روسيا: أمبراطورية الطاقة النووية
تكاد ترفع حاجبيك من العجب كيف لدولة تعافعت من صدمة حادثة شيرنوبل وكيف استغل الاعلام الغربي تلك الحادثة في تشويه سمعة روسيا في مجال التكنولوجيا النووية! مرت السنوات وانكشفت غمامة السحاب، ففي عام 2007 ألغت روسيا وزارة الطاقة النووية حيث كانت حجر عثرة في طريق طموحاتها وتحويلها إلى شركة حكومية تملك الحكومة حصة الاسد. كانت هذه أولى بذور التغيير لرسم خارطة الطريق لبناء أمبراطورية الطاقة النووية Rosatom. قدمت الشركة الروسية عروض تنافسية مدعومة من الحكومة، أقوى هذه العروض نموذج BOO والذي يعني ( بناء – تملك – تشغيل) محطة الطاقة النووية. كان لهذا النموذج أهمية كبيرة في استقطاب الدول النامية التي لاتملك خبرات في مجال الطاقة النووية أو الدول التي ليس لها امكانيات اقتصادية لدعم مشاريع باهظة الثمن. في الوقت الراهن تأتي روسيا في الطليعة بنسبة 37% من مشاريع بناء المحطات النووية حول العالم.
تنظر روسيا للتكنولوجيا النووية بأنها أمن قومي لايمكن التفريط فيه أو حتى أحالته للخصخصة، فروسيا تستثمر ما يقارب 2 – 4 مليار دولار سنويا في مجال الابحاث والمشاريع النووية بشقيه العسكري والمدني. كما لايخفى على الجميع أن للتكنولوجيا النووية استخدامات كثيرة. فعلى الصعيد المدني تقوم روسيا ببناء المفاعلات من نوع Breeder Reactor بمسمى BN-800 وBN-1200 وترى ان المستقبل لمثل هذه المفاعلات حيث انها لا تخلّف نفايات نووية بالقدر الموجود في النماذج المبنية حاليا حول العالم، كما تعتبر روسيا رائدة في هذا المجال. بالاضافة لمشاريع أخرى كـ SVBR والتي اعتمد تصميمها بناءا على الخبرة المتراكمة التي اتكسبتها روسيا من تشغيل غواصات ألفا. والمشروع المميز محطة الطاقة النووية العائمة Floating nuclear power stations والذي يمكن السفن النووية من الرسو على شواطئ الدولة لتزويدها بالطاقة الكهربائية وكذلك تحلية المياه.
حاليا وبحسب مصادر وكالة الطاقة الذرية فإن روسيا تمتلك أطول سلسلة من نماذج المفاعلات النووية ذات الحجم الصغير التي تخضع للدراسة او التطوير او قيد الانشاء، كما ان روسيا تعمل على أصغر نموذج مفاعل نووي للاستخدام التجاري في العالم بمسمى ELENA Reactor والذي يمكن ان يستخدم للمنشأت الحيوية كالمستشفيات التي تتطلب مصدر طاقة آمن لتشغيلها.
تعمل روسيا على عدة جبهات، فروسيا تريد من كل هذا وضع يدها على مصادر الطاقة النووية والتحكم بها ويظهر هذا جليا بشرائها الشركة الكندية UraniumOne وتمتلك 40% من حصة تخصيب اليورانيوم حول العالم، على صعيد آخر تريد روسيا تحجيم اي دور مستقبلي لكل من الصين وكوريا الجنوبية في مجال الطاقة النووية. أما في ما يخص الولايات المتحدة فهي خارج الحسابات الروسية فـغياب الارادة السياسية والدعم الحكومي للمشاريع الامريكية في مجال الطاقة النووية يمثل احد اكبر التحديات بالاضافة للمافيا الامريكية للطاقة الاحفورية التي تحارب الطاقة النووية لانه يضر بمصالحها، ومن جهة اخرى الشركات الامريكية العاملة في مجال الطاقة النووية تتنافس فيما بينها على توريد المفاعلات النووية ما يجعلها أقل حظوظا أمام مثيلاتها من الدول الاخرى. ليس هذا فحسب بل فتحت روسيا الباب على مصراعيه لمراكز الابحاث وللمستثمرين من شتى أنحاء العالم لتملك حصص في المشاريع التي تعمل عليها الشركة أو مشاريع حبيسة الادراج لم ترى النور لمؤسسات او دول أخرى وكذا حماية حقوق الفكرية لاصحاب تلك المشاريع سواءا افراد او مراكز ابحاث او شركات.
روسيا لا ترى أن الطاقة الشمسية او طاقة الرياح يمكن ان تلعب دورا حيويا كما تلعبه الطاقة النووية، فالطاقة الشمسية وطاقة الرياح تحتاج إلى مساحات شاسعة لتستوعب الخلايا الشمسية او التوربينات الهوائية مع انتاج أقل بالمقارنة. كما أن كلفة الصيانة مازالت عالية.