الوطن يترنم بأنشودة النصر
محمد بن راشد في «الفاتحين».. الإمارات عرين العرب
تاريخ النشر: 10/11/2015
بقلم: إبراهيم بوملحة
قصيدة مكتملة المبنى والمعنى تتحدث عن البطولة وتصف عودة الأبطال إلى أرض الحمى بعد أن حققوا النصر ودحروا العدو عن تحقيق مآربه وتحتفي بهذه العودة الميمونة إلى أرض الوطن وأحضان الشعب والقيادة وتذكر ما أصاب العدو من قتل ودمار وخسران وترفع للعائدين رايات الترحيب والاستقبال الحافل بعودتهم مظفرين محققين ما يصبو إليه شعبهم وأرضهم من انتصارات وتلقين العدو درساً من الهزائم، هذا العدو الذي يصفه الشاعر بأنه الذي باع كرامته وتاريخ وطنه وارتمى تحت أقدام الفرس ذليلاً مهاناً يحقق بتبعيته لهم مآربهم الحقيرة.. لقد جاءت القصيدة لتحكي ذلك وأكثر منه ولتسطر بكلماتها وفخامة عباراتها ونشوة الفخر فيها آيات التقدير والاحتفاء بالعائدين وتفرش لهم الأرض وروداً وأزاهير يانعة تتمايل من فرط الفرحة بعودتهم منتصرين ترفرف فوق رؤوسهم رايات العزة والكرامة.
تدور القصيدة في فلك هذه البطولة والانتصار وتحقيق الغرض الذي أرسلت لأجله هذه القوات وفرحة الشعب والقيادة والوطن بعودتهم مظفرين، جاءت صياغتها من التجانس والقوة بحيث سارت على هذا المنوال إلى آخر أبياتها مفعمة بكثير من الصور الأدبية والبلاغية مما يزيدها اتساقاً وألقاً وجمالاً في إجلاء المعاني وزخم المضامين بصورة فيها شيء كبير من الإبداع والتميز مما يلفت نظر القارئ ناحية هذه الشاعرية المتمكنة ذات التاريخ المؤهل لأن تنتج مثل هذه القصيدة المتميزة في مضمونها وصياغتها وإبداعها.
ولكون القصيدة وطنية فقد وفق الشاعر في اختيار إيقاع حماسي لها بحيث غدت معه كنشيد على وقع خطوات الجنود في ميدان المعركة.. بدأها الشاعر بوصف الأبطال بأسود الجزيرة ويكفي هذا الوصف بما يختزنه في جنباته من معاني القوة والعزة والأنفة والكرامة لأن للأسد معاني ومضامين ترتسم في الذهن بمجرد سماع اسمه تتعدى مجرد القوة الجسدية إلى غيره من الجوانب المعنوية التي أشرت إليها، ولكونه سماهم أسوداً فقد أجاز لنفسه أن يجعلهم حماة الديار والمدافعين عنها في وجه الأخطار الداهمة لأن ذلك يحتاج إلى جنود بقوة ومعاني الأسود ولم يجعلهم حماة الإمارات فقط وإنما وصفهم بحماة الديار أي بلدان الجزيرة كلها، وطلب منهم أن يحققوا له أمله ويشفوا غليله من المعتدين الظالمين بعودتهم للحمى منتصرين سالمين غانمين.. وهذا ما هو متحقق أمام عين الشاعر بهذه العودة الميمونة التي أشفت غليل قلبه من أعدائه وعندما وصفهم الشاعر بحماة الديار كان يقصد بذلك كما قلت ديار الجزيرة كلها لذلك جمعها فقال (الديار) وعندما طلب منهم العودة جعلها لأرض الإمارات لذلك أفردها فقال (للحمى).
أسودْ الجزيرة حماة الديّار قِضوا شفّنا وارجعوا للحمى
عرِينْ العَرَبْ دارنا بافتخارْ ومن شَعْبِنا النّاسْ تِتعلما
هذه الدار التي يصفها بأنها (عرين العرب) وهي لا شك كذلك فإن الإمارات على مدى تاريخها وممارستها لم تكن إلا كذلك ولم يقل دار العرب وإنما قال (عرين العرب) أي شوكتهم وقوتهم وحصنهم المنيع.. فللتعبير بالعرين دلالات ومعانٍ من القوة والحماية والتمكن.. والعرين هو بيت الأسد وسكنه وهذا ما يتناسب مع وصفه في أول القصيدة الجنود بأسود الجزيرة، ولا ينسى الشاعر أن يمدح في سياق ذلك شعبه الذي دائماً ما يفتخر به فأولاً وصف داره بعرين العرب ثم خص شعبه في الشطر الثاني بقوله (ومن شعبنا الناس تتعلّما) أي أن شعبه في مرتبة من التميز والقدوة للآخرين بحيث يتعلمون منه كل جديد وابتكار وإبداع وتطور ومواقف بطولية أي إنه وضعه في مرتبة القدوة.
