من كان حقا أوفقير ؟

الشبح

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
9 مارس 2008
المشاركات
7,014
التفاعل
26,264 136 0
الدولة
Morocco
يروي كلود كليمون، الضابط الفرنسي السابق في المغرب، وكاتب أول سيرة لمحمد أوفقير، أن والده علّمه طريقة تعذيب مضمونة النجاح: “أمام إعجاب والده الشديد به، قرر أن يمنحه خنجره ذا الغمد النحاسي المرصع بالفضة الذي يحمله معه منذ ستين سنة، مشدودا إلى صدره بضفيرة من الصوف. كان يريد أن يعلمه كيف يتم في أيام “الغزو” نزع الاعتراف من سجين حول مخبأ الكنز. يتم ذلك عبر غرز طرف الخنجر قليلا في عدد لا متناه من النقط الصغيرة بين الأضلع. بالكاد يكون الأمر وخزا، لكن بسرعة كبيرة، وبشكل شبيه بالوخز بالإبر. تتقطع أوصال الضحية ألما، لدرجة تفقده أنفاسه والتحكم في ذاته. سابقا، لم يستطع أي شخص المقاومة. حمل محمد الخنجر بين يديه واتجه نحو الأفق”.

إنها إحدى الصور النمطية، من بين صور كثيرة بنت شخصية أوفقير في مخيلة المغاربة. فما هو الوجه الآخر لهذا الرجل؟.

ابن الباشا “قاطع الطريق”

مع بداية القرن العشرين، كانت سلطة المخزن ضعيفة جدا على مناطقه الشرقية. هناك، وجد رجل يدعى أحمد بن قدور أوفقير المجال مفتوحا، فعمل “غازيا” تعوّد قطع الطريق أمام القوافل التجارية المارة قرب الحدود الجزائرية المغربية. كان يتمتع بسطوة كبيرة في المنطقة، حتى أنه يهاجم أحيانا الدوريات العسكرية الفرنسية المارة من هناك. ومع الزحف المتوالي للقوات الفرنسية، قادمة من التراب الجزائري، حيث صارت تحتل المناطق المغربية، واحدة تلو الأخرى، عرف أوفقير الأب أن زمن “الغزو” انتهى، فأبدى استعداده للتحالف مع فرنسا.

كان الرجل أكثر تبصرا من زملائه عندما فهم أن الجيش الفرنسي لا يمكن مواجهته. سعى إلى لقاء ليوطي ـ ولأنه كان مطاعا في قبيلته فقد عيّنه باشا على مدينة بوذنيب. حدث هذا سنة 1910، أي سنتين قبل الحماية الفرنسية على المغرب.

كان ليوطي ذكيا. فبتعيين أحمد بن قدور باشا على بوذنيب ضَمِن طاعة المدينة؛ فهي لن تثور، في الأرجح، على موظف مخزني مغربي. ورغم أن أوفقير الأب ليس بتلك الأهمية، إلا أنه، في هذه الحالة، مثّل نموذجا مصغرا لسياسة ستعرف أوجها في مراحل لاحقة. لقد كررت فرنسا الأسلوب نفسه مع شخصيات وازنة، من طينة الباشا التهامي الكلاوي، والقايد المتوكي، والقايد العيادي، والقايد الكندافي. ضمنت هذه السياسة الناجعة لفرنسا السيطرة على مناطق شاسعة من المغرب، دون طلقة نار واحدة، حتى أنها حملت اسما خاصا بها، إذ عرفت في التاريخ المغربي بـ”سياسة القواد الكبار”

la politique de Grands Ca•ds.

لعب هؤلاء القواد دورا حاسما في تسهيل مهمة الحماية. فمقابل الدعم المادي والعسكري والامتيازات التي تلقوها من فرنسا، أخضعوا القبائل التابعة لهم، وكفوا الدولة الحامية شر القتال.

عندما ولد أوفقير، نهاية 1920، لم تكن بوذنيب إلا مجرد قصر صغير، على ضفة وادي “غير”، تقطنه حوالي ألف نسمة، بينها بعض الأوربيين واليهود المغاربة. والواقع أن أوفقير ولد بعين الشعير، قرب فكيك، من عائلة قدمت، (كما يورد الصحافي الأمريكي ستيفان سميت)، من سيدي بلعباس في الشمال الغربي للجزائر. وككثير من العائلات، تدفع عائلة أوفقير بنسبها الشريف، حيث يتموقع محمد أوفقير في الجيل الثالث والعشرين من السلسلة.

محمد أوفقير هو الابن الثاني للباشا. كان مثار فخر لوالديه: إنه “ولد قوي البنية، مستقيم كالنخلة، بنظرات حادة، معتّز بعرقه، قويّ وشجاع”. هكذا وصفه كلود كليمون، الجنرال الفرنسي، وكاتب أول سيرة لأوفقير.

في العاشرة من عمره، التحق الفتى أوفقير بالمدرسة. لم يبد أي اهتمام بالدراسة، وظل يتساءل عن جدوى تعلم الفرنسية، هذه “اللغة المتوحشة، المركبة والصعبة، حيث القواعد المعقدة تعرقل الانسياب السلس للأفكار في عقله”. الضباط الفرنسيون، الذين اعتادوا مجالسة والده، كانوا يتقنون الأمازيغية ببراعة، لذا بدا له أنه لا فائدة من تعلم الفرنسية.

خلال طفولته، تعوّد محمد أن يقضي معظم وقته إلى جوار عبد عجوز معتوق فضّل العيش وسط العائلة بدل الرحيل. “العجوز لحسن” يصف الفتى أوفقير أنه “يمكن أن يحبس نفسه في الصمت لأيام. عندما نناديه للأكل، يتقدم دون أن ينبس بكلمة. في المقابل، كان يحبّ أن يجوب الصحاري للبحث عن القطع المعدنية”، يكشف ستيفان سميت في كتابه “أوفقير: قدر مغربي” (ufkir: Un destin marocain).

