الشيخ حافظ سلامة يستكمل: الشارع المصري مهيأ لتطبيق الشريعة والعقبة في القيود المفروضة عليه.
2 - 8 - 2008
أجرى الحوار : أسامة الهتيمي
في الحلقة الأولى من حوارنا مع الشيخ حافظ سلامة، شيخ المقاومة الإسلامية في السويس خلال حرب رمضان / أكتوبر عام 1973، أكد فضيلته أن حرص كل مسلم على العقيدة الإسلامية والإصرار على الموت في سبيلها كفيل بأن لا تقوم للصليبية العالمية ـ التي تحاربنا اليوم ـ أية قائمة، وهو ما تشهد به الأحداث، سواء في أفغانستان أو العراق اللذين يشهدان معارك شرسة، جعلت الحلفاء الصليبين يصرخون نتيجة الخسائر الفادحة التي يمنون بها كل يوم.
وفي هذه الحلقة نواصل حوارنا مع الشيخ حافظ سلامة، والذي نعرج خلاله على العديد من المحطات الأخرى سواء المرتبطة بجهاده في حرب السويس أو تلك المعارك السياسية التي خاضها؛ من أجل الدفاع عن الهوية الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية أو تلك المتعلقة بشخصيته ومؤثرات تكوينها.
فإلى الجزء الثاني من الحوار.
* تحدثنا عن إنجازات المقاومة الشعبية في السويس وما حققته.. هل ثمة فروق بين المقاومة أيام السويس والمقاومة في الوقت الحاضر؟
** المقاومة ـ الآن ـ لديها استعدادات ومعدات لملاقاة العدو، أما أيام السويس فلم يكن هذا، وأذكر أننا في مدى ساعات من غروب شمس يوم 23 أكتوبر إلى صباح 24 أكتوبر - حوالي 12 ساعة - استطعنا ـ بفضل الله ـ أن ننظم صفوف المقاومة من أبناء السويس ومن القوات المسلحة ولم يسبق هذا التنظيم أي إعداد، ولم يكن لدينا أية أسلحة قط، وقد تجمع كل هذا في 12 ساعة.. أما هم الآن عندهم إمكانيات .. لهذا أقول لهم: إلى متى هذه المذلة؟ وكيف ترضون بها؟
* سمعنا عن عدة كرامات حدثت خلال معارك المقاومة بالسويس مثل حكاية جثمان الشهيد إبراهيم سليمان .. هل لكم أن تحدثونا عنها؟
** إبراهيم محمد سليمان ـ رحمة الله عليه ـ أقولها لله وللتاريخ، كان ـ دائمًا ـ يقوم الليل في مسجد الشهداء، وكان دائمًا مواظبًا على قراءة القرآن، وكان دائمًا يستعمل السواك، وقبل أن يستشهد أعطاني ساعته ومظروف به بعض النقود – راتبه الشهري – وقال لي: إذا بلغك نبأ استشهادي فعليك أن تعطي هذه الأمانة إلى أمي، وتسلم عليها، وأن تقوم بدفني وتجهيزي.. فجاءني خبر استشهاده وهممت بالقيام بوصيته ودفنه، ولكنني لم أستطع أن أخرج من مسجد الشهداء؛ لأني كنت أوزع الذخائر والأسلحة على رجال المقاومة وكنت أوجههم، فخروجي لدفن الشهيد كان سيعوق الاستمرار في تنظيم رجال المقاومة، فكنت أتألم كثيرًا وقلبي يدمي، إذ كيف أنفذ الوصية في هذا الوضع، وهداني الله إلى أن أؤجل تنفيذ الوصية، وشاء الله بعد حوالي تسعين يومًا أن جاءت القوات المسلحة المصرية، وأرادت تنظيم مقابر الشهداء، وكانت جثة الأخ إبراهيم مدفونة في أحد الشوارع، وأرادوا نقلها لمقبرة جديدة، فجئت بكفن جيد وعطور لنقل رفاته، فما أن قمت بحفر المقبرة، فإذا بي أجد الجثمان ملفوفًا في بطانية كغطاء، ووجدت الغطاء ثقيلاً.. فما أن كشفت عن وجهه حتى وجدت وجهه يبتسم وأسنانه البيضاء من السواك تلمع وشعره مصفف، كأنه خارج لتوه من الحمام، فناديت على جميع زملائي، وقلت لهم: مَن أراد أن يرى شهيدًا كان مخلصًا لله فلينظر إلى الأخ إبراهيم، وقد صدرت منه رائحة طيبة وزكية، ولذلك عدت مرة أخرى بالكفن والعطور التي جئت بهما.
