ونكبّر العيلات يوم نعيل
التاريخ: 09 مايو 2016
عندما اقتربت منيّة خالد بن الوليد رضي الله عنه، ذكر أمنيته الشهيرة التي دونتها كتب التاريخ: «ما من ليلة يُهدى إليَّ فيها عروس أنا لها محب، أو أُبَشّر فيها بغلام أحب إليَّ من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد، في سرية من المهاجرين، أُصَبّح فيها العدو»، تلك هي روح الكرامة وغاية المُنى وهمّة الأفذاذ، ونقطة آخر السطر لدى أبطال كل أمّة، وهو الإرث الذي تناقلته الأُمة في دماء أشرافها، وحملته أكتاف من حموا الأرض ونافحوا عن العرض، فـ «إمّا حياةٌ تسرّ الصديق، وإمّا مماتٌ يغيظُ العدا»!
أبطال الأوطان وحُماتها لا ينتظرون تطبيلاً ولا ينشدون تلميعاً، فقد لهجت بمحبتهم القلوب، وطابت بطيب فِعالهم أحاديث الناس، ولئن مرّت بنا مناسبة الذكرى الأربعين لتوحيد قواتنا المسلحة، إلا أنها هذه المرة أتت في أجواء مختلفة.
فما جُرَّتْ له بلدان العرب من فتنٍ في الفترة الأخيرة، وما تكشّف من أجندات لتصدير الثورات الطائفية الفاشية، وكِبَر حجم المؤامرة التي تمالأ فيها أعداء الأمس على أوطاننا المسالمة، ليرمونا عن قوسٍ واحدة، لم يكن ليوقفها و«يُرغِمَ أنفها»، بعد الله تعالى، سوى بواسل جيشنا وأشقائهم في التحالف العربي، بقيادة المملكة السعودية، في منعطف تاريخي مهم.
عندما هبّت دولة الإمارات مع شقيقتها السعودية لنجدة المستنصِرين والمغلوبين على أمرهم من الشعب اليمني الشقيق، بعد أن أطبقت عليه مخالب الضباع الغادرة من حوثيين وقاعدةٍ ودواعش، ودوت أخبار الانتصارات ودحر قوى الظلام والخيانة، كنّا نرى الفرحة في عيون الناس هنا، كما نراها على شاشات التلفاز في عيون اليمنيين هناك.
ولم يعد للمجالس من حديثٍ سوى الفخر بصنيع بواسل جيشنا في نصرة الشقيق وإغاثة الملهوف ودحر العدو الصائل، وحماية الدار بحماية الجار، وكم كان المشهد مهيباً، عندما زُفّ للجنة بإذن الله، شهداؤنا الأطهار، فكان كل بيتٍ من السلع حتى الفجيرة، لا يراهم إلا أبناءه، يفخر بما فعلوه في ميادين العزّة، ويهنئ نفسه بنيلهم للشهادة مُقبلين غير مدبرين، يتقدمون الصفوف، ويُرغمون الأنوف ويدكون العدو دكّاً.
حيثما يممت الآن، ترى حب الناس لأبطال جيشهم وبواسله، تلاحظ ذلك في أحاديث المجالس، والتي لا تتعطّر وتحلو إلا بذكرهم، وترى ذلك في إدمان الكل لسماع الأهازيج والأغاني الوطنية التي تفخر بهم، وتلمس ذلك وأنت ترى شعار الجيش وألوانه قد طغت على «الحمدانيات»، التي يلفّها الشباب على رؤوسهم، وعلى أغطية الهواتف وملصقات السيارات، بل وحتى قمصان الرياضة.
كيف لا يعشقون جيشهم، وهو يحوي صفوة شباب الوطن وخيرة أبنائه، ممن لم يتأخروا لحظة في تلبية نداء الشرف لحماية الدار ونصرة الشقيق المستضعَف، ومن لم يبخلوا بأرواحهم، وهي أغلى ما يملكون، ليحملوها عن طيب خاطرٍ من أجل خاطر هذا الوطن وأهله، وكيف يمكن إلا أن ينظر له الكل بنظرة الفخر، وقد أصبح، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «مدرسة راسخة في الوطنية الإماراتية، تلهم المجتمع الإماراتي، وتقدم له النموذج والقدوة في التضحية والفداء».