في مدرسته ببوذنيب، تلقّى أوفقير تعليما فرنسيا خالصا. كان المعلم يلقن تلامذته أن فرنسا، عوض أن تكون غازية، جاءت لتزرع السلم في البلاد. وبفضلها، سيعود المغرب دولة عظيمة. في حقيقته، كان التعليم الفرنسيّ أداة للدعاية والترويض، وقد وصفه المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري بالقول إنه “يعمل على قولبة سلوك المغاربة وتعليب وعيهم وتعويدهم الطاعة والخضوع والاستسلام”.

أصبح المغرب وفرنسا في ذهن أوفقير اسمين لا يفترقان، و”صار يتمنى أن يصبح المغرب بلدا موحدا، وينعم بالسلم، ومتحضرا وغربيا، كما كان يردد دائما، معلنا احتقاره للشرق البئيس، الفيودالي، والمشتت”، يقول كلود كليمون. لقد أصبح ابن الباشا فرنسي الهوى تماما.

مدرستان وإعدامان


في أحد أيام سنة 1396، استدعي أوفقير من قبل معلمه ببوذنيب إلى المدرسة. كان إلى جانبه ضابط للشؤون الأهلية، وأستاذ آخر. انهال الأستاذ الغريب على أوفقير بالأسئلة حول عائلته، ميولاته، طموحاته… في الأخير، اتخذ القرار التالي:”إنه ذكي وقوي. أعتقد أنه سيصبح تلميذا ممتازا. سنطلب موافقة والده”. هكذا اختير الفتى محمد أوفقير، ليكون أحد تلامذة ثانوية آزرو.

أسس “كوليج آزرو” سنة 1927، وخصص لاستقبال أبناء الأعيان الأمازيغ. وسعت الحماية الفرنسية، من وراء تأسيسه، إلى تكوين نخبة أمازيغية حليفة لها، تحتل المواقع المتوسطة في الإدارة والجيش. وأريد لهذه النخبة أن تكون في مواجهة نخبة الحركة الوطنية.

كان تأسيس هذا الكوليج، يقول محمد اليزيدي، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم والإنسانية ظهر المهراز بفاس “تتويجا للسياسة البربرية التي أطلقتها سلطات الحماية منذ 1914؛ لكن فرنسا فشلت في تكوين النخبة التي حلمت بها، إذ ظل عددها محدودا يحسب على رؤوس الأصابع”. “كان الإقبال على المدارس القرآنية (المسيد) أكثر من الإقبال على كوليج آزرو”، يضيف اليزيدي.

وعلى غرار كوليج آزرو، أسست فرنسا مدارس في المدن، ويتعلق الأمر بثانويتي مولاي يوسف في الرباط ومولاي إدريس في فاس. لهذا، يرى مصطفى القادري، المؤرخ المتخصص في التاريخ المعاصر، أن تهمة “التخوين” التي ارتبطت بكوليج آزرو مجحفة، لأن الثانويات التي درس فيها أبناء الحركة الوطنية تشرف عليها، هي الأخرى، سلطات الحماية، وتلقى الجميع بها التعليم نفسه تقريبا.

تمتّد الدراسة في الثانوية ثلاث سنوات، يتلقى خلالها التلاميذ دروسا في الفرنسية ومبادئ في الإسبانية والإنجليزية، والرياضيات، والمحاسبة والقانون، وحتى دروسا في البيداغوجية. غالبية خريجيها يتجهون إلى العمل ككتّاب في مكاتب الشؤون الأهلية أو مدرسين. والمحظوظون منهم يكملون دراستهم في المدرسة العسكرية في مكناس، وأحيانا في الثانوية الفرنسية بفاس.

في مدرسته الجديدة، استطاع “البوذنيبي الصغير”، بتعبير ستيفان سميت، التأقلم بسرعة. وارتبط بصداقة قوية مع زميل له، اسمه إدريس الخياري بوكرين. كان هذا الصديق، بوصف كليمون، “ريفيا، طيبا، سخيا، بشوشا، يتمتع بفطنة عالية… كانا لا يفترقان، يظلان يتكلمان، دون نهاية، عن الأدب الفرنسي والحضارة المغربية”. لسوء حظهما معا، سيعدم بوكرين أمام أعين أوفقير، بعد المحاولة الانقلابية في الصخيرات، سنة 1971.

في آزرو، أحبّ أوفقير اللغة الفرنسية بشدة. وكان إتقانه لها كبيرا. وصار معجبا بكتابات موليير وألفريد فينيي وفكتور هيغو. في المقابل، وإن كان يتكلم اللهجة الدارجة، فإن معرفته بالعربية ظلت ضعيفة. أحبّ، أيضا، الرياضيات وبرع فيها، كما في الاختبارات الفيزيائية. ورغم ذلك، يبقى أوفقير، وفقا لستيفان سميت، “تلميذا جيدا، لا أكثر”.

بعد ثلاث سنوات، أنهى محمد أوفقير دراسته في “كوليج آزرو”، ضمن المتفوقين. خلال تلك الفترة، كانت الحرب العالمية الثانية مشتعلة، فتزايد الطلب الفرنسي على الجنود المغاربة للالتحاق بالجيش الفرنسي. وفي الوقت الذي تردّد كثير من زملائه في الدخول في حياة الجندية، كان أوفقير فرنسي الهوى تماما، ولم يجد أيّ تردد في الالتحاق بالمدرسة العسكرية بمكناس، المعروفة باسم “الدار البيضا”.

