معركة اليرموك، كانت سنة (13 هـ - 634 م) بين العرب المسلمين والإمبراطورية البيزنطية، يعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام. المعركة حدثت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عام 632م بأربع سنوات.
قررت الجيوش الإسلامية الانسحاب من الجابية بالقرب من دمشق إلى اليرموك بعد تقدم جيش الروم نحوهم. تولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بعد أن تنازل أبوعبيدة بن الجراح، كانت قوات جيش المسلمين تعدّ 36 ألف مقاتل في حين كانت جيوش الروم تبلغ 240 ألف مقاتل.
في هذه الأثناء غزا الفرس الساسانيون منطقة الجزيرة (شمال العراق) وفي سنة 611 م اكتسحوا سوريا ودخلوا الاناضول محتلين مدينة مزاكا القيصرية. تمكن بعدها هرقل من إزاحة الفرس من الأناضول، إلا أنه تعرض لهزيمة نكراء عندما قام بهجومٍ كبيرٍ على سوريا ضد الفرس سنة 613 م. خلال العقود التالية استطاع الفرس غزو كل من فلسطين ومصر. وفي هذه الأثناء أعد هرقل العدة لهجومٍ مضادٍ وقام بإعادة بناء جيشه. حيث قام هرقل بهجومه أخيراً بعد تسع سنين أي في 622 م. بعد انتصاراته الحاسمة على الفرس وحلفائها في القوقاز وأرمينيا، قام هرقل في 627 م بهجوم شتوي ضد الفرس في منطقة الجزيرة محققاً فوزاً ساحقاً في معركة نينوى. وعلى هذا النحو أصبحت عاصمة الفرس مهددة أيضاً. شعوراً بالخزي والعار من هذه الهزائم تمت إزاحة خارسو الثاني وقتله في انقلاب قاده أبنه كافاد الثاني، الذي جنح إلى السلم فوراً، حيث وافق على الانسحاب من جميع الأراضي البيزنطية المحتلة. وأعاد لهرقل الصليب الحقيقي – الذي كان يعتقد بأن النبي عيسى (عليه السلام) قد صُلب عليه – ومن ثم تم إرجاعه إلى القدس باحتفالٍ ملكي مهيب سنة 629 م.
وفي هذه الأثناء كانت تطورات سياسية سريعة تحدث في الجزيرة العربية، حيث كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يزال ينشر الإسلام، وبحلول سنة 630 كان قد استطاع بنجاح توحيد معظم الجزيرة العربية تحت سلطة سياسية واحدة. وحين توفي النبي صلى الله عليه وسلم في يونيو/حزيران 632، انتُخب أبو بكر خليفة للمسلمين خلفاً للرسول الكريم. وحالما تولى أبو بكر الخلافة انبثقت مشاكل عندما ثارت جهراً العديد من القبائل العربية ضد أبي بكر الذي أعلن الحرب ضد المتمردين. والتي عرفت لاحقاً بحروب الردة. بعدها تمكَّنَ أبو بكر من توحيد الجزيرة العربية تحت السلطة المركزية للخلافة الإسلامية ومركزها المدينة المنورة. حالما تم تطويع التمرد، بدء أبو بكر عهد الفتوحات، مبتدئأ بالعراق، المحافظة الأغنى للإمبراطورية الفارسية. وبإرساله أكثر جنرالاته عبقرية ودهائاً وهو خالد بن الوليد، تم فتح العراق بسلسلة من الحملات الناجحة ضد الفرس الساسانيين. نمت ثقة أبو بكر، وحالماً تمكن خالد بن الوليد من تأسيس معقل قوي في العراق، أعلن أبو بكر نداء التسلح لغزو الشام في فبراير/شباط من سنة 634. كان الفتح الإسلامي للشام عبارة عن سلسلة من العمليات العسكرية المخططة بعناية