الجيش التركي.. إنحياز مطلق للعلمانية
بقيت ظلال الجيش في السلطة حتى نهاية التسعينيات بسبب الدستور الذي صاغه قائد انقلاب عام 1980الجنرال كنعان أيفرين، حتى بدأ الحديث عن ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي في قمة هلسنكي نهاية العام 1998.
فتح هذا الأمر صفحة جديدة في التاريخ السياسي التركي بعيدا عن تأثير جنرالات الجيش الذين كان عليهم أن يبتعدوا عن الساحة السياسية حسب المعطيات ألأميركية والأوروبية الجديدة التي لم تعد ترى في روسيا واليونان وسوريا وإيران والعراق خطرا على الحسابات الغربية التي طالما كان لتركيا دور مهم فيها بجيشها الكبير والعظيم!
"
خلال عهد حكومة أردوغان انحسرت نسبيا صلاحيات الجيش ومجلس الأمن القومي الذي تقلص فيه وجود العسكريين
"وبدأت حملة الإصلاحات التي سميت بالديمقراطية بالتعديلات الدستورية والقانونية التي استهدفت سلطات وصلاحيات الجيش في الحياة السياسية، حيث نجحت حكومة أجاويد ومن بعدها حكومة أردوغان في تمرير هذه الإصلاحات بفضل مرونة قائد الجيش السابق حلمي أوزكوك المعروف عنه شخصيا تهربه من أي توتر أو مواجهة مع الحكومة بحجة أن ذلك ليس لخدمة المصالح الوطنية والقومية لتركيا.
واستغلت حكومة أردوغان ذلك فحسمت مجمل التعديلات التي وضعت حدا نهائيا لدور العسكر في الحياة السياسية بعد أن أصبح عدد أعضاء مجلس الأمن القومي 9 مدنيين مقابل 5 من العسكر بعد أن كان عدد المدنيين 4 منذ تأسيس المجلس قبل 70 عاما تقريبا، كما أن قرارات المجلس لم تعد ملزمة للحكومات كما كانت في السابق، حيث أصبح الأمين العام للمجلس مدنيا ويتبع لرئيس الوزراء بعد أن شغل الجنرالات هذا المنصب لمدة 70 عاما وبالعلاقة المباشرة مع رئاسة الأركان التي لم تعد تملك أي صلاحيات في نشاط المجلس الذي أصبح يجتمع مرة كل شهرين بدلا من مرة في الشهر.
كما وضعت التعديلات الدستورية الأخيرة تصرفات الجيش المختلفة تحت رقابة ومحاسبة البرلمان والأجهزة الدستورية بعد أن تخلت القوى التقليدية عن موقفها الداعم للجيش وفي مقدمتها رجال الأعمال الكبار ووسائل إعلامهم الرئيسة التي تستهدف الآن الجيش في أي محاولة من الجنرالات لعرقلة المسار الديمقراطي.
وبات واضحا أنه أي المسار الديمقراطي محمي من قبل الشارع التركي أكثر من أي وقت مضى، ولأن حزب العدالة والتنمية يحكم البلاد بمفرده دون أي ائتلاف مع أي حزب آخر. كما أن جميع استطلاعات الرأي تبين أن هذه الحكومة مازالت تحظى بدعم واسع من المواطنين الأتراك الذين لم يكن سهلا على جنرالات الجيش إقناعهم بعد الآن بأي مبرر لأي انقلاب عسكري إلا في حالة واحدة وهي خطر حزب العمال الكردستاني!
إن لهذا الموضوع امتدادات وحسابات داخلية وخارجية مرتبطة مباشرة بمجمل سياسات حكومة العدالة والتنمية التي ومهما حققت من تقدم إستراتيجي في مجال الديمقراطية فما زالت تتخوف من أي انقلاب عسكري طالما أن الجنرالات يملكون الدبابات التي إن خرجت إلى الشارع بحجة حماية النظام العلماني أو التصدي لخطر الانفصاليين الأكراد فالمواطنون الأتراك سيصفقون لها بشكل لا أرادي لأنهم في نهاية المطاف أحفاد للجيش الانكشاري الذي يتقدم خطوة إلى الأمام ثم يتراجع خطوتين إلى الوراء.