سقوا المعْتدي كاسْ موتْ ودمارْ
وخَلوه عَ اللّي فَعلْ يِنْدما
ويصف هؤلاء الجنود بأنهم جرعوا المعتدي كأس الموت والدمار وقدم الموت على الدمار لأن الموت أهم في حسم المعركة من التدمير والقصد هو معاقبة المعتدي أولاً وليس تدمير ممتلكاته لذلك جعل الدمار ثانياً، وجاء الشاعر بمفردة سقوا للدلالة على ما تجرعه العدو من الموت الذي سرى في أحشائه، وجمع الشاعر الفعل فقال سقوا للدلالة على أن الجنود جميعهم شاركوا في إسقاء الموت للعدو، بينما أفرد العدو للدلالة على أن العدو بجميع فئاته وانتماءاته هو واحد في أهدافه ومقاصده فلا فرق بين حوثي ولا أنصار الرئيس المخلوع.. وذكر الشاعر بأن هذا الموت للعدو والدمار له سيجعله يندم على الذي فعله وأقدم عليه.
هلا ومرحبا بالجنودّ الخِيارْ
غدَتْ أرضكمْ منْ وصلتوا سَما
ويرحب الشاعر بالجنود العائدين ويصفهم بالأخيار وهم حقيقة كذلك لأنهم بذلوا النفس والنفيس في الدفاع عن الوطن والحق والعدالة لذلك جعل الشاعر أرضهم بعودتهم وكأنها غدت سماء عالية من رفعتها وشموخها بهم، فهنا الشاعر يسطر في قوله هذا مدحين أولاً للجنود العائدين الذين جعلوا أرضهم تتبدل إلى سماء شامخة بمنجزاتهم وتضحياتهم ومدح من جانب آخر لأرضهم التي ارتقت بعودتهم لتغدو سماء بفعل أبنائها العائدين.
ويخاطب الجنود بقوله: برجوعكم إلى البلاد محققين غاياتها وأهداف شعبكم وقيادتكم غدت بكم أرضها سماء عالية لا تعادلها في رفعتها سماء أخرى.
- ويقر الشاعر بأن الجنود قدموا خدمات كبيرة لوطنهم بكل الاعتبارات والمقاييس وهم حقاً كذلك لأن ما قدموه يفوق الوصف والتصور لذلك قال الشاعر (بكل اعتبار).. وأمسى الوطن بهم مفتخراً يترنم بهذا الفخر وكأنه أنشودة له، ولم يقل أصبح أو أضحى وأنما قال أمسى لأن ذلك يوحي بدلالة أبلغ وأهم فإذا كان الوطن أمسى يترنم بهذا الفخر الذي أوصله إليه جنوده فهو من باب أولى أن يكون كذلك في غيره من الأوقات.
خدمتوا وطنكمْ بِكلْ إعتبارْ
وأمْسى بكمْ فَخْرْ يترَنّما
وكيف لا يكون كذلك وهم الذين أرخصوا العمر لأجله ولأجل أهله وصانوه بما قدموه من هذه الدماء الزكية والأرواح الطاهرة التي ضحوا بها من أجل أن يعيش الوطن حراً كريماً.
وتَرَى الحقْ واضحْ شراةْ النهار
يشوفَهْ ولوْ ما يشوفْ العَمى
ويؤكد الشاعر أن الحق في هذا الموقف واضح لا يختلف عليه اثنان.. وليس واضحاً فقط وإنما من شدة وضوحه صار كالنهار لذي عينين حتى للإنسان الأعمى الذي لا يبصر شيئاً وفي هذا دلالة على أن الإمارات ما خاضت هذه الحرب إلا بعد أن توضحت أمامها الرؤيا بأن الحق الواضح معها دون أدنى شك أو ريب.