والمنسقة جيداً والتي استخدمت الإستراتيجية بدلاً من القوة المجردة للتعامل مع مقاييس الدفاع البيزنطية. على أية حال تبين للجيوش الإسلامية بأنها أقل من اللازم للتعامل مع الرد البيزنطي، وطلب قادتها التعزيزات. أرسل خالد بن الوليد من العراق إلى الشام مع التعزيزات ولقيادة الغزو. في تموز/يوليو 634، هُزم البيزنطيون على نحو حاسم في معركة أجنادين. وسقطت مدينة دمشق في أيلول/سبتمبر 634، وتبعها معركة الفحل حيث هزمت وهلكت آخر المعاقل العسكرية المهمة للبيزنطيين في فلسطين. توفي الخليفة أبو بكر الصديق في سنة 636. وقرر خلفه عمر بن الخطاب إكمال توسع الخلافة الإسلامية أعمق إلى الشام. بالرغم من أن حملات سابقة ناجحة قادها خالد بن الوليد، إلا أنه تم استبداله بأبو عبيدة. بتأمين جنوب فلسطين، تقدمت القوات الإسلامية الآن إلى الطريق التجاري حيث سقطت طبريا وبعلبك من دون عناء كبير وبعدها غزا المسلمون مدينة حمص أوائل 636. وعليه أكمل المسلمون غزوهم عبر الشام.
معركة اليرموك
جزء من حرب بيزنطية إسلامية
المكان الذي جرت فيه المعركة
التاريخ 20 أغسطس 636
الموقع قرب نهر اليرموك شمال الأردن
النتيجة انتصار المسلمين
المتحاربون
امبراطورية بيزنطية المسلمون
القادة
غريغوري
ماهان
جبلة بن الأيهم
قناطير
قسطنطين ابن القيصر هرقل
دريجان
تيودور شقيق القيصر[1] خالد بن الوليد
أبو عبيدة بن الجراح
يزيد بن أبي سفيان
شرحبيل بن حسنة
عمرو بن العاص
قيس بن حبيرة
القوى
تقديرات 240,000 تقديرات 36,000
الخسائر
70-100 ألف تقديرات 4 آلاف تقديرات
الخليفة
فتوح الشام
بدأ الفتح الإسلامي للشام في عهد الخليفة أبو بكر الصديق، الذي قرَّر مقاتلة الروم بعد أن هاجموا جيش خالد بن سعيد بن العاص المُعسكر في أرض تيماء، فوزَّع المسلمين على أربعة جيوش مختلفة، ووجَّه كلاً منها إلى جزء مختلف من بلاد الشام، قوام كلٍّ منها حوالي 8,000 مقاتل. فكان الجيش الأول بقيادة شرحبيل بن حسنة ووجهته وادي الأردن في جنوبيّ الشام،[2] والجيش الثاني بقيادة يزيد بن أبي سفيان ووجهته دمشق، والجيش الثالث بقيادة أبو عبيدة بن الجراح ووجهته حمص، والجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص ووجهته فلسطين.[3] وقال لهم أبو بكر أنهم سيكونون مستقلّين إن لم تكن هناك حاجة للاجتماع، فكل واحد يقود جيشه بنفسه ويكون أميراً على المناطق التي يفتحها، أما إن اقتضت الضرورة الاجتماع فإن القائد سيكون أبو عبيدة بن الجراح.[4] لكن عندما بلغت الجيوش الإسلامية الشام وجدت جيوشاً ضخمة جداً للروم حشدت لمقابلتها في كل وجهاتها،[5] فلمَّا سمع المسلمون بذلك قرَّروا الاتحاد، فاجتمعت جيوشهم باليرموك،[6] وطلبوا المزيد من المدد، فاحتار أبو بكر ثمَّ أمر خالداً بن الوليد بالسير إليهم بنصف جنوده من العراق.[7] فسار خالد مسيرته الشهيرة عبر صحراء بادية الشام،[8] وفي طريقه هزم الغساسنة في معركة مرج راهط،[9] وفتح مدينة بصرى.[10] وبعد أن فتح خالد بصرى، توجَّه مع أبي عبيدة بن الجراح إلى دمشق، فحاصرها، لكن هنا وصلته أنباء حشود الروم في أجنادين، فانسحب وجمع جيوشه كلها هناك، فبلغ عدد قوات المسلمين 33,000 مقاتل والروم 100,000، فدارت معركة أجنادين التي هزم فيها الروم وقتل قائدهم وردان.[11] وخلال هذه المرحلة من الفتح توفيَّ أبو بكر، وبعد أن تولى عمر الخلافة من بعده سرعان ما عزل خالد بن الوليد عن قيادة جيوش الفتح، وعين مكانه أبا عبيدة بن الجراح.[12]
