ظهر الأحد في العاشر من شباط عام 2008، وصل الحاج عماد مغنية إلى منزل أهله. كان الموعد شبه الدوري للقاء العائلة أسبوعياً على مائدة غداء تتولى إعداد أطباقها الحاجة أم عماد، والحاجة أم مصطفى زوجة الشهيد.
في الليلة السابقة، كان الحاج قد وصل فجأة إلى منزل الأهل، وكانت زوجته برفقته. دخلا بعدما انتظرا طويلاً ليفتح أحد الباب. واكتشفا أن الحاج فايز والحاجة أم عماد قد خلدا إلى النوم باكراً. غادرا بهدوء. وعادا في اليوم التالي حيث كان الجميع بالانتظار. لم يكن هناك شيء لافت. أحاديث عامة عن العائلة والأولاد وأخبار الأهل. وكما في كل مرة، يحاول بعض الحاضرين من الأهل استدراج الرجل للحديث عن أعماله، كان جوابه هو ذاته: ابتسامة وصمت وعودة إلى حديث آخر.
أخبار الحاج عماد وأسفاره لم تكن معلومة أبداً حتى بعد حصولها. تعودت العائلة غيابه. مرات يسافر لوقت طويل قبل أن يطرق الباب فجأة. في تلك الليلة لم يشر الحاج إلى سفر قريب له. لكن في اليوم التالي، جرى حديث بين أم عماد وأم مصطفى. قالت الأخيرة إن الحاج سافر إلى سوريا على ما يبدو، وقال إنه لن يتأخر في العودة. وسارت الأمور على ما تعوّده الجميع. علماً بأنّ العائلة كلها صارت تنتبه إلى أن الحاج الشهيد صار أكثر انشغالاً من قبل، وهو حاول تكريس اللقاءات الأسبوعية لتعويض غيابه الدائم. وكان الكل يسمع عن مرحلة إعادة البناء للمقاومة على أسس جديدة. لكن العائلة لم تكن تعرف على الإطلاق طبيعة الدور الذي يقوم به الشهيد.
ليلة الثلاثاء في 12 شباط، سمع الجميع بالخبر الوارد في دمشق عن انفجار غامض في محلة كفرسوسة. الحاجة أم عماد استفاقت في اليوم التالي، وأعدت نفسها لزيارة ابنتها التي دخلت المستشفى في حالة طارئة. قرب المنزل صادفت «أحد الشباب»، كانت عيناه متورمتين من بكاء. توجه إليها وسألها إلى أين تذهب. ثم طلب منها العودة إلى المنزل بانتظار أن يحضر هو سيارة ويأخذها إلى المستشفى. وبعد قليل، وصل قياديان من الحزب، ومن أصدقاء الحاج وأصدقاء العائلة.
لم ينتظر الوالدان الوقت ليسألا عمّا يجري. قال الأول إن الحاج أُصيب في حادث سيارة، وهو الآن في المستشفى. لم ترق الرواية الوالدين. أبو عماد صمت، وفكر في أن يكون عماد قد مات بحادث سير، كاد يموت حنقاً لو أن الخبر صحيح. لكن المسؤول الآخر أجاب عن سؤال مباشرة للوالدة قائلاً: لقد استُشهد الحاج.
صرخت أم عماد بأعلى صوت لها منذ ولادتها. أما الحاج فايز، فقد فهم أن الحاج استُشهد اغتيالاً، فتوجه كما الحاجة أم عماد إلى غرفة داخلية. أديا صلوات فيها شكر، بينما قررت هي وقف البكاء. قالت في نفسها: إذا شاهدني العالم وأنا أبكي، فإن قتلة عماد سيفرحون أكثر. أما الحاج فايز، فجلس مرتاحاً؛ لأن عماد رحل بالطريقة التي تليق به، شهيداً في المعركة التي أمضى حياته في قلبها.
ربع قرن من المطاردة. روايات وأساطير نسجتها الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية عن عماد مغنية. القسم الأكبر كان واضحاً أنه نتيجة الفشل في الوصول إلى الرجل. ولما حصل الأمر، احتفى الإسرائيليون بإنجازهم الأكبر ضد المقاومة في لبنان. لكن الخيال استمر حتى في ما يتعلق بعملية الاغتيال نفسها. لكن الحقائق غير كل ما قيل من 12 شباط 2008.
في ما يأتي خلاصة تحقيق ميداني واستقصائي، انشغل فريق من «الأخبار» لفترة طويلة قبل إعداد هذه المادة والتأكد من صحة المعلومات التي جمعت، والتي ساعد سوريون نافذون في جمعها وتسهيل الحصول عليها. أما المقاومة، فقد واصلت التزام سياسة الصمت، وإن كان مسؤولون فيها قد أكدوا لـ«الأخبار» أن لدى قيادة حزب الله الصورة الكاملة عن كل ما جرى.
تطلّب التحقيق في مرحلة، جمع صور ووثائق تتعلق بالتحقيقات، وتطلّب في مرحلة معينة العمل على محاكاة لإعادة تمثيل الجريمة، ما أمكن الوصول إلى شروحات مصورة قد تساعد على فهم ما حصل في تلك الليلة الحزينة قبل 5 سنوات.
اسطورة الإعلام الغربي: الإرهابي الأكبر الذي لم تسمعوا عنه قطّ
الفيلّا الواقعة في «قرى الأسد» حيث كان يبيت المنفّذون وحيث تمّ تفخيخ جيب «الباجيرو» بعد نقله إلى هناك
صباح أيوب, إيلي حنا «عماد مغنية رُصد في العراق. ربما لم تسمعوا عنه من قبل، لكن كل ضابط استخبارات في الغرب يعرف اسمه جيداً. له اتصالات بتنظيم القاعدة وببن لادن. وبعض التفجيرات الأخيرة في بغداد والنجف تحمل بصماته» («ذي واشنطن تايمز» ــ أيلول 2003). «هو أكثر الإرهابيين الأحياء الذين يُخشَون في الشرق الاوسط. سلّمته إيران أخيراً إدارة عمليات ثماني مجموعات إسلامية متطرفة في المنطقة» (وكالة «يونايتد برس انترناشيونال» ــ 2006). «عماد فايز مغنية. العقل المدبّر للإرهاب. يُقال إنه غادر لبنان الى إيران أخيراً. لكن معلوماتنا عنه قليلة جداً، ولا يوجد له أكثر من ثلاث صور. يُطلق عليه اسم الحاج. ووكالة الاستخبارات المركزية تكثّف جهودها الآن لتوقيفه أو لقتله» (تقرير القمة الاستخبارية الاميركية ــ 2006).