كان الهدف الذي رسمه ليوطي لمدرسة “الدار البيضا” واضحا: تخريج أطر عسكرية كفؤة تطعّم فيالق جنود المشاة والفرسان التابعة لـ”الجيش الإفريقي” (القوات الفرنسية المكونة من مواطني المستعمرات الإفريقية). ويلج المدرسة، بشكل حصري تقريبا، أبناء الأعيان، ويقضون فيها أربع سنوات، تمكنهم من دخول مدارس الضباط. واللافت للانتباه، أيضا، أن خريجي هذه المدرسة هم من سيشكلون العمود الأساسي للجيش المغربي بعد الاستقلال.

تخرّج من هذه المدرسة، منذ أسسها ليوطي سنة 1918، كبار قادة الجيش المغربي، أمثال: امبارك البكاي، رئيس أول حكومة في تاريخ المغرب المستقل، ومولاي حفيظ العلوي، والكتاني، والدليمي، وإدريس بن عمر، والمذبوح، والصفريوي، وأعبابو، وحمو، والشنا… وآخرون. هذه المدرسة تحوّلت، في ما بعد، إلى الأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس.

في مدرسته، أبدى محمد أوفقير انضباطا كبيرا. وأظهر براعة في التمارين الرياضية، وإتقانا منقطع النظير في تداريب الرماية. يصفه كليمون بأنه “كان يتمتع، خلال هذه الفترة، بحدس خاص في اكتشاف العدو، تقدير قوته، تحديد موقعه… مدربوه كانوا يقدرونه بكل امتنان ويهبون لتهنئته”.

خلال دراسته في المدرسة العسكرية، ارتبط أوفقير مجددا بزميل قديم له منذ سنوات الدراسة في آزرو، هو حمو أمحزون. ستتعمّق صداقتهما في ما بعد، خلال الخدمة في الجيش الفرنسي. حمو، هذا الصديق المخلص المنحدر من سلالة موحى أو حمو الزياني، لن يكون مصيره أفضل من إدريس الخياري بوكرين، صديق أوفقير في ثانوية آزرو، إذ سيلقى مصيره، هو الآخر، بالرصاص أمام عيني الجنرال.

سنة 1941، وبعد عامين من الدراسة، تخرّج أوفقير من المدرسة العسكرية بمكناس، برتبة ملازم ثان احتياطي (sous-lieutenant de rژserve)، محتلا المرتبة الثالثة في لائحة الخريجين.

الموت من أجل فرنسا
طوال مساره العسكري، أبدى أوفقير تعلّقا كبيرا بفرنسا. ويحكي كلود كيلمون أنه، خلال وجوده بالمدرسة العسكرية بمكناس، طمأن رئيسه، ذات مساء، قائلا: “لا تحزن سيدي. يجب أن تثق في فرنسا وفي الماريشال بيتان. ونحن مازلنا مسلحين، يمكن أن نحارب سيدي، معكم. سننتقم لفرنسا”.

بعد تخرجه من المدرسة العسكرية، التحق محمد أوفقير بالفوج الرابع للمشاة المغاربة التابع لـ”الجيش الإفريقي”، المرابط بمدينة تازة. حينها لم يكن مضى على اندلاع الحرب العالمية الثانية أكثر من ثلاثة أشهر.

لقد دعّم أكثر من 120ت000 جندي مغربي القوات الفرنسية في الحرب العالمية الثانية. كثير منهم… بناء على دعوة من السلطان محمد بن يوسف في إحدى خطبه، حيث استنهض الشعب المغربي لمؤازرة فرنسا ماديا وعسكريا. هكذا، التحقت الفرقة العسكرية المغربية بالجبهات الأمامية للحرب في مناطق الجزائر وتونس، وفي الأراضي الأوربية، بدءا بصقلية وإيطاليا ثم فرنسا وبلجيكا وألمانيا، كما عبّأ المغرب جميع موارده الفلاحية والصناعية لدعم المجهود الحربي لفرنسا، بل وجمع التبرعات لها.

في الأخير، خسر المغرب، في صفوف جنوده، حوالي 3000 قتيل، وأكثر من 12000 جريج، وما يقارب 500 مفقود. وأفظع من هذا، لم يف الحلفاء بوعودهم بمنح الاستقلال للمستعمرات بعد نهاية الحرب، وبقي المغرب تحت الاستعمار عشر سنوات أخرى.

لم تكن لزملاء أوفقير، خلال السنتين اللتين قضاهما في تازة، مشاركة تذكر في الحرب؛ باستثناء التفرج من بعيد على الإنزال الأمريكي على الشواطئ المغربية. لكن الأمور ستتغيّر عندما سيلتحق “الجيش الإفريقي” بالحملة التي شنّها الحلفاء على إيطاليا (حملة إيطاليا la Campagne d’Italie). نهاية سنة 1943. تم إنزال القوات في نابلس، وشارك أوفقير – في الأيام الموالية- في الحرب بشجاعة.

في الفترة ما بين نونبر 1943 ويناير 1944، ربح الحلفاء معركتين حاسمتين: الأولى “بلفيدير”، والثانية “كاريغليانو”. وأبدى جنود شمال إفريقيا شجاعة نادرة في مواجهة الألمان. وبفضلهم، أصبح الطريق مفتوحا في اتجاه روما.

