المقدمة
نتيجة تأثير المتغيرات التي شهدها العالم في العقد الأخير من القرن العشرين، وتحت تأثير العولمة والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تحاول كل القوى علاجها والحد من انهيارها، ومع الأخذ في الاعتبار ضرورة ملاءمة القوات العسكرية مع متطلبات الصراع ضد التهديدات، الكامنة في كل مكان، والقابلة للانفجار بأشكال غير متوقعة، ومع تزايد رفض الرأي العام للخسائر البشرية الناجمة عن الحروب،وبالإضافة إلى التقدم الكبير في مجال تكنولوجيا التسليح، كل ذلك أدى إلى وضعت العديد من الدول مجموعة من البرامج الرامية إلى إعادة تنظيم وتجهيز جيوشها، بحيث تغدو قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية في القرن الحادي والعشرين.
وتوجهت الجهود نحو تخفيض عدد القوات المسلحة بشكل عام، وتزويدها بأجيال جديدة من الأسلحة والمعدات، لتحقيق المرونة، وخفة الحركة، والحشد النيراني، وإمكانية نقلها جوا، وقدرتها على الكشف ونقل المعلومات، في الزمن الحقيقي، إلى كافة أنساق القتال. وذلك من خلال تبنى فكرة الجيش الذكي الصغير.
وتعتمد فكرة الجيش الذكي الصغير في أحد شقيها على تسليح هذا الجيش بأحدث النظم، خاصة أننا في العصر المتميز بثورة المعلومات والاتصال، والابتكارات التكنولوجية، القادرة على الإسهام في شؤون الحرب، وعلى تصنيع أسلحة "ذكية" Smart.
هذه النظم، التي تمثلت في الطائرات الخفية، والصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وأنظمة القيادة والسيطرة الآلية، والأقمار الصناعية، ونظام تحديد المواقع على مستوى الكرة الأرضية Global Positioning System: GPS، وطائرات الإنذار المبكر، والسفن الحربية "ايجيس"، بالإضافة إلى استخدام الإمكانات العسكرية لنظم إدارة المعلومات، ونظم الإخفاء والخداع، ونظم الحرب الإلكترونية، ومستشعرات فائقة الحساسية، ونظم تسليح قوات جوية متقدمة.
أما الشق الثاني في فكرة الجيش الذكي الصغير فيتمثل في تخفيض أعداد القوات المسلحة، حيث إن وجود قوة صغيرة، على درجة استعداد عالية، وذات روح معنوية مرتفعة، تكون دائما أفضل من قوة أكبر حجما، ولا تتمتع بهذه الخصائص، حتى توافرت لهذه القوة الكبيرة أفضل التكنولوجيات والأسلحة.
وكلما زاد التقدم التكنولوجي العسكري، ظهر فكر عسكري جديد، حيث كانت الحاجة تدعو دائما لتطوير الأسلحة والعتاد الحربي، لتلبية متطلبات العمليات، وجد العسكريون أنفسهم أمام إمكانيات جديدة في مسرح الحرب، فينعكس ذلك على تطوير العقائد القتالية، سعيا لتحقيق الهدف من الصراع المسلح، بأقل خسائر بشرية ممكنة.
وانتشرت المساعي الرامية إلى تطوير وسائل نقل المواد المتفجرة، سواء من على سطح الأرض، بواسطة المدفعية والصواريخ، أو من الجو بواسطة الطائرات المختلفة، أو من الغواصات. وتطورت وسائل التدمير، وجرى الاهتمام بتكنولوجيا التوجيه لزيادة المدى ودقة الإصابة، اعتمادا على التطور في مجال الحاسبات الآلية، والتي تتميز بقدرات عالية لمعالجات البيانات، فظهرت منظومات التسليح الآلية المتكاملة، الفائقة الدقة، والشديدة "الذكاء"، والقوية التأثير.
لذا فإن استخدام الوسائل النيرانية، بعيدة المدى، والطائرات الموجهة من دون طيار، والقوات المحمولة جواً، والقادرة على خوض قتال في أماكن بعيدة، وكذلك القوات الخاصة، سوف تمنح الجيش الذكي الصغير في المستقبل قدرة حقيقية على خوض المعارك العميقة. وسوف يؤدى كل هذا التقدم إلى تحقيق تفوق نسبى في القوات، مما سيؤدى إلى تدمير العدو، قبل وصوله إلى بؤرة القتال.
المبحث الأول
الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري العالمي
أولاً: خلفية تاريخية
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عكف المفكرون العسكريون، في كل أنحاء العالم، على دراسة خبرات هذه الحرب، والأسلحة الرئيسية المستخدمة خلالها، لتحديد اتجاهات تطوير القوات المسلحة، وطبيعة أي حرب مقبلة.
وسرعان ما ظهرت نظريات وآراء جديدة منها، نظرية "الجيش الذكي الصغير"، التي نادى بها، على سبيل المثال، كل من الجنرال فولر وليدل هارت، في بريطانيا، وسيكت، في ألمانيا، وديجول، في فرنسا. وجاءت هذه النظرية نتيجة لتقويم دور المعدات والأسلحة الجديدة المتطورة تكنولوجيا ـ في حينها ـ وخاصة الدبابات.
ثانياً: دعوة "فولر"
نادى الجنرال "فولر" ـ رئيس أركان قوات التاج البريطاني ـ في كتابه "دور الدبابات في الحرب العظمى 1914 ـ 1918م " بأن نجاح الحلفاء في الحرب العالمية الأولى يعود إلى الدبابة. وأنه يجب على الغرب أن يبنى جيوشا مدرعة وميكانيكية، تتميز بصغر حجم القوات البشرية، ولكنها كبيرة التأثير.
كما رأى "فولر" أن نسبة كبيرة من النجاح في الحرب سيتوقف على السلاح، بينما باقي العناصر الأخرى، من استخدام، وقيادة، وشجاعة، وانضباط، وإمداد بالاحتياجات، تمثل نسبة أقل من النجاح.
ولقد أيد ديجول أفكار "فولر"، واعتبر أن سر انهيار فرنسا، في بداية الحرب العالمية الثانية، يرجع إلى سوء تقديرها لنظرية الجيش الذكي الصغير، هذه النظرية التي ترى أن الدبابة، بإمكاناتها، بوصفها قوة نيران، وبقدرتها على إحداث الصدمة، سوف تلعب الدور الحاسم في الحرب الحديثة من حيث تحقيق الاختراق السريع في دفاعات الخصم والقدرة على القتال في العمق.
ثالثاً: الثورة التكنولوجية العسكرية الأولى
منذ ظهور الحروب البدائية، وأسلحة القتال تنقسم إلى فئتين هما: الفئة الأولى، التي تتمثل في أسلحة الصدمة، مثل السيف والرمح والسونكي، وهى تستخدم للقتال القريب، ثم الفئة الثانية، وهى القذائف، والتي تعمل على تدمير العدو من بعد، مثل السهم، والطلقة، والقنبلة شديدة الانفجار، والتي تطلق من مختلف الوسائل.
ولذلك كانت الثورة التكنولوجية العسكرية الأولى تكمن في ظهور القوس، الذي يطلق من 8 ـ 12 سهما، وبمدى يصل ما بين 200 ـ 400 ياردة، ليظهر قتال العمق، ومرونة الأداء. وزادت كثافة التشكيلات ومعدات القتال، مع المرونة في توزيعها على مسرح العمليات، وجرت المساعي لتوفير الحماية للقوة البشرية، من خلال الدروع الفردية، والبذلة الحديدية الكاملة.
رابعاً: الثورة التكنولوجية العسكرية الثانية
تمثلت في ظهور البارود، ليبدأ عصر جديد، تسود فيه الأسلحة النارية، بمختلف أنواعها، وتعم المدفعية مختلف جيوش العالم، ويظل استخدامها مستمرا، حتى الآن. وتزايدت قوة الأسلحة، وسهولة استخدامها، ولذا تفوقت المدفعية على الخيالة، وأخذت مكانها بوصفها مطرقة للمعركة، تدمر قوات العدو في العمق، وتقطع طرق انسحاب قواته الأمامية، وتهيئ أفضل السبل لقوات المشاة الصديقة المهاجمة من الأمام، للقضاء على العدو وفرض الإرادة عليه.
وكان لتأثير التطور التكنولوجي، الذي أحدثته الثورة الصناعية في أوروبا، أن أجبرت العسكريين، المتمسكين بالقديم، إلى البحث عن أساليب جديدة لإدارة الحروب والمعارك، فقد توفرت وسائل لنقل المدفعية والقوات، وسرعة أعمال الإمداد، والسهولة النسبية في المناورة على أجناب ومؤخرة الخصم، وظهرت الدبابة، ورغم هذا ظلت المدفعية على احتكارها لقوة النيران في الميدان.
وبتطور الطيران، صار بوسع الجيوش زيادة سرعة إيقاع المعارك، وفيما بين الحربين العالميتين، ظهرت القوات المنقولة أو المسقطة جوا،مما أدى إلى زيادة خفة الحركة للقوات.
ونظراً لأن القاذفة الإستراتيجية قد ظهرت في هذه الآونة فكان يتم استخدامها بوصفها أحد وسائل إيصال الذخائر لمدى بعيد، فلم تكن هناك ثمة غرابة في أن المفكرين العسكريين قد سعوا لاستبدالها بحاملة ذخائر لا يقودها بشر، وقادرة على إحداث القدر نفسه من الدمار.
فظهرت القنبلة الطائرة الألمانية، لأول مرة في سماء بريطانيا، والتي تعمل بمحرك نفاث بسيط، وبسرعة 350 ميل/ ساعة، وتطلق من على مسافة 320 كم، وليصبح ذلك إعلانا بظهور عصر الصواريخ الباليستية.
خامساً: الثورة التكنولوجية العسكرية الثالثة
تمثلت في ظهور السلاح النووي يوم 6 أغسطس 1945م، عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، ليتم إصابة عشرات الآلاف بين قتيل وجريح، ولتدخل الترسانة النووية التاريخ، وتسعى كل دول العالم لدخول النادي النووي.
سادساً: الثورة التكنولوجية العسكرية الرابعة
تمثلت في ظهور الترانزيستورTransistor، ليبدأ السباق السريع في مجال الإلكترونيات، ولتصبح بعدا رئيسيا ثابتا في تطوير كل سلاح أو معدة عسكرية، ولتسمح ببناء الأقمار الصناعية، وتصنيع أجهزة الحاسب الحديثة.
ثم بدأ سباق الفضاء بإطلاق السوفيت لأول قمر صناعي "سبوتنيك" Sputnik يوم 4 نوفمبر 1957، ويعقبهم الأمريكيون بإطلاق القمر "إكسبلورر ـ 1" Explorer-1 في 31 يناير 1958. ورغم البداية المتواضعة في استخدام هذه الأقمار، بغرض الإنذار، إلا أنه سرعان ما اتسع استخدامها في مجال الاستخبارات، والمعلومات، والتجسس، والاتصالات، والتصوير.
سابعاً: أسباب بناء الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري الأمريكي
تشغل فكرة الجيش الذكي الصغير بال العسكريين الأمريكيين بدرجة كبيرة. فمنذ انتهاء الحرب الباردة والولايات المتحدة الأمريكية تسعى حثيثا لوضع تصور واضح محدد لإستراتيجيتها[1] العسكرية للقرن الحادي والعشرين بما يتلاءم مع متغيرات البيئة الخارجية والداخلية، ويضمن تحقيق المصالح الحيوية الإستراتيجية للولايات المتحدة سواء الآنية أو المستقبلية.
وتهدف هذه الإستراتيجية إلى إدارة الصراعات المسلحة على المستوى العالمي بأسلوب الفعل وليس رد الفعل، وذلك بامتلاك المبادأة والحفاظ عليها، واعتناق إستراتيجية الردع ضد القوى الإقليمية المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية كافة ، مع الاستعداد للحرب والنصر، إذا تطلب الأمر ذلك، واستمرار التمسك بإستراتيجية الهيمنة وفرض الإرادة على البيئة الأمنية العالمية من خلال امتلاك جيش جديد للقرن الحادي والعشرين، بدأت تظهر ملامحه الأساسية.
ثامناً: الإستراتيجية العسكرية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين
تعتبر الإستراتيجية العسكرية من أهم مجالات نشاط القيادة العسكرية، حيث تطرح الفكر العسكري اللازم لتطبيق الخطوط العامة التي حددتها السياسة العسكرية، سواء خلال فترات السلم، أو أثناء حالات الصراع المسلح.
وهو أمر ينعكس بالضرورة على كيفية بناء قدرات القوات المسلحة الأمريكية وإمكانياتها بمختلف عناصرها وتخصصاتها، وأيضا على تحديد الأهداف والمهام الإستراتيجية لها، والتي بتنفيذها يتم إحداث تغييرات جذرية في الموقف السياسي العسكري، وتؤثر على تطور الصراع كله، وتقود في النهاية إلى فرض الإرادة على الخصم.
تاسعاً: عناصر الإستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة الأمريكية
تتضمن الإستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة العديد من العناصر التي تبنى عليها الإستراتيجية العسكرية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين. وتشمل هذه العناصر:
1. الاستخدام الأمثل للقوة العسكرية، من حيث المهمة، والحجم، ونوعية القوات.
2. التحديد الواضح للمصالح الحيوية في كافة المجالات.
3. وضع معايير محددة لطبيعة التدخل الأمريكي وأبعاده باستخدام قوى الدولة كافة.
4. توفير أقصى حماية أمنية لمنطقة أوروبا.
5. الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها العسكري في منطقة الشرق الأوسط.
6. استمرار الدور الأمريكي لضبط التوازن في منطقة الباسفيك.
7. تنمية الاستثمارات في المجال الدفاعي والعسكري.
8. الحفاظ على الدور القيادي العالمي للولايات المتحدة.
9. مواجهة انتشار التسلح النووي والصاروخي وأسلحة الدمار الشامل.
عاشراً: الدور الجديد للقوة العسكرية الأمريكية
في ظل عدم وضوح التهديدات الأمنية للولايات المتحدة بعد انخفاض حدة التهديدات والصراعات التي كانت تواجه بوضوح المصالح المهمة والإستراتيجية للولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة، حدد الهدف الإستراتيجي في المستقبل بضرورة خلق بيئة إستراتيجية أمنية للولايات المتحدة، تسمح لها بتحقيق مصالحها المختلفة، بأقصى قدر من المكاسب، وأقل خسائر ممكنة، وذلك من خلال السيطرة على البيئة الأمنية الكونية، بجيش وقوات مسلحة جديدة أطلق عليها "جيش القرن الحادي والعشرين".
وذلك بهدف تحقيق الآتي:
1. ضمان الحفاظ على قدرات الردع، وهزيمة العدو، والدفاع الوقائي.
2. إنشاء وحدات السلام، وتنفيذ عمليات الإغاثة الإنسانية، من دون أو بأقل خسائر مادية وبشرية.
3. الاستمرار في تنفيذ عمليات الطوارئ المختلفة حول العالم.
4. بناء قوات مسلحة أصغر، وأكفأ، وقادرة على الفتح، والانتقال السريع، والعمل مستقلة على امتداد مسرح العمليات الكوني، وتعمل من دون دعم إداري لمدة 120 يوما.
5. إعداد قادة وضباط المستقبل لمدى الثلاثين عاما القادمة، وبحث الحقائق الجيوبولتيكية المحتملة، والسلوك الإنساني، وتطوير الفن العسكري، واستيعاب التكنولوجيا الحديثة وأعمال القيادة والسيطرة.
6. الاستفادة إلى أقصى حد من الثورة في الشؤون العسكرية لتوفير الرؤية المشتركة لأفرع القوات المسلحة الأمريكية كافة، والتي تشمل إنتاج الأسلحة غير القاتلة، وتكنولوجيا التصغير، وثورة المعلومات، وأنظمة التسليح الذكية، واستخدام المركبات الآلية التي تعمل من دون بشر، وزيادة فعالية وتأثير البعد النفسي والسيكولوجي على العدو، بصورة حاسمة، تكون ذات تأثير أقوى من التدمير القاتل، وتقليل الاعتماد على البشر، ويكون ذلك بحلول عام 2010م.
7. تحقيق التوازن بين ضرورة حماية المصالح الحيوية الأمريكية وتأمينها وبين قدرة الدفاع عنها، باستخدام القوى الشاملة للدولة.
8. تحقيق التوازن في بناء القوات المسلحة، ودرجة استعدادها، مع تقليل التكلفة.
9. تحقيق التوازن بين القوات العاملة وبين قوات الاحتياط.
10. توفير أقصى قدر من الإمكانيات التي تضمن هيمنة القوات الأمريكية على كل مسارح الحرب.
حادي عشر: قدرات جديدة للقوات المسلحة الأمريكية من خلال الجيش الذكي الصغير
من خلال الجيش الذكي الصغير تحاول القوات المسلحة الأمريكية الحصول على قدرات جديدة في مجالات: التوجيه، والتحكم، والاتصالات، وأنظمة المعلومات، والاستخبارات، والاستطلاع.
وذلك من خلال الآتي:
1. توفير أجهزة ومعدات رئيسية للمراقبة، مثل الأقمار الصناعية والطائرات الموجهة من دون طيار.
2. تحديث خطط برامج القتال الأولية وجهود التطوير الرئيسية.
3. إعادة هيكلة فرق القتال الثقيلة.
4. تحديث القوات البرية والجوية والبحرية.
5. توفير الدعم لإدخال تحسينات على الذخيرة الموجهة لجميع أفرع القوات المسلحة.
6. تدعيم الخطط الدفاعية ضد التهديدات الكيماوية والبيولوجية، في شكل ملابس الوقاية من أسلحة التدمير الشامل، (اُنظر صورة ملابس الوقاية) وأقنعة، ونظم كشف وإزالة التلوث، بالإضافة إلى تعزيز قدرات تدمير الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية المعادية.
ثاني عشر: الرؤية الأمريكية في عام 2020
بالتأمل فيما سيكون عليه العالم في عام 2020 فإن قيادة الأركان المشتركة الأمريكية تتصور وجود وحدات صغيرة، تعمل على مسافات متباعدة، وتؤدى مهام سريعة مع بعض الدول الأخرى والمنظمات غير العسكرية.
ثالث عشر: الجيش الذكي الصغير يحقق متطلبات المستقبل الأمريكية
بتبني نظرية الجيش الذكي الصغير تهدف القوات المسلحة الأمريكية إلى تحقيق الآتي:
1. السيادة الكاملة: حيث ستحتاج القوات الأمريكية إلى تنفيذ عمليات فورية، ومشتركة، ومتزامنة، في مختلف أنحاء العالم. وللحفاظ على التفوق فإن القوات ستكون بحاجة إلى المرونة، التي تجعلها أكثر تميزا عن أعدائها. والسيادة الكاملة تعنى السيادة في الأرض، والبحر، والجو، والفضاء، والمعلومات.
2. العمليات المشتركة مع الجهات الأخرى: ففي عام 2020م سيكون على وزارة الدفاع تنسيق الجهود مع وزارة الخارجية والمجموعات الدولية، لتأكيد الاستقرار الإقليمي. وقوات المستقبل عليها أن تكون سباقة في تحسين الاتصالات، والتخطيط، والتنسيق مع الشركاء المحتملين.
3. التركيز اللوجستي: ستعيد القوات المسلحة الأمريكية هيكلة أنظمتها الخاصة بالإمداد، وستخلق شبكات معلومات عبر الإنترنت يمكنها العمل عبر الحدود.
4. حرب المعلومات: من الممكن أن تتطور حرب المعلومات، لتصبح مجالا منفصلا، يتطلب من الأسلحة المختلفة الحفاظ على تنظيمات جيدة التصميم وخبراء مدربين.
رابع عشر: الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري الفرنسي
أعلنت فرنسا في مارس 1996م أنها ستتخلى عن التجنيد الإلزامي، وتطور قوات مسلحة متطوعة على غرار النموذج البريطاني وتحسب فرنسا أنها عندما تستكمل إصلاحاتها، ستكون قادرة على تدبير حملة عسكرية، خارج الوطن، بقوة تتراوح بين 50 ـ 60 ألف جندي في أوقات الأزمة.
وتمشيا مع فكرة الجيش الذكي الصغير، تخطط فرنسا لتخفيض جيشها من 250 ألف جندي إلى حوالي 100 ألف جندي، وسحب الوحدات العسكرية المتمركزة خارج المراكز المدنية الفرنسية الكبرى، وكذلك الفرقة المدرعة، الموجودة في ألمانيا.
وقد أعلنت فرنسا أنها سوف تخفض قواتها الاحتياطية من 4.5 مليون جندي إلى 500 ألف جندي، لكي تقوم بتشكيل ثلاثة أقسام رئيسية من قوات الاحتياط. وعلى الرغم من أن عدد وحدات الاحتياط، التي تبلغ 2000 وحدة، سيجرى تقليصها إلى حد كبير، إلا أن تدريبها وتسليحها وتجهيزها لحالة الطوارئ، سيتحسن كثيرا عما كانت عليه القوات الحالية، التي تعتبر مكلفة وغير فعالة.
خامس عشر: الآثار السلبية في فرنسا نتيجة تبنى فكرة الجيش الذكي الصغير
سوف تتأثر الحالة الاقتصادية في فرنسا نتيجة خفض أعداد القوات، حيث إن ما يصل عدده إلى 150 من "مدن الثكنات" سيجري التخلي عنها، وسيكون من نتائجه فقدان الدخل للتجار المحليين، وسيكون هنالك أيضا تخفيض كبير في صناعة الأسلحة الفرنسية المملوكة من الدولة، وسيتم خصخصة أقسام منها، وهذا ما سيؤدى إلى فقدان 50 ألف وظيفة في أحواض بناء السفن.
1. أثر القرار الفرنسي على ألمانيا
أزعج القرار الفرنسي الحكومة الألمانية، التي تنوى أن تحتفظ بنظام التجنيد الإلزامي، والتي اشتكت أنه كان ينبغي أولا التشاور معها في هذه المسألة، بموجب معاهدة الإليزيه في عام 1963، وهى المعاهدة التي نظمت الاتصال العسكري الفرنسي- الألماني.
وارتاب الألمان في أن الفرنسيين كانوا يستعدون للقيام بواجبات التدخل العالمية الأكثر جاذبية، بينما ينظر إلى الجنود الألمان، الذين يخدمون بالتجنيد الإلزامي مدة عشرة شهور فقط، على أنهم جنود من الدرجة الثانية، يبقون مستقرين في مشاريع الدفاع الأوروبية فقط. والجيش الألماني الذي يبلغ تعداده حوالي 443 ألف جندي لم يستعد عافيته إلا تواً.
2. فرنسا تتخلص من الأسلحة القديمة
حيث يعتمد تسليح الجيش الذكي على أحدث نظم الأسلحة، فقد دخلت فرنسا، لأول مرة، في سوق الأسلحة المستعملة، لبيع ما يوجد في مخازن الجيش الفرنسي من غواصات وطائرات "ميراج"، ودبابات AMX-30، لتنضم بذلك إلى كل من روسيا وأمريكا في هذا المضمار. ويأتي ذلك نتيجة لبرنامج إعادة تنظيم القوات الفرنسية، حيث سيفرض هذا البرنامج تخفيضا كاملا لعدد القوات الفرنسية، وتغييرا في نوعية معداتها، وتبديل الأسلحة القديمة بأسلحة أكثر تقدما.
سادس عشر: الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري الأسباني
تقوم أسبانيا، بالتخلي عن التجنيد الإلزامي لصالح قوات مسلحة متطوعة، ورفعت الحكومة الأسبانية الموازنة الدفاعية بدءا من العام 1999م بهدف تحويل القوات المسلحة إلى جيش محترف.
وقد حولت الحكومة الأسبانية فائض الأموال من وزارة الصناعة لدعم عمليات تطوير الصناعات العسكرية المحلية، وذلك لإعدادها للمشاركة في أهم ثلاثة مشاريع لشراء نظم تسليح جديدة، وهذه المشاريع هي: بناء أربع فرقاطات جديدة من فئة "ايجيس" Aegis F - 100، وشراء 235 دبابة قتال رئيسية طراز "ليوبارد ـ 2" Leopard - 2، و 87 طائرة مقاتلة طراز "يوروفايتر 2000" Eurofighter-2000.
سابع عشر: الجيش الذكي الصغير ودوافعه الاقتصادية في الفكر العسكري الروسي
إن الإصلاحات الجارية في القوات المسلحة الروسية أملتها تحديات وضروريات العصر، وفي الوقت الذي تمارس فيه روسيا عمليات الإصلاح، فإنها تسعى إلى تقليص عدد أفراد القوات المسلحة، وتأخذ الخطة في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والسياسية والديموجرافية السكانية والمالية، ودراسة احتمالات الخطر القائمة في عالم اليوم، وذلك نابع من الاهتمام الأساسي بأمن روسيا الإستراتيجي.
إن إعادة بناء القوات المسلحة الروسية يقوم على التكنولوجيا المتقدمة، والأسس العلمية والإدارية، بما يستجيب إلى متطلبات القرن الحادي والعشرين، وتحديث أنظمة الإدارة، وجعلها قادرة على استيعاب الصراع العسكري وإدارته وقيادته بصورة علمية، قائمة على أحدث الحسابات. وترى روسيا أنه من المهم تحديث المنظومة النووية الإستراتيجية، وتحويلها إلى أسلحة فضائية نووية إستراتيجية، وسوف يتحقق ذلك في غضون السنوات من 2002م إلى 2005م.
1. الخطة المتوقعة لتخفيض حجم القوات المسلحة الروسية
اقترح مجلس الأمن القومي الروسي تخفيض القوة البشرية للآلة الحربية الروسية بحوالي 600 ألف فرد. وأكثر القطاعات تأثرا بهذه التخفيضات هي وحدات القيادة ووحدات الدعم اللوجيستي، في حين أن الوحدات القتالية لن تتأثر بشكل كبير بهذه التخفيضات.
وتتكون القوات المسلحة الروسية من أكثر من ثلاثة ملايين فرد، منهم حوالي 960000 مدني، يخدمون في 12 هيئة حكومية، مسموح لها بامتلاك قوات مسلحة. والقوات التابعة لوزارة الدفاع، والبالغ عددها 1.2 مليون فرد، سوف تكون الأكثر تأثرا بهذه التخفيضات.
خطة تخفيض القوات الصاروخية الإستراتيجية، والتي لا زالت تمثل قلب القوة النووية الروسية، تتضمن تسريح 10 فرق من فرق الصواريخ الباليستية عابرة القارات. كما سوف تقوم القوات الصاروخية الإستراتيجية بتسليم قيادة قوات الحرب الفضائية إلى القوات الجوية الروسية.
2. الاستفادة المالية من عمليات التخفيض
وسوف توفر هذه التخفيضات في أعداد القوات بلايين الروبلات على وزارة الدفاع، والتي تستهلك حاليا ما يقرب من 70% من ميزانيتها في الإنفاق على هذه القوات، ويبقى جزء صغير فقط من الميزانية لشراء معدات جديدة ولتدريب القوات.
وستوجه الأموال، التي سيتم توفيرها، نحو تحسين القدرة على نقل القوات، وبناء منظومة قيادة وسيطرة تكتيكية على درجة عالية من الكفاءة، وتحديث نظم التسليح الحالية، بحيث تصبح هذه النظم قادرة على القتال الليلي، في جميع الظروف الجوية. أما في مجال التدريب، فسيتم تشكيل قوات متخصصة في عمليات التدريب، بدلا من قيام المجندين بتدريب بعضهم بعضاً.
3. خفض طاقة التصنيع العسكري الروسي
قررت الحكومة الروسية خفض طاقة التصنيع العسكري لديها إلى النصف تقريبا، وذلك في إطار برنامج طويل المدى لإصلاح صناعة السلاح المتضخمة، الموروثة عن الاتحاد السوفيتي السابق. ونصف الشركات المصنعة للأسلحة ستظل موجودة بحلول عام 2006م. وهناك 1700 شركة دفاعية تعمل حاليا، وأكثر قليلا من نصف هذه الشركات فقط ستبقى، ويتضمن البرنامج تخفيضات كبيرة في عدد العسكريين والعتاد العسكري لصالح قوات أصغر حجما، مجهزة بأسلحة متقدمة تكنولوجيا.
ثامن عشر: الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري الإسرائيلي
مرت إسرائيل، وما زالت تمر، بظروف ميزت إستراتيجيتها العسكرية عن غيرها من الدول، وذلك نتيجة لظروفها التاريخية والجيوستراتيجية. وتأتى فكرة الجيش الذكي الصغير في إسرائيل وليدة تطورات مر بها المذهب العسكري الإسرائيلي، منذ عام 1948م، وحتى اليوم.
وكانت بنية الجيش تتغير من حيث الحجم، وتتسلح وتتدرب وفق المتغيرات، التي تطرأ على المذهب العسكري، وما يتعرض له الجيش من انتصارات وهزائم.
وقد اتجهت إسرائيل إلى دراسة تصغير حجم الجيش، في مقابل تحسين نوعيته وتطوير أسلحته، كما وكيفا، والاعتماد على السلاح النووي غير المعلن، وعلى تكنولوجيا حرب الفضاء، وذلك بعد أن تم إنجاز بعض الخطوات على بعض مسارات التسوية السلمية مع بعض الدول العربية.
1. أسباب تبنى إسرائيل لفكرة الجيش الذكي الصغير
نبعت فكرة الجيش الذكي الصغير في إسرائيل نتيجة العوامل الآتية:
أ. حساسية المجتمع الإسرائيلي تجاه قتلى الحروب، حيث تشكل الخسائر البشرية في الحرب حساسية خاصة لدى الإسرائيليين، بسبب الوضع الديمغرافي في إسرائيل، لهذا فإنها تسعى دائما في حروبها إلى إجرائها وإنهائها في أقصر مدة ممكنة، عبر استخدام جيشها مبادئ المبادرة والمفاجأة والاقتراب غير المباشر والحرب الخاطفة وتوجيه الضربة الأولى والضربة الوقائية والحرب الإجهاضية، وإبعاد القتال عن العمران الإسرائيلي والسكان الإسرائيليين.
ب. التطور المتسارع في أنظمة الأسلحة، بمختلف أنواعها، بحيث أصبحت هذه الأنظمة "ذكية" وغزيرة النيران، وطويلة المدى.
ج. قدرة إسرائيل العلمية والتكنولوجية والصناعية، المستمدة من العون الأمريكي على تصنيع أسلحة متطورة.
د. أدركت إسرائيل أهمية الأسلحة "الذكية" ذات المدى الطويل، وضرورة تعزيز القدرة الهجومية الجوية في الليل، وتعظيم دور الطائرات العمودية المقاتلة، والحاجة إلى قوة جوية كبيرة ومتطورة، وقادرة على العمل لمسافات طويلة.
2. التغيرات في التوجهات العسكرية الإسرائيلية
حدث في الفترة الأخيرة تغير جذري في توجهات العسكرية الإسرائيلية، بما يراه بعضهم أنه ثورة في شؤون الأمن الإسرائيلي، وملامح هذه الثورة كما يلي:
أ. الاستعداد للدفاع بجيش عامل صغير، لديه قدرات إنذار مبكرة، وتعبئة ونظام نقل فعال للاحتياطي.
ب. دعم قوة الردع التقليدية، وغير التقليدية، من خلال تطوير قوة الصواريخ الباليستية، وتسليح الغواصات بصواريخ تطلق على أهداف برية.
ج. العمل على تعميق وتوسيع نطاق التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
د. تكثيف الدور الإسرائيلي في الفضاء الخارجي بالأقمار الصناعية.
هـ. تكوين منظومة قادرة على تدمير قواعد الصواريخ بعيدة المدى قبل أن تنطلق، ومنظومة أخرى لتدمير الصواريخ في الجو قبل أن تصل إلى أهدافها في إسرائيل.
و. تكثيف دور القوات الجوية الإسرائيلية لتكون قادرة على القيام بإنجازات مؤثرة، وتفعيل دورها في أي حرب مقبلة.
ز. تطوير نظام الإنذار الإستراتيجي.
ح. تدريب الجيش على خوض غمار حرب ذرية كيميائية بيولوجية، حيث زودت المدرعات بأجهزة استشعار من بعد، ووسائل إنذار مبكر، ضد التلوث الذرى والكيميائي والبيولوجي. وأنشئت وحدات الحرب الكيميائية، وتوزع الضباط المختصون بهذه الحرب على مختلف الوحدات العاملة. وأنشئت المصانع لتصنيع مختلف أنواع أجهزة الوقاية ومستشعرات المواد الكيميائية والبيولوجية.
[1] تعرف المراجع العسكرية الأمريكية الإستراتيجية العسكرية بأنها : "علم وفن إعداد وتنظيم واستخدام القوات المسلحة للدولة للتحضير والتنظيم والإدارة للصراع المسلح لتحقيق الأهداف السياسية العسكرية للدولة".
