كان لبنت جبيل حصة كبرى من الدمار. ولها أيضا حصة كبرى من حكايات الاستبسال في صد العدو. ففي بنت جبيل جرت واحدة من أكبر المعارك وأعنفها في عدوان تموز 2006 الاسرائيلي على لبنان. بنت جبيل استهدفت لمكانتها، وبنت جبيل قاومت فعززت مكانتها.
يقول أحد قادة معركة بنت جبيل ان من بين أسباب الدمار العظيم الذي ألحقه العدو بالمدينة هو الانتقام منها تحديدا لأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ذهب اليها بعد التحرير في عام 2000 ومنها ألقى خطاب النصر.
من تلة مارون الراس إلى بنت جبيل
يروي القيادي ''إن المعارك البرية بدأت ضمن مرحلة الخط النقي'' (وهو مصطلح عسكري) ثم يستدرك ضاحكا: ''يعني ذلك أن الجيش الاسرائيلي بدأ الهجوم البري إنطلاقا من مرتفعات مارون، باتجاه بنت جبيل القريبة جدا''.
يبدأ برسم المواقع المحيطة ببنت جبيل وهي تشكل مرتفعات المدينة الطبيعة، ثم يوضح عدد المرات التي حاولت فيها القوات الاسرائيلية الدخول إلى تلك المواقع من أجل الاطباق على المدينة.
استطاع من خلال تمهله وتوضيحه أن يروي ما حصل عند كل موقع،''... هنا تلة مارون... هنا تلة مسعود... هنا مثلث عيناتا- بنت جبيل- مارون... هنا الفريز وهنا الغراند بالاس''.
تعرضت مدينة بنت جبيل خلال حرب تموز لثلاث مراحل من الهجوم: المرحلة الأولى بدأت بعد عملية ''اسر الجنديين الاسرائيليين'' مباشرة واستمرت من الثالث عشر من تموز حتى الرابع والعشرين منه، وقد جرى خلال تلك المرحلة قصف المدينة من دون القيام بهجوم بري. المرحلة الثانية استمرت من الرابع والعشرين من تموز حتى التاسع والعشرين منه، وجرت خلالها محاولات التقدم لاحتلال بنت جبيل، عبر تلة مارون وبلدة عيناتا وتلة مسعود. المرحلة الثالثة استمرت من التاسع والعشرين من تموز حتى الثامن من آب، وتعرضت خلالها بنت جبيل للقصف التدميري الانتقامي.
أما الهجوم البري على بنت جبيل فقد بدأ في الرابع والعشرين من تموز عندما حاولت كتيبة مشاة من الجيش الاسرائيلي التقدم نحو المدينة عبر تلة مارون الراس. سبق ذلك محاولة قوة من الجيش معززة بالدبابات الدخول من الناحية الشرقية لمارون، فدمر المقاومون ثلاث دبابات، الأمر الذي منعها من الاستفادة من سلاح الدبابات واستقدمت كتيبة مشاة بدأت التسلل على بعض أطراف بنت جبيل، لكن سرعان ما جرى اكتشافها تحت تلة مارون، وبالقرب من مهنية بنت جبيل، حيث يوجد انتشار كثيف للمقاومين.
كان المقاومون في بعض المواقع ينتظرون اقتراب القوات الاسرائيلية منهم قبل مهاجمتهم وفي مواقع أخرى كانوا يهاجمون الاسرائيليين مباشرة بعد اكتشافهم، كما حصل بالقرب من المهنية.
قتل في الاشتباك الأول بالقرب من المهنية جنديان إسرائيليان وأصيب عدد آخر بجروح، بناء لاعتراف إسرائيل. لكن الذين شاهدوا قوة الاخلاء الاسرائيلية وهي تسحب الاصابات نقلوا أن أفرادها كانوا يبكون ويضربون على رؤوسهم.
الالتفاف من مدخل عيناتا
في السادس والعشرين من تموز حاولت القوات الاسرائيلية الالتفاف على بنت جبيل من المدخل الجنوبي لبلدة عيناتا، جاءت القوات من مستوطنة أفيميم إلى مارون ثم عيناتا.
