في اطار اهتمام العالم كله بمنطقة مالي بعد الاشكالات الاخيرة ..بدى لي انه من الضروري ان يعلم المغاربة كيف ان هذا البلد (البعيد) جغرافيا و الذي كان يوما من الايام جزئا من المغرب الحالي مهم جدا في فهم التاريخ المغربي الحديث ككل .
كاو و كيدال و تومبوكتو كلها اسماء قد لا تعني للمغاربة اكثر من اسماء مدن في جمهورية مالي البعيدة ..لكنها كانت تعني للمغرب قبل نهاية القرن التاسع عشر عمقا استراتيجيا مهما و جزءا مهما من تاريخ المغرب
بداية القصة :
في اوج قوة الدولة المغربية اثناء حكم السعديين وبعد انتصار المغرب في معركة وادي المخازن التي جعلت المغرب قوة دولية عظمى في الغرب الاسلامي و اسقطت –الى الابد-الامبراطورية البرتغالية ..صعد نجم السلطان المغربي احمد المنصور الذهبي احد ابطال الانتصار في وادي المخازن و اصبح سلطانا للمغرب بعد وفاة اخيه عبد الملك.. فوحد المغرب من ادناه الى اقصاه و تقوت التجارة في عهده و اصبح الجيش معادلة صعبة في المنطقة و عاش المغرب في رفاهية نادرة
فتح مالي و النيجر .. الدوافع و النتائج
في هذا الجانب من الموضوع هناك تياران .. التيار الاول يقول بان السبب في غزو المغرب لهاته المنطقة يرجع بالاساس الى رغبته في السيطرة على منابع تجارة الذهب و الملح و الى التوسع الجغرافي..هذا التيار هو غالبا تيار معادي للمغرب ..نجد هاد التيار خصوصا في الكتابات الفرنسية الاستعمارية و بعد استقلال مالي ترسخ هذا التيار في صفوف التيار القومي الزنجي..ومؤخرا قرات حتى مقالات لبعض الموريتانيين لهم مواقف من المغرب
التيار الثاني هو تيار اساسا مغربي يدافع عن الغزو و يصفه بالفتح و يرجع العملية الى كون امبراطورية السونغايا التي حكمت المنطقة ولو انها كانت على الاسلام ولكنها كانت تتبع البدع وتهتم ببعض الممارسات الافريقية الوتنية المانفية للدين..كما ان رغبة احمد المنصور الذهبي في السير على خطى الفاتحيين المسلمين العظام و توحيد الامة الاسلامية كما كان عليه الحال ايام المرابطين كانت سببا اساسيا.
وتجدر الاشارة الى ان الرأي العام المغربي انذاك كان في مجمله ضد الحملة و اعتبرها مغامرة غير محسوبة العواقب , كما ان اهم العلماء اعتبروا ذالك غير جائزا لكون الصونغاي مسلمين .
ولعل من الانصاف الاقرار بان أي مؤرخ ملتزم لا يمكن ان ينفي ان كلى الرأين صائبين.. فالمغرب وكاي قوة اقليمية انذاك كانت تسعى للتوسع و فرض سيطرتها.. ولما كان من المستحيل التوسع شرقا نحو الجزائر في منطقة نفوذ العثمانيين..وكذالك الشأن في الشمال..فاستعادة الاندلس اصبحت ضربا من ضروب الخيال..فلم يعد من مجال جغرافي للتوسع بالنسبة للامبراطورية المغربية سوى جنوب الصحراء (منطقة غرب افريقيا) او ما كان يسمى انذاك ببلاد السودان الغربي. هناك حيث الذهب و الملح و طرق التجارة الصحراوية التي كانت مازالت ذات اهمية .. و نتيجة لذالك بعث احمد المنصور الذهبي (لقب بالذهبي خصوصا بعد الحملة المغربية على السونغاي حيث جنت الدولة المغربية كمية هائلة من هاته المادة بعد سيطرتها على مناجم الذهب) بعث العديد من الرسائل لامبراطور السونغاي (اسكيا اسحاق الثاني) داعيا اياه الى الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة ..وامام رفض الاخير قرر السلطان احمد المنصور الذهبي ارسال حملة عسكرية .
الحملة المغربية و معركة تونديبي :
جهز السلطان حملته العسكرية في سرية تامة رغم محاولات الجواسيس (الاوروبيين و العثمانيين) معرفة ما كان يدور في الكواليس..اعطى اشارة الانطلاقة للحملة في اكتوبر 1590 من العاصمة مراكش وكان تعدادها 1500 فارس و 2500 من المشاة اضافة الى 6 مدافع و كان على رأس الحملة القائد (جودار باشا) وهو من اصل اسباني مسيحي لكنه نشأ على الاسلام و حين كان صبيا التحق بالخدمة العسكرية المغربية في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي السعدي. على غرار العديد من ضباط أحمد، كان جودار مخصيا.
عبر الجيش المغربي الصحراء و توجه نحو مناجم الملح في الشمال في تغارة فسيطرت عليها ثم استمر في التقدم نحو العاصمة (غاو) ..
جمع الاسكيا اسحاق الثاني 40000 مقاتل من المشاة و الخيالة لمواجهة الجيش المغربي الذي كان تعداده قرابة 5000 جندي .
وفي يوم 13 مارس 1591 وقعت المعركة المشهورة (تونديبي) بين الجيشين ورغم الفارق العددي الذي يميل لجانب الصونغاي فقد كان للتفوق المغربي التكنولوجي الكلمة الفيصل..فاستفاد من الاسلحة النارية و القوة المدفعية التي كانت غريبة عن الصونغاي وهو ما ادى في نهاية المطاف الى انتصار ساحق للجيش المغربي و اندحار امبراطورية الصونغاي .
واصل الجيش المغربي تحركاته فضم باقي المدن المالية الاخرى (كيدال , تومبوكتو , دجيني ) وسيطر على مناجم الذهب و مقالع الملح .
بالرغم من الانتصارات المتتالية و استقرار الامور للمغاربة الا ان المقاومة الصونغية استمرت للسنوات طويلة .
دولة الباشوات المغاربة في مالي :
اقام المغرب نظام ادراي محلي في شمال مالي و النيجر و كان على رأسه القائد العسكري (جودار باشا) .. في سنة 1603 توفي السلطان احمد المنصور الذهبي مما ادى الى مجموعة من التحولات و التغيرات و الصراعات بين ابناء المنصور على السلطة و قد انعكس هذا على الاوضاع في شمال مالي و النيجر .. في سنة 1906 على اثر خوف السلطة المركزية من طموح جدار باشا للاستقلال بالمنطقة تم عزله و تنفيذ حكم الاعدام في حقه و تم تعيين ظابط من اصل اسباني مثل جودار باشا ولم يلبث الامر كثيرا فتم عزله و اعدامه قبل ان يتم تعيين ظابط مغربي على رأس الادارة في المنطقة .
استمر الصراع على عرش المغرب بين ابناء و احفاد المغرب ما يزيد عن 50 سنة و هو ما انعكس بشكل سلبي ليس فقط على البلد وانما كذالك على منطقة شمال مالي و النيجر مما ادى الى استقلال الفاتحيين الجدد و ابائهم واحفادهم عن الوطن الام و تأسيس دولة (الباشوات المغاربة) او مايسمى كذالك بدولة (اراما) وهو لفظ محرف في اللهجة المحلية عن اللفظ باللغة العربية (الرماة) .
باستثناء المحاولات الجادة للسلطان مولاي إسماعيل (1672-1727م)، لم يتوفق سلاطين الدولة العلوية المغربية في ضم المنطقة للسلطة المركزية من جديد ؛ لكن العلاقات التجارية والثقافية وخصوصا الروحية ظلت قائمة، حيث ظلت على ما كانت عليه باعتبار السلطان المغربي اميرا للمؤمنين و حتى الجمعة ظل الدعاء فيها باسم السلطان ، وهذا ما يفسر استنجاد السودان وفقهاء تمبوكتو (عام 1893م) بالسلطان العلوي مولاي الحسن كامير للمؤمنين بغاية درء وصد الغزو الاستعماري الفرنسي للمنطقة .
جميع الحقوق محفوظة للشبح
كاو و كيدال و تومبوكتو كلها اسماء قد لا تعني للمغاربة اكثر من اسماء مدن في جمهورية مالي البعيدة ..لكنها كانت تعني للمغرب قبل نهاية القرن التاسع عشر عمقا استراتيجيا مهما و جزءا مهما من تاريخ المغرب
بداية القصة :
في اوج قوة الدولة المغربية اثناء حكم السعديين وبعد انتصار المغرب في معركة وادي المخازن التي جعلت المغرب قوة دولية عظمى في الغرب الاسلامي و اسقطت –الى الابد-الامبراطورية البرتغالية ..صعد نجم السلطان المغربي احمد المنصور الذهبي احد ابطال الانتصار في وادي المخازن و اصبح سلطانا للمغرب بعد وفاة اخيه عبد الملك.. فوحد المغرب من ادناه الى اقصاه و تقوت التجارة في عهده و اصبح الجيش معادلة صعبة في المنطقة و عاش المغرب في رفاهية نادرة
فتح مالي و النيجر .. الدوافع و النتائج
في هذا الجانب من الموضوع هناك تياران .. التيار الاول يقول بان السبب في غزو المغرب لهاته المنطقة يرجع بالاساس الى رغبته في السيطرة على منابع تجارة الذهب و الملح و الى التوسع الجغرافي..هذا التيار هو غالبا تيار معادي للمغرب ..نجد هاد التيار خصوصا في الكتابات الفرنسية الاستعمارية و بعد استقلال مالي ترسخ هذا التيار في صفوف التيار القومي الزنجي..ومؤخرا قرات حتى مقالات لبعض الموريتانيين لهم مواقف من المغرب
التيار الثاني هو تيار اساسا مغربي يدافع عن الغزو و يصفه بالفتح و يرجع العملية الى كون امبراطورية السونغايا التي حكمت المنطقة ولو انها كانت على الاسلام ولكنها كانت تتبع البدع وتهتم ببعض الممارسات الافريقية الوتنية المانفية للدين..كما ان رغبة احمد المنصور الذهبي في السير على خطى الفاتحيين المسلمين العظام و توحيد الامة الاسلامية كما كان عليه الحال ايام المرابطين كانت سببا اساسيا.
وتجدر الاشارة الى ان الرأي العام المغربي انذاك كان في مجمله ضد الحملة و اعتبرها مغامرة غير محسوبة العواقب , كما ان اهم العلماء اعتبروا ذالك غير جائزا لكون الصونغاي مسلمين .
ولعل من الانصاف الاقرار بان أي مؤرخ ملتزم لا يمكن ان ينفي ان كلى الرأين صائبين.. فالمغرب وكاي قوة اقليمية انذاك كانت تسعى للتوسع و فرض سيطرتها.. ولما كان من المستحيل التوسع شرقا نحو الجزائر في منطقة نفوذ العثمانيين..وكذالك الشأن في الشمال..فاستعادة الاندلس اصبحت ضربا من ضروب الخيال..فلم يعد من مجال جغرافي للتوسع بالنسبة للامبراطورية المغربية سوى جنوب الصحراء (منطقة غرب افريقيا) او ما كان يسمى انذاك ببلاد السودان الغربي. هناك حيث الذهب و الملح و طرق التجارة الصحراوية التي كانت مازالت ذات اهمية .. و نتيجة لذالك بعث احمد المنصور الذهبي (لقب بالذهبي خصوصا بعد الحملة المغربية على السونغاي حيث جنت الدولة المغربية كمية هائلة من هاته المادة بعد سيطرتها على مناجم الذهب) بعث العديد من الرسائل لامبراطور السونغاي (اسكيا اسحاق الثاني) داعيا اياه الى الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة ..وامام رفض الاخير قرر السلطان احمد المنصور الذهبي ارسال حملة عسكرية .
