سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,779
التفاعل
17,897 114 0
أفقه الفقهاء

بسم الله الرحمن الرحيم

أفقه الفقهاء ..

وأعلم العلماء ..وأبلغ الفصحاء أمّنا!!...
كاملة الأنوثة ..تؤنس الزوج وترضي العشير..
ومنزلتها عند زوجها الحبيب كمنزلة البدر في ليلة القمر....
بليغة الكلم ..واسعة العلم .. بارعة في البيان.. تفتي للفقهاء
وتعطي العلم للعلماء.. زعيمة في العلم والسياسة ..والطب والاجتماع....
وقد قال عنها الأحنف :
" سمعت خطب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.. والخلفاء إلى يومي هذا .. فما سمعت من فم مخلوق أفخم
ولا أحسن من فم عائشة".

ملأت الدنيا بعلمها .. وشغلت الدنيا بسيرتها..
ولها عقل لا توازيه عقول الرجال من المفكرين في زمانها ..
كيف.. وقد قال فيها الحبيب محمد –صلى الله عليه وسلم :
عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"لو جمع علم نساء هذه الأمة فيهن أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم )..كان علم عائشة أكثر من علمهن "
[رواه الطبراني ]

لم تتلقّى علمها من كلية الآداب.. ولا من السوربون.. ولا من جمعية حقوق المرأة .. والهيئات الإنسانية التي تنادي بالدفاع عن حقوق المرأة..ونيل حريتها المغتصبة ..
بل تلقّت علمها من مدرسة خير البشر والرسل رسول رب العالمين..
فكانت أفصح الخطباء .. وأفطن العلماء ..وأبلغ الفصحاء

وعن معاوية قال:

" والله ما رأيت خطيبا قط أبلغ ولا أفصح ولا أفطن من عائشة "
[رواه الطبراني ]

هاهي أمنّا الصديقة الطاهرة معلمة الرجال ..وسيدة العالمين ..وأفقه الفقهاء ..وأعلم العلماء يا أصحاب الدفاع عن حقوق المرأة ..
يكفينا فخرا وعزّة وكرامة بأن منّ الله علينا نعمة الإسلام.. ليرفع من شأننا بين العالمين جمعاء ..

أم المؤمنين الصدّيقة الطاهرة
عائشة بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما-
أفضل امرأة في تاريخ الإسلام من بعد أم المؤمنين :

**خديجة بنت خويلد
**و فاطمة بنت محمد


نشأت وترعرعت في أفضل بيت من بيوت المسلمين.. وأصدقهم وأشرفهم.. وأول من أعلن إسلامه لله ..وخير الرجال من بعد النبي صلوات الله عليه وصحبه وسلم
خليفة رسول الله
سيدنا :أبو بكر الصديق – رضي الله عنه -
ولمّا نزلت آية تخيير زوجات رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
بين الحياة الدنيا وزينتها .. أو الله ورسوله
بدأ الحبيب النبيّ الأميّ بعائشة فقال:
" إني أريد أن أذكر لك أمراً ما أحبّ أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك" .
قالت ما هو!!؟؟
قال:
فتلا عليها ( يا أيها النبي قل لأزواجك ......) الآية.
قالت عائشة :
أفيك أستأمر أبوي؟
بل أختار الله ورسوله...وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت .
فقال:
"إن الله عز وجل لم يبعثني معنّفا..ولكن بعثني معلّماً ميسّراً لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلاّ أخبرتها "
[مسند أحمد ج3ص328]

كيف تستأمر أبوها وفي قلبها وروحها تحمل أكبر حبّ لله ورسوله!!؟؟
كيف وهي النموذج الأتمّ للوفاء والإخلاص والصدق للزوجة الصالحة !!؟؟
كيف وقد أعطاها الله تسعاً لم يعطهن لامرأة قبلها إلاّ مريم بنت عمران !!؟؟
عن عائشة قالت:
" لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة إلاّ مريم بنت عمران"

"لقد نزل جبريل - صلى الله عليه وسلم- بصورتي في راحته ..حتى أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن يتزوّجني ..ولقد تزوّجني بِِكراً وما تزوج بكراً غيري.. ولقد قبض ورأسه في حجري .. ولقد قبرته في بيتي..ولقد حفّت الملائكة بيتي ..وإن كان الوحي لينزل وهو في أهله فيتفرقون عنه..وإن كان الوحي لينزل عليه وإنّي معه في لحافه وإني لابنة خليفته وصديقه .. ولقد نزل عذري من السماء ..ولقد خلقت طيبة وعندي طيب ..ولقد وعدت مغفرةً.. ورزقاً كريماً "
[رواه أبو يعلى وفي الصحيح]

صبرت مع الحبيب على الفقر والجوع ..حتّى إن أياما ًطويلة
لم يوقد في بيت رسول الله نار ..وكانا يعيشان معاً على التمر والماء !!؟؟..

إنها والله بحق مثال المرأة المخلصة الوفيّة لدينها وزوجها..
و مثالا للزوجة الصالحة القانتة المؤمنة الخاشعة..الصابرة العالمة المتعلّمة ..
الوفية الرؤوم الودود ...
المنافقون والمفسدون لم تنم لهم عينٌ ولم يهدأ لهم بالٌ
حتى يصيبوا قلب الإسلام في شرفه وعرضه !!؟؟..

عائشة الصديقة الطيبة الطاهرة ..الزوجة المحبّة..
المرأة الصالحة ..وأمّ المؤمنين تتعرض لأكبر اتهّام في شرفها وعرضها ..ووراء هذا كلّه المنافق اللدود عدو الله من المنافقين – عبد الله بن أبي بن سلول – الذي تولّى الإفك .. وبقيت الطاهرة الصدّيقة شهراً كاملا تعاني من آلام وجعها لا يرقأ لها دمع ولا تغمض لها عين ولا تسمع من حبيبها الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان يناديها ويسّلم عليها :
" كيف تيكم "

شهرا كاملا بقيت تنتظر براءتها.. و قلبها يكاد ينفطر
من الدموع والألم.. وهي تدعو الله تضرعا وخفية أن يرى زوجها الحبيب المصطفى رؤيا
تكشف له عن براءتها..
شهراً من الآلام القاسية.. والأحزان الدامية مرّت على الصديقة أم المؤمنين ..
لكنها لم تكن تعلم بأنّ الله لم يدعها مع هذه الآلام الطاحنة..والدموع الباكية..
وينزل فيها قولاً من السماء على حبيبه -محمد صلى الله عليه وسلم- ليشهد
كل ما في الكون براءة أم المؤمنين الطاهرة البريئة ..ويبقى خالدا مخلّداً
على مر الزمان والعصور ..

الرسول الحبيب..وهو خير الرسل والأنبياء.. وأنبل بني البشر ..يتهّم في
زوجته الوفية المخلصة..التي حلّت من قلبه مكان الابنة والزوجة والحبيبة!!؟؟....

بعد أن علمت أُمّنا الصدّيقة الطاهرة بحادثة الإفك المبين ..ذهبت إلى بيت أبويها.. ورسول الله شهرا كاملا لم يوحَ إليه شيئا ..
وقال لها :
" يا عائشة فإنّه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله.. وإن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله وتوبي إليه.. فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تابَ الله عليه "

وهاهي أم المؤمنين تتابع لنا قصة ألمها وحزنها فتقول :

"فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته ..قلص دمعي حتى
ما أحسّ منه قطرة رجاء لأبي أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت لأمي:
أجيبي عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيما قال.
قالت:
والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قالت :
وأنا جارية حديثة السّن لا أقرأ كثيرا من القرآن.
فقلت :
"إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدّث به الناس ..ووقر في أنفسكم.. وصدقتم به ..ولئن قلت لكم إنّي بريئة والله يعلم إنّي لبريئة لا تصدقوني بذلك .. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أَنّي بريئة لتصدقني..والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف" إذ قال:
"فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون"
ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله.. ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحياً ..ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ..ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله ..
فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي:
يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله
فقالت لي أمي:
قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-
فقلت:
لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلاّ الله .
فأنزل الله تعالى:
"إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم الآيات.."
[صحيح البخاري ج2 ص945]

وإلى يومنا هذا لم تخلُ الصديقة الطاهرة البريئة أم المؤمنين..
ومعلّمة الرجال من التهم التي يتشدق بها بعض أعداء الله ورسوله!!...
 
التعديل الأخير:
سيد القراء أبي بن كعب

أبي بن كعب

-أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار .
- سيد القراء .
- أبو المنذر الخزرجي الأنصاري النجاري المدني المقرئ البدري ، ويكنى أبا الطفيل .
- شهد العقبة ، وبدراً وما بعدها.
- كان ربعة نحيفاً أبيض الرأس واللحية لا يغير شيبه .
- جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعرض على النبي صلى الله عليه وسلم ، وحفظ عنه علماً مباركاً .
- قال ابن أبي خيثمة : هو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- كان سيداً جليل القدر ، ورأساً في العلم والعمل .
قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ) ، قال : الله سماني لك ؟ قال : ( نعم ) ، قال : وذكرت عند رب العالمين ؟ قال : ( نعم ) ، (فذرفت عيناه) .
نص الحديث :
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ) . قال أبي : آلله سماني لك ؟ قال : ( الله سماك لي ) . فجعل أبي يبكي . قال قتادة : فأنبئت أنه قرأ عليه : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب } .
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4960
خلاصة الدرجة: [صحيح]

- ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب عن أي آية في القرآن أعظم ؟ فقال أبي : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : ( ليهنك العلم أبا المنذر ).
نص الحديث:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي :
يا أبا المنذر ! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم . قال : يا أبا المنذر ! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . قال : فضرب في صدري وقال : والله ! ليهنك العلم أبا المنذر الراوي: أبي بن كعب المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 810
خلاصة الدرجة: صحيح

- قال أنس بن مالك : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد أحد عمومتي .
- عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أقرأ أمتي أبي ) .
نص الحديث :
أرحم أمتي بأمتي : أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله : عمر ، وأصدقهم حياء : عثمان ، وأفرضهم : زيد بن ثابت ، وأقرأهم : أبي ، وأعلمهم بالحلال والحرام : معاذ بن جبل ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة : أبو عبيدة بن الجراح . الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 6065
خلاصة الدرجة: صحيح


- عن عاصم بن زر قال : أتيت المدينة ، فأتيت أبياً فقلت : يرحمك الله ! اخفض لي جناحك ، وكان امرءاً فيه شراسة ، فسألته عن ليلة القدر ، فقال : ليلة سبع وعشرين .
- وأخرج أبو داود من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة ، فلبّس عليه ، فلما انصرف قال لأبي : ( أصليت معنا ؟ ) قال : نعم ، قال : ( فما منعك ) ؟
نص الحديث :
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها ، فلبس عليه ، فلما انصرف قال لأبي : أصليت معنا ؟ قال : نعم ، قال : فما منعك ؟
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: النووي - المصدر: المجموع - الصفحة أو الرقم: 4/241
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح كامل الصحة

- عن الحسن ، حدثني عتي بن ضمرة قال : رأيت أهل المدينة يموجون في سككهم ، فقلت : ما شأن هؤلاء ؟ فقال بعضهم : ما أنت من أهل البلد ؟ قلت : لا ، قال : فإنه قد مات سيد المسلمين أبي بن كعب .
- عن أبي قال : إنا لنقرؤه في ثمان ليال ، يعني القرآن .
- قال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب : ما لك لا تستعملني ؟ قال : أكره أن يدنس دينك .
- قال معمر : عامة علم ابن عباس من ثلاثة : عمر ، وعلي ، وأبي .
- وكان عمر يجلّ أبياً ، ويتأدب معه ، ويتحاكم إليه .
- عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب في قيام رمضان ، فكان يصلي بهم عشرين ركعة .
- وقد كان أبي التقط صرة فيها مائة دينار ، فعرّفها حولاً وتملكها .
- اختلف في وفاته فقيل سنة تسع عشرة ، وقيل سنة عشرين ، وقيل ثلاث وعشرين ، وقيل قبل مقتل عثمان بجمعة ، فالله أعلم .

المصادر
نزهة الفضلاء 1/68، والبداية والنهاية 5/340 ، 7/97

عن موقع التاريخ

نصوص الأحاديث الشريفة عن موقع الدرر السنية
 
أبوعبيدة عامر بن الجراح

أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري

يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أجداده (فهر بن مالك)... وأمه من بنات عم أبيه... أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر.
كان رضي الله عنه طويل القامة، نحيف الجسم، خفيف اللحية... أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للإسلام، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها.

غزوة بدر
في غزوة بدر جعل أبو (أبو عبيدة) يتصدّى لأبي عبيدة، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلمّا أكثر قصدَه فقتله، فأنزل الله هذه الآية.
قال تعالى: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ }.

غزوة أحد
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (لما كان يوم أحد، ورمي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى إذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو أبو عبيدة بن الجراح قد سبقني، فقال: (أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم)... فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيته إحدى حلقتي المغفر، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم).

غزوة الخبط
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر، والسفر بعيد، فاستقبل أبو عبيدة واجبه بغبطة وتفاني، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون (الخبط) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء، غير مبالين إلا بانجاز المهمة، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط.

مكانته...أمين الأمة
قدم أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا... فقال عليه الصلاة والسلام: (لأبعثن يعني عليكم أمينا حق امين) ... فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها... ولكن لينطبق عليهم وصف النبي صلى الله عليه و سلم (أمينا حق امين) وكان عمر نفسه رضي الله عليه من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك... بل صار كما قال يتراءى أي يري نفسه للنبي صلى الله عليه وسلم حرصا منه رضي الله عنه أن يكون أمينا حق أمين... ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز جميع الصحابة وقال: (قم يا أباعبيدة).
كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يجود بأنفاسه: (لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه، قلت: استخلفت أمين الله، وأمين رسوله)...

معركة اليرموك
في أثناء قيادة خالد رضي الله عنه معركة اليرموك التي هزمت فيها الإمبراطورية الرومانية توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتولى الخلافة بعده عمر رضي الله عنه، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد... وصل الخطاب إلى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة، ثم أخبر خالدا بالأمر، فسأله خالد: (يرحمك الله أبا عبيدة، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب؟)... فأجاب أبو عبيدة: (اني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله أخوة)... وأصبح أبو عبيدة أمير الأمراء بالشام.

تواضعه
ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء، فجمعهم وخطب فيهم قائلا: (يا أيها الناس، اني مسلم من قريش، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود، يفضلني بتقوى إلا وددت أني في اهابه!!).
وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه، فقالوا له: (من ؟)... قال: (أبو عبيدة بن الجراح)... وأتى أبو عبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا، الا سيفه وترسه ورحله، فسأله عمر وهو يبتسم: (ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس؟)... فأجاب أبو عبيدة: (يا أمير المؤمنين، هذا يبلغني المقيل)...

