عندما تكون دفة السياسة في يدٍ قذرة ستستخدم كل أدواتها القذرة لأهداف وغايات كثيرة .
نظرة متفحصة ومتمعنة وشاملة للتاريخ السياسي وتعاليم الميكافيلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) فلايهم قذارة الأداة ونتائج إستخدامها بقدر النتيجة لمصلحة شخص من النظام أو كامل النظام الذي إستخدم الأدة .
ولإن القرن الأخير إبتلي بقادة تشربوا هذه التعاليم طبقوها فعلياً على واقعهم فقد ظهرت نماذج بمنتهى السوء أدارت اللعبة السياسية بقذارة .
الهدف من هذا الإستخدام :
1- الوصول الى هدف معين بأداة قذرة يكون معها النظام الذي إستخدمها نظيف اليد أمام العالم ولايحاسب على جريرة مافعله غيره نظرياً .
2- وسيلة ضغط مستمر ودائم لجهات معينة والتحجج بإن النظام الذي يستخدمها غير مسؤول عن تصرفاتهم .
3- ضمان عدم وجود رد فعل قوي لو كان الفعل مباشر من النظام فيكون الخصم الظاهر منظمة أو جهة أو حركة متواضعة لاتستحق رد صارم وحرب كبرى , ويبقى الفاعل الظاهر ( منديل قذر ) لايعرف من يحركه أمام أعين الناس ولإي هدف يحركه .
4- الإستفادة من فدائية وتضحيات أفراد المنظمات التي لديها عقيدة قتالية شرسة جداً تستميت لها بمختلف أهدافها , فيكون توظيف خفي وإستفادة من هذا الإندفاع منها لخدمة الطرف الموظف لها من تحت الطاولة حتى بدون علم أغلب هذه الأدوات القذرة .
الحلقة الأولى
صالح ومناديله القذرة ( الزيدية والسلفية )
علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن منذا عام 1978 - 2012 , هذا الرئيس الماكر تشرّب تعاليم الميكافيلية الى النخاع وكان هدفه الأهم لإستخدام الأدوات القذرة هو ( الهدف المالي ) .
القاعدة :
صنع نموذج قاعدي بإمتياز في جنوب اليمن وسهل تواجدهم ولاشك إنه بعث أشخاص لمناطق صراعات القاعدة في أفغانستان وباكستان للحصول على مؤيدين وتشجيعهم على التواجد في اليمن بإن الدولة متراخيه ورقابتها ضعيفة , وهذا حتى يجعلهم مثل الفزاعة لدول الجوار ولأمريكا ونلاحظ بدايات القاعدة هناك منذا 1998 بعد تفجيرات كينيا وظهور القاعدة كعدو للغرب ومساعدة أمريكا لكل دولة تساعد في إحتواء القاعدة في أراضيها .
هذا التواجد جعل له رابط مع الغرب بإنه في صفهم ضد تنظيمات الإرهاب وجعل حصالة الغرب ومساعداتها المالية والعسكرية تنهال على اليمن فهو سهّل تواجد نموذج موجود مسبقاً لكنه أتى بفرع له في أرضه وزعم أنه إبتلي به ويكافحه مع الغرب , وأبتزهم على هذا الأساس وقال أنا شريككم في القضاء عليهم .
قد يستغرب البعض من إستخدام صالح للقاعدة وكيف يسيطر عليها ويوجهها ولأي مدى يثق بإنها لن تلتف عليه .
هنا مكمن الدهاء فصالح ونظامه لن يكونوا أغبياء حتى يوضحوا روابطهم بمنظمة مشبوهة كالقاعدة وفي الأصل لن يعلم عن ذلك الا أفراد محدودين جداً يثق فيهم صالح ويوظفهم لإدارة القاعدة خلف الكواليس وبمجرد نمو الأداة وتمكنها تترك لوحدها لكن ضمن نطاق معين لايسمح لها بتجاوزه حتى لاتشكل خطر على كيان النظام .
فهي تستخدم لإبتزاز الدول المتضررة من وجودها لكن مع يقين صالح إنها لن تشكل على نظامه خطر داهم بل إختراقها وتوظيف أشخاص يديرونها خلف الكواليس .
