المتابع لتصريحات القيادة السعودية والخليجيه واعلامهم تجاه التطورات في اليمن ,يلاحظ لامبالاتهم بقيام“انصار الله” الحوثي بحسم معركة الحكم في صنعاء لصالحه، واكمال سيطرته على معظم مفاصل الدولة واجهزتها ومؤسساتها ومقار وزاراتها وجيشها, وتخبطهم وتناقضهم في تحديد الموقف الصائب تجاهها لغياب الرؤيه الاستراتيجيه حيالها, فنجد ان مجلس التعاون قد بارك في بيانه ,اتفاقية السلم والشراكه التي فرضها المنتصر الحوثي على الدوله وحاشيتها السياسيه المهزومه ,والتي اعطته الشرعيه في اسقاطه لصنعاء ,كما ان كلمات وزيري الخارجيه سعود الفيصل وعبد الله بن زايد في الدورة العادية التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة ليل السبت/الأحد لم تخرج من هذا الاطار فقد اكدت عن امل بلاديهما “بأن يحقق اتفاق السلم والشراكة الوطنية المبرم بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي تطلعات الشعب اليمني نحو وقف العنف والاقتتال واستكمال العملية السياسية”.
وكذلك الحال بالنسبه للمفكرين والاعلاميين السعوديين والخليجيين فنرى ان كتاباتهم تشير الى القبول بالامر الواقع وعدم استثارة المنتصر .فنرى ان الكاتب السعودي خاشقجي المقرب من النظام يقول في مقالته الصادره قبل يومين معلقاً على الأحداث التي تشهدها اليمن خصوصاً بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وإسقاطها أمام مرأى ومسمع العالم بأسره .. قال : ((لم ينجح أحد في إلغاء الحوثي عندما كان مجرد مقاتل غاضب في صعدة وبالتالي يستحيل إلغاؤه وهو القوي المهيمن في صنعاء.))
وتابع الخاشقجي في مقاله يقول :
((في ظل هذه الحقائق المشيرة إلى أن ثمة يمناً جديداً يتشكل وفق شروط المنتصر الحوثي، كما لا تستطيع المملكة أن تمنع اليمن المستقل من اختيار أصدقائه وحلفائه، وليس سراً أين يقع هوى الحوثي، فإيران اليوم شريكة للمملكة في النفوذ في اليمن مثلما هي شريكتها في لبنان.
الاختيار الأفضل هو دعم تحول اليمن نحو نظام ديموقراطي ومنع أي أسباب تؤدي إلى أن يختار الحوثي حسم صراع الحكم لصالحه والانفراد به، يمن ديموقراطي هو الحل، حينها ستجد المملكة حليفاً في اليمن يحتاج إلى دعمها بل حتى حمايتها، ويستطيع أن يحقق توازناً مع الحوثي يمنعه من التفرد بالحكم ويتخذ قرارات تضر بمصالح المملكة… وما لا يدرك كله لا يترك جله.))
كمانرى الكاتب الرميحي في مقالته المنشوره بيوم 27/9/2014م بعنوان ((تبتغونها عوجا في صنعاء.. خذوها واشبعوا!))
(( ما حدث في اليمن ليس نهاية المطاف، أصوات من طهران تستبشر بـ«سقوط العاصمة الرابعة» في حضن الجمهورية الإسلامية. ولكن اليمن بلاد قبلية جبلية لا يستطيع أحد السيطرة عليها، كل من حاول عبر التاريخ فشل، وكانت الدولة العثمانية آخر الفاشلين،
وبعد سنوات تبين للنظام المصري الناصري قيمة تلك الحكمة؛ كم كانت المعلومات عن اليمن تنقص النظام، فتورط فيها حتى فضل الخروج، دون أن يكون اليمن قد استقر على حال.
ويبدو ان النظام الإيراني الذي استبشر خيرا بسقوط «العاصمة الرابعة» في تيارهم، سيكررون أخطاء غيرهم، فالشعب اليمني يمتاز بصفتين؛ الأولى أنه شعب فخور بنفسه إلى حد «العظمة»، والثانية أن موارده محدودة إلى حد «الفاقة»، هاتان المتلازمتان تجعل الأطراف اليمنية كلها قابلة للاستئجار مؤقتا، ولكن ليست للبيع! لا تستطيع الجمهورية الإسلامية أن تفعل حيال تلك الحقيقة الشيء الكثير.
من جديد، لست في مكان للنصيحة لدول الجوار، ولكن أعتقد أن ترك طهران تغطس في وحول اليمن المعقدة، وتواجه الانفصال إلى دويلات، هو أفضل السبل المتاحة حتى الآن للجم طموحات طهران، وأن يرفع شعار واضح بديلا عن سكب الدموع، تُريدون صنعاء، خذوها واشبعوا بحرب لا تبقى ولا تذر.))