أصيب أوفقير في “كاريغليانو”، بحسب كلود كليمون، إصابة بالغة، تسببت فيها قاذفات اللهب الألمانية: “مر اللهب بالقرب من أوفقير. أحس الملازم بالحريق على وجهه، على عينيه، (عينه اليسرى بالذات). عينا أوفقير أصلا مصابتان بالرمد الحبيبي، هذا المرض المنتشر في الجنوب المغربي، والذي يصيب الأطفال منذ الصغر… رغم أن الرجل كان يعاني ألم الإصابة في يديه وعينيه، إلا أنه رفض إجلاءه من أرض المعركة وفضّل تلقي العلاج في ساحة الحرب. وفي اليومين المواليين، شارك في الهجوم بقفازين في يده، وبضمادة على عينه اليسرى، وبوجه مغطى بمرهم”.

هذه الحكاية التي أوردها كلود كليمون، سنة 1974، في أول سيرة منشورة حول أوفقير، بعنوان “Oufkir”، ردّدها كثير من الكتّاب والصحافيين من بعده، مساهمين بقوة في خلق أسطورة أوفقير. لكن عائلة الرجل نفت الحكاية لاحقا، مؤكدة أنها لا تعدو سوى حكاية من نسج خيال الجنرال الفرنسي.

بعد المعركة، نال أوفقير “صليب الحرب مع نجمة فضية”، ودون اسمه في السجل العسكري، “كضابط شاب يتمتع بالقوة والحيوية، ويحافظ في كافة الأوضاع على هدوئه الممتاز. في 11 ماي 1944، قاد جنوده في الهجوم على جبل سيرازولا، وحثهم على الثبات لساعات في مواجهة قذائف المدفعية وأعيرة رشاشات العدو التي تطلق عن قرب”.

بعد أيام، شارك أوفقير في صد الهجوم الألماني المضاد على مدينة سيينا، وجرح جرحا بليغا في يده اليمنى. كانت مساهمته فعالة جدا. ونال، بإيعاز من الجنرال الأمريكي مارك كلارك، الذي أعجب بشجاعته، ميدالية “سيلفر ستار” الأمريكية مع نجمة فضية. أما الفرنسيون، فوشّحوه بـ”صليب الحرب”، ووسام جوقة الشرف، ونال ترقية إلى رتبة ملازم (ليوتنان).

عاد أوفقير إلى المغرب، بعد انتهاء الحرب، دون أن يحلو له المقام، إذ قرر الالتحاق مجددا بساحة الحرب في خدمة فرنسا. هذه المرة في الهند الصينية.

في شبه جزيرة الهند الصينية، أبدى أوفقير شجاعة نادرة. يقول جيل بيرو: “هناك برهن عن كفاءة حقيقية، شجاعة لا لبس فيها، وقسوة لا حد لها. كان رؤساؤه يقولون: بعد أوفقير، يعد المظليون مثل أطفال جوقة المرتلين (في الكنيسة)”.

في الهند الصينية، تنقّل أوفقير بين مختلف الوحدات العسكرية الفرنسية، من وحدات المسح في حقول الأرز والأدغال، إلى الوحدة العسكرية المعروفة بـ”ديناسو 2″. بعد ذلك، ترأس الكوماندو المعروف بـ”كوماندو O”، الذي كانت مهمته حماية البواخر والسفن، الحربية منها والتجارية. وحدث أن عمل الكوماندو الأوفقيري، كما يورد عبد الحميد جماهري، في يونيو 1948، على استقطاب طائفة تدعى “بينه بيسون” التي كانت في حقيقة أمرها مجموعة من القراصنة، تغير تحالفاتها حسب المصالح والأهواء.

عاد محمد أوفقير من الهند الصينية، بسبعة تنويهات وإحدى عشرة سعفة عسكرية أضيفت إلى ميدالية جوقة الشرف، كما رقي إلى ضابط في جوقة الشرف ثم إلى نقيب. لكن حمل معه، أيضا، جروحا في ذراعه اليمنى.

في نهاية 1955، ترك أوفقير الجيش الفرنسي، الذي خدمه طويلا، برتبة مقدم، وتلّقى تعويضا يلائم عدد سنوات خدمته والأوسمة التي نالها. قدرت زوجته المبلغ الذي ناله، في ذلك الإبان، في حدود ثمانية عشر مليون فرنك فرنسي.

أوفقير في خدمة الإقامة العامة
بعد الحرب في الهند الصينية، عاد أوفقير نهائيا إلى المغرب بحلول 1950، وعيّن في ديوان القائد العام للجيوش الفرنسية في المغرب، الجنرال رايموند دوفال. كان الجنرال رئيسا سابقا لأوفقير، لذا بدا الانسجام بينهما واضحا.

خلال هذه المرحلة، دخل أوفقير حياة جديدة. فبعد شظف العيش في آزرو،”ها هي ذي، يقول جيل بيرو، مرحلة الترف واللذة: حفلات عشاء ساهرة في الإقامة العامة، استقبالات، التعرف على كبار الموظفين رجال السياسة والسفراء، وعلى نسائهم اللواتي لا يدعنه يجهل أنه يحظى بإعجابهن”. أصبح أوفقير، بعد فترة قصيرة، الرجل الثاني في ديوان الجنرال دوفال. هذا الأخير أثنى بشدة على عمله، قائلا: “أنظر بأسى إلى ابتعاد أوفقير، الذي أبان خلال السنوات الثلاث التي قضاها في ديواني عن ميزات كبيرة ومستوى عال في الإخلاص والفعالية… إنه ضابط مغربي للمستقبل”.

أثناء خدمته مع دوفال، عمل أوفقير مخبرا لرئيسه، كما تعاون مع مديرية الوثائق ومكافحة التجسس SDECE (الاستخبارات الفرنسية)، لتزويدها بمعلومات حول نشاطات الحركة الوطنية المغربية، وإذا ما كان هناك متعاطفون معها داخل الجيش الفرنسي، أو مختلف إدارات الحماية.