* كانت لكم أحلام في عام 1973، ما الفرق بين هذه الأحلام والواقع في 2008؟
** كانت أمنيتنا هي كيف نجلي العدو عن أرضنا، خاصة كما قلت أنه ليس عندنا استعداد أكثر من اعتمادنا وتوكلنا على الله، فكان الله معنا وهو الذي نصرنا: { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: من الآية7].
* وماذا عن الواقع في 2008؟
** في ظل هذا النظام، الواقع أليم جدًا، ومُر جدًا، ولكن الأمل ـ بإذن الله ـ أنه ستكون هناك انتفاضة قريبة إن شاء الله.
* على الرغم من مرور ما يقرب من ستين عامًا على وجود الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلها العرب والمسلمون من أجل استئصاله إلا أننا نراه يزداد قوة يوما بعد يوم .. ما رأيكم؟
** لأن حكامنا كذابون وهم يوالون هذا النظام الصهيوني الأمريكي ويتعاملون معه باعتباره أكثر من صديق، وبالتالي كما قلت: لم ولن يكون هناك أمل في هذه الأنظمة. فمن الذي سلم القدس والمسجد الأقصى إلى إسرائيل؟ هل انطلقت أية دانة أو أية طلقة رصاص من إسرائيلي؟ كلا، وإنما تم تسليمهم كل ذلك على طبق من فضة، فهؤلاء الحكام لا أمل فيهم.
* في بداية الصراع لم يكن هناك خلاف بين الجميع على ضرورة إنهاء هذا الكيان لكن الآن أصبح الأمر مختلف .. كيف ترى هذا الأمر؟
** في عام 48، عندما كان هناك مقاومة كنا نكوّن الكتائب في المساجد ومن المنابر ننادي للجهاد وندعو إلى تنظيم هذه الكتائب، ولكن للأسف أصبحنا الآن، كما قلت بالأمس للقيادة السياسية، كل حدودنا مفتوحة لكل العالم، ما عدا إخواننا الفلسطينيين. فالإسرائيليون يدخلون ويخرجون إلى مصر بدون قيد أو شرط، غير أن الفلسطيني محظور عليه دخول أرض مصر، فالمعابر مفتوحة للكل ما عدا الفلسطينيين فقط .. هل هذه معاملة؟ وهل لهذا علاقة بالإسلام؟ إنني أتحدى النظام المصري أن يذكر أن هناك أية دولة من دول العالم يحرم على رعاياها دخول مصر إلا الفلسطينيين.
* كان هناك اتفاق على استئصال هذا الكيان غير أنه مع مرور الوقت حدث قبول بوجوده، بل أصبح رجال الأعمال يطبعون مع إسرائيل.. أليس في هذا نصر لإسرائيل؟
** أقول لك: إن التطبيع مقصور على حكامنا وأنظمتنا، أما بقية الأمة ـ ولله الحمد ـ عندما تعرف أن هذه البضائع إسرائيلية ترفضها .. فالوعي في الشعوب خلاف الوضع عند الحكام .. لابد أن نفرق بين الحكام والشعوب، لذا قلت: إن المستقبل للإسلام وسوف تكون نهضة إسلامية غير مسبوقة.
* تباينت مواقفكم وعلاقتكم بحكام مصر منذ يوليو 1952، غير أن الخيط الذي يربط بينهم جميعًا هو السجن والاعتقال .. لماذا هذه الحالة العدائية بينكم وبين الحكام؟
** أولاً: لا عداء بيني وبين أحد من الحكام، العداء الوحيد عدم هو عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وعملهم ضد الإسلام، وبالتالي يمارسون الضغوط على الدعوة الإسلامية ويتركون الصليبية العالمية تمرح على أرض مصر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.
* لكم موقف معلوم من أحداث يوليو 1952 التي تعتبرونها انقلابًا، على الرغم مما حققته للشعب من مكتسبات كفلت حق التعليم وتوزيع الأرض على الفلاحين وعلى الرغم من الدعم والتأييد الشعبي والجماهيري .. أولاً: لماذا هذا الموقف؟ وثانيًا: هل ما زال موقفكم منها كما هو بعد كل هذه السنوات؟
** لا زلت أعتقد أن هذه النقلة في عام 1952 كانت ضد الإسلام وضد الاقتصاد المصري على أرض مصر.. انظروا الآن إلى مصر ستجدونها مصر المقيدة .. لقد كانت إنجلترا وغيرها في العهد السابق مدينة لمصر أما الآن فقد أصبحنا نتسول على موائد اللئام ..الجنيه المصري الآن لا يساوي شيئا قط.. كان الجنيه المصري يزيد عن نظيره الإسترليني 25 مليمًا، أما اليوم فإن الجنيه المصري بالنسبة للإسترليني 1 إلى 10 .. وكان الجنيه المصري يساوي 13.5 ريال سعودي، أما اليوم فالريال السعودي يساوي أكثر من جنيه ونصف مصري.
