المصريون – خاص : بتاريخ 20 - 7 - 2008 نبدأ جولتنا في صحف الاحد من جريدة المصري اليوم التى نقرا منها للدكتور محمود خليل حول مخطط امريكا والعدو الصهيوني لتعطيش مصر من خلال ضرب السودان:
منذ عهد محمد علي كانت مصر والسودان دولة واحدة يظلهما حكم واحد، وكان الوالي حينذاك يري أن هذا التوحد هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري الذي يرتبط بماء النيل الذي يمر بالسودان قبل أن يفيض إلي مصر، أما حركة جيش محمد علي في الشام والحجاز فقد كانت تتم إما لحساب الخليفة العثماني أو لحساب المشروع السياسي للرجل الذي أراد أن يجعل من مصر وريثاً شرعياً لدولة الخلافة.
وقد ظل الوضع بين الدولتين علي هذا النحو طيلة الفترة الممتدة من أوائل القرن التاسع عشر وحتي منتصف القرن العشرين. ويكفي للتدليل علي عمق حالة التوحد تلك أن نشير إلي أن الرئيس محمد نجيب - رحمه الله - ولد في السودان لأب مصري وأم سودانية وقضي فيها سنوات شبابه الأولي، وكانت أم الرئيس السادات - رحمه الله - سودانية أيضاً.
وقد قررت حكومة الثورة - بعد قيامها عام ١٩٥٢ - أن تمنح السودان فرصة للحكم الذاتي تحت السيادة المصرية لمدة ثلاثة أعوام، ثم يترك للشعب السوادني بعد ذلك حق تقرير المصير إما بالوحدة مع مصر أو الاستقلال. وعندما تم هذا الاستفتاء عام ١٩٥٦ أعرب الشعب السوداني عن رغبته في الاستقلال، خصوصاً بعد إزاحة جمال عبد الناصر للرئيس محمد نجيب، وكان نجيب محبوباً للغاية في الأوساط الشعبية السودانيــة. أغلق عبد الناصر ملف دولة الوادي ( وادي النيل ) وبدأ يلتفت إلي تحقيق طموحاته القومية العربية في اليمن وسوريا ودخل في عداوات مع أنظمة الحكم الملكي الوراثي في عدد من الدول العربية التي لم تكن تظهر له الولاء الذي كانت تبديه الأنظمة العسكرية الشبيهة.
ومنذ ذلك الحين كان تركيز أنظمة الحكم المتعاقبة في مصر علي مجرد وجود حكومات موالية لها في الخرطوم دون الالتفات إلي قضية الوحدة الحقيقية التي يتم جمع المصالح المشتركة للشعبين تحت مظلتها.
وقد أعقب محاولة الانقلاب الفاشلة تلك - يقصد محاولة أم درمان الأخيرة - صدور طلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة أنه مسؤول عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في دارفور، وفي حين رحبت ٢١ منظمة حقوقية مصرية ودولية بهذا الطلب حذرت الحكومة المصرية مما أسمته التعامل غير المسؤول مع الأوضاع السودانية ودعت إلي اجتماع دولي لتسوية الأزمة. وتدل هذه التصريحات علي إحساس قاتل بالعجز من جانب الحكومة المصرية أمام الموقف الحالي الذي تواجهه في السودان.
فهذه المرة لن ينفع تحريك طائرة أو طائرتين لحماية البشير، كما أن الحديث عن اجتماع دولي لحل الأزمة هو كلام فارغ، فالمجتمع الدولي الذي تقوده أمريكا لن يأخذ باله أصلاً من ثرثرة الدبلوماسية المصرية، لأن هناك مهمة أخري تنتظره تتمثل في القبض علي الرئيس السوداني وتقديمه للعدالة الدولية!.
وقد يظن البعض أن الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل تسعي إلي وضع يدها علي تلك البحيرة البترولية التي يسبح فوقها إقليم دارفور، تلك البحيرة التي يمكن أن تفسر الصراع الحالي بين متمردي دارفور والحكومة السودانية وتجعله نوعاً من أنواع خلاف المصالح «بالثلث»، لكنني أتصور أن الأمر يختلف بالنسبة للولايات المتحدة عموماً وإسرائيل خصوصاً. فالارتفاع المستمر في أسعار البترول سيجعل تكلفة استخراج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية تكلفة اقتصادية، وبالتالي يمكن أن نتوقع أن يتم تغيير البترول بالوقود الحيوي كمصدر للطاقة.
القصة ترتبط - كما هو واضح - بمياه النيل الذي ترتبط به حياة المصريين. وكما هو معلوم للجميع تحاول إسرائيل منذ سنين طويلة أن تتحرك في أفريقيا، وخصوصاً في أثيوبيا وجنوب السودان، من أجل تهديد هذا الشريان الذي يهب الحياة للمصريين.
. ملف السودان لابد أن يوضع في أيدي آخرين، وإذا كان ملف المشكلة الفلسطينية قد تم تسليمه إلي السيد عمر سليمان - بعيداً عن وزارة الخارجية - فلماذا لا يتم تسليم ملف السودان إلي نفس اليد لعلها تصلح ما أفسده آخرون، وتعيد للدور المصري في السودان جانباً من هيبته ؟.
