هديه صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر
إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان حياة حافلة بالأحداث الجسام , والمواقف العظام , تحيي في نفوس المؤمنين القوة والعزة , وتقوي فيهم العزم والإرادة , نحو الطاعات والقربات , وتبعث في نفوسهم النشاط وحب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومن تلكم الأحداث الكبيرة والمليئة بالعبر والدروس الجليلة أول غزوة مشهورة غزاها عليه الصلاة والسلام , فكانت فرقانا بين الحق والباطل , وفاصلا بين المؤمنين والكافرين , أعز الله فيها جنده , ونصر عبده وهزم الكفر وأهله , تلكم هي غزوة بدر الكبرى , هذه الغزوة التي وقعت في السابع عشر من شهر رمضان المبارك , في السنة الثانية للهجرة , وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن أبا سفيان _ قبل أن يسلم _توجه من الشام إلى مكة بعير قريش , فدعا أصحابه إلى الخروج إليه لأخذ العير , لأن قريشا حرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه , ليس بينهم وبينه عهد , وقد أخرجوهم من ديارهم وأموالهم , وقاموا ضد دعوتهم دعوة الحق , فكانوا مستحقين لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعيرهم , فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً , على فرسين وسبعين بعيرا , يتعقبونها , منهم سبعون رجلا من المهاجرين والباقون من الأنصار ، يقصدون العير لا يريدون الحرب , ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد , ليقضي الله أمراً كان مفعولا , ويتم ما أراد .
ولما علم بهم أبو سفيان , بعث صارخا إلى قريش يستنجدهم ليحموا عيرهم , وترك الطريق المعتادة , وسلك ساحل البحر فنجا , أما قريش فإنهم لما جاء الصارخ خرجوا بأشرافهم عن بكرة أبيهم في نحو ألف رجل , معهم مائة فرس وسبعمائة بعير , بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله , والله بما يعملون محيط , ومعهم القيان يغنين بهجاء المسلمين , ولما تهيؤا أرسل إليهم أبو سفيان يخبرهم أنه نجا , ولكن بكبرهم وطغيانهم قال قائلهم أبو جهل : والله لا نرجع حتى نبلغ بدراً ونقيم فيه ثلاثاً , ننحر الجزور , ونطعم الطعام , ونسقي الخمر , وتسمع بنا العرب , فلا يزالون يهابوننا أبداً .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه لما علم بخروج قريش , جمع أصحابه ومستشاريه من المهاجرين والأنصار يستشيرهم , فقال : ( إن الله وعدني إحدى الطائفتين : إما العير وإما الجيش ) (1) فقام المقداد بن الأسود رضي الله عنه وكان من المهاجرين فقال : يا رسول الله امض لما أمرك الله عز وجل , فوا الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون , ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ) , وقام سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس – من الأنصار _ , وقال نحواً من مقالة المقداد , فسُرَ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (2) , وقال : ( سيروا و أبشروا , فو الله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ) فسار النبي صلى الله عليه وسلم هو ومن معه , حتى نزل أدنى ماء مياه بدر , فجاء الحباب بن المنذر وعمرو بن الجموح , فأشارا عليه بتغيير هذا المنزل , ثم استعدوا للقتال , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي بين صفوفهم ويقول : ( كأني أرى مصارع القوم ) (3) ثم أخذ عليه الصلاة والسلام يصلي في عريش بناه على تل , ويدعو الله عز وجل بالنصر وتحقيق الوعد حتى سقط رداؤه , وبدأت الحرب واشتدت المعركة , وأنزل الله جنودا من جنده مع المؤمنين :
{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)} (4)
وكانت النتيجة أن نصر الله رسوله وعباده المؤمنين وهزم المشركين وولوا الأدبار وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين وكان من القتلى صناديد قريش والقوا في قليب من قلبان بدر ومنهم ابو جهل وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وغيرهم وهكذا نصر الله سبحانه عباده المؤمنين فعلى شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واندحرت قريش وكبراؤها ورجعوا خائبين خاسرين .
في هذه الغزوة العظيمة في هذا الشهر الطيب المبارك أعز الله جنده ونصر عبده وعلا شأنه ومكن لدينه وقويت شوكة رسوله عليه الصلاة والسلام فالنصر ليس بالعدد والعدة ولو قابلنا الفريقين في ذلك لكان الفرق بينهما بينا والبون بينهما شاسعا ولكن من ينصر الله ينصره ويثبت أقدامه وهذه هي سنة الله تعالى في خلقه متى ماتمسكوا بدينهم وحكموا شريعة ربهم وتعلقوا بخالقهم فالله جل وعلا ينصرهم ويعزهم ويذل اعداءهم ويخذلهم ويهزمهم .
