* معركة تحرير مجنون والزبيدات - عمليات توكلنا على ألله الثانية والثالثة , من كتاب مذكرات مقاتل , بقلم الفريق الأول الركن نزار عبدالكريم الخزرجي ...
مخفر الطيب الحدودي
تحرير مجنون والزبيدات
----------------
اعتبر العراق مستنقعات هور الحويزة عائقًا رئيسًا إزاء أي تحركات إيرانية، وهي كذلك بالفعل إذا ما اتّبعنا المقياس النظامي لاستخدام القوات المسلحة في التقدّم والهجوم. ولذلك لم يخطر في بال القيادة العامة، ولا استخباراتها إمكانية تنفيذ عملٍ رئيسٍ معادٍ من هذا الاتجاه، عدا أن المعلومات الاستخبارية عن هذا القاطع كانت محدودةً، وكذلك العمليات الاستطلاعية فيه.
.
.
.
.
.
كانت إيران قد بدأت استعداداتها في وقتٍ مبكرٍ، ومنذ بداية عام 1984 لتحقيق مباغتة استراتيجية بالاندفاع عبر مستنقعات هور الحويزة في هجومٍ رئيسٍ يستهدف قطع طريق بغداد - البصرة، والاندفاع للتواصل مع هور الحمار حيث ينشط فيه بعض أذنابها من المخربين الموالين لها. وأطلقوا على هذه العمليات اسم «عمليات خيبر».
.
.
.
.
نشرت القيادة الإيرانية قواتها الضاربة في مناطق قريبة شرق المستنقعات، وشنّت في ليل 21 - 22 شباط/ فبراير 1984 هجومها الرئيس، كما أسلفنا في منشور سابقٍ، بثلاث هجمات برمائية باستخدام الزوارق المطاطية لقطعات الصولة، وبزوارق بأحجام مختلفة لنقل القدمات المعقبة وأسلحة الإسناد، واستهدفت بهجومها هذا منطقة البيضا وجزر مجنون ومنطقة غزيل.
كان النجاح الوحيد الذي حققته عملية خيبر هو الاستيلاء على جزر (حقلي) مجنون الشمالي والجنوبي. وفي بداية آذار/مارس من العام نفسه شنّت قواتنا هجومًا مضادًا تمكَّنت فيه من استعادة مجنون الجنوبي، عدا السدة الشمالية منه التي بقيت تحت سيطرة العدو.
صرَّح علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني بعد انتهاء معارك مجنون، وسيطرتهم على حقول نفط مجنون الشمالي: «... أصبح لدينا أكثر من الكفاية من احتياطي النفط لتعويضنا عن الخسائر الفادحة التي لحقت بنا على أيدي العدو».
طبيعة المنطقة
-----------
هور الحويزة عبارة عن مستنقع واسع يبلغ طوله نحو 75 كلم، وعرضه نحو 20 كلم، تمرّ الحدود الدولية العراقية - الإيرانية من الجزء الشرقي منه. يحدّه نهر دجلة من الغرب، وقضاء العزير التابع لمحافظة العمارة شمالًا، وقضاء القرنة التابع لمحافظة البصرة جنوبًا. عمق المياه فيه يتراوح بين 1.5 و3.5م. تكثر في المناطق الضحلة منه النباتات المائية وأدغال القصب والبردي التي تغطي أجزاء واسعةً منه تساعد في الاختفاء. يتحدَّد التنقّل عبره بممرات مائيةٍ تُسمى السبل، يعرفها ويتنقل عبرها أهالي الهور. ويعتبر هور الحويزة، وهور الحمار الواقع بين دجلة والفرات، مأوى للمجرمين الهاربين من العدالة، والفارين من الخدمة العسكرية، وبعض المتعاونين مع العدو.
.
.
.
.
تقع جزيرتا مجنون الشمالية والجنوبية في القسم الجنوبي الشرقي من الهور، وهما عبارة عن سداد ترابية متقاطعة مقامة حول الآبار النفطية لحقل مجنون والبالغة نحو 50 بئرًا، وتحوي 20 في المئة من احتياطي النفط في العراق، أُوقف الإنتاج منها بعد نشوب الحرب.
.
.
.
.
.
تخترق الهور سدة حدودية، وتمتد منها سداد ترابية في العمق، وعمل العدو على ربط بعضها إلى داخل أراضيه، واستخدمها طرقًا لمواصلاته، وأهمها طريق البرّ الإيراني - سدة التجفيف الجنوبية - حقل مجنون الشمالي - حقل مجنون الجنوبي. وهناك طريق أخرى هي البرّ الإيراني - سدة الدسم - سدة الوصل - حقل مجنون الشمالي. المنطقة المحصورة بين الحافة الأمامية لقطعاتنا والسدة الشمالية لمجنون الجنوبي مغمورة بالمياه، وبعمق يتراوح بين مترين و3م، وترتبط هذه الجزر بالبرّ العراقي بسداد وعقد ترابية أهمها لسان عجيردة بطول 20 كلم. يوجد جنوب الهور نهر السويب لتصريف مياه الفيضانات إلى شطّ العرب، وكذلك القناة الحدودية، وقناة الإغمار الرقم 4. أما في جنوب شرق الهور فالأرض مفتوحة شرق كشك البصريّ، وتصلح لحركة الآليات، أما شمالها فإنها تتأثر بمناسيب هور الحويزة. كما أن هناك طرقًا عديدة أنشئت من جانبنا عندما كانت قواتنا داخل الأراضي الإيرانية.
.
.
.
الاستحضارات
----------
صُمِّمت المعركة على أساس القيام بعبور برمائي لاقتحام مجنون ولسان عجيردة، مع إحاطة مدرعة من الجنوب الشرقي لهور الحويزة لضرب الاحتياطات المدرعة للعدو، ومنع احتياطاته الرئيسة من التدخل، وتنفيذ إنزالٍ سمتيٍّ في الوقت نفسه على الطريق التي تربط مجنون الشمالي بالبرّ الإيراني، لحجز العدو في الجزر ومنعه من التملّص والانسحاب. تقوم القوات الجوية بضرب مقرات العدو، ومنع احتياطاته من التنقّل إلى ساحة المعركة، وإسكات مصادر نيرانه.
.
.
.
.
لتنفيذ تصميم المعركة هذا توجَّب القيام بالكثير من الاستحضارات الكبيرة من الجهات التي ستهيئ ساحة العمليات لهذه العملية المعقدة في مراحلها كلها، مثل تأمين معدات ووسائل لنقل القوات والتشكيلات لعملية برمائية بهذا الحجم، فضلًا عن تدريب مقاتلي الوحدات والتشكيلات على العمليات البرمائية، والقتال في المستنقعات والأدغال وعلى السداد في آنٍ واحدٍ. ولعل أهم الجهات التي قامت بدورٍ بارزٍ في استحضارات هذه العملية المعقدة هي
.
.
.
التالية:
-----
أ - جهد الدولة المركزي (الجهد الحربي المدني)
في هذه المعركة، وفي معارك سابقة أنجز جهد الدولة المركزي أعمالًا جبارة، وبأمر من الرئيس القائد العام نصّ على: «تقدّم الوزارات كلها، ومن مصادرها، كل التجهيزات والمعدات والأشخاص التي تحتاجها القوات المسلحة من جهد لساحة العمليات وبتنسيق بين هذه الجهات والأركان العامة ودوائرها المعنية».
وضع هذا الجهد الضخم بإمرة قيادة مدنية جديرة، ارتبطت مباشرة بديوان رئاسة الجمهورية لتسهيل أعمالها وتسريعها. قام الجهد المدني العامل للمجهود الحربي بفتح وتسوية وتبليط آلاف الكيلومترات من الطرق في السهول والجبال، وأنشأ المئات من السداد في الأهوار وعلى ضفاف الأنهار، وحفر الآلاف من المقرات والملاجئ والخنادق والسواتر، وأعدّ وهيّأ ساحات العمليات في مختلف الجبهات تحت قصف نيران العدو ليلًا ونهارًا، فعزّز بعمله إمكانية الصمود والصراع. كان كادر المجهود الحربي من المدنيين من مهندسين وفنيين وسائقين وعمال. وفي الجانب الطبي شارك أطباء ومخدِّرون وممرضون وذوو مهن عديدة أخرى، واستُشهد وجُرح العديد منهم.
قام الجهد المركزي، وفي وقت قياسي، بإنشاء ساحة عمليات مماثلة لجزر مجنون وسدادها، وغمرها بالمياه بواسطة مضخات عملاقة نصبها لهذا الغرض، لتتدرَّب عليها القوات المكلَّفة بعمليات العبور والاقتحام. وفي الوقت ذاته، وبكتمان شديد، أنشأ العديد من البحيرات المغلقة في المواضع الأمامية لقواتنا، لتكديس الزوارق التي ستنطلق منها قطعات الصولة والقدمات المُعقبة، كما قام بتأمين المقتربات والطرق، وتجفيف مناطق بطلب من القيادات الميدانية. وكان العمل يجري بتعاون وثيق مع الهندسة العسكرية، وبإشراف دائرة العمليات في رئاسة أركان الجيش. وكان جهد الدولة المركزي موجودًا في المكان في أثناء المعارك، جاهزًا لتلبية أي طلب أو موقف يستجد في خضّمها أو بعدها.
ب - هيئة التصنيع العسكري
قام التصنيع العسكري بتهيئة ما تحتاج إليه القوات في هذه العملية البرمائية الكبيرة، لعبور مانعٍ مائي تغطي معظمه أحراش وأدغال، بعرض كيلومتر ونصف كيلومتر إلى كيلومترين، ولعشرات الآلاف من المقاتلين بأسلحتهم وتجهيزاتهم ومعداتهم من البندقية حتى المدفع والدبابة، وأهمها:
- 140 طوفًا بحريًا.
- 300 زورق مطاطي.
- 2000 زورق بأحجام مختلفة.
- 2700 دعامة جسر فليني للمشاة.
- 830 دعامة جسر خفيف للعجلات.
- عشرات الآلاف من ستر النجاة.
.
.
.
ج - الهندسة العسكرية
قامت الهندسة العسكرية بجهدٍ كبير في تهيئة وإعداد ساحة العمليات بالتعاون مع جهد الدولة المركزي، إضافةً إلى تدريب قوات العبور على استخدام القوارب والتجديف وقيادة الأطواف البرمائية ونصب الجسور، وشاركت أيضًا بمعدات هندسية منها:
- جسر بونتونات (Ponton) بطول 500م.
- 12 دبابة تجسير.
- 48 طوفًا وبرمائية هندسية.
- التدريب والتنسيق.
.
.
جرى تدريبٌ شاقٌ للقطعات المشاركة في مسارح عمليات مماثلة لساحات المعركة في الاتجاهات كلها، وجرى التركيز على تعليم القطعات التجديف لمسافات طويلة.
.
.
