أبراهام بورغ حل الدولتين لفظ أنفاسه الأخيرة!
مقابلة خاصة أجراها أنطوان شلحت وبلال ضاهر مع أبراهام بورغ، الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي والوكالة اليهودية، وأحد أبرز القادة السابقين في حزب العمل، أكد في سياقها أنه ما زال متمسكًا بالاستنتاجات التي توصل إليها في كتابه "لننتصرعلى هتلر" الذي سبق أن صدر في ترجمة عربية عن مركز مدار، وذلك بعد أن رأى أن وقائع كثيرة جرت عقب صدور كتابه هذا تعتبر بمثابة تزكية لتلك الاستنتاجات، وفي مقدمها فقدان الإمكان الواقعي والعملي لتطبيق "حل الدولتين"، وتفاقم التطرّف اليميني داخل إسرائيل وتبدّد اليسار (الصهيوني) شذر مذر، وآخر التطورات المرتبطة بثورات "الربيع العربي" وانعكاساتها على المستوى الإقليمي، فضلا عن استمرار ظاهرة تجويف الزعماء والساسة الإسرائيليين.
وفي الوقت نفسه حرص على أن يؤكد ضرورة انتقال من التفكير بحل قومي إلى التفكير بحل مدني، لأن فرص هذا الحل الأخير تبدو برأيه أوفر حظًا على الرغم من كلما حدث حتى الآن.
وفيما يلي مقاطع من هذه المقابلة:
هذه المقابلة الخاصة مع أبراهام بورغ تزامنت مع صدور الترجمة العربية لكتابه "لننتصر على هتلر" عن مركز مدار في العام 2010، وذلك بقصد توسيع الجدل في مشروعه الفكريّ الخاص الذي عرضه في ذلك الكتاب، والذي أعلن أنه يهدف من خلاله إلى شقّ طريق يمكن للذي يسلكه أن يبلغ، في نهاية المطاف، ماأسماه "الإسرائيلية المشتهاة، النظيفة" والتي تنطوي أساسًا على خصيصة التوازن الروحي، وذلك عبر النأي عن شوائب كثيرة علقت بها في نظره، ومنها على وجه التحديد "صهيونية بنيامين زئيف هرتسل" التي تقصي الآخر وتتجاهله، ووطأة المحرقة النازية (الهولوكوست)، وأكد على وجه الخصوص أن هذه الأخيرة تشكل برأيه أسّ المبررات للاستئثار بصورة الضحية، ولعدم استفظاع تقمّص دور الجلاد باعتبار أن محارق الآخرين كانت وستظلّ أدنى مرتبة من العذاب اليهودي على الإطلاق.
وأشار من جملة أشياء أخرى إلى أن نتيجة ذلك كله هي أن إسرائيل أصبحت في الوقت الحالي مجتمعا أقل استقلالية مما كانت عليه في إبان قيامها، وهي دولة محرقة أكثر مما كانت عليه بعد ثلاثة أعوام من التحرر من الوحش النازي وفتح أبواب مصانع الموت التي أنشأها النازيون وأعوانهم. وشدّد على أن الادعاءات السياسية في إسرائيل، التي لا تكون متشابكة بخيوط رفيعة أو بحبال سميكة ومفتولة تماما مع الماضي المحرقي، قليلة جدًا، وعلى أن "هذا الماضي، على عكس جميع الأزمان الماضية الأخرى، ليس ماضيا يبتعد، وإنما هو ماض يقترب طوال الوقت. وهو ماض أصبح جزءا لا يتجزأ من الحاضر الإشكالي لدينا جميعا".
كما أن إسرائيل تحولت إلى متحدثة باسم الموتى، دولة تتحدث باسم كل أولئك غيرالموجودين، أكثر مما تتحدث باسم كل أولئكا لموجودين. وإذا كان هذا كله لا يكفي، فإن الحرب تحولت من ظاهرة شاذة عن القاعدة إلى القاعدة نفسها.
ويمكن القول، لا بتبسيط أو على محمل الاستعارة، إن الإسرائيلي يفهم فقط... القوة.
