السيطرة على النفط قد تعجل بتدخل عسكري غربي في ليبيا ولا علاقة له بمعاناة أهلها
لا أحد يعرف تحديدا حقيقة ما يجري في ليبيا، حتى الخبراء، تقول صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية في افتتاحيتها، يستعصي عليهم فهم ما يجري هناك. فقبل أربعة أعوام كان يسهل علينا فهم المعادلة الليبية: انتفض الليبيون الذين هبت عليهم رياح الربيع العربي ضد ديكتاتورهم البغيض معمر القذافي.
وعندما هدد الديكتاتور بأنه سيدمر مدينة بنغازي تدخلت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة عسكريا بناء على قرار من الأمم المتحدة منحها تفويضا لتوجيه ضربات من الجو والبحر.
وتوجهت الفصائل التي توحدت ضد النظام والمنقسمة عرقيا وأيديولوجيا وجغرافيا لقتال بعضها البعض. ولم تنجح محاولات الحكومات الغربية على ما تقول الصحيفة للإشراف على عملية انتقال سلمي للسلطة.
ونتج عن حالة النزاع في البلاد سلطتان متنافستان أو بمعنى آخر حكومتان، واحدة يدعمها تحالف فجر ليبيا الإسلامي في طرابلس وثانية اعترف بها المجتمع الدولي في طبرق.
ولا تسيطر الحكومتان على كامل البلاد، فهناك مناطق واسعة في الجنوب والغرب خارجة عن سيطرة أي منهما. ويقودنا هذا للحديث عن تهديد "تنظيم الدولة" الذي بنى قاعدة قوية له في ليبيا. وفرض التنظيم حضورا واضحا له في مدينة سرت الواقعة على شاطئ البحر المتوسط وهي مسقط رأس القذافي.
وهو تطور يزيد من تعقيدات المسألة الليبية حيث أضافت بعدا ثالثا للنزاع الدائر في البلاد. وتقول الصحيفة إن الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة بين طرفي النزاع في الأسبوع الماضي لن يسهم في حل المشاكل بل سيزيدها تعقيدا، وهذا لرفض زعامات مهمة في المعسكرين له.
فالاتفاقية المدعومة أيضا من روسيا، التي زاد اهتمامها بقتال الجهاديين بعد إسقاط طائرتها التجارية فوق سيناء، طموحة وتدعو إلى بناء حكومة وحدة وطنية وبرلمان واحد وتعاون دولي لإعادة بناء الجيش والشرطة في ليبيا وبناء مؤسسات الدولة وإنعاش الاقتصاد المتداعي. والأهم من كل هذا يمنح الاتفاق، كما يرى البعض، شرعية للدعوة المتوقعة من هذه الحكومة للغرب كي يتدخل عسكرياً في البلاد.
وترى الصحيفة أن هذا البلد عاد إلى الحسابات الغربية، ليس لأن شعبه يعاني وأمته تنهار، ولكن لأسباب خارجية: أحدها، وصول "تنظيم الدولة" إليها، أما الثاني فمتعلق بتحول ليبيا إلى مركز تهريب المهاجرين إلى أوروبا، أما السبب الأخير فمرتبط بما تملكه البلاد من احتياطات نفطية هائلة والتحكم في صندوقها السيادي الذي قدرت قيمته مرة بحوالي 100 مليار دولار.
ومن هنا تحذر الصحيفة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وتطالبه بالإجابة على عدد من الأسئلة قبل القفز مرة ثانية على رمال ليبيا المتحركة، وكما فعل في عام 2011، من دون تفكير بعواقب تدخله العسكري.
واحد من هذه الأسئلة متعلق بحكومة الوحدة الوطنية المقترحة وإن كانت حقيقة أم سرابا، أما السؤال الثاني فيتعلق بطبيعة التفويض الديمقراطي الذي تستند إليه هذه الحكومة المقترحة، خاصة وأن خطة الأمم المتحدة تم إعدادها والتوافق عليها من دون استشارة الليبيين أنفسهم. وعليه فلن يكون هناك دافع لهم للنظر إليها والتعامل معها كحكومة شرعية. وإن كان الجواب بلا فلن يكون طلب الدول الغربية التدخل العسكري شرعيا؟
وكان وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون قال إنه سيرسل 1.000 عسكري بريطاني لتدريب القوات الأمنية الليبية إذا ما طلب منه الليبيون ذلك. وتعلق الصحيفة أن قوات بهذا المعنى غير موجودة وهو ما يذكرنا بتصريحات كاميرون عندما تحدث أمام البرلمان عن قوة معارضة سورية ومعتدلة حجمها 70.000 مقاتل، وكان هذا بالطبع مدعاة لسخرية الكثيرين من سوء فهم أو تقدير رئيس الوزراء لأن هذه القوات ليست موجودة.
ومع ذلك، يتوقع دبلوماسيون إصدار أوامر هذا الأسبوع لبدء غارات ضد "تنظيم الدولة" في ليبيا وهو ما يعني توسيع المشاركة العسكرية البريطانية إلى جبهة ثالثة بعد العراق وسوريا.
وترى الصحيفة أن تحويل ليبيا إلى ساحة معركة مرة ثانية يتناقض مع فكرة بناء الدولة. وتقترح على كاميرون أن يحبس بنادقه ويطلب من البرلمان نقاش الموضوع كما فعل في موضوع توسيع الغارات الجوية إلى سوريا الشهر الماضي.