تسللت القوة ليلا وكان الاسرائيليون يعتمدون أسلوب التسلل الليلي ظنا منهم أنه لن يتم اكتشافهم. لكن انتشار المقاومين أدى إلى وقوع القوة في كمائن المقاومة في المنطقة، تعرض أفرادها للقصف بالقنابل والأسلحة الرشاشة المتوسطة والخفيفة. واستخدام القنابل يعني أن الاشتباك وقع فيما كان الطرفان على بعد أمتار كل من الآخر. وقد جرى التحام بين المقاومين وبين الجنود الاسرائيليين،فقتل معظم أفراد القوة أو جرحوا ، وقد اعترفت اسرائيل بسقوط ثمانية قتلى وإصابة واحد وثلاثين بجروح. بعدها، سيطر المقاومون على المنطقة وأعادوا انتشارهم وتموضعهم، في الوقت الذي كان فيه الاسرائيليون يعملون على إخلاء الاصابات.
كشف الجنود في منازل تلة مسعود
بالتزامن مع اشتباكات عيناتا حاولت قوة اسرائيلية التقدم من جهة تلة مسعود. وقد أخذت القوات الاسرائيلية تعتمد في معركة بنت جبيل على تحريك كتيبة بعد الخسائر التي لحقت بها في معركة مارون لدى اعتمادها على تحريك سرية. لذلك تبين من خلال المشاهدات أن الأعداد التي حاولت الدخول الى المناطق المحيطة ببنت جبيل كانت كبيرة.
استطاعت القوة الاسرائيلية الوصول إلى تلة مسعود عبر التسلل ليلا، لكن جرى اكتشافها واستمرت الاشتباكات معها حتى الصباح، ثم انكفأت بعد وقوع إصابات جمة في صفوفها، لم تحدد إسرائيل حجمها، وإن تبين من خلال المشاهدات وقوع قتيلين وخمسة عشر جريحا.
تمركزت القوة بعد تراجعها في بعض المنازل الكبرى المبنية على تلة مسعود. بعد ظهر اليوم نفسه تسللت مجموعة استطلاع قتالية من المقاومة إلى تلك المنازل واشتبكت مع مجموعة من تلك القوات عند مدخل إحدى الفيللات، الأمر الذي دفع بالقوات الاسرائيلية الى الفرار من المنازل ليلا.
بعدها مباشرة أغار الطيران على المنازل، ويرجح القيادي أن يكون سبب الغارات هو وجود تجهيزات ووسائل عسكرية مهمة تركها جنود العدو خلفهم. وقد أدت الغارات الى محو المنازل كليا.
في التاسع والعشرين من تموز، ونتيجة الخسائر التي منيت بها القوات الاسرائيلية في اشتباكات كل من تلة مارون وعيناتا وتلة مسعود أعلنت خروجها من منطقة بنت جبيل، وحصل ما يشبه الهدنة استمرت خلال الأيام الفاصلة بين التاسع والعشرين من تموز وبين السابع من آب.
بدأت المرحلة الثالثة من الهجوم الاسرائيلي بالقصف التدميري لمدينة بنت جبيل واستخدمت في الغارات طائرات ''اف 16'' تساندها الأسلحة المدفعية. كان يصل عدد الغارات أحيانا إلى مائة غارة خلال ساعتين، وقد جرى خلال تلك المرحلة استكمال تدمير المدينة القديمة تدميرا كليا، بعد قصفها على مراحل عدة.
يقول القيادي إن الحديث الذي راج في حينها هو اعتقاد الاسرائيليين بوجود رجال المقاومة داخل المدينة القديمة، لكن تفسيرنا أن تدميرها كان عملية انتقامية، لما تختزنه المدينة من معان رمزية بعدما صنفت على أنها عاصمة المقاومة ودخلها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
12 دبابة في مرمى النيران في منطقة الفريز
بعد فشل الاسرائيليين في دخول بنت جبيل عبر تلتي مارون ومسعود ومدخل عيناتا، حاولوا الالتفاف عليها، لناحية عيترون- عيناتا عند منطقة تدعى الفريز وعبر صف الهوا قرب مستشفى صلاح غندور.