الحملة المغربية و معركة تونديبي :
جهز السلطان حملته العسكرية في سرية تامة رغم محاولات الجواسيس (الاوروبيين و العثمانيين) معرفة ما كان يدور في الكواليس..اعطى اشارة الانطلاقة للحملة في اكتوبر 1590 من العاصمة مراكش وكان تعدادها 1500 فارس و 2500 من المشاة اضافة الى 6 مدافع و كان على رأس الحملة القائد (جودار باشا) وهو من اصل اسباني مسيحي لكنه نشأ على الاسلام و حين كان صبيا التحق بالخدمة العسكرية المغربية في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي السعدي. على غرار العديد من ضباط أحمد، كان جودار مخصيا.
عبر الجيش المغربي الصحراء و توجه نحو مناجم الملح في الشمال في تغارة فسيطرت عليها ثم استمر في التقدم نحو العاصمة (غاو) ..
جمع الاسكيا اسحاق الثاني 40000 مقاتل من المشاة و الخيالة لمواجهة الجيش المغربي الذي كان تعداده قرابة 5000 جندي .
وفي يوم 13 مارس 1591 وقعت المعركة المشهورة (تونديبي) بين الجيشين ورغم الفارق العددي الذي يميل لجانب الصونغاي فقد كان للتفوق المغربي التكنولوجي الكلمة الفيصل..فاستفاد من الاسلحة النارية و القوة المدفعية التي كانت غريبة عن الصونغاي وهو ما ادى في نهاية المطاف الى انتصار ساحق للجيش المغربي و اندحار امبراطورية الصونغاي .
واصل الجيش المغربي تحركاته فضم باقي المدن المالية الاخرى (كيدال , تومبوكتو , دجيني ) وسيطر على مناجم الذهب و مقالع الملح .
بالرغم من الانتصارات المتتالية و استقرار الامور للمغاربة الا ان المقاومة الصونغية استمرت للسنوات طويلة .
دولة الباشوات المغاربة في مالي :
اقام المغرب نظام ادراي محلي في شمال مالي و النيجر و كان على رأسه القائد العسكري (جودار باشا) .. في سنة 1603 توفي السلطان احمد المنصور الذهبي مما ادى الى مجموعة من التحولات و التغيرات و الصراعات بين ابناء المنصور على السلطة و قد انعكس هذا على الاوضاع في شمال مالي و النيجر .. في سنة 1906 على اثر خوف السلطة المركزية من طموح جدار باشا للاستقلال بالمنطقة تم عزله و تنفيذ حكم الاعدام في حقه و تم تعيين ظابط من اصل اسباني مثل جودار باشا ولم يلبث الامر كثيرا فتم عزله و اعدامه قبل ان يتم تعيين ظابط مغربي على رأس الادارة في المنطقة .
استمر الصراع على عرش المغرب بين ابناء و احفاد المغرب ما يزيد عن 50 سنة و هو ما انعكس بشكل سلبي ليس فقط على البلد وانما كذالك على منطقة شمال مالي و النيجر مما ادى الى استقلال الفاتحيين الجدد و ابائهم واحفادهم عن الوطن الام و تأسيس دولة (الباشوات المغاربة) او مايسمى كذالك بدولة (اراما) وهو لفظ محرف في اللهجة المحلية عن اللفظ باللغة العربية (الرماة) .
باستثناء المحاولات الجادة للسلطان مولاي إسماعيل (1672-1727م)، لم يتوفق سلاطين الدولة العلوية المغربية في ضم المنطقة للسلطة المركزية من جديد ؛ لكن العلاقات التجارية والثقافية وخصوصا الروحية ظلت قائمة، حيث ظلت على ما كانت عليه باعتبار السلطان المغربي اميرا للمؤمنين و حتى الجمعة ظل الدعاء فيها باسم السلطان ، وهذا ما يفسر استنجاد السودان وفقهاء تمبوكتو (عام 1893م) بالسلطان العلوي مولاي الحسن كامير للمؤمنين بغاية درء وصد الغزو الاستعماري الفرنسي للمنطقة .
جميع الحقوق محفوظة للشبح