طاعون عمواس
حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد (طاعون عمواس) وكان أبو عبيدة أمير الجند هناك... فخشي عليه عمر من الطاعون...فكتب إليه يريد أن يخلصه منه قائلا: (إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي... وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها إلي... فان لي حاجة إليك) وفهم أبو عبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون... فكتب إلى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور إليه وقال: (لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم... فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب إلى عمر بكى... فسأله من حوله: (هل مات أبو عبيدة؟)... فقال: (كأن قد)... والمعنى أنه إذا لم يكن قد مات بعد وإلا فهو صائر الى الموت لا محالة... إذ لا خلاص منه مع الطاعون.
كان أبو عبيـدة رضي الله عنه في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا...مات أبو عبيـدة رضي الله عنه سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس... وقبره في غور الأردن... رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.
http://www.masrawy.com/Islameyat/Sahaba/Sahaba_10/2010/March/29/Al_Jarrah.aspx
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الزبيـر بن العوام

الزبيـر بن العوام رضي الله عنه




الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في (قصي بن كلاب)... كما أن أمه (صفية) عمة رسول الله، وزوجته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، كان رفيع الخصال عظيم الشمائل، يدير تجارة ناجحة وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا.

الزبير وطلحة
يرتبط ذكر الزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجتمعان بالنسب والقرابة معه، وتحدث عنهما الرسول قائلا: ( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة )، و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لاختيار خليفته.

أول سيف شهر في الإسلام
أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام، وقد كان فارسا مقداما، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام، ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول الكريم قد قتل، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه، وسار في شوارع مكة كالإعصار، وفي أعلى مكة لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم فسأله ماذا به ؟... فأخبره النبأ... فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب.

إيمانه وصبره
كان للزبير رضي الله عنه نصيبا من العذاب على يد عمه، فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه، ويناديه: (اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب)... فيجيب الفتى الغض: (لا والله، لا أعود للكفر أبدا)... ويهاجر الزبير إلى الحبشة الهجرتين، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

غزوة أحد
في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا إلى مكة، ندب الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير وأبو بكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته، فقاد أبو بكر والزبير رضي الله عنهما سبعين من المسلمين قيادة ذكية، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين، حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين.

بنو قريظة
وفي يوم الخندق قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟)... فقال الزبير: (أنا)... فذهب، ثم قالها الثانية فقال الزبير: (أنا)... فذهب، ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر: (أنا)... فذهب، فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: ( لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي ).
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول صلى الله عليه وسلم ، أرسل الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان: (والله لنذوقن ما ذاق حمزة، أو لنفتحن عليهم حصنهم)... ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه.

يوم حنين
وفي يوم حنين أبصر الزبيـر (مالك بن عوف) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك الغزوة، أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم، فاقتحم حشدهم وحده، وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة.

حبه للشهادة
كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة، فهاهو يقول: (إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبي بعد محمد، وإني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون).
* وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش
* وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو
* وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو
* وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب
* وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب
* وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر
* وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد
* وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما

وصيته
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا: (إذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي)... وسأله عبد الله: (أي مولى تعني ؟)... فأجابه: (الله، نعم المولى ونعم النصير)... يقول عبدالله فيما بعد: (فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه).

موقعة الجمل
بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي رضي الله عنهم جميعا وخرجوا الى مكة معتمرين، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان، وكانت (وقعة الجمل) عام 36 هجري ... طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر، وانهمرت دموع علي رضي الله عنه عندما رأى أم المؤمنين (عائشة) في هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة: (يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت ؟).
ثم قال للزبير: (يا زبير: نشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، إلا تحب عليا ؟؟. فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني ؟؟... فقال لك: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير: (نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لا أقاتلك).
وأقلع طلحة و الزبير رضي الله عنهما عن الاشتراك في هذه الحرب، ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته.

الشهادة
لمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه، لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا: (بشر قاتل ابن صفية بالنار)... وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول: (سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله).
وبعد أن انتهى علي رضي الله عنه من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا: (اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم: (ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين)... ثم نظر الى قبريهما وقال: (سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (طلحة و الزبير، جاراي في الجنة).

http://www.masrawy.com/Islameyat/Sa...29/El_Zubair.aspx[/url[/SIZE]][/COLOR][/FONT]
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أبو العاص بن الربيع (صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم )

أبو العاص بن الربيع
(صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم )

نسبه وقبيلته:

هو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب -رضي الله عنها- أكبر بناته كان يعرف بجرو البطحاء هو وأخوه[1].

أهم ملامح شخصيته:

1- الوفاء بالعهد، فمن ذلك أن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم أثنى على أبي العاص في مصاهرته وقال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي".
2- الأمانة، فلقد كان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالاً وأمانة وتجارة[2].

إسلامه:

لم يزل أبو العاص مقيمًا على شركه حتى إذا كان قبيل فتح مكة خرج بتجارة إلى الشام بأموال من أموال قريش أبضعوها معه، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلاً لقيته سرية لرسول الله الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل إن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم كان هو الذي وجه السرية للعير التي فيها أبو العاص قافلة من الشام وكانوا سبعين ومائة راكب أميرهم زيد بن حارثة وذلك في جمادى الأولى في سنة ست من الهجرة فأخذوا ما في تلك العير من الأثقال وأسروا أناسا من العير فأعجزهم أبو العاص هربا فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل أبو العاص من الليل في طلب ماله حتى دخل على زينب ابنة رسول الله الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها فأجارته، فلما خرج رسول الله الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فكبر وكبر الناس معه.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: صرخت زينب -رضي الله عنها- أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله الله صلى الله عليه وسلم من صلاته أقبل على الناس. فقال: "أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم. ثم انصرف رسول الله الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته زينب فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له".
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص وقال لهم: "إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم ذلك فهو فيء الله الذي أفاءه عليكم فأنتم أحق به". قالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه. قال: فردوا عليه ماله حتى إن الرجل ليأتي بالحبل ويأتي الرجل بالشنة والأداوة، حتى إن أحدهم ليأتي بالشطاط حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئًا، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه. ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرًا فقد وجدناك وفيًّا كريمًا. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفًا أن تظنوا أني إنما أردت آخذ أموالكم، فلما أداها الله تعالى إليكم وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول الله الله صلى الله عليه وسلم [3].

من مواقفه مع الصحابة:

مع زينب بنت رسول الله قبل إسلامه:

فعن عائشة زوج النبي الله صلى الله عليه وسلم قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا". فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها. قال: وكان رسول الله الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه ووعده ذلك أن يخلي سبيل زينب إليه إذ كان فيما شرط عليه في إطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله الله صلى الله عليه وسلم فيعلم، إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخلى سبيله بعث رسول الله الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار فقال: "كونا ببطن ناجح حتى تمر بكما زينب فتصحبانها، فتأتياني بها". فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فخرجت جهرة[4].

الوفاة:

قال إبراهيم بن المنذر: مات أبو العاص بن الربيع في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة، وفيها أرّخه ابن سعد[5].

الهوامش:

[1] ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/1701.
[2] الذهبي: تاريخ الإسلام 3/75، 76.
[3] الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين 3/262، حديث رقم (5038).
[4] الهيثمي: مجمع الزوائد 9/343.
[5] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/251.

عن موقع قصة الإسلام
 
الخليفة معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم​
خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان

هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، صحابي جليل , ولد في مكة قبل البعثة النبوية بخمس سنين تقريباً، وقيل أكثر، ونشأ وتربى بين قومه بني أمية في شرف ونبل وثراء .

بغضوه الرافضة وشتموه وتعاطف معهم الجهلة من أهل السنة في بغضه . جهلوا ما له من الفضل فهو خال المؤمنين وكاتب الوحي رضي الله عن معاوية فقد دعا له النبي عليه الصلاة والسلام فقال ( اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به ) وقال عليه الصلاة السلام . ( اللهم علّم معاوية الحساب وقه العذاب )

اسلم معاوية رضي الله عنه عام الفتح , وروى انه اسلم يوم الحديبية فكتم إيمانه حتى عام الفتح ثم هاجر إلى المدينة لينال شرف كتابة وحي الله على نبيه عليه الصلاة والسلام .

في عهده اتسعت رقعة بلاد المسلمين جهة بلاد الروم ، وبلاد السند ، وكابل ، والأهواز ، وما وراء النهر ، وشمال أفريقيا , وقد أنشأ أول أسطول حربي وفتح به قبرص وصقلية .

ولاه عمر بن الخطاب على الشام بعد موت أخيه يزيد . وأقره عثمان رضي الله عنه على الولاية . ولم يبايع على رضي الله عنه بسبب ما حصل من فتنة قتل عثمان وطلبه بالقصاص من قتلة عثمان ونشبت الفتنة لأمر قدره الله عز وجل .

استقل بالشام حتى اجتمع عليه المسلمين وبايعوه بعد أن تنازل له سبط رسول الله الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة رضي الله عنهم جميعاً , عام 41 عام الجماعة لاجتماع كلمة المسلمين . وظل خليفة على المسلمين حتى توفي عام 60 للهجرة .

ومع ما حصل من فتنة إلا أن معاوية كان يكن لعلي الحب الاحترام وقد ألح معاوية على ضرار بن ضمرة بأن يصف له علياً رضي الله عنه وما أن وصفه واسترسل في الوصف ذرفت دموع معاوية رضي الله عنه حتى خرت على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها. صفوة الصفوة

ومعاوية يعرف للناس أقدارهم فقد خطب يوما فقال : ( أيها الناس ما أنا بخيركم وان منكم لمن هو خير مني عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وغيريهما من الأفاضل ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية وأنكاكم في عدوكم وأدركم حلباً )

كما أن الصحابة الأئمة قد عرفوا قدره وفضله وقد أثني عليه الكثير منهم

عن الشعبي إن قبيصة بن جابر الأسدي : ألا أخبركم من صحبت ؟عمر بن الخطاب فما رأيت رجلاً افقه فقهاً ولا أحسن مدارسة منه . ثم صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى للجزيل من غير مسألة منه . ثم صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أحب رفيقاً ولا أشبه سريرة بعلانية منه .

وقال عبد الله بن عباس : ( ما رأيت رجلاً كان اخلق بالملك من معاوية )

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة : لم يكن من ملوك الإسلام ملك خير من معاوية....

وقال أيضا : وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيارة سيرة الولاة . وقد كانت رعيته يحبونه . وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم . وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنوكم .

رضي الله عنك يا معاوية وعن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: الخليفة معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما اول ملوك الاسلام وخيرهم على الاطلاق

مكانة معاوية في الإسلام



تاريخ الصحابة -رضوان الله عليهم- شابه الكثير من الشبهات والتهم التي أُثيرَت حولهم ، سواءٌ من المستشرقين أو المستغربين الذين فُتِنُوا بالغرب وصاروا لسانًا له يروجون أقواله وأفكاره، طاعنين في صحابة رسول الله ورضي الله عنهم أجمعين.

فهؤلاء الطاعنون في صحابة رسول الله إنما يريدون بطعنهم هذا رسول الله ذاته، ولكنه لا يتمكنون من ذلك فيطعنون في أصحابه فإن فسد الأصحاب فسد الرجل، وإن صلح الأصحاب صلح الرجل.

فالطعن في الصحابة طعن في الدين؛ لأن الدين أتانا عن طريقهم، كما يقول ابن تيمية رحمه الله.

وما أعتقد أن شخصية في تاريخنا الإسلامي من الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يدي رسول الله ، قد نالها من التشويه والدس والافتراء والظلم ما نال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- سوى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه؛ حيث امتلأت معظم المصادر التاريخية بالكثير من الروايات الضعيفة أو المكذوبة على هذا الصحابي الكريم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ فكان لزامًا علينا الحديث والكتابة عنه، والذَّبُّ عن عرضه وفق المنهج الصحيح، فمعاوية رضي الله عنه أحد الصحابة الذين كَثُرَ الطعنُ فيهم، والافتراء عليهم والظلم والتشويه لهم، وربما يرجع ذلك إلى أن معاوية رضي الله عنه صِهْرُ -رسول الله - وخال المسلمين وأمير المؤمنين، وكاتب وحي رب العالمين، فإذا طعن فيه أصبح من اليسر الطعن فيما سواه من صحابة رسول الله ، هذا بالإضافة إلى ما شابه من أحداث الفتنة، فهذا وغيره سمح لهؤلاء الجهلة بالطعن فيه.

أما جمهور الأمة الإسلامية فقد أجمع على عدالة جميع الصحابة، سواءٌ من لابس الفتنة منهم في كلا الفريقين، أو الفريق الثالث الذي اعتزلها، وفيه يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: معاوية عندنا محنة (اختبار)؛ فمن رأيناه ينظر إليه شَزَرًا اتهمناه على القوم (يعني الصحابة).

وقد حذَّرَ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من الطعن في صحابته الأخيار، وأوجب على جميع المسلمين أن يعرفوا لصحابته قدرهم وحقهم، فهم في منزلتهم كالنجوم العوالي، فهيهات هيهات أن يبلغ أحد من العالمين مِن بعدِهِم منزلتهم، فمن طعن في صحابة رسول الله فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى رب العالمين. روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله : " اللهَ اللهَ في أصحابي، اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببُغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى اللهَ فيوشك أن يأخذه ".

وانظر أيضًا إلى هذا الحديث الشريف الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : " لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه ". ومعنى قوله (نصيفه) أي: نصف المد.

صحبة معاوية لرسول الله

يعد معاوية رضي الله عنه من أكابر الصحابة -رضوان الله عليهم- فهو أحد كُتَّاب الوحي، العاملين بكتاب ربهم، المحافظين على سنة نبيهم، الذَّابِّين عن شريعته، القائمين بحدوده، المجاهدين في سبيله.

وقد صحب معاوية رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب له وشهد معه حنينًا والطائف وأعطاه رسول الله من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية، وهاجر إلى المدينة فأخفى رسول الله بينه وبين أحد أصحابه. وكان زيد بن ثابت الأنصاري من بني النجار ألزم الناس للقيام بواجب الكتابة للنبي ثم تلاه معاوية بعد الفتح، فكانا ملازمين للكتابة بين يديه في الوحي وغير ذلك، لا عمل لهما غير ذلك.

ولقد نال معاوية شرف الصحبة، وشرف الجهاد تحت لواء الرسول .

وكان معاوية رضي الله عنه موضع ثقة النبي فلذلك جعله من جملة الكتاب بين يديه الذين يكتبون الوحي له، فقد روى هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "لما كان يوم أم حبيبة دقَّ الباب دَاقٌّ؛ فقال النبي : انظروا من هذا؟ قالوا: معاوية. قال: ائذنوا له. فدخل وعلى أذنه قلم يخط به، فقال: ما هذا القلم على أذنك يا معاوية؟ قال: قلم أعددته لله ولرسوله. فقال: جزاك الله عن نبيك خيرًا، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله، وما أفعل صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله من النبي".

معاوية مع أبي بكر وعمر وعثمان
وقد نال معاوية رضي الله عنه ثقة الخلفاء الراشدين ففي خلافة أبي بكر رضي الله عنه سير الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه أربعة جيوش إلى الشام بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وكان كل جيش منها يضم سبعة آلاف مقاتل تقريبًا، واجتمع إلى أبي بكر بعدها أناس؛ فوجههم إلى الشام وأمَّر عليهم معاوية رضي الله عنه، وأَمَرَه باللحاق بأخيه يزيد، فخرج معاوية حتى لحق به، وكانت هذه أول مهمة قيادية يتولاها معاوية في الفتوح وشهد معاوية اليرموك وفتح دمشق تحت راية أخيه يزيد.

وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل يزيد بن أبي سفيان حملة بإمرة أخيه معاوية إلى سواحل الشام، ففتحها.
وفي سنة 15هـ أَمَّر عمر رضي الله عنه معاوية بن أبي سفيان على قيسارية وكتب إليه: "أمَّا بعد، فقد وَلَّيتُك قيسارية؛ فسِرْ إليها واستنصِرِ اللهَ عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهُ ربُّنا وثقتُنا ورجاؤُنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير". فسار إليها فحاصرها وزاحفه أهلها مراتٍ عديدة، فاقتتلوا قتالاً عظيمًا، فاجتهد معاوية في القتال حتى فتح الله عليه، وقتل منهم نحوًا من مائة ألف، وبعث بالفتح والأخماس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وذكر الطبراني في تاريخه، والبلاذري في أنساب الأشراف، والذهبي في السير أنه لما قدم عمر الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم وهيئة، فلما دنا منه قال: أنت صاحب الموكب العظيم؟
قال: نعم.
قال: هذا حالك مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك!
قال: نعم.
قال: ولمَ تفعل ذلك؟
قال: نحن بأرضٍ جواسيسُ العدوِّ بها كثير، فيجب أن نظهر من عزِّ السلطان ما يرهبهم، فإن نهيتني انتهيت.
قال: يا معاوية، ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس، لئن كان ما قلتَ حقًّا إنه لرأى أريب، وإن كان باطلاً، فإنه لخدعة أديب.
قال: فمُرْني.
قال: لا آمرك ولا أنهاك.
فقيل: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر عما أوردته.

ويُروى أيضًا أن معاوية دخل على عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وعليه حُلَّة خضراء، فنظر إليها الصحابة، فوثب إليه عمر بالدرة، فجعل يقول: اللهَ اللهَ يا أميرَ المؤمنين، فيمَ فيم؟ فلم يكلمه حتى رجع، فقالوا: لمَ ضربته، وما في قومك مثله؟!
قال: ما رأيت وما بلغني إلا خيرًا، ولكني رأيته وأشار بيده، فأحببت أن أضع منه ما شمخ.

وفي عام 18هـ حدث طاعون عمواس، فذهب بكثير من رجالات المسلمين منهم: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وكان يزيد قد أقام أخاه معاوية مكانه في دمشق، فلما هلك يزيد أمَّر عمر بن الخطاب رضي الله عنه معاوية على دمشق ثم أضاف له الأردن وفلسطين وحمص إذ توفي شرحبيل بن حسنة بطاعون عمواس وهو على الأردن، وسار عمرو بن العاص لفتح مصر وكان على فلسطين، ومات عمير بن سعد الذي كان واليًا على حمص بعد وفاة عياض بن غنم.

وقد لاحظ معاوية رضي الله عنهt وهو ينازل الروم باستمرار أن قوتهم في البحر هي العامل الأساسي في بقائهم، وأن التهديدات البرية للروم لا قيمة لها إذ إن المدن الساحلية في الشام معرضة باستمرار للتهديد؛ لذا فلابد من إقامة قوة إسلامية بحرية توقف سلطان الروم البحري عند حده، وأحب قبل القيام بهذا المشروع استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فكتب له:"يا أمير المؤمنين، إن بالشام قرية يسمع أهلُها نباحَ كلاب الروم وصياح ديوكهم، وهم تلقاء ساحل من سواحل حمص، فإن أذنت بركوب البحر".

فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- ليصف له البحر، فأجابه: "إني رأيت خلقًا عظيمًا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء، إِنْ ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، إن مال غرق، وإن نجا برق".

فلما قرأ عمر هذا الوصف كتب إلى معاوية: "لا والذي بعث محمدًا بالحق، لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا.. وتاللهِ لمسلمٌ أحبُّ إليَّ مما حَوَتِ الروم، فإياك أن تعرض لي، وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقي العلاء مني، ولم أتقدم إليه في مثل ذلك".


فلمَّا تولى عثمان بن عفان الخلافة أعاد معاوية طلب بناء قوة بحرية للمسلمين من الخليفة الجديد فلم يزل به معاوية حتى عزم على ذلك، ولكن قال له: "لا تنتخب الناس ولا تُقْرِعْ بينهم، خيِّرهم فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه". ففعل واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف بني فزارة، وأصبحت السفن تُبنى في عكَّا وصور وطرابلس على سواحل بلاد الشام.


وغزا معاوية رضي الله عنه جزيرة قبرص، وصالح أهها على سبعة آلاف دينار يؤدونها إلى المسلمين كل سنة، وذلك في عام 27هـ، وساعد أهل مصر في تلك الغزوة بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان معاوية على الناس جميعًا، وكان بين الغزاة من صحابة رسول الله أبو ذر الغفاري وعبادة بن الصامت وكانت معه زوجته أم حرام، فكان معاوية رضي الله عنه أول من ركب البحر كما أخبر رسول الله بذلك في الحديث الذي روته أم حرام بنت ملحان.

ثم نقض أهل قبرص عهدهم فأرسل إليهم حملة مؤلَّفةً من اثني عشر ألفًا، ونقلها إلى الجزيرة بمهمة حمايتها، فأقامت المساجد هناك، وبقيت الحامية هناك حتى أيام يزيد بن معاوية.

ولقد كان معاوية رضي الله عنه موضع ثقة الخلفاء الراشدين من بعد رسول الله ، والحق أن معاوية كان أهلاً لهذه الثقة؛ فلذلك ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم جاء بعد عمر عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- فجعل معاوية واليًا على الشام كله، وحسبك بمن ولاه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان y؛ فقد كان معاوية t أهلاً للإمارة والخلافة معًا، ومن أجل هذه الأهلية ظل أميرًا على الشام عشرين سنة، وخليفة للمسلمين ما يقرب من عشرين سنة، فلم يهجه أحد في دولته بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك.

قال عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رجوعه من صفين: أيها الناس، لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو فقدتموها رأيتم الرءوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل.

وقد حزن معاوية رضي الله عنه لمقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حزنًا شديدًا، فيروى أنه عندما جاءه خبر قتله بكى بكاءً شديدًا، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك! إنكِ لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم.

أما الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقد قال عنه: ما رأيت أحدًا بعد عثمان رضي الله عنه أقضى بحق من صاحب هذا الباب. يعني معاوية. وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان ملكه ملكًا ورحمة.

مما سبق نتأكد من مكانة معاوية رضي الله عنه عند رسول الله وخلفائه الراشدين وبقية الصحابة الذين أثنوا عليه ثناءً عظيمًا، ولقد كان خليقًا بهذه المنزلة الرفيعة تبعًا لما مرّ بنا من سيرته وعمله الدءوب.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: الخليفة معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما اول ملوك الاسلام وخيرهم على الاطلاق

مناقب معاوية رضي الله عنه


أسلم مع أبيه، وأخذه صلى الله عليه وسلم كاتباً من كُتَّاب الوحي، وانظر كيف استأمنه صلى الله عليه وسلم ليكتب وحي السماء نزل من عند الله تبارك وتعالى، فهو من الكتبة، ومن أصهاره صلى الله عليه وسلم، فقد تزوج أخته رملة ، فهو خالنا، وخال كل مؤمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فحيا به من خالٍ بار، ومن كاتب للوحي أمينِ.

يقول ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: { ادع لي معاوية فقد نزل عليَّ شيء من الوحي يكتب لي ، فذهب أحدهم فأتى فإذا بـمعاوية يأكل في بيته، فدعاه، قال: تعال فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوك، قال: إني ما انتهيت من أكلي، فعاد فصبر صلى الله عليه وسلم قليلاً، فرد الرسول ثانيةً، فقال معاوية : ما انتهيت من غدائي، فصبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فرده ثالثة، فلما أخبر الرسول قال صلى الله عليه وسلم: لماذا لا يأتي؟ لا أشبع الله بطنه

} وهذه من مناقبه.

قال ابن كثير هذا منقبة وليست مثلبة كما تقول الرافضة ، بل هي منقبة كبرى، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من على المنبر: { اللهم ما من عبدٍ مسلمٍ سببته، أو شتمته، أو ضربته فاجعلها كفارة له ورحمةً عندك } فهي له رحمة وكفارة عند الله عز وجل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليه، وبالفعل وقع ما دعا عليه صلى الله عليه وسلم فكان لا يشبع أبداً، يقول: إني أجزم لنفسي أنني آكل ولا أشبع، ولكنني أعلل نفسي حتى يأتي الموت.

سافر مع الرسول صلى الله عليه وسلم -وكان من دهاة العرب ودهاة العرب في كتب التاريخ أربعة: معاوية ، وزياد ابن أبيه ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة - فلما سافر مع الرسول عليه الصلاة والسلام، طلب صلى الله عليه وسلم منه مقراضاً يقرض ويقلم أظفاره صلى الله عليه وسلم، فقلم أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقصٍ عنده، فكان له الشرف أن يقلم أظفار الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهذه في سير أعلام النبلاء وفي كتب التواريخ، فلما انتهى من تقليم أظافر المصطفى صلى الله عليه وسلم جمعها وحفظها، وجعلها في مكانٍ عنده طيلة حياته، فلما تولى الخلافة أغلق عليها في صندوقٍ محكم، ولما أتته الوفاة واليقين نزل من على سرير الملك رضي الله عنه وأرضاه، وبكى طويلاً، وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، ثم قال لمن اقترب منه من وزرائه: ما عندي كلمة أحاج لنفسي بها عند الله إلا: لا إله إلا الله، فإذا أنا مت فعليكم بهذا الديوان فافتحوه وخذوا أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعوها في أنفي وفي عيني لعل الله يرحمني بها، وبالفعل -وهذا من محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم- وضعوها في أنفه وعينيه.

يقول ضرار بن الحارث الصدائي أحد أهل العراق من جيش علي بن أبي طالب : دخلت على معاوية وهو خليفة بعدما قتل أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه، فعرف إني من جيش علي فقال: يا ضرار ! حدثني عن علي بن أبي طالب ، قال: فتحرجت أن أحدثه لأنهما تقاتلا، فقلت: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: عزمت عليك إلا حدثتني عن علي فإني أحب الحديث عنه، قال ضرار : أما إن سألتني يا أمير المؤمنين فوالله! لقد صاحبت علياً فوجدته عابداً عالماً زاهداً، والله لقد رأيته في الليل الدامس -أي المظلم- يقبض على لحيته بيديه وهو يقول: يا دنيا يا دنية طلقتك ثلاثاً، زادك حقير، وعمرك قصير، وسفرك طويل، آه من قلة الزادِ وبعد السفر ولقاء الموت، فبكى معاوية حتى تغير على جلسائه وسالت بالدموع لحيته، ثم قال: رحم الله أبا الحسن ، ثم قال: صدق الله: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [هود:15-16].

وقال شفيٌ الأصبحي : {دخلت على معاوية رضي الله عنه وهو على سرير الملك فقال: حدثني يا شفي ! حديثاً يلذ لي ويطيب، قلت: حدثني أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ماذا حدثك؟ قلت: قال لي: أول من تسعر بهم النار ثلاثة، بعالمٍ، وجوادٍ، وشجاع، يؤتى بالعالم -نعوذ بالله من ذلك المنافق- فيقول الله له: أما علمتك العلم؟ قال: بلى. قال: أما لقنتك الحكمة؟ قال: بلى، قال: أما فقهتك في الدين؟ قال: بلى، قال: فماذا فعلت؟ والله أعلم به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال: تعلمت وعلمت فيك الجاهل، قال: كذبت! وتقول الملائكة: كذبت! ثم يقول الله: إنما تعلمت ليقال عالم، وقد قيل، خذوه إلى النار، فيسحبونه حتى يلقى في النار، -نسأل الله العافية والنجاة- ثم يؤتى بالجواد، فيقول الله: ألم أربعك؟ ألم أسودك؟ ألم أخولك مالاً؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا فعلت؟ والله أعلم به، قال: أنفقته في سبيلك، وأطعمت الجائع وكسوت العاري، وآتيت المسكين، فيقول الله: كذبت! وتقول الملائكة: كذبت! ثم يقول الله: إنما فعلت ليقال جواد، وقد قيل، خذوه إلى النار، فيسحبونه على وجهه حتى يرمى في النار، ثم يؤتى بالشجاع فيفعل به كما فعل بالاثنين، فلما سمع معاوية الحديث نزل من على سريره وبكى ورفع البساط ومرغ وجهه بالتراب وهو يبكي ويقول: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[هود:15-16] }.

ومن مدائحه في السنة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له كما صح في ذلك الحديث: { اللهم علمه الحساب وقه العذاب } فهو مدعوٌ له بأن يقيه ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عذابه يوم يبعث الله الأولين والآخرين.

أيضاً جاء في حديث أم حرام بنت ملحان أن الجيش الذين يركبون ثبج البحر مغفور لهم، وكان هو قائد هذا الجيش، قالت أم حرام بنت ملحان هي امرأة واسمها أم حرام وهذا الحديث في المغازي كما في صحيح البخاري ، قالت: { دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهي عجوز والرسول صلى الله عليه وسلم كان يزور العجائز والأطفال والمساكين- فدخل عليها صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام قالت: فلما جلس صلى الله عليه وسلم نام على فراشٍ عندي، قال: فأخذ صلى الله عليه وسلم عرقه يتصبب من جبينه الطاهر، وكان إذا نام صلى الله عليه وسلم أخذ عرقه يتدفق -وهذه من خصائصه أن عرقه في الشتاء وفي الصيف يتدفق بكثرة كأنه الدر أو كأنه الجمان، أو كأنه اللؤلؤ المنظوم- قالت: فأخذت قارورة وأخذت أسلت عرقه وأضعه في هذه القارورة، فوالله إنه لأحسن رائحة من المسك الأذفر، ووالله لقد بقي في بيتنا -تقول أم حرام - فترة طويلة، كلما مرض مريض أخذت قطرة من هذا العرق فوضعته في ماء وغسلت المريض فشفي بإذن الله } وكانت رائحة بيتها تفوح في المدينة وتتضوع.

قالت: {ثم نام صلى الله عليه وسلم فاستيقظ في تلك النومة وهو يضحك، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك! قال: أضحك أنني رأيت قوماً من أمتي يركبون ثبج البحر كالملوك على الأسرة }.

هو في المدينة معه ثلة من الناس والدين لم ينتشر ففرح صلى الله عليه وسلم أن يرى الأمة المكبرة، المهللة، الموحدة وهي تفتح بلاد الله، ويراهم يعبرون البحار، ينشرون لا إله إلا الله في أصقاع الأرض، فقالت أم حرام : {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنتِ منهم، ثم نام صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك ثانيةً، فقالت: قلت: يا رسول الله! ما يضحكك؟ أضحك الله سنك! قال: رأيت قوماً من أمتي غزاةً في سبيل الله، قالت: ادع الله أن يجعلني منهم -تريد هذا كذلك- فقال: أنتِ من الأولين } لأنها سوف تستشهد أو تموت فلا يمكن أن تتكرر، وقد وقع هذا، فكان معاوية بن أبي سفيان قائد هذا الجيش وهذه الكتائب التي عبرت على موج البحر تؤدي رسالة الله في الأرض.

كنا جبالاً في الجبال وربما * سرنا على موج البحار بحارا

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع * اسمك فوق هامات النجوم منارا

فلما خرجت مع معاوية رضي الله عنه وعنها وكانت هي زوجة عبادة بن الصامت ، فخرجت مع الجيش لغزو القسطنطينية ثم عادوا، فتوفيت وهي في السفينة، ودفنت هناك.