وقد تختلف هذه القاعدة هذه المرة ليتقدم الأتراك خطوتين إلى الأمام ويتراجعوا خطوة للوراء بفضل إصلاحات الاتحاد الأوروبي الذي قد يعود إلى دعم للجنرالات إذا أثبتوا أنهم على استعداد لحماية المصالح "الغربية الصليبية" في أفغانستان والعراق ولبنان والشرق الأوسط والأهم ضد الإسلام المتطرف السني منه والشيعي!!
لعب الجيش التركي ويلعب دورا مهما وأساسيا في مجمل الحسابات السياسية التي يبدو أنها لا ولن تتخلص بسهولة من حالة الخوف من قوة العسكر الملخصة بنزول الدبابات إلى الشوارع معلنة نهاية عدة حكومات مدنية حتى الآن.
تأثير الجيش
يحمل الكثيرون مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية الحديثة مسؤولية الحالة الغريبة التي أوجدتها ظاهرة الانقلابات العسكرية التي لا تختلف أساسا عن الوضع في دول العالم الثالث، لأن جميع الأنظمة الديكتاتورية في هذه الدول تعتمد أساسا على دبابات العسكر وإرهاب أجهزة المخابرات.
إلا أن الوضع في تركيا قد يختلف نسبيا عن هذه الدول، لأن تركيا رغم كل سلبياتها تعتبر دولة ديمقراطية بالمعايير الغربية منذ العام 1950 حيث انتقلت البلاد إلى التعددية الحزبية التي جعلت من تركيا جزءا من العالم الغربي وعضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعنصرا أساسيا في الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي السوفياتي.
وقد أسهم ذلك في دعم دور العسكر في الحياة السياسية، ونظرت واشنطن وعواصم (الناتو) إلى تركيا كحليف إستراتيجي، ولم تتأخر في دعم الجيش التركي حتى أصبح أكبر جيش في المنطقة بعد أميركا، كما أنها دعمت بشكل خاص القادة العسكريين الأتراك الذين أثبتوا بدورهم وفي العديد من المناسبات وفاءهم لواشنطن أكثر من أنقرة، ولعل هذه الحقيقة تفسر الإيحاءات الدائمة لدور واشنطن في جميع الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا حتى الآن.
"
يستمد الجيش التركي قوته من دعم كبار رجال الأعمال ووسائل الإعلام واحترام المجتمع إضافة إلى التأييد الأميركي
"ويستمد الجنرالات الأتراك قوتهم من دعم رجال الأعمال الكبار ووسائل الإعلام الكبيرة التي تلعب دورا أساسيا في إعداد وتهيئة الشارع التركي للانقلابات العسكرية وبأساليب ذكية، إذ لرجال الأعمال الكبار مصالح مادية كبيرة في العلاقة مع الجيش بعدد أفراده البالغ مليون عسكري، ويحتاجون يوميا للكثير من الحاجات التي تكلف الدولة الملايين بل المليارات من الدولارات التي طالما خصصتها جميع الحكومات للجيش الذي يتحجج دائما بحماية النظام العلماني والأمن الوطني والقومي ضد المخاطر الداخلية والخارجية وفي مقدمتها حزب العمال الكردستاني الذي كلف الدولة التركية حوالي 100 مليار دولار.
ولم تتأثر سمعة الجيش بسبب فشله وجنرالاته في القضاء على حزب العمال الكردستاني ومازال هذا الجيش في مقدمة المؤسسات التي يثق بها الشعب التركي بأغلبية تصل إلى 80% وربما لأن الإنسان التركي ذو عقلية ونفسية عسكرية، حيث إن المواطن التركي عندما يتودد لابنه الصغير ويمدحه يقول "ابني سيكبر ويصبح باشا" أي جنرالا!
