لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس
نكران الجميل
من الأخلاق الفاسدة التي عليها النفوس المريضة عدم الاعتراف بالجميل لأصحابه، وعدم الشعور بفضل من أحسن إليك، ونكران الخير الذي يقدمه الناس، ولقد حذرنا النبي صلى اللّه عليه وسلم من هذا الخلق السيئ فقال: ''لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس''. رواه أبو داود والإيمان لا يتم، وشكر الله لا يكتمل، إلا إذا قابل العبد الإحسان بالإحسان، والمعروف بالمعروف.. ولذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ''إن أشكر الناس للّه عز وجل أشكرهم للناس''. رواه أحمد.
أما اللئيم من الناس والكنود.. والناكر.. فهو يخالف الفطرة التي تجعل الإنسان يكافئ من يحسن إليه، فتجده يقابل إحسان الناس وخيرهم باللا مبالاة وبالبرودة، وربما قال في نفسه، إن على الناس أن يخدمونني.
وهذا هو الغرور وكفران النعمة الذي ينقص الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: ''فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر'' رواه الترمذي.
وما أكثـر من يكتم ما للآخرين من فضل وخير وإحسان، ولا يكلف نفسه أن يكافئهم، وربما تبلغ الوقاحة ببعض المسلمين أنهم يقولون: وما لنا نشكر أصحاب المعروف وهم لا يعطوننا إلا القليل.. ونسي هؤلاء أن المروءة والنخوة والوفاء يجعل المسلم يقابل المحسن بالشكر، ولا يهمه إن كان الإحسان قليلا أو كثيرا، والنفس الخبيثة لا تشكر على الكثير إلا نفاقا وطمعا في المزيد، ولقد وضح صلى الله عليه وسلم أن الشكر لا ينقسم ''من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير'' رواه أحمد.
فليس من الإسلام نكران الجميل. وليس من الإيمان نسيان المعروف. وليس من الإحسان التغافل عن الفضل.
إن الإسلام يأمرنا بمكافأة من أحسن كسلوك حضاري (من أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه'' أحمد.
ماذا يخسر الإنسان عندما يقول كلمة شكر وحمد وثناء، ويدعو لمن أحسن إليه، إن لم يكن قادرا على مكافأته بهدية مثلا. إن سيدنا موسى عليه السلام حين سقى للمرأتين لقي جزاء إحسانه من والد المرأتين، لنتعلم من خلال هذه القصة أهمية مكافأة المحسن وتشجيعه، فجاءت إحداهما تقول: ''إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا'' القصص/ .25 وكان من سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه ''يقبل الهدية ويثيب عليها'' كما ثبت في الشمائل، وعندما قال المهاجرون: ''يا رسول اللّه ذهبت الأنصار بالأجر كله- لإحسان الأنصار إليهم- قال: لا ما دعوتم اللّه لهم، وأثنيتم عليهم'' فأي دين أعظم من هذا الدين، الذي يجعلك مأجورا في كل الحالات إن كنت محسنا كان خيرا لك، وإن كنت شاكرا للإحسان كان خيرا لك.
وإذا كان عدم مكافأة المحسن قبحا، فمن الأقبح والأسوأ أن يقابل الإنسان الإحسان بالإساءة، كالذي يأكل الغلة ويسب الملة. وإن تعجب، فعجب أن تقابل بعض الحيوانات الإحسان بالحسنى، ونجد الإنسان الجهول يقابل أخيه الإنسان بالنكران..
إن مقابلة الخير بالشر.. مرفوضة في الإسلام حتى مع البهائم، فكيف مع الناس الذين كرمهم اللّه؟ (فالمرأة التي وردت قصتها في السنة خير دليل على هذا المعنى، حيث هربت امرأة مسلمة من العدو على ناقة.. فنذرت إن وصلت إلى المدينة ناجية أن تذبحها.. فلما سمع بها النبي(ص)، قال: بئسما جزيتها ومُنعت من ذبحها.
فأين هي أخلاقنا الإسلامية؟ ضاعت والله في القيل والقال. ونزعم الإسلام.. نصلي ونصوم.. (إن عروة بن مسعود -رغم شركه- قابل إساءة أبي بكر إليه بالحسنى، لأن أبابكر قدم له معروفا ذات مرة، ففي مفاوضات صلح الحديبية قال أبو بكر لعروة كلاما قاسيا، فما كان من عروة إلا أن قال لأبي بكر (أما والله لولا يد كانت لك عندي، لكافأتك بها ولكن هذه بها) أحمد. فيا لها من نخوة غابت في أخلاق المسلمين.. قال الفضيل بن عياض: ''لأن يصحبني فاجر حسن الخلق، أحب إليّ من أن يصحبني عابد سيء الخلق''.