وهذه المقولة بدأت كاستعلاء إسرائيلي إزاء عجز العرب عن التغلب عليها في ميدان المعركة، واستمرت كتبرير لأعمال كثيرة جدا ومفاهيم سياسية لا يمكن تبريرها في عالم متمدن. ومع أن كل دولة بحاجة إلى القوة بقدر معقول، كما أنها إلى جانب القوة بحاجة إلى سياسة ونفسية لجمال قوة، إلا إن إسرائيل ليس لديها أي بديل من القوة، وفي الوقت ذاته ليست لديها أي فكرة وأي رغبة سوى إعطاء القوة للتحدث والتمسك بمقولة "دعوا الجيش ينتصر". وفي نهاية المطاف حدث لها ما يحدث معك لبلطجيي العالم وزعرانه: حولت الكآبة إلى نظرية ومفهوم "ونحن لا نفهم، بأنفسنا، أي شيء غير لغة القوة... بين الرجل وزوجته، بين الإنسان وصديقه، بين الدولة ومواطنيها، وبين القادة وزملائهم.
إن الدولة التي تحيا على سيفها، والتي تسجد للموتى، مآلها، كما يتبين، أن تحيا في حالة طوارئ دائمة، وذلك لأن الجميع نازيون، ألمان، عرب، الجميع يكرهوننا، والعالم أصلا ًكان يكرهنا دائما"...
وبقدر ما إن كتاب بورغ المذكور كان متميزًا في التشخيص العميق لصيرورة إسرائيل، فإنه تحلى أيضًا بجرأة في الاستنتاج.
وتمثلت استنتاجاته الأهم فيما يلي:
· أولاً- إن استمرار تعريف إسرائيل دولة يهودية ينطوي على موقف مشحون بامتياز، ومن شأنه أن يؤدي إلى نهايتها، ويستحيل أن يتعايش تحت سقف واحد مع تعريفها بأنها ديمقراطية، وقد حان الوقت لتحويلها إلى دولة جميع يهودها وجميع مواطنيها، على أن تقرر الأغلبية مضامينها وطابعها؛
· ثانيًا- إن إسرائيل ملزمة بالانفصال عن تعريفات نيرنبرغ، والتي اعتبرت كل من اختلطت بدمه قطرة دم يهودية واحدة من جدّ أو جدّة، وحتى الجيل الرابع، يهوديا، وكذلك الانفصال عن تعريفات قانون العودة وممارساتها التطبيقية التي تفرض التهود طبقا للمنهج الأرثوذكسي الأكثر تشددا؛
· ثالثًا- في نهاية المطاف فإن العناصر الخاصة باتِّفاق السلام (النهائي) مع الشعب الفلسطيني باتت واضحة منذ وقت طويل، لكن طالما بقي كلا الطرفين يتهمان بعضهما بعضًا بالظلم الذي تعرَّضا له في الماضي، فلن يتقدَّما إلى الأمام. ولأنَّ إسرائيل أحالت دور النازيين إلى الفلسطينيين، فإنَّ أي حديث معهم يعدّ مستحيلاً. ولا يجب أن يكف المرء فقط عن النظر إلى الفلسطينيين على أنَّهم نازيون، بل يجب أيضًا الاعتراف بأنَّ اليهود الذين كثيرًا ما كان يتم في السابق تشريدهم، يشكِّلون هم بالذات سبب تشريد الفلسطينيين. من ناحية أخرى يتعين على الإسرائيليين ألاَّ ينسوا المحرقة، ولكن ينبغي لهم أن يتعلموا من ذلك أنَّ ضرورة عدم تكرار ما حدث يجب ألاَّ تنطبق على اليهود وحدهم، بل على الشعوب كافة؛
· رابعًا- يجب أن يصبح الشعب اليهودي ودولته الإسرائيلية جزءا عضويا من الأسرة البشرية في العالم أجمع، لا مخلوقا وجوديا، مستقلا، مميزا ومنفصلا لا ينتمي إلى التاريخ.
