تناقش هذه الدراسة مستقبل مدينة القدس، حيث تم إعدادها بعيد انعقاد المؤتمر الدولي للسلام في أنابوليس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007, في تلك الأثناء التي سمعت فيها أصوات داخل الحكومة الإسرائيلية حول إمكانية تقسيم المدينة.
-الكتاب: القدس ومخاطر التقسيم
-المؤلف: نداف شرغاي
-عدد الصفحات: 64
-الناشر: مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة
الطبعة: الأولى/ يوليو 2008
جاءت فصول الدراسة لتناقش في محورها الأول حق الشعب اليهودي في القدس، ونفي المطالب الفلسطينية في المدينة، وتطرق المحور الثاني لإيراد إحصائيات ديموغرافية ومؤشرات خطيرة من داخل المدينة، وتناول المحور الثالث التأثيرات الأمنية المتوقعة في حال تقسيم القدس.
فيما أشار المحور الرابع إلى مستقبل الأماكن المقدسة اليهودية والمسيحية في حال التقسيم، وأنهت الدراسة محاورها بتناول البعد القانوني لتقسيم القدس، وتضمنت الدراسة عددا وافرا من الإحصائيات والجداول الهامة.
تنطلق الدراسة من تفنيد الزعم الأساسي لدعاة تقسيم المدينة من كونه ينبع من ضرورة الحاجة لإعادة التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب من سكان المدينة، على أن يكون هذا التوازن لصالح السكان اليهود، من خلال ما يوصف في إسرائيل بـ"اقتلاع" التجمعات السكانية العربية من داخل حدود المدينة.
ويبدي مؤلف الدراسة حماسا ملحوظا لضرورة الفصل بين التجمعات العربية واليهودية كونه يبدو حاجة ملحة ولا مفر منها، في سبيل وضع حد للتقلص الجاري للوضع السكاني اليهودي في المدينة.
وفي ضوء المخاطر الكامنة في مقترح تقسيم المدينة، على الصعيد الديني التاريخي للشعب اليهودي ومقدساتها، تقترح الدراسة للتكيف مع "المشكلة الديموغرافية" للقدس معالجة أصلية أساسية للمشكلة من خلال البحث في حلول لظاهرة هجرة اليهود من القدس، ومحاولة التخلص منها، والقضاء عليها مستقبلا.
مخاطر محتملة
ترى الدراسة أن خطوة تقسيم المدينة، تحتوي على مخاطر كبيرة، وتجعل الإسرائيليين يخسرون الكثير من النقاط، وتعرض الدولة للعديد من الإشكاليات، أهمها بقاء الأحياء العربية، حتى تلك الأحياء الصغيرة، من شأنها أن تعرض سكان المدينة اليهود، خاصة أولئك القاطنين على خط التماس على حدود المدينة، لمخاطر أمنية صعبة ومحيطة بهم من كل جانب، وملخص هذه المخاطر أن هؤلاء السكان اليهود سيكونون عرضة لنيران القناصة العرب.
كما أن من المخاطر المتوقعة لتطبيق قرار تقسيم المدينة، قيام عشرات الآلاف من اليهود بهجرها والرحيل عنها، كما حصل بالضبط في أعقاب حرب عام 1948، وتقسيم المدينة آنذاك، حيث غادر المدينة في تلك المرحلة ما يقرب من 25 ألف يهودي، وهم ربع سكان المدينة اليهود تقريبا.
ويتوقع المؤلف بانتقال عشرات الآلاف من سكان المدينة العرب للسكن في الجانب الإسرائيلي من حدود المدينة التي ستغدو "مقسمة"، وهي إمكانية واقعية وقائمة بالفعل، لاسيما أن بقاء الأحياء العربية في المدينة غدت تشكل "أمرا واقعا".