وعلقت صحيفة الرياض على مجريات الاحداث اليمنيه في مقالها الافتتاحي الصادر قبل يومين تحت عنوان ” اليمن.. من الشيوعيين.. إلى الحوثيين !! :”
مؤكده ان :” الدول الخليجية طرحت مشروع مصالحة ودعم مادي ومعنوي؛ لأن نظرتها لليمن مرتبطة بأمن الجميع، وتفويت الفرصة على اللاعبين من الخلف باستغلال الظروف وتفجير اليمن “.
ومضت قائلة :” ان العملية بذاتها ليست دينية بل هي سياسية مذهبية رغبت إيران أن تسيّل أموالها ورعايتها في خلق بؤر تطوق بها دولاً عربية أخرى ضمن هدف نشر ثورة الخميني، وكان خيارها الأول على اليمن فكان أول بنود عملها” ..
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول :” يبقى الأمر معلقاً على اليمنيين أنفسهم بالخيار الواقعي بمن يريد التصعيد، ومن يرغب التوفيق ودرء المشاكل، وهنا لابد من وقفة حقيقية لا تراعي منطلقات الأشخاص وأهدافهم، ولا من يحركهم، وإنما فهم واقع غيرهم في محيطهم العربي، وكيف انتهت إليه الأمور في تلك البلدان، وحرصهم على ألا يكون بلدهم هدفاً لأن تعاد فيه التجربة بدموية أشمل تفضل الرغبات على حماية أمن الشعب والوطن “.
ويتبين لنا من هذه النماذج من التصريحات لكبار المسؤلين والمفكرين والاعلاميين المقربين من مصادر القرار السعودي والخليجي مدى التخبط واللا مبالاه بما يحدث تجاه هذه الاحداث الاستراتيجيه التي تجري عند حودهم الجنوبيه ,وعدم الاستشعار بحجم الخطر الاستراتيجي لهذا الاجتياح الحوثي لصنعاء وامساكه بتلابيب السلطه هناك ,والتي ستغير مجريات الاحداث بصوره دراماتيكيه بل وربما ستكون سببا مباشرا في زوال الانظمه في بلدانهم ,اوعلى الاقل اثارة القلاقل والاخلال بالامن وانهاء الاستقرار الذي تنعم فيه هذه الدول لعشرات السنين.
بالرغم انها تدرك جيدا ان سيطرة تيار “انصار الله” الحوثي يعني ترسيخ اقدام ايران عدوهم اللدود ,في هذه المنطقة الاستراتيجية في جنوب الجزيرة العربية، والسيطرة بالتالي على مضيق باب المندب، مدخل البحر الاحمر بعد السيطرة على مضيق هرمز مدخل الخليج؟ واستكمال طوق النفوذ الايراني حول السعوديه ودول الخليج من الشرق والشمال والان من الجنوب.
وقد يكون الكاتب عطوان محقا في قوله في مقالته المنشوره حديثا بعنوان((التطورات في اليمن؟)) ((يمكن القول ان “الخرق اتسع على الراقع″ بالنسبة الى القيادة السعودية، وتكاثرت عليها الازمات والمشاكل، الامر الذي دفعها الى اعادة ترتيب جدول اولوياتها، واحتل اليمن بالتالي ذيل السلّم في الوقت الراهن على الاقل، بينما احتلت مسألة مواجهة المتشددين الاسلاميين في سورية والعراق قمة هذا السلم، لان قوات “الدولة الاسلامية” باتت ترابط على حدودها الشمالية، بينما انشغل الحوثيون عن السعودية في هموم اليمن الداخلية وكيفية سيطرتهم على صنعاء.))