وقد أتيح لنا المجال لإجراء هذه المقابلة في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2011، وبدا بورغ خلالها أكثر تمسكًا باستنتاجاته المذكورة بعد أن رأى- كما أكد لنا- أن وقائع كثيرة جرت عقب صدور كتابه هذا تعتبر بمثابة تزكية لتلك الاستنتاجات.
ونظرًا إلى كون المقابلة قد أجريت في ظل استمرار تفاعل الثورات العربية، كان من الطبيعي أن تبدأ بسؤال عن هذه الثورات وعن تداعياتها، لا سيما فيما يتعلق بإسرائيل والصراع القومي بينها وبين الشعب الفلسطيني.
سؤال: كيف تنظر إلى "الربيع العربي" وإلى تأثيره على إسرائيل، وخصوصًا في ضوء حقيقة أن الإسرائيليين اعتادوا حتى الآن على أن يتعاملوا مع الأنظمة وليس مع الشعوب التي تعتبر بمثابة وقود ثورات هذا الربيع؟
بورغ: "لنقل بادئ ذي بدء إنني ما زلت في مرحلة تأمل هذه الثورات. غير أن ما حدث يعد بكل المقاييس شيئًا مدهشًا للغاية. والشعور الذي يتملكني هو أنهم يأخذونك في جولة إلى رحاب مختبر، وأنت تقف وراء الحائط، أو في غرفة العمليات الجراحية، والأشخاص لا يعرفون أنك موجود هناك. الآن أنا أتأمل في هذا كله بأناة وصبر كبيرين. فأنا لم أعتقد أبدا أن بإمكاني في مثل هذه الأمور الدراماتيكية أن أفهم شيئا. مع ذلك يمكنني اليوم مثلا أن أفهم مغزى زيارة [الرئيس المصري الأسبق] أنور السادات إلى البلد. ومن دون مبالغة بإمكاني القول إنها كانت المرة الأولى التي يقترح العرب علينا فيها لغة ليست شبيهة بلغة العام 1948 أو لغة الحروب، وإنما لغة سلام. وقد خسرنا ذلك سريعا. في العام 1978 والعام 1980 لم أر هذا لأني كنت في خضم الحدث.. وكنت في الواقع الآخذ في التشكـل. كيف أرى ما يحدث اليوم في العالم العربي؟ لا شك في أني أحتاج إلى بعض الوقت... أنا بحاجة إلى النأي عن الحدث الساخن. وإلى أن نصل إلى هذا النأي، فإنني أرى الآن أمرين يثيران اهتمامي على نحو كبير جدا.
"سأبدأ بردة الفعل الإسرائيلية العامة. أنا شاهدت من هم الذين جاؤوا إلى الميدان [ميدان التحرير في القاهرة]. وأعتقد أنكما لم تزورا القاهرة في هذه الفترة، لكننا جميعا شاهدنا ما يحدث، وأنا أشاهد قناة الجزيرة بالانكليزية، وهي المحطة الوحيدة التي لا تتدخل وكالة CIA (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية) فيها. وفي أثناء ذلك شاهدت أن الذين جاؤوا إلى الميدان هم بالأساس مثقفون، شبان، نساء، متدينون محافظون، قرويون وتجار. كان هناك تنوع شديد في الميدان. لكن على الرغم من ذلك فإنك تسمع نشرات الأخبار في إسرائيل تكرر... "الإخوان المسلمون، الإخوان المسلمون"... وهذه لم تكن ثورة للإخوان في الميدان. ربما تؤدي إلى صعود الإخوان للحكم، لكن الميدان لم يكن للإخوان. وأقول لنفسي إنه حتى لو أدت إلى صعود الإخوان إلى سدة الحكم، فلنتحدث معهم. لا أعرف كيف، لكن ينبغي التحدث معهم.