ففرح صلى الله عليه وسلم بالمنام الذي قائده معاوية رضي الله عنه وأرضاه.

ومع أنه كان داهيةً من دهاة الناس، لكنه ضرب أروع الأمثلة في الأناه والحلم، وكان يصفح ويكظم غيظه، ولا يؤاخذ بالزلة، بل يعفو ويتجاوز، تولى أمر الأمة رضي الله عنه وأرضاه فكان سديد الرأي، طيب السيرة، دخل عليه الأحنف بن قيس التميمي ، سيد بني تميم فلما دخل عليه قال له معاوية : أنسيت يا أحنف ! يوم الجمل ويوم صفين -يعني مع علي - فقال الأحنف وكان رجلاً شجاعاً: يا معاوية ! إن السيوف التي قاتلناك بها في أغمادها في بيوتنا، وإن القلوب التي أبغضناك بها في صدورنا فإن عدت عدنا، فاحمر وجهه وسكت، فلما دخل إيوانه قالت ابنته: يا أبتاه! من هذا الأعرابي الجلف الذي يكلمك بهذا الكلام الغليظ وأنت لا ترد عليه؟ قال: هذا الأحنف بن قيس ، هذا الذي إذا غضب غضب معه عشرة ألف سيف من بني تميم، لا يسألونه فيما غضب، وإنما يقولون: غضبت زبراء ، وزبراء جارية للأحنف ، فيسمون الأحنف زبراء ، فيقول: لو أنني أغضبته سوف يغضب معه عشرة ألف سيف.

والأحنف بن قيس كان من أجود وأحلم العرب، مع أنه كان هزيلاً أحنفاً يمشي على رجلٍ واحدة مهلهل الشعر، لكن كله عقلٌ وحكمة وذكاء ودهاء، فـمعاوية صفح عنه وكظم غيظه.

في يوم من الأيام، قال وهو يتمازح مع عمرو بن العاص : أيُّنا الأدهى أنا أم أنت؟ فقال عمرو بن العاص : أنا أدهى منك، قال: ولمَ؟ قال: أخرج من عندك في المجلس، فقال معاوية : اخرجوا، فخرجوا، فقال عمرو : ادنُ مني أحدثك، فاقترب منه معاوية ، فقال عمرو : وهل معنا أحد حتى تدنو مني!


 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: الخليفة معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما اول ملوك الاسلام وخيرهم على الاطلاق

نسبه وإسلامه وروايته للحديث

من أكابر الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وأحد كُتَّاب الوحي، العاملين بكتاب ربهم والمحافظين على سنة نبيهم، الذَّابِّين عن شريعته، القائمين بحدوده، المجاهدين في سبيله..
نسبه:
هو معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، خال المسلمين، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أمير المؤمنين، ملك الإسلام، أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكي..
وأمه: هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي رضي الله عنها..
إسلامه:
قيل: إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء سنة 7 هـ، وبقي يخاف من اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم بسبب أبيه، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح فيُروى عنه أنه قال: "لما كان عامُ الحديبية وصَدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، وكتبوا بينهم القضية وقع الإسلام في قلبي، فذكرت لأمي فقالت: إياك أن تخالف أباك، فأخفيتُ إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وإني مصدق به، ودخل مكة عام عمرة القضية وأنا مسلم، وعلم أبو سفيان بإسلامي، فقال لي يومًا: لكنَّ أخاك خير منك، وهو على ديني، فقلت: لم آلُ نفسي خيرًا، وأظهرتُ إسلامي يوم الفتح، فرَّحَّبَ بي النبي صلى الله عليه وسلم وكتبتُ له.. (سير أعلام النبلاء)..
روايته للحديث:
حدَّث معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدث أيضًا عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة، وعن أبي بكر وعمر، روى عنه: ابن عباس وسعيد بن المسيب، وأبو صالح السمان، وأبو إدريس الخولاني، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وسعيد المقبري، وخالد بن معدان، وهمام بن منبه، وعبد الله بن عامر المقريء، والقاسم أبو عبد الرحمن، وعمير بن هانيء، وعبادة بن نسيء، وسالم بن عبد الله، ومحمد بن سيرين، ووالد عمرو بن شعيب وخلق سواهم..
وحدث عنه من الصحابة أيضًا: جرير بن عبد الله، وأبو سعيد، والنعمان بن بشير، وابن الزبير..
فمعاوية رضي الله عنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين..
مسنده في (مسند بقيّ) مائة وثلاثة وستون حديثًا، واتفق البخاري ومسلم على أربعة منها، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة.. وقد عمل الأهوازي (مسنده) في مجلد.

معاوية رضي الله عنه الخليفة ومكانته

بعد استشهاد الإمام علي كرَّم الله وجهه سنة 40 هـ تم الصلح بين معاوية والحسن بن علي ـ رضي الله عنهم ـ سنة 41 هـ.. تنازل بمقتضاه الحسن عن الخلافة وبويع معاوية، ودخل الكوفة وبايعه الحسن والحسين سنة 41 هـ واستبشر المسلمون بهذه المصالحة التي وضعت حدًا لسفك الدماء والفتن، وسموا هذا العام عام الجماعة، وهذه إشارة واضحة لرضا الناس عن خلافة معاوية رضي الله عنه واستقبالها استقبالاً حسنًا، فقد تولى الخلافة ووراءه تجربة طويلة في الحكم والإدارة وسياسة الناس، فولايته على الشام قبل الخلافة لمدة تزيد عن العشرين عامًا، أكسبته خبرة كبيرة هيأت له النجاح في خلافته، والحقيقة أن معاوية رضي الله عنه كان يتمتع بصفات عالية ترشحه لأن يكون رجل الدولة الأول وتجعله خليقًا بهذا المنصب الخطير..
يقول ابن الطقطقا: وأما معاوية رضي الله عنه كان عاقلاً في دنياه لبيبًا عالمًا حاكمًا ملكًا قويًا جيد السياسة، حسن التدبير لأمور الدنيا عاقلاً حكيمًا فصيحًا بليغًا، يحلم في موضع الحلم، ويشتد في موضع الشدة إلا أن الحلم كان أغلب عليه، وكان كريمًا باذلاً للمال محبًا للرياسة شغوفًا بها، كان يَفْضُلُ على أشراف رعيته كثيرًا، فلا يزال أشراف قريش مثل: عبد الله بن العباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر الطيار، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وأبان بن عثمان بن عفان، وناس من آل أبي طالب رضي الله عنهم يفدون عليه بدمشق فيكرم مثواهم، ويحسن قِرَاهم ويقضي حوائجهم، ولا يزالون يحدثونه أغلظ الحديث ويجبهونه أقبح الجَبَه، وهو يداعبهم تارة، ويتغافل عنهم أخرى، ولا يعدهم إلا بالجوائز السَّنِيَّة، والصلات الجمَّة... إلى أن يقول: واعلم أن معاوية رضي الله عنه كان مربي دول وسائس أمم، راعي ممالك، ابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه إليها أحد..
وأما اليعقوبي والمسعودي فقالا: "وكان لمعاوية حلم ودهاء ومكر ورأي وحزم في أمر دنياه، وجود بالمال"..
وثناء هؤلاء الثلاثة من المؤرخين على معاوية رضي الله عنه وحسن سياسته وإدارته لشئون الدولة، أمر له مغزاه وأهميته لما عُرِف عنهم جميعًا من ميول شيعية ملموسة.. وأما إعجاب ابن خلدون به فيتمثل في قوله:"وأقام في سلطانه وخلافته عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة، التي لم يكن أحد من قومه أوفر فيها منه يدًا، من أهل الترشيح من وَلَدِ فاطمة وبني هاشم، وآل الزبير وأمثالهم"..
ويروي ابن الأثير في أسد الغابة عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: "ما رأيت أحدًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية؛ فقيل له: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ فقال: كانوا والله خيرًا من معاوية وأفضل، ومعاوية أسود..
ويروي الطبري مرفوعًا إلى عبد الله بن عباس قوله: "ما رأيت أحدًا أخلق للملك من معاوية، إن كان ليرد الناس منه على أرجاء وادٍ رَحْب"..
ويقول ابن تيمية: "فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من معاوية، إذا نُسِبَتْ أيامه إلى أيام من بعده، أما إذا نسبت إلى أيام أبا بكر وعمر ظهر التفاضل"..
وذُكِرَ عمر بن عبد العزيز عند الأعمش فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه، قال: لاوالله، في عدله"، وإليك شهادة الذهبي له: حيث يقول:"وحَسْبُك بمن يؤمِّره عمر ثم عثمان على إقليم فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويُرضي الناس بسخائه وحلمه، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفَرْط حلمه وسعة نفسه، وقوه دهائه ورأيه"..
وهكذا يكاد ينعقد إجماع علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تلاهم على الثناء على معاوية رضي الله عنه وجدارته بالخلافة، وحُسْنِ سياسته وعدله، مما مكَّن له في قلوب الناس، وجعلهم يجمعون على محبته، يقول ابن تيمية رحمه الله:"وكانت سيرة معاوية في رعيته من خيار سير الولاة وكانت رعيته تحبه"، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتُصلُّون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"..
وقد ورد كثير من الأخبار بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه فقد روى الترمذي في فضائل معاوية رضي الله عنه أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه؛ فقالوا: كيف يتولى معاوية وفي الناس من هو خير مثل الحسن والحسين؟!! فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة ـ هو أحد الصحابة: لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعله هاديًا مهديًا وَاهْدِ به.. رواه الإمام أحمد في المسند 4/216 وصحَّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/236.
وكانت صلاته رضي الله عنه أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُوي عن أبي الدرداء أنه قال: "ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا ـ يعني معاوية..
كما ثبت في الصحيح أنه كان فقيهًا يعتد الصحابة بفقهه واجتهاده؛ فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب المناقب عن أبي مليكة قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس؛ فأتى ابن عباس فأخبره، فقال: دعه؛ فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى قيل لابن عباس: "هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: أصاب إنه فقيه.
وقد كان لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأَسِرَّة؛ فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا قريبًا مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحك؟ قال: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية رضي الله عنه، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام، فَقُرِّبَت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.. البخاري مع الفتح (6/22)..
قال ابن حجر معلقًا على رؤيا رسول الله صلى الله عليه سلم قوله: (ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة...) يشعر بأن ضحكه كان إعجابًا بهم، فرحًا لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة.
وأخرج البخاري ـ أيضًا ـ من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا"..
قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنتِ فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر ـ أي القسطنطينية ـ مغفور لهم"..
فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا. ومعنى أوجبو: أي فعلوا فعلاً وبجت لهم به الجنة..
قال ابن حجر في الفتح 6/121 ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة 27 هـ في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه..
ومن فضائله: ما قاله الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت: لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صهر ونسب فيقطع إلا صهري ونسبي"؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم. له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: ما لهم ومعاوية، نسأل اللهَ العافية.. السنة للخلال برقم 654، وإسناد الحديث حسن..
وكان معاوية رضي الله عنه موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك جعله من جملة الكتاب بين يديه صلى الله عليه وسلم الذين يكتبون الوحي له، فقد روى هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لما كان يوم أم حبيبة من النبي صلى الله عليه وسلم دقَّ الباب دَاقٌّ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا من هذ؟ قالوا: معاوية، قالوا: ائذنوا له، فدخل وعلى أذنه قلم يخط به، فقال: ما هذا القلم على أذنك يا معاوية؟ قال: قلم أعددته لله ولرسوله، فقال: جزاك الله عن نبيك خيرًا، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله، وما أفعل صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله".. (3)

المراجع

(1) منهاج السنة 1/18
(2) ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 139
(3) ابن كثير: البداية والنهاية ج8، ص120


 
رد: الخليفة معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما اول ملوك الاسلام وخيرهم على الاطلاق

معاوية مع أبي بكر وعمر وعثمان:
وفي أثناء خلافة أبي بكر رضي الله عنه سير الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه أربعة جيوش إلى الشام بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وكان كل جيش منها يضم سبعة آلاف مقاتل تقريبًا، واجتمع إلى أبي بكر بعدها أناس؛ فوجههم إلى الشام وأمَّر عليهم معاوية رضي الله عنه، وأَمَرَه باللحاق بأخيه يزيد، فخرج معاوية حتى لحق به، وكانت هذه أول مهمة قيادية يتولاها معاوية في الفتوح وشهد معاوية اليرموك وفتح دمشق تحت راية أخيه يزيد..
وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل يزيد بن أبي سفيان حملة بإمرة أخيه معاوية إلى سواحل الشام ففتحها.. (13)
وفي سنة 15 هـ أَمَّر عمر معاوية بن أبي سفيان على قيسارية وكتب إليه: "أمَّا بعد فقد وَلَّيتُك قيسارية؛ فسِرْ إليها واستنصِرِ اللهَ عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهُ ربُّنا وثقتُنا ورجاؤُنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير".. فسار إليها فحاصرها وزاحفه أهلها مراتٍ عديدة، فاقتتلوا قتالاً عظيمًا؛ فاجتهد معاوية في القتال حتى فتح الله عليه، وقتل منهم نحوًا من مائة ألف، وبعث بالفتح والأخماس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. (14)
وفي عام 18 هـ حدث طاعون عمواس، فذهب بكثير من رجالات المسلمين منهم: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وكان يزيد قد أقام أخاه معاوية مكانه في دمشق، فلما هلك يزيد أمَّر عمر بن الخطاب رضي الله عنه معاوية على دمشق ثم أضاف له الأردن وفلسطين وحمص إذ توفى شرحبيل بن حسنة بطاعون عمواس وهو على الأردن، وسار عمرو بن العاص لفتح مصر وكان على فلسطين، ومات عمير بن سعد الذي كان واليًا على حمص بعد وفاة عياض بن غنم..
وقد لاحظ معاوية رضي الله عنه وهو ينازل الروم باستمرار أن قوتهم في البحر هي العامل الأساسي في بقائهم، وأن التهديدات البرية للروم لا قيمة لها إذ إن المدن الساحلية في الشام معرضة باستمرار للتهديد؛ لذا فلابد من إقامة قوة إسلامية بحرية توقف سلطان الروم البحري عند حده، وأحب قبل القيام بهذا المشروع استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فكتب له:"يا أمير المؤمنين إن بالشام قرية يسمع أهلُها نباحَ كلاب الروم وصياح ديوكهم، وهم تلقاء ساحل من سواحل حمص فإن أذنت بركوب البحر"..
فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما ليصف له البحر، فأجابه: "إني رأيت خلقًا عظيمًا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء، إِنْ ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، إن مال غرق، وإن نجا برق"..
فلما قرأ عمر هذا الوصف كتب إلى معاوية: "لا والذي بعث محمدًا بالحق لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا.. وتاللهِ لمسلمٌ أحبُّ إليَّ مما حَوَتِ الروم، فإياك أن تعرض لي، وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقي العلاء مني، ولم أتقدم إليه في مثل ذلك"..
فلمَّا تولى عثمان بن عفان الخلافة أعاد معاوية طلب بناء قوة بحرية للمسلمين من الخليفة الجديد فلم يزل به معاوية حتى عزم على ذلك، ولكن قال له:
لا تنتخب الناس ولا تُقْرِعْ بينهم، خيِّرهم فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه؛ ففعل واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف بني فزارة، وأصبحت السفن تُبنى في عكَّا وصور وطرابلس على سواحل بلاد الشام.
وغزا معاوية رضي الله عنه جزيرة قبرص، وصالح أهها على سبعة آلاف دينار يؤدونها إلى المسلمين كل سنة، وذلك في عام 27 هـ، وساعد أهل مصر في تلك الغزوة بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان معاوية على الناس جميعًا، وكان بين الغزاة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ذر الغفاري وعبادة بن الصامت وكانت معه زوجته أم حرام، فكان معاوية رضي الله عنه أول من ركب البحر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في الحديث الذي روته أم حرام بنت ملحان..
ثم نقض أهل قبرص عهدهم فأرسل إليهم حملة مؤلَّفةً من اثني عشر ألفً، ونقلها إلى الجزيرة بمهمة حمايتها، فأقامت المساجد هناك، وبقيت الحامية هناك حتى أيام يزيد بن معاوية.. (15)