وهناك درس آخر عظيم وهو أن هذا الشهر الكريم ليس شهر كسل وخمول وبطالة بل هو شهر الجد والعمل والنشاط والقوة والاجتهاد في سبل الخيرات ذلكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جدوا وأجتهدوا في هذا الشهر المبارك فنصرهم وأعزهم ومكنهم وأعلى شأنهم فهابهم أعداؤهم
ويوجد درس ثالث وهو بيان اهمية الاستشارة وإبداء الرأي في مصالح الامة الكبار ذلكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار اصحابه في هذه الغزوة فأشاروا عليه بما يرونه سببا للنصر والتمكين فأخذ صلى الله عليه وسلم بمشورتهم فكان ذلك عونا من الله تعالى على النصر ومنها يؤخذ ايضا اهمية فعل الاسباب التي تكون عوامل بإذن الله للنتائج والثمار الطيبة فلايعتد الانسان برأيه في اموره الجسام ومن ثم يقع في اخطار عظيمة وبلاء كبير .
ومن الدروس المستفادة أيضا :
أهمية الدعاء وفضله وانه من أهم أسباب النصر والعز والتمكين وهذا بلا شك يؤخذ من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جلس تلك الليله يدعو ربه ويستغيث به حتى أشفق عليه الصديق ابو بكر رضي الله عنه لما سقط رداؤه فطفق أبو بكر يهون عليه ويخفف عنه .
فحري بنا نحن المسلمين ان نستعين بالدعاء ونلح به على ربنا ليقضي حوائجنا ولنحذر ان نغتر بجاهنا وقوتنا وأموالنا وما في أيدينا من وسائل مادية فالعباد ضعاف مهازيل في جنب الله عز الله وجل والله تعالى يقول { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } (5)
ويقول رسوله الامين صلى الله عليه وسلم ( الدعاء هو العبادة ) (6)
أسال الله عز وجل ان يجعل هذا الشهر المبارك شهر عز وتمكين للإسلام والمسلمين في مشارق الارض ومغاربها انه سميع مجيب وهو المستعان
عن موقع شبكة السنة النبوية وعلومها
الهوامش:
(1) انظر السيرة النبوية لابن هشام ( 2/288-295 ) .
(2) أخرجه قريبا منه البخاري ( 3952 ) ( 4609 ) .
(3) أخرجه مسلم بلفظ قريب ( 1779 ) , وانظر سيرة ابن هشام ( 2/304 )
(4) الأنفال ( 12-13)
(5) البقرة (186)
(6) أخرجه احمد ( 4/271) والبخاري في الادب المفرد (714) وأبو داود ( 1479) والترمذي (3247) والنسائي في سننه الكبرى (11464) وابن ماجه (3829) والحاكم في المستدرك (1/491) وقال الترمذي : حسن صحيح وقال الحاكم : صحيح الاسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وصححه الالباني في صحيح الجامع (3407)
ولما علم بهم أبو سفيان , بعث صارخا إلى قريش يستنجدهم ليحموا عيرهم , وترك الطريق المعتادة , وسلك ساحل البحر فنجا , أما قريش فإنهم لما جاء الصارخ خرجوا بأشرافهم عن بكرة أبيهم في نحو ألف رجل , معهم مائة فرس وسبعمائة بعير , بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله , والله بما يعملون محيط , ومعهم القيان يغنين بهجاء المسلمين , ولما تهيؤا أرسل إليهم أبو سفيان يخبرهم أنه نجا , ولكن بكبرهم وطغيانهم قال قائلهم أبو جهل : والله لا نرجع حتى نبلغ بدراً ونقيم فيه ثلاثاً , ننحر الجزور , ونطعم الطعام , ونسقي الخمر , وتسمع بنا العرب , فلا يزالون يهابوننا أبداً .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه لما علم بخروج قريش , جمع أصحابه ومستشاريه من المهاجرين والأنصار يستشيرهم , فقال : ( إن الله وعدني إحدى الطائفتين : إما العير وإما الجيش ) (1) فقام المقداد بن الأسود رضي الله عنه وكان من المهاجرين فقال : يا رسول الله امض لما أمرك الله عز وجل , فوا الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون , ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ) , وقام سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس – من الأنصار _ , وقال نحواً من مقالة المقداد , فسُرَ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (2) , وقال : ( سيروا و أبشروا , فو الله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ) فسار النبي صلى الله عليه وسلم هو ومن معه , حتى نزل أدنى ماء مياه بدر , فجاء الحباب بن المنذر وعمرو بن الجموح , فأشارا عليه بتغيير هذا المنزل , ثم استعدوا للقتال , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي بين صفوفهم ويقول : ( كأني أرى مصارع القوم ) (3) ثم أخذ عليه الصلاة والسلام يصلي في عريش بناه على تل , ويدعو الله عز وجل بالنصر وتحقيق الوعد حتى سقط رداؤه , وبدأت الحرب واشتدت المعركة , وأنزل الله جنودا من جنده مع المؤمنين :
{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)} (4)
وكانت النتيجة أن نصر الله رسوله وعباده المؤمنين وهزم المشركين وولوا الأدبار وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين وكان من القتلى صناديد قريش والقوا في قليب من قلبان بدر ومنهم ابو جهل وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وغيرهم وهكذا نصر الله سبحانه عباده المؤمنين فعلى شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واندحرت قريش وكبراؤها ورجعوا خائبين خاسرين .
في هذه الغزوة العظيمة في هذا الشهر الطيب المبارك أعز الله جنده ونصر عبده وعلا شأنه ومكن لدينه وقويت شوكة رسوله عليه الصلاة والسلام فالنصر ليس بالعدد والعدة ولو قابلنا الفريقين في ذلك لكان الفرق بينهما بينا والبون بينهما شاسعا ولكن من ينصر الله ينصره ويثبت أقدامه وهذه هي سنة الله تعالى في خلقه متى ماتمسكوا بدينهم وحكموا شريعة ربهم وتعلقوا بخالقهم فالله جل وعلا ينصرهم ويعزهم ويذل اعداءهم ويخذلهم ويهزمهم .
وهناك درس آخر عظيم وهو أن هذا الشهر الكريم ليس شهر كسل وخمول وبطالة بل هو شهر الجد والعمل والنشاط والقوة والاجتهاد في سبل الخيرات ذلكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جدوا وأجتهدوا في هذا الشهر المبارك فنصرهم وأعزهم ومكنهم وأعلى شأنهم فهابهم أعداؤهم
ويوجد درس ثالث وهو بيان اهمية الاستشارة وإبداء الرأي في مصالح الامة الكبار ذلكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار اصحابه في هذه الغزوة فأشاروا عليه بما يرونه سببا للنصر والتمكين فأخذ صلى الله عليه وسلم بمشورتهم فكان ذلك عونا من الله تعالى على النصر ومنها يؤخذ ايضا اهمية فعل الاسباب التي تكون عوامل بإذن الله للنتائج والثمار الطيبة فلايعتد الانسان برأيه في اموره الجسام ومن ثم يقع في اخطار عظيمة وبلاء كبير .
ومن الدروس المستفادة أيضا :
أهمية الدعاء وفضله وانه من أهم أسباب النصر والعز والتمكين وهذا بلا شك يؤخذ من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جلس تلك الليله يدعو ربه ويستغيث به حتى أشفق عليه الصديق ابو بكر رضي الله عنه لما سقط رداؤه فطفق أبو بكر يهون عليه ويخفف عنه .
فحري بنا نحن المسلمين ان نستعين بالدعاء ونلح به على ربنا ليقضي حوائجنا ولنحذر ان نغتر بجاهنا وقوتنا وأموالنا وما في أيدينا من وسائل مادية فالعباد ضعاف مهازيل في جنب الله عز الله وجل والله تعالى يقول { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } (5)
ويقول رسوله الامين صلى الله عليه وسلم ( الدعاء هو العبادة ) (6)
أسال الله عز وجل ان يجعل هذا الشهر المبارك شهر عز وتمكين للإسلام والمسلمين في مشارق الارض ومغاربها انه سميع مجيب وهو المستعان
عن موقع شبكة السنة النبوية وعلومها
الهوامش:
(1) انظر السيرة النبوية لابن هشام ( 2/288-295 ) .
(2) أخرجه قريبا منه البخاري ( 3952 ) ( 4609 ) .
(3) أخرجه مسلم بلفظ قريب ( 1779 ) , وانظر سيرة ابن هشام ( 2/304 )
(4) الأنفال ( 12-13)
(5) البقرة (186)
(6) أخرجه احمد ( 4/271) والبخاري في الادب المفرد (714) وأبو داود ( 1479) والترمذي (3247) والنسائي في سننه الكبرى (11464) وابن ماجه (3829) والحاكم في المستدرك (1/491) وقال الترمذي : حسن صحيح وقال الحاكم : صحيح الاسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وصححه الالباني في صحيح الجامع (3407)