"الأمر الثاني يستلزم أن أتوجه من طبقة الواقع إلى الطبقة الإستراتيجية. ثمة في الشرق الأوسط ثلاثة عناصر ليست عربية: الأتراك ونحن وإيران. ومن الناحية المبدئية يجب أن يكون اثنان من هذه العناصر على علاقة، نحن وإيران، أو نحن وتركيا. ويمكن القول إنه ليست لدينا إستراتيجيا غير عربية في الشرق الأوسط، ذلك بأنه ليست لدينا علاقات جيدة مع تركيا أو مع إيران. وأنا أعتقد، بالمناسبة، أن بإمكاننا إقامة علاقات مع كلتيهما. لا أعتقد أنه مكتوب في التوراة أو في أي سورة في القرآن الكريم أنه ممنوع ممارسة الدبلوماسية. وفي الأمد الآني كانت لدينا [علاقات مع] مصر والأردن والسلطة الفلسطينية. الآن ليست لدينا علاقات مع مصر، ويبدو أننا سنفقد العلاقات مع الأردن بعد قليل، وربما مع السلطة الفلسطينية أيضا. هذا يثبت أن لدينا تكتيكًا وحسب. فأي نوع من السياسة هذا؟. هذا أمر مذهل. وأنا أنظر إلى ردة الفعل الإسرائيلية بنظرة نقدية كبيرة جدا. بيد أن نظرتي إلى ما يحدث في مصر هي نظرة اهتمام بالغ جدا. وأتساءل: كم سنة وكم جيل استغرق المسيحية حتى تغلبت على مترتبات اللقاء مع الديمقراطية؟ كم بلغ حجم الدماء التي أريقت هناك؟ كيف كان حجم التطرف الديني؟ كم حرب أهلية اندلعت؟ القيصر ضد البابا، الجميع ضد الجميع، حروب عالمية. والقرن العشرون كان ضمن هذه الحالة. ورأيت كم كان صعبا على اليهودية إدراك الديمقراطية، وكل ما يحدث الآن فيما يتعلق بظواهر ’إقصاء النساء’ عن حيّز الحياة العامة، وهل نطبق القانون المدني أو قانون الشريعة اليهودية. وجاء الإسلام، وهو الدين الأصغر سنا، بعد أن أتى الجميع إلى اللقاء مع الحداثة. وهذا ليس لقاء سهلا. غير أن ما أراه يشجعني كثيرا. فأنا أعرف طبيعة الحياة الدينية. وعندما أرى تطرفا دينيا، في أي مكان، فإني أعرف أن المتطرف أصبح متطرفا لأنه يحارب ضد إصلاح ما، ويبدو أن الإصلاح ولج إلى الداخل وهو يبدأ بطرده. عندما يصرخ الحريديم [اليهود المتزمتون دينيا] فإنه على ما يبدو أن العصريين الإسرائيليين ولجوا إلى الداخل. وهم يصارعون من أجل إغلاق الأبواب. وعندما أرى أن الشارع الديني العربي يتجه نحو التطرف، فإنه على ما يبدو قد ولج أحد ما مع رياح أكثر اعتدالا، وهم يريدون سدّ الطريق أمامه. وبنظري هذا أمر مشجع جدا. ولا يمكنني أن أشارك الجميع لكني أعتقد أن ثمة شركاء عصريين. أنا لا أعرف ما هي العصرنة أو الحداثة ولا قيمها، ولا أعرف ذلك بالشكل الكافي لأني لم أتمكن من رؤيته عبر المستبدين، لكن الآن توجد فرصة، وعلينا أن ننتظر كي نرى".
