استخدمت عملية إعادة التزود بالوقود في الجو على نطاق واسع في الحروب الحديثة والتي ساهمت بشكل واضح في مسرح العمليات وأمنت تنفيذ الطائرات لمختلف مهامها بكل دقة وعلى مدار الساعة .
وقد استمر العمل وبشكل مستمر من قبل كثير من الدول الصناعية الكبرى في تطوير وصنع طائرات إرضاع جوي حديثة تفي بجميع الأغراض المطلوبة بكل سهولةٍ ويسر وبما يتواكب ومتطلبات المعركة الجوية الحديثة مستفيدةً في ذلك من وسائل التكنولوجيا الحديثة في إزالة كثير من المشاكل التي ظهرت في الجيل الأول من طائرات الإرضاع الجوي .
مفهوم التزود بالوقود جواً
مصطلح التزود بالوقود جواً (الإرضاع الجوي ) "Refueling" يقصد به إعادة التزود بالوقود جواً أي من طائرة إلى طائرة أخرى أثناء تنفيذ الرحلة دون توقف AAR ) Air to Air Refueling ).
نبذه تاريخية
كانت المملكة المتحدة UK هي الرائد والسباقة في هذا المجال ففي منتصف عام 1930م قام السيد " ألان كوبهام" القيام برحلة تجارية طويلة تم التزود خلالها بالوقود جواً.
ثم ظهرت وتعمقت هذه العملية بعد الحرب العالمية الثانية بشكل جلي وواضح نظراً للحاجة الماسة لذلك في تزويد المقاتلات بالوقود جواً .
وأثناء الحرب الباردة كانت الحاجة ماسة للتزود بالوقود جواً لضمان التأكد من إيصال القنابل النووية إلى قلب الدول المعادية مهما كان بعد هذه الدول .
ثم اتسع استخدام التزود بالوقود جواً وليس فقط للمقاتلات فحسب وإنما شمل معظم أنواع الطائرات كالقاذفات ، والنقل لتصل هذه الطائرات إلى أقصى المدايات وتحقق أهدافها بنجاح وتستمر في الأجواء لأوقات أطول .
وقد أثبتت الحروب مدى فعالية التزود بالوقود جواً كما أثبتت ذلك حرب فيتنام (1960-1970م) عندما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية طائرات الإرضاع الجوي لتزويد القاذفات والمقاتلات والطائرات الهجومية بالوقود جواً مما ساعد على تحقيق الضربات الجوية بنجاح على مدى الساعة ، والوصول إلى أقصى وأبعد الأهداف الإستراتيجية .
ونفس الأمر كذلك حصل في حرب " فوكولاند " وحرب الخليج الأولى عام 1990م حيث كان لعملية التزود بالوقود أثر بالغ في تحقيق النصر وحسم المعركة .
وخلال هذه الحروب قامت الدول الكبرى بالاعتماد على منظومات الإرضاع الجوي في أغلب عملياتها ، فقد قامت القوات الجوية للمملكة المتحدة (RAF) في حرب فوكولاند بتزويد الطائرات الهجومية والمقاتلات بالوقود جواً من طائرات الإرضاع الجوي نوع Victor K.2 حتى تعود لتحقيق أهدافها بنجاح .
كما تم استخدام طائرات الإرضاع الجوي خلال حرب البوسنة (1993-1995م) وأثناء الحصار الجوي على العراق ما بين (1993م-2003م ) حيث كانت تشاهد طائرات الإرضاع الجوي نوع VC-10 وTristar RAF تقوم بتزويد طائرات هارير Harrier و الجاجيرJaguar والتورنادو .
وفي الفترة من (2000-2002م) قامت القوات الجوية الملكية للمملكة المتحدة بدعم الولايات المتحدة الأمريكية بطائرات الإرضاع الجوي VC-10 و Tristar ولم تكن هذه الطائرات مقتصرة في عملها على الإرضاع الجوي لطائرات سلاح الجو الملكي RAF فقط وإنما تم تزويد جميع الدول الأخرى المشاركة في حرب الخليج ، حيث قامت طائرات الإرضاع البريطاني بتزويد المقاتلات الأمريكية وعلى وجه الخصوص طائرة (mainly F-14 Tomcats وطائرة F/A18 Hornets ) وقامت هذه المرضعات الجوية بتزويد أكثر من 20% من المقاتلات الأمريكية وخاصة في المراحل الأولى من الحرب .
