العهدة العمرية والشروط العمرية/د.رمضان اسحق الزيان

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,784
التفاعل
17,903 114 0
العهدة العمرية والشروط العمرية:

مقتطعة من بحث بعنوان روايات العهدة العمرية ـ دراسة توثيقية ـ

الدكتور رمضان اسحق الزيان



وضع البعض (1) قصداً أو جهلاً عنوان العهدة العمرية فوق ما يعرف عند الفقهاء بالشروط العمرية التي أوردها اﻷمام ابن الجوزي في كتابه أحكام أهل الذمة (2) ، وابن كثير في تفسيره (3). وشيخ اﻹسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي (4)

وهذا نص ابن القيم يرويه عن سفيان الثوري، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غنم قال:
كتبت لعمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه حين صالح نصارى أهل الشام وشرط عليهم أﻻ يحدثوا في مدينتهم وﻻ فيما حولها ديراً و ﻻ كنيسة وﻻ قِلاية (5) ، وﻻ صومعة راهـب ، وﻻ يجددوا ما خبء، وﻻ يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال، يطعمونهم ، وﻻ يؤوا جاسوساً ، وﻻ يكتمون غشاً للمسلمين ، وﻻ يعلموا أوﻻدهم القرآن، وﻻ يظهروا شركاً، وﻻ يمنعوا ذوي قربتهم من اﻹسلام إن أرادوه، وأن يوقروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، وﻻ يتشبهون بالمسلمين في شئ من لباسهم ، وﻻ يكتبوا بكناهم ، وﻻ يركبوا سرجاً ، وﻻ يقلدوا سيفاً ، وﻻ يبيعوا الخمور ، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم (6) ، وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، وﻻ يظهروا صليباً وﻻ شيئاً من كتبهم على شئ من طرق المسلمين ، وﻻ يجاوروا المسلمين بموتاهم ، وﻻ يضربوا بالناقوس إﻻ ضرباً خفيفاً ، وﻻ يرفعوا أصواتهم بالقـراءة في كنائسهم في شئ من حضرة المسلمين ، وﻻ يخرجوا شعانين (7) ، وﻻ يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ، وﻻ يظهروا النيران معهم ، وﻻ يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين ، فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه ، فﻼ ذمة لهم ، وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق(8) " .

وعند دراسة هذا اﻹسناد يتبين بوضوح ضعفه بسبب اﻻنقطاع بين سفيان الثوري الذي مات سنة 161هـ ومسروق بن الأجدع التابعي المخضرم، ناهيك عن اﻻنقطاع بين اﻹمام ابن الجوزي المولود سنة 691هـ وسفيان الثوري.
وقـد أورد ابن الجوزي مجموعة من الروايات في هذا المعنى كلها ﻻ يخلو من ضعف في بعض رواتها أو جهالة في آخرين ، ومن الجدير ذكره أن الدكتور/ همام سعيد فـي كتابه الوضع القانوني ﻷهل الذمة أشار إلى توهين هذه الشروط من جميع طرقها (9) .

حتى اﻹمام ابن الجوزي فطن للضعف فقال معلقاً عقب ذكر الروايات: "وشهرة هذه الشـروط تغني عن أسانيدها "، وهذا اﻷمر ﻻ يسلم له فيه ﻷن الشهرة ﻻ تعني الصحة أو حتى الحسن ، بل هناك من المشهور ما هو موضوع.
وعلـيه تكون هذه الشروط غير مقبولة حديثياً وإن استخدمها الفقهاء في كتبهم ، وأن العهدة العمرية تختلف تماماً عن الشروط العمرية .

الهوامش :
(1) منهم صاحب موقع الدروس النحوية في شرح الألفية ذكـر الشروط العمرية تحت عنوان : العهدة العمرية ، وهذا فيه خلط واضح بين مصطلحي ( العهدة العمرية ) و ( الشروط العمرية ) .
(2) أحكام أهل الذمة ، ابن الجوزي ، ج3 ص 1167 – 1159 .
(3) تفسير ابن كثير ، ج2 ص 347.
(4) مجموع الفتاوي ، ﻻبن تيمية ، ج28 ص652 .د. رمضان الزيان
(5) القلاية : بناء كالدير، انظر : معجم البلدان ، ج4 ص438 .
(6) أي : قص الشعر الذي يقع على الوجه من مقدم الرأس .
(7) شعانين ، أي عـيد للنصارى، يقع يوم اﻷحد السابق لعيد الفصح، يحتفل فيه بذكرى دخول عيسى عليه السلام بيت المقدس . انظر: المعجم الوسيط .
(8) أحكام أهل الذمة ، ابن القيم ، ج3 ص1163 .
(9) الوضع القانوني لأهل الذمة القانوني ﻷهل الذمة، د. همام سعيد ، ص 157 .روايات العهدة العمرية – دراسة توثيقية

