوهر هذه الثقافة على أنَّ الإنسان هو الذي يضع نظامه في الحياة، و له مُطْلَقُ الحرية في سلوكه الخاص، ومَنْعِ كلّ ما مِنْ شأنه أن يُعِيْقَ ذلك، وله أنْ يفعل بنفسه وجسمه ما يشاء، وله أن يُكَيِّفَ حياته بالشكل الذي يحلو له، وفي ضوء هذا الفَهْمِ لهذه الثقافة يمكن تفسير كلّ ما نعتقد أنَّ "كولمان" قد حادتْ عَنْ تفسيره؛ فقد ذهبتِ الصفوة الحاكمة إلى العراق وأفغانستان طبقًا لمبدأ المنفعة، وذهب "تيموثى" و"إليزابيث" وآلاف الجنود الآخرون إلى الحرب وَفْقًا لنفس المبدأ، وإنِ اختلف قَدْرُ المنفعة بقدرِ حجمِ المنتفِع؛ فالحياة العسكرية لمَنْ يلتحق بالجيش قد تكون مهربًا مقبولاً اجتماعيًّا مِنَ المشاكل العائلية، أو الوظيفية التي يعانون منها، وقد تكون ملاذًا للهرب مِنْ حلبة التنافس الاجتماعي في الحياة المدنية، بالإضافة إلى أنها تضمن موردًا اقتصاديًا لمَنْ يجدون صعوبةً في الحصول عليه خارج الجيش، أما المنحرفون مِنَ الشباب فقد يستفيدون مِنَ الجيش في بَدْءِ حياة جديدة مختلفة.
ومِنْ ناحية أخرى.. تَعَامُل الجنود الأمريكيين مع العراقيين بهذه الوحشية والقسوة ليس بسبب ما تدَّعيه "كولمان" مِنْ نوعية التدريب الجديد الذي تَلَقَّوْه، وإنما لأنَّ هذا العدو هو الذي يقف حجر عَثْرَة في سبيل تحقيق المنفعة المُنْتَظَرَة لهم، ولمَّا أدرك الجنود أنَّ انتشارهم في العراق ليس مشابِهًا لانتشار زملائهم في ألمانيا ودول أوروبا، وأنَّ الحرب هناك هي حرب حقيقية وليست نزهةً.. انقطعتْ آمالهم في السعادة المستقبلية المرجوَّة؛ فهم يسارعون في سَحْبِ المصابين مِنْ زملائهم ويحملونهم إلى الطائرات التي تطير بهم إلى القواعد الأمريكية في ألمانيا، ويَرَوْنَ بأعينهم التوابيت التي تضمُّ القتلى وأشلاءهم، وطالما أنَّ ثقافتهم قد منحتهمُ الحرية بأنْ يفعلوا في أنفسهم وأجسامهم، التي تعلموا أنها مِلْكٌ لهم يفعلون فيها ما يشاءون، كان منطقيًا بعد فترةٍ مِنَ الاضطراب النَّفْسي والعقلي الذي ترتَّب على فقدان الهدف الذي جاءوا مِنْ أجله إلى العراق، أن يضعوا بأنفسهم نهايةً لهذه الحياة.
أما هؤلاء الذين عادوا إلى موطنهم، فقد كان بإمكانهم أنْ يبدءوا حياةً جديدةً، لكنَّ ذكريات الموت والدمار والقنابل والنيران ظلَّتْ تطاردهم، ولم تمنحهم ثقافتُهم مقومات استمرارية الحياة؛ فالموت الذي يفرُّون منه قد يحدث، وإنِ اختلفتْ صورته في الحياة المدنية، والاستمتاع بأقصى قَدْرٍ مِنَ اللذة تُعَوِّقُهُ الإصابةُ الجسدية أو النفسية أو العقلية التي عادوا بها مِنَ الحرب، وليس هناك مِنْ عقيدةٍ صلبة تمنحهم هدفًا وغاية لهذه الحياة، أو تمنعهم مِنَ الانتحار أو تهددهم بعقاب أُخْرَوِيّ.
أما قول "كولمان" بأنَّ الانتحار في حدِّ ذاته مكسبٌ للجنود، ودليلٌ على إنسانيتهم؛ فهو قَوْلٌ يعبِّرُ عَنْ تعاطُفٍ نَسَوِيٍّ أكثر منه معبِّرًا عَنْ حقيقة؛ فالثقافة التي نشئوا عليها علَّمتهم أنَّ التبعية ليست فردية، والحساب ليس بشخصيٍّ؛ فكلُّ ما فعلوه مِنْ جرائمَ في العراق يكفيهم الاعتراف به ليتحملَّها آخرون عنهم، وكلُّ ما نستطيع أنْ نشاطر به "كولمان"، هو القول بأنْ لوِ افترضنا أنَّ الإحساس بالذَّنْبِ قد تحرَّك في نفوس هؤلاء الجنود فهو إحساسٌ فطريٌّ طمسته الثقافةُ التي نشئوا فيها، والتي تقف دائمًا حائلاً دون تنميته وتطوُّرِهِ.