واذا كانت الاستراتيجيه السعوديه في التعامل مع اليمن اثبتت نجاحات كبيره ,منذ الحرب الملكيه الجمهوريه في الستينات وحتى بداية الالفيه الثالثه .فقد ارتكزت هذه الاستراتيجيه على كسب ولاءات كبار قيادات الدوله المدنيه والعسكريه والقيادات القبليه والدينيه من خلال تخصيص موازنات سنويه هائله لهم.الا ان ثبات هذه الاستراتيجيه دون تحديث يتوكب مع المستجدات العاصفه التي تحدث بصوره متسارعه ,هو الذي اوقعها في هذا الفشل الذريع والصدمه العنيفه ,المتمثله بسقوط صنعاء بيد الحوثي ,راس الحربه الايرانيه في الخاصره الجنوبيه للسعوديه.ومن المؤكد ان المحللين الاستراتيجيين السعوديين لم يمعنوا النظر المتفحص وياخذوا بعين الاعتبار التاثير الكبير للقوى الجديده الصاعده في شمال اليمن المتمثله بالحوثيين, والجنوب العربي المتمثله بالحراك السلمي الجنوبي ,وحضرموت المتمثله بالحركات الاستقلاليه الحضرميه ,والتي فرضت سيطرتها الشعبيه في مناطق تواجدها في صعده وماجاورها من محافظات وفي كل الجنوب وحضرموت ,واصبح وجود الدوله فيها مفروض فقط بقوة الحديد والنار. لقد فرضت هذه القوى الجديده تاثيراتها على الارض وانتشرت رياح تغييرها لتهز منظومة تحالفات الحكم التي اصبحت هشه في صنعاء, بعد تغييرات مايسمى بالربيع العربي ,التي شملت العديد من البلدان العربيه,الامر الذي ادى في الاخير الى سقوط هذه المنظومه الحاكمه في 2011م ,وازاحة الرئيس صالح واستبداله بالرئيس هادي بموجب المبادره الخليجيه التي اخرجتها واشرفت على تنفيذها السعوديه وبمباركة وتاييد اعضاء مجلس الامن, والتي لم تاخذ بعين الاعتبار حقوق وتطلعات ومعاناة الحوثيين والحراك الجنوبي والحضارم,وحصرت الصراع والمعالجات فقط على القطبين الرئيسيين المترهلين في صنعاء وهم الاصلاح وشركاؤه بقياده علي محسن وحميد الاحمر والمؤتمر وحلفاؤه بقيادة الرئيس صالح.ولذلك فقد ظلت الازمه مشتعله ولم تتوقف وظلت تتصاعد حتى جاء الوقت الذي انفجرت فيه ,واتاحت للحوثي تحقيق مكاسب سياسيه وعسكريه وانتشار واسع على الارض في مده بسيطه بفضل الدعم الهائل من ايران ,الامر الذي جعله مهياً لاسقاط صنعاء بكل هذه السهوله بعد اسقاطه لعمران قبل شهرين.
وبعد حدوث هذا الزلزال المدوي في صنعاء واعلان ايران سقوطها بيدها كمدينه عربيه رابعه ,اصبح لزاما على المفكرين واصحاب القرار في السعوديه ودول الخليج ان يعيدوا قراءتهم وبتمعن ,لمجمل الاحداث الدراماتيكيه في منطقة اليمن والجنوب وحضرموت . ويقوموا بتغيير استراتيجيتهم السابقه ,تجاه هذه المناطق الملتهبه ,التي اثبتت فشلها منذ بداية الالفيه الثالثه ,وكان سقوط المبادره الخليجيه بسقوط صنعاء بيد الحوثي اكبر دليل على هذا الفشل الذريع .وان يعدو استراتيجيتهم الجديده وفقا والمعطيات الموضوعيه الجديده التي من اهم مرتكزاتها ان الجمهوريه اليمنيه ليست كيانا جغرافيا واحدا ولا يشكل سكانها هويه وطنيه متجانسه واحده وانما هي تضم ثلاث كيانات جغرافيه مختلفه هي اليمن والجنوب وحضرموت ويقطنها ثلاثة شعوب متمايزه هم اليمنيون والجنوبيون والحضارم ولكل هويته ومذهبه الديني وثقافته وعاداته وتقاليده وتاريخه المتميزه عن الاخر.ولن يتم تامين الخاصره الجنوبيه للسعوديه ودول الخليج الا من خلال قيام كونفيدراليه لثلاث دول مستقله هي اليمن والجنوب وحضرموت ,ويتم ضمها لدول مجلس التعاون الخليجي لاحقا بعد تاهيلها.ويترتب على ذلك ان على السعوديه ودول الخليج ان لاتكتفي فقط بتقديم الدعم للنظام والقوى السياسيه والقبليه المتهالكه في اليمن, ومحاولة ترقيع منظومته السياسيه التي تمزقت شر ممزق ,ولان الوضع ميؤس في استقراره هناك ,ولكن عليها ايضا العمل على تقديم الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي للمكونات السياسيه التي تنادي باستقلال حضرموت والجنوب (حلف قبائل وابناء حضرموت والحراك السلمي الجنوبي ) التي يمكن استقرار اوضاعها بعد استقلالها عن اليمن .وحتى لايلتهمها المد الايراني بعد ان التهم صنعاء عاصمة اليمن. وتصبح الخطوه القادمه لايران هي التهام السعوديه ودول الخليج , من خلال خاصرتها الجنوبيه وبواسطة المقاتلين الحوثيين,راس الحربه الايرانيه الموجهه ضدها.
الوادي برس/ بقلم/ م.لطفي بن سعدون
*ناشط سياسي وأجتماعي
عضو رئاسة واعلامية حلف قبائل حضرموت