لم يغب اسم عماد مغنية عن التقارير الاستخبارية والصحافية الأميركية حتى بعد انتهاء الحرب اللبنانية، وأُقحم في كل حدث أمني جلل تتعرض له الولايات المتحدة منذ التسعينيات، مروراً بهجمات 11 أيلول حتى حرب العراق. وقبل سنتين فقط من اغتياله، نشرت أخبار في الإعلام الاميركي عن «تكثيف السي آي إي جهودها لقتله»، لكونه «كُلّف من السلطات الإيرانية بتنفيذ عمليات ضد الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة للضغط في ملف برنامجها النووي».
التقارير حول مغنية ترفق دائماً بسجلّ طويل لعمليات أمنية نوعية نسبت اليه من دون أي دليل؛ من تفجير السفارة الاميركية واستهداف قوات المارينز في بيروت عام 1983 وخطف طائرة «تي دابليو إي» عام 1985 (وهي الحادثة الوحيدة التي تتهمه فيها السلطات الاميركية رسمياً) وتنفيذ عمليات خطف عديدة في بيروت لمواطنين غربيين خلال الثمانينيات، وتفجير السفارة الاسرائيلية في العاصمة الارجنتينية عام 1992، وتفجير مركز المجتمع اليهودي في بوينس آيرس عام 1994، واستهداف أبراج الخُبر في السعودية عام 1996، وتفجير السفارات الاميركية في دول أفريقية عام 1998، وتفجير «يو إس إس كول» عام 2000، وصولاً الى تأسيس خلايا لحزب الله في العراق بعد الغزو الأميركي والإشراف على تنفيذ عمليات أمنية ضد القوات الاميركية هناك وتدريب مقاتلي حركة «حماس». الإرهابي الأسطورة المسؤولون الأميركيون والإعلام الغربي لم يكتفوا بأبلسة «مغنية ــ الارهابي». نشروا حوله روايات أشبه بمغامرات خيالية. ابتكروا له صورة رمزية. صورة «الإرهابي ــ الأسطورة». فهو الذي عجزت الاستخبارات والقوات الاميركية عن توقيفه حيّاً طوال فترة رصده منذ الثمانينيات. ضباط سابقون كُلّفوا بملاحقته ــ مثل روبرت باير ــ فنّدوا بعض أساليب التخفي التي اتبعها، وعمليات التمويه في تنقلاته. البعض تحدّث عن لجوئه الى تغيير شكله وملامح وجهه ليتمكن من عبور المطارات والتنقل بين مختلف بلدان المنطقة. هو الذي «أتلف كل صوره بعيد انخراطه في العمل الأمني... حتى إن والدته لا تملك أي صورة له»، وهو الذي «يغيّر السيارات التي يتنقل فيها بشكل يومي»، والذي «لا يحدد أبداً مواعيده عبر الهاتف»، والذي «رغم كل ما ارتكبه، لا يمكن إلا أن نعترف بعبقريته وثقافته الواسعة وقدراته المهنية العالية»، وقد «استحق عن جدارة لقب الثعلب».
وعندما اغتيل في 12 شباط 2008، انهالت «روايات رسمية» وأخرى «سرية تكشف للمرة الاولى» في الإعلام الغربي والأميركي خصوصاً، حول شخص مغنية وتاريخ ملاحقته وظروف استشهاده. معظم تلك الروايات لم تسهم سوى في تثبيت «الأسطورة» التي سبق أن حيكت في الأذهان الغربية عن «الإرهابي الأكبر الذي لم تسمعوا عنه قطّ». حتى إن البعض قالوا إنه «نتيجة لحياة مغنية السرية، فإن وفاته جعلت من التفريق بين الأسطورة والحقيقة أمراً مستحيلاً». «ناشط حتى يوم مقتله» إضافة الى التهليل لموته، وتكرار عبارة «العالم بات أكثر أماناً بعد رحيله»، تناقلت الصحف بعيد اغتياله تقارير سرية حول الظروف التي سبقت عملية الاغتيال. البعض تحدّث عن «قمة إرهابية» حضرها مغنية الى جانب «الرئيسين الايراني والسوري والأمين العام لحزب الله ومسؤولين في الجهاد الإسلامي وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». «المعلومات الدقيقة حول القمة»، دفعت بأجهزة الاستخبارات الاميركية في أواخر عام 2006، حسب التسريبات الصحافية، الى رفع درجة الانذار حول مغنية وأخذ القرار بتفعيل ملاحقته، «إذ تبيّن أنه لم يتقاعد بعد». صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية مثلاً نقلت عن مصادر إسرائيلية أن مغنية «كان يخطط وقت مصرعه مع السوريين لشنّ هجوم ضد أهداف إسرائيلية انتقاماً من الغارة الجوية التي شنّتها الطائرات الحربية الاسرائيلية، على ما قيل إنه موقع نووي سري في دير الزور في أيلول عام 2007». مصادر في «سي آي إي» أشارت الى «الدور الذي أوكل إلى مغنية قبيل اغتياله، وهو الاستعداد الميداني لأي مواجهة مستقبلية بين إيران والولايات المتحدة». «ظلّ مغنية ناشطاً حتى يوم مقتله»، كرر مستشار جورج والكر بوش لشؤون الإرهاب والأمن القومي فرانسيس فراغوس تاونساند.
