عبدالعالم بجاش يكتب عن اتجاه اليمن نحو تحشيد غير مسبوق، وعسكرة واسعة النطاق، بعد توسيع #إيران نطاق حربها باستخدام اليمن منصة واجهة، وتداعيات ذلك، وكيف يمكن أن تواجه الحكومة والتحالف العربي ما يجري.
نحو معركة إقليمية فاصلة في اليمن
اليمن متجه نحو تحشيد غير مسبوق، وعسكرة واسعة النطاق، بعد أن وسعت إيران نطاق حربها غير التقليدية ضد المنطقة، باستخدام اليمن منصة واجهة.
مسيرات وقصف باليستي هو الثالث خلال أقل من أسبوعين منذ 17 يناير، استهدف الإمارات.
الإمارات في وضع صعب، مركزها المرموق عالميًا كمركز للأعمال في المنطقة، مهدد، ورضوخها للابتزاز الحوثي بالانسحاب من اليمن سيشكل نكسة أكبر لها تبقيها تحت طائلة التهديد بشكل دائم.
طالما يسمح بوصول أسلحة خطيرة للأيدي الخطأ، الأمن والاستقرار الإقليمي سيبقى رهن التهديد الحوثي الدائم، ومشيئة إيران.
وما من ضمانات لدول المنطقة، وأبرزها السعودية والإمارات، ضد التهديدات المتصاعدة من بوابة التهريب عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي والمنافذ البرية اليمنية، والتهريب عبر أراضي ومياه سلطنة عمان، وتفاصيل لا حصر لها، من ضمنها تورط شركة عمانية في توريد أسلحة ومعدات للحوثيين من الصين، وفق آخر تقرير صادر عن فريق المحققين الخاص باليمن، التابع للجنة العقوبات في الأمم المتحدة. وهو بالمناسبة آخر تقرير للفريق المنتهية ولايته.
الإذعان لمصدر التهديد إيران، وذراعها في اليمن جماعة الحوثي، بعد استهدافهم أبوظبي، وتهديدهم بتوسيع بنك الأهداف، لن يكون سوى محفز لمزيد من التمادي الإيراني – الحوثي.
ولا خيار آخر متاح غير الحسم العسكري بأية صورة في اليمن، وبأي ثمن إقليمي.. استبعاد خيار الحسم يعني الرضوخ للإملاءات الإيرانية باستخدام جماعة الحوثي، واستعمال اليمن منصة تهديد وبوقًا أيضًا لإيران، والتسليم بواقع تكرار نموذج حزب الله، وتوقع مزيد من العبث الإيراني في المنطقة باستخدام أدوات طهران الفعالة وغير المكلفة بأسلوب الحرب غير التقليدية عبر ورقتي اليمن والعراق.
رضوخ دول المنطقة، وتحديدًا الإمارات والسعودية، مسار مباشر نحو الاستسلام، محاولة للتعايش مع إرهاب موجه إيرانيًا، من شأنه أن يشجع الحوثيين على التمادي أكثر، وكلفته أكبر بكثير من خيار المواجهة والحسم في اليمن.
تخشى أبوظبي لا على أبراجها الزجاجية فقط، بل على سمعتها وتبعات ذلك، إذا ما تزايد التهديد الأمني، وقرر المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال المغادرة. الأبراج يمكن إعادة بنائها، السمعة لا. لكن التعايش الدائم في ظل التهديد الحوثي الذراع الطولى لإيران.. صعب.
بعض دول الخليج تشعر بمخاطر كبيرة، ولن ينفع معها اللجوء للتهدئة مع إيران ومجموعاتها الطائفية في المنطقة، فليس لدى إيران وجماعاتها المسلحة أية نية حقيقية للتهدئة أو احترام لفكرة السلام والحوار، بخاصة بعد تسريب فيديو لقيادي من حزب الله يتحدث فيه عن انتهاء الحرب في سوريا، والعزم على نقل من سماهم المجاهدين هناك إلى اليمن.
درس تصنعه مدينة مأرب
هناك درس للإقليم تصنعه مدينة مأرب التي لا تتعدى بضعة شوارع، فقد صمدت لثلاثة أعوام في وجه أطول وأعتى تصعيد حربي حوثي مدعومًا بكل قوة من إيران، وإسقاطها مخطط إيراني دفع إلى المعركة الطويلة بعشرات آلاف المقاتلين في حرب استنزفت قوات الحوثيين دون نجاحهم في اجتياح مركز محافظة مأرب.