هو الجيش الذي أخرس ألسنة بائعي الأوهام ومسوّقي الإحباط ممن أصمّوا آذاننا منذ سنين عديدة في أدبياتهم الفاشلة، وبرامجهم التحبيطية، بأنّ جيوشنا هي للاستعراض العسكري في المهرجانات لا غير، فأثبت «عيال زايد»، أنهم رجال المواعيد الكبيرة، وأنّ ميادين الشرف ترفع قبعاتها لِنُبْل وقفاتهم وعظيم صنائعهم.
وأنهم قد تركوا الكلام لفوّهات مدافعهم وقصف الـ F16، وأنّهم عندما حانت الساعة و«ثار البارود»، ثاروا له ووقفوا في وجوه الشر الكالحة، وقوف الجبال الرواسي، فكسروا شوكتهم وأذاقوهم من المهانة ما هم جديرون به، وكلما ذُكِر عيال زايد الآن، ارتعدت فرائص الخونة، فقد رأوا بأم أعينهم، ما فعله أولئك الأسود في نزالاتهم معهم، وكأنهم يعيدون على مسامع الكون، ما قاله شاعرهم القديم، سعيد بن عتيج:
وإلاّ نحن لي ما يعال عْليـنا ونكَــبّر العيـــلات يوم انعــيل
لن أفصح عن جديد، إن قلت أن بطولات جيشنا مع صناديد الجيش السعودي الأشقاء، قد بثّت روحاً نابضة في أوصال أمتنا العربية، وأرغمت جمهورية الشر أن تعيد حساباتها، بعد أن أفشلت قوات التحالف العربي، مخططات جارة السوء وأذنابها من عصابات الدم والإرهاب، والتي رافقها سكوتٌ مريب من القوى الكبرى، ودخلت قوات المملكة والإمارات تحديداً، كأرقام صعبة على المشهد السياسي بالشرق الأوسط، وكما قال صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، في كلمته لقواتنا المسلحة.
فإن «ما تمر به منطقتنا من صراعات واضطرابات وحروب، نتيجة لما تشهده من تنامي الحركات الإرهابية والتدخلات الخارجية، وما يسبب ذلك من دمار وخراب، يضع على عاتقكم وعاتقنا، مسؤوليات تاريخية، تتطلب التحلي بالعزيمة والاستعداد للدفاع عن الوطن وثوابته».
هذه المسؤوليات وجدارة الرجال بحملها، هي ما يفتح للأمل أبواباً عديدة في عالمنا العربي، الأمل الذي أعادته فوّهات بنادق الرجال وقطرات دمائهم، بعد أن كاد يُطفئه كُتّاب الفشل ودعاة الإحباط وأعوان الخونة، ممن يصدق فيهم قوله تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ)، لذا، لم يكن بغريب أن يصف «بو خالد» حفظه الله، حُماة الوطن، بأنهم «فخر الإمارات وعنوان شموخها».
وهو ما وضّحه سموّه بقوله «إنّ القوة هي التي تحمي المكتسبات، وتصنع السلام، وتردع المعتدين، وإن الضعف يخلق الفوضى ويُغري بالعدوان، وإنّ المجتمعات التي لا تمتلك القدرة للدفاع عن نفسها وإرادة التضحية للحفاظ على مصالحها وسيادتها.
هي مجتمعات هشة، لا يمكنها الحياة بكرامة، في عصر يموج بالمخاطر والمطامع والتهديدات»، فاليقظة مطلوبة، والتأهب ضرورة، والجاهزية لازمة، فالشر لم ينتهِ، والمؤامرات لن تتوقف، والطامعون كُثُر، لكننا أعددنا لقادم الليالي، بعد عون الله، كتائب الأبطال ممن تمنى أمثالهم خالد بن الوليد، حتى يُصبّح بهم العدو!
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2016-05-09-1.2635557