الأداء العسكري في «عاصفة الحزم».. دقة وفعالية تستحقان التقدير
عميد ركن م. سبأ عبدالله باهبري
عميد ركن م. سبأ عبدالله باهبري
"القوات الجوية"
من نافلة القول أن أشير إلى أن الجهد الأكبر في هذه الحملة تشرفت بحمل لوائه القوات الجوية الملكية السعودية بمعاونة رمزية متواضعة من الدول التي شاركت في التحالف وهذا أمر متوقع وبدهي، فالقوات الجوية السعودية هي أكبر قوة جوية عربية ضاربة من حيث امتلاك أكبر أسطول من المقاتلات القاذفة وطائرات إسناد القتال من حاملات الوقود والنقل والمروحيات المساندة والمقاتلة، وكذلك من حيث الخبرة في مفاهيم الحرب الجوية الحديثة وأساليب القيادة والسيطرة المتقدمة ومجالات إسناد فاعلية المقاتلات القاصفة ومضاعفة تأثيرها بإجراءات الحرب الإلكترونية في الاستطلاع وتحديد الأهداف وإخماد نشاط الرادارات المعادية وتحليل النتائج وتحديد الذخائر المناسبة لكل هدف.
وقد حققت القوات الجوية مع بداية الحملة حتى تاريخ كتابة هذه السطور ثلاثة مبادئ أساسية من مبادئ الحرب التقليدية هي:
- المفاجأة: فقد بدأت العمليات بضربة جوية شاملة لكل الأهداف التي تشكل أو يحتمل أن تشكل خطراً على سير العمليات اللاحقة وكذلك مواقع بطارية الصواريخ التي تشكل خطراً على الأراضي السعودية وخصوصاً المناطق الجنوبية.
- الحشد: إذ استطاعت بكل هدوء وسرية مطلقة تجميع أفواج متلاحقة من المقاتلات القاذفة من عدة قواعد جوية وبتنسيق دقيق عكس كفاءة منظومة القيادة والسيطرة في إدارة العمليات التي أدارت مشاركة الطائرات ودخولها وخروجها وعودتها إلى قواعدها، وإعادة تزويدها بالوقود، بنجاح وعلى مدى أسابيع.
- الحفاظ على المبادأة: وقد كان أمراً متوقعاً بعد نجاح الضربات الأولى استناداً إلى التفوق الجوي المريح لقواتنا الجوية على طيران الانقلابيين الكسيح ولكن المثير للإعجاب هو نجاحها في فرض السيطرة العامة على أجواء اليمن وتنفيذ عمليات تحريم من ارتفاعات شاهقة وبذخائر دقيقة التوجيه لتدمير منصات الصواريخ الباليستية البعيدة المدى قبل أن يتمكن الانقلابيون من استخدامها.
"القوات البرية"
رغم أن القوات البرية لم تتح لها فرصة الاستفادة مما حققته القوات الجوية في إضعاف قدرات الانقلابيين في تنفيذ عمليات خاصة أو مباغتة، إلا أنها قامت بواجبها بكل تفان وشجاعة بالمرابطة على الحدود بيقظة واستخدام المدفعية والرشاشة الثقيلة لقصف كل التجمعات التي حاولت الاقتراب من الحدود وإفشال جميع المحاولات اليائسة لفتح معركة حدودية.
"قوات حرس الحدود"
أيضاً كان لقوات حرس الحدود دور فاعل في تسيير الدوريات في القرى الحدودية وإحكام الرقابة على النقاط التي يمكن استغلالها في التسلل وإقامة أبراج مراقبة محصنة ضد الأسلحة الخفيفة في هيئات الحدود الحاكمة والمسيطرة، وكانوا رديفاً فاعلاً للقوات البرية مقدمين تضحيات جسيمة وضاربين أروع مثل للشجاعة في دورياتهم الراجلة.