من عمليات القاعدة في اليمن ضد أمريكا تدمير المدمرة ( كول ) عام 2000 م وهو مالفت النظر إن القاعدة ليست في أفغانستان فقط بل في اليمن , ولكن صالح يعلن تبرعه بسخاء للغرب أنه سيكافحهم لكن يحتاج لدعم مادي وعسكري , بينما القاعدة في ذلك الوقت لاتحتاج سوى ثلاثة أيام لو كان جاداً , بل إنها بكل جرأة وضعت قواعد على الأرض وتدريبات وإستعرضات عسكرية .
حاول صالح إستخدام القاعدة في إبتزاز ( السعودية ) مالياً بعد أن إبتز الغرب , لكن لم تساعده طبيعة وتضاريس الحدود الصحراوية والمكشوفة مع السعودية في تلك الجهات لإن سحقهم سيكون سهل ولن تحتاج السعودية مجهود صالح لمكافحة القاعدة , لذلك لجأ الى إيواء مطاريد القاعدة من السعودية وتوفير الأمان التام لهم في فرعهم اليمني , ولو حصل أن يبتز عن طريق تسليمهم لو أرادت السعودية ذلك لكن بطرق غير مباشرة وواضحة مثل زعمه أن شيوخ قبائل سيقبضون على من تريدون لكنهم يريدون مال , وغيرها من الطرق القذرة , لكن مسعى صالح كان اقل من المأمول .
مع بدايات الحرب الأمريكية الكبرى مع القاعدة عام 2001 لاحت فرص نجاح أكبر لصالح ووجد دعم أكثر سخاء بكثير من الغرب وحتى من دول الجوار وأستمر على مبدأ ( أنهك الأداة لكن إسمح لها أن تستمر ) وأضعافها حتى يقول الآخرين نعم إنه يساعد على القضاء على عدونا , لكن في نفس الوقت لايقتل صالح الأداة حتى يستمر إبتزاز الآخرين بها .
وكل ماضعف الدعم المالي حرك صالح الأداة عن طريق المحركين الفعليين حتى يسمح بإستمرار لعبته .
كما قلت لم يكن الدعم السعودي بقدر مايأمل صالح نتيجة ماذكرت سابقاً وأن كان يحصل على بعض الدعم , لذلك أراد نقل القاعدة الى حدود أكثر حساسية على السعودية وهي الحدود الوعرة في جبال السروات وتهامة المحاذية لجازان وظهران الجنوب ولكنه أصطدم بعدم وجود حاضن شعبي بل إستحالة قيام هذا النموذج في ظل تكتل زيدي واسع النطاق على تلك الحدود الحساسة , لذلك ذهب لصنع نموذج ( منديل قذر آخر ) وهذا النموذج أعتقد بأن صالح نفذه من العدم بطريقة غير مباشرة وسأذكر ذلك في حركة ( الحوثيين ) .
صالح إستخدم القاعدة على نطاق واسع وبصورة فاضحة على الإرتباط الوثيق بينه وبين القاعدة وذلك بعد الثورة الشعبية عليه عام 2011 فضربت القاعدة بعنف منقطع النظير وأحتلت مديريات كاملة مثل أبين وشبوة ووصلت الى صنعاء بعمليات دامية وكأن المارد أوقض من قمقمه بعد سبات 15 عام وعمليات متواضعة للقاعدة لاتهدد كيان النظام فتغير كل شئ , حتى أن تحرك القاعدة وصل شرورة والوديعة فجأة وهذه المرة كان هدف تحريك الأداة ليس الإبتزاز المالي كالمعتاد لكن لهدف سياسي وهو ( إما أنا أو القاعدة ) وأن لم يقلها بشكل صريح لكن يقول البديل سئ فأبقوا علي .
هذا التحرك أختفى فجأة وكأنه لم يكن ومجرد تطهير بسيط عادت المياه لمجاريها وذلك بعد الضغوط الدولية الواسعة على صالح للتنازل عن الحكم وإغراءه بالمال من قبل السعودية التي يقال أنها دفعت بطيب نية 5 مليارات ريال لجيب صالح فقط حتى تعصم دماء اليمنيين البسطاء ولاتزهق كما أزهقت في ليبيا .
والآن في هذا الوقت بعد ( عاصفة الحزم ) يعود صالح لإستخدام أداته القذرة - القاعدة - لكن بصورة محدودة لأن الظروف لاتمكنه كالسابق من إستخدامها بكل دهاء فتكون مجرد عمليات محدودة يتم القضاء عليها وكشف منفذيها لأن الأرض ليست لصالح كالسابق فتعمل القاعدة في بيئة عدوة ومحاربة ولاتحصل على التسهيلات التي حصلت عليها في وقت صالح بطرق غير مباشرة .
لاشك عندي بأن وجود القاعدة في ( المكلا ) بتواطء من مؤيدين لصالح لإعادة أحياء القاعدة وخلط الأوراق مجددا لكن مجرد كتيبة تقضي على هذه الأداة القذرة وللأبد إن شاء الله .
الحوثيين :
كما قلت لم تسعف الظروف صالح بإستخدام القاعدة عند حدود السعودية الأكثر خطورة وحساسية لطبيعتها الجبلية الوعرة وذلك لإن المحيط الزيدي يستحيل أن يبقي القاعدة تحت ناظريه , لذلك صنع لهم نموذج وأجزم أنه من العدم لإن دراسة خلفية حسين الحوثي لم تنبئ عن أي مطامع سياسية الى ماقبل 2000 .
هذا التوظيف للأدة دخل عليهم من باب أن يكون شخص زيدي مقدر جدا في محيطه الزيدي وبالذات المناطق القريبة من حدود السعودية بل المحاذية لها , وبفكرة زيدية محضة وهو أحقية ( البطنين ) أن يكونوا هم الولاة الحقيقيون , ومن المعروف إن عوائل البطنين كثيرا جدا في اليمن لكن في محافظات غير حدودية لذلك كان الحوثي هو الأفضل لصالح .
ربما أدخل أدواته الإستخبارتية وصنع هذه الفكرة في رأس حسين الحوثي وتساهلت الحكومة معه وشجعته بشكل غير مباشر على التمادي في تحركه حتى يكون ( منديل قذر ) يساوم به صالح السعودية على حدودها .
هنا لا أقول أن حسين الحوثي يعلم عن توظيف صالح له كما لا أقول ذلك في بعض قادة القاعدة لكن يشجعون بطرق غير مباشرة لإبتزاز الآخرين عن طريقهم ويوظف آخرين لايعلمون إنهم من مخابرات صالح لتوجيههم بدون علمهم أي يكون إختراق كامل وتام للحركة بأدوات أخرى كما في القاعدة أيضا , لضمان عدم تهديد النظام كذلك تحريكهم وقت مايشأ النظام حتى دون علمهم وبالأدوات المخترقة من الثقات لدى صالح .
تحركات الحوثي كانت بتسهيل تسليحهم لكن ضمن الإطار الذي لايسمح لهم بتجاوزه وكانت ستة حروب قذرة أدارها صالح حتى يقول : يالسعوديين نحن نكافح عدواً شرس على حدودكم فنحن وأنتم في مركب واحد .
كانت حروب عبثية يمكن معها القضاء على الحركة من أول حرب لكن كان صالح يأخذ نفس مبدأه مع القاعدة ( أنهك الأداة لكن إسمح لها بإن تستمر ) ففي كل حرب يحاصر صالح الحوثيين حتى يجزم بإنهائهم لكن بتحرك قذر يعود لأحيائهم في آخر رمق .
ويحرك الحوثيين وقت ما يشاء عندما يحتاج للمزيد من المال لملأ الخزائن فكانت وسيلة إبتزاز ناجحة وضعت صالح في صف السعودية مثلما وضعته القاعدة في صف الغرب .
وكان زخم إستخدام الأداة القذرة عام 2009 عندما أقتحم الحوثيين بعض الأراضي السعودية على الحدود .
تغير الأحداث بعد ثورة 2011 وربما بدافع الحصول على المبلغ المالي الضخم الذي رصد له للتنازل مع ماواجهه من إصابة خطيرة كادت تؤدي بحياته بعملية نفذها آل الأحمر ضده فتغيرت فكرة صالح في إستخدام الحوثيين لعدة أسباب :
1- أن الرضى بعودة صالح شبه مستحيلة بعد تعهده بترك الحكم وقبض المبلغ الضخم لذلك لن يستطيع إبتزاز السعودية مجدداً لأن التعهد تام وواضح بترك الحكم .
