التقارب المصرى - الروسى بعد زيارة السيسى وفهمى

safelife

عضو
إنضم
26 نوفمبر 2010
المشاركات
8,319
التفاعل
17,862 0 0
التقارب المصرى - الروسى بعد زيارة السيسى وفهمى
بقلم: توماس جورجيسيان د. سامى عمارة
getsubpic.ashx


موسكو - واشنطن:
تصدرت زيارة المشير عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية نبيل فهمى قائمة أبرز الأحداث السياسية التى أثارت ردود فعل قوية فى الأيام الماضية، سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى، فقد جاءت الزيارة بعد سنوات طويلة من التباعد المصرى الروسى وفى المقابل التقارب المصرى الامريكى، كما ان توقيتها بعد ثورة 30 يونيو وحالة الجفاء والتربص من جانب الإدارة الأمريكية تجاه ما تقوم به الحكومة المصرية لاعادة الدولة لمسارها الصحيح وفقا لخارطة الطريق، جعل الآراء حولها تختلف على حسب موقع المحلل، فإذا كانت قد قوبلت بتجاهل متعمد من وسائل الإعلام الأمريكية وبعض الانتقادات أو التقليل من الأهمية على مستوى المسئولين، فإنها - على الجانب الآخر - قوبلت بالمبالغة فى تقدير الانجازات والنتائج من قبل الإعلام المصرى بل وأيضا الروسى ولعل فى التقريرين التاليين ما يكشف هذه الحقائق.
- الفضائيات. بين الواقع والمأمول
الزيارة التى قام بها المشير عبدالفتاح السيسى على رأس وفد عسكرى سياسى كبير ضم وزير الخارجية نبيل فهمى أثارت وما زالت تثير الكثير من التعليقات فى الأوساط السياسية والإعلامية الروسية. هذه الزيارة غير المسبوقة لعقود طويلة تبدو مقدمة لعلاقات "جديدة" تستند فى معظم جوانبها إلى تاريخ "قديم" حرص الجانبان على استحضاره بتعبيرات "دبلوماسية" تؤكد أنها "لا تستهدف أطرافا ثالثة"، وأنها تقوم على أسس تتفق مع "معايير العصر". فماذا دار وراء كواليس هذه الزيارة، وما هى النتائج العملية التى أسفرت عنها بعيدا عن "مبالغات" الكثير من المحللين والخبراء العسكريين والسياسيين من سفراء وعسكريين، متقاعدين وحاليين.
"التجاوزات"، و"التوقعات غير المبررة" حدثت من الجانبين الروسى والمصرى رغما عن الكم الهائل من التصريحات والبيانات الرسمية حول حقيقة ما جرى فى موسكو وضواحيها من لقاءات ومباحثات. حتى الإعلان الصحفى المشترك الصادر عن الزيارة لم يكن كافيا "للجم" شطحات الخبراء والمحللين من المتخصصين فى التعليق لبرامج "التوك شو" فى الفضائيات المصرية والروسية الذين تركزت تعليقاتهم حول "دلالات" ارتداء المشير "للبدلة المدنية"، أو أسرار "المعطف ذى النجمة الحمراء" الذى ظهر به المشير فى ختام لقائه مع الرئيس بوتين، أو عدد الدقائق التى استغرقها اللقاء الثنائى بين بوتين والمشير. وبعيدا عن كل هذه "التوابل" الإعلامية، غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، نقول إن ما جرى من لقاءات ومباحثات يسجل أفضل مقدمات لاستئناف العلاقات الروسية المصرية على اسس سليمة تقوم على مبادئ المصلحة المشتركة والتكافؤ وبما يتفق مع المواثيق الدولية، بعيدا عن أخطاء الماضى التى لا احد يقول إنها كانت "أحادية الجانب"، وان ظل قرار "طرد الخبراء السوفييت" من مصر فى يونيو عام 1972 يخيم بظلاله الكئيبة على بعض جوانب هذه العلاقات.