بعد أجنادين توجَّه أبو عبيدة مع خالد لحصار دمشق، وتمكّنا من فتحها أخيراً بعد أن كانت قد حوصرت عدة مرات قبل ذلك.[13] لكن وصلتهما أنباء عن تجمُّع جيش كبير من الروم في مدينة بعلبك، وأنه يسير جنوباً إلى فلسطين للقاء جيش عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة[14] المؤلف من 5,300 جندي. فقرر أبو عبيدة وخالد السير إليهما بسرعة بجيشهما المؤلف من 27,000 مقاتل،[15] وسبق خالد أبو عبيدة على رأس 1,500 فارس لضرورة السرعة.[16] اجتمعت جيوش المسلمين وجيوش الروم قرب موقع فحل جنوبي الشام، فدارت بعض المفاوضات قبل المعركة، غير أنه لم تؤدّي إلى شيء. والتقى الجيشان في 28 من ذي القعدة سنة 13 هـ (23 يناير 653م)،[17] حوالي 32,000 من المسلمين[18] ضد 50,000 إلى 80,000 من الروم،[19] وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، وقال ابن الأثير عن المعركة "فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ، فأصيب الروم وهم ثمانون ألفاً لم يفلت منهم إلا الشريد".[13] وبعد ذلك ولَّى أبو عبيدة بعض قادته على دمشق وفلسطين والأردن، وسار مع خالد نحو حمص ففتحاها، ثم إلى سهل البقاع،[20] وفتحا خلال ذلك مدينة بعلبك صلحاً.[21]
التجهيز للمعركة
كان سقوط حمص وبعلبك سريعاً بعد فتح دمشق، وأصبحت مقاومة الروم لجيوش المسلمين ضعيفة. وبعد فتح دمشق،[22] أو تحديداً أكثر خلال محاصرة حمص قبل فتحها، بدأ هرقل في أواخر سنة 635م بحشد كل قواته في منطقة أنطاكية وشمال الشام استعداداً لمعركة حاسمة،[23] بعد أن تمركز في مدينة أنطاكية على أطراف الشام الشمالية لإدارة الحرب من هناك. وقد بدأ حركة تجنيد إجباري في كل أنحاء الإمبراطورية البيزنطية، فأرسل الأوامر إلى عماله على الولايات بتجنيد كل رجل بلغ الحلم في الإمبراطورية.[24] ويقول الرواة في وصف الجيوش البيزنطية السائرة إلى معركة اليرموك: "فأقبل إليه من الجموع ما لا تحمله الأرض".[25]
لم يكن هرقل يود في البداية خوض المعركة، غير أن أهل الجزيرة وقنسرين وشمال الشام أصرُّوا عليه، فقبل بقتالهم في حال ظهورهم، وإلا عاد إلى القسطنطينية. وولى ماهان قيادة الجيوش، وأعطاه لذلك 200 ألف درهم، ثم أعطى 100 ألف درهم أخرى لكل قادته، وخطب فيهم قبل المعركة قائلاً:[26]
«يا معشر الروم، إن العرب قد ظهروا على الشام ولم يرضوا بها حتى تعاطوا أقاصي بلادكم، وهم لا يرضون بالأرض والمدائن والبُر والشعير والذهب والفضة حتى يَسبُوا الأخوات والأمهات والبنات والأزواج ويخذوا الأحرار وأبناء الملوك عبيداً. فامنعوا حريمكم وسلطانكم ودار مملكتم.»