روبرت فيسك، الصحافي البريطاني، قابل مغنية في تشرين الأول عام 1991 في طهران من أجل التوسط لصديقه تيري أندرسون، رئيس مكتب وكالة «أسوشييتد برس» الذي خطف في بيروت لما يقارب سبع سنوات. «محدّثي كان يتمتع بشخصية واثقة بالنفس إلى حدّ مخيف، وبالإيمان العميق في ما يفعل، وهو شيء يتشارك فيه مع أسامة بن لادن، والرئيس الأميركي جورج دبليو بوش». «منظمة مغنية عذّبت أعداءها، كما فعلت «القاعدة»، وكما يفعل جيش السيد بوش»، تابع الصحافي في مقاله حول الاغتيال في صحيفة «الإندبندنت» بعنوان «النهاية الدموية للرجل الذي جعل من الاختطاف سلاحاً في الحرب». فيسك ختم بالقول «إنّ من يعيش بالسيف يموت بالسيف». ما بعد الاغتيال حول مرتكب جريمة الاغتيال، حاول البعض بدايةً توجيه أصابع الاتهام الى النظام السوري، «نظراً الى الخرق الأمني الكبير الذي سمح بإتمام العملية بنجاح». وكان لافتاً إشارة معظم المحللين الى أن إسرائيل والولايات المتحدة هما «المستفيدان الأساسيان من إزاحة مغنية عن الساحة».
باركي أشار للصحيفة الى أن «تل أبيب حاولت مرات عديدة تصفية مغنية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وأنها جمعت كميات هائلة من المعلومات عنه، لكن كلما حصلت على معلومات أكثر زادت صعوبة الوصول إليه بسبب عدم وجود نقاط ضعف يمكن إسرائيل استخدامها، مثل تناول المشروبات الروحية أو العلاقات النسائية أو المخدرات».
«إيماد مُرْنية... إيماد مُررنيّا... دعوني ألفظ اسمه كما يجب. هو الشخص الذي احتل المرتبة الاولى على لائحة مكتب التحقيقات الفدرالية للمطلوبين الارهابيين، قبل إدراج أسامة بن لادن عليها»، قالت مذيعة «سي بي إس نيوز» لضيفها مائير داغان. رئيس «الموساد» صحّح لها لفظ الاسم على الهواء وقال بوضوح: «عماد مغنية». في أيلول عام 2012 خصصت فقرة من برنامج «60 دقيقة» حول اغتيال مغنية، وسئل داغان عن صحّة رواية إشرافه، من مكتب في تل أبيب، على مجريات العملية في دمشق. «كنت في دفن والدتي عندما تمّ الاغتيال، وزوجتي شاهدة على ذلك»، أجاب داغان باسماً. إرثه في حزب الله بعد استشهاد مغنية، هوّل الإعلام الأميركي من احتمال استهداف حزب الله الولايات المتحدة أو المصالح الاميركية في الخارج، ردّاً على تصفيته. ومع تصعيد الاتهامات الموجهة الى «حزب الله» في عدد من العمليات الأمنية ضد المصالح الاسرائيلية في الخارج، تحدّث البعض عن استمرارية «إرث عماد مغنية» في الحزب اللبناني. لكن آخرين لفتوا الى فشل حزب الله في تنفيذ عمليات كثيرة، خصوصاً في أوروبا الشرقية، وردّوا الأمر الى «ضعف أصاب الجناح المتخصص في ذلك» بعد رحيل «أبو تلك العمليات». وهنا خلص هؤلاء الى القول إنه «ما من وريث فعلي لمغنية في حزب الله»، أقلّه بنفس مميزات القائد السابق. لماذا قتل مغنية؟ التحليلات التي تلت اغتيال مغنية ربطت الحادثة بتطورات إقليمية وإشارات دولية تشترك فيها دول عدّة.
الباحث جوشوا لانديس رأى مثلاً أنّ البعض اعتقد أن من بين أهداف اغتيال مغنية حصر سوريا وحلفائها في حلقة مفرغة وسط عمليات قتل انتقامية، والتي يمكن أن تفوز بها واشنطن فقط. وفي في مثل هذه الحرب، يضيف لانديس، سوف تنجح آلة الاعلام الغربي في رسم دمشق كمركز للإرهاب، ثمّ تضغط واشنطن على الأوروبيين للانضمام إليها في فرض مزيد من العقوبات على سوريا.
وفي دراسة لـ«مجموعة الأزمات الدولية» عام 2009 تحت عنوان «التحاور مع دمشق؟ دروس التجربة الفرنسية»، يُذكر اغتيال مغنية ضمن حلقات الاشتباك التي شهدتها دمشق وباريس. وتشرح الدراسة أنه في نهاية عام 2007 رفض السوريون الخطة الفرنسية القاضية بانتخاب ميشال سليمان رئيساً للبنان، ما أغضب الرئيس نيكولا ساركوزي، فوجد السوريون أنفسهم، مرة أخرى، وحيدين مع إيران. وتشير الدراسة إلى أنّه منذ تلك اللحظة «بدأنا نشهد عناصر غير مريحة، مثل اغتيال عماد مغنية، والغارة الإسرائيلية على دير الزور، التي قد تثير تصعيداً جديداً مع الولايات المتحدة، وبعض التقديرات تشير إلى أزمة «أيار» (أحداث السابع من أيار) في بيروت، إذ إن السوريين فوجئوا وارتبكوا بإجراءات حزب الله خلال تلك الأزمة». ويضيف التقرير أن هذه الجرعة الاخيرة ساهمت في الوصول الى اتفاق الدوحة الذي لا يقدم في العمق أكثر من العرض الفرنسي.
«المعهد الألماني للشؤون الخارجية والأمنية» يلفت من جهته، في دراسة أجريت في أيلول عام 2009 حول «إدارة الصراعات الأوروبية في الشرق الأوسط»، إلى أنّه «بعد اغتيال مغنية باتت حسابات حزب الله مفتوحة، وهو يواصل تخزين الأسلحة رغم محاولات الحظر الدولي».