نتيجة تأثير المتغيرات التي شهدها العالم في العقد الأخير من القرن العشرين، وتحت تأثير العولمة والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تحاول كل القوى علاجها والحد من انهيارها، ومع الأخذ في الاعتبار ضرورة ملاءمة القوات العسكرية مع متطلبات الصراع ضد التهديدات، الكامنة في كل مكان، والقابلة للانفجار بأشكال غير متوقعة، ومع تزايد رفض الرأي العام للخسائر البشرية الناجمة عن الحروب،وبالإضافة إلى التقدم الكبير في مجال تكنولوجيا التسليح، كل ذلك أدى إلى وضعت العديد من الدول مجموعة من البرامج الرامية إلى إعادة تنظيم وتجهيز جيوشها، بحيث تغدو قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية في القرن الحادي والعشرين.
وتوجهت الجهود نحو تخفيض عدد القوات المسلحة بشكل عام، وتزويدها بأجيال جديدة من الأسلحة والمعدات، لتحقيق المرونة، وخفة الحركة، والحشد النيراني، وإمكانية نقلها جوا، وقدرتها على الكشف ونقل المعلومات، في الزمن الحقيقي، إلى كافة أنساق القتال. وذلك من خلال تبنى فكرة الجيش الذكي الصغير.
وتعتمد فكرة الجيش الذكي الصغير في أحد شقيها على تسليح هذا الجيش بأحدث النظم، خاصة أننا في العصر المتميز بثورة المعلومات والاتصال، والابتكارات التكنولوجية، القادرة على الإسهام في شؤون الحرب، وعلى تصنيع أسلحة "ذكية" Smart.
هذه النظم، التي تمثلت في الطائرات الخفية، والصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وأنظمة القيادة والسيطرة الآلية، والأقمار الصناعية، ونظام تحديد المواقع على مستوى الكرة الأرضية Global Positioning System: GPS، وطائرات الإنذار المبكر، والسفن الحربية "ايجيس"، بالإضافة إلى استخدام الإمكانات العسكرية لنظم إدارة المعلومات، ونظم الإخفاء والخداع، ونظم الحرب الإلكترونية، ومستشعرات فائقة الحساسية، ونظم تسليح قوات جوية متقدمة.
أما الشق الثاني في فكرة الجيش الذكي الصغير فيتمثل في تخفيض أعداد القوات المسلحة، حيث إن وجود قوة صغيرة، على درجة استعداد عالية، وذات روح معنوية مرتفعة، تكون دائما أفضل من قوة أكبر حجما، ولا تتمتع بهذه الخصائص، حتى توافرت لهذه القوة الكبيرة أفضل التكنولوجيات والأسلحة.
وكلما زاد التقدم التكنولوجي العسكري، ظهر فكر عسكري جديد، حيث كانت الحاجة تدعو دائما لتطوير الأسلحة والعتاد الحربي، لتلبية متطلبات العمليات، وجد العسكريون أنفسهم أمام إمكانيات جديدة في مسرح الحرب، فينعكس ذلك على تطوير العقائد القتالية، سعيا لتحقيق الهدف من الصراع المسلح، بأقل خسائر بشرية ممكنة.
وانتشرت المساعي الرامية إلى تطوير وسائل نقل المواد المتفجرة، سواء من على سطح الأرض، بواسطة المدفعية والصواريخ، أو من الجو بواسطة الطائرات المختلفة، أو من الغواصات. وتطورت وسائل التدمير، وجرى الاهتمام بتكنولوجيا التوجيه لزيادة المدى ودقة الإصابة، اعتمادا على التطور في مجال الحاسبات الآلية، والتي تتميز بقدرات عالية لمعالجات البيانات، فظهرت منظومات التسليح الآلية المتكاملة، الفائقة الدقة، والشديدة "الذكاء"، والقوية التأثير.
لذا فإن استخدام الوسائل النيرانية، بعيدة المدى، والطائرات الموجهة من دون طيار، والقوات المحمولة جواً، والقادرة على خوض قتال في أماكن بعيدة، وكذلك القوات الخاصة، سوف تمنح الجيش الذكي الصغير في المستقبل قدرة حقيقية على خوض المعارك العميقة. وسوف يؤدى كل هذا التقدم إلى تحقيق تفوق نسبى في القوات، مما سيؤدى إلى تدمير العدو، قبل وصوله إلى بؤرة القتال.
المبحث الأول
الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري العالمي
أولاً: خلفية تاريخية
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عكف المفكرون العسكريون، في كل أنحاء العالم، على دراسة خبرات هذه الحرب، والأسلحة الرئيسية المستخدمة خلالها، لتحديد اتجاهات تطوير القوات المسلحة، وطبيعة أي حرب مقبلة.
وسرعان ما ظهرت نظريات وآراء جديدة منها، نظرية "الجيش الذكي الصغير"، التي نادى بها، على سبيل المثال، كل من الجنرال فولر وليدل هارت، في بريطانيا، وسيكت، في ألمانيا، وديجول، في فرنسا. وجاءت هذه النظرية نتيجة لتقويم دور المعدات والأسلحة الجديدة المتطورة تكنولوجيا ـ في حينها ـ وخاصة الدبابات.
ثانياً: دعوة "فولر"
نادى الجنرال "فولر" ـ رئيس أركان قوات التاج البريطاني ـ في كتابه "دور الدبابات في الحرب العظمى 1914 ـ 1918م " بأن نجاح الحلفاء في الحرب العالمية الأولى يعود إلى الدبابة. وأنه يجب على الغرب أن يبنى جيوشا مدرعة وميكانيكية، تتميز بصغر حجم القوات البشرية، ولكنها كبيرة التأثير.
كما رأى "فولر" أن نسبة كبيرة من النجاح في الحرب سيتوقف على السلاح، بينما باقي العناصر الأخرى، من استخدام، وقيادة، وشجاعة، وانضباط، وإمداد بالاحتياجات، تمثل نسبة أقل من النجاح.
ولقد أيد ديجول أفكار "فولر"، واعتبر أن سر انهيار فرنسا، في بداية الحرب العالمية الثانية، يرجع إلى سوء تقديرها لنظرية الجيش الذكي الصغير، هذه النظرية التي ترى أن الدبابة، بإمكاناتها، بوصفها قوة نيران، وبقدرتها على إحداث الصدمة، سوف تلعب الدور الحاسم في الحرب الحديثة من حيث تحقيق الاختراق السريع في دفاعات الخصم والقدرة على القتال في العمق.
ثالثاً: الثورة التكنولوجية العسكرية الأولى
منذ ظهور الحروب البدائية، وأسلحة القتال تنقسم إلى فئتين هما: الفئة الأولى، التي تتمثل في أسلحة الصدمة، مثل السيف والرمح والسونكي، وهى تستخدم للقتال القريب، ثم الفئة الثانية، وهى القذائف، والتي تعمل على تدمير العدو من بعد، مثل السهم، والطلقة، والقنبلة شديدة الانفجار، والتي تطلق من مختلف الوسائل.
ولذلك كانت الثورة التكنولوجية العسكرية الأولى تكمن في ظهور القوس، الذي يطلق من 8 ـ 12 سهما، وبمدى يصل ما بين 200 ـ 400 ياردة، ليظهر قتال العمق، ومرونة الأداء. وزادت كثافة التشكيلات ومعدات القتال، مع المرونة في توزيعها على مسرح العمليات، وجرت المساعي لتوفير الحماية للقوة البشرية، من خلال الدروع الفردية، والبذلة الحديدية الكاملة.
رابعاً: الثورة التكنولوجية العسكرية الثانية
تمثلت في ظهور البارود، ليبدأ عصر جديد، تسود فيه الأسلحة النارية، بمختلف أنواعها، وتعم المدفعية مختلف جيوش العالم، ويظل استخدامها مستمرا، حتى الآن. وتزايدت قوة الأسلحة، وسهولة استخدامها، ولذا تفوقت المدفعية على الخيالة، وأخذت مكانها بوصفها مطرقة للمعركة، تدمر قوات العدو في العمق، وتقطع طرق انسحاب قواته الأمامية، وتهيئ أفضل السبل لقوات المشاة الصديقة المهاجمة من الأمام، للقضاء على العدو وفرض الإرادة عليه.
وكان لتأثير التطور التكنولوجي، الذي أحدثته الثورة الصناعية في أوروبا، أن أجبرت العسكريين، المتمسكين بالقديم، إلى البحث عن أساليب جديدة لإدارة الحروب والمعارك، فقد توفرت وسائل لنقل المدفعية والقوات، وسرعة أعمال الإمداد، والسهولة النسبية في المناورة على أجناب ومؤخرة الخصم، وظهرت الدبابة، ورغم هذا ظلت المدفعية على احتكارها لقوة النيران في الميدان.
وبتطور الطيران، صار بوسع الجيوش زيادة سرعة إيقاع المعارك، وفيما بين الحربين العالميتين، ظهرت القوات المنقولة أو المسقطة جوا،مما أدى إلى زيادة خفة الحركة للقوات.
ونظراً لأن القاذفة الإستراتيجية قد ظهرت في هذه الآونة فكان يتم استخدامها بوصفها أحد وسائل إيصال الذخائر لمدى بعيد، فلم تكن هناك ثمة غرابة في أن المفكرين العسكريين قد سعوا لاستبدالها بحاملة ذخائر لا يقودها بشر، وقادرة على إحداث القدر نفسه من الدمار.
فظهرت القنبلة الطائرة الألمانية، لأول مرة في سماء بريطانيا، والتي تعمل بمحرك نفاث بسيط، وبسرعة 350 ميل/ ساعة، وتطلق من على مسافة 320 كم، وليصبح ذلك إعلانا بظهور عصر الصواريخ الباليستية.
خامساً: الثورة التكنولوجية العسكرية الثالثة
تمثلت في ظهور السلاح النووي يوم 6 أغسطس 1945م، عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، ليتم إصابة عشرات الآلاف بين قتيل وجريح، ولتدخل الترسانة النووية التاريخ، وتسعى كل دول العالم لدخول النادي النووي.
سادساً: الثورة التكنولوجية العسكرية الرابعة
تمثلت في ظهور الترانزيستورTransistor، ليبدأ السباق السريع في مجال الإلكترونيات، ولتصبح بعدا رئيسيا ثابتا في تطوير كل سلاح أو معدة عسكرية، ولتسمح ببناء الأقمار الصناعية، وتصنيع أجهزة الحاسب الحديثة.
ثم بدأ سباق الفضاء بإطلاق السوفيت لأول قمر صناعي "سبوتنيك" Sputnik يوم 4 نوفمبر 1957، ويعقبهم الأمريكيون بإطلاق القمر "إكسبلورر ـ 1" Explorer-1 في 31 يناير 1958. ورغم البداية المتواضعة في استخدام هذه الأقمار، بغرض الإنذار، إلا أنه سرعان ما اتسع استخدامها في مجال الاستخبارات، والمعلومات، والتجسس، والاتصالات، والتصوير.
سابعاً: أسباب بناء الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري الأمريكي
تشغل فكرة الجيش الذكي الصغير بال العسكريين الأمريكيين بدرجة كبيرة. فمنذ انتهاء الحرب الباردة والولايات المتحدة الأمريكية تسعى حثيثا لوضع تصور واضح محدد لإستراتيجيتها[1] العسكرية للقرن الحادي والعشرين بما يتلاءم مع متغيرات البيئة الخارجية والداخلية، ويضمن تحقيق المصالح الحيوية الإستراتيجية للولايات المتحدة سواء الآنية أو المستقبلية.
وتهدف هذه الإستراتيجية إلى إدارة الصراعات المسلحة على المستوى العالمي بأسلوب الفعل وليس رد الفعل، وذلك بامتلاك المبادأة والحفاظ عليها، واعتناق إستراتيجية الردع ضد القوى الإقليمية المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية كافة ، مع الاستعداد للحرب والنصر، إذا تطلب الأمر ذلك، واستمرار التمسك بإستراتيجية الهيمنة وفرض الإرادة على البيئة الأمنية العالمية من خلال امتلاك جيش جديد للقرن الحادي والعشرين، بدأت تظهر ملامحه الأساسية.
ثامناً: الإستراتيجية العسكرية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين
تعتبر الإستراتيجية العسكرية من أهم مجالات نشاط القيادة العسكرية، حيث تطرح الفكر العسكري اللازم لتطبيق الخطوط العامة التي حددتها السياسة العسكرية، سواء خلال فترات السلم، أو أثناء حالات الصراع المسلح.
وهو أمر ينعكس بالضرورة على كيفية بناء قدرات القوات المسلحة الأمريكية وإمكانياتها بمختلف عناصرها وتخصصاتها، وأيضا على تحديد الأهداف والمهام الإستراتيجية لها، والتي بتنفيذها يتم إحداث تغييرات جذرية في الموقف السياسي العسكري، وتؤثر على تطور الصراع كله، وتقود في النهاية إلى فرض الإرادة على الخصم.
تاسعاً: عناصر الإستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة الأمريكية
تتضمن الإستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة العديد من العناصر التي تبنى عليها الإستراتيجية العسكرية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين. وتشمل هذه العناصر:
1. الاستخدام الأمثل للقوة العسكرية، من حيث المهمة، والحجم، ونوعية القوات.
2. التحديد الواضح للمصالح الحيوية في كافة المجالات.
3. وضع معايير محددة لطبيعة التدخل الأمريكي وأبعاده باستخدام قوى الدولة كافة.
4. توفير أقصى حماية أمنية لمنطقة أوروبا.
5. الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها العسكري في منطقة الشرق الأوسط.
6. استمرار الدور الأمريكي لضبط التوازن في منطقة الباسفيك.
7. تنمية الاستثمارات في المجال الدفاعي والعسكري.
8. الحفاظ على الدور القيادي العالمي للولايات المتحدة.
9. مواجهة انتشار التسلح النووي والصاروخي وأسلحة الدمار الشامل.
عاشراً: الدور الجديد للقوة العسكرية الأمريكية
في ظل عدم وضوح التهديدات الأمنية للولايات المتحدة بعد انخفاض حدة التهديدات والصراعات التي كانت تواجه بوضوح المصالح المهمة والإستراتيجية للولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة، حدد الهدف الإستراتيجي في المستقبل بضرورة خلق بيئة إستراتيجية أمنية للولايات المتحدة، تسمح لها بتحقيق مصالحها المختلفة، بأقصى قدر من المكاسب، وأقل خسائر ممكنة، وذلك من خلال السيطرة على البيئة الأمنية الكونية، بجيش وقوات مسلحة جديدة أطلق عليها "جيش القرن الحادي والعشرين".
وذلك بهدف تحقيق الآتي:
1. ضمان الحفاظ على قدرات الردع، وهزيمة العدو، والدفاع الوقائي.
2. إنشاء وحدات السلام، وتنفيذ عمليات الإغاثة الإنسانية، من دون أو بأقل خسائر مادية وبشرية.
3. الاستمرار في تنفيذ عمليات الطوارئ المختلفة حول العالم.
4. بناء قوات مسلحة أصغر، وأكفأ، وقادرة على الفتح، والانتقال السريع، والعمل مستقلة على امتداد مسرح العمليات الكوني، وتعمل من دون دعم إداري لمدة 120 يوما.
5. إعداد قادة وضباط المستقبل لمدى الثلاثين عاما القادمة، وبحث الحقائق الجيوبولتيكية المحتملة، والسلوك الإنساني، وتطوير الفن العسكري، واستيعاب التكنولوجيا الحديثة وأعمال القيادة والسيطرة.
6. الاستفادة إلى أقصى حد من الثورة في الشؤون العسكرية لتوفير الرؤية المشتركة لأفرع القوات المسلحة الأمريكية كافة، والتي تشمل إنتاج الأسلحة غير القاتلة، وتكنولوجيا التصغير، وثورة المعلومات، وأنظمة التسليح الذكية، واستخدام المركبات الآلية التي تعمل من دون بشر، وزيادة فعالية وتأثير البعد النفسي والسيكولوجي على العدو، بصورة حاسمة، تكون ذات تأثير أقوى من التدمير القاتل، وتقليل الاعتماد على البشر، ويكون ذلك بحلول عام 2010م.
7. تحقيق التوازن بين ضرورة حماية المصالح الحيوية الأمريكية وتأمينها وبين قدرة الدفاع عنها، باستخدام القوى الشاملة للدولة.
8. تحقيق التوازن في بناء القوات المسلحة، ودرجة استعدادها، مع تقليل التكلفة.
9. تحقيق التوازن بين القوات العاملة وبين قوات الاحتياط.