كانت لدى المسلمين استخبارات فعالة وقوية، لذا فقد عرف أبو عبيدة مبكراً بتحركات الروم كلها، وبخطتهم وخطوط سيرهم.[27] غير أن قادتهم اختلفوا حول الخطة المناسبة لمواجهة الموقف، وحسب رواية ذكرها الأزدي فقد رأي يزيد بن أبي سفيان إدخال النساء والأطفال إلى مدينة حمص، فيما تدور المعركة مع الروم خارج المدينة. غير أن شرحبيل خشي أن يغدر أهل حمص بالمسلمين إن غلبوا، وأن يذبحوا نساءهم وأطفالهم، واقترح لذلك أبو عبيدة إخراج أهل حمص وإدخال المسلمين مكانهم، فاعترض شرحبيل لأن ذلك يخالف شروط الصلح. وأخيراً طرح ميسرة بن مسروق العبسي الانسحاب إلى أطراف الشام، وانتظار التعزيزات من الخليفة، وأجمع الحاضرون على هذا الرأي. لكن من الجدير بالذكر أن صحّة هذه الرواية ليست ثابتة، وقد تكون موضوعة بالكامل.[28]
الجيوش المتحاربة
ضمَّت جيوش البيزنطيين في معركة اليرموك عرقيات كثيرة، بينها الروس والسلاف والفرنجة والروم والإغريق والجورجيون والأرمن والعرب النصارى. ووزعت قواتهم هذه على خمسة جيوش متساوية الأعداد، وقادتها هم: ماهان (ملك أرمينيا) على رأس جيش أرمني كما أنه القائد العامّ للجيوش البيزنطية، وقناطير (أمير روسي) على رأس جيش روسي سلافي، وجبلة بن الأيهم (ملك الغساسنة) على رأس جيش من نصارى العرب، بالإضافة إلى غريغوري وديرجان على رأس جيشين أوربيَّين.[29] وليس معروفاً على وجه التحديد من كان القائد الأعلى للجيش، فمن الروايات الشائعة أنه كان الملك الأرمني ماهان، غير أن ذلك ليس مؤكداً تماماً، وربما كان السقلار ثيودور ترثوريوس أحد القادة الأساسيين في الجيش، وربما كان نقيطا بن شاهبراز وجبلة بن الأيهم قائدين ذوي شأن أيضاً.[30] كما وقد اختلف المؤرخون كثيراً في تعداد جيوش الروم في معركة اليرموك، غير أن هناك ستة أقوال أساسية فيها، هي: 100,000 بقيادة صقلارخصي هرقل (رواه ابن إسحاق)، و120,000 بقيادة ماهان وصقلار (رواه ابن عساكر وسيف والوليد والبلاذري)، و200,000 بقيادة ماهان (رواه الطبري)، و240,000 بقيادة ماهان (رواه سيف)، و300,000 بقيادة ماهان (رواه الأزدي)، و400,000 بقيادة ماهان (رواه الأزدي).[31]
وأما جيوش المسلمين فقد كانت صغيرة جداً، حيث تألفت قوات المسلمين الأصلية التي دخلت الشام للفتح من أربعة ألوية مجموع جنودها 24,000 مقاتل، ثم ازدادوا قليلاً بعد وصول خالد من العراق للنجدة في معركة أجنادين.[32] ومن الأقوال الأساسية في تعداد جيوش المسلمين في المعركة: 24,000 (رواه ابن عساكر)، و36,000 بينهم 27,000 من الألوية الأربعة و9,000 مع خالد (رواه الطبري)، و46,000 (رواه الطبري). وكان بين هؤلاء 1,000 من الصحابة، وحوالي 100 ممن شهدوا غزوة بدر.[33]
قررت الجيوش الإسلامية الانسحاب من الجابية بالقرب من دمشق إلى اليرموك بعد تقدم جيش الروم نحوهم. تولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بعد أن تنازل أبوعبيدة بن الجراح، كانت قوات جيش المسلمين تعدّ 36 ألف مقاتل في حين كانت جيوش الروم تبلغ 240 ألف مقاتل.