وقوله (غدت أرضكم من وصلتوا سما) يفهم من ذلك المعنى بأنه ليس المقصود مجرد الوصول وإنما الوصول المقترن بانتصاراتهم ومنجزاتهم الغرّاء في ميدان المعارك ذلك الذي جعل أرضهم فرحة بعودتهم المظفرة حتى غدت بهم سماء شامخة.
وقالوا هَلْ الرأيْ منْ يارْ سارْ
وقالوا فلا دامْ منْ يظلما
ويضرب الشاعر في هذا الموقف مثلين للقارئ وذلك بأن الظالم المعتدي كما قال أهل الرأي: «من جار ذهب وانتهى»، «وما دام ظالم في الوجود»، وكلا المثلين يصب في التحذير من نهاية الظالم وذمه.
ومنْ صاحَبْ إبليسْ شاف الخَسارْ
ولهْ الشِّهْبْ مَعْ صاحبهْ تَرْجما
ومن صاحب إبليس أدركه الخسران والضلال ويعني الشاعر بإبليس الداعمين للعدو الذين يراهم أساس البلاء والشر في المنطقة لذلك شبههم بإبليس ويعني بصاحب إبليس هم الحوثيين وغيرهم من المتعاونين معهم، فالشاعر ساوى بين إبليس في هذا الشطر وصاحبه لأنهما من شاكلة واحدة وهم في نظر الشاعر ويقينه من المرجومين من الشهب قبل الناس ومن رجمته الشهب فهو لا شك على شر وضلال فمن باب أولى إذاً أن يقف الناس ضده ويحاربوه حتى يرتدع عن غيه وضلاله.
وراعي الجَهلْ دايمٍ في عِثارْ
تغرَّهْ ظنونهْ ويتوَهّما
وعنده أن الإنسان الجاهل دائماً في عثرات بسبب جهله وليس هو في ذلك لمرة أو أخرى وإنما هو بصفة مستمرة بمعنى أنه التبس عليه الأمر وقاده الجهل إلى مالا تحمد عقباه، والشاعر هنا يقصد العدو وغيره ممن تنطبق عليه هذه الأوصاف من الجهل والظنون الخاطئة.
بذلنا النصيحه بِسرْ وجهارْ
لمنْ تحتْ رجلينْ كسْرى ارتمى
ويقرر الشاعر أن الإمارات لم تقرر دخول الحرب بداية وإنما بذلت للعدو قبل ذلك النصيحة الخالصة والرأي المقنع بجميع الطرق الممكنة ،بدأت بسر النصيحة ثم بالجهر بها ولكن دون فائدة، وأبى الأعداء الرضوخ والانصياع لنصح المخلصين وذلك لكونهم ارتموا تحت أقدام كسرى تابعين لهم.
ولي ما يبالي بذلٍ وعارْ
يبيعْ الكرامهْ لأجلْ يَغنما
وعند الشاعر أن الذي لا يبالي بالذل ولا بالعار فإنه سهل عليه أن يبيع الكرامة من أجل الغنيمة الرخيصة، فهنا يقرر الشاعر أن الأعداء المقصودين باعوا كل مقدراتهم وعلى رأس ذلك كرامتهم من أجل مصلحة ومغنم رخيص وليس دفاعاً عن مبدأ وموقف.
ويذكر الشاعر أنه عندما غدا الحوثي يلعب بالنار ويحوثها بيده وأقدم على الذي حرمه رب العباد وظن أن البطولة في قتل الأطفال الصغار ولم يرتدع عن طبعه الإجرامي في انتهاك الحرمات والأعراض والقتل والتدمير، عند ذلك رأى الشاعر أنه ليس هناك من حل إلا أن تُقدم الإمارات على قطع يد الحوثي وكفه عن إجرامه وقد عاين الحوثي كما يذكر الشاعر مدى قوتنا وردعنا وذلك باندحاره وهزيمته وأن جيشه صدم من هول ما حل به.
ويومٍ غدا الحوثي إيحوث نارْ
ويِسوِّي الذي رَبِّنا حَرِّما
يظن البطولهْ بذبْحْ الصّغارْ
ولا يجوزْ عنْ طبْعهْ المجرِما
قِطعْنا يدهْ وعاينْ الإندحارْ
وجيشهْ منْ الصَّدْمِهْ إتَحطّما
وبالتالي استطعنا بهذا النصر كما يصف الشاعر أن نطوي رايات كسرى ويحل بها انكسار ما بعده انكسار، ويتمنى الشاعر أن يفهم العدو ما جرى له من هزيمة وأن تصله الرسالة كاملة فيتصرف على ضوئها لا أن يأخذه الغرور والكبر ويواصل اعتداءاته وإجرامه.
وراياتْ كسرى طواها انكسارْ
وليتهْ منْ اللّي جَرى يفْهما
ومما وصف به الشاعر هذا العدو أنه أعماه الطمع فلم يراع حرمة الجار وحقوقه وأمسى يحلم باحتلال دار العرب وجعل الشاعر ذلك مجرد حلم منه بعيد المنال لا يمكن له أن يحققه إلا في رؤيا منامه فقط، وأفرد الشاعر ديار العرب في قوله (وأمسى بدار العرب يحلما) لبيان وحدة هذه الأراضي مع بعضها في وجه هذا الطمع ولم يقل الشاعر دار الجزيرة أو الخليج وإنما جعلها دار العرب لدلالة واضحة بأن العرب جميعاً يقفون في خندق واحد ضد هذا الطمع والتغول.
عماه الطّمعْ ما يراعي لجارْ
وأمسى بدارْ العَرَبْ يحلِما
ويدعو الشاعر لسد مأرب بالبقاء والديمومة (عداك اندثار) لأنه يرى أن هذا السد ما كان ليكون إلا بسبب الإمارات فهي التي أعادت بناءه على يد مؤسسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان ،رحمه الله، لذلك يدعو له الشاعر بالبقاء فكما ملأناه بالمياه المتدفقة بالحياة والنماء لأجل أهل اليمن الذين يغار الشاعر على مصلحتهم فبقدر ما كان منا ذلك بقدر ما سنملأه بالدماء للدفاع عنهم واسترداد حقوقهم من يد غاصبيها، وفي هذا شيء من التطمين لأهل اليمن في قدرة الشاعر وقومه في الدفاع عنهم والذود عن مصالحهم وأنه سيأخذ لهم الحق كاملاً طبق تصرف الأحرار وفعلهم ولكونه حراً فإنه سيتصرف على ضوء تصرف هؤلاء الأحرار، ويرى الشاعر أن شعب اليمن في نهاية الأمر سيكون فرحاً مبتسماً بما تحقق على يد الإمارات.
فيا سدْ مأربْ عداكْ إنْدثارْ
لأجلْ اليمَنْ كَمْ مَليناكْ ما
بناخذْ لكْ الحَقْ فِعلْ الحرَارْ
وبَتردْ فَرحانْ تتَبسما
ويوجه كلامه في نهاية قصيدته إلى جنود الوطن العائدين من أرض المعركة ويصفهم ثانية بأسود الجزيرة لأنه الوصف الذي ينطبق عليهم لديه ولم يكتف بوصفهم بذلك وإنما أردف لهم وصفاً ثانياً (حماة الحمى) الذين يذودون عنه الأعداء ويفشلون مخططاتهم، ترى ما هو القول الذي سيوجهه لهم.. القول هو أن الإمارات في فرح وانتصار وأن أفعالهم اليوم تتحدث عن نفسها، ولم يشأ الشاعر أن يجعلها أفعالهم وحدهم وإنما جعلها لأبناء الوطن كلهم في قوله (وأفعالنا اليوم تتكلما).
ويذكر الشاعر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وهو، قد أخذا على نفسيهما عهوداً كبيرة بأن عاهدا الوطن ليسلم على أيديهما من كل شر ومعهم القائد الشهم حامي الديار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ومعه شعب الإمارات الذي همه أن يكرم القادة ويجلهم، ويطمئنهم بأن الإمارات كلها في عيد في ليلها ونهارها وكل لحظاتها وأن أعلام النصر ترفرف عالية في سمائها.
أقولْ لْجنودْ الوطنْ بافتخارْ
أسودْ الجزيرهْ حِماة الحمى
إماراتكمْ في فَرَحْ وانتصارْ
وأفعالنا اليوم تتكلما
وخليفهْ وأنا بالعِهودْ الكبارْ
نعاهدْ وطَنّا بأنْ يَسْلِما
مَعْ القايدْ الشّهمْ حامي الدِّيارْ
محمدْ وشَعْبٍ لكمْ مكرما
الإماراتْ في عيدْ ليلْ ونهارْ
وأعلامنا رَفْرفَتْ في السِّمَا
- See more at:
http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/71fbb25c-4dea-4a86-988b-319ee1f65664#sthash.MVxaR6x5.dpuf