المراجع

(13) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، الخلفاء الراشدون، ج3، ص68ـ 69
(14) ابن كثير: البداية والنهاية، ج7، ص58 ـ 59
(15) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، الخلفاء الراشدون، ج3، ص69ـ73
 
رد: الخليفة معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما اول ملوك الاسلام وخيرهم على الاطلاق

جهاده في خلافته
كانت الغارات على بلاد الروم أثناء خلافة معاوية رضي الله عنه لا تنقطع صيفًا أو شتاءً، وكان الغرض من هذه الغارات استنزاف قوة العدو، ومن أشهر القواد المجاهدين في بلاد الروم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وبُسْر بن أرطأة الذي تقدم على رأس شاتية عام 43هـ حيث اقترب من القسطنطينية، ومالك بن هبيرة، وأبو عبد الرحمن القيني وعبد الله بن قيس الفزاري، وفضالة بن عبيد الأنصاري، وغيرهم كثير.
وكان هدف هذه الغزوات جميعها القسطنطينية، وفي عام 50 هـ جهز معاوية حملة كبيرة من البر والبحر لتغزو القسطنطينية، وأعطى قيادة جيش البر لسفيان بن عوف الأزدي، وجعل ابنه يزيد في قيادة الحملة إلا أن يزيد لم يخرج مع الحملة، أما الأسطول فقد قاده بسر بن أرطأة، وحوصرت عاصمة الروم، وجرت اشتباكات بين الطرفين خسر فيها المسلمون خسائر كبيرة فعمل معاوية على إرسال نجدة كبيرة بقيادة ابنه يزيد ومعه أبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن العباس، وبوصول النجدة ارتفعت معنويات المجاهدين فاشتد الحصار وأصاب المسلمون من الروم وإن لم يستطيعوا فتح القسطنطينية، وقد استُشهِد في هذا القتال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعبد العزيز بن زرارة الكلابي، وقد كانا على رأس الذين يثيرون حماسة المجاهدين.
استطاع معاوية رضي الله عنه أن يضيق الخناق على الدولة البيزنطية بالحملات المستمرة والاستيلاء على جزر رودس وأرواد، وقد كان لجزيرة أرواد أهمية خاصة لقربها من القسطنطينية، حيث اتخذ منها الأسطول الإسلامي في حصاره الثاني للمدينة أو حرب السنين السبع 54 ـ 60 هـ قاعدة لعملياته الحربية، وذلك أن معاوية رضي الله عنه أعد أسطولاً ضخمًا وأرسله ثانية لحصار القسطنطينية، وظل مرابطًا أمام أسوارها من سنة 54 هـ إلى سنة 60 هـ، وكانت هذه الأساطيل تنقل الجنود من هذه الجزيرة إلى البر لمحاصرة أسوار القسطنطينية، وقد أرهق هذا الحصار البري والبحري والبيزنطيين كما أنزل المسلمون بالروم خسائر فادحة، وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع المسلمون فتح القسطنطينية..
ومن أجل بناء أسطول إسلامي بحري قوي، أقام معاوية رضي الله عنه دارًا لصناعة السفن البحرية في جزيرة الروضة بمصر عام 54 هـ.
كما نفذ معاوية خطة لنقل أعداد من العرب المسلمين إلى الجزر في البحر الأبيض المتوسط لحمايتها ونشر الإسلام على ربوعها.
فتم نزول المسلمين بصقلية عام 48هـ، واستطاع فضالة بن عبيد الأنصاري فتح جزيرة (جربا) عام 49هـ وقد سار إليها على رأس شاتية في ذلك العام.
وعندما تولى معاوية بن حديج أَمْرَ المغرب فتح بنزرت عام 41هـ، كما دخل قمونية موضع القيروان عام 45هـ، وأرسل عبد الله بن الزبير ففتح سوسة في العام نفسه، ورجع معاوية بن حديج إلى مصر فتولى أمر المغرب رويفع بن ثابت الأنصاري، وبقي عقبة بن نافع على برقة ففتح (سرت) و (مغداس) وأعاد فتح ودَّان، ودخل فزَّان، ووصل إلى جنوبها إلى كاوار، ودخل غدامس وقفصة وابتنى القيروان، كما فتح كورًا من بلاد السودان.
وفي عام 50هـ تولى أمر مصر مسلمة بن مخلد فعزل عقبة بن نافع عن أمر المغرب وولَّى أبا المهاجر دينار فوصل إلى المغرب الأوسط، هذا ما كان أيام معاوية في إفريقية.
أما في الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية فقد غزا المسلمون بلاد اللان عام 41هـ، وفتحوا الرخج وغيرها من بلاد سجستان عام 43هـ، ودخل الحكم بن عمرو الغفاري منطقة القيقان في طخارستان وغنم غنائم كثيرة عام 45هـ، كما فتح المسلمون قوهستان، وفي عام 55هـ قطع عبيد الله بن زياد نهر جيحون ووصل إلى تلال بخارى..
وغزا المسلمون في عام 44هـ بلاد السند بإمرة المهلب بن أبي صفرة كما غزوا جبال الغور عام 47هـ، وكان المهلب مع الحكم بن عمرو الغفاري، وكان سكان المنطقة الشرقية ينكثون بالعهد مرة بعد أخرى، ويعود المسلمون لقتالهم ودخول أراضيهم؛ لذلك نلاحظ أن مناطق تلك الجهات قد فُتِحَت عدة مرات، واستمرت مدة من الزمن على هذه الحال حتى دانت نهائيًا أيام الوليد بن عبد الملك..
 
رد: الخليفة معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما اول ملوك الاسلام وخيرهم على الاطلاق

وفاة معاوية رضي الله عنه :
خطب معاوية رضي الله عنه آخر خطبة فقال: " أيها الناس إنَّ مَن زَرَعَ استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي خير مني، وإنما يليكم من هو شر مني كما كان من وليكم قبلي خيرًا مني، ويا يزيد إذا دنا أجلي فَوَلِّ غسلي رجلاً لبيبًا؛ فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل، وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره؛ فاستودع القارضة أنفي وفمي وأذني وعيني واجعل هذا الثوب مما يلي جلدي دون أكفاني، ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي ووضعتموني في حفرتي، فَخَلُّوا معاوية وأرحمَ الراحمين، ثم أوصى بنصف ماله أن يُرَدَّ إلى بيت المال ـ كأنه أراد أن يطيب له ـ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَاسَمَ عماله.. (1)
ويصور لنا ابن سيرين اللحظات الأخيرة في حياة معاوية رضي الله عنه قائلاً:"جعل معاوية لما احتضر يضع خدًا على الأرض ثم يقلب وجهه، ويضع الخد الآخر يبكي ويقول: اللهم إنك قلت في كتابك [إن الله لا يغفر أن يُشرَكَ به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] {النساء: الآية 48}
اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له، ثم تمثَّل بهذا البيت:
هو الموت لا منجى من الموت والذي نحاذر بعد الموت أدهى وأقطع
ثم قال: اللهم أَقِلِ العثرة، واعفُ عن الزَّلَّة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرجُ غيرك، فإنك واسع المغفرة ليس لذي خطيئة مهرب إلا إليك.
ثم أُغمِيَ عليه، ثم أفاق فقال لأهله: اتقوا الله فإن الله تعالى يقي من اتقاه، ولا يِقِي من لا يتقي، ثم مات رضي الله عنه بدمشق في رجب سنة 60 هـ. (2)
المراجع
[](1)
(2) ابن كثير: البداية والنهاية، ج8، ص163


اللهم إحشرني مع النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه رضوان الله عليهم و معاوية رضى الله عنه اللهم آآآآمين .
تم بحمد الله
 
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/معاوية بن أبي سفيان

معاوية بن أبي سفيان: المهدي كاتب الوحي

إن من المسلم به أن معاوية بن أبي سفيان كان من كبار الصحابة و كان كاتب الوحـي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (( اللهم اجـعله هادياً مهدياً واهد به ))(سنن الترمذي كتاب المناقب باب مناقب معاوية برقم (3842) وانظر صحيح الترمذي رقم (3018)) .
و أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان طلب من النبي ثلاثة مطالب (( فقال للنبي : يا نبي الله ثلاثٌ أعطينـهن قـال: نعـم ـ منـها ـ قال: معـاوية، تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعـم ...))(مسلم مع الشرح كتاب فضائل الصحابة ـ باب ـ فضائل أبي سفيان جـ16 برقم (2501).).

وعندما ولي معاوية الِشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات وكانت رعيته تحبه ويحبُّهم (( قال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجاً، ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية. وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له لو سطوت عليه؟ فقال: إني لأستحي من الله أن يضيقَ حلمي عن ذنب أحد رعيتي. وفي رواية قال له رجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك؟ فقال: إني لأستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي ))(البداية النهاية جـ8 ص (138))، لذلك استجابوا له عندما أراد المطالبة بدم عثمان وبايعوه على ذلك ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم، أو يدركوا بثأره أو ينفي الله أرواحهم قبل ذلك (البداية النهاية جـ8 ص (131)).

ومعاوية ما أراد الحكم ولا اعترض على إمامة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بل طالب بتسليمه قتلة عثمان ثم يدخل في طاعته بعد ذلك، فقد أورد الذهبي في ( السير ) عن يعلى بن عبيد عن أبيه قال (( جاء بو مسلم الخولاني وناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا واللـه إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وإنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلومـا، وأنا ابن عمه، وإنمـا أطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له فليدفـع إليّ قتلة عثمـان وأسلّم لـهُ فأتوْا علياً فكلّموه بذلك فلم يدفعهم إليه )) (سير أعلام النبلاء جـ3 ص (140) وقال المحقق: رجاله ثقات)،

طالمـا أكّد معـاوية ذلك بقولـه (( ما قاتلت علياً إلا في أمر عثمان )) ، وهذا هو ما يؤكده عليّ ومن مصادر الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، فقد أورد الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة في خطبة لعليّ قوله (( وبدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء)) (نهج البلاغة جـ3 ص (648))

فهذا عليّ يؤكد أن الخلاف بينه وبين معاوية هو مقتل عثمان وليس من أجل الخلافة أو التحكم في رقاب المسلمين كما يدعي غلاة الرافضة و يقرر أن عثمان وشيعته هم أهل إسلام وإيمان ولكن القضية اجتهادية كل يرى نفسه على الحق في مسألة عثمان.

و أما قولهم بأن معاوية أرغم المسلمين بالقوة والقهر على بيعة ابنه الفاسق شارب الخمر يزيد، فهذا من الكذب الظاهر فإن معاوية لم يرغم الناس على بيعة ابنه يزيد ولكنه عزم على الأخذ بعقد ولاية عهده ليزيد وتم له ذلك، فقد بايع الناس ليزيد بولاية العهد ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وتوفيّ معاوية ولم يرغمهم على البيعة. أما أن يزيد فاسق شارب للخمر فهذا كذب أيضاً وندع محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يجيب على هذا الادعاء لأنه أقام عند يزيد وهو أدرى به، قال ابن كثير في البداية (( لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم أبى اللـه ذلك علـى أهل الشهادة، فقال { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ولست من أمركم في شيء، قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نولّيك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعاً ولا متبوعاً، فقالوا: فقد قاتلت مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه، فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا، قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاماً نحض الناس فيه على القتال، قال: سبحان الله!! آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذاً ما نصحت لله في عباده قالوا: إذاً نكرهك. قال: إذا آمر الناس بتقوى الله ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق، وخرج إلى مكة ))(البداية والنهاية جـ8 ص (236).).

أما أن معاوية أمر بسبّ عليّ من على المنابر فكذب، ولا يوجد دليل صحيح ثابت بذلك، وسيرة معاوية و أخلاقه تستبعد هذه الشبهة، أما ما يذكره بعض المؤرخين من ذلك فلا يلتفت إليه لأنهم بإيرادهم لهذا التقول لا يفرقون بين صحيحها وسقيمها، إضافة إلى أن أغلبهم من الشيعة.

و قد قلنا أن معاوية لم يقاتل علي إلا في أمر عثمان وقد رأى أنه ولي دم عثمان وهو أحد أقربائه واستند إلى النصوص النبوية التي تبين وتظهر أن عثمان يقتل مظلوماً ويصف الخارجين عليه بالمنافقين إشارة إلى ما رواه الترمذي وابن ماجة عن عائشة قالت (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عثمان! إن ولاّك الله هذا الأمر يوماً، فأَرادكَ المنافقون أن تخْلع قميصك الذي قمَّصَكَ الله، فلا تخلعه ) يقول ذلك ثلاث مرات ))(سنن ابن ماجة، المقدمة ـ باب ـ فضائل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم برقم (112) وراجع صحيح ابن ماجة برقم (90).)، وقد شهد كعب بن مرة أمام جيش معاوية بذلك فقال (( لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت ـ أي ما قمت بالقتال بجانب معاوية للقصاص من قتلة عثمان ـ وذكر الفتن فقرّ بها فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى. فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه فقلت: هذا ؟ قال: نعم ))(أخرجه الترمذي عن أبي الأشعث الصنعاني كتاب الفضائل برقم (3704) وراجع صحيح الترمذي برقم (2922).)،

وأيضاً عن عبد الله بن شقيق بن مرة قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تهيج على الأرض فتن كصياصي البقر ) فمر رجل متقنع، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم هذا وأصحابه يومئذ على الحق. فقمت إليه فكشفت قناعه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله فقلت يا رسول الله هو هذا؟ قال هو هذا. قال: فإذا بعثمان بن عفان )) (فضائل الصحابة لأحمد جـ1 ص (449 ـ 450) برقم (720) وقال المحقق: اسناده صحيح)،
وقد رأى معاوية وأنصاره أنهم على الحق بناء على ذلك، وأنهم على الهدى وخصوصاً عندما نعلم أن المنافقين الثائرين على عثمان كانوا في جيش علي فاعتبروهم على ضلال فاستحلّوا قتالهم متأولين.
إضافة إلى أن أنصار معاوية يقولون لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا ونحن إذا بايعنا علياً ظلمنا عسكره كما ظلم عثمان وعلي عاجز عن العدل علينا وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا (راجع منهاج السنة جـ4 ص (384)).
ويقولون أيضاً أن جيش علي فيه قتلة عثمان وهم ظلمة يريدون الاعتداء علينا كما اعتدوا على عثمان فنحن نقاتلهم دفعاً لصيالهم علينا وعلى ذلك فقتالهم جائز ولم نبدأهم بالقتال ولكنهم بدءونا بالقتال.

و كان معاوية يقاتل في ظنه دفاعاً عن الحق وعن دم عثمان المهدور و لم يكن ممن تأخذه العزة بالإثم. فعندما قتل عثمان و بويع علي كتب معاوية إلى علي أن عثمان ابن عمي قد قتل ظلماً وأنا وكيله و الله يقول { و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليِّهِ سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً }(الإسراء:33) فأرسل إلي قتلة عثمان أقتص منهم. و كان علي يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك. ثم يطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة و أبى أن يبايع علياً هو و أهل الشام. فكان أن جعل الله لمعاوية سلطاناً و جعله منصوراً كما وعد. و لم يعترض معاوية و لا أحد من المسلمين على أحقية علي بالخلافة و إنما أقصر بعضهم عن بيعته لرغبتهم في أن يثأر من قتلة عثمان أولاً كما أسلفنا من قبل. و كان طريقهم الحق و الاجتهاد و لم يكونو في محاربتهم لغرض دنيوي أو لإيثار باطل أو لاستشعار حقد كما قد يتوهمه متوهم و ينزع اليه ملحد و إنما اختلف اجتهادهم في الحق و قد روى البخاري: { إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَ إِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ }.
و من المسلم عند كل من اطلع على مذهب الإمامية يعلم أنهم يكفرون معاوية لقتاله علياً و لكن الثابت أن الحسن بن علي ـ وهو من الأئمة المعصومين عنـدهـم ـ قد صالح (باعتراف التيجاني راجع ثم اهتديت ص (171)) معـاوية و بايعـه علـى الخـلافة فهل صـالح الحسن ( المعصوم ) كافر و سلّم له بالخـلافة؟! أم أصلـح بين فئتـين مسلمتين كمـا قـال النـبي صلى الله عليه وسلم ( ابـني هـذا سيـد، و لعـل اللـه يصـلح به بين فئتين من المسلمين ) (البخاري كتاب الفتن برقم (6629) جـ6.).

وأخيراً ـ إذا لم يقتنع الرافضة بذلك فسنضطر لكي نستقي من مصادر الإثني عشرية ما يثبت أن علي ومعاوية على حق ومأجورين على اجتهادهما فقد ذكر الكليني في كتابـه ( الروضة من الكافي ) ـ و هو أهم كتاب في أصول وفروع مذهب الإثني عشرية ـ عن محمـد بن يحيى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (( اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم، قلت: وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن علياً وشيعته هم الفائزون، وقال: وينادي مناد في آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون ))(روضة الكافي ص (177) جـ8).
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/معاوية بن أبي سفيان

روايات في فضائل معاوية رضي الله عنه

إن معاوية رضي الله عنه كان من كتاب الوحي ، و من أفضل الصحابة و أصدقهم لهجة و أكثرهم حلماً فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي و يهرق دماء المسلمين من أجل ملك زائل ، و هو القائل : والله لا أخير بين أمرين ، بين الله و بين غيره إلا اخترت الله على سواه .[15]

و روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه ، فقالوا كيف يتولى معاوية و في الناس من هو خير مثل الحسن و الحسين . قال عمير و هو أحد الصحابة : لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اجعله هادياً مهدياً و اهد به .[16]
و أخرج الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم علِّم معاوية الكتاب و قِهِ العذاب .[17]

و أخرج أبو داود و البخاري في الأدب المفرد من طريق أبي مجلز قال : خرج معاوية على ابن الزبير و ابن عامر ، فقام ابن عامر و جلس ابن الزبير ، فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار .[18]

و أخرج ابن كثير في البداية والنهاية بسند صحيح ، أن معاوية رضي الله عنه ، كان إذا لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : مرحباً بابن رسول الله وأهلاً ، و يأمر له بثلاثمائة ألف ، و يلقى ابن الزبير رضي الله عنه فيقول : مرحباً بابن عمة رسول الله وابن حواريه ، ويأمر له بمئة ألف .[19]
و أخرج الآجري عن الزهري قال : لما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه و جاء الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى معاوية ، فقال له معاوية : لو لم يكن لك فضل على يزيد إلا أن أمك من قريش و أمه امرأة من كلب ، لكان لك عليه فضل ، فكيف و أمك فاطمة بنت رسول صلى الله عليه وسلم ؟! . [20]
و الذين لا يعرفون سيرة معاوية يستغربون إذا قلت لهم بأنه كان من الزاهدين و الصفوة الصالحين ، روى الإمام أحمد بسنده إلى علي بن أبي حملة عن أبيه قال : رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس و عليه ثوب مرقوع . [21]

و أخرج ابن كثير عن يونس بن ميسر الزاهد - و هو أحد شيوخ الإمام الأوزاعي - قال : رأيت معاوية في سوق دمشق و هو مردف وراءه وصيفاً و عليه قميص مرقوع الجيب و يسير في أسواق دمشق . [22]
و قد أوردت هذه الأمثلة ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية تخالف الصورة المكذوبة التي كان أعداؤه و أعداء الإسلام يصورونه بها ، فمن شاء بعد هذا أن يسمي معاوية خليفة ، أو أمير المؤمنين ، فإن سليمان بن مهران - الأعمش - و هو من الأئمة الأعلام الحفاظ كان يسمى بالمصحف لصدقه ، كاد يفضل معاوية على عمر بن عبد العزيز حتى في عدله . و من لم يملأ - أمير المؤمنين - معاوية عينه ، و أراد أن يضن عليه بهذا اللقب ، فإن معاوية مضى إلى الله عز وجل بعدله و حلمه و جهاده و صالح عمله ، وكان و هو في دنيانا لا يبالي أن يلقب بالخليفة أو الملك . [23]

و ذكر ابن العربي في كتابه العواصم أنه دخل بغداد و أقام فيها زمن العباسيين و المعروف أن بين بني العباس و بني أمية ما لا يخفى على الناس ، فوجد مكتوباً على أبواب مساجدها خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين . [24]
و قد سئل عبد الله بن المبارك ، أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان ، أم عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة ، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد . فما بعد هذا؟[25]

و أخرج الآجري بسنده إلى الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً و قال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه و صاحبه و صهره و أمينه على وحيه عز وجل . [26]

و كذلك أخرج الآجري بسنده إلى أبو أسامة ، قيل له : أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد . [27]

فوائد ..
قال محب الدين الخطيب رحمه الله : سألني مرة أحد شباب المسلمين ممن يحسن الظن برأيي في الرجال ما تقول في معاوية ؟ فقلت له : و من أنا حتى اسأل عن عظيم من عظماء هذه الأمة ، و صاحب من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، إنه مصباح من مصابيح الإسلام ، لكن هذا المصباح سطع إلى جانب أربع شموس ملأت الدنيا بأنوارها فغلبت أنوارها على نوره . [28]

و قبل أن أختم ، أورد رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون في اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال : إن دولة معاوية و أخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين و أخبارهم ، فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة . [29]

و ما ضر المسك – معاوية – عطره ، أن مات من شمه الزبال والجعل. رغم أنف من أبى.

المصدر :الشبكة الإسلامية

الهوامش:
[15] سير أعلام النبلاء للذهبي (3/151).

[16] رواه الإمام أحمد في المسند (4/216) و صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/236) . و زاد الآجري في كتاب الشريعة لفظة : ولا تعذبه . كتاب الشريعة للآجري (5/2436-2437) إسناده صحيح .

[17] فضائل الصحابة (2/913) إسناده حسن .

[18] سنن أبي داود (5/398) و الأدب المفرد (ص339)، الشريعة للآجري (5/2464) .

[19] البداية والنهاية (8/137) .

[20] إنظر كتاب الشريعة (5/2469-2470) إسناده حسن .

[21] كتاب الزهد (ص172) .

[22] البداية و النهاية (8/134) .

[23] انظر حاشية محب الدين الخطيب على العواصم من القواصم (ص217) .

[24] العواصم من القواصم (ص229-230) .

[25] وفيات الأعيان، لابن خلكان (3 /33)، و بلفظ قريب منه عند الآجري في كتابه الشريعة (5/2466) .

[26] كتاب الشريعة للآجري ( 5/2466-2467) شرح السنة لللالكائي، برقم (2785) . بسند صحيح .

[27] كتاب الشريعة (5/2465-2466) بسند صحيح، و كذلك أخرج نحوه الخلال في السنة، برقم (666) .

[28] حاشية محب الدين الخطيب على كتاب العواصم من القواصم ( ص95)

[29] إنظر هذا القول في العواصم من القواصم ( ص213) .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: الخليفة معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنهما اول ملوك الاسلام وخيرهم على الاطلاق

انا اساند راي عالم الاجتماع ابن خلدون رحمه الله في اخر الموضوع
فهو من حيث صحبة الرسول يستحق ان يكون خليفة رسول الله الراشد الخامس اولوية على الخليفة عمر بن عبد العزيز
فدرجة الصحابي لا تعوضها الا صحبة الرسول
بغض النظر على قوة الايمان
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
قصة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه

قصة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه*

قال خالد بن الوليد:
لما أراد الله بي ما أراد من الخير، قذف في قلبي الإسلام، وحضرني رشدي، فقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمّد صلى الله عليه وسلم، فليس في موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أنّي مُوْضَعٌ في غير شيء، وأن محمّدًا سيظهر، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية خرجت في خيل من المشركين، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعسفان (موضع بين الجحفة ومكة)، فقمت بإزائه وتعرضت له، فاعتزَلَنا وعَدَل عن سَنَنِ خيلنا، وأخذ ذات اليمين، فلما صالح قريشا بالحديبية، ودافعته قريش بالرّاح، قلت في نفسي: أي شيء بقي؟ أين المذهب؟ إلى النّجاشي؟ فقد اتّبع محمّدًا، وأصحابه عنده آمنون. فأخرج إلى هرقل؟ فأخرج من ديني إلى نصرانيّة أو يهوديّة، فأقيم في عجم تابعًا، فأقيم في داري فيمن بقي؟ فأنا في ذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضيّة، فتغيّبت ولم أشهد دخوله، وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلم في عمرة القضية، فطلبني فلم يجدني، فكتب إلي كتابًا، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلُكَ عقلُكَ! ومثل الإسلام جهله أحد؟! وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك، وقال:"أين خالد؟" فقلت: يأتي الله به. فقال:" ما مثله جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجِدَّهُ مع المسلمين لكان خيرا له، ولقدّمناه على غيره ". فاستدركْ يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة.

قال: فلمّا جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرّني سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنّي. وأرى في النّوم كأنّي في بلاد ضيقة مجدبة، فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة، فقلت: إنّ هذه لرؤيا. فلمّا أن قدمت المدينة قلت: لأذكرنّها لأبي بكر.فقال: مخرجك الذى هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشّرك.
قال: فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: من أصاحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلقيت صفوان بن أميّة، فقلت: يا أبا وهب، أما ترى ما نحن فيه، إنما نحن كأضراس، وقد ظهر محمّد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمّد واتبعناه، فإن شرف محمد لنا شرف. فأبى أشدّ الإباء، فقال: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبدا. فافترقنا، وقلت: هذا رجل قتل أخوه وأبوه ببدر. فلقيت عكرمة بن أبي جهل، فقلت له مثل ما قلت لصفوان بن أميّة، فقال لي مثل ما قال صفوان بن أمية، قلت: فاكتم عليّ. قال: لا أذكره. فخرجت إلى منزلي، فأمرت براحلتي، فخرجت بها إلى أن لقيتُ عثمان بن طلحة، فقلت: إنّ هذا لي صديق، فلو ذكرت له ما أرجو. ثمّ ذكرت من قتل من آبائه، فكرهت أن أذكّره، ثمّ قلت: وما عليّ وأنا راحل من ساعتي. فذكرت له ما صار الأمر إليه، فقلت: إنّما نحن بمنزلة ثعلب في جحر، لو صبّ فيه ذنوب من ماء لخرج. وقلت له نحوًا ممّا قلت لصاحبيّ، فأسرع الإجابة، وقلت له: إني غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو، وهذه راحلتي بفجّ مناخة. قال: فاتعدت أنا وهو يأجج (واد قريب من التنعيم يصب في مر الظهران)، إن سبقني أقام، وإن سبقته أقمت عليه. قال: فأدلجنا سحرًا، فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج، فغدونا حتّى انتهينا إلى الهدّة، فوجدنا عمرو بن العاص بها فقال: مرحبا بالقوم، فقلنا: وبك. فقال: إلى أين مسيركم؟ فقلنا: وما أخرجك. فقال: وما أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإسلام واتباع محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قال: وذاك الذي أقدمني. فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة، فأنخنا بظهر الحرّة ركائِبَنا، فأُخبرَ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسرَّ بنا، فلبست من صالح ثيابي، ثمّ عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني أخي، فقال: أسرع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بك، فسر بقدومك، وهو ينتظركم. فأسرعنا المشي، فاطلعت عليه، فما زال يتبسّم إليّ حتّى وقفت عليه، فسلّمت عليه بالنّبوّة، فردّ عليّ السّلام بوجه طلق، فقلت: إنّي أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله. فقال:" تعال". ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير". قلت: يا رسول الله، إنّي قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندا للحق، فادع الله أن يغفرها لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله". قلت: يا رسول الله، على ذلك. قال:" اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صَدٍّ عن سبيلك ". قال خالد: وتقدم عثمانُ وعمرٌو فبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وكان قدومنا في صفر سنة ثمان.
قال: والله ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعدل بي أحدًا من أصحابه فيما حَزَبَهُ.

(من البداية والنهاية بتصرف يسير).
* مقتطعة من مقالة لموسى أبو دويح في موقع رابطة أدباء الشام
 
سلسلة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم/مصعب بن عمير

مصعب بن عمير رضي الله عنه


هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث ..
غرّة فتيان قريش, وأوفاهم جمالا, وشبابا..
يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..
ولد في النعمة, وغذيّ بها, وشبّ تحت خمائلها.
ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به " مصعب بن عمير"..
ذلك الفتر الريّان, المدلل المنعّم, حديث حسان مكة, ولؤلؤة ندواتها ومجالسها, أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء..؟
بالله ما أروعه من نبأ .. نبأ "مصعب بن عمير", أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.
إنه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام وربّاهم " محمد " عليه الصلاة والسلام..
ولكن أي واحد كان..؟
إن قصة حياته لشرف لبني الإنسان جميعاً..

لقد سمع الفتى ذات يوم, ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم ..
"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا ، وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد.

وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها, ولا حديث يشغلها إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه, كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.
ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه, زينة المجالس والندوات, تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها, ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..

ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه, يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في دار "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد, ولا التلبث والانتظار, بل صحب نفسه ذات مساء إلى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...
هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن , ويصلي معهم لله العليّ القدير.

ولم يكد مصعب يأخذ مكانه, وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه, ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة, حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!
ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه, وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج, والفؤاد المتوثب, فكانت السكينة العميقة عمق المحيط .. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنّه وعمره, ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!

كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها, وكانت تهاب الى حد الرهبة..
ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى أمه !!
فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها, استحالت هولا يقارعه ويصارعه, لاستخف به مصعب إلى حين..
أما خصومة أمه, فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!
ولقد فكر سريعا, وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمرا ، وظل يتردد على دار الأرقم, ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو قرير العين بإيمانه, وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه خبرا..

ولكن مكة في تلك الأيام بالذات, لا يخفى فيها سر, فعيون قريش وآذانها على كل طريق, ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهية, الواشية..
ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقم .. ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم, فسابق ريح الصحراء وزوابعها, شاخصا إلى أم مصعب, حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...