في هذه الأثناء غزا الفرس الساسانيون منطقة الجزيرة (شمال العراق) وفي سنة 611 م اكتسحوا سوريا ودخلوا الاناضول محتلين مدينة مزاكا القيصرية. تمكن بعدها هرقل من إزاحة الفرس من الأناضول، إلا أنه تعرض لهزيمة نكراء عندما قام بهجومٍ كبيرٍ على سوريا ضد الفرس سنة 613 م. خلال العقود التالية استطاع الفرس غزو كل من فلسطين ومصر. وفي هذه الأثناء أعد هرقل العدة لهجومٍ مضادٍ وقام بإعادة بناء جيشه. حيث قام هرقل بهجومه أخيراً بعد تسع سنين أي في 622 م. بعد انتصاراته الحاسمة على الفرس وحلفائها في القوقاز وأرمينيا، قام هرقل في 627 م بهجوم شتوي ضد الفرس في منطقة الجزيرة محققاً فوزاً ساحقاً في معركة نينوى. وعلى هذا النحو أصبحت عاصمة الفرس مهددة أيضاً. شعوراً بالخزي والعار من هذه الهزائم تمت إزاحة خارسو الثاني وقتله في انقلاب قاده أبنه كافاد الثاني، الذي جنح إلى السلم فوراً، حيث وافق على الانسحاب من جميع الأراضي البيزنطية المحتلة. وأعاد لهرقل الصليب الحقيقي – الذي كان يعتقد بأن النبي عيسى (عليه السلام) قد صُلب عليه – ومن ثم تم إرجاعه إلى القدس باحتفالٍ ملكي مهيب سنة 629 م.
وفي هذه الأثناء كانت تطورات سياسية سريعة تحدث في الجزيرة العربية، حيث كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يزال ينشر الإسلام، وبحلول سنة 630 كان قد استطاع بنجاح توحيد معظم الجزيرة العربية تحت سلطة سياسية واحدة. وحين توفي النبي صلى الله عليه وسلم في يونيو/حزيران 632، انتُخب أبو بكر خليفة للمسلمين خلفاً للرسول الكريم. وحالما تولى أبو بكر الخلافة انبثقت مشاكل عندما ثارت جهراً العديد من القبائل العربية ضد أبي بكر الذي أعلن الحرب ضد المتمردين. والتي عرفت لاحقاً بحروب الردة. بعدها تمكَّنَ أبو بكر من توحيد الجزيرة العربية تحت السلطة المركزية للخلافة الإسلامية ومركزها المدينة المنورة. حالما تم تطويع التمرد، بدء أبو بكر عهد الفتوحات، مبتدئأ بالعراق، المحافظة الأغنى للإمبراطورية الفارسية. وبإرساله أكثر جنرالاته عبقرية ودهائاً وهو خالد بن الوليد، تم فتح العراق بسلسلة من الحملات الناجحة ضد الفرس الساسانيين. نمت ثقة أبو بكر، وحالماً تمكن خالد بن الوليد من تأسيس معقل قوي في العراق، أعلن أبو بكر نداء التسلح لغزو الشام في فبراير/شباط من سنة 634. كان الفتح الإسلامي للشام عبارة عن سلسلة من العمليات العسكرية المخططة بعناية والمنسقة جيداً والتي استخدمت الإستراتيجية بدلاً من القوة المجردة للتعامل مع مقاييس الدفاع البيزنطية. على أية حال تبين للجيوش الإسلامية بأنها أقل من اللازم للتعامل مع الرد البيزنطي، وطلب قادتها التعزيزات. أرسل خالد بن الوليد من العراق إلى الشام مع التعزيزات ولقيادة الغزو. في تموز/يوليو 634، هُزم البيزنطيون على نحو حاسم في معركة