وتقدم الصحيفة لرئيس الوزراء سؤالاً: إذا ما سيطرت الحكومة الليبية على مصادر النفط، فمن سيحل محل الجماعات المسلحة والتحالفات القبلية والعصابات التي تعتمد على موارد النفط وتسيطر على عدد من آباره وخطوط نقله؟
وهل يدعو كاميرون لملاحقة "تنظيم الدولة" في أي مكان ظهر له فيه رأس، فهذه ليست سياسة وإلى أين ستنتهي. والحقيقة أن ما نراه، حسب الصحيفة، هو حالة من الذعر.
وفي تقرير أعده "كريس ستيفن" حول التحضيرات الغربية للتدخل في ليبيا نشرت الصحيفة نفسها تقريراً حول دعوة الغرب الفصائل المتناحرة من أجل الوحدة تـمهيداً للتـدخل العسـكري.
وقال إن المسؤولين الغربيين يحثون الخطى للحصول على تفويض لتوجيه ضربات جوية في الأيام المقبلة قبل أن يتقدم مقاتلو "تنظيم الدولة" نحو المدينة الإستراتيجية، أجدابيا، التي تعتبر الممر الرئيس نحو الثروة النفطية في البلاد. وتدور مواجهات حول المدينة الواقعة على هضبة صخرية تطل على موانئ النفط في شرق البلاد. وتعني السيطرة عليها التحكم بحوض سرت النفطي.
ويقول "ستيفن" إن الطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية تقف على أهبة الاستعداد للانطلاق وتوجيه ضربات من قواعدها في البحر المتوسط، فيما تقوم طائرات استطلاع وطائرات من دون طيار بالتحليق وبشكل متكرر في الأجواء الليبية ورصد تحركات المقاتلين وقوافلهم.
ومع كل هذه التحركات، إلا أن العملية العسكرية الجوية لن تبدأ قبل أن تتقدم الأطراف الليبية المتنازعة بطلب رسمي يأمل المخططون العسكريون الغربيون حصوله في وقت سريع. وذلك بعد الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة الأسبوع الماضي والذي يعد بتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير البلاد التي تعاني من حالة فوضى مستمرة.
ويرى "ستيفن" أن التركيز الآن في ليبيا هو على أجدابيا. وشهدت المدينة تحولاً كبيراً منذ سبعينات القرن الماضي، وذلك بسبب الثروة النفطية. وسيطرة مقاتلي التنظيم عليها تمكنهم من التحكم في الموانئ النفطية والهلال النفطي الذي يمتد على مساحة 150 ميلاً على طول ساحل البحر المتوسط إلى معقلهم في سيرت وجنوباً إلى حقول النفط.
وعندما سيطر المقاتلون الليبيون عليها أثناء ثورة عام 2011 سيطروا على المنشآت النفطية وهو ما عجل بنهاية نظام القذافي.
ويعلق كاتب التقرير أن الناتو قام 4 أعوام بترجيح كفة الحرب لصالح المقاتلين المعادين للقذافي، ويعتقد المخططون العسكريون في الغرب أن بإمكانهم تكرار نفس الأمر. وجهزت الدولة الغربية أساطيل جوية وبحرية للهجوم على "تنظيم الدولة".
وفي الوقت نفسه تقوم طائرات الاستطلاع الفرنسية والأمريكية برصد تحركات "تنظيم الدولة". وقد كُشف عن الوجود الأمريكي في الأسبوع الماضي عندما نشرت صورة بدون قصد تظهر 20 جنديا من القوات الخاصة على عربات دفع رباعي وأدوات مراقبة قرب قاعدة الوطية الجوية التي تبعد 30 ميلاً عن قاعدة "تنظيم الدولة" في العجيلات قرب سبراطة.
وتقول مصادر ليبية إن الأمريكيين يعملون في ليبيا منذ أسابيع، حيث استخدموا عددا من طائرات النقل العسكرية، والتي التقطت لها صور في القاعدة، مثل طائرة من دون طيار مطلية بالأزرق والأبيض "وولفاوند- سي-146"، وقامت بعدة رحلات إلى داخل وخارج ليبيا، حيث تعمل من الجزيرة الصغيرة في بانتلريا الواقعة بين صقلية وتونس.
ويتوقع الدبلوماسيون أن تقوم الحكومة الليبية هذه بتوجيه دعوة رسمية للتدخل الجوي في نهاية هذا الأسبوع.
ووفقا للخبير جون هاميلتون، مدير منظمة "كروس بوردر إنفورميشين" في لندن، يقوم "تنظيم الدولة" بتقوية حضوره وهو يهدد الآن حوض سرت النفطي. وأضاف: "لو كان الغرب مصمماً فسيستخدم (الدعوة الرسمية) للتدخل". ويتوقع أن يبدأ الغرب غاراته هذا الأسبوع وسيركز على مدينة أجدابيا حيث سيتم ضرب قوافل التنظيم خارجها.
ويرى "ستيفن" أن هزيمة تنظيم داعش في ليبيا يعتمد في النهاية على الفصائل المسلحة، وهذا يعتمد على تلك التي ستدعم حكومة الوحدة الوطنية.