وتفسر هذه العقلية التأييد الشعبي الدائم للانقلابات العسكرية التي هيأ الجنرالات الأجواء اللازمة لها، ودون أن يتذكر المواطن أن الجنرالات كانوا طرفا في فشل جميع الحكومات السابقة في تحقيق الأمن والاستقرار لأن الأحكام العرفية كانت معلنة ومطبقة في عموم أنحاء البلاد لسنوات طويلة. ودون أن تكون هذه الأحكام العرفية كافية بالنسبة للجنرالات الذين تحججوا دائما بتدهور الأوضاع الأمنية واعتبروها مبررا لتدخلاتهم العسكرية واستلام السلطة.
وكانت الحكومات الائتلافية الضعيفة السبب الآخر لشجاعة الجنرالات الذين استغلوا هذا الضعف واعتبروه مبررا مقنعا للشارع في انقلاباتهم العسكرية التي انتهى عهدها بعد الانقلاب الرابع عام 1997.
ولقوة تأثير الجيش التركي وتدخله المباشر في الشأن السياسي وفي تحديد شكل الحكومات وهوية الحكام جذور تاريخية تعود إلى الجيش الانكشاري العثماني الذي لعب أدوارا مهمة في تغيير السلاطين ورؤساء وزرائهم أو الإطاحة بهم خنقا أو شنقا أو قتلا!
وجاءت حركة الاتحاد والترقي التي انطلقت من بين صفوف الضباط لتثبت مدى أهمية العسكر في الحياة السياسية، خاصة بعد أن أطاح قادة الاتحاد وهم من العسكر بالسلطان عبد الحميد في أبريل/ نيسان 1909، حيث وعى اليهود واليهود الدونما الذين لعبوا دورا أساسيا في حركة الاتحاد لأهمية العسكر ودورهم في الحياة السياسية فسعوا دائما لإقامة علاقات سرية وعلنية مع قيادات العسكر في جميع مراحل التاريخ التركي العثماني منه والجمهوري.
فشل العديد من السلاطين وفي مقدمتهم السلطان أحمد الثالث ومن ثم محمود الثاني في التخلص من تحكم العسكر في الحياة السياسية التي بقيت تحت تأثير الجنرالات في العهد الجمهوري، خاصة بعد أن خاض الضابط الشاب مصطفى كمال أتاتورك حرب الاستقلال ضد بقايا الحكم العثماني وقوات الاحتلال الفرنسي والبريطاني واليوناني والإيطالي التي احتلت أرض الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى التي هزمت فيها ألمانيا وحليفتها تركيا.
وبرز اسم أتاتورك كجنرال قوي ومنتصر مع رفاقه العسكر الذين صاغوا إطار الحياة السياسية للبلاد وفق مزاج الجيش بعقيدته الأتاتوركية التي تعني حماية النظام العلماني ضد كافة أنواع المخاطر الداخلية والخارجية وعلى أساس قوي من الشعور القومي الذي كان الجيش رمزا له وأحيانا لعنصريته البارزة!
وقد التزم جنرالات الجيش بعد وفاة أتاتورك أيضا عام 1938 بنفس المبادئ، حيث كان لهم دور أساسي في مجمل المعادلات السياسية خلال فترة حكم عصمت أينونو الذي خلف أتاتورك في رئاسة الجمهورية حتى العام 1950 عندما انتقلت البلاد إلى التعددية الحزبية بإذن من جنرالات الجيش الذين كانوا يعرفون أنهم يملكون القوة الكافية للتدخل حين اللزوم.
إلا أن الوضع في تركيا قد يختلف نسبيا عن هذه الدول، لأن تركيا رغم كل سلبياتها تعتبر دولة ديمقراطية بالمعايير الغربية منذ العام 1950 حيث انتقلت البلاد إلى التعددية الحزبية التي جعلت من تركيا جزءا من العالم الغربي وعضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعنصرا أساسيا في الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي السوفياتي.
وقد أسهم ذلك في دعم دور العسكر في الحياة السياسية، ونظرت واشنطن وعواصم (الناتو) إلى تركيا كحليف إستراتيجي، ولم تتأخر في دعم الجيش التركي حتى أصبح أكبر جيش في المنطقة بعد أميركا، كما أنها دعمت بشكل خاص القادة العسكريين الأتراك الذين أثبتوا بدورهم وفي العديد من المناسبات وفاءهم لواشنطن أكثر من أنقرة، ولعل هذه الحقيقة تفسر الإيحاءات الدائمة لدور واشنطن في جميع الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا حتى الآن.
"
يستمد الجيش التركي قوته من دعم كبار رجال الأعمال ووسائل الإعلام واحترام المجتمع إضافة إلى التأييد الأميركي
"ويستمد الجنرالات الأتراك قوتهم من دعم رجال الأعمال الكبار ووسائل الإعلام الكبيرة التي تلعب دورا أساسيا في إعداد وتهيئة الشارع التركي للانقلابات العسكرية وبأساليب ذكية، إذ لرجال الأعمال الكبار مصالح مادية كبيرة في العلاقة مع الجيش بعدد أفراده البالغ مليون عسكري، ويحتاجون يوميا للكثير من الحاجات التي تكلف الدولة الملايين بل المليارات من الدولارات التي طالما خصصتها جميع الحكومات للجيش الذي يتحجج دائما بحماية النظام العلماني والأمن الوطني والقومي ضد المخاطر الداخلية والخارجية وفي مقدمتها حزب العمال الكردستاني الذي كلف الدولة التركية حوالي 100 مليار دولار.
ولم تتأثر سمعة الجيش بسبب فشله وجنرالاته في القضاء على حزب العمال الكردستاني ومازال هذا الجيش في مقدمة المؤسسات التي يثق بها الشعب التركي بأغلبية تصل إلى 80% وربما لأن الإنسان التركي ذو عقلية ونفسية عسكرية، حيث إن المواطن التركي عندما يتودد لابنه الصغير ويمدحه يقول "ابني سيكبر ويصبح باشا" أي جنرالا!
وتفسر هذه العقلية التأييد الشعبي الدائم للانقلابات العسكرية التي هيأ الجنرالات الأجواء اللازمة لها، ودون أن يتذكر المواطن أن الجنرالات كانوا طرفا في فشل جميع الحكومات السابقة في تحقيق الأمن والاستقرار لأن الأحكام العرفية كانت معلنة ومطبقة في عموم أنحاء البلاد لسنوات طويلة. ودون أن تكون هذه الأحكام العرفية كافية بالنسبة للجنرالات الذين تحججوا دائما بتدهور الأوضاع الأمنية واعتبروها مبررا لتدخلاتهم العسكرية واستلام السلطة.
وكانت الحكومات الائتلافية الضعيفة السبب الآخر لشجاعة الجنرالات الذين استغلوا هذا الضعف واعتبروه مبررا مقنعا للشارع في انقلاباتهم العسكرية التي انتهى عهدها بعد الانقلاب الرابع عام 1997.
ولقوة تأثير الجيش التركي وتدخله المباشر في الشأن السياسي وفي تحديد شكل الحكومات وهوية الحكام جذور تاريخية تعود إلى الجيش الانكشاري العثماني الذي لعب أدوارا مهمة في تغيير السلاطين ورؤساء وزرائهم أو الإطاحة بهم خنقا أو شنقا أو قتلا!
وجاءت حركة الاتحاد والترقي التي انطلقت من بين صفوف الضباط لتثبت مدى أهمية العسكر في الحياة السياسية، خاصة بعد أن أطاح قادة الاتحاد وهم من العسكر بالسلطان عبد الحميد في أبريل/ نيسان 1909، حيث وعى اليهود واليهود الدونما الذين لعبوا دورا أساسيا في حركة الاتحاد لأهمية العسكر ودورهم في الحياة السياسية فسعوا دائما لإقامة علاقات سرية وعلنية مع قيادات العسكر في جميع مراحل التاريخ التركي العثماني منه والجمهوري.
فشل العديد من السلاطين وفي مقدمتهم السلطان أحمد الثالث ومن ثم محمود الثاني في التخلص من تحكم العسكر في الحياة السياسية التي بقيت تحت تأثير الجنرالات في العهد الجمهوري، خاصة بعد أن خاض الضابط الشاب مصطفى كمال أتاتورك حرب الاستقلال ضد بقايا الحكم العثماني وقوات الاحتلال الفرنسي والبريطاني واليوناني والإيطالي التي احتلت أرض الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى التي هزمت فيها ألمانيا وحليفتها تركيا.
وبرز اسم أتاتورك كجنرال قوي ومنتصر مع رفاقه العسكر الذين صاغوا إطار الحياة السياسية للبلاد وفق مزاج الجيش بعقيدته الأتاتوركية التي تعني حماية النظام العلماني ضد كافة أنواع المخاطر الداخلية والخارجية وعلى أساس قوي من الشعور القومي الذي كان الجيش رمزا له وأحيانا لعنصريته البارزة!
وقد التزم جنرالات الجيش بعد وفاة أتاتورك أيضا عام 1938 بنفس المبادئ، حيث كان لهم دور أساسي في مجمل المعادلات السياسية خلال فترة حكم عصمت أينونو الذي خلف أتاتورك في رئاسة الجمهورية حتى العام 1950 عندما انتقلت البلاد إلى التعددية الحزبية بإذن من جنرالات الجيش الذين كانوا يعرفون أنهم يملكون القوة الكافية للتدخل حين اللزوم.
يمكن تلمس أثر الجيش التركي في مجمل الأحداث التي جرت بعد تأسيس الجمهورية، لكن هذا الجيش تدخل بشكل مباشر من خلال أربعة انقلابات عسكرية خلال أقل من 40 عاما، لتغيير حكومات مدنية منتخبة لأسباب مختلفة في مقدمتها حماية النظام العلماني.
"
قاد الجيش أربعة انقلابات عسكرية كان أولها عام 1960 وآخرها عام 1997، وفيما كان الأول دمويا جاء الأخير نظريا اكتفى بالتلويح بالقوة
"أول الانقلابات وأكثرها دموية جرى في 27 مايو/ أيار 1960 عندما أطاح الجيش بحكومة عدنان مندريس بعدما وجهت له اتهامات بالسماح للقوى الدينية بالعمل بحرية كانت الحكومات العلمانية السابقة قد منعتها تماما، ورغم أن مندريس لم يكن بالأصل إسلاميا فإن مجرد محاولته تخطي شكل العلمانية الذي شرعه أتاتورك كان كفيلا بمحاكمته وإعدامه مع ثلاثة من وزرائه بتهم غير جدية.
ولعلنا نلاحظ أن واشنطن لم تتدخل لإنقاذ مندريس رغم أنه كان قريبا منها وقدم لها وللغرب خدمات جليلة، حيث تحولت تركيا في عهده إلى مخفر متقدم وإستراتيجي للحلف الأطلسي ضد الاتحاد السوفياتي والمد القومي العربي بقيادة عبد الناصر.
وجاء الانقلاب الثاني في مارس/ آذار 1971، وهذه المرة لحماية الحسابات الأميركية حيث كانت البلاد تشهد صراعات دموية بين القوى اليسارية التي تصدت لها القوى اليمينية (الإسلامية والقومية) بدعم من الدولة المدعومة من واشنطن التي كانت تتخوف للتيار اليساري أن يتحول إلى قوة جدية في الشارع التركي، خاصة بعد أن قام اليساريون الذين تدربوا في مخيمات المنظمات الفلسطينية في لبنان بعمليات مسلحة استهدفت القواعد الأميركية والعاملين فيها وقتلوا القنصل الإسرائيلي في إسطنبول.
وحدث الانقلاب الثالث في سبتمبر/ أيلول 1980 وسط ظروف داخلية مماثلة لكن هذه المرة بأبعاد إقليمية، حيث كانت تركيا تعيش ظروف التمرد الكردي في جنوب البلاد بالإضافة إلى صعود القوى اليسارية، في وقت شهد إقليميا تداعيات الثورة الإيرانية واندلاع الحرب العراقية- الإيرانية والاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وكان كل ذلك يجري في غمرة الحديث عن نظرية الحزام الأخضر لبريجنسكي ضد الاتحاد السوفياتي.
كانت تركيا من أهم عناصر هذا الحزام الذي استهدف إحاطة جنوب الاتحاد السوفياتي بطوق من الدول ذات صبغة إسلامية، حيث كان لانقلاب 1980 الذي أعلنت عنه واشنطن حتى قبل السماع عنه في أنقرة تأثير مهم وكبير في مجمل المعطيات السياسية حيث حكم قائد الانقلاب كنعان أيفرين البلاد لمدة سبع سنوات رئيسا للجمهورية بعد أن صاغ دستورا غريبا وعجيبا مازال الأتراك يعانون منه رغم تغيير العديد من بنوده ومواده باستثناء تلك التي تعترف لقادة الانقلاب بحصانة دستورية إلى الأبد.
وقد فشل جميع رؤساء الوزراء الذين حكموا البلاد بعد ذلك العام بمن فيهم الذين استهدفهم الانقلاب العسكري المذكور ومنهم سليمان ديميريل وبولنت أجاويد ونجم الدين أربكان من تغيير هذه المواد والمواد الأخرى المناقضة للديمقراطية وهو ما يؤكد "حالة الخوف النفسي" التي يعاني منها السياسيون الأتراك من جنرالات الجيش.
أما الانقلاب الرابع فجرى في فبراير/ شباط 1997 وكان انقلابا" نظريا" اكتفى فيه الجيش بإخراج الدبابات إلى الشوارع في أنقرة ليضطر رئيس الوزراء نجم الدين أربكان إلى الاستقالة، قبل أن يصل الجيش إلى مقر رئاسة الحكومة.
وبرزت في هذا الانقلاب حدة الصراع العلماني الإسلامي الذي دفع إلى تدخل الجيش مرة أخرى للسبب ذاته، لاسيما وأن أربكان قام خلال العام الذي تولى فيه رئاسة الحكومة بإجراءات لم يخف فيها رغبته بتغيير معالم أساسية في النظام العلماني التركي الذي يؤكد الجنرالات أنهم أصحابه وحماته باسم الأمة التركية وإلى الأبد.
"
قاد الجيش أربعة انقلابات عسكرية كان أولها عام 1960 وآخرها عام 1997، وفيما كان الأول دمويا جاء الأخير نظريا اكتفى بالتلويح بالقوة
"أول الانقلابات وأكثرها دموية جرى في 27 مايو/ أيار 1960 عندما أطاح الجيش بحكومة عدنان مندريس بعدما وجهت له اتهامات بالسماح للقوى الدينية بالعمل بحرية كانت الحكومات العلمانية السابقة قد منعتها تماما، ورغم أن مندريس لم يكن بالأصل إسلاميا فإن مجرد محاولته تخطي شكل العلمانية الذي شرعه أتاتورك كان كفيلا بمحاكمته وإعدامه مع ثلاثة من وزرائه بتهم غير جدية.
ولعلنا نلاحظ أن واشنطن لم تتدخل لإنقاذ مندريس رغم أنه كان قريبا منها وقدم لها وللغرب خدمات جليلة، حيث تحولت تركيا في عهده إلى مخفر متقدم وإستراتيجي للحلف الأطلسي ضد الاتحاد السوفياتي والمد القومي العربي بقيادة عبد الناصر.
وجاء الانقلاب الثاني في مارس/ آذار 1971، وهذه المرة لحماية الحسابات الأميركية حيث كانت البلاد تشهد صراعات دموية بين القوى اليسارية التي تصدت لها القوى اليمينية (الإسلامية والقومية) بدعم من الدولة المدعومة من واشنطن التي كانت تتخوف للتيار اليساري أن يتحول إلى قوة جدية في الشارع التركي، خاصة بعد أن قام اليساريون الذين تدربوا في مخيمات المنظمات الفلسطينية في لبنان بعمليات مسلحة استهدفت القواعد الأميركية والعاملين فيها وقتلوا القنصل الإسرائيلي في إسطنبول.
وحدث الانقلاب الثالث في سبتمبر/ أيلول 1980 وسط ظروف داخلية مماثلة لكن هذه المرة بأبعاد إقليمية، حيث كانت تركيا تعيش ظروف التمرد الكردي في جنوب البلاد بالإضافة إلى صعود القوى اليسارية، في وقت شهد إقليميا تداعيات الثورة الإيرانية واندلاع الحرب العراقية- الإيرانية والاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وكان كل ذلك يجري في غمرة الحديث عن نظرية الحزام الأخضر لبريجنسكي ضد الاتحاد السوفياتي.
كانت تركيا من أهم عناصر هذا الحزام الذي استهدف إحاطة جنوب الاتحاد السوفياتي بطوق من الدول ذات صبغة إسلامية، حيث كان لانقلاب 1980 الذي أعلنت عنه واشنطن حتى قبل السماع عنه في أنقرة تأثير مهم وكبير في مجمل المعطيات السياسية حيث حكم قائد الانقلاب كنعان أيفرين البلاد لمدة سبع سنوات رئيسا للجمهورية بعد أن صاغ دستورا غريبا وعجيبا مازال الأتراك يعانون منه رغم تغيير العديد من بنوده ومواده باستثناء تلك التي تعترف لقادة الانقلاب بحصانة دستورية إلى الأبد.
وقد فشل جميع رؤساء الوزراء الذين حكموا البلاد بعد ذلك العام بمن فيهم الذين استهدفهم الانقلاب العسكري المذكور ومنهم سليمان ديميريل وبولنت أجاويد ونجم الدين أربكان من تغيير هذه المواد والمواد الأخرى المناقضة للديمقراطية وهو ما يؤكد "حالة الخوف النفسي" التي يعاني منها السياسيون الأتراك من جنرالات الجيش.
أما الانقلاب الرابع فجرى في فبراير/ شباط 1997 وكان انقلابا" نظريا" اكتفى فيه الجيش بإخراج الدبابات إلى الشوارع في أنقرة ليضطر رئيس الوزراء نجم الدين أربكان إلى الاستقالة، قبل أن يصل الجيش إلى مقر رئاسة الحكومة.
وبرزت في هذا الانقلاب حدة الصراع العلماني الإسلامي الذي دفع إلى تدخل الجيش مرة أخرى للسبب ذاته، لاسيما وأن أربكان قام خلال العام الذي تولى فيه رئاسة الحكومة بإجراءات لم يخف فيها رغبته بتغيير معالم أساسية في النظام العلماني التركي الذي يؤكد الجنرالات أنهم أصحابه وحماته باسم الأمة التركية وإلى الأبد.
بقيت ظلال الجيش في السلطة حتى نهاية التسعينيات بسبب الدستور الذي صاغه قائد انقلاب عام 1980الجنرال كنعان أيفرين، حتى بدأ الحديث عن ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي في قمة هلسنكي نهاية العام 1998.
فتح هذا الأمر صفحة جديدة في التاريخ السياسي التركي بعيدا عن تأثير جنرالات الجيش الذين كان عليهم أن يبتعدوا عن الساحة السياسية حسب المعطيات ألأميركية والأوروبية الجديدة التي لم تعد ترى في روسيا واليونان وسوريا وإيران والعراق خطرا على الحسابات الغربية التي طالما كان لتركيا دور مهم فيها بجيشها الكبير والعظيم!
"
خلال عهد حكومة أردوغان انحسرت نسبيا صلاحيات الجيش ومجلس الأمن القومي الذي تقلص فيه وجود العسكريين
"وبدأت حملة الإصلاحات التي سميت بالديمقراطية بالتعديلات الدستورية والقانونية التي استهدفت سلطات وصلاحيات الجيش في الحياة السياسية، حيث نجحت حكومة أجاويد ومن بعدها حكومة أردوغان في تمرير هذه الإصلاحات بفضل مرونة قائد الجيش السابق حلمي أوزكوك المعروف عنه شخصيا تهربه من أي توتر أو مواجهة مع الحكومة بحجة أن ذلك ليس لخدمة المصالح الوطنية والقومية لتركيا.
واستغلت حكومة أردوغان ذلك فحسمت مجمل التعديلات التي وضعت حدا نهائيا لدور العسكر في الحياة السياسية بعد أن أصبح عدد أعضاء مجلس الأمن القومي 9 مدنيين مقابل 5 من العسكر بعد أن كان عدد المدنيين 4 منذ تأسيس المجلس قبل 70 عاما تقريبا، كما أن قرارات المجلس لم تعد ملزمة للحكومات كما كانت في السابق، حيث أصبح الأمين العام للمجلس مدنيا ويتبع لرئيس الوزراء بعد أن شغل الجنرالات هذا المنصب لمدة 70 عاما وبالعلاقة المباشرة مع رئاسة الأركان التي لم تعد تملك أي صلاحيات في نشاط المجلس الذي أصبح يجتمع مرة كل شهرين بدلا من مرة في الشهر.
كما وضعت التعديلات الدستورية الأخيرة تصرفات الجيش المختلفة تحت رقابة ومحاسبة البرلمان والأجهزة الدستورية بعد أن تخلت القوى التقليدية عن موقفها الداعم للجيش وفي مقدمتها رجال الأعمال الكبار ووسائل إعلامهم الرئيسة التي تستهدف الآن الجيش في أي محاولة من الجنرالات لعرقلة المسار الديمقراطي.
وبات واضحا أنه أي المسار الديمقراطي محمي من قبل الشارع التركي أكثر من أي وقت مضى، ولأن حزب العدالة والتنمية يحكم البلاد بمفرده دون أي ائتلاف مع أي حزب آخر. كما أن جميع استطلاعات الرأي تبين أن هذه الحكومة مازالت تحظى بدعم واسع من المواطنين الأتراك الذين لم يكن سهلا على جنرالات الجيش إقناعهم بعد الآن بأي مبرر لأي انقلاب عسكري إلا في حالة واحدة وهي خطر حزب العمال الكردستاني!
إن لهذا الموضوع امتدادات وحسابات داخلية وخارجية مرتبطة مباشرة بمجمل سياسات حكومة العدالة والتنمية التي ومهما حققت من تقدم إستراتيجي في مجال الديمقراطية فما زالت تتخوف من أي انقلاب عسكري طالما أن الجنرالات يملكون الدبابات التي إن خرجت إلى الشارع بحجة حماية النظام العلماني أو التصدي لخطر الانفصاليين الأكراد فالمواطنون الأتراك سيصفقون لها بشكل لا أرادي لأنهم في نهاية المطاف أحفاد للجيش الانكشاري الذي يتقدم خطوة إلى الأمام ثم يتراجع خطوتين إلى الوراء.
وقد تختلف هذه القاعدة هذه المرة ليتقدم الأتراك خطوتين إلى الأمام ويتراجعوا خطوة للوراء بفضل إصلاحات الاتحاد الأوروبي الذي قد يعود إلى دعم للجنرالات إذا أثبتوا أنهم على استعداد لحماية المصالح "الغربية الصليبية" في أفغانستان والعراق ولبنان والشرق الأوسط والأهم ضد الإسلام المتطرف السني منه والشيعي!!