كما استفادة المقاتلات الفرنسية في الحرب على أفغانستان من عملية الإرضاع الجوي لطائرات المملكة المتحدة البريطانية حيث كانت عملية الإرضاع الجوي ضرورية للغاية وبدونها يصعب تنفيذ العمليات التكتيكية أو ضرب الأهداف باستخدام الوقود الداخلي للطائرات بدون التزود بالوقود جواً .
و ما تقدمة عملية الإرضاع الجوي للطائرات ليس مقصوراً فقط على زيادة المدى الاستراتيجي للمقاتلات وحسب ، وإنما الفائدة التكتيكية بزيادة قدرة المقاتلات في تنفيذ المهام بدقة عالية وعلى مدار الساعة .
وقد كانت عملية الإرضاع الجوي خلال حرب الخليج (1990م) بمثابة القوة التي ضاعفت مدى وقدرة المقاتلات في تحقيق أهدافها .
كيفية التزود بالوقود جواً
عملية التزود بالوقود جواً ( الإرضاع الجوي) يتم التخطيط والإعداد الدقيق لها ضمن برنامج متكامل يمتاز بالمعادلات الحسابية الدقيقة ، فهي عملية يم فيها التزود بالوقود من نقطة معينة في السماء بحيث تكون هذه النقطة على أتم الاستعداد لنقل الوقود إلى المستقبلات (المطلوب تزويدها بالوقود) بيسر وأمان .
وتتم هذه العملية عبر إنشاء مركز تحكم جوي (ARC) Air Refueling Control والذي يقوم بتنظيم عملية الإرضاع الجوي بصورة آمنة ودقة متناهية.
ويعتبر مركز التحكم بالإرضاع الجوي " ARC" هو المسئول عن عملية التخطيط الملائم لطريق طائرات الإرضاع وتحديد موقع كل طائرة ، بحيث تكون المسافة الفاصلة بينها أفقياً وعمودياً 2000 قدم حسب قانون هيئة الفضاء الأمريكية التي يطلق عليها "CARF" Central Altitude Reservation علماً أنه يمكن تعديل هذا الفاصل حسب الطلب المحلي .
وعند وضع خطة تنفيذ عملية الإرضاع الجوي فقد تم الأخذ بعين الاعتبار معدل استهلاك الوقود للطائرات ومعلومات أخرى عن أداء الطائرة بحيث يتم معالجة هذه المعلومات ضمن برنامج في جهاز الكمبيوتر والذي بدورة يقوم بتحديد عدد طائرات الإرضاع الجوي اللازمة لتنفيذ عملية الإرضاع وتحديد موقع كل طائرة وتعيين نوعها ووضع جميع الاحتمالات لتفادي المخاطر في الجو والتي من ضمنها أن تكون الطائرة التي تقوم بالتزود بالوقود جواً لديها كمية كافية من الوقود تكفي للوصول إلى نقطة الإرضاع القريبة وأيضاً حساب كمية الوقود الاحتياطية إلى نقطة أخرى في حالة الإعاقة عن التزود من النقطة الأولى .
و يعتبر مركز التحكم بعملية الإرضاع الجوي هو المسئول عن تزويد المقاتلات بالوقود الكافي عند تنفيذ العمليات الجوية حيث يقوم بتقسيم نقاط الأجواء لنشر طائرات الإرضاع الجوي حسب عدد المقاتلات المخصصة لتنفيذ المهمة وبعد حساب جميع المسافات والقياسات المطلوبة .
علماً أن طائرات الإرضاع الجوي نوع Tristars لديها خرطوم واحد فقط يقوم بالإرضاع جواً بينما طائرات الإرضاع الجوي نوع VC10 لديها ثلاثة خراطيم إرضاع جوي حيث يمكن إرضاع ثلاث طائرات في آنٍ واحد .
وبعد استكمال عملية الطريق الجوي ( توزيع طائرات الإرضاع في المسافات والارتفاعات المحددة ) ومخطط الوقود اللازم لتأمين تنفيذ المهمة يقوم مركز التحكم الجوي بتأمين عملية التزود بالوقود جواً وذلك عن طريق برنامج تدريب للطيارين والذي قد يستمر من أسبوع إلى أسبوعين تقريباً . ثم يتم ترتيب عملية تأمين الوقود في الأرض واختيار المطار المناسب لذلك وتأمين الطاقم مع مستلزماتهم .