مع مجيء مقيم عام جديد إلى المغرب، هو الجنرال غيوم، نقل أوفقير إلى الخدمة في مكتبه، فأصبح مرافقه العسكري. غيوم هذا هو الذي كان وراء خلع السلطان، محمد بن يوسف، سنة 1953. ورغم أن لا أحد استطاع أن يدين أوفقير في التورط في العملية، إلا أن جيل بيرو يرى أنه كان “مؤيدا للباشا التهامي الكلاوي، كما غذّى الحملة باتجاه خلع محمد بن يوسف، مقدرا الباشوات والقواد الذين يمكن الاعتماد عليهم. كان ذلك في الخفاء حتى عن موظفي مكتبه في الإقامة العامة، وبطرق الاستخبارات بشكل لا يظهر اسمه فيها”.

لا تنسجم رواية “التخوين” هاته مطلقا مع ما ترويه زوجته، فاطمة أوفقير، في “حدائق الملك”. تقول هذه السيدة التي قضت 20 عاما في سجون الحسن الثاني: “كانت المدة التي قضاها أوفقير في الجيش الفرنسي مفيدة جدا له، فقد أتاحت له أن يكشف عن مواهبه، ويعرف الجهة التي يجب أن ينحاز إليها، وكانت الجهة العاملة لاستقلال المغرب… أوفقير توقع، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أن يغادر الفرنسيون المغرب يوما، وأراد أن يكون من العاملين لهذه المغادرة، لا من المشاهدين. وهكذا، انضم سريعا إلى صفوف الوطنيين”.

خلع بنعرفة
ابتداء من النصف الثاني لسنة 1955، صار الجميع مقتنعين بضرورة رحيل بن عرفة، سواء داخل الحركة الوطنية، أو في أوساط حكومة الحكومة الفرنسية التي تولى إدغار فور رئاستها. حتى الباشا التهامي الكلاوي أبدى مرونة كبيرة، وخفف من تشبثه بابن عرفة.

بدأت مختلف الأطراف في طرح السيناريوهات المستقبلية الممكنة: هل نعيّن خليفة للسلطان في انتظار عودة ابن يوسف؟ أم نصرف النظر عن بن عرفة ومحمد ابن يوسف ونعيّن رجلا ثالثا سلطانا للمغرب؟ أم نختار مجلسا للعرش يمهد لعودة السلطان المنفي وتشكيل حكومة مفاوضات؟.

عقدت جلسات الاستماع في إيكس ليبان في غشت 1955، وطرحت جميع الخيارات للنقاش. بقي أمر واحد: كيف سنقنع بن عرفة، هذا السلطان القابع في الرباط والذي لا يحظى بأدنى شعبية، بالتنحي عن العرش؟. هنا، أيضا، يبدو أن القدر كان يخبئ أمرا ما لأوفقير.

تحكي فاطمة أوفقير أن زوجها هو من أقنع بيير جولي، وزير الشؤون التونسية والمغربية في حكومة إدغار فور، بضرورة التخلص من بن عرفة الذي أصبح يشكل عالة على الفرنسيين أنفسهم. تم ذلك في اجتماع في بلدة درو Dreux في غرب فرنسا. عندها، أوكل جولي المهمة إلى أوفقير قائلا: “أمنحك موافقتي، ودعمي وتشجيعي، وما عليك إلا أن تعود إلى المغرب وتضع ابن عرفة في طائرة”.

كان أول ما فعله أوفقير، “المدعوم من بيير جولي والوحيد القادر على خلع بن عرفة”، حسب زوجته، أنه توجه إلى القصر مهددا، وواجه بن عرفة، قائلا: “ليس لديك أي حظ في البقاء. وسيقتص منك الشعب بطريقة أو بأخرى، فمكانك ليس هنا. جميع المغاربة يرفضونك. فكّر جيدا: هنا تجازف بحياتك، وهناك تنعم بالراحة في فيلا فخمة على الكوت دازور C™te d’Azur. والرأي الصواب أن تتبعني لوضعك على متن طائرة، لتكون غدا صباحا مطمئنا تحت أشعة الشمس”.

عرض أوفقير، تواصل زوجته، الأمر على طبق من ذهب، فانصاع له ابن عرفة وتبعه. وفي الساعة الثالثة صباحا، صعد “السلطان الدمية” إلى طائرة توجهت به إلى فرنسا، حيث عاش في نيس تحت حماية قوى الأمن حتى وفاته سنة 1976.

أكثر من هذا، جعلت الحكايات، التي انتشرت خلال تلك الفترة، من أوفقير أسطورة بحق. فبحسبها، حاصر أوفقير بن عرفة في إحدى غرف القصر، بعدما قدم رشوة لبعض الحراس وأزاح آخرين بقوة السلاح، وانتزع منه وثيقة التنازل عن العرش.

لكن حسب رواية عبد الرحمان الحجوي، مدير التشريفات في ديوان بن عرفة، وأحد أشد معارضي عودة محمد بن يوسف في البداية؛ فإنه هو من أقنع بن عرفة، في أكتوبر 1955، ولم يكن أوفقير إلا مرافقا له في رحلته إلى طنجة. هذا الأخير اختلس نسخة من ورقة التنازل من الحجوي، وقدّمها إلى الصحافة على أنه هو من انتزع التنازل من “سلطان الفرنسيين”.

هكذا، أصبح أوفقير، حسب ستيفان سميت، ورقة ثمينة. “فبفضل انتزاعه تنازل ابن عرفة، أصبح في عيون أصحابه مؤيدا صادقا لمحمد الخامس، ووطنيا فتح الطريق أمام عودة السلطان الحقيقي.