"
خطوة تقسيم مدينة القدس تحتوي على مخاطر كبيرة، وتجعل الإسرائيليين يخسرون الكثير من النقاط، وتعرض الدولة للعديد من الإشكاليات، أهمها بقاء الأحياء العربية حتى تلك الأحياء الصغيرة من شأنها أن تعرض سكان المدينة اليهود، لمخاطر أمنية صعبة
"
وقد دفع هذا الواقع الجديد بعشرات الآلاف من سكان المدينة الفلسطينيين للانتقال والإقامة في الجانب الإسرائيلي من الجدار، في ظل تراجع خيار تقسيم المدينة بصورة مقلصة، بفعل بناء الجدار الأمني الفاصل المحيط بمنطقة شمال المدينة.
وترجح الدراسة أن إسرائيل كدولة، ستجد صعوبة حقيقية في منع الهجرة الفلسطينية إلى داخل حدودها، لا سيما إذا تم حرف مسار الجدار الفاصل باتجاه الغرب والجنوب والشمال، باتجاه الأحياء السكنية اليهودية، وبالتالي فإن إمكانية معاودة هذه الهجرات من جديد أمر قابل للحدوث لذات الأسباب التي حدت بحدوث الهجرات السابقة.
رغم أنه على جانبي الفصل في المدينة المقدسة يتوقعون حدوث مكاسب اقتصادية وديموغرافية، لاسيما على صعيد تحلل عرب شرقي القدس من الضرائب المختلفة، التي تتم جبايتها بواسطة سلسلة من الأوامر القضائية الإسرائيلية، كما أن هذا التقسيم سيأتي بأضرار محدقة بالحق اليهودي للإقامة في المدينة المقدسة، ومسا خطيرا بما يسميه الكاتب "الجذور اليهودية" للمدينة.
المشكلة الديموغرافية
يشير الكتاب إلى أن معدل المواليد المرتفع في أوساط العرب المقدسيين، يتساوى تقريبا مع معدل المواليد اليهود، ما يؤثر سلبا على الصورة الديموغرافية للمدينة، علما بأن ذلك ليس السبب الوحيد للتقلص الآخذ في التزايد بين الأوساط اليهودية.
وبالتالي فإن العنصر الأساسي الذي يؤثر على تراجع نسبة السكان اليهود في المدينة المقدسة يتمثل في نسبة الهجرة اليهودية المرتفعة منها، فالإحصائيات المخيفة تشير إلى أن المعدل السنوي لهجرة اليهود منها تصل إلى 16 ألف يهودي، وخلال الـ20 سنة الماضية غادر القدس ما يقرب من 300 ألف يهودي.
تقترح الدراسة سلسلة من الخطوات التي يمكن اتباعها لوقف معدل الهجرة هذا، فقد أجري عدد من الأبحاث واستطلاعات الرأي في السابق، أوضح بما لا يدع مجالا للشك أن الأسباب الرئيسة لهذه الظاهرة تكمن في صعوبة العثور على فرص عمل مناسبة لليهود من جهة، والارتفاع الباهظ في إيجارات الشقق السكنية.
وهناك العشرات من القرارات التي اتخذتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والعديد من اللجان الوزارية لشؤون القدس، وطواقم من الخبراء، ولجان مهنية متخصصة لدراسة وضع المدينة، كلها أوصت بوضع العديد من الخطط المختلفة والمطالب العديدة لوقف ما أسمته بـ"النزيف" اليهودي الحاصل في تزايد معدلات الهجرة اليهودية، والحفاظ على أكبر نسبة ممكنة من سكانها اليهود للبقاء فيها.
"
الدراسة ترى أن جزء أساسيا من مهامها وضع سلسلة من الخطوات أمام صانع القرار الإسرائيلي القابلة للتنفيذ، من شأن تطبيقها إحداث تغيير جوهري ذي أثر ملموس على مسألة الهجرة اليهودية من مدينة القدس
"
جزء من هذه التوصيات التي قدمت للحكومات واللجان الوزارية تتلخص في ضخ المزيد من الأموال، لتثبيت العائلات اليهودية التي تشكو من ارتفاع باهظ في إيجارات السكن، ومحاولة توفير أكبر قدر ممكن من الأرباح المالية لسكان المدينة من اليهود، لكن عددا قليلا من تلك التوصيات وجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع، والجزء الأعظم منها بقي حبرا على ورق حتى كتابة هذه السطور!