إيران ليست مخيفة إلا بقدر الاستعداد النفسي لدى خصومها لتصديق كثير من دعايتها السوداء.. وكسر مخطط إيران في اليمن يسقط خطرها عن المنطقة.. ومايزال الدرس ماثلًا؛ فعند توفر القرار والإرادة لتحرير محافظات يمنية، أمكن تحرير محافظات ومناطق واسعة ومديريات في ظرف أيام أو أسابيع، خلال مراحل سابقة ومؤخرًا.
وما حققه الحوثيون طيلة سنوات من استهدافهم وحملاتهم على مأرب، خسروا معظمه في معركة 3 أسابيع، تغيرت قواعدها بدخول قوات ألوية العمالقة الجنوبية.
ولولا رداءة تكتيكات الجيش الوطني، وعدم فاعليته الهجومية، لكان بمقدوره استغلال معارك بيحان وحريب، وهزائم مليشيا الحوثي، لتطهير كامل مأرب.. ويبدو أن هناك خللًا ما.
قياسًا بصمود مأرب؛ المدينة الصغيرة، تبدو الولايات المتحدة أكبر مصدر ضغط ضد الحكومة اليمنية والتحالف، في حالة ضعف أمام تهديدات إيران عبر الحوثيين، وتلويحهم بمزيد من استهداف الإمارات، وإلحاح طهران لابتزاز العالم عبر استعراض قدراتها للعبث في مناطق المصالح الحيوية للولايات المتحدة، ولكثير من دول العالم.
غير أن انهيار مخطط إيران لابتلاع مأرب، وهزيمة الحوثيين في مديريات بيحان الثلاث وحريب، يثبت أمرًا آخر، وهو أن الحسم العسكري ممكن. وهو أفضل الخيارات المتاحة بالنسبة للمتضررين من إيران ومليشياتها ومخططها.
حرب نفوذ في اليمن
بنت إيران خطتها على أساس اعتبار نفوذها في اليمن وحربها هناك رأس حربة مشروعها، وهي تشعر أنها تنجح كلما عملت على إطالة حرب اليمن، مما يعني أن اليمن أيضًا قد يكون ميدان هزيمة إيران وكسر مخططها في المنطقة والعالم.
غير أن التصورات السياسية للأطراف الدولية في المسألة اليمنية، ماتزال بعيدة عن استيعاب الخطر الإيراني الذي يتهدد الأمن والسلم الدوليين. فالمجتمع الدولي ما انفك يتحدث عن حل سياسي للأزمة اليمنية، ويعطي بذلك أعظم الانتصارات للنفوذ الإيراني كي يتوغل أكثر في اليمن.
ما لم يقرر طرف الحكومة اليمنية وحلفائها الذهاب نحو حسم عسكري واسع النطاق يعالج مصدر التهديد لأمن اليمن والإقليم والعالم، ممثلًا بالحوثيين الرافضين والمعرقلين لكل جهود السلام، ستبقى التصورات مجرد جوائز للحوثيين وانتصارات مجانية لإيران.. وسيبقى الرضوخ للابتزاز الحوثي استسلامًا مهينًا لصالح إيران، بينما تتوفر فرص للحسم تكفل إعادة الأمن والاستقرار، والقضاء على مصدر التهديد.
وللحسم في الداخل اليمني متطلبات صعبة، أولها تحدي توحيد كافة القوى المناوئة للحوثيين والمتناحرة في ما بينها، بالإضافة إلى تركة كبيرة من الفساد غرقت فيها الحكومة والأطراف الأخرى، وكونت مصالح لا تريد لها أن تنتهي.. في وقت صار التفكير بحسم الحرب غير مرغوب لأصحاب نفوذ ومصالح في السلطة الشرعية.
ارتباك الحكومة والتحالف
يبدو أن اليمن على المحك، تسخين الحرب ومن ثم تبريدها غير مجدٍ. ضرب الحوثيين بقوة ثم التهدئة والرضوخ لتهديداتهم، تخبط وارتباك.
وترك منظومة الحكومة غارقة في الفساد والمحسوبيات، دون الضغط الإقليمي لفرض تغيير قيادي، هو دور من التحالف بمثابة راعٍ لبقاء الفساد، وهذا العجز القيادي الفادح للحكومة وفشلها على كل المستويات.. حتى إنه صار محل حيرة ما يسعى له التحالف بقيادة السعودية، وإذا يريدون حقًا الانتصار في اليمن والقضاء على نفوذ إيران.
الجميع سيدفعون ثمنًا مع كل تنازل لإيران وأدواتها، بخاصة في اليمن، حين يتمسكون بفكرة أنه لا حل عسكريًا للصراع، وأنه لا قدرة لطرف على الحسم، وعندما لا يتاح مجال كامل لاختبار فعالية أفكار أخرى.