(*) سؤال: نتائج الانتخابات التي جرت في الآونة الأخيرة في عدة دول عربية تشكل دليلاً على أن التوجه هو نحو نوع من التطرف الديني، في المقابل ثمـة تطرف ديني في إسرائيل أيضا. هل تتوقع نشوب حرب دينية في نهاية المطاف؟
بورغ: "لقد أصبحنا في خضم هذا على نحو ما. أعني أنه عندما تنصت إلى الخطاب السائد فإن الجانب الديني فيه قوي للغاية. وهناك الكثير من الإسرائيليين الذين تحفظوا وغضبوا من السادات عندما افتتح خطابه في الكنيست بالقول ’بسم الله الرحمن الرحيم’. لم يفهموا أنه في الإسلام، على الأقل، العلمانية مختلفة عن العلمانية اليهودية. ففي المجتمع الإسلامي لا يوجد كسر كحد السيف. يوجد متدينون، متدينون محافظون أكثر أو أقل، ولكن لا يوجد تمرد ضد الدين. يوجد طيف. ومن هنا، أولا أنا أرى فرصة مثيرة للغاية، ومن دون شك فإن الخطاب الديني سيطر. وسيطر في المجتمع الإسرائيلي أيضا. وسأتحدث أولا عن المجتمع الإسرائيلي وبعد ذلك أنتقل إلى المجتمعات العربية. نحن جميعا ولدنا بعد قيام الدولة. وفي صبانا كانت إسرائيل مختلفة. كانت علمانية واشتراكية. صحيح أن الأمور لم تكن بهذا الشكل بالضبط، لكن كانت هناك مساواة وتعاضد أكثر. وتحولت إسرائيل من حيث بنيتها إلى دولة رأسمالية ودينية. أي أن الدولة في العام 2011 ليست نفس الدولة التي كانت في العام 1948. إن هذا بكل بساطة مجتمع مختلف تماما. ولا يوجد تواصل هنا. وحدث ارتقاء درجة في العام 1977 عندما صعد [مناحيم] بيغن إلى الحكم، وعندما بدأ المستوطنون يستوطنون، ذهبنا إلى مكان آخر. هذه ليست الدولة التي تمت إقامتها، إنها مخلوق جديد، والخطاب الديني هو جزء من المبنى الإسرائيلي، الذي لم يكن عندما كنا أولادا".
(*) سؤال: هذا يشمل التغير الحاصل داخل الحركة الصهيونية؟
بورغ: "هذا يشمل كل شيء. وماذا يحدث في المجتمع العربي في المقابل؟ أنا أتحدث كمن ينظر إلى الأمور من الخارج، ولا أعرف ما إذا كانت هذه نظرة دقيقة. ثمة شك فيما إذا كان المجتمع العربي، والمقصود ليس هنا وإنما المجتمع العربي في الدول العربية، قد عالج مرة بشكل جاد مرحلة ما بعد الاستعمار. أنا لا أعتقد أنه كانت هناك معالجة جادة، أيديولوجية، ثقافية. لا أعرف. لكن مما أراه يمكنني أن أستنتج أنه لم يتم التعامل مع الحقبة الاستعمارية مثلما نتعامل نحن مع المحرقة النازية مثلاً، أي أن تحفر وترى أهمية الحدث سواء للسلب أو للإيجاب. لكن كانت هناك محاولات لإضعاف الشرق الأوسط إبان الخلافة، واستبدلت هذه بالإمبراطوريات، إما البريطانية أو الفرنسية، وبعد ذلك جاء شرق أوسط العروبة، القومي، تحت لواء الناصرية مثلا. أي أنه دخل مرة أخرى في مكان واحد، شرق أوسط بأكمله يدخل إلى مرحلة معينة. وها هو اليوم يدخل المرحلة الدينية، وهي مرحلة مثيرة للغاية. الفكر الديني يتغلغل عميقا، وعمليا فإن ما يمر علينا يمر أيضا على الشرق الأوسط أيضا. فهو قومي أقل وديني أكثر، أو ربما أن القومية تُعرّف بواسطة الدين، وهذا تحوّل مثير. هو صعب وخطير ومعقد، لكن لا يوجد فرق كبير".