جرب الاسرائيليون في المحاولة الجديدة تطويق المدينة ضمن مساحة أكثر اتساعا. تقدموا باتجاه منطقة الفريز، مستخدمين المشاة والآليات فحصلت المواجهات مع المشاة وجرى تدمير دبابات عدة، ثم حاولوا الدخول إلى عيناتا من منطقة الفريز، لكن المحاولة فشلت مجددا، ويروي أن الجرافات الاسرائيلية أخذت ترفع السواتر ليلا خلال تقدمها من أجل حماية الدبابات من الاستهداف. لكن تم استهداف ما يقارب الاثنتي عشرة دبابة.
في الوقت نفسه حاولت قوة أخرى الدخول من تلة مسعود إلى صف الهوا للقول من جديد إن الجيش الاسرائيلي سيطر على بنت جبيل، وحصلت الاشتباكات معهم عند التلة.
جربت القوة الدخول إلى أحد المنازل قرب مطعم ''الغراند بالاس'' لكن المقاومين اشتبكوا معها بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، فر الجنود باتجاه تلة مسعود مجددا، ولدى دخولهم إلى أحد المنازل هناك كان المقاومون داخل المنزل وفي محيطه، فاطلقوا عليهم النيران وسقط المزيد من القتلى والجرحى في صفوفهم، ثم فروا إلى موقع آخر عند التلة.
أرض المقتل .. صف الهوا
في التاسع من آب حاولت القوات الاسرائيلية الدخول إلى بنت جبيل مجددا من مدخل عيناتا الشمالي، تقدمت قوة كبيرة قدر عددها بناء للمشاهدات بمائتي جندي. لدى دخولها إلى أرض تصنف عسكريا بأنها مقتل، أي في مرمى نيران المقاومين من دون أن يكون هناك أي امكانية للاحتماء، جرى إطلاق النار عليهم من جميع الجهات.
بعد تلك المعركة قال الجنود الاسرائيليون الذين نجوا منها: ''كنا نشعر بان الزيتون يطلق النار علينا وأن خلف كل حجر يوجد (مخرب)''. دام الاشتباك ساعات عدة وسقط خلاله العديد من الجنود بين قتلى وجرحى، فيما فر الباقون تاركين العتاد في أرض المعركة.
لدى وصولهم إلى بركة عيناتا حاملين معهم عددا من المصابين على الحمالات (شاهد المقاومون سبع حمالات) وقعوا في كمين للمقاومة، فجرى قصفهم بالأسلحة والقذائف الصاروخية ومدافع الهاون، وزادت الاصابات في صفوفهم، كما تم تدمير دبابتين جرى استقدامهما لتأمين عملية الانسحاب.
يقول القيادي في المقاومة إنه خلال تلك المعركة ترك الجنود الحمالات والمصابين على الأرض، حتى تدخلت الطائرات والمدفعية وأقامت عازلا دخانيا حول المصابين، فحملوا وسحبوا إلى تلة الفريز.
محاولة ولو من أجل رفع علم
لم تكتف القوات الاسرائيلية بتلك المحاولات الفاشلة. حاولت مرة ثالثة وأخيرة الدخول من تلة مسعود إلى منطقة صف الهوا- مستشفى صلاح غندور، بعدما اعتقدت أن حجم القصف الجوي والمدفعي للمنطقة والدمار الذي حصل فيها لن يبقي على أي مخلوق فيها. لكن طريقة تواجد المقاومين، جعلتهم محميين نسبيا. جربت قوات العدو رفع العلم الاسرائيلي ولو على منزل واحد في التلة، لكنها كانت عرضة للنيران من جديد، وسقط عدد من الجنود بين قتيل وجريح.
يوضح القيادي أن غالبية شهداء المقاومة في بنت جبيل استهدفوا بالقصف، بينما استشهد عدد قليل منهم خلال المعارك، لأن الغلبة كانت لهم في المواجهات الميدانية. يعتبر أن سبب الغلبة هو شجاعة المقاومين وثباتهم ومعرفتهم بطبيعة الأرض التي كانوا يقاتلون فيها، لأن المدافع يملك دائما ميزة معرفته بأرض المعركة. بالمقابل كان آداء الجنود الاسرائيليين مخيبا على المستوى الميداني.