وبحكم توقّعنا توقُّف محركات الزوارق، لاحتمال التفاف الأدغال والنباتات المنتشرة والممتدة على سطح المستنقعات حول مراوحها، جرى تدريب كتائب مدفعية الفيالق على إجادة رمي نيران التمركزات الخطية لمعالجة الوجود المعادي على السداد والسواتر الترابية. وجرى بناء خطة نارية محكمة ومنسّقة من خلال خلية الإسناد الناري، وممثِّلي دائرة العمليات والقوات الجوية وطيران الجيش، ومديرية المدفعية وآمرية الصواريخ، حُدِّدت فيها الأهداف والواجبات، وتم التنسيق بين جميع الأسلحة. كان المسؤولون في القيادة العامة ورئاسة أركان الجيش ودوائرها يتابعون باستمرار التحضيرات وتأمين المتطلبات مباشرة.
.
.
.
.
العدو
----
كان حجم قوات العدو في جزر مجنون ولسان عجيردة، وفي المنطقة المقابلة لكشك البصريّ، أربع فرق من حرس الخميني ومعهم لواء، والفرقة المدرعة 92، وثماني كتائب مدفعية موزّعة كما يلي:
- مجنون الجنوبي
خمسة أفواج من حرس الخميني وسريّة دبابات في السدة الشمالية.
- مجنون الشمالي
15/20 فوجًا من حرس الخميني، وأربع كتائب مدفعية.
خمسة أفواج من حرس الخميني في سداد شرق عقدة الروطة.
فوج من الفرقة 92 في سدة التجفيف الجنوبية.
في المنطقة مقابل مخفر كشك البصريّ - مخفر الأسيود - مخفر الشهابي تنفتح ألوية الفرقة المدرعة 92، وفرقة حرس الخميني.
لواءان من حرس الخميني في لسان عجيردة.
بإمكان العدو دفع احتياطات، وبحجم ثلاث فرق من حرس الخميني خلال 6 إلى 12 ساعة.
.
.
.
.
قواتنا
- الحرس الجمهوري
خمسة فرق: منها 2 مدرعات و2 مشاة، وفرقة قوات خاصّة، وبإسنادها 28 كتيبة مدفعية.
- الفيلق الثالث
أربع فرق: منها فرقة مدرّعة، وأخرى مشاة آلية وفرقة مشاة ولواءا مغاوير وفرقة مدرّعة (احتياط).وبإسناد القطعات 18 كتيبة مدفعية.
- الفيلق السادس
فرقة مشاة ولواءا مغاوير وبإسناده ست كتائب مدفعية.
- القوات الجوية
خمسة أسراب هجوم أرضي، وسرب ميراج متعدّد الأغراض، وسرب دفاع جوي، ومفارز من طائرات التشويش الإلكتروني وطائرات التصوير.
في الاحتياط سربا هجوم أرضي، وسربا ميراج متعددا الأغراض.
- طيران الجيش
100 سمتيّة نقل قطعات.
40 سمتيّة إسناد وقيادة واستطلاع.
.
.
.
.
الخطة
----
اعتمدت خطة تحرير جزر مجنون على قيام قواتنا بالتعرض على العدو في جزر مجنون في الساعة 4.15 في 25 حزيران/يونيو 1988 باقتحامها برمائيًّا، مع إحاطة مدرّعة من جنوب شرق الجزر باتجاه الشمال والشمال الغربي لضرب احتياطاته، ومنع انسحابه وتدميره، وعلى قيام قوتنا الجوية بضرب مقراته واحتياطاته البعيدة، ومنعها من التدخل في المعركة.
قيادة قوات الحرس الجمهوري: تقوم بالهجوم على مواضع العدو في الجزء المتبقي من حقل مجنون الجنوبي وحقل مجنون الشمالي، وباستعادة الأراضي الوطنية والسيطرة على سداد التجفيف التي تربط مجنون الشمالي بالبرّ الإيراني بمسافة كيلومترين.
الفيلق الثالث: يقوم بالاندفاع من منطقة كشك البصريّ باتجاه الشمال الغربي، وباحتلال مفرق الشهيد باسم وعقدة سدة الربط بين البرّ الإيراني ومجنون الشمالي، وبالسيطرة على مناطق المدفعية وقطع طرق إمدادت العدو.
.
.
.
.
.
عملية «توكلنا على الله» الثانية
----------------------
الفيلق السادس: يقوم باحتلال لسان عجيردة وعقدة الربط بين لسان عجيردة والأرض الكائنة شمالها لقطع إمدادات العدو باتجاه مجنون.
القوة الجوية: تضرب وتدمر مقرات العدو ومناطق مدفعيته، وتمنع احتياطاته من التدخّل في المعركة.
طيران الجيش: يقوم بالإسناد المسلح والإنزال السمتيّ والقيادة والاستطلاع.
فُتح المقرّ المتقدم للقيادة العامة في منطقة الدير شمال البصرة في الساعة 20.00 في 24 حزيران/يونيو 1988.
تكامل وصول أعضاء القيادة العامة وضباط ركنهم وضباط خلية الإسناد الناري، وتم إرسال ضباط الارتباط برسائل إلى قادة الفيالق المشاركة لإخبارهم بفتح مقرّ القيادة العامة لإدارة معركة يوم الغد.
.
.
.
.
.