الإستراتيجيا الإسرائيلية أميركية بامتياز
(*) سؤال: لكن ما هو سبب التطرف الديني، والسياسي أيضا، في إسرائيل؟ هل هو فقط بسبب صعود حكومة يمين ويمين متطرف، أم أن هناك أسبابا أعمق من ذلك؟
بورغ: "أنا أتكهن دائما بأن ثمة شيئًا ما أعمق. ولا أعتقد أن التكتيك هو الأمر الحقيقي. فليسمح لي في هذا الشأن بأن ألقي أوراق اللعب:
"الورقة الأولى هي أن الإستراتيجيا الإسرائيلية خلال الأعوام الأربعين أو الخمسة والأربعين الفائتة هي إستراتيجيا أميركية وليست أوروبية. فأوروبا هي أكثر علمانية وأكثر واقعية. وأميركا أكثر تدينا. وليس غريبا أن [السفاح الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل] باروخ غولدشتاين مولود في أميركا، و[الحاخام العنصري الذي كان يدعو إلى طرد الفلسطينيين من وطنهم] مئير كهانا مولود في أميركا. وليس غريبا أن بيبي [أي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو] مقرب من اليمين المحافظ في أميركا. وهناك روابط كبيرة للغاية بين المستوطنين والأنغليكانيين الأميركيين. توجد روابط عميقة للغاية هناك، وكذلك بين الحريديم في أميركا والحريديم هنا. وبين جميع هؤلاء والتدين في أميركا. إن الخطاب الأميركي هو خطاب ديني بشكل عام، وليس اليهودي فقط. والتأثير الأميركي كإستراتيجية رأسمالية مروّع، وثقافة الصراخ المروعة هي ثقافة سياسية دينية أيضا. أوروبا لا تؤثر علينا. لا يوجد أي تأثير لانكلترا، ولا يوجد أي تأثير للدول الاسكندنافية ونماذجها الاجتماعية. بينما لأميركا ثمة تأثير كبير علينا.
"الورقة الثانية: أنا لست رجلا متدينا وإنما محافظ. فالدين ليس الأمر المركزي في حياتي. الأمر الأهم هو الأنسنة. وأنا أعيش الأنسنة عن طريق المنظوراليهودي لدي. وقبل كل شيء نحن علمانيين وعصريين وإنسانيين وما إلى ذلك. ويصعب علي وصف الانفعال الديني لأني لا أعيشه، ولا أنفعل دينيا، وليست لدي النشوة الدينية. لكن الإنسان يحلم، أو الأمة تحلم بشيء ما طوال ألفي عام. وباختصار فإن الأمور وصلت إلى هذا الحد هنا، الانفعال من المسيح المنتظر. تخيلوا أن المهدي الثاني عشر ظهر، ماذا كان سيجري في الشارع؟ أية نشوة ستصيب شخصا متدينا يرى المهدي أمام عينيه؟. والإنسان المتدين (اليهودي) يحلم ألفي عام بتخليص البلد، ويحلم بالحكم، ويحلم بالبعث الديني، ويوجد بعث ديني، متعصب، ليس جميلا، وأنا لا أحبه، لكنه موجود وهو كبير بالنسبة للشخص المتدين. وهو بالإضافة إلى ذلك يفوز بالحكم أيضا. وقد أسقط الاشتراكية، وأسقط اليسار المكروه أرضا. وهو يسيطر على الحكم اليوم. [عضو الكنيست اليميني المتطرف من حزب الليكود] زئيف إلكين سيتنافس أمام نتنياهو. هذه كلها صور دينية. يسافرون إلى نيويورك في زيارة سياسية ويزورون قبر الحاخام ميلوفافيتش [الزعيم الروحي لحركة حباد اليهودية الأصولية المتشددة]. هذا يعني أنه توجد هناك أجواء دينية وانفعال ديني. وأنتما تعرفان أنه لا يوجد شيء ناجح أكثر من النجاح. وهذا يجرف على نحو كبير.
