ليتني ما دخلت منفذ الوديعة الحضرمي
منصور باوادي
المنفذ إن كان بريا أو مائيا يعكس ثقافة ورقي الدولة, وهو بوابة العابرين إلى حيثما توجد دولة وشعب وقانون ونظام, لكن منفذ الوديعة الحضرمي جغرافيا اليمني إداريا, لا ترى شيئا يدل على دولة تستحق الاشادة والثناء, حتى ذلك العلم التعيس يشكوا الشقوق والخروق التي أثخنت جسده فبات يرفرف مذبوحا وليس منتشيا, كل شيء من حولك في منفذ الوديعة كأنه يطردك خارج حدود الوطن. كنت هناك قبل أيام وظننت أني دخلت مضارب الشنفري شاعر الصعاليك, لاتجد شيئا فيه يوحي لك أنك في القرن الحادي والعشرين حتى العسكري الذي يحمل بندقيته ويجلس على تنك أو حجر على البوابة, ونصفه مدني والآخر عسكري, هيئته يرثى لها تحكي الاهمال والامبالاة, لا تجده إلا مخزنا في ليل أو نهار, ولا أدري متى آخر مرة استحم, لا ألومه فهو ضحية نظام فاشل بكل المقاييس. وجدت في المنفذ رجلا متكئا على حجر, والحجر في منفذ الوديعة أكثر من البشر وأقصد به حجر التخزينة التي يتكئ عليها المخزن, كان جالسا في مكان لا أرضى أن أتبول فيه لا أن أجلس, وكثير أمثاله مبعثرون هنا وهناك يتكئون على الحجر ولا يبالون بما حولهم. في المنفذ الحضرمي كنتيرات (غرف الإداريين) بعدد حبات الرمال, شكلها عشوائي جدا وغير مرتبة, ومتزاحمة والناس يتجمهرون أمام نوافذها, بينما في المنفذ المقابل السعودي تجد غرفا نظيفة ومرتبة تبدأ أولا بحجرة الجمارك بها شباكان شباك للسيارات وآخر للمشاة في انتظام وترتيب, ثم تنتقل خطوات وتأتيك حجرة الجوازات كأختها في ترتيبها وتصميمها ثم إلى البوابة الخارجية, في سلاسة وهدوء وانتظام, لا تجد قطيعا من الجنود والسماسرة ورجال كثر يتسكعون بدون وضيفة, لا تجد كراتين وقوارير وعلب مرمية في كل مكان كأنك في مكب نفايات, بينما في المنفذ الحضرمي المقابل قطعانا من البشر لا أقصد المسافرين ولكن العاملين فلا تميز بين عامل جمارك وجوازات وحارس وسمسار ومتسول وبائع قات وصنوفا من البشر لا أدري ما حالهم وما عملهم. مدخل المنفذ من الجهة السعودية ومدخله من الجهة الحضرمية مثل بوابة أثرية قديمة أكل الدهر عليها وشرب, توحي إليك وكأنك داخل إلى بقايا مدينة قديمة شبع الدهر من تدميرها وخرابها. في المنفذ السعودي لا تسمع صياحا ولا زعيقا ولا إزعاجا يصم الآذان, بينما في المقابل تجد في منفذنا أصواتا وزعيقا وصياحا وكأننا في حراج, وينادي أحدهم صاحبه وبينهما عشرة أمتار فقط وكأنه ينادي شخصا في طائرة في الجو, لا يعرفون السكينة والهدوء أبدا. في منفذنا الحضرمي كل زبالة الدنيا وأقذارها وأوساخها, تغوص قدمك في قوارير الصحة والأكياس والعلب والكراتين, والكراتين في المنفذ عليها طلب كونها تؤدي وظيفة إضافية وهي وظيفة سرير النوم آخر الليل. إياك ثم إياك أن تخرج من المنفذ السعودي وأنت تشعر باحتقان بول أو غائط لأنك ستواجه مشكلة عويصة جدا في منفذنا, وإذا معك أسرة فالمشكلة أدهى وأمر, فاقض حاجتك في المنفذ السعودي حيث الحمامات النظيفة, ثم شد رحالك إلى تلك الصحراء المقفرة المقابلة. في منفذنا صورة سيئة جدا جدا لدولة فاشلة بليدة غبية حمقاء, لا تشرّف أي مواطن ولا زائر, إضافة إلى القذارة هناك قذارة أخلاق أيضا ولا أعمَّ الجميع, لكن من يدخل ويخرج من المنفذ يدرك هذا جيدا, وكثير من المسافرين يتعرضون لكلمة نابية وغلظة في القول وخاصة من بعض الذين يتولون حراسة البوابات. في منفذنا شحاتة اسمها “حق النقطة” وفي الحقيقة هي شحاتة عسكرية نظامية يتعاقب عليها حراس النقاط, إذا لم تعطه ربما تهجم عليك وخلق لك مشكلة, وبعضهم للإنصاف يسمح لك بالعبور إذا لم تعطه شئيا, إنهم الشحاتون العسكر, ولا أدري هل يستلمون رواتبهم من المسافرين أم من الدولة. المنفذ يقع على أرض حضرمية يسكنه غير الحضارم, وهذه ليس عنصرية لأن المنافذ الأخرى يسكنها أصحابها ويديرونها أيضا, إلا عندنا, لأن ترمومتر الوحدة عندنا عال جدا ( فل ), وبالتالي لابد من غير الحضرمي أن يدير, وإلا فنحن عنصريون انفصاليون مغضوب عليهم, لهذا كان المنفذ أسوء من حمام حديقة حيوانات مهجورة. افهموها كيفما تريدون وفسروها حسبما تبغون لأنني زهقت وطفشت وفاض بي الكيل ولو أمللك أن أدخل حضرموت من غير منفذ الوديعة لفعلت ولكن مطار الريان هو الآخر يشكوا حاله. هذه خواطر مكلوم من الوضع العام, أصابه الضجر والاحباط, أصبحت فردا ضمن أتعس شعب وأفقر شعب بسبب حقبتين تلاحقتا على ضم حضرموت قصرا وقهرا, ولازالوا يكتمون أنفاسنا باليمننة والجنبوة, وهأنذا أكتب كلماتي من خارج معشوقتي حضرموت. - See more at:
http://ahgaftoday.com/new/?p=62269#sthash.emjqYVE8.dpuf