أجنادين. وسقطت مدينة دمشق في أيلول/سبتمبر 634، وتبعها معركة الفحل حيث هزمت وهلكت آخر المعاقل العسكرية المهمة للبيزنطيين في فلسطين. توفي الخليفة أبو بكر الصديق في سنة 636. وقرر خلفه عمر بن الخطاب إكمال توسع الخلافة الإسلامية أعمق إلى الشام. بالرغم من أن حملات سابقة ناجحة قادها خالد بن الوليد، إلا أنه تم استبداله بأبو عبيدة. بتأمين جنوب فلسطين، تقدمت القوات الإسلامية الآن إلى الطريق التجاري حيث سقطت طبريا وبعلبك من دون عناء كبير وبعدها غزا المسلمون مدينة حمص أوائل 636. وعليه أكمل المسلمون غزوهم عبر الشام.
معركة اليرموك
جزء من حرب بيزنطية إسلامية
المكان الذي جرت فيه المعركة
التاريخ 20 أغسطس 636
الموقع قرب نهر اليرموك شمال الأردن
النتيجة انتصار المسلمين
المتحاربون
امبراطورية بيزنطية المسلمون
القادة
غريغوري
ماهان
جبلة بن الأيهم
قناطير
قسطنطين ابن القيصر هرقل
دريجان
تيودور شقيق القيصر[1] خالد بن الوليد
أبو عبيدة بن الجراح
يزيد بن أبي سفيان
شرحبيل بن حسنة
عمرو بن العاص
قيس بن حبيرة
القوى
تقديرات 240,000 تقديرات 36,000
الخسائر
70-100 ألف تقديرات 4 آلاف تقديرات
الخليفة
فتوح الشام
بدأ الفتح الإسلامي للشام في عهد الخليفة أبو بكر الصديق، الذي قرَّر مقاتلة الروم بعد أن هاجموا جيش خالد بن سعيد بن العاص المُعسكر في أرض تيماء، فوزَّع المسلمين على أربعة جيوش مختلفة، ووجَّه كلاً منها إلى جزء مختلف من بلاد الشام، قوام كلٍّ منها حوالي 8,000 مقاتل. فكان الجيش الأول بقيادة شرحبيل بن حسنة ووجهته وادي الأردن في جنوبيّ الشام،[2] والجيش الثاني بقيادة يزيد بن أبي سفيان ووجهته دمشق، والجيش الثالث بقيادة أبو عبيدة بن الجراح ووجهته حمص، والجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص ووجهته فلسطين.[3] وقال لهم أبو بكر أنهم سيكونون مستقلّين إن لم تكن هناك حاجة للاجتماع، فكل واحد يقود جيشه بنفسه ويكون أميراً على المناطق التي يفتحها، أما إن اقتضت الضرورة الاجتماع فإن القائد سيكون أبو عبيدة بن الجراح.[4] لكن عندما بلغت الجيوش الإسلامية الشام وجدت جيوشاً ضخمة جداً للروم حشدت لمقابلتها في كل وجهاتها،[5] فلمَّا سمع المسلمون بذلك قرَّروا الاتحاد، فاجتمعت جيوشهم باليرموك،[6] وطلبوا المزيد من المدد، فاحتار أبو بكر ثمَّ أمر خالداً بن الوليد بالسير إليهم بنصف جنوده من العراق.[7] فسار خالد مسيرته الشهيرة عبر صحراء بادية الشام،[8] وفي طريقه هزم الغساسنة في معركة مرج راهط،[9] وفتح مدينة بصرى.[10] وبعد أن فتح خالد بصرى، توجَّه مع أبي عبيدة بن الجراح إلى دمشق، فحاصرها، لكن هنا وصلته أنباء حشود الروم في أجنادين، فانسحب وجمع جيوشه كلها هناك، فبلغ عدد قوات المسلمين 33,000 مقاتل والروم 100,000، فدارت معركة أجنادين التي هزم فيها الروم وقتل قائدهم وردان.[11] وخلال هذه المرحلة من الفتح توفيَّ أبو بكر، وبعد أن تولى عمر الخلافة من بعده سرعان ما عزل خالد بن الوليد عن قيادة جيوش الفتح، وعين مكانه أبا عبيدة بن الجراح.[12]