باختصار، تكفلت رحلة ذهاب وإياب إلى طنجة بوضع أوفقير في المدار”. لقد مثّلت هذه القضية صك انتقاله من صفوف “المتعاونين” مع الاستعمار إلى صفوف الوطنيين.

أوفقير والملك محمد الخامس
في الوقت الذي كان فيه محمد بن يوسف لا يزال في المنفى، كان اسم أوفقير يتردد ضمن المرشحين لتشكيل مجلس العرش، الذي يسبق عودة السلطان وتشكيل حكومة انتقالية. شكل مجلس العرش، ولم يكن أوفقير من أعضائه. كان القدر يخبئ له أمرا آخر؛ إذ أصبح، بقدرة قادر، المرافق العسكري للسلطان. لكن كيف تم ذلك؟ كيف أصبح هذا الجندي المحسوب على فرنسا مرافقا عسكريا لسلطان البلاد؟.

كالعادة، يقدم كلود كليمون رواية لا تخلو من المبالغة. رواية لم يجد جيل بيرو أدنى حرج في إيرادها في كتابه “صديقنا الملك”. يقول كليمون: “كانت ثقة محيط الملك في قوات الأمن قليلة، وكان خائفا من الحشود الكثيفة، إذ يمكن أن يتسلل أي شخص بسهولة. لذا، طلب أن يكون سائق الملك مسلحا. حمل شرطي مسدسين محشوين بين يديه. وطلب من أوفقير، الذي يعرفه جيدا، أن يسلمهما إلى السائق. لكن أوفقير وضعهما في حزامه، وصعد بدون تردد إلى سيارة محمد الخامس”.

سنة 1972، وبعد ثلاثة أيام فقط من المحاولة الانقلابية، سيعود الحسن الثاني إلى إبداء استغرابه من الطريقة التي أصبح بها أوفقير مرافقا عسكريا لمحمد الخامس. قال الملك الراحل، في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية: “لقد كان أوفقير ضابطا سعيدا سعادة مزدوجة: سعيد بنجاته من جميع الحملات العسكرية التي خاضها، وسعيد بأن يختار بين هذا الكم من الضباط المغاربة، ليكون مرافقا عسكريا لوالدي. منذ أيام، وأنا أطرح على نفسي التساؤل التالي: على ما يبدو أن الإقامة العامة قدمت لنا أوفقير على طبق من ذهب. في 16 نونبر 1955، اليوم الذي عاد فيه والدي إلى الرباط، كان أوفقير موجودا إلى جانبه في سيارة الديلانوي السوداء. فقط، منذ ثلاثة أيام، بدأت أسأل نفسي: لم قدّم لنا أوفقير هكذا منذ البداية؟”.

لكن ستيفان سميت يرى أن أوفقير لم يصبح المرافق العسكري للسلطان بمحض الصدفة، أو بفضل جرأته الزائدة في اقتحام السيارة الملكية. لقد كان ورقة تم التفاوض عليها بين فرنسا التي صارت مقتنعة بخروجها من المغرب وبين محمد ابن يوسف، إذ شكّل صلة الوصل بين الماضي الاستعماري وبين المغرب المستقل. “لقد كان ضمانة للاستمرارية… صلة وصل أرادتها فرنسا وقبلها محمد الخامس”، يقول سميت.

في المقابل، يرى مصطفى القادري أن أوفقير، بحكم طبيعة عمله العسكري، لم يكن في موقع يسمح له بالتعبير عن آرائه. وبالتالي، فإن انتقاله إلى تولي مهمة المرافق العسكري للسلطان كان امتثالا لأوامر صدرت له، باعتباره جنديا يؤدي وظيفته لا غير.

أيا تكن الصيغة التي وصل بها أوفقير إلى هذا الموقع، فقد أصبح في التالي من الأيام معادلة أساسية في الشأن السياسي المغربي.

محمد أوفقير رفيق بنبركة
بالاطلاع فقط على شهادة فاطمة أوفقير، يستحيل أن يتصور شخص ما أن هذا الرجل سيدان يوما، بل ويحكم عليه بالسجن المؤبد، بتهمة التورط في اختطاف واغتيال القيادي في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المهدي بنبركة.

تنسج فاطمة أوفقير شكلا آخر للعلاقة التي ربطت زوجها ببنركة. لقد كان الرجلان في الصف نفسه، بل يتعاونان وينسقان بينهما. فأوفقير “كان يقدم معلومات ثمينة عن كل ما يجري في قيادة الأركان للوطنيين”. بل، إنه “في سخطه، أحيانا، يكاد يعرض نفسه للخطر في مجابهته لبعض الضباط الفرنسيين الذين يسيئون معاملة المغاربة”، كما أن بيته ظل ملجأ لبعض الاجتماعات السرية التي ينظمها نشطاء الحركة الوطنية.

أكثر من هذا، تضيف فاطمة أوفقير: عند خروج بنبركة من السجن سنة 1954، اجتمع بأوفقير ليحفزه على مزيد من النشاط في الحركة الاستقلالية. وكانت هي نفسها صلة الوصل بين الرجلين. تقول فاطمة: “التقى بي بنبركة، وصحبته عدة مرات سرا إلى منزلنا ليتمكن من التداول مع أوفقير. كنتُ أقود سيارة رسمية تعود للإقامة العامة، إذ يمكنني المرور بها دون تفتيش من الشرطة أو الدرك… كنتُ أحضر مساء لشراء حاجياتي من البقالة، وأصطحب معي ابنتي مليكة وزجاجة الرضاعة بين يديها وكرسيها مشدود إلى المقعد الخلفي. أفتح الصندوق لأضع فيه مشترياتي، فينزلق بنبركة بين البقول والفواكه، وأغلق الصندوق وأمر من أمام الإقامة العامة وأدخل إلى المنزل. وما بين الأبواب والنوافذ الموصدة ينصرف أوفقير وبنبركة إلى مداولاتهما التي تستغرق ساعات”.

إن صحّت رواية فاطمة أوفقير، فالأكيد هو أن أمرا ما حدث بعد الاستقلال جعل تعاون الرجلين يتحوّل إلى عداوة شديدة. ويبدو أن الأمر يتعلق بنظرتهما إلى شؤون البلاد؛ فحتى قبل الاستقلال، تقول فاطمة أوفقير: “كان ضيفنا السري، وتقصد به بنبركة، يرتئي عدم عودة السلطان مباشرة إلى المغرب، ويريد أن يراه مقيما لعدة أشهر في باريس إلى أن يتسنى للبلاد إعداد دستور يوافق عليه الشعب، دستور يقلص سلطات السلطان لتقتصر على الصفة التمثيلية فقط… بل إن بنبركة لا يرضى هذه التسوية إلا لمعرفته بألفة المغاربة للحكم الملكي، واحترامهم العميق لمحمد الخامس”. في المقابل، كان أوفقير من مؤيدي نظام ملكي يتمتع بسلطة حقيقية لإدارة شؤون البلاد، كما كان يبدي كرها شديدا تجاه رجال السياسة.

أوفقير والحسن الثاني
رغم أن الملك الراحل الحسن الثاني، يؤكد جهله بالصيغة التي مكّنت أوفقير من الالتحاق بالدائرة المقربة من والده، إلا أنه يعترف بما يلي: “قضينا بعد ذلك، هو كضابط شاب، وأنا كعازب، سنوات رائعة”.

مباشرة بعد الاستقلال، تولى الرجلان معا تأسيس القوات المسلحة الملكية. تولى الحسن الثاني، وهو ولي العهد آنذاك رئاسة الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية، مسنودا بأحمد رضا اكديرة في وزراة الدفاع، فيما أنيطت بأوفقير عملية البناء. “بفضل تجربته، كعسكري في الجيش الفرنسي، صمم أوفقير الهيكل التنظيمي للجيش، وتولى تكوين الأطر في بنسليمان، وفي مدرسة الضباط “الدار البيضا” في مكناس التي تحولت إلى الأكاديمية العسكرية الملكية. واستغل، أيضا، علاقاته مع الجيش الفرنسي للحصول على انتقال العديد من الضباط المغاربة من صفوفه إلى صفوف الجيش الناشئ في البلاد، والحصول على العتاد”، ينقل عبد الحميد جماهري عن ستيفان سميت. وساهم أوفقير، أيضا، في استقطاب الجنود المغاربة السابقين في الجيش الفرنسي، الذين انتقلوا مباشرة بخلايا جيش التحرير.

رفقة الحسن الثاني، قمع أوفقير تمرد عدي أوبيهي عامل تافيلالت سنة 1957، ثم انتفاضة الريف في السنة الموالية، وصار بعد ذلك الذراع الأيمن للحسن الثاني في حربه مع الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية، عبر مختلف محطات الصراع: مؤامرة يوليوز 1963، أحداث 23 مارس 1965، كما ظهر اسمه في قضية اغتيال المهدي بنبركة.

علاقة الرجلين الوطيدة ستشهد تحولا جذريا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة سنة 1971. ويتحدث كثيرون عن أن أوفقير كان فاعلا، من وراء الستار، في المحاولة.

لقد حملت الفترة التي تلت الانقلاب مباشرة تداعيات حاسمة على العلاقة بين الطرفين؛ فقد شهد أوفقير إعدام أصدقائه أمام عينيه، ومنهم من ارتبط معه بصداقة قديمة تعود إلى أيام ثانوية آزرو. تقول زوجته: “وجب على أوفقير، بناء على أوامر الملك، أن يشهد تعذيب رفاقه، وأحس باشمئزاز من تنفيذ حكم الإعدام عليهم دون محاكمة. رأى أصدقاءه يهانون ويعانون، ثم رآهم يسقطون تحت رصاص فصيلة الإعدام. شعر بمدى عجزه وعدم نفعه حتى سئم الحياة، وغدا عصبيا، سريع الاحتداد، مر الكلام”. وتضيف: “أيا كان، فإن قضية بنبركة ومحاولة انقلاب الصخيرات جعلتا من أوفقير رجلا آخر في النهاية. صار من بعدهما لا يطيق الترتيبات السرية التي يجريها الحسن الثاني، ولا عناده كعاهل مطلق الصلاحية، ولا اعتقالاته وحبسه الخصوم، ولا أوامره القصوى بالإعدام دون محاكمة. في مجالسه الخاصة، كان يفصح عن ما في نفسه وينتقد الملك، وهو مطلع على كثير من المآسي، وكثير من الأسرار”.

لم تمر أكثر من سنة حتى كرر أوفقير محاولة أصدقائه، مستهدفا، في 16 غشت 1972، طائرة البوينغ الملكية القادمة من فرنسا. نجا الملك بأعجوبة، وقضى أوفقير نحبه، وتضاربت الروايات حول تصفيته داخل أسوار القصر الملكي أو انتحاره، فيما كلف الأمر عائلته 20 سنة من السجن.

أوفقير العاشق الضعيف
على عكس صورة الرجل الصلب التي ظهر بها محمد أوفقير دائما كرجل دولة قويّ في عهد الحسن الثاني، ترسم زوجته، فاطمة أوفقير، صورة أخرى، صورة رجل ضعيف يستجديها للرجوع إليه، بعد طلاقهما سنة 1964.