2- أن الحوثيين سيكونون أداة لكن بطريقة أخرى ومع طرف آخر بعد جزمه أن السعودية لن تقبل مطلقاً عودته للحكم .
لذلك بوصلة صالح تحولت الى إيران النهمة لمد نفوذها فشاهد إستماتة ايران في الدفاع عن الأسد ورافضة العراق , فحاول مد الجسور بين الحوثيين وايران وأستخدم هذه المرة الحوثيين ( كحصان طروادة ) يركبه للوصول الى هدف العودة الى الحكم .
يكون إغراء ايران بصنع نموذج شيعي وفرع شبيه بحزب الله في لبنان , تستطيع ايران منه التغلغل الى دولة عربية أخرى .
هنا ايران لم ترفض هذا العرض السخي وهي التي لم تهتم بالحوثيين سابقا بهذا الشكل , كان وجود حكومة هادي شكلي فقط والمتصرف في كل شئ هو صالح لأن القوة العسكرية كانت في يده .
يضاف لذلك أن صالح توقع أن ايران ستدعم دولته الجديدة بالمال والتسليح وستصنع له حلف شبيه بحلف سوريا التي جعلتها تصمد طوال هذا الوقت , فيكون صالح ضمن وجود الحلفاء بعد يقينه بإنه سيفقد أي دعم عربي بعد تعهده بترك الحكم .
صالح كما قلنا خرج من إستخدام الحوثيين كمنديل قذر لإبتزاز السعودية من عام 2004 - 2009 , ليستخدم الحوثيين بطريقة أخرى ومع دولة اخرى لأهداف أخرى , فكان هدفه إغراء ايران بصنع نفوذ لها عبر فرع شبيه بحزب الله ولن ترضى ايران بصالح لوحده لإن تاريخه معها لايشجع كما إن ثقتها أكبر بالحوثيين الذي لهم إرتباط سابق بإيران وأن كان محدود جدا , فشجع صالح على مد جسور متينة بين الحوثيين وايران بفتح جسر جوي ودعم كبير بالسلاح حتى يساعدونه في تحركه اللاحق الذي كان يخطط له .
صالح كان واضح جداً مع الإيرانيين لأنهم من نفس المدرسة القذرة ويفهمون الاعيب وحركات بعضهم لكن كان يستمر في خداع بقية الدول , فجعل تحركات الحوثيين العسكرية تبدو أنها لوحدهم وأن قواته تسلم لهم المعسكرات والوحدات والأسلحة الضخمة من ضعف بينما هو إتفاق مدروس أراد صالح أن يكون خفي وحتى يبقي يده القذرة نظيفة كما أعتاد ولكن رغم ذلك وبمكر ودهاء صالح المعتاد لن يسمح بإن تكون موازين القوة تميل للحوثيين كلياً حتى لايغدروا به لذلك ربما أتفق على إخلاء بعض الألوية العسكرية لهم ربما كفتهم تصبح 30% مقابل القوة في يده 70% وكان يوهم أن كل التحركات من الحوثيين فقط وأن الجيش اليمني إنهار .
لكن ( الفاضحة ) عاصفة الحزم المباركة أجلت كل غيم عن تحركات صالح وتواطئه بل مشاركته المباشرة في الانقلاب وكل يوم يظهر صالح أنه شريك حتى وصلت السكين الى حنجرته وهنا لم تعد الاعيبه تنطلي على أحد فأعلنها صريحة أنه شريك مباشر في الإنقلاب .
ربما كان يخطط مخططات قذرة أخرى أحدها أن يعود لإبتزاز السعودية بتعظيم الخطر الحوثي وإحتلال صنعاء ثم العودة لمساومة السعودية القضاء على الحوثيين مقابل الرضى بعودته للحكم وهذا ماتم رفضه تماما فكان لديه بعض الأمل بهذا لإن الحوثيين أقل منه قوة بكثير ولم يسمح لهم بإن بإن يهددون قوته , فعاد للخطة الأساسية السير في ركاب إيران الى آخر مرحلة وتنصيبه رئيس في وقت لاحق وضمان وجود معسكر يدعمه من ايران وسوريا والعراق وروسيا وفنزويلاء الى آخر القائمة القذرة .
وإن شاء قطعت شجرة صالح القذرة للأبد وسترمى مناديله القذرة معه , لأن اليد النظيفة لاتمتد لمنديل قذر .