تحصل إيران من خصومها على معظم ما تريده، فهي لا تريد للحرب أن تتوقف، ولا يمكن للحرب أن تتوقف وإيران في مركز قوة. تحصل إيران بالمقابل على انتصارات سهلة رغم مؤشر المعارك الأخيرة التي تقول إنه يمكن هزيمة إيران في اليمن إذا تحققت شروط المواجهة الحاسمة، وأبرزها توفر القرار السياسي للحكومة والتحالف، وتوحيد الصف اليمني المناهض لإيران، وتوفير متطلبات المعركة، وعدم الرضوخ لضغوط أطراف دولية، تبين طيلة الفترة الماضية خطأ مقارباتها للأزمة اليمنية.
تدفق السلاح
يراقب المجتمع الدولي بأكمله استمرار تدفق السلاح الإيراني المهرب إلى الحوثيين في اليمن، الحديدة وموانئها بوابة رئيسية، أنقذت الأمم المتحدة وكبرى الدول إيران وجماعة الحوثي من خسارة الحديدة عسكريًا، نهاية عام 2018.
وفي نهاية عام 2021، قدم العالم لإيران، الحديدة على طبق من ذهب، بالدفع نحو إعادة تموضع قوات ألوية العمالقة والقوات المشتركة بالانسحاب 100 كيلومتر من داخل ومحيط مدينة الحديدة وعدة مديريات، خلال ساعات استولت عليها جماعة الحوثي دون قتال.
لاحقًا، انهمك التحالف في إثبات أن الحوثيين وإيران يستخدمون موانئ الحديدة لأغراض عسكرية.
إعادة التموضع أطلقت يد الحرس الثوري الإيراني والحوثيين في معظم الحديدة، غير أنها لم تخلُ من فائدة للطرف الآخر، فقد تولت قوات العمالقة بنجاح إنقاذ مأرب إلى حد كبير، واستعادة أكبر ثلاث مديريات في شبوة، هي بيحان العليا وعسيلان وعين، كما حررت ألوية العمالقة مديرية ومدينة حريب جنوب مأرب، وكسرت طوقًا حوثيًا مثّل أعظم خطر على مدينة مأرب. كل ذلك حدث خلال أسابيع. مع ذلك يحلو للأمم المتحدة وأطراف دولية أخرى الاستمرار في القول إنه لا حل عسكريًا للصراع.
ومع التصعيد الحوثي الراهن ضد الإمارات، هناك سخط خليجي وتواطؤ عماني قطري واضح مع إيران، رغم مشاركة الدولتين في التنديد بالهجمات الحوثية على السعودية والإمارات.
تشكيل ألوية “اليمن السعيد”
تمضي المؤشرات نحو عام راهن قد يكون حاسمًا. ومع تصاعد التهديد الحوثي إلى مستوى غير مسبوق، سنشهد تبعات وتحركات للأطراف المتضررة بالمقابل غير معتادة، وربما تفوق توقعات إيران، لعل أبرزها فتح مجال واسع لتجنيد عشرات الآلاف من اليمنيين ضمن مسار بدأته عمليًا السعودية والتحالف عبر تشكيل ألوية اليمن السعيد، وتشكيل ألوية العمالقة محور سبأ.
الضغط الإيراني الحوثي، والمبالغة في التهديدات، قد لا تحقق هدف الحوثيين وإيران المتمثل بإخراج الإمارات والانفراد باليمن، وإنما سيحرض أطرافًا كثيرة للعمل بعزم للخلاص من الحوثيين نهائيًا وبأي ثمن. ذلك أن رضوخ واستسلام دول الخليج المستهدفة، وهي السعودية والإمارات والكويت، للإملاءات الإيرانية، مستبعد تمامًا.
الرضوخ للتهديدات أخطر من مواجهة التهديدات، وأكثر كلفة، وهو مغامرة بالأمن القومي لتلك البلدان والدول.
في نزاع ينزلق نحو مرحلة اللاعودة، وتحدٍّ إيراني لدول ذات سيادة ونفوذ لديها ثروات وإمكانيات كبيرة، تحدٍّ من نوع تكون أو لا تكون، سيكون له تبعات، ويحفز دول الخليج المتضررة للذهاب إلى أبعد مدى، ما يعني أن المرحلة المقبلة قد تكون فارقة، حيث يمكن أن نشهد أكبر تحشيد للشعب اليمني ومكوناته وكافة قواه المناهضة للحوثيين، ومعارك واسعة هدفها الحسم النهائي، وليس تكتيكًا مرحليًا لجلب الحوثيين إلى مفاوضات.