ووقف مصعب أمام أمه, وعشيرته, وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته, القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم, ويملؤها به حكمة وشرفا, وعدلا وتقى ، وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية, ولكن اليد التي امتدت كالسهم, ما لبثت أن استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام, وهدوءا يفرض الإقناع..
ولكن إذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى , فإن في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..
وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها, وحبسته فيه, وأحكمت عليه إغلاقه, وظل رهين محبسه ذاك, حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة, فاحتال لنفسه حين سمع النبأ, وغافل أمه وحراسه, ومضى إلى الحبشة مهاجراً أوّابا..

ولسوف يمكث بالحبشة مع إخوانه المهاجرين, ثم يعود معهم الى مكة, ثم يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة, فان تجربة إيمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان, ولقد فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار, واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى, وخالقها العظيم..

خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله, فما أن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..
ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا, وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه, حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة, وألقا وعطراً..
وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة, شاكرة محبة, وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة, وقال:
" لقد رأيت مصعبا هذا, وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه, ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!

لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها, حتى ولو يكون هذا الإنسان ابنها..!!
ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..
وإنها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم, فودعته باكية, وودعها باكيا..
وكشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن .. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: " اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا " اقترب منها وقال: " يا أمّه إني لك ناصح, وعليك شفوق, فاشهدي بأنه لا اله الا الله, وأن محمدا عبده ورسوله"...
أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب, لا أدخل في دينك, فيزرى برأيي, ويضعف عقلي"..!!
وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر, لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب, يأكل يوما, ويجوع أياما ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة, والمتألقة بنور الله, كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...

وآنئذ, اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره الى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله , ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..
كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها, وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير, وهو يعلم أنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة, ويلقي بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة, ومنطلق الدعوة والدعاة, والمبشرين والغزاة, بعد حين من الزمان قريب..
وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق, ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه وإخلاصه, فدخلوا في دين الله أفواجا..

لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة, ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!
وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم " مصعب بن عمير ".
لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..
فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها وعرف أنه داعية الى الله تعالى, ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس الى الهدى, وإلى صراط مستقيم ، وأنه كرسوله الذي آمن به, ليس عليه إلا البلاغ..

هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس, تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه, هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله { انما الله اله واحد }..
ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه, لولا فطنة عقله, وعظمة روحه..

ذات يوم فاجأه وهو يعظ الانس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة, فاجأه شاهرا حربته ويتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم, ويحدثهم عن إله واحد لم يعرفوه من قبل, ولم يألفوه من قبل..!
إن آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها وإذا احتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها, فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..

أما إله محمد الذي يدعوهم إليه باسمه هذا السفير الوافد إليهم, فما أحد يعرف مكانه, ولا أحد يستطيع أن يراه..!!
وما أن رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي, وثورته المتحفزة, حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا, متهللا..
وقف اسيد أمامه مهتاجا, وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:
"ما جاء بكما الى حيّنا, تسفهان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا, اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!
وفي مثل هدوء البحر وقوته..
وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:
" أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره ".

الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!

كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره, فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع, تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم, وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..
هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت .. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي ..
ولم يكد مصعب يقرأ القرآن, ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم, وتكتسي بجماله..!!
ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:
"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين "..؟؟
وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا, ثم قال له مصعب:
" يطهر ثوبه وبدنه, ويشهد أن لا اله الا الله ".
فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه, ووقف يعلن أن لا اله الا الله, وأن محمدا رسول الله..
وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع, وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة, وتمت بإسلامهم النعمة, وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير, وسعد ابن معاذ, وسعد بن عبادة قد أسلموا, ففيم تخلفنا..؟ هيا الى مصعب, فلنؤمن معه, فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!
**

لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحا هو له أهل, وبه جدير..
وتمضي الأيام والأعوام, ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة, وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها, لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر, فيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون الى الثأر, و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم, ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية.. ويدعو مصعب الخير, فيتقدم ويحمل اللواء..
وتشب المعركة الرهيبة, ويحتدم القتال, ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام, ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين, لكن عملهم هذا, سرعان ما يحوّل نصر المسلمين الى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل, وتعمل فيهم على حين غرّة, السيوف الظامئة المجنونة..
حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين, ركزوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..
وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر, فرفع اللواء عاليا, وأطلق تكبيرة كالزئير, ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه, وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل, ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..
يد تحمل الراية في تقديس..
ويد تضرب بالسيف في عنفوان..
ولكن الأعداء يتكاثرون عليه, يريدون أن يعبروا فوق جثته إلى حيث يلقون الرسول..

لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!
يقول ابن سعد: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري, عن أبيه قال: [حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد, فلما جال المسلمون ثبت به مصعب, فأقبل ابن قميئة وهو فارس, فضربه على يده اليمنى فقطعها, ومصعب يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..
وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه, فضرب يده اليسرى فقطعها, فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره وهو يقول : وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..
ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح, ووقع مصعب, وسقط اللواء.
وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!
وقع حلية الشهادة, وكوكب الشهداء..!!
وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان..
كان يظن أنه اذا سقط, فسيصبح طريق القتلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..
ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:
{ وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل }
هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها, ويكملها, ويجعلها, قرآنا يتلى..

وبعد انتهاء المعركة المريرة, وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا, وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..
لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء, فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!
أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله, وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!
لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!
**
وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..
وعند جثمان مصعب, سالت دموع وفيّة غزيرة..
يقول خبّاب بن الأرت:
[هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل اله, نبتغي وجه الله, فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى, ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا, منهم مصعب بن عمير, قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة.. فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه, واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه, فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
اجعلوها مما يلي رأسه, واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر ...
وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة, وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام, وأوجع فؤاده..
وعلى الرغم من امتلاء أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..
على الرغم من كل هذا, فقد وقف على جثمان أول سفرائه, يودعه وينعاه..
أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما :
{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }.

ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي دفن بها وقال لقد رأيتك بمكة وما بها أرق حلة ولا أحسن لمّة منك ثم ها أنت ذا شعث الرأس في بردة..؟!
وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:
" ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة ".
ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:
" أيها الناس زوروهم, وأتوهم, وسلموا عليهم, فوالذي نفسي بيده, لا يسلم عليهم مسلم إلى يوم القيامة, إلا ردوا عليه السلام "..
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
سلسلة من صحابه الرسول صلى الله عليه وسلم/أبو موسى الأشعري

أبو موسى الأشعري رضي الله عنه*

نسبه :
هو - عبد الله بن قيس بن سليم ، الإمام الكبير. صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم. أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المقرئ... أقرأ أهل البصرة ، وأفقههم في الدين.

وصفه :
قال حسين المعلم : سمعت ابن بريدة يقول : كان الأشعري قصيراً ، أثط – قليل شعر اللحية - خفيف الجسم

صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم :
وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذاً على زبيد ، وعدن- ايضا قدم ابو موسي الاشعري ليالي فتح خيبر وغزا ، وجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وحمل عنه علماً كثيراً.

- عن أبي موسى ، قال : خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي ، ونحن ثلاثة إخوة ، أنا وأبو رهم ، وأبو عامر : فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي ، وعنده جعفر وأصحابه ، فاقبلنا حين افتتحت خيبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لكم الهجرة مرتين ، هاجرتم إلى النجاشي ، وهاجرتم إلي ).
كما انه يعتبر من ضمن الاشخاص الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم. .. ففي (الصحيحين) ، عن أبي بردة أبي موسى ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً )...

- عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقدم عليكم غداً قوم هم أرق قلوباً للإسلام منكم ) فقدم الأشعريون ، فلما دنوا جعلوا يرتجزون:
غداً نلقى الأحبة ****** محمد وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا ، فكانوا أول من أحدث المصافحة.

- عن عياض الأشعري ، قال : لما نزلت { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } (المائدة 57). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هم قومك يا أبا موسى ، وأومأ إليه ).

دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له :
عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين ، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس ، فلقي دريد بن الصمة. فقتل دريد ، وهزم أصحابه ، فرمى رجل أبا عامر في ركبته بسهم ، فأثبته. فقلت: يا عم ، من رماك ؟ فأشار إليه ، فقصدت له ، فلحقته ، فلما رآني ، ولي ذاهباً. فجعلت أقول له : ألا تستحي ؟ ألست عربياً ؟ ألا تثبت ؟ قال : فكف ، فالتقيت أنا وهو ، فاختلفنا ضربتين ، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر ، فقلت : قد قتل الله صاحبك. قال : فانزع هذا السهم. فنزعته ، فنزا منه الماء. فقال : ابن أخي ، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقره مني السلام ، وقل له : يستغفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس ، فمكث يسيراً ، ثم مات. فلما قدمنا ، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ، توضأ ، ثم رفع يديه ، ثم قال : ( اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ) حتى رأيت بياض إبطيه. ثم قال : ( اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك ). فقلت : ولي يا رسول الله ؟ فقال : ( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً ).

- عن أبي موسى ، قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ، فأتى أعرابي فقال : ألا تنجز لي ما وعدتني ؟ قال : ( أبشر ). قال : قد أكثرتَ من البشرى. فأقبل رسول الله علي وعلى بلال ، فقال : ( إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما ) : فقالا : قبلنا يا رسول الله. فدعا بقدح ، فغسل يديه ووجهه فيه ، ومج فيه ، ثم قال : ( اشربا منه ، وأفرغا على رؤوسكما ونحوركما ) ففعلا ! فنادت أم سلمة من وراء الستر أن فضّلا لأمكما ، فأفضلا لها منه.

ـ عن أبي بريدة ، عن أبيه ، قال : خرجت ليلة من المسجد ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد قائم ، وإذ رجل يصلي ، فقال لي : ( يا بريدة أتراه يرائي ) ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال: ( بل هو مؤمن منيب ، لقد أعطي مزماراً من مزامير آل داود ). فأتيته ، فإذا أبو موسى ، فأخبرته.

- عن مالك بن مغول : حدثنا ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، وأنا على باب المسجد ، فأخذ بيدي فأدخلني المسجد ، فإذا رجل يصلي ، يدعو ، يقول : اللهم ، إني أسالك ، بأني أشهد أنك الله ، لا إله إلا أنت الأحد الصمد ،الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد. قال : ( والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي أجاب ). وإذا رجل يقرأ ، فقال : ( لقد أعطى هذا مزماراً من مزامير آل داود ). قلت : يا رسول الله ، أخبره ؟
قال : ( نعم ). فأخبرته. فقال لي :( لا تزال صديقاً ). وإذا هو أبو موسى.

- عن أنس : أن أبا موسى قرأ ليلة ، فقمن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن لقراءته. فلما أصبح ، أخبر بذلك. فقال : لو علمت ، لحبرت تجبيراً ، ولشوقت تشويقاً.

أبو موسى الأشعري في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
ولي إمارة الكوفة لعمر ، وإمارة البصرة
*وقد قال العجلي عنه: بعثه عمر أميراً على البصرة ، فأقرأهم وفقههم
* عن أنس : بعثني الأشعري إلى عمر ، فقال لي : كيف تركت الأشعري ؟ قلت : تركته يعلم الناس القرآن. فقال : أما إنه كيس ! ولا تسمعها إياه.
* عن أبي سلمة : كان عمر إذا جلس عنده موسى ، ربما قال له : ذكرنا يا أباموسى فيقرأ.

عدله وعلمه :
* عن أبي البختري ، قال : أتينا علياً ، فسألناه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال : عن أيهم تسألوني ؟ قلنا : عن ابن مسعود. قال : علم القرآن والسنة ، ثم انتهي ، وكفى به علماً. قلنا : أبو موسى ؟ قال : صبغ في العلم صبغة ، ثم خرج منه. قلنا : حذيفة ؟ قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا : سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول ، والعلم الآخر ، بحر لا يدرك قعره ، وهو منا أهل البيت. قالوا : أبو ذر ؟ قال : وعي علماً عجز عنه. فسئل عن نفسه. قال: كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت.

* وقال مسروق : كان القضاء في الصحابة إلى ستة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي ، وزيد ، وأبي موسى.
* عن صفو
ان بن سليم ، قال : لم يكن يفتي في المسجد زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غير هؤلاء : عمر وعلي ، ومعاذ وأبي موسى.

شهادة الصحابة بحسن صوته :
لم يكن في الصحابة أحد أحسن صوتاً منه
* قال سعيد بن عبد العزيز : حدثني أبو يوسف ، حاجب معاوية : أن أبا موسى الأشعري قدم على معاوية ، فنزل في بعض الدور بدمشق ، فخرج معاوية في الليل ليستمع قراءته.

* قال أبو عثمان النهدي : ما سمعت مزماراً ولا طنبوراً ولا صنجاً أحسن من صوت أبي موسى الأشعري ، إن كان ليصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة ، من حسن صوته.

* عن مسروق ، قال : خرجنا مع أبي موسى في غزاة ، فجننا الليل في بستان خرب ، فقام أبو موسى يصلي ، وقرأ قراءة حسنة.

وفاته :
* روى صالح بن موسى الطلحي ، عن أبيه ، قال : اجتهد الأشعري قبل موته اجتهاداً شديداً ، فقيل له : لو أمسكت ورفقت بنفسك ؟ قال : إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها ، أخرجت جميع ما عندها ، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.
* توفي سنة اثنتين وأربعين

لقد كان أبو موسى صواماً قواماً ربانياً زاهداً عابداً ، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر ، لم تغيره الإمارة ، ولا اغتر بالدنيا ، رحمه الله وغفر له وجمعنا الله به في جنات النعيم

*من كتاب ( رجال حول الرسول ) خالد محمد خالد
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

أبو أيوب الأنصاري​


هذا الصحابي الجليل يدعى خالد بن زيد بن كليب من بني النجار ... ولقد رفع الله في الخافقين ذكره ، وأعلى في الأنام قدره حين اختار بيته من دون بيوت المسلمين جميعا لينزل فيه النبي الكريم لما حل في المدينة مهاجرا وحسبه بذلك فخراً .. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغ المدينة تلقته أفئدة أهلها بأكرم ما يتلقى به وافد ، وتطلعت إليه عيونهم تبثه شوق الحبيب إلى حبيبه ، وفتحوا له قلوبهم ليحل منها في السويداء ، وأشرعوا له أبواب بيوتهم لينزل فيها أعز منزل ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى في قباء من ضواحي المدينة أياما أربعة ، بنى خلالها مسجده الذي هو أول مسجد أسس على التقوى ، ثم خرج منها راكبا ناقته ، فوقف سادات يثرب في طريقها ، كل يريد أن يظفر بشرف نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهم : دعوها فإنها مأمورة ، وتظل الناقة تمضي إلى غايتها تتبعها العيون وتحف بها القلوب ن وما زالت الناقة على حالها هذه ، والناس يمضون في إثرها ، وهم متلهفون شوقا لمعرفة السعيد المحظوظ حتى بلغت ساحة خلاء أمام بيت أبي أيوب الأنصاري وبركت فيها ، عند ذلك غمرت الفرحة فؤاد أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، وبادر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يرحب به ، وحمل متاعه بين يديه ، وكأنما يحمل كنوز الدنيا كلها ومضى به إلى بيته.
كان منزل أبي أيوب يتألف من طبقة فوقها علية ، فأخلى العلية من متاعه ومتاع أهله لينزل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم آثر عليها الطبقة السفلى ، فامتثل أبو أيوب لأمره ، وأنزله حيث أحب ، ولما أقبل الليل ، وأوى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى فراشه ، صعد أبو أيوب وزوجه إلى العلية وما إن أغلقا عليهما بابهما حتى التفت أبو أيوب إلى زوجته وقال :
ويحك ، ماذا صنعنا ، أيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل ، ونحن أعلى منه ؟! أنمشي فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! أنصير بين النبي والوحي ؟! إنا إذا لهالكون ، وسقط في أيدي الزوجين وهما لا يدريان ما يفعلان .. ولم تسكن نفساهما بعض السكون إلا حين انحازا إلى جانب العلية الذي لا يقع فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتزماه لا يبرحانه إلا ماشيين على الأطراف متباعدين عن الوسط ، فلما أصبح أبو أيوب قال للنبي صلى الله عليه وسلم : والله ما أغمض لنا جفن في هذه الليلة لا أنا ولا أم أيوب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ومم ذاك يا أبو أيوب ؟
قال : ذكرت أني على ظهر بيت أنت تحته ، وإني إذا تحركت تناثر عليك الغبار فآذاك ، ثم إني غدوت بينك وبين الوحي ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : هون عليك يا أبا ايوب ، إنه أرفق بنا أن نكون في الأسفل ، لكثرة من يغشانا من الناس .
قال أبو أيوب : فامتثلت لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن كانت ليلة باردة فانكسرت جرة لنا واريق ماؤها في العلية ، فقمت إلى الماء أنا وأم أيوب ، وليس لدينا إلا قطيفة كنا نتخذها لحافا ، وجعلنا ننشف بها الماء خوفا من أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان الصباح غدوت على الرسول صلى الله عليه وسلم وقلت : بأمي أنت وأمي ، إني أكره أن أكون فوقك ، وأن تكون أسفل مني ، ثم قصصت عليه خبر الجرة ، فاستجاب لي ، وصعد إلى العلية ، ونزلت أنا وأم أيوب إلى أسفل .

