التنسيق بين الطائرات القتالية ومركبات القتال غير المأهولة

مارشــال

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
25 مايو 2008
المشاركات
24,408
التفاعل
41,277 35 0
الدولة
Egypt
لتكيف مع الأوضاع في الميدان، وتنظيم عمليات التدخل، ومدى العمل، والقدرة النارية هي من بين الميزات التي تضع طائرة القتال -وليس مركبة القتال غير المأهولة -في قلب كل عملية مشتركة بين الجيوش.
هل ولى زمن الطائرات القتالية لصالح مركبات القتال غير المأهولة؟ هذا ما يعتقده البعض، مستندين إلى التطورات التي أحرزتها هذه الأخيرة وإلى التنامي الكبير في قوة الاشتباكات في الوسط المديني، ومقتنعين بأن الطيران القتالي لم يعد متكيفاً مع التحديات المستقبلية. في الواقع، هذه التقديرات خطيرة وناجمة عن رؤية متحيزة وجزئية على الأقل.

أولاً، ستفرض الفوضى السائدة في العالم على الدول الحفاظ على قدرات عسكرية ضاغطة. وفي هذا الإطار، ستبقى طائرة القتال أداة قوة يتعذر استبدالها. ثم إن لمركبات القتال غير المأهولة قيوداً تخصها. وأخيراً، ليس تدخل الطائرات القتالية فوق المدن مستبعداً البتة، بل على العكس، سيتطلب نجاح هذا النوع من الاشتباك، المعقد جداً في الواقع، عملاً جوياً -أرضياً متناسقاً.

بين الطائرة القتالية ومركبة القتال غير المأهولة:


وضمن سياق ما شهدته وتشهده مناطق عديدة من العالم اليوم، فضلاً عن إمكان ظهور "مفاجأة استراتيجية" غير معروفة من قبل، ستستمر الطائرة القتالية، نظراً لقدرتها النارية، ودقتها العالية جداً، ومرونتها وآجال رد فعلها القصيرة جداً، في تزويد صاحب القرار السياسي بعناصر الحسم والقدرة على التصرف، أيا كانت المهام وفي جميع الظروف. واليوم، التحقت بأفغانستان، بناء على طلب "الناتو"، أكثر من خمسين طائرة مطاردة قاذفة، منها: ست طائرات "رافال". Rafale تقوم هذه الطائرات بمهام استطلاع، ومساندة نارية واختبارات قوة لصالح الوحدات على الأرض.
أما مركبات القتال غير المأهولة فإنها موضع الكثير من الأفكار المسبقة والأخطاء المعرفية، المتعلقة ليس فقط بطبيعتها بل أيضاً بالقدرات الجديدة التي يمكن أن تأتي بها هذه المنظومات المستقبلية. هل تشكل بديلاً عن الطائرة القتالية التي يقودها طيار؟ أيا كانت التطورات التي سيحرزها الذكاء الصنعي مستقبلاً، فإنه سيكون من الصعب استبدال الطيار البشري، الذي سيبقى في الكثير من الأحوال ضمانة لحرب يسيطر عليها الإنسان وغير متروكة للروبوتات وحدها. ستستمر الحاجة إلى التحكم على نحو دائم باستخدام القوة في دفع أصحاب القرار نحو ترك تطبيق قواعد الاشتباك للعنصر البشري. وسيكون الطيار البشري، الذي يواجه واقع العمليات بشكل مباشر، أفضل تقديراً للوضع كي يفتح النار عن دراية. يمكن أن يكون صعباً الحصول على مثل هذه الحساسية عن بعد آلاف
الكيلومترات، من خلال الشاشات والأعمال الموجهة عن بعد. في الواقع، لعل نقطة التوازن تتمثل على الأرجح في الاستخدام المتضافر والمتكامل بين الطائرات القتالية التي يقودها طيار بشري والمركبات القتالية غير المأهولة.
ستتيح عمليات التطوير السريع لمنظومات الاتصالات قريباً، ليس فقط ربط الطائرات فيما بينها، بل أيضاً، خلال سنوات قليلة، ربطها مع العناصر المتحركة على الأرض بهدف تبادل كل المعطيات المفيدة لتنفيذ المهام. ستتم هذه الارتباطات من خلال شبكات ترتكز إلى "بروتوكول الإنترنت " Internet Protocol. ويقوم سلاح الجو الأمريكي الآن باختبار ال Battlefield Airborne Communication Node لتحقيق هذا الهدف. ويقدر أن تنجزه الجيوش الفرنسية بين عامي 2020 و 2025 . وستتيح هذه القدرة تبادل المعلومات والصور التي ستمنح الطيار، الذي يقود المهمة على متن طائرة "رافال"، تقديراً دقيقاً للوضع العام، على الأقل بنفس المواصفات التي تحصل عليها مراكز القيادة اليوم. وستتوافر له بذلك العناصر جميعها كي يدير بذكاء مجموعة من الطائرات بطيار أو بدون طيار بشري، وتنفيذ مهمته بأفضل فرص النجاح. ومن المؤكد أن تصورات ومذاهب الاستخدام ما تزال بعد في مرحلة التخطيط والتجريب، ولكن ليس هناك شك بأن الخطوط العريضة للمشاركة بين الوسائط التي يقودها أو لا يقودها عنصر بشري ستكون جاهزة قبل عام 2025 .
يمكن أن نتصور أن قائد المهمة سيتمكن حينذاك من تنظيم طاقم جوي -طائرات يقودها طيار بشري ومركبات قتال غير مأهولة- خلال التحليق بهدف القيام بعمليات هجوم في العمق باستخدام المعلومات التي تقدمها له بالزمن الحقيقي مركبة قتال غير مأهولة مكلفة بأعمال الرصد. سيتمكن أيضاً من تنظيم عمليات تحييد الدفاعات الجوية المعادية من خلال التحكم بمركبات قتالية غير مأهولة متخصصة في أعمال الكشف والتشويش الراداري المضاد. وسيكون في الوقت نفسه قادراً على إعادة توجيه قسم من طاقمه نحو مهام مساندة نارية لصالح القوات البرية عند الإحساس بالحاجة العاجلة إلى ذلك. "يعني ذلك وضع مركبة القتال غير المأهولة بثبات ضمن أفق التعاون مع العنصر البشري، تحت إمرته، ولصالحه، مع استمرار العمل بالمبادئ والمفاهيم الموضوعة منذ زمن طويل في ميدان المساندة الجوية ". يذكر هنا أن الأمريكيين لم يعودوا يتحدثون عن "مركبات قتال جوية غير مأهولة" Unmanned Aerial Vehicles بل عن منظومات جوية غير مأهولة" Unmanned Aerial Systems. ويُظهر ذلك أن مركبة القتال غير المأهولة أصبحت منظومة سلاح كغيرها وأنه يجب استخداها مقترنة بها وبالتكامل معها، ولم تعد تهدف إلى الحلول محلها.
إن التعاون الوثيق، بين وسائط يقودها طيار بشري وأخرى موجهة عن بعد، هو وحده الذي سيتيح، بالاقتران مع طرق عمل متنوعة، دعم عمل الوحدات المشتبكة على الأرض وتأمين حمايتها. في الواقع، إن الخصم الذي لا يتعرض إلى ضغط جوي مستمر يسترجع بشكل تلقائي حرية عمل أكبر، خصوصاً في الوسط المديني، حيث يمكن أن يتخفى ويفاجئ الخصم بسهولة ومن ثم يختفي. ويسعى المقاتلون، من جانب آخر، إلى الاحتراس من التهديد الجوي بالاحتماء عميقاً في الأرض. وكما أظهرت حرب لبنان 2006، فإن استخدام الطائرات القتالية فوق المدن يبقى أمراً شائكا للغاية، بسبب الأضرار الجانبية المحتملة وضغط وسائل الإعلام والرأي العام... كما أن دقة الأسلحة الجوية، وإمكانية تدريج ومعايرة تأثيراتها، ووجود تهديد جوي مستمر وخيف، وارتفاع الرؤية فوق وسط معقد ومتشابك... هي من الخاصيات التي تمنح القدرة الجوية ميزة حاسمة.
المستقبل للرؤية التنسيقية بين الجيوش:
وهكذا، فإن مركبات القتال غير المأهولة قادرة على أن تقيّم الصور الدقيقة الحتمية لقيادة العمليات وحماية القوات، بالزمن الحقيقي باستمرار، نظراً لقدرة تحملها الكبيرة. وفي الوسط المديني. هي وحدها القادرة على القيام بذلك، نظراً لإمكان وجودها فوقه وإشرافها عليه ("الرؤية من السماء"، حسب التعبير الأنكلوسكسوني). أما طيارو الطائرات القتالية فيوفرون لأصحاب القرار الفهم والاستيعاب والحساسية في جميع الأوضاع الشائكة. ليس المستقبل إذاً للمركبات القتالية غير المأهولة وحدها، بل يجب تنظيم دمجها ضمن شبكة قدرات الجيوش، ومن هنا لزوم صياغة تصورات ومفاهيم جديدة من أجل استخدام أمثل لمجمل الوسائل الجوية. وهذا ما يتطلب رؤية تنسيقية بين الجيوش في العمليات المستقبلية.
يمكن اليوم، بفضل التطورات التكنولوجية، كشف وتعيين وتتبع وتحديد أهداف متحركة على نحو دقيق جداً، ليلاً كما في النهار. إن مركبات القتال غير المأهولة ومنصات الإطلاق موصولة بمركز القيادة، ولكن ليس فيما بينها حتى الآن. لقد بدأت اتصالات نقل الصور هذه تتبلور اليوم على مستوى التجارب فقط، بين الطائرات والقوات البرية عند الأمريكيين، وهذا ما تسعى إليه فرنسا مع طائراتها من طراز" ميراج 2000 العاملة في أفغانستان.
اكتسبت طائرات "رافال" الفرنسية، التابعة للبحرية الوطنية وسلاح الجو، المنشورة في أفغانستان، تجربة فريدة في العمل المتعدد الجنسية وبين الجيوش المشتركة، وهو ما سيترك تأثيراته في التطورات التقنية والمذاهب العسكرية. وبحصول القوات على مركبات الاستطلاع غير المأهولة، ستكتمل هذه التطورات وتشهد كامل تساوقها ضمن رؤية مشتركة بين الجيوش على صعيد استخدام القوات.


 
عودة
أعلى