وبالمقابل تظهر مهمة أخرى وهي عملية عودة طائرة الإرضاع الجوي نفسها إلى أماكن تزويدها بالوقود وإعادة تحميلها ثم الرجوع إلى أماكن تواجدها في النقاط الجوية المحددة لها .
والأهم في هذه العملية تكمن في تحديد عدة عوامل أهمها حالة الطقس ، ونقاط الالتقاء أقواس الوقود ، علامات الاتصال ومعلومات أخرى مثل تحديد سرعة الرياح حيث تمثل عوامل الطقس نسبة 85% من قواعد المعلومات التي تأخذ في الاعتبار.
كما يعمل مركز التحكم الجوي " ARC" على تدريب الطيارين على الإرضاع الجوي لأكثر من طائرة في آن واحد والعمل على تلاشي أي أخطاء قد تنتج أو أي تغييرات أخرى .
طائرات الإرضاع وبرامج زيادة القدرة
على أمل أن تكون طائرة الإرضاع الجوي لها القدرة على إنجاز مهمتين ( عملية الإرضاع وعملية النقل ) في آن واحد اتجهت أكثر من 31 دولة من أجل الاستفادة من طائرات الإرضاع الجوي في تحقيق أكثر من غرض وفي مقدمة ذلك القوات الجوية للولايات المتحدة الأمريكية " USAF" والتي تمتلك أكثر من 600 طائرة إرضاع جوي بمختلف الأنواع وأهمها طائرة نوع KC-135 طائرة CK-130s ، وتأتي بعدها المملكة المتحدة UK بالمرتبة الثانية والتي تمتلك 20 طائرة إرضاع نوع VC10 و6 طائرات نوع Tristar بينما تأتي روسيا في المرتبة الرابعة حيث تمتلك 21 طائرة إرضاع نوع إليوشن II-78 .
وهناك برامج تحديث للطائرات KC-130J وتسويقها كطائرة إرضاع جوي بحيث يتم إعادة تحسين وتعديل هذه الطائرة وتزويدها بمعدات إرضاع جوي ومن ثم تصديرها إلى دول العالم .
كما تقوم شركة بيونجBoeing بالتخطيط لتطوير طائرة KC-767 لتكون طائرة إرضاع جوي وطائرة نقل في نفس الوقت ويطلق عليها اسم طائرة الإرضاع والنقل العالمية (GTTA) وهذه الشركة تقتفي الأثر لتعود بتأريخها إلى العام 1965م عندما قامت بتزويد اليابان بطائرات إرضاع جوي في ذلك الحين ، وقد قامت الشركة بتزويد إيطاليا بأربع طائرات إرضاع من نوع KC-767 وتبعتها اليابان بأربع طائرات من نفس الطراز خلال العام 2004م .
كما تسعى القوات الجوية الأمريكية إلى استبدال أسطول طائرات الإرضاع طراز KC-130 بطائرات من طراز KC-767 حيث وقد أعلنت الإدارة الأمريكية الموافقة على عقد بقيمة 16 مليار دولار أمريكي لشراء طائرات الإرضاع من طراز KC-767 وتطوير برامج الطائرة KC-X.
ويسعى مسئولو شركة بيونج مع الشركات المنافسة الأخرى منذ نهاية العام 2005م إلى الاستجابة إلى مطالب القوات الجوية الأمريكية بتطوير برنامج طائرات الإرضاع الجوي خلال العام 2006م لتبدأ التجارب عليها بحلول العام 2007م ومن ثم تبدأ مرحلة تزويد القوات الجوية الأمريكية بهذه الطائرات المطورة خلال الفترة من 2010 م إلى 2011م
الحماية الإضافية
لمزيد من الحماية لطائرات الإرضاع الجوي تم تزويدها بأنظمة حماية يطلق عليها اسم نظام "LAIRCM" وهو نظام من إنتاج شركة " نوثروب جرمان" للإجراءات المضادة باستخدام الأشعة تحت الحمراء .
وفي عام 1999 تم تزويد بعض طائرات Tristar وطائرات VC10 بنظام "JTIDS" نظام معلومات نقاط التواصل التكتيكي ، والذي صنع للمملكة المتحدة .