الدراسة ترى أن جزءا أساسيا من مهامها وضع سلسلة من الخطوات أمام صانع القرار الإسرائيلي القابلة للتنفيذ، من شأن تطبيقها إحداث تغيير جوهري ذي أثر ملموس على مسألة الهجرة اليهودية من المدينة، وصولا إلى تغيير حقيقي في معدلات التفوق الديموغرافي التي تقف في صلب خطط تقسيم المدينة المقدسة.
جزء أساسي من الخطوات المتوقعة تتمثل في توسيع حدود بلدية القدس، والتجمعات اليهودية المحيطة بها، هذه الخطوة تتعلق بالبعد الإداري للكلمة، وليس الأبعاد السيادية، وستعني ضم كل يهود المدينة، حتى لو كانوا خارج الإدارة المحلية للبلدية الحالية، مثل تجمعات "معاليه أدوميم وجبعات زئيف وغيرها.
وتورد الدراسة عددا من المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى أنه رغم الفوارق الواضحة والكبيرة بين المرافق التحتية للمدينة في كلا قسميها اليهودي والعربي، هناك العديد من القواسم المشتركة بينهما في عدد من مرافق البنية التحتية: المياه والكهرباء والهاتف والخدمات الصحية وغيرها.
البعد الأمني
هذا المحور من الدراسة يتركز أساسا في تتبع الآثار الأمنية المترتبة على إمكانية اتخاذ قرار تقسيم المدينة، خاصة إمكانية إطلاق صواريخ وقذائف يحرص الفلسطينيون بصورة كبيرة على اقتنائها، واستخدم عدد منها مع بداية الانتفاضة في منطقة غيلو-بيت جالا.
ويحذر المؤلف من أن خطوة تقسيم المدينة ستكشف المزيد من التجمعات اليهودية أمام هذه القذائف ومطلقيها، وقد شهدت الفترة الماضية عددا من هذه الحوادث على قلتها، كما أن تقسيمها سيجعل جزءا من هذه التجمعات السكانية اليهودية حتما في مجال إطلاق قذائف الهاون، التي يعمل الفلسطينيون على تطويرها وتحسين قدراتها.
مدينة القدس، كونها المدينة التي تقع في صلب الصراع الديني القومي تحولت مع بداية سنوات الـ2000، إلى هدف مركزي للهجمات التفجيرية، وحصدت ثمنا باهظا من سكان المدينة اليهود، 210 قتيلا وآلاف الجرحى وإضرارا شديدا بمستوى المعيشة في المدينة.
"
الدراسة تؤكد أن التعامل مع المسألة الأمنية والمجموعات المسلحة في المدينة المقدسة لا يمكن إخراج مسألة تقسيمها إلى حيز الوجود، كما أن ذلك ينطبق على تعاملها مع مسألة الحروب
"
واستشهدت الدراسة بجملة من التحقيقات الأمنية والاستخبارية التي أكدت مشاركة واسعة لعرب شرقي القدس في هذه العمليات الفدائية خلال تلك السنوات، وبالتالي فإن المكافحة اللازمة لهذه المشاركة تحتم العمل على الفصل بين الأحياء العربية في القدس ونظيرتها اليهودية، لأن هناك التصاقا كبيرا بينها لا تتعدى في الكثير من المناطق العشرات والمئات من الأمتار فقط.
وبالتالي فإن خطوة إبعاد هذه الأحياء بعضها عن بعض ضرورية وملحة لأكثر من سبب، سواء من أجل إحباط تلك العمليات من جهة، ومن جهة أخرى لتسهيل مهمة جمع المعلومات الاستخبارية، وثبت ذلك من خلال العديد من الحملات الأمنية التي قامت بها أجهزة الأمن في المدينة.
وتؤكد الدراسة أن التعامل مع المسألة الأمنية والمجموعات المسلحة في المدينة المقدسة لا يمكن إخراج مسألة تقسيمها إلى حيز الوجود، كما أن ذلك ينطبق على تعاملها مع مسألة الحروب، ذلك أن الدفاع عن المدينة في حال اندلاع حروب مع جيوش نظامية تحتم على إسرائيل سيطرة مطلقة من قبل جيشها على تخوم المدينة أكثر من السيطرة الحالية.