بعد أجنادين توجَّه أبو عبيدة مع خالد لحصار دمشق، وتمكّنا من فتحها أخيراً بعد أن كانت قد حوصرت عدة مرات قبل ذلك.[13] لكن وصلتهما أنباء عن تجمُّع جيش كبير من الروم في مدينة بعلبك، وأنه يسير جنوباً إلى فلسطين للقاء جيش عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة[14] المؤلف من 5,300 جندي. فقرر أبو عبيدة وخالد السير إليهما بسرعة بجيشهما المؤلف من 27,000 مقاتل،[15] وسبق خالد أبو عبيدة على رأس 1,500 فارس لضرورة السرعة.[16] اجتمعت جيوش المسلمين وجيوش الروم قرب موقع فحل جنوبي الشام، فدارت بعض المفاوضات قبل المعركة، غير أنه لم تؤدّي إلى شيء. والتقى الجيشان في 28 من ذي القعدة سنة 13 هـ (23 يناير 653م)،[17] حوالي 32,000 من المسلمين[18] ضد 50,000 إلى 80,000 من الروم،[19] وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، وقال ابن الأثير عن المعركة "فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ، فأصيب الروم وهم ثمانون ألفاً لم يفلت منهم إلا الشريد".[13] وبعد ذلك ولَّى أبو عبيدة بعض قادته على دمشق وفلسطين والأردن، وسار مع خالد نحو حمص ففتحاها، ثم إلى سهل البقاع،[20] وفتحا خلال ذلك مدينة بعلبك صلحاً.[21]
التجهيز للمعركة
كان سقوط حمص وبعلبك سريعاً بعد فتح دمشق، وأصبحت مقاومة الروم لجيوش المسلمين ضعيفة. وبعد فتح دمشق،[22] أو تحديداً أكثر خلال محاصرة حمص قبل فتحها، بدأ هرقل في أواخر سنة 635م بحشد كل قواته في منطقة أنطاكية وشمال الشام استعداداً لمعركة حاسمة،[23] بعد أن تمركز في مدينة أنطاكية على أطراف الشام الشمالية لإدارة الحرب من هناك. وقد بدأ حركة تجنيد إجباري في كل أنحاء الإمبراطورية البيزنطية، فأرسل الأوامر إلى عماله على الولايات بتجنيد كل رجل بلغ الحلم في الإمبراطورية.[24] ويقول الرواة في وصف الجيوش البيزنطية السائرة إلى معركة اليرموك: "فأقبل إليه من الجموع ما لا تحمله الأرض".[25]
لم يكن هرقل يود في البداية خوض المعركة، غير أن أهل الجزيرة وقنسرين وشمال الشام أصرُّوا عليه، فقبل بقتالهم في حال ظهورهم، وإلا عاد إلى القسطنطينية. وولى ماهان قيادة الجيوش، وأعطاه لذلك 200 ألف درهم، ثم أعطى 100 ألف درهم أخرى لكل قادته، وخطب فيهم قبل المعركة قائلاً:[26]
«يا معشر الروم، إن العرب قد ظهروا على الشام ولم يرضوا بها حتى تعاطوا أقاصي بلادكم، وهم لا يرضون بالأرض والمدائن والبُر والشعير والذهب والفضة حتى يَسبُوا الأخوات والأمهات والبنات والأزواج ويخذوا الأحرار وأبناء الملوك عبيداً. فامنعوا حريمكم وسلطانكم ودار مملكتم.»