أقام النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب نحوا من سبعة أشهر ، حتى بناء مسجده في الأرض الخلاء التي بركت فيها الناقة ، فانتقل إلى الحجرات التي أقيمت حول المسجد له ولأزواجه ، فغدا جارا لأبي أيوب ، أكرم بهما من متجاورين.

حدث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : خرج أبو بكر رضي الله عنه بالهاجرة (نصف النهار) ، إلى المسجد فرأى عمر رضي الله عنه ، فقال : يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة ؟
قال: ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع ، فقال عمر : وأنا والله ما أخرجني غير ذلك .. فيبنما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما أخرجكما هذه الساعة ؟ قالا : والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من شدة الجوع ، قال عليه السلام : وأنا - والذي نفسي بيده - ما أخرجني غير ذلك ، قوما معي ، فانطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم طعام ، فإذا أبطأ عنه ولم يأت عليه في حينه أطعمه لأهله ... فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب ، وقالت : مرحبا بنبي الله ومن معه ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أين أبو أيوب ؟ فسمع ابو أيوب صوت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعمل في نخل قريب له ، فأقبل يسرع وهو يقول : مرحبا برسول الله وبمن معه ، ثم اتبع قائلا : يا نبي الله ليس هذا بالوقت الذي كنت تجيء فيه ، فقال صلى الله عليه وسلم : صدقت ، ثم انطلق أبو أيوب إلى نخيله فقطع منه عذقا فيه تمر ورطب وبسر .. فقال صلى الله عليه وسلم : ما أردت أن تقطع هذا ، ألا جنيت لنا من تمره ؟ قال : يا رسول الله أحببت أن تأكل من تمره ورطبه وبسره ، ولأذبحن لك أيضا ، قال : إن ذبحت فلا تذبحن ذا لبن ، فأخذ أبو أيوب جديا فذبحه ، ثم قال لأمرأته : اعجني واخبزي لنا ، وأنت أعلم بالخبز ، ثم أخذ نصف الجدي فطبخه ، وعمد إلى نصفه الثاني فشواه ، فلما نضج الطعام ووضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قطعة من الجدي ووضعها في رغيف وقال : يا أبو أيوب بادر بهذه القطعة إلى فاطمة ، فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام ، فلما اكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم : خبز، ولحم ، وتمر، وبسر، ورطب ... ودمعت عيناه ثم قال : والذي نفسي بيده إن هذا هو النعيم الذي تسالون عنه يوم القيامة ، فإذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فيه فقولوا : بسم الله ، فإذا شبعتم فقولوا : الحمد لله الذي هو أشبعنا وأنعم علينا فأفضل ..

ولقد عاش أبو أيوب رضي الله عنه طول حياته غازياً ، وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية رضي الله عنه جيشا بقيادة ابنه يزيد ، لفتح القسطنطينية وكان أبو أيوب آنذاك شيخا طاعنا في السن يحبو نحو الثمانين من عمره فلم يمنعه ذلك من أن ينضوي تحت لواء يزيد وان يمخر عباب البحر غازياً في سبيل الله .. لكنه لم يمض غير قليل على منازلة العدو حتى مرض أبو أيوب مرضا أقعده عن مواصلة القتال ، فجاء يزيد ليعوده وسأله : ألك من حاجة يا أبا أيوب ؟
فقال : اقرأ عني السلام على جنود المسلمين ، وقل لهم : يوصيكم أبو أيوب أن توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية ، وأن تحملوه معكم ، وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية ، ولفظ أنفاسه الطاهرة ..

استجاب جند المسلمين لرغبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكروا على جند العدو الكرة بعد الكرة حتى بلغوا أسوار القسطنطينة وهم يحملون أبا أيوب معهم .. وهناك حفروا له قبرا وواروه فيه ..
رحم الله أبا أيوب الأنصاري ، فقد أبى إلا أن يموت على ظهور الجياد الصافنات غازياً في سبيل الله وسنه تقارب الثمانين.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

أم سلمة رضي الله عنه​
ا



أم سلمة ، وما أدراك ما أم سلمة؟ أما أبوها فسيد من سادات مخزوم المرقومين ، وجواد من أجواد العرب المعدودين ، وأما زوجها فعبد الله بن عبد الأسد أحد العشرة السابقين إلى الإسلام.
أسلمت (هند) أم سلمة مع زوجها فكانت هي الأخرى من السابقات إلى الإسلام أيضا ، وما إن شاع نبأ إسلام أم سلمة وزوجها حتى هاجت قريش وماجت ، وجعلت تصب عليهما من نكالها ، فلم يضعفا ولم يهنا .. ولما اشتد عليهما الأذى وأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة كانا في طليعة المهاجرين ، وعلى الرغم مما لقيته أم سلمة وصحبها من حماية النجاشي نضر الله في الجنة وجهه ، فقد كان الشوق إلى مكة مهبط الوحي ، والحنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد أشواقها وزوجها لهبا.
ثم تتباعت الأخبار على المهاجرين إلى أرض الحبشة بأن المسلمين في مكة قد كثر عددهم ، وأن إسلام حمزة بن عبد المطلب ن وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم قد شد من أزرهم ، وكف شيئا من أذى قريش عنهم ، فعزم فريق منهم على العودة إلى مكة يحدوهم الشوق ويدعوهم الحنين ، فكانت أم سلمة وزوجها في طليعة العائدين ، لكن سرعان ما اكتشف العائدون أن ما نمي إليهم من أخبار كان مبالغا فيه ، ولقد تفنن المشركون في تعذيب المسلمين وترويعهم ، فأذاقوهم من بأسهم ما لاعهد لهم من قبل.
عند ذلك أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة ، فعزمت أم سلمة وزوجها على أن يكونا أول المهاجرين فراراً بدينهما وتخلصا من أذى قريش ، لكن هجرة أم سلمة وزوجها لم تكن سهلة ميسرة لهما ، وإنما كانت شاقة مرة خلفت وراءها مأساة تهون دونها كل مأساة.

تقول أم سلمة : لما عزم أبو سلمة على الخروج إلى المدينة أعد لي بعيراً ، ثم حملني عليه ، وجعل طفلنا سلمة في حجري ، ومضى يقود بنا البعير وهو لا يلوي على شيء ، وقبل أن نفصل عن مكة رآنا رجال من قومي بني مخزوم فتصدوا لنا ، وقالوا لأبي سلمة :
إن كنت قد غلبتنا على نفسك ، فما بال امرأتك هذه ؟ وهي بنتنا ، فعلام نتركك تأخذها منا وتسير بها في البلاد؟ ثم وثبوا عليه وانتزعوني منه انتزاعا ، وما إن رآهم قوم زوجي بنو عبدالأسد يأخذونني أنا وطفلي ، حتى غضبوا أشد الغضب ، وقالوا : لا والله لا نترك الولد عند صاحبتكم بعد أن انتزعتموها من صاحبنا انتزاعا .. فهو ابننا ونحن أولى به ، ثم طفقوا يتجاذبون طفلي سلمة بينهم على مشهد مني حتى خلعوا يده وأخذوه، وفي لحظات وجدت نفسي ممزقة الشمل وحيدة فريدة ، فزوجي اتجه إلى المدينة فرارا بدينه وبنفسه وولدي اختطفه بنو عبد الأسد من بين يدي ، أما أنا فقد استولى علي قومي بنو مخزوم ، وجعلوني عندهم ... ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني في ساعة .. ومنذ ذلك اليوم جعلت أخرج كل غداة إلى الأبطح ، فأجلس في المكان الذي شهد مأساتي ، وأستعيد صورة اللحظات التي حيل فيها بيني وبين ولدي وزوجي ، وأظل أبكي حتي يخيم علي الليل .. وبقيت على ذلك سنة أو قريبا من سنة إلى أن مر بي رجل من بني عمي فرق لحالي ورحمني وقال لبني قومي : ألا تطلقون هذه المسكينة ؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها . وما زال بهم يستلين قلوبهم ويستدر عطفهم حتى قالوا لي : إلحقي بزوجك إن شئت ..
ولكن كيف لي أن ألحق بزوجي في المدينة وأترك ولدي فلذة كبدي في مكة عند بني عبد الأسد؟ ورأى بعض الناس ما أعالج من أحزاني وأشجاني فرقت قلوبهم لحالي ، وكلموا بني عبد الأسد في شأني واستعطفوهم علي فردوا لي ولدي سلمة.
لم أشأ أن أتريث في مكة حتى أجد من أسافر معه ، فقد كنت أخشى أن يحدث ما ليس بالحسبان فيعوقني عن اللحاق بزوجي عائق .. لذلك بادرت فأعددت بعيري ، ووضعت ولدي في حجري ، وخرجت متوجهة نحو المدينة أريد زوجي ، وما معي أحد من خلق الله .. وما أن بلغت (التنعيم) حتى لقيت عثمان بن طلحة (وكان حاجب بيت الله في الجاهلية ، أسلم مع خالد بن الوليد وشهد فتح مكة فدفع إليه الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة وكان يوم رافق أم سلمة مشركاً فقال : إلى أين يا بنت زاد الركب (يقصد أبوها).
فقلت : أريد زوجي في المدينة .
قال: أوما معك أحد؟
قلت : لا والله إلا الله ثم بني هذا.
قال : والله لا أتركك أبدا حتى تبلغي المدينة ، ثم أخذ بخطام بعيري وانطلق يهوي بي ... فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أكرم منه ولا أشرف : كان إذا بلغ منزلا من المنازل ينيخ بعيري ، ثم يستاخر عني ، حتى إذا بلغ منزلا من المنازل ينيخ بعيري ، ثم يستأخر عني ، حتى إذا نزلت عن ظهره واستويت على الأرض دنا إليه وحط عنه رحله ، واقتاده إلى شجرة وقيده فيها .. ثم يتنحى عني إلى شجرة أخرى فيضطجع في ظلها . فإن حان الرواح قام إلى بعيري فأعده ، وقدمه لي ، ثم يستأخر عني ويقول : اركبي ، فإذا ركبت ن واستويت على البعير ، أتى فأخذ بخطامه وقاده. وما زال يصنع بي مثل ذلك كل يوم حتى بلفنا المدينة ، فلما نظر إلى قرية بقباء لبني عمرو ابن عوف قال : زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
اجتمع الشمل الشتيت بعد طول افتراق ، وقرت عين أم سلمة بزوجها ، وسعد أبو سلمة بصاحبته وولده ثم طفقت الأحداث تمضي سراعا كلمح البصر ، فهذه بدر يشهدها أبو سلمة ويعود منها مع المسلمين ، وقد انتصروا نصرا مؤزرا .. وهذه أحد ، يخوض غمارها بعد بدر ويبلى فيها أحسن البلاء وأكرمه ، لكنه يخرج منها وقد جرح جرحا بليغا ، فما زال يعالجه حتى بدا له أنه قد اندمل ، لكن الجرح كان قد رم على فساد فما لبث أن انتكأ ولزم أبو سلمة الفراش .. وفيما كان ابو سلمة يعالج من جرحه قال لزوجه :
يا أم سلمة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصيب أحدا مصيبة ، فيسترجع عند ذلك ويقول : اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه ، اللهم أخلفني خيرا منها إلا أعطاه الله عز وجل خيرا منها ..

ظل أبو سلمة على فراش مرضه أياما ، وفي ذات صباح جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعوده ، فلم يكد ينتهي من زياره ويجاوز باب داره ، حتى فارق ابو سلمة الحياة ، فأغمض النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفتين عيني صاحبه ، ورفع طرفه إلى السماء وقال:
اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المقربين .. واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يارب العالمين ، وافسح له في قبره ونور له قبره ، أما أم سلمة فتذكرت ما رواه لها أبو سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :
اللهم عندك احتسب مصيبتي هذه ... لكنها لم تطب نفسها أن تقول : اللهم أخلفني فيها خيرا منها ، لأنها كانت تتساءل ومن عساه أن يكون خيرا من أبي سلمة ؟ لكنها ما لبثت أن أتمت الدعاء ..

حزن المسلمون لمصاب أم سلمة كما لم يحزنوا لمصاب أحد من قبل ، وأطلقوا عليها اسم (أيم العرب) أي المرأة التي فقدت زوجها ، إذ لم يكن لها في المدينة أحد من ذويها غير صبية صغار كزغب القطا.

شعر المهاجرون والأنصار معا بحق أم سلمة عليهم ، فما كادت تنتهي من حدادها على أبي سلمة حتى تقدم منها أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخطبها لنفسه فأبت أن تستجيب لطلبه ، ثم ثقدم منها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فردته كما ردت صاحبه ، ثم تقدم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله ، إن في خلالا ثلاثا : فأنا امرأة شديدة الغيرة ، فأخاف أن ترى مني شيئا يغضبك فيعذبني الله به , وأنا امرأة قد دخلت في السن (أي جاوزت سن الزواج) ، وانا امرأة ذات عيال .. فقال عليه الصلاة والسلام : أما ما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله عز وجل ان يذهبها عنك ، واما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك .. وأما ما ذكرت من العيال ، فإنما عيالك عيالي !!

ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة فاستجاب الله دعاءها ، وأخلفها خيرا من أبي سلمة .. ومنذ ذلك اليوم لم تبق هند المخزومية أما لسلمة وحده ، وإنما غدت أما لجميع المؤمنين .. نضر الله وجه أم سلمة في الجنة ورضي عنها وأرضاها.

 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى