[FONT="]نشوء[/FONT][FONT="] الاعتراض الجوي[/FONT][FONT="]
ظهرت ضرورة الاعتراض الجوي مع ازدياد خطر الطائرات وتهديدها لأعمال القوات
البرية. وكانت مهمات الطيران تقتصر على الاستطلاع والمراقبة
وتصحيح رمايات المدفعية، ثم أضيفت إليها مهمات القصف بالقنابل والرمي بالانقضاض.
وإزاء تزايد خطر الطائرات المغيرة ألحّ مخططو أعمال القتال على المصممين لإيجاد
وسائل تكفل مكافحتها وتمنع أذاها. وكانت المدافع المضادة للطائرات من أولى
الوسائل التي اقتُرحت وكان أول استعمال لها في الحرب
البروسية ـ الفرنسية سنة 1870 عندما ابتكر الصناعي الألماني «كروب» مدافع
رشاشة على مركبات متحركة تطارد المناطيد الفرنسية، ثم استُعملت هذه
المركبات في مكافحة الطائرات الحربية قبيل الحرب العالمية الأولى.
ومع حلول الهدنة في سنة 1918 كانت المدفعية المضادة قد أصبحت سلاحاً خطيرا
له تنظيمه ونظمه.[/FONT][FONT="]
فكر العسكريون منذ بدء الطيران باستعمال الطائرات في المطاردة والاعتراض،
إلا أن الكثيرين شكُّوا في إمكان تحقيق رمايات فعالة من الطائرات في أثناء
طيرانها. ولكن نجاح عدد من الطيارين في إسقاط طائرات معادية بنيران
رشاشاتهم أقنع قائد طيران الجيش
الخامس الفرنسي في شمبانية القائد دي روز بأن يؤلف أول سرب للاعتراض الجوي
في الأول من شهر آذار سنة 1915 ضم طائرات من طراز موران ـ سولنيير م س ـ12
ذات الجناح العلوي وسلحت بقربينات (بنادق قصيرة). وبعد أن نجح الألمان في
تطوير رشاش ثابت يرمي محورياً من فوق المروحة ثم من خلالها بفضل جهاز مزامن
ابتكره الطيار الألماني أنتوني فوكر [/FONT]Anthony Fokker[FONT="] سنة 1916 أصبح الاعتراض الجوي
مهمة أساسية من مهمات الطيران.[/FONT]
[FONT="]لم يكن لتكتيك الاعتراض أو لأساليبه نظم معروفة وإنما كان يرجع إلى الاجتهاد الشخصي.
وكان الألمان (1916) هم أول من طبق الاعتراض بتشكيل جوي مؤلف من عدد من الطائرات في سماء فردان .
ولكن المعركة التي دارت ظلت نمطاً من المبارزة الثنائية بين طائرتين. وفي عام
1917 نظم الألمان دوريات جوية لاعتراض الطائرات المعادية مع تنسيق نيرانها
فيما بينها على أسس وضعها الألماني أوزفالد بويلكه [/FONT]Oswald Boeleke[FONT="]،
وسرعان ما نحا الفرنسيون نحوهم وزادوا فيه حتى بلغ عدد الطائرات المطاردة
في طلعة واحدة 50 ـ60 طائرة مطاردة. وأصبحت فاعلية الاعتراض مرهونة بسلسلة
من الأعمال الأولية أهمها كشف الطائرات المغيرة بوساطة شبكات الرصد الجوي
والتحقق من هوية تلك الطائرات وسرعتها ووجهتها وتحديد توقيت إقلاع الطائرات
الاعتراضية لملاقاتها.[/FONT][FONT="]
ولما كانت مدة الإقلاع والبقاء في الجو قصيرة في بادئ الأمر فلم يكن في وسع
طائرات الاعتراض إلا مهاجمة طائرات الاستطلاع المعادية، أما القاذفات
فكانت تستطيع تنفيذ مهماتها إلى عمق 20[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]30كم
داخل خط الجبهة من دون اعتراض يذكر. ولم يكن يستثنى من هذه القاعدة سوى
الغارات الأكثر عمقاً التي كانت تقوم بها المناطيد الموجهة كمناطيد زبلن [/FONT]Zepplin[FONT="] أو القاذفات البعيدة
كطائرات غوتا [/FONT]Gotha G III[FONT="] والتي كانت تصطدم بالدفاع الجوي الأكثر تنظيماً في العواصم والمدن الكبرى.
وظل الاعتراض الجوي في سنة 1918 على حاله مقتصراً على أعمال الطائرات القتالية
في الجبهة أو عمليات اعتراض الجيش، ذلك الدور الذي سيسترد مكانته فيما بعد
في جميع المعارك الجوية الارضية .[/FONT]
[FONT="]الاعتراض الجوي فيما بين الحربين وفي أثناء الحرب العالمية الثانية[/FONT]
[FONT="]
[/FONT]
[FONT="]أدخلت تحسينات كثيرة على أساليب الاعتراض الجوي في الحرب الأهلية الإسبانية (1936[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1939) حتى تكاملت تدريجياً.
فابتكر الألمان بمساعدة أدولف غالاند [/FONT]Adolf Galland[FONT="] ترتيب الطيران
في دوريات متباعدة بالاتجاه والمدى والارتفاع. [/FONT][FONT="]
و قد تبنت إنتاج الطائرة الاعتراضية «مسرشميث مي 109»[/FONT][FONT="] لتوفير
حرية عمل طائرات الدعم الأرضي الانقضاضية من طراز[/FONT]Ju-87 Stuka[FONT="]
والقاذفات المتوسطة من طراز «دورنير هنكل» [/FONT][FONT="] وألحقتها بطيران الجيش .
ولقد نجحت هذه الطائرات في تحقيق مهماتها في المرحلة الأولى من الحرب
(احتلال بولندة والدنمارك والنروج وبلجيكة وهولندة وفرنسة). وتبنى الإنكليز في الحرب العالمية الثانية (1939[/FONT]-[FONT="]
1945) تكتيك الدوريات في معركة بريطانية (1940) بعد أن كانوا قبل ذلك
يلتزمون ترتيب الطيران المُتراصّ. ومكَّن اختراع الرادار بريطانية من كسب
تلك المعركة بفضل شبكة رادارات الكشف والتوجيه الارضية
وتنسيق عملها مع عمل الطيران الاعتراضي في منظومة واحدة أفقدت الطيران
الألماني حرية عمله وبينت عدم ملاءمة وسائل الهجوم الجوي الألمانية لتلك
المهمة لأن الطائرات الاعتراضية «مي [/FONT]-[FONT="]109»
لم تكن مستقلة في عملها ولم تكن تستطيع أن تماشي القاذفات التي تحتاج إلى
حمايتها في البقاء طويلاً فوق سماء بريطانية. وفي عامي 1941[/FONT]-[FONT="]
1942 شهد مسرح عمليات البحر المتوسط إحكام تكتيك الاعتراض الجوي لدى
الحلفاء حتى سيطروا على الجو سيطرة تامة، وكان للمقاتلات البريطانية من
طراز «سبتفاير» دور رئيس في هذا المضمار لتفوقها النوعي، وكذلك المقاتلات
السوفييتية من طراز «ياك» (ياكوفليف) التي أنتجت بأعداد كبيرة جاوزت ثلث ما
أنتجه الاتحاد السوفييتي من طائرات. وفي المحيط الهادئ استطاعت الطائرات
الاعتراضية اليابانية توفير الحماية التامة لحاملات الطائرات والقاذفات في
عملياتها هناك.[/FONT]
[FONT="]
[/FONT][FONT="]
استفاد الحلفاء من دروس معركة بريطانية أيضاً في زيادة فاعلية طائرات الاعتراض
التي رافقت قاذفاتهم فوق الأراضي الألمانية بدءاً من عام 1943 وفي مقدمتها
المقاتلات الأمريكية من طراز [/FONT]Mustang P-51[FONT="] و [/FONT]Republic P-47[FONT="]
التي تفوقت على الطائرات الاعتراضية الألمانية في قدرتها على التسلق وفي سقف طيرانها.
ولأن ألمانية تبنت في البدء الحرب الهجومية الخاطفة فقد أولت الدفاع الجوي عن أراضيها مرتبة ثانية،
واضطرت في المرحلة الثانية من الحرب إلى ارتجال دفاع جوي
لم يكن سيء التنظيم إلا أن تقنية الرادارات الألمانية
ظلت متخلفة عن مثيلتها الإنكليزية ولاسيما في أعمال الاعتراض الليلية،
فكانت أجهزة الكشف والرؤية التي جهزت بها الطائرات الاعتراضية بدائية
لاتمكنها من ملاحقة الطائرات المغيرة أو اعتراضها ولم يكن تسليحها مناسباً
لتدمير قاذفات الحلفاء الجيدة الحماية والتي تطير بترتيب متراص يحقق تقاطع
النيران فيما بينها، وتمت في هذا الصدد تجربة أساليب تكتيكية جديدة
ومتنوعة، كأن ترتفع المقاتلات الاعتراضية فوق تشكيل القاذفات المغيرة وتسقط
قنابلها الموقوتة في وسط ترتيبها. وساعد
استعمال الصواريخ ذات المدى الأبعد من رمي الرشاشات في تحقيق بعض النجاح
ولكنه لم يوازن التفوق العددي الهائل لطيران الحلفاء. ومن دراسة نتائج تلك
المعارك الجوية الليلية والنهارية أمكن تحديد نسبة الخسائر التي تستطيع أن
تلحقها وسائل الاعتراض الجوي بالطائرات المغيرة والتي توجب أن تكون أعلى من
قدرة الحلفاء على التعويض سواء بالصنع أم بالإصلاح، ولكن هذه النسبة ظلت
طوال الحرب أدنى بكثير من إمكانات الحلفاء، ولم تستطع القيادة الألمانية التغلب على هذه المشكلة
حتى نهاية الحرب مع كل الجهود التي بذلت لتحسين أساليب العمل وتحسين أجهزة
المدفيعية
المضادة للطائرات والأسلحة المركبة على الطائرات واستخدام الصواريخ أرض ـ
جو وأخيراً استخدام المقاتلات النفاثة لأول مرة في التاريخ (مسرشميث مي [/FONT]-[FONT="]163 ومي [/FONT]-[FONT="]262) في أواخرالحرب .
[/FONT][FONT="]الاعتراض الجوي بعد الحرب العالمية الثانية[/FONT]
[FONT="]
لت تكد الحرب تضع أوزارها حتى دخل المعسكران الشرقي والغربي في حمى سباق تسلح لم يشهد
العالم له مثيلاً من قبل، وأدى ذلك إلى سعي كل من المعسكرين إلى تحسين
وسائل دفاعه الجوي وزيادة فاعليتها كلما طور الطرف الآخر وسائل هجومه الجوي
الاستراتيجية. وهكذا خرجت إلى الوجود منظومات دفاعية متطورة
شديدة التعقيد. وكان التقدم الذي طرأ على الطائرات الاعتراضية مذهلاً
فراوحت سرعاتها بين 800كم/سا و2500كم/سا في مدى خمسة عشر عاماً (1945[/FONT]-[FONT="]1960)،
واختصر زمن تسلقها إلى السقف العملي عشر مرات، وازدادت فاعلية نيرانها
بفضل رادارات التوجيه التي على متنها، وبفضل تسليحها الصاروخي جوـ جو،
وصارت تدعى طائرات مقاتلة بدلاً من «اعتراضية»، وأصبح احتمال نجاحها في
التصدي للقاذفات في عام 1970 أكبر أربع مرات مما كان عليه في عام 1945[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="] ومع ذلك فإن هذا الاحتمال لا[/FONT][FONT="]ينطبق
على القاذفات فوق الصوتية التي تطير على ارتفاعات عالية جداً ولا على
الطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة جداً. ولتلافي هذا النقص انصب
الاهتمام على تطوير الصواريخ جو ـ جو الذاتية التوجه أو الموجهة على الشعاع
الحامل، كما تم التوصل إلى منظومات جديدة كل الجدة كطائرات الإنذار
والتوجيه والكشف المبكر التي تمثلها المنظومة الأمريكية [/FONT] (AWACS)[FONT="]
والتي بنيت فكرتها على تجهيز طائرات نقل كبيرة برادارات محمولة على متنها
تتيح كشف الطائرات المعادية وتوجيه المقاتلات إليها وتنسيق عملها مع عمل
الصواريخ أرض ـ جو. ومهما يكن ذلك التقدم العظيم الذي تحقق فإن الدفاع الجوي يبقى موضع جدل كبير،
إذ لو تمكنت طائرة واحدة أو صاروخ واحد يحمل قذائف شديدة الفاعلية (نووية مثلاً) من اجتياز الدفاع الجوي
إلى أهدافها لكان هذا الدفاع مخفقاً في مهمته.[/FONT]
يتبع ..
التعديل الأخير: