من أفغانستان إلى ليبيا حديث واشنطن عن تراجع " الدولة الإسلامية " مجرد أحلام!
أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الولايات المتحدة وسعت من حملتها ضد فرع تنظيم "الدولة" في العراق وسوريا بأفغانستان أو ما يطلق عليها "ولاية خراسان".
وجاءت الخطوة بعد إعلان وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، عن خطط وزارته توسيع العمليات ضد التنظيم في أكثر من بلد خاصة في ليبيا التي أرسلت لها واشنطن عناصر استطلاع من قوات العمليات الخاصة في شهر ديسمبر 2015 للبحث عن حلفاء يمكن العمل معهم من بين الفصائل الليبية المتعددة.
وفي أفغانستان، التي تعتبر جبهة جديدة في الحرب ضد التنظيم، تقول "نيويورك تايمز" إن الولايات المتحدة شنت خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة عشرات العمليات شملت مداهمات وغارات جوية ضد المتشددين الموالين لتنظيم "الدولة" بشكل توسع فيه إدارة الرئيس باراك أوباما العمليات الجوية خارج كل من سوريا والعراق.
وتقول الصحيفة إن العمليات الأخيرة تأتي بعد قرار أوباما الشهر الماضي توسيع صلاحيات القادة الأمريكيين في توجيه ضربات لفرع التنظيم في أفغانستان.
وتكشف الصحيفة أن الغارات الجوية والمداهمات التي نفذت في أفغانستان تركزت على منطقة تورا بورا في إقليم نانغرهار، وهي منطقة جبلية صعبة قرب الحدود مع باكستان.
ويعتقد القادة الأمريكيون أن ما بين 90 – 100 مسلح قتلوا في العمليات الأخيرة. ويقدر مسؤولو الأمن عدد المقاتلين التابعين لتنظيم "الدولة" بحوالي 1.000 يتركزون في إقليم نانغرهار بالإضافة لأعداد مماثلة أو أكثر في مناطق أخرى من البلاد. ويعترف المسؤولون الأمنيون بأن المنظمة المصممة على القتال تستطيع استبدال القتلى من أفرادها وتجنيد آخرين.
وتعلق الصحيفة بأن الرئيس باراك أوباما، وإن أعلن عن نهاية العمليات العسكرية في كل من العراق وأفغانستان، إلا أن المهمة الجديدة هي جزء من إستراتيجية توسيع الحرب ضد الجهاديين في جنوب وسط
آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأرسلت واشنطن إلى العراق 3.700 جندي أمريكي، مستشارين ومدربين وكوماندوز، بالإضافة إلى نشر عدد من القوات الخاصة في سوريا.
وقال كارتر إن الولايات المتحدة طلبت من الدول الأخرى، بمن فيهم الحلفاء العرب، المساهمة في الحملة العسكرية التي تخطط فيها الولايات المتحدة لاستعادة مدينة الموصل في العراق والرقة في سوريا اللتين يسيطر عليهما تنظيم "الدولة".
وأضافت الصحيفة أن الإدارة تدرس فكرة شن حملة ضد التنظيم في ليبيا، والتي قد تؤدي إلى زيادة الدور الدبلوماسي والعسكري الأمريكي هناك. وقد كثفت الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها من عمليات الاستطلاع وجمع المعلومات الأمنية.
وأشارت هنا إلى قيام قوات العمليات الخاصة بمقابلة عدد من الجماعات الليبية المسلحة في الأشهر القليلة الماضية والبحث عن طرق للتعاون مع تلك التي ترى الولايات المتحدة أنه يمكن الاعتماد عليها.
وفي أفغانستان، يخشى القادة الأمريكيون وقادة دول الحلفاء من التحديات التي تفرضها شبكة المقاتلين التابعين لحقاني والموالون لطالبان والذين قدموا الولاء لتنظيم "الدولة" على الحكومة الأفغانية وقواتها التي تحاول الاعتماد على نفسها.
ولم يبق من القوات الأمريكية سوى 9.800 جندي في أفغانستان وسيتم تخفيض العدد إلى 5.500 مع مغادرة الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض بحلول يناير 2017، مع أن بعض المسؤولين الأمريكيين ألمحوا لإمكانية إبطاء عملية سحب الجنود في ظل الوضع الأمني المتدهور.
وكان مرشح أوباما لتولي قيادة القوات الأمريكية في أفغانستان، اللفتنانت جنرال جون دبليو نيكلسون جي أر، قد سئل من رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، السناتور جون ماكين، إن كان الوضع الأمني في أفغانستان يتدهور. فأجاب: "سيدي، أوافق على تقويمك"، وقال: إن "طالبان" قاتلت ضد القوات الأمنية الأفغانية بطريقة قوية وأكثر من المتوقع، مشيرا إلى أن ظهور تنظيم الدولة في أفغانستان لم يكن متوقعا.