"الأمن العام وقوات وزارة الداخلية"
كان لانتشار قوات الأمن العام في المدن وعلى الطرق البرية واستنفار رجالها للعمل على مدار الساعة بيقظة وحزم وسرعة في تحري البلاغات والتعامل معها بمهنية أثره في تحقيق الطمأنينة واستمرارية الحياة بسلاسة وهدوء حتى أنك عندما تتحرك في شوارع المملكة لا تخال أن هذه البلاد المطمئنة في حالة حرب.
"أجهزة الاستخبارات"
هؤلاء هم الرجال الذين يعملون بصمت وفي هذه الحملة بالذات كانوا هم الجنود والأبطال المجهولون، فمن خلال تعاون الاستخبارات العام والاستخبارات العسكرية والاستخبارات الجوية توافرت المعلومات التي تكونت منها قائمة الأهداف قبل انطلاقة الحملة، وبفضل استمرارية عملهم الدؤوب كان يتم تعقب إجراءات الانقلابيين في الهرب وفي اكتشاف المرافق المدنية التي حولوها إلى مقار ومستودعات وقيادات عسكرية بديلة، بعد تعرض المرافق العسكرية الأساسية للتدمير خلال الأيام الأولى.
"القبائل الحدودية"
في مبادرات كانت متوقعة بادرت القبائل الواقعة في مناطق الحدود إلى حمل السلاح والتطوع لمساندة القوات البرية وسلاح الحدود، وخصوصاً في المناطق الجبلية إذ قامت قبائل "فيفا" بمفردها بحشد عشرة آلاف مقاتل متطوع لمراقبة الحدود الجبلية التي يسلكها المهربون في العادة التي يصعب نشر المعدات والآليات الثقيلة فيها، فيما قدمت قبائل "يام" مساندة مباشرة للقطاعات العسكرية على طول حدود نجران وما جاورها ولم تتخلف قبيلة أو حتى مواطن عن مساندة القوات النظامية.
"القوات البحرية"
ساهمت قواتنا البحرية بدورها وفي حدود ما هو مرسوم لها في إطار التحالف لفرض الحصار البحري ومراقبة الموانئ والسواحل لوقف الإمداد عن الانقلابيين حتى بعد انتهاء عاصفة الحزم أبحرت بيقظة وتأهب لإحكام استمرار الحصار بعد ما ترددت أنباء عن توجه وتواجد قطع بحرية إيرانية في المياه المتاخمة لليمن.
"قوات الدفاع الجوي"
كان العسكريون اليمنيون وخاصة من تلقى دورات تدريبية في المملكة على مدى العشرين عاماً الماضية يعرفون قدرات وتسليح الدفاع الجوي ويقظة رجاله ومنظومته المتداخلة المجال لتغطية جميع الارتفاعات تأمين الدفاع ضد الطيران والصواريخ فكان ذلك رادعاً كافياً عن محاولة استخدام طيرانهم أو صواريخهم، بما سيترتب على ذلك من تأثيرها في العمليات وتصعيد خطير في مسار الصراع.
"الحرس الوطني"
قام الحرس الوطني بدوره التقليدي في حراسة وتأمين جميع المناطق ذات الأهمية ولأن جهود القوات العسكرية مجتمعة حققت بفضل الله استتباب الأمن في الجبهة الداخلية وللقوات المشاركة، فإن دوره بقي دور الجندي المجهول الذي يعمل بصمت ويؤدي واجبه تجاه الوطن بلا ضجيج.. وعندما صدر أمر خادم الحرمين الشريفين بإعطائه فرصة المشاركة كان جاهزاً وتحرك للمواقع المحددة له فور صدور الأوامر.
هذه انطباعاتي السريعة وأنا أعلم أن كثيراً من المواطنين يعرفونها بل ربما يعلمون ما هو أكثر خصوصاً زملائي من العسكريين المتقاعدين في المناطق الحدودية الذين تمكنهم خبرتهم وثقافتهم العسكرية وحياتهم السابقة في السلك العسكري من الملاحظة وإدراك ما يجري أمامهم. ولكني أحببت أن ألخصها في عجالة لمن يرغب في التعرف.