سير المعركة
---------
في الساعة 3.45 شرعت المدفعية في تنفيذ الخطة النارية بقصف مواضع العدو بأكثر من 850 مدفعًا وقاذفة صواريخ لمدة 30 دقيقة، مع ضرب مدفعية العدو ومقراته بصواريخ اللونا والمدفعية الثقيلة، وفي الساعة 4.15 شرعت التشكيلات بالصولة بإسناد الرمي المباشر للدبابات التي اندفعت إلى المواضع الدفاعية الأمامية لقطعاتنا، وبإسناد السمتيّات المسلحة وطائرات الهجوم الأرضي.
.
.
.
.
.
.
.
.
- قيادة قوات الحرس الجمهوري
أ - الصفحة الأولى
احتلال السدة الشمالية لمجنون الجنوبي
انطلقت في الساعة 4.15 الموجة الأولى من قدمة الصولة المؤلفة من لواءي مغاوير حرس جمهوري، ولواءي مشاة حرس جمهوري، واللواء البحري 26 قوات خاصّة حرس جمهوري، بزوارق الصولة لاحتلال أهدافها على السدة الشمالية التي تبعد عن خطّ شروع قطعاتنا نحو كيلومترين. أعقبتها الموجة الثانية المؤلفة من لواءي مشاة آليين باستخدام عجلات القتال البرمائية BMP1. ثم الموجة الثالثة بلواء مدرع محمول على أطواف الهندسة العسكرية، ولواء مدرع آخر على جسر نصبته كتيبة التجسير. وفي الساعة 7.00 أكملت القوات احتلال أهدافها بعد تدمير العدو في السدة الشمالية، وفي العمق حتى السدة الجنوبية لمجنون الشمالي.
ب - الصفحة الثانية
احتلال مجنون الشمالي، وسدة الربط الشمالية مع البرّ الإيراني
في الساعة 7.30 شرعت قوات الصفحة الثانية بالهجوم، وكانت مؤلفة من لواءي مشاة حرس جمهوري، ولواءي مشاة آليين حرس جمهوري، ولواءي قوات خاصّة حرس جمهوري، ولواء مدرع بإسناد نيران مدفعية الحرس، ونيران دبابات الألوية المدرعة، والسمتيّات المسلحة. وفي الساعة 10.00 أكملت القوات احتلال أهدافها، وشرعت في التفتيش لجمع معدات العدو، وأسر من تبقى من جنوده. وفي الساعة 13.30 تم إنزال فوج قوات خاصّة حرس جمهوري بالسمتيّات على سدة الربط الشمالية، ودفعت قيادة الحرس الجمهوري لواء المشاة 20 حرس جمهوري لإدامة التماس معه.
.
.
.
.
الفيلق الثالث
في الساعة 4.15 من فجر 26 حزيران/يونيو شرعت فرقة المشاة 41، ولواءا مغاوير الفيلق بالهجوم على مواضع العدو في السواتر المواجهة لدفاعات الفرقة الأمامية، بإسناد ناري وسمتيّ ورمي مباشر من دبابات ألوية الفيلق المدرعة، وفي الساعة 5.30 تمكَّنت ألوية الفرقة والمغاوير من احتلالها. وفي الساعة 6.00 اندفعت فرقة المشاة الآلية الأولى باتجاه الشمال الغربي، لضرب احتياطات العدو القريبة والسيطرة على مدفعيته، وعلى سداد الربط لقطع طرق انسحاب العدو من مجنون الشمالي، وأعقبتها الفرقة المدرعة السادسة باتجاه الشمال الشرقي لضرب احتياطات العدو البعيدة، ومنعها من الاشتراك في معركة مجنون. وفي الساعة 8.30 طلب قائد الفرقة الآلية الأولى إرسال عجلات نقل ووحدات مغاوير لنقل أسرى العدو. وفي الساعة 10.00 تم احتلال مفرق الشهيد باسم، والسيطرة على قناة السليمانية. وفي الساعة 11.30 تمت السيطرة على سداد الربط، واندفعت بعض تشكيلات الفرقة المدرعة السادسة بعيدًا إلى الشرق فهاجمت ودمرت محطة قطار بستكاه، على خطّ سكة حديد المحمرة - الأحواز، ودمرت معظم القوات الإيرانية الموجودة على البرّ الإيراني شرق مجنون.
.
.
.
.
.
الفيلق السادس
في الساعة 4.15 شرعت أرتال الفيلق في الصولة على مواضع العدو بإسناد ناري وسمتيّ في لسان عجيردة، وبثلاثة أرتال، الرتل الأول هاجم العدو راجلًا على سدة عجيردة، والرتل الثاني اندفع شمالها، والرتل الثالث جنوبها في عمليات إحاطة بقوات محمولة بالزوارق من الجناحين، ومن ثم الإنزال خلف مواضع العدو التي تواجه وتقاتل الرتل الراجل. وفي الساعة 6.40 تمكَّن لواء المغاوير المحمول بالزوارق من تخطي دفاعات العدو على السدة الرئيسة بمسافة 5 - 7 كلم، وهاجم مواضعه في اللسان الجنوبي المتفرع من سدة عجيردة، واحتلها بعد قتال شديد. وفي الساعة 7.30 وصلت أرتاله العقدة الوسطية في لسان عجيردة، وبذلك تم إكمال الصفحة الأولى من المعركة. في الساعة 8.30 شرعت الأرتال في تنفيذ الصفحة الثانية من الخطة، وفي الساعة 14.30 وصلت ألوية مغاوير الفيلق إلى التقاء سدة عجيردة بسدة الوصل، وفي الساعة 15.00 تم تنفيذ توجيهات رئيس أركان الجيش بالإنزال السمتيّ في مثلث عجيردة، وفي الساعة 15.30 وصلت أرتال مغاوير الفيلق إلى سدة الدسم، واتجهت جنوبًا إلى مجنون الشمالي، وأدامت التماس مع قوات الحرس الجمهوري، وبذلك يكون الفيلق قد أكمل أهدافه كلها.