وقال الجنرال "نيكلسون" إنه حال موافقة الكونغرس على تعيينه، فسيقوم في الأشهر الثلاثة الأولى من عمله بمراجعة ملامح الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان والتي تقوم عل مكافحة الإرهاب وتقديم النصح والدعم للقوات الأفغانية، قبل أن يقدم توصياته حول مستوى القوات الأمريكية في أفغانستان.
وتشير الصحيفة إلى أن القواعد الجديدة المخففة، والتي أرسلها البيت الأبيض إلى البنتاغون الشهر الماضي، سهل مهمة مكافحة التنظيم. فما على الجيش الآن إلا أن يقدم مقترحا لضرب هدف تابع لتنظيم الدولة في أفغانستان.
وفي الماضي، كان الهدف يضرب إذا وجد العسكريون علاقة له بتنظيم "القاعدة" فقط. وكان الجيش يهاجم تنظيم "الدولة" في حالات الدفاع عن النفس، لكن القواعد الجديدة تسمح بالهجوم عليه. وقال بوكنان إن القوات الأمريكية لا تزال تستهدف القاعدة ولكنها في الأسابيع القليلة الماضية باتت تركز أكثر على تنظيم "الدولة".
وتشير الصحيفة إلى الفوارق بين مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا وبين مقاتليه في أفغانستان، فمعظم هؤلاء مقاتلون محليون انشقوا عن حركة طالبان أو كانوا في حركة حقاني، حيث أعادوا تقديم أنفسهم كمقاتلين في تنظيم "الدولة". وبالمقارنة، فالذين يقاتلون في سوريا والعراق جاءوا من دول الشرق الأوسط وأوروبا.
وتشير الصحيفة إلى أنه لا يوجد ما يشير لتلقي المقاتلين في أفغانستان أوامر من الرقة، عاصمة ما يطلق عليها "الخلافة"، ولكنهم استطاعوا تنفيذ سلسلة من العمليات الدموية.
ويُذكر أن فرع تنظيم الدولة في أفغانستان، "الدولة الإسلامية في خراسان"، ينمو بسرعة كبيرة منذ نشوئه عام 2014 كتنظيم منشق عن طالبان، ويقوم التنظيم بالتجنيد على مستوى أفغانستان وفي نانغرهار، وقد تم تخريج الدفعة الأولى من معسكرات التدريب التابعة له.
وتم اعتقال طلاب في جامعة جلال آباد لرفعهم علم تنظيم «الدولة»، وقام بهجومين على منطقة القنصليات في كابول الشهر الماضي. وفي المناطق النائية من نانغرهار يحكم بنفس الوحشية ويعدم الرجال ويبيع البنات.
ولا ينشط الفرع الأفغاني على المستوى العسكري بل وعلى المستوى الإعلامي. وفي هذا السياق ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية أنه أنشأ إذاعة له في أفغانستان لبث الدعاية، حيث ينشر الرعب في شرق البلاد، بينما يكثف من عمليات التجنيد في وجه الهجمات الحكومية المضادة.
وتقول الصحيفة إن الإذاعة، التي تبث برامجها قرب الحدود الباكستانية الأفغانية، تحتوي على خطب إسلامية نارية وتدعو الشباب للانضمام إلى صفوف التنظيم وتهدد كل من له ولاء للحكومة أو لطالبان بالإعدام.
ونقلت الصحيفة عن الحاج محمد حسن، أحد زعماء القبائل في جلال آباد، قوله إن "إذاعة داعش هي في الواقع أفضل من الإذاعات المحلية. فهم يبثون برامج ممتازة بلغة البشتو، وقد أثرت كثيرا في الشباب، لأن الكثير منهم عاطل عن العمل وقابل للتأثر بالإسلاميين". وحاولت قوات الحكومة إغلاق الإذاعة ولكن يعتقد أن المتطرفين يستخدمون أجهزة بث متنقلة لتجنب الكشف.
وترى الصحيفة أن الفرع الأفغاني أدرك، كما فعل المركز في العراق وسوريا، أثر الدعاية المتعددة الوسائط. ويستخدم التنظيم إذاعة الراديو في الشرق الأوسط في الرقة والموصل. وفي أفغانستان، هناك إذاعة لتنظيم طالبان المنافسة وتقوم ببث الرعب في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في باكستان وأفغانستان.
وتعكس الحملة الأمريكية ضد فروع التنظيم عن رغبة في وقف تقدمه في الخارج. ومع أنه تم إجباره على التراجع في العراق، إلا أن قادة أكراد يعتقدون أن تراجعه بطيء.