باراه ميكاييل في دراسة في «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي»، تحت عنوان «سوريا: لماذا الهجمات؟» (2008)، يرى أن «سوريا، بعد أن كانت لسنين طويلة من أكثر الدول أمناً واستقراراً، واجهت مجموعة من الهجمات ــ من بينها اغتيال محمد سليمان وعماد مغنية ــ تزامنت مع ضغوط غربية تريد من سوريا أن تغيّر سلوكها». الدراسة الفرنسية تلقي الضوء أيضاً على الجماعات الإسلامية في سوريا، وتصف وضعها بـ«غير البسيط». وتوضح أن ذلك لا يعني جماعة الإخوان المسلمين، ولكن التشكيلات السلفية على غرار تنظيم «القاعدة»، وغيرها كتلك التي تعمل في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وتلفت إلى أن هذه الجماعات سوف تستفيد من أيّ محاولة لإثارة القلاقل، واستدعاء تاريخ الصراع مع الإخوان، وأنهم (أي الإسلاميين) أنشأوا بالفعل خلايا في الأراضي السورية».
… «الحقيقة أن أسطورة مغنية كانت كبيرة جداً إلى درجة لم يكن أحد يعتقد أحياناً بوجود مثل هذا الرجل»، يقول مغنوس رانستروب، الخبير المتخصص في شؤون حزب الله في كلية الدفاع الوطني السويدية في استوكهولم، والذي تعقب نشاطات مغنية لسنوات عدة. «أسأل نفسي أحياناً ما إذا كان مغنية شخصاً حقيقياً أم هو من نسج الخيال، إلا أن وكالات الاستخبارات التي كنت أتصل بها كانت متأكدة من وجوده!».
ويلاحظ رانستروب أن «هذا الرجل تميّز منذ أوائل التسعينيات بحذر شديد غير اعتيادي لتغطية تحركاته، حيث كان يقسم وقته بين بيروت وطهران التي انتقل إليها مع أسرته في 1990. لذا، بدت دمشق في ذلك الوقت مكاناً غير مرجّح للبحث عن مغنية كي يصفّي أعداؤه حسابهم معه». 4000 جندي يطاردونه في البحر في ذكرى اغتيال مغنية الأولى، خصصت قناة «سي بي إس نيوز» تقريراً حول العملية النوعية التي كانت تهدف الى توقيفه في الخليج الفارسي. وإذا صحّت المعلومات التي وردت في التقرير، فإن تلك العملية (في عام 1996) كانت أضخم بكثير من العملية التي استهدفت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان عام 2011.
وفي تقرير «سي بي إس» يروي قائد البحرية جون غاريت، للمرة الأولى في الإعلام، كيف تمّ التجهيز لعملية التوقيف الكبرى بعدما رصدت الاستخبارات الاميركية مغنية على متن سفينة شحن تدعى ابن طفيل.
«أربع سفن حربية أميركية، 4 آلاف عنصر من المارينز، قوات برية وبحرية وجوية، وترسانة عسكرية كاملة جهّزت من أجل تنفيذ العملية»، يكشف غاريت. ضابط البحرية يشير الى الجهوزية التامة التى وُضع فيها العناصر المشاركون، عديداً وعتاداً وإمكانيات، من أجل تنفيذ عملية ناجحة على سفينة وسط البحر. غاريت يشير الى أن «أحد القادة العسكريين المسؤولين عن العملية، ويدعى توم شورت، تسلّم صورة من الصور القليلة جداً لمغنية كي يتعرّف الى شكله قبل المباشرة في العملية». شورت نفسه رأى أن «مجرد التفكير في أن ذاك الرجل كان المسؤول عن موت 250 عنصراً من المارينز، يجعلك تريد النيل منه... ولكن ليس فقط من أجل ما فعله في السابق، بل لمنعه ممّا سيرتكبه في المستقبل في حال لم نقبض عليه». شورت يضيف: «لم أرَ في حياتي هذا المستوى من العمل الاستخباري الذي أحاط بالعملية. فخلال 48 ساعة فقط كان في حوزتنا خرائط السفينة، وشكلها وصور لها، كما هويات أفراد طاقمها وعتادهم وجداول أعمالهم... كان مدهشاً بالفعل تمكّننا من الحصول على هذا الكم من المعلومات الاستخبارية».
غاريت بدوره أشار الى أن «تفاصيل الخطة كانت تدرس على مدار الساعة، دقيقة بدقيقة طوال 24 ساعة». بيل ماكسوين، أحد قنّاصي البحرية، يقول إنه «كان هناك أربع فرق من القنّاصين المجهّزين على متن السفن» ويضيف: «نظراً لحساسية العملية، كان لدينا قنّاصان على طوافات أيضاً.
في ليل 24 تموز، أدركنا أن ساعات قليلة كانت تفصلنا عن النيل من هدفنا، «كنّا كالكلاب المربوطة بانتظار أن ننطلق»، يروي ماكسوين. 60 عنصراً كانوا سيصعدون سرّاً على متن السفينة، إضافة الى عشرات عناصر الكوماندوس ومئات آخرين كانوا سيفتشونها ركناً ركناً».
… لكن، وبكلمة واحدة من واشنطن، ألغيت العملية قبل ساعات قليلة من تنفيذها، والسبب المذكور وقتها «أننا نعجز عن التأكد إن كان الهدف (مغنية) ما زال على متن السفية أو لا».
«لقد فوّتت عليّ أكبر فرصة للنيل من مغنية... لماذا لم تنتهِ تلك العملية بشكل مختلف؟»، كتب مكسوين في يومياته. أما شورت فيتذكر يوم هجمات 11 أيلول ويقول «عندما شاهدت الطائرة تضرب ذاك البرج، فكّرت مباشرة، هل لمغنية علاقة بالأمر؟ هل كانت له يد في التخطيط لذلك؟ ماذا لو كنا قبضنا عليه يومها؟».