يقدر عدد الجنود الاسرائيليين الذين قتلوا في معارك بنت جبيل، بخمسة وثلاثين جنديا، بالاضافة إلى تدمير ما يقارب العشرين دبابة، بينما قدرت القوات التي شاركت في المعركة بلواء أي ثلاث كتائب.
بلغت نسبة المقاومين الذين واجهوا تلك القوة ما بين خمسة إلى عشرة من عدد الجنود، استشهد ثمانية عشر مقاوما من أبناء بنت جبيل وأربعة عشر مقاوما من أبناء عيناتا، يضاف اليهم ثمانية عشر مواطنا من بنت جبيل.
ومن بين الشهداء كان القيادي قاسم بزي الذي بقيت اسرائيل تلاحقه عشرين عاما كما يقول أهل مدينته. استشهد خلال قصف أحد المنازل في الحارة القديمة وتدميره. واستشهد معه مسؤول حزب الله في بنت جبيل سيد أبو طعام والمقاوم كفاح شرارة.
عندما سئل القيادي لماذا كان قاسم في وسط المدينة في الوقت الذي يجري فيه تدميرها، أوضح أن القائد الميداني يكون عادة بين رفاقه وعلى مقربة من الجميع، اما وجود أبو طعام إلى جانبه فهو لا يتنافى مع التوزيع العسكري للقيادات لأنه يمكن تواجد قياديين في مكان واحد.
كان قاسم أحد القياديين البارزين في معركة مارون، ثم انتقل منها إلى بنت جبيل. وبعد استشهاده، حل مكانه القيادي محمد قانصو الملقب بساجد وتابع المعركة قبل أن يستشهد بدوره.
مشاهدات الأهالي
يروي المواطن حسني بزي الذي بقي في بنت جبيل خلال الحرب، أن أول قذيفة سقطت على المدينة، كانت عند السابعة والنصف من يوم الخميس في الثالث عشر من تموز، وقد استشهد فيها هشام بزي وجرح كامل العشي.
صباح اليوم التالي بدأ القصف على التلال المحيطة بالمدينة، وخاصة تلة مسعود، لكنه كان بطيئا. استمر حتى الثامن عشر من تموز عندما جرى استهداف منزل تابع لآل حميد، فكان ذلك إيذانا بأن اسرائيل انتقلت من التلال إلى المنازل.
قتل حسب الروايات، ثلاثة عشر جنديا اسرائيليا خلال عملية التقدم من تلة مارون إلى مهنية بنت جبيل. وينقل أحد الشهود على المعركة أن المقاوم علي عادل أقام للجنود كمينا في جذع تينة وأخذ يطلق النار عليهم بمساندة مجموعة من المقاومين، فاستطاع قتل غالبيتهم قبل أن يستشهد.
سلكت الدبابات الاسرائيلية الطريق الرئيسي باتجاه المهنية، فدمر المقاومون الدبابة الأولى بتفجير عبوة ناسفة وقتل فيها مقدم إسرائيلي، عندها غيرت القوات الاسرائيلية الخطة واستقدمت جرافات أخذت تجرف طريقا خاصا أمام الدبابات، بين عيترون وبين بنت جبيل.
استمرت عملية التقدم بطيئة حتى الخامس والعشرين من تموز، بسبب تصدي المقاومين للجنود . في السادس والعشرين قصف الطيران المدينة القديمة لمدة عشر ساعات، وفي السابع والعشرين منه قصفها لمدة إحدى عشرة ساعة، أما في الثامن والعشرين فثلاث عشرة ساعة، وفي التاسع والعشرين، قصفت المدينة لمدة إحدى وعشرين ساعة.