كانت لدى المسلمين استخبارات فعالة وقوية، لذا فقد عرف أبو عبيدة مبكراً بتحركات الروم كلها، وبخطتهم وخطوط سيرهم.[27] غير أن قادتهم اختلفوا حول الخطة المناسبة لمواجهة الموقف، وحسب رواية ذكرها الأزدي فقد رأي يزيد بن أبي سفيان إدخال النساء والأطفال إلى مدينة حمص، فيما تدور المعركة مع الروم خارج المدينة. غير أن شرحبيل خشي أن يغدر أهل حمص بالمسلمين إن غلبوا، وأن يذبحوا نساءهم وأطفالهم، واقترح لذلك أبو عبيدة إخراج أهل حمص وإدخال المسلمين مكانهم، فاعترض شرحبيل لأن ذلك يخالف شروط الصلح. وأخيراً طرح ميسرة بن مسروق العبسي الانسحاب إلى أطراف الشام، وانتظار التعزيزات من الخليفة، وأجمع الحاضرون على هذا الرأي. لكن من الجدير بالذكر أن صحّة هذه الرواية ليست ثابتة، وقد تكون موضوعة بالكامل.[28]
الجيوش المتحاربة
ضمَّت جيوش البيزنطيين في معركة اليرموك عرقيات كثيرة، بينها الروس والسلاف والفرنجة والروم والإغريق والجورجيون والأرمن والعرب النصارى. ووزعت قواتهم هذه على خمسة جيوش متساوية الأعداد، وقادتها هم: ماهان (ملك أرمينيا) على رأس جيش أرمني كما أنه القائد العامّ للجيوش البيزنطية، وقناطير (أمير روسي) على رأس جيش روسي سلافي، وجبلة بن الأيهم (ملك الغساسنة) على رأس جيش من نصارى العرب، بالإضافة إلى غريغوري وديرجان على رأس جيشين أوربيَّين.[29] وليس معروفاً على وجه التحديد من كان القائد الأعلى للجيش، فمن الروايات الشائعة أنه كان الملك الأرمني ماهان، غير أن ذلك ليس مؤكداً تماماً، وربما كان السقلار ثيودور ترثوريوس أحد القادة الأساسيين في الجيش، وربما كان نقيطا بن شاهبراز وجبلة بن الأيهم قائدين ذوي شأن أيضاً.[30] كما وقد اختلف المؤرخون كثيراً في تعداد جيوش الروم في معركة اليرموك، غير أن هناك ستة أقوال أساسية فيها، هي: 100,000 بقيادة صقلارخصي هرقل (رواه ابن إسحاق)، و120,000 بقيادة ماهان وصقلار (رواه ابن عساكر وسيف والوليد والبلاذري)، و200,000 بقيادة ماهان (رواه الطبري)، و240,000 بقيادة ماهان (رواه سيف)، و300,000 بقيادة ماهان (رواه الأزدي)، و400,000 بقيادة ماهان (رواه الأزدي).[31]
وأما جيوش المسلمين فقد كانت صغيرة جداً، حيث تألفت قوات المسلمين الأصلية التي دخلت الشام للفتح من أربعة ألوية مجموع جنودها 24,000 مقاتل، ثم ازدادوا قليلاً بعد وصول خالد من العراق للنجدة في معركة أجنادين.[32] ومن الأقوال الأساسية في تعداد جيوش المسلمين في المعركة: 24,000 (رواه ابن عساكر)، و36,000 بينهم 27,000 من الألوية الأربعة و9,000 مع خالد (رواه الطبري)، و46,000 (رواه الطبري). وكان بين هؤلاء 1,000 من الصحابة، وحوالي 100 ممن شهدوا غزوة بدر.[33]