الأماكن المقدسة
تؤكد الدراسة أن مدينة القدس تعد مقدسة في نظر الديانات السماوية الثلاث، وفي أنحاء المدينة القديمة توجد سلسلة من الأماكن المقدسة لليهود، المسلمين، والمسيحيين، وفي مركز هذه الأماكن: المسجد الأقصى وحائط البراق وكنيسة القيامة.
وفي إطار المحاولات السياسية الجارية لإمكانية تقسيم المدينة، تزعم الدراسة وجود مخاوف مما تسميه تراجع الحرية الدينية لرواد الأماكن المقدسة، سواء لليهود أو المسيحيين، لا سيما التي تخضع سياسيا مستقبلا للسلطة الفلسطينية، أو لاحقا للدولة الفلسطينية، وهذا التخوف مرده إلى وجود مؤشرات شهدتها السنوات الماضية، من خلال عدم قدرة أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية على ارتياد أماكنهم المقدسة التي تشرف عليها السلطة الفلسطينية.
ويزعم المؤلف أنه في ظل سيطرة السلطة الفلسطينية هاجر العديد من المسيحيين للأراضي الفلسطينية وذهبوا للخارج، وخلال تنفيذ عملية "السور الواقي" التي بادرت إليها إسرائيل عام 2002، لوقف العمليات الفدائية، استخدم الفلسطينيون كنيسة المهد في مدينة بيت لحم مكانا لاستيعاب ولجوء عشرات المطلوبين الفلسطينيين.
وفي مدينة بيت جالا أطلق الفلسطينيون النيران في العشرات من الحالات من داخل الكنائس المسيحية، بهدف إرباك إسرائيل وإحراجها أمام الرأي العام العالمي، من خلال استدراجها لإطلاق النار على مصادرها، وهي في هذه الحالة الأماكن المقدسة المسيحية.
الأماكن المقدسة اليهودية مثل قبر يوسف في مدينة نابلس أو قبة راحيل في بيت لحم تعرضت لحوادث إطلاق نار من قبل الفلسطينيين، وهناك أماكن أخرى مثل الكنيس القديم في أريحا وقبر أفنير في الخليل استخدمت أماكن للجوء المطلوبين إليها.
"
الدراسة تحذر صناع القرار في إسرائيل من أن قرار تقسيم مدينة القدس فيما لو تم، سيعيدها حتما لما كانت عليه قبل عقود طويلة، حيث عدم الاستقرار الأمني، والتراجع الاقتصادي
"
وفي العديد من الحالات التي نقلت فيها أجهزة الأمن الإسرائيلية المسؤولية الأمنية عن المسجد الأقصى لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية باءت جميعها بالفشل وتحولت ساحة الحرم إلى أحداث فوضى عارمة ضد المصلين اليهود في حائط البراق.
أخيرا تحذر الدراسة صناع القرار في إسرائيل من أن قرار تقسيم مدينة القدس فيما لو تم، سيعيدها حتما لما كانت عليه قبل عقود طويلة، حيث عدم الاستقرار الأمني، والتراجع الاقتصادي.
الجدير ذكره، ان "نداف شرغاي" مؤلف الدراسة، يعد كاتبا متخصصا في شؤون المدينة المقدسة، وهو صحافي مخضرم في صحيفة هآرتس منذ العام 1983، ويعد أحد أهم المحللين لشؤون مدينة القدس منذ 28 عاما متواصلة.
وقد أصدر في سبيل ذلك عددا من المؤلفات الخاصة بالمدينة، منها: قبر راحيل، والصراع على حائط البراق، واليهود والمسلمون والدين والسياسة، والقدس ليس المشكلة.. بل هي الحل.
أما عن جهة الإصدار، مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة فهو مركز أبحاث مقدسي، أنشئ عام 1976 وتخصص في إعداد الأوراق والدراسات والكتب الخاصة بالشؤون الإستراتيجية، ورفعها إلى صناع القرار في إسرائيل، وأمام الرأي العام الإسرائيلي.
وشكراااااااااااا-------------------------------
-الكتاب: القدس ومخاطر التقسيم
-المؤلف: نداف شرغاي
-عدد الصفحات: 64
-الناشر: مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة
الطبعة: الأولى/ يوليو 2008
جاءت فصول الدراسة لتناقش في محورها الأول حق الشعب اليهودي في القدس، ونفي المطالب الفلسطينية في المدينة، وتطرق المحور الثاني لإيراد إحصائيات ديموغرافية ومؤشرات خطيرة من داخل المدينة، وتناول المحور الثالث التأثيرات الأمنية المتوقعة في حال تقسيم القدس.
فيما أشار المحور الرابع إلى مستقبل الأماكن المقدسة اليهودية والمسيحية في حال التقسيم، وأنهت الدراسة محاورها بتناول البعد القانوني لتقسيم القدس، وتضمنت الدراسة عددا وافرا من الإحصائيات والجداول الهامة.
تنطلق الدراسة من تفنيد الزعم الأساسي لدعاة تقسيم المدينة من كونه ينبع من ضرورة الحاجة لإعادة التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب من سكان المدينة، على أن يكون هذا التوازن لصالح السكان اليهود، من خلال ما يوصف في إسرائيل بـ"اقتلاع" التجمعات السكانية العربية من داخل حدود المدينة.
ويبدي مؤلف الدراسة حماسا ملحوظا لضرورة الفصل بين التجمعات العربية واليهودية كونه يبدو حاجة ملحة ولا مفر منها، في سبيل وضع حد للتقلص الجاري للوضع السكاني اليهودي في المدينة.
وفي ضوء المخاطر الكامنة في مقترح تقسيم المدينة، على الصعيد الديني التاريخي للشعب اليهودي ومقدساتها، تقترح الدراسة للتكيف مع "المشكلة الديموغرافية" للقدس معالجة أصلية أساسية للمشكلة من خلال البحث في حلول لظاهرة هجرة اليهود من القدس، ومحاولة التخلص منها، والقضاء عليها مستقبلا.
مخاطر محتملة
ترى الدراسة أن خطوة تقسيم المدينة، تحتوي على مخاطر كبيرة، وتجعل الإسرائيليين يخسرون الكثير من النقاط، وتعرض الدولة للعديد من الإشكاليات، أهمها بقاء الأحياء العربية، حتى تلك الأحياء الصغيرة، من شأنها أن تعرض سكان المدينة اليهود، خاصة أولئك القاطنين على خط التماس على حدود المدينة، لمخاطر أمنية صعبة ومحيطة بهم من كل جانب، وملخص هذه المخاطر أن هؤلاء السكان اليهود سيكونون عرضة لنيران القناصة العرب.
كما أن من المخاطر المتوقعة لتطبيق قرار تقسيم المدينة، قيام عشرات الآلاف من اليهود بهجرها والرحيل عنها، كما حصل بالضبط في أعقاب حرب عام 1948، وتقسيم المدينة آنذاك، حيث غادر المدينة في تلك المرحلة ما يقرب من 25 ألف يهودي، وهم ربع سكان المدينة اليهود تقريبا.
ويتوقع المؤلف بانتقال عشرات الآلاف من سكان المدينة العرب للسكن في الجانب الإسرائيلي من حدود المدينة التي ستغدو "مقسمة"، وهي إمكانية واقعية وقائمة بالفعل، لاسيما أن بقاء الأحياء العربية في المدينة غدت تشكل "أمرا واقعا".
"
خطوة تقسيم مدينة القدس تحتوي على مخاطر كبيرة، وتجعل الإسرائيليين يخسرون الكثير من النقاط، وتعرض الدولة للعديد من الإشكاليات، أهمها بقاء الأحياء العربية حتى تلك الأحياء الصغيرة من شأنها أن تعرض سكان المدينة اليهود، لمخاطر أمنية صعبة
"
وقد دفع هذا الواقع الجديد بعشرات الآلاف من سكان المدينة الفلسطينيين للانتقال والإقامة في الجانب الإسرائيلي من الجدار، في ظل تراجع خيار تقسيم المدينة بصورة مقلصة، بفعل بناء الجدار الأمني الفاصل المحيط بمنطقة شمال المدينة.
وترجح الدراسة أن إسرائيل كدولة، ستجد صعوبة حقيقية في منع الهجرة الفلسطينية إلى داخل حدودها، لا سيما إذا تم حرف مسار الجدار الفاصل باتجاه الغرب والجنوب والشمال، باتجاه الأحياء السكنية اليهودية، وبالتالي فإن إمكانية معاودة هذه الهجرات من جديد أمر قابل للحدوث لذات الأسباب التي حدت بحدوث الهجرات السابقة.
رغم أنه على جانبي الفصل في المدينة المقدسة يتوقعون حدوث مكاسب اقتصادية وديموغرافية، لاسيما على صعيد تحلل عرب شرقي القدس من الضرائب المختلفة، التي تتم جبايتها بواسطة سلسلة من الأوامر القضائية الإسرائيلية، كما أن هذا التقسيم سيأتي بأضرار محدقة بالحق اليهودي للإقامة في المدينة المقدسة، ومسا خطيرا بما يسميه الكاتب "الجذور اليهودية" للمدينة.
المشكلة الديموغرافية
يشير الكتاب إلى أن معدل المواليد المرتفع في أوساط العرب المقدسيين، يتساوى تقريبا مع معدل المواليد اليهود، ما يؤثر سلبا على الصورة الديموغرافية للمدينة، علما بأن ذلك ليس السبب الوحيد للتقلص الآخذ في التزايد بين الأوساط اليهودية.
وبالتالي فإن العنصر الأساسي الذي يؤثر على تراجع نسبة السكان اليهود في المدينة المقدسة يتمثل في نسبة الهجرة اليهودية المرتفعة منها، فالإحصائيات المخيفة تشير إلى أن المعدل السنوي لهجرة اليهود منها تصل إلى 16 ألف يهودي، وخلال الـ20 سنة الماضية غادر القدس ما يقرب من 300 ألف يهودي.
تقترح الدراسة سلسلة من الخطوات التي يمكن اتباعها لوقف معدل الهجرة هذا، فقد أجري عدد من الأبحاث واستطلاعات الرأي في السابق، أوضح بما لا يدع مجالا للشك أن الأسباب الرئيسة لهذه الظاهرة تكمن في صعوبة العثور على فرص عمل مناسبة لليهود من جهة، والارتفاع الباهظ في إيجارات الشقق السكنية.
وهناك العشرات من القرارات التي اتخذتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والعديد من اللجان الوزارية لشؤون القدس، وطواقم من الخبراء، ولجان مهنية متخصصة لدراسة وضع المدينة، كلها أوصت بوضع العديد من الخطط المختلفة والمطالب العديدة لوقف ما أسمته بـ"النزيف" اليهودي الحاصل في تزايد معدلات الهجرة اليهودية، والحفاظ على أكبر نسبة ممكنة من سكانها اليهود للبقاء فيها.
"
الدراسة ترى أن جزء أساسيا من مهامها وضع سلسلة من الخطوات أمام صانع القرار الإسرائيلي القابلة للتنفيذ، من شأن تطبيقها إحداث تغيير جوهري ذي أثر ملموس على مسألة الهجرة اليهودية من مدينة القدس
"
جزء من هذه التوصيات التي قدمت للحكومات واللجان الوزارية تتلخص في ضخ المزيد من الأموال، لتثبيت العائلات اليهودية التي تشكو من ارتفاع باهظ في إيجارات السكن، ومحاولة توفير أكبر قدر ممكن من الأرباح المالية لسكان المدينة من اليهود، لكن عددا قليلا من تلك التوصيات وجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع، والجزء الأعظم منها بقي حبرا على ورق حتى كتابة هذه السطور!