* لكن هناك مكتسبات أخرى مثل بناء المدن الصناعية والمصانع وانتشار التعليم .. إلخ.
** هذا كان خداع، والحقيقة أنه لم تزد الرقعة الزراعية في عهد الثورة، فهو أخذ وأعطى فقط، ولم يزد شيئًا، ولم يتم استصلاح أراضي إلا النادر، وهذا النادر لا يفي بحاجة التطور السكاني في مصر.. أتحداك وأتحدى أي مسئول أن يذهب إلى مستشفي من المستشفيات لعلاج أي مصري .. فالمستشفيات خالية من كل أنواع الأدوية حتى القطن والشاش حتى السرنجات .. أما قبل الثورة كان التعليم مجاني والمستشفيات فيها جميع الإمكانيات.
* لكن نسب التعليم كانت منخفضة والفقر مدقع.
** هذا ما قرأتموه أما نحن فشاهدناه .. أنتم قرأتم كلام الانقلاب .. أين كنتم أنتم حتى تحكمون على ما كنا عليه؟
كنا نتمتع في مصر بكل حرية، وبالتالي كان الخير عندنا في مصر، حتى أضرب مثلا كنا نقول 15 بقرش يا بيض، خمس عشرة بيضة بعشر مليمات، فهل نحن الآن في خير يا أخي؟ انظر إلى الجنيه المصري مقارنة بالعملات الأجنبية، بل إن الجنيه السوداني أصبح بسبعة مصري فاقتصادنا انهار تمامًا.
* أنتم لم تترددوا في إعلان موقفكم الصريح والرافض من زيارة السادات لإسرائيل كيف جاء هذا الموقف؟
** أنا أعلنتها بكل صراحة، وفي صلاة العيد وفي أرض السويس وكان السادات يصلي في مسجد قريب وعندي رجال المخابرات، فقلت لهم بلغوا السادات أن لا يذهب إلى كامب ديفيد؛ لأنه سوف يأتي لنا بالعار، لأنه ليس أكثر دهاء من الإسرائيليين، وإنما سوف يعود بالعار، قلتها قبل أن يتحرك السادات من أرض السويس لكامب ديفيد ..أما عند زيارة القدس فقد كنت وقتها في الحج وكان معنا هناك حسن التهامي وخلع ملابس الإحرام وترك الحج وهو في مِنى، بمجرد أن استدعاه السادات؛ ليصحبه في زيارته للقدس، وهناك أعلنتها وأنا في منى أيضًا، وقلت له: يا حسن، يا تهامي، هل تخلع ملابس الإحرام وتذهب للجحيم في هذه الزيارة المشئومة؟
* لماذا لم تتخذ الحركة الإسلامية وقتها موقفًا تكتيكيًا لاحتواء السادات؟
** دعنا نتكلم بصراحة: أين هي الحركة الإسلامية؟ أنا لا أريد أن أدخل في التجريح، وإذا دخلت في التجريح سأمسك كل حركة وأتكلم فيها.
