يوم 28 سبتمبر 1970..
جمال عبدالناصر يتوفى بعد أن قال لأطبائه: «الحمد لله أنا دلوقتى استريحت»..
طلبت السكرتارية الخاصة بالرئيس جمال عبدالناصر من طبيبه الخاص الدكتور منصور فايز، أن يتوجه فورًا إلى منزل الرئيس فى منشية البكرى بالقاهرة، وكان هناك طبيبه الخاص أيضًا الدكتور الصاوى حبيب.
توجه «فايز» فى الحال ووصل فى الساعة الرابعة وخمسين دقيقة يوم 28 سبتمبر «مثل هذا اليوم» من عام 1970، حسبما يؤكد فى مذكراته «مشوارى مع عبدالناصر» عن «دار الحرية - القاهرة»، وتروى السيدة تحية، قرينة الرئيس فى مذكراتها «ذكريات معه» عن «دار الشروق - القاهرة» أنه حين حضر منصور فايز «قلت له بالحرف الواحد: لما بأشوفك بأعرف إن الرئيس تعبان وبأكون مشغولة، فرد: أنا معتاد أن أحضر كل أسبوع يوم الاثنين واليوم الاثنين.. ودخل للرئيس».
يؤكد فايز، أن الدكتور الصاوى أبلغه فى كلمات سريعة موجزة أن الرئيس أحس بالتعب أثناء توديعه أمير الكويت الشيخ صباح سالم الصباح فى المطار، وأنه فحصه وأجرى له رسمًا كهربائيًا للقلب، وتبين وجود جلطة فى الشريان التاجى مصحوبة باضطراب فى ضربات القلب، وأنه بدأ العلاج فورًا، ويذكر الدكتور الصاوى فى مذكراته عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «لاحظت وجود عرق بارد على جبهته، كما كان وجهه شاحبًا بعض الشىء، وكان النبض سريعًا خيطيًا يكاد ألا يكون محسوسًا، كما كان ضغط الدم بالغ الانخفاض وكانت أطرافه باردة».
يضيف فايز: «دخلت حجرة الرئيس فوجدته راقدًا على سريره مرتديًا البيجامة، كان يبدو عليه الإرهاق الشديد، ومتعبًا من ضربات القلب، ولكن كان رابط الجأش لا تبدو عليه أية أعراض للقلق، بادرنى مبتسمًا حين رآنى: «إزاى عرفوا يجيبوك دلوقت؟»، ثم استطرد عن الأسبوع الذى قضاه فى مؤتمر القمة بفندق الهيلتون: «تعبونى جدًا فى الأيام اللى فاتت»، كان يشير إلى مؤتمر القمة العربية الطارئ الذى دعا إليه، لإنهاء القتال بين الجيش الأردنى والمقاتلين الفلسطينيين الذى نشب منذ 17 سبتمبر 1970.
يواصل «فايز»: «كنا- فريق الأطباء- نخرج وندخل كثيرًا بين غرفة نومه وبين حجرة مكتبه الملاصقة، حيث كنا نحتفظ بجميع الأجهزة لعلاج جلطة الشريان التاجى إثر إصابته بالنوبة الأولى قبل عام، كانت وجوهنا جادة تعكس التفكير والتركيز، بينما ظل على هدوئه مسيطرًا على أعصابه، لم يسألنى ما الخبر؟ ولم يستفسر ليفسح المجال لنا لنؤدى واجبنا دون أسئلة منه، ولكنى أذكر أنه قال لى وأنا منهمك فى علاجه: «أنا مش حارقد المرة دى، عندى مواعيد وشغل كتير الفترة اللى جاية»، قالها وجهاز رسم القلب فى ذراعيه وساقيه».
يضيف «فايز»: «فى الساعة الخامسة مد يده إلى جهاز الراديو بجانب سريره، واستمع إلى موجز نشرة الأخبار من إذاعة القاهرة، وقال: «ما فيش حاجة». ثم طلب قفل الراديو واستطرد: نيكسون «الرئيس الأمريكى» كان عامل لى مظاهرة فى نابولى، وكنت عايز أعرف إيه الأخبار؟»، يضيف فايز: «فى الوقت نفسه كان يريد أن يعرف ردود الفعل الخارجية على قرارات القمة».
يؤكد «فايز»: «تحسنت ضربات القلب، وقال جمال: «الحمد لله، أنا دلوقت استريحت»، وكانت تلك هى آخر كلماته، فما هى إلا لحظات وتوقف القلب فجأة، ولم يستجب إلى محاولاتنا البائسة بالتدليك والصدمات الكهربائية، وأدركت أن الأمر قضى. كان متنبها طول الوقت ولم يدخل فى غيبوبة من أى نوع حتى الوفاة».
يعلق الصاوى حبيب: «استراح جمال كما جاء فى آخر عبارة قالها، استراح كما جاء فى دعاء «اللهم أجعل الموت راحة لنا من كل أمر»، ومضيت إلى آخر الحجرة وفى داخلى شعور بالحزن والمرارة، وعلى السلم الداخلى فى المنزل وجدتنى أقول لمن وجدته فى الخارج من أهل المنزل: «خلاص مفيش فايدة»، تتذكر السيدة تحية: «وجدت الكل يخرج وينزل السلالم فدخلت مسرعة، رأيت حسين الشافعى يخرج من الحجرة يبكى ويقول: مش معقول يا ريس، وحضر خالد وعبدالحكيم «ابناهما» فى هذه اللحظة، ولم يكونا فى البيت، ولا يدريان شيئاً، ودخلا مسرعين، وحضرت هدى وكانت لا تعلم بما جرى بعد ذهابها لبيتها، دخلت ووقفت بجواره أقبله وأبكيه، ثم خرجت من الحجرة لألبس ملابس الحداد».
يذكر الصاوى نمط الحياة التى عاشها عبدالناصر فى عامه الأخير: «بانتهاء مؤتمر القمة، كان عام مر على الأزمة القلبية الأولى التى كان يتعين أن يغير نمط حياته بعدها، ولكنه بذل فى هذا العام مجهودًا فوق الطاقة فقد كان يعمل أكثر من 18 ساعة يومياً».!!