الدراسة ترى أن جزءا أساسيا من مهامها وضع سلسلة من الخطوات أمام صانع القرار الإسرائيلي القابلة للتنفيذ، من شأن تطبيقها إحداث تغيير جوهري ذي أثر ملموس على مسألة الهجرة اليهودية من المدينة، وصولا إلى تغيير حقيقي في معدلات التفوق الديموغرافي التي تقف في صلب خطط تقسيم المدينة المقدسة.
جزء أساسي من الخطوات المتوقعة تتمثل في توسيع حدود بلدية القدس، والتجمعات اليهودية المحيطة بها، هذه الخطوة تتعلق بالبعد الإداري للكلمة، وليس الأبعاد السيادية، وستعني ضم كل يهود المدينة، حتى لو كانوا خارج الإدارة المحلية للبلدية الحالية، مثل تجمعات "معاليه أدوميم وجبعات زئيف وغيرها.
وتورد الدراسة عددا من المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى أنه رغم الفوارق الواضحة والكبيرة بين المرافق التحتية للمدينة في كلا قسميها اليهودي والعربي، هناك العديد من القواسم المشتركة بينهما في عدد من مرافق البنية التحتية: المياه والكهرباء والهاتف والخدمات الصحية وغيرها.
البعد الأمني
هذا المحور من الدراسة يتركز أساسا في تتبع الآثار الأمنية المترتبة على إمكانية اتخاذ قرار تقسيم المدينة، خاصة إمكانية إطلاق صواريخ وقذائف يحرص الفلسطينيون بصورة كبيرة على اقتنائها، واستخدم عدد منها مع بداية الانتفاضة في منطقة غيلو-بيت جالا.
ويحذر المؤلف من أن خطوة تقسيم المدينة ستكشف المزيد من التجمعات اليهودية أمام هذه القذائف ومطلقيها، وقد شهدت الفترة الماضية عددا من هذه الحوادث على قلتها، كما أن تقسيمها سيجعل جزءا من هذه التجمعات السكانية اليهودية حتما في مجال إطلاق قذائف الهاون، التي يعمل الفلسطينيون على تطويرها وتحسين قدراتها.
مدينة القدس، كونها المدينة التي تقع في صلب الصراع الديني القومي تحولت مع بداية سنوات الـ2000، إلى هدف مركزي للهجمات التفجيرية، وحصدت ثمنا باهظا من سكان المدينة اليهود، 210 قتيلا وآلاف الجرحى وإضرارا شديدا بمستوى المعيشة في المدينة.
"
الدراسة تؤكد أن التعامل مع المسألة الأمنية والمجموعات المسلحة في المدينة المقدسة لا يمكن إخراج مسألة تقسيمها إلى حيز الوجود، كما أن ذلك ينطبق على تعاملها مع مسألة الحروب
"
واستشهدت الدراسة بجملة من التحقيقات الأمنية والاستخبارية التي أكدت مشاركة واسعة لعرب شرقي القدس في هذه العمليات الفدائية خلال تلك السنوات، وبالتالي فإن المكافحة اللازمة لهذه المشاركة تحتم العمل على الفصل بين الأحياء العربية في القدس ونظيرتها اليهودية، لأن هناك التصاقا كبيرا بينها لا تتعدى في الكثير من المناطق العشرات والمئات من الأمتار فقط.
وبالتالي فإن خطوة إبعاد هذه الأحياء بعضها عن بعض ضرورية وملحة لأكثر من سبب، سواء من أجل إحباط تلك العمليات من جهة، ومن جهة أخرى لتسهيل مهمة جمع المعلومات الاستخبارية، وثبت ذلك من خلال العديد من الحملات الأمنية التي قامت بها أجهزة الأمن في المدينة.
وتؤكد الدراسة أن التعامل مع المسألة الأمنية والمجموعات المسلحة في المدينة المقدسة لا يمكن إخراج مسألة تقسيمها إلى حيز الوجود، كما أن ذلك ينطبق على تعاملها مع مسألة الحروب، ذلك أن الدفاع عن المدينة في حال اندلاع حروب مع جيوش نظامية تحتم على إسرائيل سيطرة مطلقة من قبل جيشها على تخوم المدينة أكثر من السيطرة الحالية.