* في بداية عهد الرئيس مبارك، وبالتحديد في عام 1984 خرجتم في مسيرة شعبية أطلقتم عليها المسيرة الخضراء للمطالبة بتطبيق الشريعة .. هل كانت هذه المسيرة محاولة لجس نبض النظام؟
** رفعت المحجوب، وكان وقتها رئيسًا لمجلس الشعب، رفض المحادثات أو فتح ملفات تطبيق الشريعة، وقال لصلاح أبو إسماعيل وغيره من الإسلاميين: إننا لن نتحدث في تطبيق الشريعة الإسلامية، فاتفقت مع صلاح أبو إسماعيل ومجموعة من الإسلاميين البرلمانيين على أن نخرج في مسيرة من مسجد النور بالعباسية، متجهة إلى رئاسة الجمهورية لمطالبة الرئيس بتطبيق الشريعة، ووافقوا على ذلك، إلا أن رفعت المحجوب هدد الأخوة البرلمانيين في مجلس الشعب، فتراجعوا وأعلنوا يوم الأربعاء في مجلة آخر ساعة أنهم تبرءوا من حافظ سلامة، ومن المسيرة الخضراء وأن حافظ سلامة هو من خطط لهذه المسيرة الخضراء، وعليه فقد قبلت هذا الخروج منهم، والحمد لله نفذت المسيرة، واستطعت أن أجبر القيادة السياسية على الاختباء يومها، وانطلقت الدبابات والمصفحات في أرض العرض؛ انتظارًا لملاقاة المسيرة، وأعلنت حالة الطوارئ في القوات المسلحة، وفي الشرطة للتصدي للمسيرة، ورأيت استعدادًا لإطلاق الذخيرة الحية على أفراد المسيرة، فوجدت أن المعادلة صعبة إن خرجت، حيث شاهدت أمام عيني الأسلحة، وهي مصوبة من الشرفات والأسطح وكوبري 6 أكتوبر، فالكل مستعد لضرب المسيرة، فهي معادلة غير متعادلة، فقلت أمام أجهزة الإعلام الأجنبية: سأفوت عليك أيتها القيادة السياسية الفرصة، فإذا كنت تريدينها معركة دموية ضد هذا الشعب، فأقول لك: إن نقطة دم لأي فرد عندي أغلى من الدنيا وما فيها، وسأرجئ المسيرة لوقت لاحق؛ حتى أفوت عليك هذه الحشود التي حشدتها لتكون معركة دموية.
* هل ترون أن الشارع المصري مهيأ لتطبيق الشريعة؟
** الشارع المصري مهيأ كل التهيئة، وعنده استعداد كامل لتطبيق الشريعة، ولكن النظام والقيود المفروضة على الشعب هي التي تحول بينه وبين الشريعة، ولكن الشارع كله مع الشريعة وسوف تطبق عما قريب.
* ما هي المؤثرات التي أسهمت في تكوين شخصية حافظ سلامة؟
** أنا تربيت في الكتاب وتخرجت منه، وأكرمني الله بأبوين متدينين والحمد لله، فوالدي كان من قوّام الليل، وهذا أثَّر فيّ كثيرًا، وكذلك حبي لإخواننا من شباب محمد، أمثال: الأستاذ محمد يوسف، والأستاذ راغب خير الدين ومحمد فهمي أبو بكر وغيرهم، إذ رأيت فيهم نماذج طيبة، كذلك فإن حبي للجهاد جعلني لا أترك معركة من المعارك، منذ المقاومة ضد الإنجليز إلا وخضتها، بفضل الله تعالى، كما شاركت في المقاومة بعد هزيمة 1967، وقد حزت، حينذاك، رضا جميع القادة العسكريين، وبالتالي أخذت من المخابرات العسكرية تصريحًا بدخول أي موقع عسكري على طول الجبهة بالطربوش فقط، ومن كان مع حافظ سلامة يدخل أي موقع، فما كان محرمًا على القادة العسكريين من أسرار كنت أعلم بها قبل وقوعها، وخاصة عندما كانت تقوم مجموعة بعملية استطلاعية هجومية على العدو، فكانوا يأتون إلى مسجد الشهداء، وأجلس معهم قبل خروجهم وأطمئن عليهم بعد عودتهم وأقوم بعمل حفلة لانتصاراتهم.
* كيف تقضي يومك؟
** أنا لا أستطيع أن أنام من الليل إلا ثلاث ساعات، وهذا نصيبي في اليوم وطوال اليوم بين المساجد والمدارس وحلقات تحفيظ القرآن وبين إنشاء المدارس والمساجد والمستشفيات وإداراتها وممارسة النشاط الدعوي .. وأسأل الله أن يبارك لي في هذا العمل، ويتقبله وأن يرزقني بمن يقوم به بعدي.
* ماذا عن علاقتك بأسرتك وأولادك؟
** كل أبناء المسلمين أولادي.
* وماذا عن زيك الشخصي وتمسككم بالطربوش؟
** بمجرد أن أذهب إلى المسجد، أخلع هذا الزي، وارتدي الجلباب والطاقية .. أما الطربوش فهو رمز لعهد سابق كانت فيه الحرية والكرامة لأبناء مصر، أما هذا العهد فهو عهد أسود، وأنا أرتدي هذا الطربوش عن قصد، فضلاً عن أنه ليس هناك غطاء للرأس وأنا معتاد على غطاء الرأس.