المباحثات المصرية - الروسية دارت فى إطار آلية "2 + 2" بموجب اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الموقعة بين البلدين فى القاهرة فى عام 2009 والتى تنص على لقاءات ثنائية ورباعية بين وزراء الدفاع والخارجية فى كل من البلدين وتنتهى عادة بلقاء موسع مع رئيس الدولة يعرضون عليه نتائج ما دار من مباحثات، وهذا ما حدث فى موسكو. ولعل ما صدر من بيانات وتصريحات رسمية يقول إن الجانبين خلصا الى اتفاقات وليس اتفاقيات او "صفقات". وفيما تلقف البعض فى موسكو تعليقات بعض المراقبين المصريين حول ان زيارة المشير تأتى ردا على قرار واشنطن تجميد ارسال المقاتلات الأمريكية الى مصر، بالكثير من التعليقات التى تؤكد ان علاقات روسيا بمصر ليست موجهة الى إطراف ثالثة، انخرط خبراء عسكريون روس فى الترويج لان العلاقات فى الفترة المقبلة سوف تساعد على حصول روسيا على "قواعد عسكرية بحرية" على ضفاف البحر المتوسط تحسبا لاحتمالات ضياع "مرفأ طرطوس السوري"، كما جاء فى معرض برنامج "بانوراما" على قناة "روسيا اليوم" الناطقة بالعربية.
مصادر دبلوماسية روسية ردت على تساؤلات "الأهرام" حول مدى حقيقة هذه الأخبار بقولها على الجميع تحرى الدقة ومراجعة ما صدر عن المباحثات من بيانات وتصريحات للقيادة الروسية ومنها ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين لدى استقباله للمشير عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية المصرية مع نظيريهما الروسيين سيرجى شويجو وسيرجى لافروف. فماذا قال بوتين فى هذا اللقاء الذى جرى فى مقر اقامته فى "نوفواوجاريوفو" بضواحى العاصمة الروسية؟.
هنا ننقل عن موقع الكرملين ما قاله الرئيس بوتين: "هناك الكثير من المشاريع الكبيرة الواعدة فى مجال الاقتصاد وأعرب عن أملى فى انه وبعد الانتهاء من كل العمليات السياسية الداخلية، وتنتهى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مع حلول صيف العام الجارى على حد علمى وتتشكل الحكومة، يمكن لنا إطلاق كل آليات التعاون. وذلك يعنى أن الجانبين لن ينتهيا من كل الشكليات الرسمية الا بعد الانتهاء من كل تبعات المرحلة الانتقالية اى بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة. وذلك يعنى أيضا ان المباحثات الروسية - المصرية فى موسكو لم تشهد توقيع أى اتفاقيات ولا بروتوكولات نوايا، لا بالأحرف الاولى ولا بالأحرف الثانية، على حد قول المصادر الروسية تعليقا على ما نشرته صحيفة "فيدومستي". وكان سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسى أكد كذلك ان الحديث حول جوانب التعاون والمباحثات حول الصادرات الروسية الى مصر سيتواصل الى حين إعداد القاعدة القانونية اللازمة. كما أننا ومن واقع متابعتنا على مقربة من المباحثات لم نشهد توقيع اية وثائق خلال زيارة الوفد المصرى لموسكو.
على ان هناك فى مباحثات موسكو ما ظل بعيدا عن دائرة اهتمام "خبراء الفضائيات" من العارفين ببواطن الأمور، وهو ما حرصنا على استيضاح حقيقته وإبعاد النقاش الذى دار حوله وهو موضوع "سد النهضة". وردا على سؤال "الأهرام" حول مدى إمكانية الاستفادة من آلية "2 + 2" فى تعميق العلاقات الثنائية ومعالجة القضايا الإقليمية فى القارة الإفريقية وفى مقدمتها قضية المياه فى القارة الأفريقية المرشحة للتصعيد فى الفترة المقبلة، قال الوزير نبيل فهمى ان المباحثات تطرقت الى قضية المياه وان الجانبين بحثا الحلول السياسية الرامية الى إيجاد الحلول المناسبة ولها "جوانب متعددة". وقال ان مصر تسعى الى حلول توافقية لانها ترتبط بالوجود فى القارة الأفريقية وخاصة الدول التى ليس لها موارد مائية أخري، مؤكدا ان المناقشة كانت "ايجابية. وايجابية للجميع".
أما الوزير لافروف فقال "بضرورة اعتماد كل الحكومات والأطراف المعنية على ما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية حول هذا الشأن، ومراعاة مصالح الشعوب واحتياجاتها وحقها فى الموارد المائية"، وهو ما حرص الجانبان على تأكيده، الى جانب تسجيل المواقف المتقاربة بل المتطابقة فى بعض جوانبها تجاه معظم القضايا الإقليمية والدولية، فى الإعلان الختامى الصادر فى ختام الزيارة.
- واشنطن. بين التجاهل وعدم الارتياح
ربما بدت واشنطن فى متابعتها للتقارب المصرى الروسى ورصدها زيارة المشير السيسى لموسكو قلقة بعض الشيء إلا أنها كانت أيضا حذرة فى رد فعلها ومتحفظة فى الحديث عما تتوقعه من هذه الزيارة، وبالطبع كانت حريصة على التذكير أن علاقتها مع مصر قوية وطويلة الأمد وعلى التأكيد بأن هذه العلاقة لن تتأثر بزيارة السيسى لموسكو. الا أن ما لفت انتباه المراقبين لمواقف الإدارة الأمريكية هو زوال هذا الحذر وتراجع هذا التحفظ فى رد فعل الخارجية الأمريكية على ما وصف بأنه تأييد من الرئيس الروسى بوتين لترشح السيسى للرئاسة اذ قالت الخارجية ليس من شأن الولايات المتحدة أو شأن السيد بوتين دعم مرشح رئاسى بعينه فى مصر وأضافت أنه ليس من حق أى أحد غير المصريين أن يقوم بتأييد مرشح ما للرئاسة. وفى الوقت الحالى تواصل واشنطن قراءتها للزيارة وما قد يسفر عنها. وأيضا ما قد يصدر عن المسئولين المصريين والروس من تصريحات بشأنها وذلك فى محاولة لفهم أفضل وأشمل لهذا التقارب المصرى الروسى ونتائجه وتداعياته على مصر، وعلى طبيعة علاقة الولايات المتحدة معها. الزيارة بالطبع لفتت الأنظار وأثارت الاهتمام. وأصحاب القرار الأمريكى ينتظرون ويتابعون ليروا ويعرفوا ثم ماذا؟ مثلما لا أريد أن أهون من الزيارة ونتائجها لا أريد أيضا أن أهول من الزيارة ونتائجها قالها ديفيد آرون ميللر الخبير بمركز وودرو ويلسون فى واشنطن لـ"الأهرام"، مشيرا إلى أن الزيارة تثير المزيد من الأسئلة أكثر مما تعطى من إجابات للقضايا المثارة والأسئلة المطروحة.
ولم يتردد ميللر المسئول الأمريكى السابق بالخارجية وأحد خبراء شئون المنطقة فى أن يذكر بأن زيارة السيسى لموسكو ترسل أشارات عدة ومنها حالة الإحباط لدى مصر من الموقف الأمريكى أو المواقف الأمريكية بشكل عام فى التعامل مع المتطلبات المصرية خاصة فى الفترة الأخيرة.
ثم الإشارة الثانية بأن مصر لديها خيارات أخرى فى عملية التسليح وفى تلبية احتياجاتها. كما أن الزيارة تحمل إشارة إلى دور ما يمكن أن تلعبه روسيا فى المرحلة المقبلة فى إطار محاولات استعادة أدوارها وأحياء نفوذها فى ترتيبات المنطقة الجديدة.
حرصت الإدارة الأمريكية خلال إتمام الزيارة على القول: من الواضح أن دولا عديدة لها مصالح فى مصر وتريد أن تبنى علاقات مع مصر وهى تسير قدما هكذا قالت مارى هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية. وذكرت نحن لدينا علاقات مع دول على امتداد العالم ومنها مصر، وهى علاقات مبنية على مصالح مشتركة. وليست مبنية على ما تريد أو ما لا تريد الولايات المتحدة تحقيقه هناك. وإنما علاقات مبنية على تحديد ما هى مصالحنا وما هى مصالحهم قالت هارف أيضا تعقيبا على الزيارة: أن الولايات المتحدة لديها قدرات مميزة لتساهم بها فى علاقتها (مع مصر) عسكريا واقتصاديا. فنحن لدينا علاقة طويلة الأمد وقوية وتاريخية مع مصر. وأن هذا لم يتغير ولا نعتقد بأن الزيارة لروسيا سوف تؤثر على مصالحنا المشتركة مع مصر. وقالت آن باترسون مساعدة وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأدنى فى جلسة بالكونجرس منذ أيام وردا على سؤال حول التقارب المصرى الروسي: "من وجهة نظرى ما يقال عن أو ما يسمى بنجاحات روسيا داخل مصر لهو أمر مبالغ فيه للغاية. وأنا أعنى بأن لدينا علاقة قوية جدا وطويلة الأمد مع مصر على الصعيد العسكري. هناك بعض الأسلحة الروسية المتبقية وكانت هناك بعض الزيارات من جانب مسئولين روس. ولكن مرة أخرى لا أعتقد بأنها (روسيا) تستطيع أن تتنافس مع علاقتنا مع العسكرية المصرية.
ويرى ميللر ويتفق معه خبراء آخرون بأن علاقة مصر مع أمريكا لا يمكن إحلالها أو تبديلها فى الوقت الحالى وفى المستقبل القريب. الا أن هناك شبه اتفاق فيما بينهم بأن مما لا شك فيه أن هناك تراجعا ملموسا فى "صدارة" أمريكا ونفوذها فى المنطقة. وأن الزيارة أرسلت رسالة مفادها بأن هذه العلاقة بين مصر وأمريكا لم تعد أمرا مسلما به يمكن الاعتماد عليها بالكامل والى الأبد كما ذكر ميللر فى حديثه مع "الأهرام". وهناك شبه اتفاق بين المراقبين على أن الزيارة يمكن بل يجب النظر اليها فى إطار التغييرات القائمة والمستمرة فى المنطقة وسعى روسيا للتواجد أو للعب أدوار بعينها، بالإضافة الى الدور السعودى فى سيناريوهات وآليات الصفقات السياسية والتسليحية الخاصة بترتيبات المنطقة الجديدة.
وحسب ما يراه خبراء مصر وشئونها العسكرية والأمنية فان هذه العلاقة - طويلة الأمد وثلاثية الأطراف (ما بين مصر وأمريكا ومعهما اسرائيل) والتى تشكلت وتوطدت على مدى العقود الثلاثة الماضية لا يمكن الاستغناء عنها أو التخلى عنها أو تفكيكها بسهولة خاصة أن هناك مصالح مشتركة يجب الحفاظ عليها ومن ثم ضمان صيانتها. ولكن هناك توجه أيضا بأن العلاقة مع مصر فى حاجة الى مراجعة وإعادة تقييم وتقويم بحيث تتواءم مع متطلبات الحاضر وتتعامل مع تحديات المستقبل. وقد ذكر أيضا فى هذا الصدد أن طرفى العلاقة قد تحدثا من قبل عن ضرورة إعادة تقييم طبيعة وتوجيه العلاقة وتحديد الأولويات أخذا فى الاعتبار متطلبات مصر الأمنية والعسكرية فى المرحلة المقبلة. وأن هذا يتطلب تحديث وتطوير نوعية الأسلحة والأنظمة الدفاعية والخبرات العسكرية التى يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة فى إطار تعاونها العسكرى والأمنى والمخابراتى مع مصر خصوصا فى مجال مكافحة الارهاب ومحاربته. ويقوم البعض بتشخيص ووصف حالة واشنطن الآن وتجاه التقارب المصرى الروسى بـ"عدم الارتياح". ولم يتوقف ولن يتوقف الحديث عن صفقات أسلحة روسية محتملة لمصر قد تتكشف تفاصيلها قريبا.

http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?Serial=1540947
 
عودة
أعلى