في 13 آب أفاد عدد من وسائل الاعلام في الولايات المتحدة بخطة لادارة اوباما لبيع العربية السعودية سلاحا بنحو 60 مليار دولار، تقع في عشر سنوات. وستتضمن الصفقة، حسب التقرير، 84 طائرة F-15S، نحو 60 مروحية هجومية AH-64D Apache Longbow ونحو 70 مروحية نقل سريع من طراز UH-60 Black Hawk. كما ستتضمن الصفقة تحسينات للطائرات القتالية القائمة ورزمات من الارشاد والصيانة.
الاتصالات لعقد هذه الصفقات جرت بالسر، بسبب حساسية الطرف السعودي، ولكن في نفس الوقت تنثر تلميحات عن أن الصفقة لن تتضمن عناصر كفيلة بان تثير معارضة شديدة من جانب اسرائيل، كصواريخ جو – ارض بعيدة المدى.
التقارير هي في المرحلة الاولية فقط، وذلك لان الحديث يدور في هذه المرحلة عن بيان غير رسمي من الادارة الى لجان الكونغرس التي تعنى بموضوع بيع السلاح. صفقة بيع السلاح تلزم حسب القانون في الولايات المتحدة ببيان رسمي الى الكونغرس، المخول بوقفها في غضون ثلاثين يوما من يوم صدور البيان. بيان رسمي كهذا لم يصدر بعد الى الكونغرس، ولكن من المتوقع أن يقدم اليه، مع عودته من الاجازة الصيفية في الشهر القادم.
هذه الصفقة هي في اطار سياسة بدأها الرئيس جورج دبليو بوش، الذي أعلن عنها منذ شهر تموز 2007. في اطار هذه السياسة، اعتزمت ادارة بوش اقرار بيع سلاح بحجوم واسعة لدول اعضاء في مجلس التعاون الامني في الخليج (GCC). مبيعات السلاح يفترض بها ان تعزز صمود دول الخليج في ضوء التهديدات التي تقف في وجهها – أي – التهديد الايراني وكذا لتكون اداة لتجنيد تأييد هذه الدول لسياسة الولايات المتحدة ضد ايران – من جهة، وربما للاعفاء من بعض عبء الدفاع عن الخليج عن كاهل القوات المسلحة الامريكية – من جهة اخرى. ادارة الرئيس اوباما واصلت هذه السياسة بل ووسعتها.
عندما اعلن الرئيس بوش عن سياسته هذه، جرى الحديث عن بيع سلاح، بمبلغ اجمالي بمقدار 40 مليار دولار (منها 20 مليار دولار للسعودية و 20 مليار دولار لباقي دول الخليج). منذئذ وقعت عقود بحجوم مليارات الدولارات مع دول اخرى في الخليج – الكويت، قطر واتحاد الامارات.
بالمقابل، لم توقع حتى الان صفقة بحجم مشابه مع العربية السعودية. هذا لا يعني أن السعودية امتنعت عن شراء السلاح الامريكي. حتى الان نقلت الى الكونغرس طلبات رسمية بعدد كبير من صفقات شراء السلاح الجديد وتحسين السلاح القائم - بحجوم متراكمة بنحو 4 مليار دولار. ولكن العديد من هذه الطلبات لم تنضح لدرجة عقود موقعة، وبالاجمال العقود الموقعة تبلغ اليوم نحو نصف المبلغ المذكور أعلاه (معظم المبلغ هو عقد لقاء مجنزرة للحرس الوطني).
وكما أسلفنا، فان التقارير عن الصفقة لا تزال في المرحلة الاولية فقط. حتى لو رفع بيان للكونغرس فانه لا يشكل سوى مرحلة اولية فقط. بعد البيان، ستبدأ مرحلة طويلة من المفاوضات، ومن شأن هذا أن يقوم وأن يقع على تفاصيل عن المعدات المعينة، الاسعار وشروط الدفع، ومواعيد التوريد وحجم رزم الصيانة والارشاد وما شابه. ويشار الى ان بيانات عديدة للكونغرس عن نوايا بيع السلاح لا تتحقق في نهاية المطاف. مثل هذه المفاوضات كفيلة بان تستمر سنوات عديدة، وبعد ذلك تتواصل مرحلة التوريد هي الاخرى على مدى سنوات عديدة.
ملاحظات عن الصفقة
بعض الملاحظات عن الصفقة كما تتخذ صورتها الان.
1. بينما فضل اتحاد الامارات والكويت استثمار معظم اموالهما بالمعدات الدفاعية (وبالاساس معدات الدفاع الجوي والدفاع بوجه الصواريخ الباليستية)، فان الصفقة السعودية هي لمعدات جو هجومية (طائرات قتالية ومروحيات قتالية).
2. طائرات الـ F-15S التي ذكرت في الانباء ليست مثابة معدات جديدة وغير معروفة. فقد اشترت العربية السعودية 72 طائرة F-15S منذ بداية التسعينيات. وطائرة الـ F-15S هي صيغة معدلة لملاءمة السعودية عن طائرة F-15E Strike Eagle (صيغتها الاسرائيلية هي F-151 "الرعد"). لا ينتج اليوم نموذج جديد من طائرة الـ F-15، وان كانت شركة بوينغ، المنتجة، كشفت مؤخرا النقاب عن اقتراحها لبديل عن طائرة F-35 - الطراز المسمى Silent Eagle ذو قدرات التملص. ولا يزال يدور الحديث عن اقتراح، لم يدخل بعد الى مراحل التطوير. وعليه، فاذا تحققت الصفقة الحالية، فانها ستتضمن طائرات لا تختلف كثيرا عن تلك التي توجد منذ الان بحوزة سلاح الجو السعودي.
3. هكذا هو الامر ايضا بالنسبة للمروحيات التي ذكرت في الانباء. فالعربية السعودية تحوز منذ بداية التسعينيات 12 طائرة AH-64D، وقبل نحو سنتين نقل الى الكونغرس طلب باقرار بيع 12 مروحية AH-64D . كما طلبت السعودية تحسين المروحيات القديمة لتصل الى مستوى مشابه. في السعودية تخدم ايضا بضع عشرات من مروحيات UH-60 وعدد آخر منها طلب مؤخرا. وعليه، في مجال المروحيات ايضا، يدور الحديث عن زيادة عدد المروحيات من الانواع القائمة في سلاح الجو السعودي.
4. سلاح الجو في العربية السعودية بدأ مؤخرا يستوعب طائرات "تايفون". فقد اشترت العربية السعودية من بريطانيا 24 طائرة من هذا الطراز – مع خيار لـ 48 طائرة اخرى. وهذه صفقة كبرى بحجم 7 – 9 مليار دولار. ولغرض التوقيع عليها اضطر رئيس الوزراء البريطاني الى أن يأمر بوقف التحقيق في الفساد حول الصفقة وصفقات سلاح سابقة مع شركة BAe البريطانية.
سلاح الجو في العربية السعودية يستخدم، منذ سنوات عديدة، منظومات موازية لطائرات قتالية من انتاج الولايات المتحدة وانتاج بريطانيا. طائرات "تايفون" تطير الى جانب طائرات تورنادو (سواء من طراز الاعتراض ام من طراز الهجوم). هذه الطائرات القديمة لم تخرج من الخدمة، بل بالعكس، في اطار صفقة "تايفون" توجد ترميمات وتحسينات من هذه الطائرات.
اذا تحققت هذه المشتريات، فيدور الحديث إذن عن توسع كبير في سلاح الجو السعودي، وبالاخص في عنصر طائراته القتالية. وسيستدعي الامر تأهيلا للقوى البشرية بحجوم كبيرة – حتى لو افترضنا مثلما في الماضي سيعتمد السعوديون على منظومة الصيانة والارشاد التي تقوم اساسا في معظمها على العمال الاجانب مشكوك اذا كان بوسع السعودية، حيث الخدمة العسكرية ليست الزامية، ايجاد ما يكفي من الاشخاص لملء هذا التوسع.
خلاصة
في السنوات الاخيرة طلبت العربية السعودية سلاحا بحجم كبير، سواء من الولايات المتحدة او من غيرها من الدول. قدرات الدولة على الشراء، بل واكثر من ذلك على استيعاب منظومات سلاح بحجوم بهذا القدر – محدودة، والاحتمالية هي ان تكون مستعدة لان تستثمر مبالغ بحجوم كبيرة جدا - طفيفة.
دليل على ذلك يمكن أن نجده في الفارق بين رفع الطلبات كما جاء تعبيره في البيانات من الادارة الى الكونغرس، وبين العقود التي وقعت بالفعل. تبرز على نحو خاص حقيقة انه باستثناء صفقة "تايفون" فانها من أجل تجديد معدات الحرس الوطني السعودي. وهذا هو الجسم الذي كان الملك عبدالله يقف على رأسه عندما تسلم المملكة، وبقي عزيزا على قلب الملك. وهو يحمي النظام القائم اكثر مما يدافع عن البلاد في وجه أي تهديد خارجي.
البيان عن المبيعات ينسجم مع سياسة ادارة اوباما في تعزيز قدرة الدفاع لدى حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، في ضوء التهديد الايراني. يبدو، انه في حالة السعودية، البقرة تريد أن ترضع اكثر بكثير مما يريد العجل ان يرضع.
http://www.samanews.com/index.php?act=Show&id=74735