* سمعتم بالطبع عن قانون منع التظاهرات في المساجد ما رأيكم في هذا القانون؟
** القيادة السياسية لو استطاعت تقييدنا بالسلاسل لفعلت.
2 - 8 - 2008
أجرى الحوار : أسامة الهتيمي
في الحلقة الأولى من حوارنا مع الشيخ حافظ سلامة، شيخ المقاومة الإسلامية في السويس خلال حرب رمضان / أكتوبر عام 1973، أكد فضيلته أن حرص كل مسلم على العقيدة الإسلامية والإصرار على الموت في سبيلها كفيل بأن لا تقوم للصليبية العالمية ـ التي تحاربنا اليوم ـ أية قائمة، وهو ما تشهد به الأحداث، سواء في أفغانستان أو العراق اللذين يشهدان معارك شرسة، جعلت الحلفاء الصليبين يصرخون نتيجة الخسائر الفادحة التي يمنون بها كل يوم.
وفي هذه الحلقة نواصل حوارنا مع الشيخ حافظ سلامة، والذي نعرج خلاله على العديد من المحطات الأخرى سواء المرتبطة بجهاده في حرب السويس أو تلك المعارك السياسية التي خاضها؛ من أجل الدفاع عن الهوية الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية أو تلك المتعلقة بشخصيته ومؤثرات تكوينها.
فإلى الجزء الثاني من الحوار.
* تحدثنا عن إنجازات المقاومة الشعبية في السويس وما حققته.. هل ثمة فروق بين المقاومة أيام السويس والمقاومة في الوقت الحاضر؟
** المقاومة ـ الآن ـ لديها استعدادات ومعدات لملاقاة العدو، أما أيام السويس فلم يكن هذا، وأذكر أننا في مدى ساعات من غروب شمس يوم 23 أكتوبر إلى صباح 24 أكتوبر - حوالي 12 ساعة - استطعنا ـ بفضل الله ـ أن ننظم صفوف المقاومة من أبناء السويس ومن القوات المسلحة ولم يسبق هذا التنظيم أي إعداد، ولم يكن لدينا أية أسلحة قط، وقد تجمع كل هذا في 12 ساعة.. أما هم الآن عندهم إمكانيات .. لهذا أقول لهم: إلى متى هذه المذلة؟ وكيف ترضون بها؟
* سمعنا عن عدة كرامات حدثت خلال معارك المقاومة بالسويس مثل حكاية جثمان الشهيد إبراهيم سليمان .. هل لكم أن تحدثونا عنها؟
** إبراهيم محمد سليمان ـ رحمة الله عليه ـ أقولها لله وللتاريخ، كان ـ دائمًا ـ يقوم الليل في مسجد الشهداء، وكان دائمًا مواظبًا على قراءة القرآن، وكان دائمًا يستعمل السواك، وقبل أن يستشهد أعطاني ساعته ومظروف به بعض النقود – راتبه الشهري – وقال لي: إذا بلغك نبأ استشهادي فعليك أن تعطي هذه الأمانة إلى أمي، وتسلم عليها، وأن تقوم بدفني وتجهيزي.. فجاءني خبر استشهاده وهممت بالقيام بوصيته ودفنه، ولكنني لم أستطع أن أخرج من مسجد الشهداء؛ لأني كنت أوزع الذخائر والأسلحة على رجال المقاومة وكنت أوجههم، فخروجي لدفن الشهيد كان سيعوق الاستمرار في تنظيم رجال المقاومة، فكنت أتألم كثيرًا وقلبي يدمي، إذ كيف أنفذ الوصية في هذا الوضع، وهداني الله إلى أن أؤجل تنفيذ الوصية، وشاء الله بعد حوالي تسعين يومًا أن جاءت القوات المسلحة المصرية، وأرادت تنظيم مقابر الشهداء، وكانت جثة الأخ إبراهيم مدفونة في أحد الشوارع، وأرادوا نقلها لمقبرة جديدة، فجئت بكفن جيد وعطور لنقل رفاته، فما أن قمت بحفر المقبرة، فإذا بي أجد الجثمان ملفوفًا في بطانية كغطاء، ووجدت الغطاء ثقيلاً.. فما أن كشفت عن وجهه حتى وجدت وجهه يبتسم وأسنانه البيضاء من السواك تلمع وشعره مصفف، كأنه خارج لتوه من الحمام، فناديت على جميع زملائي، وقلت لهم: مَن أراد أن يرى شهيدًا كان مخلصًا لله فلينظر إلى الأخ إبراهيم، وقد صدرت منه رائحة طيبة وزكية، ولذلك عدت مرة أخرى بالكفن والعطور التي جئت بهما.
* كانت لكم أحلام في عام 1973، ما الفرق بين هذه الأحلام والواقع في 2008؟
** كانت أمنيتنا هي كيف نجلي العدو عن أرضنا، خاصة كما قلت أنه ليس عندنا استعداد أكثر من اعتمادنا وتوكلنا على الله، فكان الله معنا وهو الذي نصرنا: { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: من الآية7].
* وماذا عن الواقع في 2008؟
** في ظل هذا النظام، الواقع أليم جدًا، ومُر جدًا، ولكن الأمل ـ بإذن الله ـ أنه ستكون هناك انتفاضة قريبة إن شاء الله.
* على الرغم من مرور ما يقرب من ستين عامًا على وجود الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلها العرب والمسلمون من أجل استئصاله إلا أننا نراه يزداد قوة يوما بعد يوم .. ما رأيكم؟
** لأن حكامنا كذابون وهم يوالون هذا النظام الصهيوني الأمريكي ويتعاملون معه باعتباره أكثر من صديق، وبالتالي كما قلت: لم ولن يكون هناك أمل في هذه الأنظمة. فمن الذي سلم القدس والمسجد الأقصى إلى إسرائيل؟ هل انطلقت أية دانة أو أية طلقة رصاص من إسرائيلي؟ كلا، وإنما تم تسليمهم كل ذلك على طبق من فضة، فهؤلاء الحكام لا أمل فيهم.
* في بداية الصراع لم يكن هناك خلاف بين الجميع على ضرورة إنهاء هذا الكيان لكن الآن أصبح الأمر مختلف .. كيف ترى هذا الأمر؟
** في عام 48، عندما كان هناك مقاومة كنا نكوّن الكتائب في المساجد ومن المنابر ننادي للجهاد وندعو إلى تنظيم هذه الكتائب، ولكن للأسف أصبحنا الآن، كما قلت بالأمس للقيادة السياسية، كل حدودنا مفتوحة لكل العالم، ما عدا إخواننا الفلسطينيين. فالإسرائيليون يدخلون ويخرجون إلى مصر بدون قيد أو شرط، غير أن الفلسطيني محظور عليه دخول أرض مصر، فالمعابر مفتوحة للكل ما عدا الفلسطينيين فقط .. هل هذه معاملة؟ وهل لهذا علاقة بالإسلام؟ إنني أتحدى النظام المصري أن يذكر أن هناك أية دولة من دول العالم يحرم على رعاياها دخول مصر إلا الفلسطينيين.
* كان هناك اتفاق على استئصال هذا الكيان غير أنه مع مرور الوقت حدث قبول بوجوده، بل أصبح رجال الأعمال يطبعون مع إسرائيل.. أليس في هذا نصر لإسرائيل؟
** أقول لك: إن التطبيع مقصور على حكامنا وأنظمتنا، أما بقية الأمة ـ ولله الحمد ـ عندما تعرف أن هذه البضائع إسرائيلية ترفضها .. فالوعي في الشعوب خلاف الوضع عند الحكام .. لابد أن نفرق بين الحكام والشعوب، لذا قلت: إن المستقبل للإسلام وسوف تكون نهضة إسلامية غير مسبوقة.
* تباينت مواقفكم وعلاقتكم بحكام مصر منذ يوليو 1952، غير أن الخيط الذي يربط بينهم جميعًا هو السجن والاعتقال .. لماذا هذه الحالة العدائية بينكم وبين الحكام؟
** أولاً: لا عداء بيني وبين أحد من الحكام، العداء الوحيد عدم هو عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وعملهم ضد الإسلام، وبالتالي يمارسون الضغوط على الدعوة الإسلامية ويتركون الصليبية العالمية تمرح على أرض مصر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.
* لكم موقف معلوم من أحداث يوليو 1952 التي تعتبرونها انقلابًا، على الرغم مما حققته للشعب من مكتسبات كفلت حق التعليم وتوزيع الأرض على الفلاحين وعلى الرغم من الدعم والتأييد الشعبي والجماهيري .. أولاً: لماذا هذا الموقف؟ وثانيًا: هل ما زال موقفكم منها كما هو بعد كل هذه السنوات؟
** لا زلت أعتقد أن هذه النقلة في عام 1952 كانت ضد الإسلام وضد الاقتصاد المصري على أرض مصر.. انظروا الآن إلى مصر ستجدونها مصر المقيدة .. لقد كانت إنجلترا وغيرها في العهد السابق مدينة لمصر أما الآن فقد أصبحنا نتسول على موائد اللئام ..الجنيه المصري الآن لا يساوي شيئا قط.. كان الجنيه المصري يزيد عن نظيره الإسترليني 25 مليمًا، أما اليوم فإن الجنيه المصري بالنسبة للإسترليني 1 إلى 10 .. وكان الجنيه المصري يساوي 13.5 ريال سعودي، أما اليوم فالريال السعودي يساوي أكثر من جنيه ونصف مصري.
* لكن هناك مكتسبات أخرى مثل بناء المدن الصناعية والمصانع وانتشار التعليم .. إلخ.
** هذا كان خداع، والحقيقة أنه لم تزد الرقعة الزراعية في عهد الثورة، فهو أخذ وأعطى فقط، ولم يزد شيئًا، ولم يتم استصلاح أراضي إلا النادر، وهذا النادر لا يفي بحاجة التطور السكاني في مصر.. أتحداك وأتحدى أي مسئول أن يذهب إلى مستشفي من المستشفيات لعلاج أي مصري .. فالمستشفيات خالية من كل أنواع الأدوية حتى القطن والشاش حتى السرنجات .. أما قبل الثورة كان التعليم مجاني والمستشفيات فيها جميع الإمكانيات.
* لكن نسب التعليم كانت منخفضة والفقر مدقع.
** هذا ما قرأتموه أما نحن فشاهدناه .. أنتم قرأتم كلام الانقلاب .. أين كنتم أنتم حتى تحكمون على ما كنا عليه؟
كنا نتمتع في مصر بكل حرية، وبالتالي كان الخير عندنا في مصر، حتى أضرب مثلا كنا نقول 15 بقرش يا بيض، خمس عشرة بيضة بعشر مليمات، فهل نحن الآن في خير يا أخي؟ انظر إلى الجنيه المصري مقارنة بالعملات الأجنبية، بل إن الجنيه السوداني أصبح بسبعة مصري فاقتصادنا انهار تمامًا.
* أنتم لم تترددوا في إعلان موقفكم الصريح والرافض من زيارة السادات لإسرائيل كيف جاء هذا الموقف؟
** أنا أعلنتها بكل صراحة، وفي صلاة العيد وفي أرض السويس وكان السادات يصلي في مسجد قريب وعندي رجال المخابرات، فقلت لهم بلغوا السادات أن لا يذهب إلى كامب ديفيد؛ لأنه سوف يأتي لنا بالعار، لأنه ليس أكثر دهاء من الإسرائيليين، وإنما سوف يعود بالعار، قلتها قبل أن يتحرك السادات من أرض السويس لكامب ديفيد ..أما عند زيارة القدس فقد كنت وقتها في الحج وكان معنا هناك حسن التهامي وخلع ملابس الإحرام وترك الحج وهو في مِنى، بمجرد أن استدعاه السادات؛ ليصحبه في زيارته للقدس، وهناك أعلنتها وأنا في منى أيضًا، وقلت له: يا حسن، يا تهامي، هل تخلع ملابس الإحرام وتذهب للجحيم في هذه الزيارة المشئومة؟
* لماذا لم تتخذ الحركة الإسلامية وقتها موقفًا تكتيكيًا لاحتواء السادات؟
** دعنا نتكلم بصراحة: أين هي الحركة الإسلامية؟ أنا لا أريد أن أدخل في التجريح، وإذا دخلت في التجريح سأمسك كل حركة وأتكلم فيها.
* في بداية عهد الرئيس مبارك، وبالتحديد في عام 1984 خرجتم في مسيرة شعبية أطلقتم عليها المسيرة الخضراء للمطالبة بتطبيق الشريعة .. هل كانت هذه المسيرة محاولة لجس نبض النظام؟
** رفعت المحجوب، وكان وقتها رئيسًا لمجلس الشعب، رفض المحادثات أو فتح ملفات تطبيق الشريعة، وقال لصلاح أبو إسماعيل وغيره من الإسلاميين: إننا لن نتحدث في تطبيق الشريعة الإسلامية، فاتفقت مع صلاح أبو إسماعيل ومجموعة من الإسلاميين البرلمانيين على أن نخرج في مسيرة من مسجد النور بالعباسية، متجهة إلى رئاسة الجمهورية لمطالبة الرئيس بتطبيق الشريعة، ووافقوا على ذلك، إلا أن رفعت المحجوب هدد الأخوة البرلمانيين في مجلس الشعب، فتراجعوا وأعلنوا يوم الأربعاء في مجلة آخر ساعة أنهم تبرءوا من حافظ سلامة، ومن المسيرة الخضراء وأن حافظ سلامة هو من خطط لهذه المسيرة الخضراء، وعليه فقد قبلت هذا الخروج منهم، والحمد لله نفذت المسيرة، واستطعت أن أجبر القيادة السياسية على الاختباء يومها، وانطلقت الدبابات والمصفحات في أرض العرض؛ انتظارًا لملاقاة المسيرة، وأعلنت حالة الطوارئ في القوات المسلحة، وفي الشرطة للتصدي للمسيرة، ورأيت استعدادًا لإطلاق الذخيرة الحية على أفراد المسيرة، فوجدت أن المعادلة صعبة إن خرجت، حيث شاهدت أمام عيني الأسلحة، وهي مصوبة من الشرفات والأسطح وكوبري 6 أكتوبر، فالكل مستعد لضرب المسيرة، فهي معادلة غير متعادلة، فقلت أمام أجهزة الإعلام الأجنبية: سأفوت عليك أيتها القيادة السياسية الفرصة، فإذا كنت تريدينها معركة دموية ضد هذا الشعب، فأقول لك: إن نقطة دم لأي فرد عندي أغلى من الدنيا وما فيها، وسأرجئ المسيرة لوقت لاحق؛ حتى أفوت عليك هذه الحشود التي حشدتها لتكون معركة دموية.
* هل ترون أن الشارع المصري مهيأ لتطبيق الشريعة؟
** الشارع المصري مهيأ كل التهيئة، وعنده استعداد كامل لتطبيق الشريعة، ولكن النظام والقيود المفروضة على الشعب هي التي تحول بينه وبين الشريعة، ولكن الشارع كله مع الشريعة وسوف تطبق عما قريب.
* ما هي المؤثرات التي أسهمت في تكوين شخصية حافظ سلامة؟
** أنا تربيت في الكتاب وتخرجت منه، وأكرمني الله بأبوين متدينين والحمد لله، فوالدي كان من قوّام الليل، وهذا أثَّر فيّ كثيرًا، وكذلك حبي لإخواننا من شباب محمد، أمثال: الأستاذ محمد يوسف، والأستاذ راغب خير الدين ومحمد فهمي أبو بكر وغيرهم، إذ رأيت فيهم نماذج طيبة، كذلك فإن حبي للجهاد جعلني لا أترك معركة من المعارك، منذ المقاومة ضد الإنجليز إلا وخضتها، بفضل الله تعالى، كما شاركت في المقاومة بعد هزيمة 1967، وقد حزت، حينذاك، رضا جميع القادة العسكريين، وبالتالي أخذت من المخابرات العسكرية تصريحًا بدخول أي موقع عسكري على طول الجبهة بالطربوش فقط، ومن كان مع حافظ سلامة يدخل أي موقع، فما كان محرمًا على القادة العسكريين من أسرار كنت أعلم بها قبل وقوعها، وخاصة عندما كانت تقوم مجموعة بعملية استطلاعية هجومية على العدو، فكانوا يأتون إلى مسجد الشهداء، وأجلس معهم قبل خروجهم وأطمئن عليهم بعد عودتهم وأقوم بعمل حفلة لانتصاراتهم.
* كيف تقضي يومك؟
** أنا لا أستطيع أن أنام من الليل إلا ثلاث ساعات، وهذا نصيبي في اليوم وطوال اليوم بين المساجد والمدارس وحلقات تحفيظ القرآن وبين إنشاء المدارس والمساجد والمستشفيات وإداراتها وممارسة النشاط الدعوي .. وأسأل الله أن يبارك لي في هذا العمل، ويتقبله وأن يرزقني بمن يقوم به بعدي.
* ماذا عن علاقتك بأسرتك وأولادك؟
** كل أبناء المسلمين أولادي.
* وماذا عن زيك الشخصي وتمسككم بالطربوش؟
** بمجرد أن أذهب إلى المسجد، أخلع هذا الزي، وارتدي الجلباب والطاقية .. أما الطربوش فهو رمز لعهد سابق كانت فيه الحرية والكرامة لأبناء مصر، أما هذا العهد فهو عهد أسود، وأنا أرتدي هذا الطربوش عن قصد، فضلاً عن أنه ليس هناك غطاء للرأس وأنا معتاد على غطاء الرأس.
* سمعتم بالطبع عن قانون منع التظاهرات في المساجد ما رأيكم في هذا القانون؟
** القيادة السياسية لو استطاعت تقييدنا بالسلاسل لفعلت.