.
.
.
.
.
.
في اليوم التالي تم سحب تشكيلات الفيلق الثالث المدرعة والآلية من الأعماق التي وصلتها في العمق الإيراني إلى داخل الحدود العراقية، وبذلك انتهت معركة تحرير جزر مجنون التي سُميت «توكلنا على الله الثانية».
أُغلق مقرنا في الدير شمال البصرة في منتصف نهار 26 حزيران/يونيو 1988.
في اجتماع القيادة العامة بعد انتهاء معركة «توكلنا على الله الثانية» مباشرة، الذي حضره نائب القائد العام (وزير الدفاع) ورئيس الأركان ومعاونه للعمليات ومدير الاستخبارات العسكرية وحسين كامل المشرف على الحرس الجمهوري، عُرضت الخطوط الأولية لخطة تحرير المناطق المحتلة في الطيب والزبيدات شرق مدينة العمارة في قاطع الفيلق الرابع. وكانت ملامحها الرئيسة تتمحور على تعرّض الفيلقين لاستعادة العوارض المحتلة من العدو، والاندفاع في العمق إلى تدمير آلته الحربية، وقتل وأسر أكبر عدد من قواته، على أن تُنفَّذ في موعد لا يتعدى نهاية الأسبوع الثاني من شهر تموز/يوليو. وأقر القائد العام ذلك، وأمر بإعداد الخطة لمناقشتها في الاجتماع المقبل. وفي استرجاع بعض حوادث المعركة الأخيرة أشدتُ بأداء قيادة وقوات الفيلق الثالث والحرس الجمهوري، فبادر حسين كامل المشرف على الحرس بالادعاء أن أداء الفيلق السادس لم يكن بالمستوى المطلوب، وحاول الغمز من قناة قائده اللواء يالجين عمر عادل. فنظر الرئيس القائد العام نحوي فقلت: «سيدي الرئيس، المشرف على الحرس الجمهوري لم يكن هناك، أنا كنت هناك وقد زرتُ قائد الفيلق، واطلعتُ على الصعوبات التي تواجهها قواته في سداد عجيردة، فكان هادئًا وحازمًا وإجراءاته جيدة وملائمة، بذلت قطعاته جهدًا كبيرًا للتغلب عليها، لثقتها به وبجدارته». فعلق القائد العام قائلًا: «إن أداء الفيالق في التوكلات لا يقل عن أداء الحرس، وهذا ما يُسعدنا».
.
.
.
.
.
.
في الفيلق الأول
....................
كانت قوات اللواء الركن سلطان هاشم (قائد الفيلق الأول) في قاطع ماوت من جبهة الفيلق الأول تنتزع العوارض، واحدةً بعد الأخرى، ولم تترك للعدو فرصة لاسترجاع أنفاسه وإعادة توازنه، حيث سيطرت على سلسلة الجبال المؤدية إلى ماوت، وتتهيأ لتتجاوز ماوت، والتقدّم جنوبًا على السلسلة الحدودية المشرفة والمسيطرة على جانبي الحدود. وفي مكالمة هاتفية معه أخبرته أن عليه أن يتوقع اشتداد مقاومة العدو وقتاله على السلسلة الحدودية في الأيام المقبلة. وهذا ما حدث، إذ خاضت القطعات المتقدمة على عارضة نزارة رش وسركيو قتالًا ضاريًا مع قوات الجندرمة الحدودية، ولم يهدأ قتالها إلا بعد مقتل قائد هذه القوات، الأمر الذي سرّع في تقدّم قطعاتنا، فتحررت المخافر الحدودية كركاشة وسيرين ومروي وسياكوز تباعًا، وانسحبت قطعات العدو من مواضعها في منطقة هلوان شرق جوارتة إلى ما وراء الحدود بسرعة بالغة، وتركت معظم تجهيزاتها ومعداتها ومدافعها وأسلحتها الثقيلة قبل أن نقطع طرق مواصلاتها مع الداخل الإيراني.
.
.
.
.
.
في 12 تموز/يوليو وردتنا معلومات من استخبارات الفيلق الأول أن أصوات انفجاراتٍ تُسمع من قاطع حلبجة فأمرتُ ضابط استخبارات الفيلق بالذهاب إلى المواضع الأمامية للتدقيق في الموقف وإخباري، فاتصل بي من المواقع الأمامية وأخبرني بأنه يسمع أصوات انفجارات كبيرة، ويعتقد أن العدو يُدمر ذخائره ومعداته قبل انسحابه، فأمرته أن يدفع السرايا الأمامية من التشكيلات المدافعة باتجاه حلبجة وخورمال تباعًا، فإن لم تواجه مقاومة أو كانت المقاومة ضعيفة فلتستمر في التقدّم وإخبار قائد الفيلق بذلك. وفي مساء ذلك اليوم دخل لواء المغاوير الأول للفيلق حلبجة واللواء 105 خورمال، من دون مقاومة، بعد انسحاب قوات العدو إلى ما وراء حدودها. وفي اليوم التالي كان اللواء سلطان في حلبجة، واتصل بنا منها. وبذلك انتهت عمليات الفيلق الأول لتحرير حلبجة وخورمال، التي سُميت «عمليات محمد رسول الله».
.
.
.
.
.
.
.