ومصر مطالبة أيضاً بالتحرك علي مستويات أوسع، خصوصاً من الناحية الدولية، لأن أي انقضاض علي السودان سيجعل مصر في مرمي حجر من القوة التي سوف تسيطر عليه، وسيجعل الماء الذي يشربه المصريون ويزرعون به أرضهم عرضة للعبث. لقد جربنا لسنين الفكر الأمني في التعامل مع الملف السوداني، وقد آن الأوان لأن نجرب فكراً جديداً قبل أن ندخل دائرة العطش!
http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=51516&Page=11
منذ عهد محمد علي كانت مصر والسودان دولة واحدة يظلهما حكم واحد، وكان الوالي حينذاك يري أن هذا التوحد هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري الذي يرتبط بماء النيل الذي يمر بالسودان قبل أن يفيض إلي مصر، أما حركة جيش محمد علي في الشام والحجاز فقد كانت تتم إما لحساب الخليفة العثماني أو لحساب المشروع السياسي للرجل الذي أراد أن يجعل من مصر وريثاً شرعياً لدولة الخلافة.
وقد ظل الوضع بين الدولتين علي هذا النحو طيلة الفترة الممتدة من أوائل القرن التاسع عشر وحتي منتصف القرن العشرين. ويكفي للتدليل علي عمق حالة التوحد تلك أن نشير إلي أن الرئيس محمد نجيب - رحمه الله - ولد في السودان لأب مصري وأم سودانية وقضي فيها سنوات شبابه الأولي، وكانت أم الرئيس السادات - رحمه الله - سودانية أيضاً.
وقد قررت حكومة الثورة - بعد قيامها عام ١٩٥٢ - أن تمنح السودان فرصة للحكم الذاتي تحت السيادة المصرية لمدة ثلاثة أعوام، ثم يترك للشعب السوادني بعد ذلك حق تقرير المصير إما بالوحدة مع مصر أو الاستقلال. وعندما تم هذا الاستفتاء عام ١٩٥٦ أعرب الشعب السوداني عن رغبته في الاستقلال، خصوصاً بعد إزاحة جمال عبد الناصر للرئيس محمد نجيب، وكان نجيب محبوباً للغاية في الأوساط الشعبية السودانيــة. أغلق عبد الناصر ملف دولة الوادي ( وادي النيل ) وبدأ يلتفت إلي تحقيق طموحاته القومية العربية في اليمن وسوريا ودخل في عداوات مع أنظمة الحكم الملكي الوراثي في عدد من الدول العربية التي لم تكن تظهر له الولاء الذي كانت تبديه الأنظمة العسكرية الشبيهة.
ومنذ ذلك الحين كان تركيز أنظمة الحكم المتعاقبة في مصر علي مجرد وجود حكومات موالية لها في الخرطوم دون الالتفات إلي قضية الوحدة الحقيقية التي يتم جمع المصالح المشتركة للشعبين تحت مظلتها.
وقد أعقب محاولة الانقلاب الفاشلة تلك - يقصد محاولة أم درمان الأخيرة - صدور طلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة أنه مسؤول عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في دارفور، وفي حين رحبت ٢١ منظمة حقوقية مصرية ودولية بهذا الطلب حذرت الحكومة المصرية مما أسمته التعامل غير المسؤول مع الأوضاع السودانية ودعت إلي اجتماع دولي لتسوية الأزمة. وتدل هذه التصريحات علي إحساس قاتل بالعجز من جانب الحكومة المصرية أمام الموقف الحالي الذي تواجهه في السودان.
فهذه المرة لن ينفع تحريك طائرة أو طائرتين لحماية البشير، كما أن الحديث عن اجتماع دولي لحل الأزمة هو كلام فارغ، فالمجتمع الدولي الذي تقوده أمريكا لن يأخذ باله أصلاً من ثرثرة الدبلوماسية المصرية، لأن هناك مهمة أخري تنتظره تتمثل في القبض علي الرئيس السوداني وتقديمه للعدالة الدولية!.
وقد يظن البعض أن الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل تسعي إلي وضع يدها علي تلك البحيرة البترولية التي يسبح فوقها إقليم دارفور، تلك البحيرة التي يمكن أن تفسر الصراع الحالي بين متمردي دارفور والحكومة السودانية وتجعله نوعاً من أنواع خلاف المصالح «بالثلث»، لكنني أتصور أن الأمر يختلف بالنسبة للولايات المتحدة عموماً وإسرائيل خصوصاً. فالارتفاع المستمر في أسعار البترول سيجعل تكلفة استخراج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية تكلفة اقتصادية، وبالتالي يمكن أن نتوقع أن يتم تغيير البترول بالوقود الحيوي كمصدر للطاقة.
القصة ترتبط - كما هو واضح - بمياه النيل الذي ترتبط به حياة المصريين. وكما هو معلوم للجميع تحاول إسرائيل منذ سنين طويلة أن تتحرك في أفريقيا، وخصوصاً في أثيوبيا وجنوب السودان، من أجل تهديد هذا الشريان الذي يهب الحياة للمصريين.
. ملف السودان لابد أن يوضع في أيدي آخرين، وإذا كان ملف المشكلة الفلسطينية قد تم تسليمه إلي السيد عمر سليمان - بعيداً عن وزارة الخارجية - فلماذا لا يتم تسليم ملف السودان إلي نفس اليد لعلها تصلح ما أفسده آخرون، وتعيد للدور المصري في السودان جانباً من هيبته ؟.
ومصر مطالبة أيضاً بالتحرك علي مستويات أوسع، خصوصاً من الناحية الدولية، لأن أي انقضاض علي السودان سيجعل مصر في مرمي حجر من القوة التي سوف تسيطر عليه، وسيجعل الماء الذي يشربه المصريون ويزرعون به أرضهم عرضة للعبث. لقد جربنا لسنين الفكر الأمني في التعامل مع الملف السوداني، وقد آن الأوان لأن نجرب فكراً جديداً قبل أن ندخل دائرة العطش!
http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=51516&Page=11