ولي العهد في باكستان.. الشرق يصافح بعضه
صورة ارشيفية
منذ استقلال دولة باكستان عام 1947 كانت ولا تزال العلاقات "السعودية - الباكستانية" من أقوى وأكثر العلاقات تماسكاً ورسوخاً، وقد كانت المملكة دائماً في طليعة الدول التي وقفت بجوار باكستان في جميع الظروف التي سادت المنطقة.
وفي الواقع تتسق علاقات الرياض مع إسلام آباد منسجمة مع التوجه السعودي كثيراً، والذي بدأ يأخذ شكلاً مختلفاً بعد أحداث 11 سبتمبر، بالرغم من أن العلاقات "السعودية - الباكستانية" تمتد منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، لكنها اتخذت طابعاً عميقاً ذا صبغة إستراتيجية سنة بعد سنة مع الحفاظ على شكل تصاعدي، خصوصاً أن الثقة المتبادلة مع إسلام آباد هي ما يغذي هذا التوجه.
يأتي الحديث عن العلاقات السعودية الباكستانية تزامناً مع زيارة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع السعودي، إلى إسلام آباد، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام؛ لتعزيز المزيد من الروابط الودية بين البلدين، ومناقشة الوضع الإقليمي.
ومن المقرر أن يعقد الأمير سلمان بن عبدالعزيز خلال زيارته لباكستان التي تعد الأولى له بعد توليه وزارة الدفاع في عام ٢٠١١م، مباحثات مع نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني، وممنون حسين الرئيس الباكستاني، حول الأمور الدولية والثنائية ذات الاهتمام المشترك.
شريف.. علاقات متطورة
نواز شريف، رئيس الوزراء، أكد على متانة العلاقات الأخوية التي تربط البلدين الشقيقين، موضحاً أن باكستان تولي اهتماماً بالغاً لعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية، وأن حكومته حريصة على تعزيز وتطوير هذه العلاقات إلى آفاق جديدة من التعاون.
وأشاد "شريف" بالدور الإيجابي المهم الذي تؤديه المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
ترسانة سعودية.. بذخيرة باكستانية
يتصدر التعاون العسكري العلاقات بين السعودية وباكستان، حيث يتولى الجيش الباكستاني تطوير الجيش السعودي من مشاة وسلاح جو.
وتحتل السعودية حالياً المرتبة الرابعة عالمياً في حجم الإنفاق على التسلح، حيث أنفقت العام الماضي نحو 60 مليار دولار؛ لتتفوق بذلك على دول عظمى، منها بريطانيا، فيما كانت الرياض وواشنطن قد اتفقتا في العام 2010، على أكبر صفقة سلاح في التاريخ، وقيمتها 60 مليار دولار، ما يؤكد عزم القيادة السياسية بالمملكة على المضي قدماً في خططها؛ لبناء جيش حديث يضمن أمن بلاد الحرمين، من دون الاعتماد على الغير، وقطعت في ذلك شوطاً كبيراً، حيث تملك اليوم أسراباً حديثة من الطائرات الحربية ذات التقنيات العالية، وتنافس قوتها الجوية على المركز الأول بالشرق الأوسط.
وتعمل السعودية حالياً على تقييم مشروع طائرة "JF-17 Thunder" الباكستانية الحربية، وهو مشروع مشترك مع الصين؛ لإنتاج طائرة مقاتلة متعددة المهام، خفيفة الوزن، وبمحرك واحد، أنتج منها 54 طائرة حتى الآن، وتتشابه مع طائرة "إف-16" الأمريكية في الكثير من الميزات.
ويرى الكثير من المحللين أن باكستان قد طورت العديد من البرامج العسكرية الإستراتيجية بدعم سعودي كبير، وذلك بحسب تقارير متعددة في صحف أمريكية وبريطانية، نظراً للعلاقات القديمة والعميقة جداً بين البلدين.
ورجحت صحيفة "بزنس ريكوردر" الباكستانية، الناطقة بالإنجليزية، أن تشهد زيارة ولي العهد السعودي إلى باكستان إبرام عدد من صفقات التسليح والدفاع بين البلدين.
ونقلت الصحيفة الباكستانية عن مصادر مطلعة قولها: "توقعات بإبرام صفقات أجهزة دفاع وتبادل عسكري وتعاون في مجال التدريب بين البلدين، إضافة إلى بحث قضايا مكافحة الإرهاب".
وأشارت المصادر إلى أن الروابط الدفاعية والأمنية بين السعودية وباكستان من شأنها أن تساعد المملكة في الحفاظ على هيمنتها الإقليمية، لاسيما توافر حليف إقليمي غير عربي مثل باكستان.
وعلقت الصحف الهندية على هذه الزيارة المرتقبة بتكهنات حول رغبة باكستان في بيع طائرات عسكرية مقاتلة إلى السعودية فئة "JF-17"، وألا تكون الزيارة متعلقة بمباحثات تعاون نووي بين البلدين.
وكانت صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية قد ذكرت الشهر الماضي أن السعودية تدرس إمكانية أن تصبح شريكة في برنامج إنتاج طائرة مقاتلة باكستانية، خصوصاً بعد أن أوضح مسؤولون باكستانيون أن وزارة الدفاع بالمملكة استعرضت برنامج الطائرة المقاتلة الباكستانية "JF-17"، والتي تأتي على غرار الطائرة المقاتلة الأمريكية "إف-16".
ولفت أحد المسؤولين إلى أن هذا المشروع من شأنه أن يوفِّر للمملكة تكنولوجيا يمكن استخدامها في المشروعات المستقبلية.