 
التعديل الأخير:
هذا «العهد» المخيف المنسوب إلى عمر «ليس صحيحا»/زين العابدين الركابي

هذا «العهد» المخيف المنسوب إلى عمر «ليس صحيحا»

زين العابدين الركابي


في تراثنا العربي الإسلامي طامات مفزعات يتوجب تجريد دين الله الحق منها، سواء أكانت في التفسير أو في الحديث أو في الفقه أو في التاريخ نفسه. فهي طامات تُستغل في تخويف الناس من الإسلام، إلى جانب أنها خاطئة في ذاتها: مضمونا أو رواية.. وإذ انتظم المقالان السابقان «ظاهرة التخويف من الإسلام» التي باشرها مسلمون معاصرون فخوفوا الناس من الإسلام بأقوال مرعبة، وأفعال إرهابية، فإن هذا المقال الماثل (ولعل ما يليه من مقالات) ينصب على ما في تراثنا العربي الإسلامي من مخوّفات للناس من الإسلام، استغلت في التخويف من الإسلام في العصر الحديث.

لقد اشتهر في تراثنا هذا ما عرف بـ«شروط عمر بن الخطاب في التعامل مع أهل الكتاب».. وقد أصبحت هذه الشروط كـ«مركز ثقل» في تصور العلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب.. فما هي هذه الشروط؟.. منها – مثلا - إجبار أهل الكتاب على لبس معين يميزهم عن المسلمين أو يميز المسلمين عنهم.. وجز نواصي أهل الكتاب حتى يُعرفوا.. وتعليق الذميين الأجراس في أعناقهم كلما دخلوا الحمام.. وألا يتعلموا القرآن لا هم ولا أولادهم!!

أيعقل أن يصدر هذا عن رجل مثل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، صفته الأولى الكبرى هي «العقل والعدل والرحمة»؟!

ليس بعاقل من يعقل هذا أو يصدقه!!

لماذا؟!

أولا: لأن تلك الشروط الغريبة المخيفة المريبة تتناقض مع شرائع الإسلام في معاملة أهل الكتاب.. ومن هذه الشرائع والتعاليم:

1) أنهم أتباع أنبياء أُمرنا بالإيمان بهم.. ومن هذا الإيمان إكرامهم لأجل أنبيائهم، ولذلك وصفوا في الإسلام بأنهم «أهل كتاب».

2) أن الإسلام قرر أن الإنسان – من حيث هو - كريم بتكريم الله له: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا }.. وليس من الإيمان بهذه الآية ولا بمقتضاها أن يعامل أهل الكتاب - وهم ناس آدميون قطعا - بهذه المعاملة التي وردت في تلك الشروط المريبة المخيفة!!

3) إن من مقاصد الإسلام وضع الإصر والأغلال عن الناس، وتحريرهم مما يثقل عليهم من الضغوطات والتقاليد والقيود الجائرة: { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم }.. إن دينا هذه رسالته، هذه مهمته (تحرير الناس من كل ما يشق عليهم)، يستحيل أن يجيز ما يضاد ذلك من مثل تلك الشروط القاسية.

4) { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }.. وبديهي أنه ليس من البر ولا من القسط معاملة أهل الكتاب معاملة جائرة قاسية مهينة.

5) أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نفسه قد أعطى أمانا لأهل «إيلياء» يتناقض - نصا وروحا - مع تلك الشروط المنسوبة إليه.. ومما جاء في ذلك العهد أو الأمان:
« بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان.. أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، سقيمها وبريئها وسائر ملتها، ألا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من غيرها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله، وذمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين».. وعمر (رضي الله عنه) حين أعطى هذا الأمان لأهل إيلياء كان يصدر - يقينا - عن هدى الإسلام، وعن قيمه النضّاحة بالعدل والرحمة والسماحة.. فكيف نصدق أنه قد وضع تلك الشروط التي تتناقض مع التزامه الصلب بمنهج الإسلام؟!