10. توفير أقصى قدر من الإمكانيات التي تضمن هيمنة القوات الأمريكية على كل مسارح الحرب.
حادي عشر: قدرات جديدة للقوات المسلحة الأمريكية من خلال الجيش الذكي الصغير
من خلال الجيش الذكي الصغير تحاول القوات المسلحة الأمريكية الحصول على قدرات جديدة في مجالات: التوجيه، والتحكم، والاتصالات، وأنظمة المعلومات، والاستخبارات، والاستطلاع.
وذلك من خلال الآتي:
1. توفير أجهزة ومعدات رئيسية للمراقبة، مثل الأقمار الصناعية والطائرات الموجهة من دون طيار.
2. تحديث خطط برامج القتال الأولية وجهود التطوير الرئيسية.
3. إعادة هيكلة فرق القتال الثقيلة.
4. تحديث القوات البرية والجوية والبحرية.
5. توفير الدعم لإدخال تحسينات على الذخيرة الموجهة لجميع أفرع القوات المسلحة.
6. تدعيم الخطط الدفاعية ضد التهديدات الكيماوية والبيولوجية، في شكل ملابس الوقاية من أسلحة التدمير الشامل، (اُنظر صورة ملابس الوقاية) وأقنعة، ونظم كشف وإزالة التلوث، بالإضافة إلى تعزيز قدرات تدمير الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية المعادية.
ثاني عشر: الرؤية الأمريكية في عام 2020
بالتأمل فيما سيكون عليه العالم في عام 2020 فإن قيادة الأركان المشتركة الأمريكية تتصور وجود وحدات صغيرة، تعمل على مسافات متباعدة، وتؤدى مهام سريعة مع بعض الدول الأخرى والمنظمات غير العسكرية.
ثالث عشر: الجيش الذكي الصغير يحقق متطلبات المستقبل الأمريكية
بتبني نظرية الجيش الذكي الصغير تهدف القوات المسلحة الأمريكية إلى تحقيق الآتي:
1. السيادة الكاملة: حيث ستحتاج القوات الأمريكية إلى تنفيذ عمليات فورية، ومشتركة، ومتزامنة، في مختلف أنحاء العالم. وللحفاظ على التفوق فإن القوات ستكون بحاجة إلى المرونة، التي تجعلها أكثر تميزا عن أعدائها. والسيادة الكاملة تعنى السيادة في الأرض، والبحر، والجو، والفضاء، والمعلومات.
2. العمليات المشتركة مع الجهات الأخرى: ففي عام 2020م سيكون على وزارة الدفاع تنسيق الجهود مع وزارة الخارجية والمجموعات الدولية، لتأكيد الاستقرار الإقليمي. وقوات المستقبل عليها أن تكون سباقة في تحسين الاتصالات، والتخطيط، والتنسيق مع الشركاء المحتملين.
3. التركيز اللوجستي: ستعيد القوات المسلحة الأمريكية هيكلة أنظمتها الخاصة بالإمداد، وستخلق شبكات معلومات عبر الإنترنت يمكنها العمل عبر الحدود.
4. حرب المعلومات: من الممكن أن تتطور حرب المعلومات، لتصبح مجالا منفصلا، يتطلب من الأسلحة المختلفة الحفاظ على تنظيمات جيدة التصميم وخبراء مدربين.
رابع عشر: الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري الفرنسي
أعلنت فرنسا في مارس 1996م أنها ستتخلى عن التجنيد الإلزامي، وتطور قوات مسلحة متطوعة على غرار النموذج البريطاني وتحسب فرنسا أنها عندما تستكمل إصلاحاتها، ستكون قادرة على تدبير حملة عسكرية، خارج الوطن، بقوة تتراوح بين 50 ـ 60 ألف جندي في أوقات الأزمة.
وتمشيا مع فكرة الجيش الذكي الصغير، تخطط فرنسا لتخفيض جيشها من 250 ألف جندي إلى حوالي 100 ألف جندي، وسحب الوحدات العسكرية المتمركزة خارج المراكز المدنية الفرنسية الكبرى، وكذلك الفرقة المدرعة، الموجودة في ألمانيا.
وقد أعلنت فرنسا أنها سوف تخفض قواتها الاحتياطية من 4.5 مليون جندي إلى 500 ألف جندي، لكي تقوم بتشكيل ثلاثة أقسام رئيسية من قوات الاحتياط. وعلى الرغم من أن عدد وحدات الاحتياط، التي تبلغ 2000 وحدة، سيجرى تقليصها إلى حد كبير، إلا أن تدريبها وتسليحها وتجهيزها لحالة الطوارئ، سيتحسن كثيرا عما كانت عليه القوات الحالية، التي تعتبر مكلفة وغير فعالة.
خامس عشر: الآثار السلبية في فرنسا نتيجة تبنى فكرة الجيش الذكي الصغير
سوف تتأثر الحالة الاقتصادية في فرنسا نتيجة خفض أعداد القوات، حيث إن ما يصل عدده إلى 150 من "مدن الثكنات" سيجري التخلي عنها، وسيكون من نتائجه فقدان الدخل للتجار المحليين، وسيكون هنالك أيضا تخفيض كبير في صناعة الأسلحة الفرنسية المملوكة من الدولة، وسيتم خصخصة أقسام منها، وهذا ما سيؤدى إلى فقدان 50 ألف وظيفة في أحواض بناء السفن.
1. أثر القرار الفرنسي على ألمانيا
أزعج القرار الفرنسي الحكومة الألمانية، التي تنوى أن تحتفظ بنظام التجنيد الإلزامي، والتي اشتكت أنه كان ينبغي أولا التشاور معها في هذه المسألة، بموجب معاهدة الإليزيه في عام 1963، وهى المعاهدة التي نظمت الاتصال العسكري الفرنسي- الألماني.
وارتاب الألمان في أن الفرنسيين كانوا يستعدون للقيام بواجبات التدخل العالمية الأكثر جاذبية، بينما ينظر إلى الجنود الألمان، الذين يخدمون بالتجنيد الإلزامي مدة عشرة شهور فقط، على أنهم جنود من الدرجة الثانية، يبقون مستقرين في مشاريع الدفاع الأوروبية فقط. والجيش الألماني الذي يبلغ تعداده حوالي 443 ألف جندي لم يستعد عافيته إلا تواً.
2. فرنسا تتخلص من الأسلحة القديمة
حيث يعتمد تسليح الجيش الذكي على أحدث نظم الأسلحة، فقد دخلت فرنسا، لأول مرة، في سوق الأسلحة المستعملة، لبيع ما يوجد في مخازن الجيش الفرنسي من غواصات وطائرات "ميراج"، ودبابات AMX-30، لتنضم بذلك إلى كل من روسيا وأمريكا في هذا المضمار. ويأتي ذلك نتيجة لبرنامج إعادة تنظيم القوات الفرنسية، حيث سيفرض هذا البرنامج تخفيضا كاملا لعدد القوات الفرنسية، وتغييرا في نوعية معداتها، وتبديل الأسلحة القديمة بأسلحة أكثر تقدما.
سادس عشر: الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري الأسباني
تقوم أسبانيا، بالتخلي عن التجنيد الإلزامي لصالح قوات مسلحة متطوعة، ورفعت الحكومة الأسبانية الموازنة الدفاعية بدءا من العام 1999م بهدف تحويل القوات المسلحة إلى جيش محترف.
وقد حولت الحكومة الأسبانية فائض الأموال من وزارة الصناعة لدعم عمليات تطوير الصناعات العسكرية المحلية، وذلك لإعدادها للمشاركة في أهم ثلاثة مشاريع لشراء نظم تسليح جديدة، وهذه المشاريع هي: بناء أربع فرقاطات جديدة من فئة "ايجيس" Aegis F - 100، وشراء 235 دبابة قتال رئيسية طراز "ليوبارد ـ 2" Leopard - 2، و 87 طائرة مقاتلة طراز "يوروفايتر 2000" Eurofighter-2000.
سابع عشر: الجيش الذكي الصغير ودوافعه الاقتصادية في الفكر العسكري الروسي
إن الإصلاحات الجارية في القوات المسلحة الروسية أملتها تحديات وضروريات العصر، وفي الوقت الذي تمارس فيه روسيا عمليات الإصلاح، فإنها تسعى إلى تقليص عدد أفراد القوات المسلحة، وتأخذ الخطة في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والسياسية والديموجرافية السكانية والمالية، ودراسة احتمالات الخطر القائمة في عالم اليوم، وذلك نابع من الاهتمام الأساسي بأمن روسيا الإستراتيجي.
إن إعادة بناء القوات المسلحة الروسية يقوم على التكنولوجيا المتقدمة، والأسس العلمية والإدارية، بما يستجيب إلى متطلبات القرن الحادي والعشرين، وتحديث أنظمة الإدارة، وجعلها قادرة على استيعاب الصراع العسكري وإدارته وقيادته بصورة علمية، قائمة على أحدث الحسابات. وترى روسيا أنه من المهم تحديث المنظومة النووية الإستراتيجية، وتحويلها إلى أسلحة فضائية نووية إستراتيجية، وسوف يتحقق ذلك في غضون السنوات من 2002م إلى 2005م.
1. الخطة المتوقعة لتخفيض حجم القوات المسلحة الروسية
اقترح مجلس الأمن القومي الروسي تخفيض القوة البشرية للآلة الحربية الروسية بحوالي 600 ألف فرد. وأكثر القطاعات تأثرا بهذه التخفيضات هي وحدات القيادة ووحدات الدعم اللوجيستي، في حين أن الوحدات القتالية لن تتأثر بشكل كبير بهذه التخفيضات.
وتتكون القوات المسلحة الروسية من أكثر من ثلاثة ملايين فرد، منهم حوالي 960000 مدني، يخدمون في 12 هيئة حكومية، مسموح لها بامتلاك قوات مسلحة. والقوات التابعة لوزارة الدفاع، والبالغ عددها 1.2 مليون فرد، سوف تكون الأكثر تأثرا بهذه التخفيضات.
خطة تخفيض القوات الصاروخية الإستراتيجية، والتي لا زالت تمثل قلب القوة النووية الروسية، تتضمن تسريح 10 فرق من فرق الصواريخ الباليستية عابرة القارات. كما سوف تقوم القوات الصاروخية الإستراتيجية بتسليم قيادة قوات الحرب الفضائية إلى القوات الجوية الروسية.
2. الاستفادة المالية من عمليات التخفيض
وسوف توفر هذه التخفيضات في أعداد القوات بلايين الروبلات على وزارة الدفاع، والتي تستهلك حاليا ما يقرب من 70% من ميزانيتها في الإنفاق على هذه القوات، ويبقى جزء صغير فقط من الميزانية لشراء معدات جديدة ولتدريب القوات.
وستوجه الأموال، التي سيتم توفيرها، نحو تحسين القدرة على نقل القوات، وبناء منظومة قيادة وسيطرة تكتيكية على درجة عالية من الكفاءة، وتحديث نظم التسليح الحالية، بحيث تصبح هذه النظم قادرة على القتال الليلي، في جميع الظروف الجوية. أما في مجال التدريب، فسيتم تشكيل قوات متخصصة في عمليات التدريب، بدلا من قيام المجندين بتدريب بعضهم بعضاً.
3. خفض طاقة التصنيع العسكري الروسي
قررت الحكومة الروسية خفض طاقة التصنيع العسكري لديها إلى النصف تقريبا، وذلك في إطار برنامج طويل المدى لإصلاح صناعة السلاح المتضخمة، الموروثة عن الاتحاد السوفيتي السابق. ونصف الشركات المصنعة للأسلحة ستظل موجودة بحلول عام 2006م. وهناك 1700 شركة دفاعية تعمل حاليا، وأكثر قليلا من نصف هذه الشركات فقط ستبقى، ويتضمن البرنامج تخفيضات كبيرة في عدد العسكريين والعتاد العسكري لصالح قوات أصغر حجما، مجهزة بأسلحة متقدمة تكنولوجيا.
ثامن عشر: الجيش الذكي الصغير في الفكر العسكري الإسرائيلي
مرت إسرائيل، وما زالت تمر، بظروف ميزت إستراتيجيتها العسكرية عن غيرها من الدول، وذلك نتيجة لظروفها التاريخية والجيوستراتيجية. وتأتى فكرة الجيش الذكي الصغير في إسرائيل وليدة تطورات مر بها المذهب العسكري الإسرائيلي، منذ عام 1948م، وحتى اليوم.
وكانت بنية الجيش تتغير من حيث الحجم، وتتسلح وتتدرب وفق المتغيرات، التي تطرأ على المذهب العسكري، وما يتعرض له الجيش من انتصارات وهزائم.
وقد اتجهت إسرائيل إلى دراسة تصغير حجم الجيش، في مقابل تحسين نوعيته وتطوير أسلحته، كما وكيفا، والاعتماد على السلاح النووي غير المعلن، وعلى تكنولوجيا حرب الفضاء، وذلك بعد أن تم إنجاز بعض الخطوات على بعض مسارات التسوية السلمية مع بعض الدول العربية.
1. أسباب تبنى إسرائيل لفكرة الجيش الذكي الصغير
نبعت فكرة الجيش الذكي الصغير في إسرائيل نتيجة العوامل الآتية:
أ. حساسية المجتمع الإسرائيلي تجاه قتلى الحروب، حيث تشكل الخسائر البشرية في الحرب حساسية خاصة لدى الإسرائيليين، بسبب الوضع الديمغرافي في إسرائيل، لهذا فإنها تسعى دائما في حروبها إلى إجرائها وإنهائها في أقصر مدة ممكنة، عبر استخدام جيشها مبادئ المبادرة والمفاجأة والاقتراب غير المباشر والحرب الخاطفة وتوجيه الضربة الأولى والضربة الوقائية والحرب الإجهاضية، وإبعاد القتال عن العمران الإسرائيلي والسكان الإسرائيليين.
ب. التطور المتسارع في أنظمة الأسلحة، بمختلف أنواعها، بحيث أصبحت هذه الأنظمة "ذكية" وغزيرة النيران، وطويلة المدى.
ج. قدرة إسرائيل العلمية والتكنولوجية والصناعية، المستمدة من العون الأمريكي على تصنيع أسلحة متطورة.
د. أدركت إسرائيل أهمية الأسلحة "الذكية" ذات المدى الطويل، وضرورة تعزيز القدرة الهجومية الجوية في الليل، وتعظيم دور الطائرات العمودية المقاتلة، والحاجة إلى قوة جوية كبيرة ومتطورة، وقادرة على العمل لمسافات طويلة.
2. التغيرات في التوجهات العسكرية الإسرائيلية
حدث في الفترة الأخيرة تغير جذري في توجهات العسكرية الإسرائيلية، بما يراه بعضهم أنه ثورة في شؤون الأمن الإسرائيلي، وملامح هذه الثورة كما يلي:
أ. الاستعداد للدفاع بجيش عامل صغير، لديه قدرات إنذار مبكرة، وتعبئة ونظام نقل فعال للاحتياطي.
ب. دعم قوة الردع التقليدية، وغير التقليدية، من خلال تطوير قوة الصواريخ الباليستية، وتسليح الغواصات بصواريخ تطلق على أهداف برية.
ج. العمل على تعميق وتوسيع نطاق التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
د. تكثيف الدور الإسرائيلي في الفضاء الخارجي بالأقمار الصناعية.
هـ. تكوين منظومة قادرة على تدمير قواعد الصواريخ بعيدة المدى قبل أن تنطلق، ومنظومة أخرى لتدمير الصواريخ في الجو قبل أن تصل إلى أهدافها في إسرائيل.
و. تكثيف دور القوات الجوية الإسرائيلية لتكون قادرة على القيام بإنجازات مؤثرة، وتفعيل دورها في أي حرب مقبلة.
ز. تطوير نظام الإنذار الإستراتيجي.
ح. تدريب الجيش على خوض غمار حرب ذرية كيميائية بيولوجية، حيث زودت المدرعات بأجهزة استشعار من بعد، ووسائل إنذار مبكر، ضد التلوث الذرى والكيميائي والبيولوجي. وأنشئت وحدات الحرب الكيميائية، وتوزع الضباط المختصون بهذه الحرب على مختلف الوحدات العاملة. وأنشئت المصانع لتصنيع مختلف أنواع أجهزة الوقاية ومستشعرات المواد الكيميائية والبيولوجية.
[1] تعرف المراجع العسكرية الأمريكية الإستراتيجية العسكرية بأنها : "علم وفن إعداد وتنظيم واستخدام القوات المسلحة للدولة للتحضير والتنظيم والإدارة للصراع المسلح لتحقيق الأهداف السياسية العسكرية للدولة".