وكان الأمير سلمان بن سلطان زار المصانع الحربية الباكستانية، منتصف يناير المنصرم، واستهلها بمصنع الطائرات الباكستانية، ثم شاهد طائرة "جي إف-17"، والتي بدأ إنتاجها في 2013، وتتشابه كثيراً مع الطائرة الأمريكية "إف-16".
المملكة.. حلقة وصل العالم
يسعى الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، إلى الاستفادة من العلاقات السعودية الباكستانية، لتكون الرياض حلقة الوصل الإيجابية والقادرة على التأثير في مسار العلاقات بين نيودلهي وإسلام آباد، خصوصاً أن لدى هذين البلدين الكثير من التوترات، التي يمكن أن تنشأ عنها أعمال ذات طابع حربي، وهو أمر بحد ذاته خطير لدولتين نوويتين ويهدد الأمن العالمي.
في الوقت نفسه بمقدور السعودية التي تحظى بسجل جيد في محاربة الإرهاب أن تقدم نفسها للانخراط في مجموعة من الجهود والعمليات الثلاثية مع باكستان ونيودلهي لمحاربة الإرهاب الذي تخشى تصاعده هذه الدول مع اقتراب الانسحاب "الأمريكي – الأطلسي" من أفغانستان.
العلاقات الاقتصادية
ترتبط المملكة مع باكستان بروابط كثيرة، فالبلدان عضوان في منظمة التعاون الإسلامي، وفي البنك الإسلامي للتنمية، وفي اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري (الكومسيك)، فضلاً على الاتفاقيات التجارية بين البلدين التي وصلت عام 2011 إلى 18 مليار ريال.
وتعتمد السعودية على حوالي مليون ونصف مليون وافد من أبناء باكستان في قطاعات مختلفة بالمملكة، كما تستقبل كل عام حوالي مائتي ألف حاج وأكثر من 500 ألف معتمر سنوياً، إضافة إلى الآمال المعقودة على اللجنة السعودية الباكستانية المشتركة، لدفع العلاقات الثنائية قدماً، وتوثيق التعاون بين رجال الأعمال بين البلدين المعول عليهم في تسريع عجلة الاقتصاد وتنمية المبادلات التجارية والاستثمارية بين البلدين، وإقامة شراكة مع نظرائهم من رجال الأعمال، وإقامة مشروعات مشتركة، مستفيدين من المزايا والحوافز المتوفرة في كل من المملكة وباكستان.
ويسعى الطرفان السعودي والباكستاني إلى استعراض حجم الأسعار، وزيادة حجم التبادل التجاري وتوسيع حجم الاستثمارات طبقاً للإجراءات المعتمدة بينهما، إلى جانب التشديد على رفع معدلات التعاون المتبادل في مجالات مراقبة الجودة النوعية وتقييمات المطابقة.
فضاء الشرق
وقعت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية العام الماضي مسودة مشروع اتفاقية لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات الثقافة والإعلام، ويتضمن المشروع التعاون بين التلفزيون السعودي ونظيره الباكستاني والإذاعة السعودية والراديو الباكستاني، وأيضاً بين الصحف المختلفة.
التكنولوجيا النووية
وإلى جانب ذلك فإن زيارة الأمير سلمان بن سلطان لباكستان تأتي بعد أسابيع من تقارير تحدثت عن أن المملكة العربية السعودية عازمة على توسيع خياراتها الإستراتيجية في التسليح النووي.
وكانت تقارير نشرت في صحف أمريكية وبريطانية، وكذلك هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في الأوان الأخير، أن السعودية ضخت استثمارات في مشاريع باكستانية للأسلحة النووية، ونقلت التقارير عن "عدد من المصادر" أنه يعتقد أن المملكة تستطيع الحصول على قنابل نووية إذا ما أرادت ذلك.
وأضاف التقرير أنه رغم أن السعي السعودي كان ينظر إليه غالباً في إطار مواجهة البرنامج النووي الإيراني، لكن التقرير كشف أن السعوديين ربما يكونون قادرين على نشر هذه المعدات ربما أسرع من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تؤكد أن برنامجها النووي سلمي بحت، ويخضع لإشراف مباشر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
من جانبها، استبعدت باكستان أن يكون من أسباب زيارة الأمير سلمان إلى إسلام آباد، نقل التكنولوجيا النووية إلى الرياض، وقال تسنيم إسلام، المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، رداً على تقارير دولية تحدثت عن ذلك: التقارير ليست صحيحة، كما أن باكستان والمملكة العربية السعودية لا تتعاونان في مجال التكنولوجيا النووية بأي شكل من الأشكال.. فالقوات الباكستانية توفر التدريب لقوات المملكة، وقد أشارت المملكة العربية السعودية إلى شراء أسلحة من باكستان.
وفقاً للاستطلاع الذي أجرته شركة "بيو" العالمية Pew Research Global Attitudes Project المتخصصة في استطلاعات الرأي العالمية وعرضته "سبق" بتاريخ 22 من ذي الحجة 1434هـ، حيث كشف الاستطلاع أن 95% من الشعب الباكستاني يحمل انطباعاً إيجابياً عن السعودية، وهو ما يعد علامة مهمة على الترابط العميق بين البلدين، وستكون زيارة ولي العهد السعودي إلى باكستان وجبة تحليلية دسمة لمعظم الصحف العالمية والإقليمية، نظراً للأهمية الكبيرة للبلدين.
http://sabq.org/SwRfde