محمد بدير لم تكن تل أبيب تنتظر ظهور اسم الحاج رضوان في المستندات العسكرية التي قالت إنها غنمتها خلال «حرب لبنان الثانية»، حتى تدرك موقع الرجل بوصفه «المحور الذي تدور حوله الماكينة الأمنية والعسكرية والاستخبارية والعملانية لحزب الله»، على حد تعبير أحد المعلقين الإسرائيليين. فاسم عماد مغنية احتل رأس قائمة المطلوبين في الدولة العبرية، وبقي لأكثر من عقدين يتمتع لديها بلقب «الإرهابي رقم واحد» الذي كان يتبادر ذكره إلى أذهان ضباط الاستخبارات ـــ وفقاً لإقرار بعضهم ـــ بعد كل عملية «إرهابية» كانت تحصل في العالم. وإذا كانت لائحة العمليات الموجعة ضد إسرائيل التي ينسبها هؤلاء الضباط إلى مغنية تطول، فإن ما يضاهيها في الاستطالة لائحة الألقاب والأوصاف التي أغدقوها عليه، والتي تشي بنوع من التقدير المهني لأدائه بقدر ما تعكس سعياً واضحاً إلى شيطنته. فهو «عقل» حزب الله «الشديد الدهاء» و«الشخصية العملانية الأهم فيه» الذي «لا يمكن الإشارة إلى أي عملية نوعية نفذها الحزب من دون أن يكون هو من يقف وراءها»، والذي «يصعب رسم صورة لشخصية عالمية أكثر خطورة وحنكة وخبرة» منه، «وإذا كان ثمة رجل يمثِّل رمزاً لمحور الشر بمفهومه الأساسي جداً، فإن اسمه عماد فايز مغنية». ولأنه كل ذلك وأكثر، فإن اقتفاء أثره للاقتصاص منه، كان «واحداً من أكثر التحديات تعقيداً» لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، كما كان اغتياله «الإنجاز الاستخباري الأهم (لهذه الأجهزة) في تاريخ محاربتها للإرهاب».
ومما لا شك فيه، أن «حساب الدم» بين إسرائيل ومغنية كان الخيط الواصل في مسلسل المطاردة الذي تعاقبت عليه أجيال استخبارية في «الموساد» و«آمان» (شعبة الاستخبارات العسكرية)، إلا أن الأكيد أيضاً أن الدافع الانتقامي وحده لا يفسّر الجهد الدؤوب لتل أبيب لشطب مغنية من معادلات الصراع بينها وبين حزب الله، ومن ورائه حلفاؤه الآخرون في «محور الشر». وإذا كان في إسرائيل من رأى أن الانتصار الذي تطلعت إليه في «حرب لبنان الثانية» جاء متأخراً عاماً ونصف عام متجسداً في الثأر من مغنية، فإن هناك من كان واضحاً في الإشارة إلى أن اغتيال القائد الجهادي لحزب الله جاء ضمن سياق أوسع يتصل على الأقل بعاملين إضافيين، هما ترميم الردع الإسرائيلي الذي تهشم في هذه الحرب، وتوجيه ضربة في الصميم إلى منظومة قدرات المقاومة التي تنامت بعدها باطّراد.
على صعيد العامل الأول، أي ترميم الردع، أرادت إسرائيل أن توصل رسالة مفادها النجاح في اختراق «الهيكل المقدس» للمقاومة، المتمثل بقيادتها السرية، وإيداع إنذار بالقدرة على الوصول إلى بقية القيادات في الوقت الذي تختاره، لتعيد بذلك تعويم تفوقها الاستخباري، بما يدفع المقاومة إلى الغرق في تدابير الحذر والدخول في دوامة مفتوحة من الشك والتدقيق، علماً بأن هذا النوع من العمليات الأمنية، كان الأسلوب الوحيد المتاح أمام إسرائيل ـــ في حينه ـــ لتستعيد هيبتها المفقودة في تموز 2006 أمام أعدائها، وتستعيد ثقتها بنفسها أمام شعبها وحلفائها.
آثار الكرات الحديدية في عمود إنارة في مكان الانفجار، وهي الكرات التي وجدت آثار مثلها في عمليات اغتيال مشابهة نفّذتها الاستخبارات الإسرائيليّة في لبنان
أما على صعيد العامل الثاني، فتل أبيب كانت على علم بدور مغنية في إرساء البنية التحتية لشبكة إقليمية من التعاون الاستراتيجي الهادف إلى بناء قدرات نوعية للمقاومة في كل من لبنان وفلسطين ترتقي بها إلى مستوى غير مسبوق من التسليح والتجهيز؛ شبكة شكّل فيه بشخصه وعلاقاته وخبراته وصلاحياته المفتوحة حجر الزاوية وهمزة الوصل بين كافة المكونات والأطراف ذات الصلة، بدءاً بإيران، وصولاً إلى سوريا. وعلى هذا الأساس، كان الرهان الإسرائيلي على خلخلة هذه البنية من خلال استهداف أركانها الأساسيين كالشهيد مغنية، ومن بعده الشهيد (العميد في الجيش السوري) محمد سليمان الذي كان، بحسب الرواية الإسرائيلية، المسؤول في الجانب السوري عن التنسيق مع مغنية. لكن هل أصاب حجر إسرائيل كل العصافير التي رمتها؟ من المؤكد أن اغتيال مغنية أعاد البسمة إلى الوجوه العبوسة للمسؤولين الإسرائيلين بعد حرب تموز، وهؤلاء تغنوا طويلاً بحجم الإنجاز الانتقامي الذي سجلوه ضد القائد العسكري والأمني للمقاومة، من غير أن يحول ذلك دون إثارة تساؤلات جدية تتعلق بمدى الجدوى التي حققها الاغتيال من زاوية الأهداف المرجوة الأخرى. تساؤلات من قبيل: هل ستؤدي تصفية مغنية إلى تقليص الخطر الذي يمثله حزب الله على إسرائيل، ولا سيما في ضوء السوابق التي أظهرت أن ضربات من هذا النوع ضد الحزب تقود دائماً إلى مفاعيل عكسية، والمثال الأبرز على ذلك هو اغتيال أمينه العام السابق، السيد عباس الموسوي؟ وقد أشار معلقون إسرائيليون في حينه إلى أن التقدير السائد في دوائر القرار الإسرائيلية ترجح أن يستعيد حزب الله عافيته العسكرية والأمنية على المدى غير البعيد، ويعود بنحو عادي إلى مواصلة بناءة قوته وجهوزيته القتالية استعداداً للمواجهة القادمة. وإذا كان هناك من تردد في التوصل إلى هذا الاستنتاج، فإن الخط البياني المتصاعد للتهديدات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، منذ اغتيال مغنية، كان كفيلاً وحده بالكشف عن حجم القدرات الاستراتيجية التي دخلت إلى بنية المقاومة، في ما يشير بوضوح إلى عدم تأثر جهوزيتها برحيل قائدها الميداني السابق. وبقي السؤال الأهم عن طبيعة الثمن الذي ستدفعه إسرائيل اقتصاصاً منها على فعلتها. وهنا يمكن القول إنه كان واضحاً منذ اللحظة الأولى لصناع القرار الإسرائيليين كما لدى الرأي العام فيها، أن الأمر لا يتعلق بما إذا كان حزب الله سيرد على اغتيال مغنية، بل كيف ومتى؟ وهذا الإجماع الإسرائيلي على توقع الرد لم يحل فقط دون اكتمال الفرحة باغتيال مغنية، بل أطلق موجة من الترقب والحذر اجتاحت كل حضور إسرائيلي في الخارج، ووجدت ما يبررها في تركيا وتايلند وآذربيجان والهند وجورجيا وبلغاريا وغيرها. موجة لم تفقد زخمها مع الوقت، وأنتجت مفارقة فحواها أن الموعد الإسرائيلي الدائم مع الرد على عملية اغتيال مغنية ـــ العملية أريد لها أن تكون إقفالاً لحساب مفتوح ـــ فتح حساباً متجدداً لا تملك إسرائيل قدرة المبادرة على إقفاله.
صورة بانوراميّة لمسرح الجريمة، في محلة كفرسوسة، حيث يظهر المبنى الذي كان الشهيد مغنيّة فيه، ونقطة وصوله عندما حصل الانفجار، وإلى اليسار يبدو المبنى الذي استخدمه المنفّذون
■ سوري مغترب اشترى السيارات ووفّر الشقة للتجهيز والتفخيخ ■ عملاء محليون استطلعوا المكان و 4 اجانب نفذوا الاغتيال ■ شهر ونصف من الاعداد والعبوة مطابقة للعبوات الاسرائيلية
دمشق ـــ الأخبار
لم تكد حرب تموز 2006 تنتهي، حتى انطلق حزب الله في أكبر عملية لإعادة ترميم بنيته العسكرية ورفع مستوى التسليح والتجهيز لمواجهة احتمال تجدد العدوان. وقد تولى الشهيد عماد مغنية مهمة تطوير وتعزيز القدرات القتالية والعسكرية للمقاومة في لبنان، كما تولى تنفيذ قرار اتخذ على أعلى المستويات في إيران وسوريا ولبنان برفد المقاومة في فلسطين بكل الخبرات ودروس الحرب، وتأمين جسر تواصل بشري ودعم لوجستي، وخصوصاً الى قطاع غزة. وكانت دمشق هي المحطة الرئيسية لمتابعة المهمة، ما اقتضى من الحاج رضوان تكثيف زياراته وتنقلاته من سوريا وإليها. في تلك الفترة كان الحاج عماد، كما كثر من العاملين في حقل المقاومة، يتعامل مع سوريا كواحدة من الساحات الأكثر أمناً. وكان هناك تقدير، يستند الى معطيات كثيرة، أن إسرائيل لا تستهدف دمشق بقوة كمسرح للعمل التنفيذي المباشر، علماً بأن الاغتيالات التي تعرض لها مقاومون من حماس وفصائل فلسطينية أوجبت على الجميع الحذر، بما في ذلك قيادات المقاومة اللبنانية. ورغم ذلك، فإن التحرك في دمشق كان أكثر مرونة وأقل تعقيداً على مستوى الإجراءات الأمنية المتخذة. هذا «الارتخاء الضمني»، تحول إلى الثغرة التي استفاد منها العدو الإسرائيلي لتنفيذ عملية اغتيال الحاج عماد، وهو الذي شكلت متابعته ومحاولات استهدافه هدفاً دائماً لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية.
عملية الاغتيال
مساء 12/2/2008، كان الحاج عماد في سوريا. أنهى للتو اجتماعات مع أرفع القيادات الفلسطينية المقيمة في دمشق. كان البحث مخصصاً لدراسة سبل تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين وغزة على وجه الخصوص. بعد العاشرة ليلاً بنحو ربع ساعة، غادر الحاج عماد شقة في أحد مباني حي كفرسوسة. نزل منفرداً وتوجه سيراً على الأقدام نحو سيارته التي كان قد ركنها في باحة واسعة مساحتها تبلغ حوالى 800 متر مربع تقع قبالة مجموعة من الأبنية، وتستخدم موقفاً للسيارات. عند الساعة العاشرة والثلث، دوى انفجار. هرع البعض الى المكان، بمن فيهم من كان الحاج برفقتهم في تلك الشقة، ليتبيّن أنه استشهد على الفور.
عندما وصل الحاج عماد مغنية إلى خارج بوابة المبنى، وعلى بعد 9 أمتار تقريباً من سيارة من نوع جيب ميتسوبيشي «باجيرو» رصاصية اللون موديل 2006، كانت مركونة عند أقرب نقطة من بوابة المبنى، وقع الانفجار الذي أدى إلى استشهاده بمفرده على الفور.
شُغل حزب الله في التواصل بين قياداته، واتخذ قرار نقل جثمان الشهيد الى بيروت فوراً، وبوشر الاستعداد لإعلام العائلة أولاً، ثم إعداد بيان النعي، والإعداد لجنازة مهيبة تليق بالشهيد الكبير. ومع أن التوتر كان يسود الجميع، إلا أن فرقة متخصصة انتلقت فوراً الى المكان، وباشرت التحقيقات، بالتزامن مع تحقيقات قامت بها السلطات السورية. لم يكن لدى قيادة حزب الله أدنى شك في أن إسرائيل هي من يقف خلف الجريمة. وفي مثل هذه الحالات، تقرأ المقاومة، كما كان يفعل الشهيد نفسه، المعطيات الأساسية، ويكون الاستنتاج في غالب الاحيان صائباً. لكن السؤال ظل: كيف وصلت إسرائيل إليه؟
الاستعداد المعلوماتي
أظهرت التحقيقات أن الشهيد مغنية كان كثير التردد إلى سوريا، وأنه اتخذ من كفر سوسة فيها مكاناً لعمله وإقامته. وكان يحضر هناك أكثر مما يحضر في لبنان.
وأظهرت التحقيقات المكثفة ضلوع العدو الإسرائيلي ومسؤوليته المباشرة عن عملية الاغتيال، كما بينت التحقيقات أن جهاز الموساد الذي كان برئاسة مئير داغان في حينه هو الذي تولى العملية بكل مراحلها. الإعداد المباشر لتنفيذ العملية استغرق أشهراً داخل سوريا وخارجها. أما التحضيرات غير المباشرة، فيرجّح المطلعون على الملف أنها استمرت فترة أطول من ذلك بكثير.
كذلك أظهرت التحقيقات أن الموساد كلّف بعض عملائه المحليين بتصوير منطقة كفرسوسة تصويراً دقيقاً وتفصيلياً، مع شرح لكافة الشوارع فيها، والتركيز على المربع الذي تمت فيه عملية الاغتيال. جرت عملية رصد واستطلاع مربع كفرسوسة، وإعداد ملف كامل، وتزويد استخبارات العدو بالمعلومات التي سهّلت لها العملية. ومن هذه المعلومات طريقة الوصول إلى المربع والخروج منه، وكذلك الطرقات المؤدية إليه أو تلك التي تحتاج إليها المجموعة المنفذة للهرب، إضافة الى تقرير يشير الى أنّ الباحة التي وقع فيها الانفجار لا تخضع لحراسة أمنية، وليس فيها عوائق تمنع دخول أحد، وأنها مفتوحة بحيث يمكن أي زائر الوصول الى هناك. كذلك فإن الباحة تخلو من كاميرات مراقبة ظاهرة في المحلة، وأنّ حركة الدخول إلى المبنى المستهدف والخروج منه محكومة بمخرجين أو مدخلين، من الجهة نفسها، أحدهما سفلي والآخر أرضي.
ودلّت التحقيقات أيضاً على أن عملاء الموساد المحليين قدموا معلومات عن وجود مبنى قيد الإنشاء يحوي شققاً فارغة غير مكتملة، ليتبين لاحقاً أن العدو استفاد من هذا المبنى لتموضع الفريق الذي تولى تنفيذ العملية، لما له من إشراف وإطلالة على المربع والمبنى المستهدف.
الإعداد اللوجستي
استفادت استخبارات العدو من عميل سوري لها، وهو مقيم أصلاً في الخارج، لكنه يتردد إلى سوريا. وطلبت إليه الانتقال الى دمشق لأجل تأمين المستلزمات اللوجستية للعملية. فراح يعمل على تأمينها ومنها:
1 ــ تأمين فيلا لإيواء سيارة التنفيذ.
2 ــ تفخيخ سيارة التنفيذ.
3 ــ مبيت مجموعة التنفيذ.
وبالفعل، فقد استأجر العميل فيلا في إحدى نواحي دمشق الراقية (قرى الأسد) واستقدم حداداً إفرنجياً وطلب منه فصل مدخل الفيلّا المعتمد للسيارات عن مدخل المشاة بواسطة شبك من الحديد من جهات ثلاث، بحيث بدا كأنه قفص، ولم يعد بالمقدور الدخول إلى الفيلا من هذا المدخل.
بعد فترة عاد العميل الى سوريا واشترى سيارة جيب «ميتسوبيشي باجيرو». ويتضح أنه تم اختيار سيارة «ميتسوبيشي باجيرو» لزرع العبوة المعدّة للتفجير، نظراً لكون عدد من السيارات المشابهة كانت تتردد إلى محلة الاستهداف وتركن حول المكان الذي انفجرت فيه السيارة، ونظراً إلى كون الشهيد كان يستخدم أحياناً سيارة من النوع نفسه. كذلك تم اختيار سيارة أخرى من النوع نفسه ومن بطراز مغاير «ميتسوبيشي لانسر» للفريق التنفيذي، اعتماداً أيضاً على كثرة استخدام هذا الطراز من السيارات في سوريا عموماً. وبعد شرائه، نقل العميل الجيب إلى الفيلا التي استأجرها حيث ركنه في القفص الحديدي، وغطاه بـ«شادر». ثم اشترى لاحقاً سيارة الـ«ميتسوبيشي لانسر»، والتي استخدمت لاحقاً لفرار المجموعة المنفذة.
يوم التنفيذ
تظهر التحقيقات والمعلومات المجمّعة من مصادر مختلفة أن عملية التنفيذ استغرقت حوالى ستة أسابيع، وتبين بعض المعطيات التي يتحفظ المحققون عليها أن هذه المرحلة امتدت من بداية أول شهر كانون الثاني وانتهت بعد يوم أو أكثر على عملية الاغتيال منتصف شهر شباط 2008.
في الأسبوع الأول من شباط، تم تجهيز جيب «الميتسوبيشي باجيرو» المركون في الفيلا بالعبوة، حيث جرى زرعها في بابه الخلفي. وتبين أن العبوة تحوي الى جانب المادة الشديدة الانفجار كرات حديدية من النوع الذي يصيب الهدف بأضرار كبيرة بصورة فورية. وجاء نوع العبوة مطابقاً لعبوات مشابهة استخدمها العدو في عملية اغتيال لكوادر من المقاومة في لبنان وخارجه.
يتكتّم المحققون والمطّلعون على ملف التحقيقات بشدة حول هوية الفريق المنفذ، لكن الإشارات والمعطيات الظاهرة تشير الى أنهم ليسوا من المواطنين السوريين، وأنهم دخلوا الى سوريا في وقت سابق على التنفيذ بطريقة معينة كتلك التي استعملوها لمغادرة سوريا بعد تنفيذ الجريمة.
عصر 12/02/2008، انطلق أحد المنفّذين بجيب «الباجيرو» المعدّ للتفجير، وركنه في الباحة أسفل المبنى الذي يتردد إليه الشهيد، وذلك قبل التفجير بساعات.
غروب ذلك اليوم، انطلق الفريق التنفيذي بسيارة «الميتسوبيشي لانسر» (سيارة الإخلاء) وكان مؤلفاً من أربعة أشخاص. وبعدما تثبّت هؤلاء من انصراف العمال من المبنى «قيد الإنشاء» المشرف على الشقّة التي كان الشهيد مغنية يتردد اليها في منطقة كفرسوسة، صعد ثلاثة من فريق التنفيذ الى المبنى المطلّ على الباحة والهدف والسيارة المفخخة، واستقروا في شقة تقع في الطابق السادس منه، حيث اقتسموا الأدوار ما بين راصد بالمنظار ومفجر وثالث للحماية. أما المنفذ الرابع، فقد بقي في السيارة ينتظر فريق التنفيذ، وركَن سيارة الإخلاء في الباحة الخلفية للمبنى الذي اتخذوه للتموضع وألصقوها بالسور وبقي السائق بداخلها.
الساعة العاشرة والثلث تقريباً، خرج الشهيد عماد مغنية من المبنى. وما إن وصل إلى رصيف الباحة المضاء، وعلى بعد نحو تسعة أمتار تقريباً من جيب الباجيرو، فجّر الجناة العبوة الناسفة، ما أدى إلى استشهاد الحاج عماد على الفور، ثم نزل المنفذون من المبنى باتجاه السيارة التي كانت تنتظرهم.
استقل الجناة سيارة الإخلاء على عجل نحو أوتوستراد المزّة، حيث تم ترك السيارة على جانب الطريق وترجّلوا منها مخلّفين وراءهم بداخلها بعض الأغراض التضليلية. وتبيّن من أعمال التعقب أن المنفذين واجهوا مشكلة أثناء الانسحاب، ما دفعهم الى ترك السيارة على الطريق واللجوء الى سيارة أخرى للابتعاد بها الى مكان مجهول.
نشاط الموساد في سوريا
منذ عام 2009، بدأ لبنان بتزويد الاستخبارات السورية بمعلومات عن سوريين مشتبه في تعاملهم مع الاستخبارات الإسرائيلية. وكانت الأجهزة الأمنية اللبنانية، رسمية وحزبية، تحصل على معلومات من إفادات العملاء الموقوفين في لبنان بشأن مشتبه فيهم سوريين، جرى نقل معلومات عنهم إلى الاستخبارات الإسرائيلية كمرشحين محتملين للتجنيد.
المحرّكون الأمنيون التابعون للاستخبارات الإسرائيلية في لبنان كانوا يعملون على تجنيد أشخاص، وعلى ترشيح أشخاص للتجنيد. وزادت إسرائيل من اعتمادها على عملائها الموثوقين في لبنان، والذين تربطهم صلات جيدة بسوريا، سواء على المستوى الشخصي أو العملي أو الأمني، بهدف تجنيد سوريين.
المفتاح الثاني للتعاون اللبناني ــ السوري في مجال مكافحة التجسس الإسرائيلي، يستند إلى الاتصالات الهاتفية. فالاستخبارات الإسرائيلية تستخدم عادة أرقاماً هاتفية للاتصال بعملائها في لبنان. وهذه الأرقام هي إما أوروبية أو شرق آسيوية، وإما لبنانية يجري تشغيلها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في المناطق التي تحظى بتغطية من شبكة الهاتف الخلوي اللبنانية. وبعد انكشاف طريقة العمل هذه، كان الإسرائيليون يتوقفون تباعاً عن استخدام هذه الأرقام. وقد سلّمت الأجهزة الأمنية اللبنانية نظيرتها السورية لائحة مفصّلة تتضمن كافة هذه الأرقام، للتثبّت ممّا إذا كان يجري استخدامها للاتصال بعملاء داخل سوريا.
اظن ان الموضوع اعقد بكثير لا يمكن استبعاد عدة فرضيات من بينها مسالة تصفية حسابات بين كوادر المقاومة نفسها كما يبقى الدور السوري في هذا الموضوع مبهما جدا
يمكن ان يكون الاسرائيليون ضغطوا على زر التفجير لكن علامة الا ستفهام تبقى حول من باع لهم الشهيد
سبحان الله للوهله الأولى توقعت ان الصوره تكون لمغنيه نفسه وانه واقف على قبره
---------------------
على العموم عماد مغنيه كان احد اكبر اركان حزب لله ولا ابالغ ان قلت ان دوره كان ناشط اكثر من حسن نصر الله فهو المسؤل الأول عن عمليات نقل الاسلحه من ايران وسوريا الى لبنان وهو المسؤل الاول عن عمليات التفجير التي اصابة مقر المراينز الامريكي والفرنسي والايقاع الميئات منهم
قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :
" لا تدع تمثالا إلا طمسته . ولا قبرا مشرفا إلا سويته . وفي رواية : ولا صورة إلا طمستها ".
الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 969
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وروى مسلم رحمه الله من حديث جابر رضي الله عنه قال :
((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه))
وخرجه الترمذي وغيره بإسناد صحيح وزاد ((وأن يكتب عليه))