عودة إلى عمليات التوكلات في الجنوب
في اجتماع القيادة العامة التالي، أقر القائد العام خطة تحرير الطيب والزبيدات في قاطع الفيلق الرابع، وحدد يوم 12 تموز/يوليو 1988 موعدًا لها، فبُلِّغ القادة المعنيون، وشرعوا على الفور في إعداد خططهم وتهيئة متطلباتها.
كان الفريق الركن محمد عبد القادر الداغستاني قائد الفيلق الرابع من الضباط المتميِّزين، شغل منصب مدير التخطيط في معاونيّة العمليات برئاسة أركان الجيش لفترة طويلة. وعندما زرته للاطلاع على خطته لتنفيذ الواجب وفق ما جاء في خطة القيادة العامة، وسألته عن مدى معرفته بطبيعة ساحة العمليات التي ستندفع إليها تشكيلاته الآلية والمدرعة في العمق الإيراني، وهل زارها قبلًا عندما كانت قواتنا في العمق الإيراني في بداية الحرب، أجاب أن الفرصة لم تسنح له آنذاك. ولمّا كنت أعلم أن اللواء الركن إياد خليل زكي كان رئيسًا لأركان الفرقة العاشرة المدرعة التي كانت في هذا القاطع قبل انسحابنا إلى الحدود الدولية في عام 1982، أرسلت في طلبه فقال إنه يعرف تفاصيل العمق الإيراني في هذا الاتجاه معرفة كاملة، فنُقل من منصبه قائدًا للفيلق الخامس، وأُلحق على الفور قائدًا للفيلق الرابع، بدلًا من الفريق الداغستاني الذي قبِل الأمر بتفهم وانضباط عالٍ وعيِّن معاونًا لرئيس أركان الجيش للتدريب، وهو منصب أبدع فيه كعادته.
.
.
.
.
.
.
تحرير الطيب والزبيدات "توكلنا على الله الثالثة"
--------------------------------
12 تموز/يوليو 1988
في بداية تشرين الثاني/نوفمبر 1982 كان العدو قد شنّ هجومًا واسعًا تحت اسم «محرم الحرام» على قواتنا داخل الأراضي الإيرانية، شرق منطقة الطيب والزبيدات الواقعة شمال شرق مدينة العمارة، وتمكَّن بعد معارك عنيفة من دفع قواتنا إلى داخل حدودنا الوطنية، وتعقّبها بعد عبورها نهر دويريج، واحتل العوارض والمرتفعات الحدودية ومناطق أخرى، بعمق 5 إلى 10 كلم داخل حدودنا. وسيطرت قواته نتيجة ذلك على مرتفعات الزبيدات والشرهاني وحقول نفط أبو غرب ومرتفعات الطيب. بعد قتال شديد تمكَّنت قواتنا من إيقاف تقدّمه، واستقر الموقف على حاله منذ ذلك الحين.
.
.
.
.
.
.
.
.
طبيعة المنطقة
-----------
تشكِّل مرتفعات الطيب والزبيدات النهايات الجنوبية لسلسلة جبل حمرين، والمنطقة عمومًا متموجة تكثر فيها الأودية والقطوع، وتأخذ في الارتفاع تدريجًا كلما تقدّمنا شرقًا حتى الحدود الدولية، ثم تبدأ بالانخفاض التدريجي حتى تصبح أرضًا مستوية صالحة لمسير الآليات كلها. يُعتبر نهر دويريج (عرض 70 إلى80م، وينحدر إلى الأراضي العراقية من مرتفعات حمرين في قطاعها الإيراني ويسير بموازاة الحدود الدولية) المانع الرئيس أمام تقدّم الدروع والآليات، حيث يتحدَّد العبور بالجسور أو من خلال بعض المخاضات المحدودة. وأهم الطرق والمقتربات من الجانب الإيراني للحدود:
أولًا: طريق إمام زادة عباس - جم صريم - الشرهاني - أبو غرب - الزبيدات. وهي طريق معبَّدة وصالحة لتنقّل الآليات بأنواعها كله.
ثانيًا: طريق عين خوش - الشرهاني - الزبيدات.
ثالثًا: طريق عنكيزة - جم هندي - جم صريم - موسى الحاوي. وهناك طرق فرعية ومقتربات أخرى غيرها.
تشكل العوارض والمرتفعات التي يحتلها العدو العوارض المسيطرة في ساحة
المعركة.
.
.
.
.
.
.
معركة «توكلنا على الله» الثالثة، 12-18 تموز/يوليو 1988
-----------------------------------------
الاستحضارات
- التدريب في أحوال مناخية قاسية، إذ تصل درجات الحرارة في هذا الشهر إلى أكثر من 50 درجة مئوية، وفي منطقة تكثر فيها المرتفعات والأودية والقطوع، ويسكنُ الهواء حتى يشقّ على الفرد التقاط أنفاسه بعد مجهود بسيط. أصبحت اللياقة البدنية والقدرة على التحمل والمطاولة من أهم ما جرى التركيز عليه من القادة والآمرين في تدريب وحداتهم وجنودهم قبل إشراكهم في المعركة. فركّزوا على تطوير قدراتهم البدنية في الفترة المحدودة المتيسّرة لهم قبل المعركة، وكثّفوا تدريبهم على الرياضة البدنية، ومسيرات التحمّل، حيث أجرت الوحدات ثلاث مسيرات تحمّل واجتياز موانع وسواتر ترابية، كما تم إنشاء ثلاثة ميادين تدريب تعبوي لكل لواء مشارك، مشابهة للأهداف التي سيهاجمونها.
.
.
.
- المؤتمرات: بعد أن بُلِّغت الفرق شفويًّا بتوجيهات القيادة باستعادة الأرض الوطنية، طُلب منها إجراء تحضيراتها بأقصى درجات الكتمان، وجرت لكل فيلق سلسلة من المؤتمرات:
• مؤتمر في مقرات الفيالق للتحضيرات للمعركة
• مؤتمر مناقشة الخطط
• مؤتمر التعديل والتنسيق
• مؤتمر تنسيق الخطط النارية
أجرى قائد الفيلق الرابع مؤتمرًا لشحذ الهمم للآمرين كافة.
قوات الطرفين
.
.
.
.
- العدو
فرقة المشاة 21 وتتألف من أربعة ألوية، أحدها مدرع.
فرقة المشاة الآلية 77 وتتألف من أربعة ألوية، ثلاثةٌ منها آلية والرابع مدرع.
لواءا مغاوير.
اللواء الأربعون من حرس الخميني (سراب كون).
خمسة أفواج جندرمة.
16 كتيبة مدفعية مختلفة العيارات.
تنفتح تشكيلات مشاة العدو، ومشاة حرس الخميني على المرتفعات المسيطرة من أرضنا المحتلة في مرصد القائد والزبيدات وأبو غرب والشرهاني ومناطقَ أخرى.
يحتفظ بقواته المدرعة والآلية إلى الخلف في مناطق جم صريم وعين خوش احتياطًا، ولأغراض الهجوم المقابل.
.
.
.
- قواتنا
الحرس الجمهوري
فرقة مدرعة: «المدينة المنورة».
فرقتا مشاة: «بغداد» و«نبوخذنصر».
فرقة القوات الخاصّة حرس جمهوري.
20 كتيبة مدفعية، وكتيبتا صواريخ.
أربع كتائب هندسة، وكتيبة تجسير.
.
.
الفيلق الرابع
أربع فرق مشاة: الثانية والفرقة العشرون، والفرقة التاسعة والعشرون.
فرقتا مشاة آليتان: الأولى والخامسة.
لواءان مدرعان.
لواءا مغاوير.
34 كتيبة مدفعية: (19 متوسطة و15 ميدان).
كتيبتا صواريخ أرض-أرض.
سبع كتائب هندسة ميدان.
القوات الجوية
ستة أسراب هجوم أرضي، وسرب دفاع جوي.
مفارز من طائرات التشويش الإلكتروني والتصوير.
طيران الجيش
40 سمتيّة مسلحة للإسناد والقيادة والسيطرة.
100 سمتيّة نقل للإنزال وللإخلاء الطبي.
.
.
.
.
الخطة
-----
.
.
في عمليات تحرير الفاو والشلامجة ومجنون، كان تصميمنا للمعركة يستهدف طرد العدو من الأرض الوطنية المحتلة بأسبقية عالية، وإيقاع أكبر ما يمكن من الخسائر به وبآلته العسكرية كأسبقية ثانية، وأسر من تبقى بأسبقية متأخرة، وذلك لأهميتها وتهديدها أهدافنا الحيوية أو لقيمتها الاقتصادية. أما في هذه العملية وما يليها فوضعنا تدمير آلته الحربية، وأسر أكبر عدد من أفراده كأسبقية متقدمة، مع بقاء الأسبقيات الأخرى من أهداف العمليات. وبناء عليه صُممت الخطة على اندفاع قواتنا بعد تطهير المواضع الدفاعية للعدو إلى أعماق مناسبة لتدمير احتياطاته ومعداته القتالية الثقيلة وأسر أكبر عدد ممكن من أفراده.
.
.
.
الحرس الجمهوري: يقوم في الساعة 7.15 يوم 12 تموز/يوليو 1988 بالهجوم على العدو في منطقة الشرهاني لتدميره، وتحرير الأرض المحتلة، والاندفاع إلى عين خوش لتدمير مدفعيته، وأسر أكبر عدد من قواته.
الفيلق الرابع: يقوم في الساعة 7.15 يوم 12 تموز/يوليو 1988 بالهجوم على العدو في منطقة الطيب - زبيدات لتدميره وتحرير الأرض المحتلة والاندفاع إلى دهلران لتدمير مدفعيته وأسر أكبر عدد من قواته.
القوة الجوية: تقوم بضرب وتدمير مقرات العدو ومناطق مدفعيته واحتياطاته والجسور في موسيان وعين خوش والنادري.
طيران الجيش: يقوم بالإسناد المسلح والإنزال السمتيّ والقيادة والاستطلاع.
فُتح المقرّ المتقدم للقيادة العامة في العمارة في الساعة الثامنة مساء 11 تموز/يوليو 1988.
.
.
.
المعركة
------
الحرس الجمهوري: شرعت مدفعيته بالقصف المدفعي في الساعة 6.45 يوم 12 تموز/يوليو 1988.
أ - الصفحة الأولى
في الساعة 7.15 عبرت قطعات الصولة الأمامية خطّ الشروع تحت ستار كثيف من نيران المدفعية، ونيران الدبابات المباشرة، بعد أن تخللت من المواضع الدفاعية لقطعات الفيلق الرابع.
في الساعة 8.00 أكملت الألوية الأمامية احتلال الساتر الدفاعي الأول للعدو الإيراني. وفي الساعة 10.00 تم احتلال الساتر الدفاعي الثاني للعدو الإيراني بعد انهيار قطعاته وهروبها، وقُبض على عددٍ من الأسرى. وفي الساعة 11.00 تمكَّن اللواء 16 قوات خاصّة حرس جمهوري ومغاوير الحرس الجمهوري من عبور نهر دويريج بالزوارق المطاطية، وتأسيس رأس جسر واسع على الضفة الشرقية لهذا النهر.
.
.
ب - الصفحة الثانية
نُصبت جسور عدّة على نهر دويريج، واندفعت التشكيلات المدرعة والآلية عبرها إلى العمق الإيراني، واستولت على مدفعية العدو، وكتيبة صواريخ هوك للدفاع الجوي في عين خوش واندفعت إلى جنانة، ودمرت القطعات الإيرانية كلها فيها، ثم بدأت بجمع الأسرى والمعدات والتجهيزات التي تركها العدو عند هروبه. وقامت وحدات القوات الخاصّة بالإنزال السمتيّ على مقر الفرقة 21، ومقرّ عمليات الغرب التي تقود العدو في هذا الاتجاه، وأسرت عددًا من هيئات الركن فيها.
الفيلق الرابع: شرعت مدفعية الفيلق الرابع بالقصف المدفعي في الساعة 6.45.
أ - الصفحة الأولى
في الساعة 7.15 شرعت قطعات الصولة بالهجوم من خلال المواضع الدفاعية الأمامية للفيلق، تحت ستار نيران المدفعية والرمي المباشر للدبابات، وفي الساعة 8.00 تمكَّنت التشكيلات الأمامية للفرقتين 20 و29 من احتلال الساتر الدفاعي الأول للعدو، وفي الساعة 8.30 أصدر قائد الفيلق أوامره للفرقتين الآليتين الأولى والخامسة، وفرقة المشاة 2 بتداخل الصفحات والاندفاع فورًا إلى تنفيذ الصفحة الثانية. وفي الساعة 9.20 أكملت الفرقتان 20 و29 أهداف الصفحة الأولى باحتلالهما الساتر الدفاعي الثاني للعدو.
.
.
ب - الصفحة الثانية
في الساعة 9.40 أصدر قائد الفيلق أوامره بقيام السمتيّات بمراقبة ودلّ رؤوس أرتال الفرقتين الآليتين المندفعتين إلى العمق ومساعدتهما في إيجاد الطرق والدلالة وتقديم الإسناد. وفي الساعة 10.30 تم التقدم باتجاه موسيان ونهر عنبر لحصر قطعات العدو.
.
.
في الساعة 11.30 استلمت الفرقة الآلية الأولى مسؤولية القاطع، وتحررت الفرقة الآلية الخامسة للاندفاع إلى مدينة دهلران. وفي الساعة 17.00 أكملت تطويق المدينة. وفي 13 تموز/يوليو 1988 احتُلت المدينة وجرى تفتيشها وجمع الأسرى والمعدات والتجهيزات. طلبت الفرقة من الفيلق إرسال عجلات وساحبات لنقل الغنائم. وفي الساعة 11.00 من اليوم التالي أمر رئيس أركان الجيش بدفع لواءٍ آلي من الفرقة جنوبًا غرب نهر الطيب لحصر العدو هناك، وجرى في أثناء التنفيذ الاستيلاء على عدد من مقراته المعادية.
.
.
.
القوة الجوية: قامت طوال أيام المعركة بضرب المقرات والاحتياطات البعيدة والجسور الرئيسة على أنهار الكارون والكرخة والدز. ووجهت ضربات عدّة إلى قاعدة الوحدة الجوية للعدو، عندما شعرت بمحاولتها التدخل في المعركة. وتم تدمير معدات العدو أو الاستيلاء عليها، وأُسر أكثر من 7500 من ضباط العدو وجنوده، وهو عدد أكبر ممن أُسروا في معارك التحرير الثلاث السابقة.
.
.
.
.
في هذه المعركة كان أداء الفيلق الرابع والتشكيلات التي عملت بإمرته متميزًا، ولم يكن أقل من أداء الحرس الجمهوري، إن لم يكن بمستواه، وتميز قائده اللواء الركن إياد خليل زكي بالمهارة الحرَفية وبالجرأة والمبادرة، وأثبت المقولة المعروفة أن الوحدة بآمرها. وفي معارك «التوكلات» أثبتت فيالق الجيش أنها تنافس قوات الحرس الجمهوري في الأداء والقتال.
.
.
.
.
في مساء اليوم الأول من المعركة، وفي مقرّ القيادة العامة المتقدّم، كان الرئيس وأعضاء القيادة وقائدا الفيلقين في لقاء ساده جو ودّي. كان الرئيس غاية في الأريحية ينكّت ويقص ويحكي عن ذكريات بعيدة من جو القتال والمعارك. وفجأة قال إنه أصدر في هذا اليوم أمرًا بتعيين حسين كامل المشرف على الحرس ورئيس هيئة التصنيع العسكري وزيرًا للصناعة، إضافة إلى مواقعه التي يشغلها، وأضاف: «أعتقد أن حسين كامل فحسب من يستطيع أن يجمع كل هذه المناصب»، وسكت ليسمع تعليقًا أو حماسة لإجرائه هذا. ولم ينبس أيٌّ منا بأي تعليق.
.
.
.
.
قلت في نفسي: ولمَ لا، فالرجل لم يترك لوزير الصناعةِ أيًّا من مصانعه أو صلاحياته.
.
.
.
أُغلق المقرّ المتقدم للقيادة العامة في العمارة في الساعة الثامنة من مساء 14 تموز/يوليو 1988.
.
.
الفريق الأول الركن نِزار عبد الكريم فيصل الخزرجي
رئيس أركان الجيش العراقي الاسبق