ثانيا: الدليل الثاني على أن تلك الشروط مفتراة على عمر (رضي الله عنه) هو أن سند رواية الشروط متهافت جدا.. وهذا هو البرهان:

1) للمفكر المعروف رفيق العظم كتاب قيم المضمون والتوثيق بعنوان «أشهر مشاهير الإسلام في السياسة والحرب».. وقد عرض في كتابه هذا مطولا لسيرة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وعقد مبحثا بعنوان «نظرة في بعض الأخبار المتعلقة بأهل الذمة»، وقال في هذا المبحث: «كيف كانت سياسة عمر مع أهل الذمة، وكيف كان شديد الحرص على راحتهم، حاثا العمال على إنصافهم وعدم إيذائهم. ومن كان هذا شأنه مع القوم يستحيل على العقل تصديق ما يناقض سيرته هذه معهم. وقد أورد بعض أرباب السير ونقلة الحديث خبرين عن عمر يتعلقان بأهل الذمة (ومنهما تلك الشروط التي ذكرناها آنفا). وقد وَهّن روايتيهما أهل الحديث وحفاظه وقالوا إنهما موضوعتان. وقد أورد الإمام الشوكاني في نيل الأوطار الحديث الثاني عن البيهقي وعن الحافظ الحراني باختلاف بينهما في اللفظ، وقال عن الأول في إسناده ضعف، وعن الثاني في إسناده حنش وهو ضعيف، ويريد بحنش أحد المطعون فيهم في رواية الحديث».

2) العلامة الدكتور صبحي الصالح متعمق متثبت معروف بدقة التوثيق، وضبط العبارة. وقد كلفته – رحمه الله - جامعة دمشق بتحقيق كتاب «أحكام أهل الذمة» للإمام ابن القيم. وكان منصفا لابن القيم، وكان - في الوقت نفسه - حريصا على أمانة توثيق سند رواية «الشروط» المنسوبة إلى عمر بن الخطاب.. ومما قاله في سند هذه الرواية في مقدمة التحقيق: «ولا يحتاج الباحث إلا لمراجعة ما كتبه ابن القيم نفسه في بدء حديثه عن الشروط ليرى رأي العين ما في الروايات من تضارب ملحوظ، فقد نصت الرواية الأولى على أن أهل الجزيرة هم الذين كتبوا إلى عبد الرحمن بن غنم ثم كتب عبد الرحمن إلى عمر، بينما نصت الرواية الثانية على أن عبد الرحمن بن غنم كتب مباشرة لعمر حين صالح نصارى الشام، وتبين في الرواية الثالثة أن عبد الرحمن إنما صاغ شروط النصارى في كتاب لعمر، فمن العجب العجاب أن يملي المغلوبون على الغالب شروطهم، كأنه كان في حاجة لأن يوادعوه!.. والروايات الثلاث اكتفى ابن القيم بسردها، من دون تخريجها، ولم يقع التضارب فقط حول الذي اشترط العهد: أهو الغالب أم المغلوب.. بل وقع في المتن المكتوب نفسه، فقد اشتملت الرواية الأولى على شرطين ألحقهما عمر بنفسه بذلك العهد: أحدهما منع الذميين من شراء سبايا المسلمين، والآخر خلع عهدهم إذا ضربوا أحدا من المسلمين. بينما خلت من هذين الشرطين الملحقين الروايتان الأخريان.. وفي بعض الروايات متون تثير تساؤلات إن لم نقل مشكلات، فحين صاغ عبد الرحمن بن غنم شروط النصارى في كتاب لعمر لم ينص على اسم المدينة التي جرى فيها العهد، بل اكتفى بعبارة غامضة شديدة الإبهام هي قوله: «هذا كتاب لعمر من نصارى مدينة كذا وكذا»!!

3) من المفارقات المذهلة أنه على حين شوه مسلمون دينهم وخوفوا الناس منه بهذه الروايات المتهافتة المنسوبة إلى عمر (رضي الله عنه)، نرى باحثين مسيحيين أنصفوا الإسلام أيما إنصاف.. ففي كتابه «أهل الذمة في الإسلام» كتب الدكتور (أ. س. ترتون) يقول: «في هذا العهد (العهد المنسوب إلى عمر) نلاحظ نقاطا بالغة الغرابة، ذلك أنه لم تجر العادة أن يشترط المغلوبون الشروط التي يرتضونها ليوادعهم الغالب. أضف إلى هذا أنه من الغريب أن يحرم المسيحيون على أنفسهم تناول القرآن هم وأولادهم بأي صورة من الصور، ومع ذلك يقتبسون في خطابهم للخليفة آيات من القرآن. والأمر المستغرب من الوجهة العامة أنه عهد لم ينص فيه على اسم البلد، فلو كان صادرا عن دمشق - قصبة الولاية - لوردت الإشارة إليها. ومن ناحية أخرى فإننا لا نجد قط عهدا مع أي مدينة من مدن الشام يشبه عهد عمر بحال من الأحوال، إذ كلها عهود بالغة البساطة. إذا تبين هذا ساورنا الشك في نسبة العهد إلى عمر».

من الناحية العملية: استغل مستشرقون كثر (لم يعرفوا بالإنصاف) العهد المنسوب إلى عمر (رضي الله عنه) في التخويف من الإسلام، فكانت الفتنة الفكرية الإعلامية المطولة ضد الإسلام على نطاق عالمي.


عن الشرق الأوسط
 
عودة
أعلى