بدأ الطيران أولا بقصف المباني المؤلفة من طبقات عدة ودمر ثماني بنايات عند واجهة المدينة الشرقية من أجل رؤية قلبها. بعد ذلك جرى تدمير المنازل الصغيرة، بالمدفعية الثقيلة ، بالاضافة إلى الصواريخ، واستمرت عملية التدمير أربعة أيام.
يقول أحد قادة معركة بنت جبيل ان من بين أسباب الدمار العظيم الذي ألحقه العدو بالمدينة هو الانتقام منها تحديدا لأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ذهب اليها بعد التحرير في عام 2000 ومنها ألقى خطاب النصر.
من تلة مارون الراس إلى بنت جبيل
يروي القيادي ''إن المعارك البرية بدأت ضمن مرحلة الخط النقي'' (وهو مصطلح عسكري) ثم يستدرك ضاحكا: ''يعني ذلك أن الجيش الاسرائيلي بدأ الهجوم البري إنطلاقا من مرتفعات مارون، باتجاه بنت جبيل القريبة جدا''.
يبدأ برسم المواقع المحيطة ببنت جبيل وهي تشكل مرتفعات المدينة الطبيعة، ثم يوضح عدد المرات التي حاولت فيها القوات الاسرائيلية الدخول إلى تلك المواقع من أجل الاطباق على المدينة.
استطاع من خلال تمهله وتوضيحه أن يروي ما حصل عند كل موقع،''... هنا تلة مارون... هنا تلة مسعود... هنا مثلث عيناتا- بنت جبيل- مارون... هنا الفريز وهنا الغراند بالاس''.
تعرضت مدينة بنت جبيل خلال حرب تموز لثلاث مراحل من الهجوم: المرحلة الأولى بدأت بعد عملية ''اسر الجنديين الاسرائيليين'' مباشرة واستمرت من الثالث عشر من تموز حتى الرابع والعشرين منه، وقد جرى خلال تلك المرحلة قصف المدينة من دون القيام بهجوم بري. المرحلة الثانية استمرت من الرابع والعشرين من تموز حتى التاسع والعشرين منه، وجرت خلالها محاولات التقدم لاحتلال بنت جبيل، عبر تلة مارون وبلدة عيناتا وتلة مسعود. المرحلة الثالثة استمرت من التاسع والعشرين من تموز حتى الثامن من آب، وتعرضت خلالها بنت جبيل للقصف التدميري الانتقامي.
أما الهجوم البري على بنت جبيل فقد بدأ في الرابع والعشرين من تموز عندما حاولت كتيبة مشاة من الجيش الاسرائيلي التقدم نحو المدينة عبر تلة مارون الراس. سبق ذلك محاولة قوة من الجيش معززة بالدبابات الدخول من الناحية الشرقية لمارون، فدمر المقاومون ثلاث دبابات، الأمر الذي منعها من الاستفادة من سلاح الدبابات واستقدمت كتيبة مشاة بدأت التسلل على بعض أطراف بنت جبيل، لكن سرعان ما جرى اكتشافها تحت تلة مارون، وبالقرب من مهنية بنت جبيل، حيث يوجد انتشار كثيف للمقاومين.
كان المقاومون في بعض المواقع ينتظرون اقتراب القوات الاسرائيلية منهم قبل مهاجمتهم وفي مواقع أخرى كانوا يهاجمون الاسرائيليين مباشرة بعد اكتشافهم، كما حصل بالقرب من المهنية.
قتل في الاشتباك الأول بالقرب من المهنية جنديان إسرائيليان وأصيب عدد آخر بجروح، بناء لاعتراف إسرائيل. لكن الذين شاهدوا قوة الاخلاء الاسرائيلية وهي تسحب الاصابات نقلوا أن أفرادها كانوا يبكون ويضربون على رؤوسهم.
الالتفاف من مدخل عيناتا
في السادس والعشرين من تموز حاولت القوات الاسرائيلية الالتفاف على بنت جبيل من المدخل الجنوبي لبلدة عيناتا، جاءت القوات من مستوطنة أفيميم إلى مارون ثم عيناتا.
تسللت القوة ليلا وكان الاسرائيليون يعتمدون أسلوب التسلل الليلي ظنا منهم أنه لن يتم اكتشافهم. لكن انتشار المقاومين أدى إلى وقوع القوة في كمائن المقاومة في المنطقة، تعرض أفرادها للقصف بالقنابل والأسلحة الرشاشة المتوسطة والخفيفة. واستخدام القنابل يعني أن الاشتباك وقع فيما كان الطرفان على بعد أمتار كل من الآخر. وقد جرى التحام بين المقاومين وبين الجنود الاسرائيليين،فقتل معظم أفراد القوة أو جرحوا ، وقد اعترفت اسرائيل بسقوط ثمانية قتلى وإصابة واحد وثلاثين بجروح. بعدها، سيطر المقاومون على المنطقة وأعادوا انتشارهم وتموضعهم، في الوقت الذي كان فيه الاسرائيليون يعملون على إخلاء الاصابات.
كشف الجنود في منازل تلة مسعود
بالتزامن مع اشتباكات عيناتا حاولت قوة اسرائيلية التقدم من جهة تلة مسعود. وقد أخذت القوات الاسرائيلية تعتمد في معركة بنت جبيل على تحريك كتيبة بعد الخسائر التي لحقت بها في معركة مارون لدى اعتمادها على تحريك سرية. لذلك تبين من خلال المشاهدات أن الأعداد التي حاولت الدخول الى المناطق المحيطة ببنت جبيل كانت كبيرة.
استطاعت القوة الاسرائيلية الوصول إلى تلة مسعود عبر التسلل ليلا، لكن جرى اكتشافها واستمرت الاشتباكات معها حتى الصباح، ثم انكفأت بعد وقوع إصابات جمة في صفوفها، لم تحدد إسرائيل حجمها، وإن تبين من خلال المشاهدات وقوع قتيلين وخمسة عشر جريحا.
تمركزت القوة بعد تراجعها في بعض المنازل الكبرى المبنية على تلة مسعود. بعد ظهر اليوم نفسه تسللت مجموعة استطلاع قتالية من المقاومة إلى تلك المنازل واشتبكت مع مجموعة من تلك القوات عند مدخل إحدى الفيللات، الأمر الذي دفع بالقوات الاسرائيلية الى الفرار من المنازل ليلا.
بعدها مباشرة أغار الطيران على المنازل، ويرجح القيادي أن يكون سبب الغارات هو وجود تجهيزات ووسائل عسكرية مهمة تركها جنود العدو خلفهم. وقد أدت الغارات الى محو المنازل كليا.
في التاسع والعشرين من تموز، ونتيجة الخسائر التي منيت بها القوات الاسرائيلية في اشتباكات كل من تلة مارون وعيناتا وتلة مسعود أعلنت خروجها من منطقة بنت جبيل، وحصل ما يشبه الهدنة استمرت خلال الأيام الفاصلة بين التاسع والعشرين من تموز وبين السابع من آب.
بدأت المرحلة الثالثة من الهجوم الاسرائيلي بالقصف التدميري لمدينة بنت جبيل واستخدمت في الغارات طائرات ''اف 16'' تساندها الأسلحة المدفعية. كان يصل عدد الغارات أحيانا إلى مائة غارة خلال ساعتين، وقد جرى خلال تلك المرحلة استكمال تدمير المدينة القديمة تدميرا كليا، بعد قصفها على مراحل عدة.
يقول القيادي إن الحديث الذي راج في حينها هو اعتقاد الاسرائيليين بوجود رجال المقاومة داخل المدينة القديمة، لكن تفسيرنا أن تدميرها كان عملية انتقامية، لما تختزنه المدينة من معان رمزية بعدما صنفت على أنها عاصمة المقاومة ودخلها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
12 دبابة في مرمى النيران في منطقة الفريز
بعد فشل الاسرائيليين في دخول بنت جبيل عبر تلتي مارون ومسعود ومدخل عيناتا، حاولوا الالتفاف عليها، لناحية عيترون- عيناتا عند منطقة تدعى الفريز وعبر صف الهوا قرب مستشفى صلاح غندور.
جرب الاسرائيليون في المحاولة الجديدة تطويق المدينة ضمن مساحة أكثر اتساعا. تقدموا باتجاه منطقة الفريز، مستخدمين المشاة والآليات فحصلت المواجهات مع المشاة وجرى تدمير دبابات عدة، ثم حاولوا الدخول إلى عيناتا من منطقة الفريز، لكن المحاولة فشلت مجددا، ويروي أن الجرافات الاسرائيلية أخذت ترفع السواتر ليلا خلال تقدمها من أجل حماية الدبابات من الاستهداف. لكن تم استهداف ما يقارب الاثنتي عشرة دبابة.
في الوقت نفسه حاولت قوة أخرى الدخول من تلة مسعود إلى صف الهوا للقول من جديد إن الجيش الاسرائيلي سيطر على بنت جبيل، وحصلت الاشتباكات معهم عند التلة.
جربت القوة الدخول إلى أحد المنازل قرب مطعم ''الغراند بالاس'' لكن المقاومين اشتبكوا معها بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، فر الجنود باتجاه تلة مسعود مجددا، ولدى دخولهم إلى أحد المنازل هناك كان المقاومون داخل المنزل وفي محيطه، فاطلقوا عليهم النيران وسقط المزيد من القتلى والجرحى في صفوفهم، ثم فروا إلى موقع آخر عند التلة.
أرض المقتل .. صف الهوا
في التاسع من آب حاولت القوات الاسرائيلية الدخول إلى بنت جبيل مجددا من مدخل عيناتا الشمالي، تقدمت قوة كبيرة قدر عددها بناء للمشاهدات بمائتي جندي. لدى دخولها إلى أرض تصنف عسكريا بأنها مقتل، أي في مرمى نيران المقاومين من دون أن يكون هناك أي امكانية للاحتماء، جرى إطلاق النار عليهم من جميع الجهات.
بعد تلك المعركة قال الجنود الاسرائيليون الذين نجوا منها: ''كنا نشعر بان الزيتون يطلق النار علينا وأن خلف كل حجر يوجد (مخرب)''. دام الاشتباك ساعات عدة وسقط خلاله العديد من الجنود بين قتلى وجرحى، فيما فر الباقون تاركين العتاد في أرض المعركة.
لدى وصولهم إلى بركة عيناتا حاملين معهم عددا من المصابين على الحمالات (شاهد المقاومون سبع حمالات) وقعوا في كمين للمقاومة، فجرى قصفهم بالأسلحة والقذائف الصاروخية ومدافع الهاون، وزادت الاصابات في صفوفهم، كما تم تدمير دبابتين جرى استقدامهما لتأمين عملية الانسحاب.
يقول القيادي في المقاومة إنه خلال تلك المعركة ترك الجنود الحمالات والمصابين على الأرض، حتى تدخلت الطائرات والمدفعية وأقامت عازلا دخانيا حول المصابين، فحملوا وسحبوا إلى تلة الفريز.
محاولة ولو من أجل رفع علم
لم تكتف القوات الاسرائيلية بتلك المحاولات الفاشلة. حاولت مرة ثالثة وأخيرة الدخول من تلة مسعود إلى منطقة صف الهوا- مستشفى صلاح غندور، بعدما اعتقدت أن حجم القصف الجوي والمدفعي للمنطقة والدمار الذي حصل فيها لن يبقي على أي مخلوق فيها. لكن طريقة تواجد المقاومين، جعلتهم محميين نسبيا. جربت قوات العدو رفع العلم الاسرائيلي ولو على منزل واحد في التلة، لكنها كانت عرضة للنيران من جديد، وسقط عدد من الجنود بين قتيل وجريح.
يوضح القيادي أن غالبية شهداء المقاومة في بنت جبيل استهدفوا بالقصف، بينما استشهد عدد قليل منهم خلال المعارك، لأن الغلبة كانت لهم في المواجهات الميدانية. يعتبر أن سبب الغلبة هو شجاعة المقاومين وثباتهم ومعرفتهم بطبيعة الأرض التي كانوا يقاتلون فيها، لأن المدافع يملك دائما ميزة معرفته بأرض المعركة. بالمقابل كان آداء الجنود الاسرائيليين مخيبا على المستوى الميداني.
يقدر عدد الجنود الاسرائيليين الذين قتلوا في معارك بنت جبيل، بخمسة وثلاثين جنديا، بالاضافة إلى تدمير ما يقارب العشرين دبابة، بينما قدرت القوات التي شاركت في المعركة بلواء أي ثلاث كتائب.
بلغت نسبة المقاومين الذين واجهوا تلك القوة ما بين خمسة إلى عشرة من عدد الجنود، استشهد ثمانية عشر مقاوما من أبناء بنت جبيل وأربعة عشر مقاوما من أبناء عيناتا، يضاف اليهم ثمانية عشر مواطنا من بنت جبيل.
ومن بين الشهداء كان القيادي قاسم بزي الذي بقيت اسرائيل تلاحقه عشرين عاما كما يقول أهل مدينته. استشهد خلال قصف أحد المنازل في الحارة القديمة وتدميره. واستشهد معه مسؤول حزب الله في بنت جبيل سيد أبو طعام والمقاوم كفاح شرارة.
عندما سئل القيادي لماذا كان قاسم في وسط المدينة في الوقت الذي يجري فيه تدميرها، أوضح أن القائد الميداني يكون عادة بين رفاقه وعلى مقربة من الجميع، اما وجود أبو طعام إلى جانبه فهو لا يتنافى مع التوزيع العسكري للقيادات لأنه يمكن تواجد قياديين في مكان واحد.
كان قاسم أحد القياديين البارزين في معركة مارون، ثم انتقل منها إلى بنت جبيل. وبعد استشهاده، حل مكانه القيادي محمد قانصو الملقب بساجد وتابع المعركة قبل أن يستشهد بدوره.
مشاهدات الأهالي
يروي المواطن حسني بزي الذي بقي في بنت جبيل خلال الحرب، أن أول قذيفة سقطت على المدينة، كانت عند السابعة والنصف من يوم الخميس في الثالث عشر من تموز، وقد استشهد فيها هشام بزي وجرح كامل العشي.
صباح اليوم التالي بدأ القصف على التلال المحيطة بالمدينة، وخاصة تلة مسعود، لكنه كان بطيئا. استمر حتى الثامن عشر من تموز عندما جرى استهداف منزل تابع لآل حميد، فكان ذلك إيذانا بأن اسرائيل انتقلت من التلال إلى المنازل.
قتل حسب الروايات، ثلاثة عشر جنديا اسرائيليا خلال عملية التقدم من تلة مارون إلى مهنية بنت جبيل. وينقل أحد الشهود على المعركة أن المقاوم علي عادل أقام للجنود كمينا في جذع تينة وأخذ يطلق النار عليهم بمساندة مجموعة من المقاومين، فاستطاع قتل غالبيتهم قبل أن يستشهد.
سلكت الدبابات الاسرائيلية الطريق الرئيسي باتجاه المهنية، فدمر المقاومون الدبابة الأولى بتفجير عبوة ناسفة وقتل فيها مقدم إسرائيلي، عندها غيرت القوات الاسرائيلية الخطة واستقدمت جرافات أخذت تجرف طريقا خاصا أمام الدبابات، بين عيترون وبين بنت جبيل.
استمرت عملية التقدم بطيئة حتى الخامس والعشرين من تموز، بسبب تصدي المقاومين للجنود . في السادس والعشرين قصف الطيران المدينة القديمة لمدة عشر ساعات، وفي السابع والعشرين منه قصفها لمدة إحدى عشرة ساعة، أما في الثامن والعشرين فثلاث عشرة ساعة، وفي التاسع والعشرين، قصفت المدينة لمدة إحدى وعشرين ساعة.
بدأ الطيران أولا بقصف المباني المؤلفة من طبقات عدة ودمر ثماني بنايات عند واجهة المدينة الشرقية من أجل رؤية قلبها. بعد ذلك جرى تدمير المنازل الصغيرة، بالمدفعية الثقيلة ، بالاضافة إلى الصواريخ، واستمرت عملية التدمير أربعة أيام.