ونقلت صحيفة "إندبندنت" البريطانية عن مسؤولين في إربيل، قولهم إنه لن تتم هزيمة التنظيم في العراق قبل أن يهزم في سوريا. وعلق باتريك كوكبيرن، في تقرير له بالصحيفة، على أن التقدم بطيء رغم مبالغات الحكومة العراقية في الإنجازات التي حققتها قواتها في كل من تكريت والرمادي.
ونقل الكاتب عن محافظ مدينة كركوك، الدكتور نجم الدين كريم، قوله: "كانت الهجمات الأولى لداعش (عام 2014) مثل غارات المغول، لكن مقاتليه لم يستطيعوا الاحتفاظ بموقع ثابت". وأضاف: "لكن هذا لا يعني أنه تم تدميره في العراق، ولن يحدث طالما لم يهزم في سوريا".
وقال إن مقاتلي البيشمركة دحروا تنظيم الدولة إلى مسافة طولها 10- 20 ميلا عن كركوك. ويعلق الكاتب عن مفاخرة كل من حكومة إقليم كردستان وبغداد باستعادة سنجار، الواقعة غرب الموصل، والرمادي، الواقعة غرب بغداد، ولكن هذه الانتصارات لم تتحقق إلا بدعم طيران التحالف الدولي.
ولم تكن انتصارات حاسمة نظرا لأن التنظيم لم يقاتل حتى النهاية وقرر سحب مقاتليه من أجل تخفيف الخسائر. وعلق الدكتور كريم على أساليب "تنظيم الدولة" بقوله إنه عاد إلى "حرب العصابات".
وقال إن السكان الذين فروا من المدن، التي تمت استعادتها من التنظيم، لم يعودوا إليها لأنه لم يخرج من المناطق المحيطة بها أو لخوفهم من الاضطهاد الطائفي.
وأشار كوكبيرن إلى مدينة الرمادي، التي كان عدد سكانها قبل دخول الجهاديين إليها العام الماضي 600.000 نسمة، وكيف أن التنظيم لا يزال يواصل هجماته الانتحارية واستخدام القناصة حيث قتل الأسبوع الماضي 30 من قوات الأمن العراقية.
ونقل عن عجوزين فرا من مدينة تكريت عام 2014 إلى إربيل ثم عادا إليها بعد خروج الجهاديين منها ليهربا مرة ثانية بعد المعارك التي اندلعت بين قوات موالية للحكومة والجهاديين.
ويرى الكاتب أن من يريد العودة من المهجرين للرمادي لن يجد شيئا، خاصة وأن التحالف الدولي ضد داعش يعتمد على القصف الجوي، ولهذا دمر نسبة 80% من الرمادي. ويقارن الكاتب بين قوة التنظيم في العراق وسوريا، فهو لا يزال يسيطر على مدينة الموصل التي يعيش فيها 1.5 مليون نسمة والفلوجة القريبة منها.
ويعتبر القوة الأكبر التي تواجه الحكومة في العراق، أما في سوريا فهو واحد من عدة فصائل. وينقل الكاتب عن سروان بارزاني، الذي يقود 15.000 من قوات البيشمركه، قوله إن تنظيم الدولة وإن عانى من خسائر فادحة، إلا أن جبهة القتال تمتد على 3.700 كيلومتر ويمكنه جمع 500 مقاتل في أي لحظة و10 انتحاريين لشن هجوم.
ويقول بارزاني إن لديه 15.000 مقاتل ويحرسون جبهة طولها 120 كيلومترا مع أن الجنود ليسوا كلهم في الخدمة. وفي بقية العراق وسوريا، فخطوط القتال طويلة ومن الصعب حمايتها. وفي الوقت الذي يعتمد فيه الجيش العراقي والبيشمركة على الغطاء الجوي، إلا أن مقاتلي التنظيم لديهم نظام متقن من الأنفاق يلجأون إليها هربا من القصف الجوي. كما ويعتمد على الوحدات الصغيرة التي تتكون من 8-10 مقاتلين.
وسئل بارزاني عن إمكانية هزيمة تنظيم الدولة، فقال إن الولايات المتحدة كان لديها 150.000 جندي وفشلت في هزيمة القاعدة. وقال إن البيشمركة لن تهاجم وحدها مدينة الموصل، وليس هناك قوات أمنية عراقية قادرة على استعادة الموصل. وعلق بأن القتال في الرمادي خاض معظمه مقاتلو الحشد الشعبي (بنسبة ما بين 60-65%)، وهو خلاف ما قيل وهو إن الحشد الشعبي لم يشارك في معارك الرمادي.
ويعتقد الكاتب أن حديث واشنطن ولندن عن ترنح تنظيم الدولة تحت ضربات البيشمركه والجيش العراقي هو أحلام وأمان. صحيح، تحققت انتصارات هنا وهناك، لكن التنظيم لم يخسر المنطقة الرئيسية التي بدأ منها معاركه قبل عامين.