الأماكن المقدسة
تؤكد الدراسة أن مدينة القدس تعد مقدسة في نظر الديانات السماوية الثلاث، وفي أنحاء المدينة القديمة توجد سلسلة من الأماكن المقدسة لليهود، المسلمين، والمسيحيين، وفي مركز هذه الأماكن: المسجد الأقصى وحائط البراق وكنيسة القيامة.
وفي إطار المحاولات السياسية الجارية لإمكانية تقسيم المدينة، تزعم الدراسة وجود مخاوف مما تسميه تراجع الحرية الدينية لرواد الأماكن المقدسة، سواء لليهود أو المسيحيين، لا سيما التي تخضع سياسيا مستقبلا للسلطة الفلسطينية، أو لاحقا للدولة الفلسطينية، وهذا التخوف مرده إلى وجود مؤشرات شهدتها السنوات الماضية، من خلال عدم قدرة أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية على ارتياد أماكنهم المقدسة التي تشرف عليها السلطة الفلسطينية.
ويزعم المؤلف أنه في ظل سيطرة السلطة الفلسطينية هاجر العديد من المسيحيين للأراضي الفلسطينية وذهبوا للخارج، وخلال تنفيذ عملية "السور الواقي" التي بادرت إليها إسرائيل عام 2002، لوقف العمليات الفدائية، استخدم الفلسطينيون كنيسة المهد في مدينة بيت لحم مكانا لاستيعاب ولجوء عشرات المطلوبين الفلسطينيين.
وفي مدينة بيت جالا أطلق الفلسطينيون النيران في العشرات من الحالات من داخل الكنائس المسيحية، بهدف إرباك إسرائيل وإحراجها أمام الرأي العام العالمي، من خلال استدراجها لإطلاق النار على مصادرها، وهي في هذه الحالة الأماكن المقدسة المسيحية.
الأماكن المقدسة اليهودية مثل قبر يوسف في مدينة نابلس أو قبة راحيل في بيت لحم تعرضت لحوادث إطلاق نار من قبل الفلسطينيين، وهناك أماكن أخرى مثل الكنيس القديم في أريحا وقبر أفنير في الخليل استخدمت أماكن للجوء المطلوبين إليها.
"
الدراسة تحذر صناع القرار في إسرائيل من أن قرار تقسيم مدينة القدس فيما لو تم، سيعيدها حتما لما كانت عليه قبل عقود طويلة، حيث عدم الاستقرار الأمني، والتراجع الاقتصادي
"
وفي العديد من الحالات التي نقلت فيها أجهزة الأمن الإسرائيلية المسؤولية الأمنية عن المسجد الأقصى لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية باءت جميعها بالفشل وتحولت ساحة الحرم إلى أحداث فوضى عارمة ضد المصلين اليهود في حائط البراق.
أخيرا تحذر الدراسة صناع القرار في إسرائيل من أن قرار تقسيم مدينة القدس فيما لو تم، سيعيدها حتما لما كانت عليه قبل عقود طويلة، حيث عدم الاستقرار الأمني، والتراجع الاقتصادي.
الجدير ذكره، ان "نداف شرغاي" مؤلف الدراسة، يعد كاتبا متخصصا في شؤون المدينة المقدسة، وهو صحافي مخضرم في صحيفة هآرتس منذ العام 1983، ويعد أحد أهم المحللين لشؤون مدينة القدس منذ 28 عاما متواصلة.
وقد أصدر في سبيل ذلك عددا من المؤلفات الخاصة بالمدينة، منها: قبر راحيل، والصراع على حائط البراق، واليهود والمسلمون والدين والسياسة، والقدس ليس المشكلة.. بل هي الحل.
أما عن جهة الإصدار، مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة فهو مركز أبحاث مقدسي، أنشئ عام 1976 وتخصص في إعداد الأوراق والدراسات والكتب الخاصة بالشؤون الإستراتيجية، ورفعها إلى صناع القرار في إسرائيل، وأمام الرأي العام الإسرائيلي.
وشكراااااااااااا-------------------------------