بعد الحرب العالمية الثانية؛ العالم وجد نفسه أمام قوتين عالمتين؛ وفي صراع دائم: الاتحاد السوفيتي من ناحية وأمريكا من الأخري.. واللذان استمرت الحرب الباردة بينهما؛ حتي نجحت أمريكا بالحيل أن تفكك الإتحاد السوفيتي لمجموعة دول أكبرها كانت روسيا؛ التي تعيش إلي الآن علي أمل الرجوع لنفس عهدها القديم من القوة.
لكن أمريكا كداهية سياسية طبقت مبدأ "ابقي صديقك قريب وعدوك أقرب!". فذهبت لهذه الدول المفككة حول روسيا وبدأت في التودد لها وتقديم المساعدات والخدمات حتي تستقل بذاتها وتقف علي قدمها "وأنتِ ليكي كيانك المستقل ولازم تبقي استرونج اندبندت دولة وتحققين كيانك". ليس حبا فيها؛ لكن حتي تتصدي لروسيا ومحاولتها في إرجاع الاتحاد السوفيتي لسابق عهده… وأمريكا كانت تدرك هذه الرؤية الروسية منذ زمن.
أهم هذه الدول كانت: أوكرانيا؛ لأنه بغض النظر عن طبيعتها الغنية بالموارد والطاقة.. هي بالأساس البوابة الغربية التي تفصل روسيا عن دول الاتحاد الأوروبي نفسها.
فلمّا بوتين قرر غزو أوكرانيا لإرجعاها كبداية للحقل السوفيتي من جديد. الدول الأوروبية وأمريكا علي رأسهم هاجوا وماجوا؛ وبدأوا في إثارة الرأي العام عليه من خلال الإعلام؛ وقلب العالم كله ضد روسيا "انظروا القاتل المعتدي.. همجي وحشي". ليس حبًا في أوكرانيا كذلك؛ هم سياسيا أظهروا عاطفتهم تجاهها لكن كنوايا خفية هم لا يريدون عودة الاتحاد السوفيتي من جديد؛ غير ذلك هم يعرفون مدي قوة أوكرانيا بالنسبة لروسيا اقتصاديا وعسكريًا. (مصلحتي أولًا)..
نحن تركنا لكم الملعب لتدمير سوريا براحتكم؛ لكن أوكرانيا لا. أوكرانيا نحن معكِ وأي اعتداء من روسيا سنقابله بقوة غاشمة. حصل الاعتداء؟ نحن آسفين ليس لدينا الوقت الكافي؛ فقط سنكتفي بعقوبات رادعة؛ وتمويلكم حربيا وعسكريا بأحدث الأسلحة وأنتم قاتلوا روسيا. سنشاهد وندعوا لكم من بعيد؛ لا تقلقوا.
لهذا قاموا بفرض عقوبات علي روسيا لم ترَ أي دولة أخري مثلها في العالم؛ وكل يوم تزداد هذه العقوبات عن اليوم الذي يليه لدرجة كادت تخسف بعملة روسيا الروبل الأرض (فعليا حينها نزلت قيمة الروبل للنصف)؛ ومن ثم ينهار اقتصادها. وذلك حتي يواجهوا شخص بلطجي مثل فلاديمير بوتين علي حد تعبيرهم. لكن ظلت أمام هذه الدولة عقبة كبيرة وشديدة الأهمية. ألا وهي الطاقة.
لو نظرنا لخريطة الطاقة في العالم: سنجد أن الولايات المتحدة وروسيا والسعودية هم أكبر ثلاث دول تنتج النفط عالميًا. وعلي صعيد الغاز؛ فأكبر عشر دول منتجة ومصدرة له يأتي علي رأسهم روسيا. والتي تمد أوروبا وحدها بحوالي 40% من احتياجاتها؛ وبالتالي لو قررت قطع الغاز عنها سيصبح الأمن الطاقي لها ومن ثم الاقتصاد القائم عليه علي وشك الانهيار تمامًأ.
فأمريكا تعتمد علي استيراد النفط الروسي لإدارة اقتصادها. لكن أوروبا لا تعتمد علي النفط الروسي وحده؛ وإنما كذلك الغاز الطبيعي وبدون تعود للعصر الحجري حرفيًّا. لكن عكس أمريكا لم يكن لدول أوروبا أي بدائل ولم يأخذوا احتياطتهم قبل ذلك بوضع خطط ترسم لهم كيفية التصرف في حالة الاستغناء عن الطاقة الروسية!
وحتي يمسكوا العصا من المنتصف؛ قاموا بفرض أغرب عقوبة قد تتخيلها. تخلوا عن النفط الروسي بالكامل؛ لكن في المقابل ذهبوا لروسيا وأخبروا بوتين: نحن سنفرض عليك أكبر قدر من العقوبات والتي ستخسف بعملتك الأرض. لكن علي الناحية الأخري ستظل تضخ لنا الغاز الروسي.. وحتي نقوم بإرضاءك فنحن سندفع مقابل الغاز بالدولار.. ولكن لا تقلق لن نعطيك أي أموال في يدك؛ بل سنقوم بفتح حساب لك عندنا ونضع فيه هذه الأموال؛ بحيث لو أردت أن تنفقها: عليك أن تخبرنا فيما ذلك؟ وكيف؟ ويكون ذلك تحت إشرافنا!