بدأت الحكاية عندما اكتشفت فاطمة أوفقير أن زوجها يربط، منذ فترة طويلة، علاقات مع نساء أخريات. عند ذلك، واجهته قائلة:”في اليوم الذي سأخونك فيه بدوري، ستبكي بدموع من دم“. أجابها أوفقير:”إن وجدتِ من يرغب فيك، فلا تتأخري“.

وجدت المرأة، فعلا، من يرغب فيها: ضابط في السادسة والعشرين من عمره. وكانت الصدمة مُرّة على أوفقير. توضح زوجته: “لم أرد الانتقام، إنما وقعت فعلا في غرام حقيقي. ولأول مرة في حياتي، وبفضل ذلك الرجل الجريء، شعرت في نفسي بالقدرة على أن أجابه زوجي، وأحقق انطلاقتي، وأحيا لحظات رائعة في انفعال هوى متبادل“.

أصرّ هذا الضابط الشاب، وكان اسمه حسن، على أن تصير علاقتهما علنية، و“كان أصدقاؤه يقولون له إنه مجنون باستفزازه أوفقير؛ لكنه لم يستمع للنصيحة، ورفض بعناد أن يتكتم أو يخفي أنه عشيق زوجة رجل النظام القوي“، فكان يتصل بها في أوقات متأخرة من الليل وهي إلى جانب زوجها في الفراش. أما أوفقير، تقول زوجته: “فلم يقل شيئا، ولم يوجه إليّ أي لوم، ولم يتطرق أبدا للموضوع، كما لم تطرح القضية على بساط النقاش“.

دامت مغامرة فاطمة أوفقير مع عشيقها أربع سنوات، عاشت معه خلالها “قصة فوضوية رائعة“، رغم أنهما لم يكونا يلتقيان إلا في مواعيد غير قارة ودون انتظام. سافرت فاطمة من أجله إلى مختلف الأماكن التي يتوجه إليها في عمله، كضابط في الجيش، بل سعت إليه حتى عندما كان في إسبانيا وفي فرنسا. في المقابل، عمل أوفقير على إبعاده قدر المستطاع، بتسجيله في العديد من الدورات التدريبية، إلا أنه فشل في الأخير، وقَبِلَ بالطلاق الذي طلبته زوجته سنة 1964، وتزوج بامرأة أخرى. رغم ذلك الفراق، سعى محمد أوفقير، بجهد، إلى إرجاع زوجته فاطمة، ووصل الأمر إلى حد تهديده بحرمانها من رؤية أولادها، بل كان يقضي ليالي طويلة تحت نافذتها. في الأخير، تمكن أوفقير من استعادتها بعد أن طلّق زوجته، فيما تركت هي بدورها عشيقها.
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

118439
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

يجب قراءة الموضوع بعناية قبل الحكم على الرجل .. وانا شخصيا ارى تضارب كبير في شخصيته..هل كان وطنيا ويريد ان يخطو خطى اتاتورك لانبهاره بالثقافة الغربية ام انه كان مجرد خائن
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

شخصيا اظن انه كان يطبق مبدا (الرابح هو صديقي)
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

الملوك لا تصادق احدا يوما ظن انه صديق للملك لكن الغدر لا يتفق مع المكر معروف عن اوفقير حبه للحياة و ملذاتها و شهواته لم تكن للتنتهي الى حد معين كل شيء كان تحت امرته الا الملك فهو الشيء الوحيد الذي يقف امام طموحاته الكبيرة ضحى باصدقائه من كبار الضباط في الجيش و تنكر لهم من اجل ان يحقق هدفه لكن من سوء حظه ان هناك ماكر و داهية يجعل من الاهداف المستعصية تدخل من اصغر ثقب بطريقة سهلة هو كان يعرف طموحات اوفقير جيدا لكنه ترك له الطريق سالكا ليقترب اكثر ليصيبه في مقتل دون خطاء و هذا ما كان الحسن التاني ضرب الاعداء فيما بينهم فقضى على الكل فانتهى من الطامعين بالسلطة من كبار الجيش و كبار المعارضين السياسيين فكبار الجيش كانوا مهمين للجيش لخبرتهم العسكرية و جبروتهم و لكنه تخلص منهم بضربة معلم
- الجنرال المذبوح
-الجنرال اوفقير
-الجنرال حم
-الجنرال بوكرين
-الجنرال حبيبي
-الكولونيل اعبابو الاصغر
-الكولونيل الشلواطي
-الكولونيل اعبابو الاكبر......
و الائحة طويلة انا السياسيين منهم من قتل و منهم من اعدم و منهم من نفي و اشهر المقتولين بن بركة
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

مشكور على هذا الموضوع...
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

موضوع تاريخي ممتاز بارك الله فيك اخي الشبح
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

بارك الله فيكوم يا اخواني..شكر خاص لاخي عزيز
في الواقع شخصية هذا الرجل مركبة ومعقدة الى ابعد الحدود ..لكنه بصم تاريخ المغرب للابد
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

لم تمر أكثر من سنة حتى كرر أوفقير محاولة أصدقائه، مستهدفا، في 16 غشت 1972، طائرة البوينغ الملكية القادمة من فرنسا. نجا الملك بأعجوبة، وقضى أوفقير نحبه، وتضاربت الروايات حول تصفيته داخل أسوار القصر الملكي أو انتحاره، فيما كلف الأمر عائلته 20 سنة من السجن.


أمره عز وجل مع أنالبوينغ محاطة بأربع اف 5ثلاث منها مسلحة
عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال " يا غلام , إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذي​
 
رد: من كان حقا أوفقير ؟

كانت شخصيته مميزة جدا و صارمة.....صلب للغاية​
 
عودة
أعلى