"الورقة الثالثة تتعلق بالتوازن. فمركزكما لا يعمل فقط في مجال الأفكار وإنما هو يعنى بالجوانب الثقافية للواقع. حتى العام 1987، أي حتى سقوط سور برلين، كانت المعادلات السائدة في العالم كالتالي تقريبا: كان هناك ستالين وإلى جانبه الشيوعية وإلى جانب الشيوعية اليسار وإلى جانب اليسار كان اليسار الوسطي وإلى جانبه اليمين الوسطي وإلى جانبه اليمين القومي وإلى جانبه المتدينون وإلى جانبهم الرب. وكان هناك حوار بين ستالين والرب. كانت هناك محادثة بين المطلق اليساري الاجتماعي والمطلق الديني. وفجأة في أحد الأيام أزالوا الأسوار ولم يعد هناك ستالين. سقط الاتحاد السوفياتي، وسقط الكيان الأيديولوجي الأكبر الذي نظم العلمانية في القرن العشرين. وفجأة أيضًا بقي الرب فقط. وانظرا كيف أن الشيوعية ذهبت إلى الجحيم في المجتمع العربي. وفي كل واحد من مجتمعاتنا لا توجد قيمة مطلقة لليسار. بالإمكان أن أكون نسويا وإنسانيا ونباتيا وألتهم الحملان وغير ذلك. وفي الجانب الديني هذا غير موجود. كل شيء هناك مطلق. وفي نهاية المطاف توجد أصولية متشددة جدا، مثل [الرئيس الأميركي السابق] جورج بوش وزمرته. في مرحلة ما تم خرق التوازن الذي ميز القرنين التاسع عشر والعشرين، ولم تتم حتى الآن إعادة التوازن مجددا بين يسار إنساني ويمين قومي ديني. وسبب جزء من التطرف هو شعور أولئك الذين بقوا وحيدين مع القيم المطلقة بفائض القوة".
(*) سؤال: وهل هذا يفسر، برأيك، فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات؟
بورغ: "بالتأكيد هذا ينطبق عليهم أيضا".
ذنوب اليسار الإسرائيلي
(*) سؤال: أين يقف العلمانيون واليساريون في إسرائيل إزاء هذا المد الديني الجارف؟
بورغ: "أولا، إنهم في مشكلة عويصة. لماذا توجد مشاكل لدينا؟ لنبدأ من معادلة ’أنا المذنب’. وتعالوا نبدأ من الذنوب الثلاثة الكبرى لليسار. الذنب الأول، هو أن اليسار الذي أقام الدولة البن غوريونية [نسبة إلى دافيد بن غوريون]، هو الذي أسس مقولة ’شعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب’. وهذه إستراتيجية خاطئة لأنها تتجاهل [العرب]. وطبعا لم يعد بالإمكان التجاهل منذ سنوات الثلاثين، عندما بدأ التمرد الكبير [أي الثورة الفلسطينية خلال الأعوام 1936 - 1939]، لكنهم استمروا في هذا التجاهل حتى قال نتنياهو دولتين للشعبين. [رئيس حكومة إسرائيل الأسبق] أريئيل شارون قال إنه سينسحب من غزة بشكل أحادي الجانب، لأنه لم ير الجانب الآخر فهو ليس موجودا بالنسبة له. الذنب الثاني هو أن [قادة إسرائيل في بداية السبعينيات] يغئال ألون وشمعون بيريس وإسحق رابين أقاموا المشروع الاستيطاني. كل المشروع الاستيطاني قام من خلال المشروع الاستيطاني [في مناطق 48] لحركة العمل. وكان يغئال ألون معجبا بمستوطني كريات أربع، وشمعون بيريس ورابين استسلما مثل خرقة في [استيطان] سبسطية في العامين 1974 - 1975 وسمحا بانطلاق المشروع الاستيطاني كله. والذنب الثالث والأخير كان عندما عاد [رئيس حكومة إسرائيل في العام 2000[ إيهود باراك من كامب ديفيد، وهذه كانت قمة غير جاهزة وليست منظمة، وهو زعيم سفينة السلام، وقال إنه لا يوجد شريك [للسلام] في الجانب الفلسطيني، وأغرق بذلك الأسطول كله. إن هذه الأمور الثلاثة هي التي جعلت اليسار من الناحية الإستراتيجية يفقد ثقة الناخب الإسرائيلي، ويفقد ثقته بنفسه. ومن أجل الخروج من هذا المأزق يتعين على اليسار أن يطرح أنموذجًا [برادايم]مغايرًا. ينبغي طرح أنموذج لا يبدأ من حل القضايا القومية وإنما من الالتزام بالقضايا الاجتماعية، وبأنه لا يوجد فرق بين اليهود والعرب، أي الالتزام بمساواة كاملة. وهذا يستلزم القول إن إسرائيل ليست دولة يهودية ديمقراطية وإنما دولة ديمقراطية، توجد فيها أغلبية يهودية تقوم بتقاليدها في إطار نوع من الحكم الذاتي الثقافي، والأقلية غير اليهودية تقوم بتقاليدها باحترام في إطار اجتماعي في دولة جميع مجتمعاتها. وجميع المواطنين متساوون أمام الديمقراطية. وطالما أن اليسار لا يتبنى هذا الأمر فإنه ليس يسارا حقيقيا. إذ ليس بإمكانك أن تكون يسارا يؤيد الحرب ولا يتنكر للاستيطان وليس متساويا.
وعندما قال حزب ميرتس في اليوم الأول للحرب في غزة إنه يؤيد العملية العسكرية الإسرائيلية ["الرصاص المصبوب"] فإنه ليس هناك من يمكن التحدث معه. وهنا تدخل أمور شخصية ثقيلة جدا. فإذا حاولت التفكير اليوم أن بإمكان ميرتس والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة أن يتحدا، فإن ميرتس، برأيي، لا يمكنها التنازل عن القليل الذي ليس لديها، والجبهة، وبحق بالنسبة لقيادتها، عليها أن تحافظ على القليل الذي لديها، ولا يمكنها أن تسمح لنفسها بالمخاطرة، لأن هذا يكاد يكون البيت السياسي الأخير لجزء كبير من الشارع الفلسطيني الإسرائيلي. فلماذا تغامر؟ لذا فإنه لا يوجد اليوم بيت سياسي بإمكانه أن يطرح أنموذجًا جديدًا. إذن لدينا مشكلة في مستوى الأداء الإستراتيجي، وفي مستوى الأداء التكتيكي، في السنوات الأخيرة، ولا توجد أداة سياسية تجدد ذلك".
(*) سؤال: هل ما زلت تعتبر نفسك جزءا من حزب العمل؟
بورغ: "لا إطلاقًا. لقد خرجت من الحزب بشكل رسمي عندما جلسوا مع [رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"] أفيغدور ليبرمان في حكومة واحدة. ولن أصوت لأي حزب لا يكون حزبا يدعو إلى المساواة. هذا أمر ليس واردا في الحسبان. ويكاد يكون واضحا لي أنه لو أن نتنياهو وجماعته استمعوا لنا قبل 30 عاما وتحدثوا عن دولتين للشعبين، لربما كنا اليوم في مكان آخر. اليوم أنا أعتقد أن هذه المعادلة- دولتين لشعبين- قد لفظت أنفاسها الأخيرة. أنا مستعد لأن أعطي كل ما أملك من أجل أن يحدث مثل هذا، لكني لا أنجح في رؤية كيف سينفذون الفصل كي تتحقق المعادلة، لا أنجح في رؤية كيف سيتمكنون من تنفيذ الفصل ميدانيا".
الحـل المدنـي
(*) سؤال: ما هو الحل إذن من وجهة نظرك؟
بورغ: "لقد بحثت عن معادلة بديلة، وأوصلني ذلك إلى الاعتقاد أنه يجب الانتقال من التفكير بحل قومي إلى التفكير بحل مدني. وبودي أن أوضح ما هو المقصود: عندما تقول دولتين للشعبين، فإنك تقول إن المفهوم القومي هو الذي يسيطر، وإنه سيكون هناك حل لهذه القومية وحل مواز لتلك القومية. لكنك تعمل هنا من أعلى إلى أسفل. إذا كان هذا الحل ليس ناجحا، لأني لا أرى هاتين الدولتين، رغم أنه يسعدني أن ينجح هذا، فإنه ينبغي أن ندقق في كيف ستبدو دولة يكون مبدأها مدنيا. أي أن يكون لكل إنسان يعيش في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط الحق نفسه والمساواة نفسها. لا يهمني إذا كنت يهوديا أو عربيا، رجلا أو امرأة، حريديا أو علمانيا. لكل إنسان الحق نفسه، أن يَنتخب ويُنتخب، الحق في الحياة، الحق في التنظيم، الحق في التعبير عن الرأي وما إلى ذلك. ولا يهمني إذا ما تم التعبير عن هذا في دولة واحدة أو خمس دول. يجب أن يسود المبدأ نفسه بين النهر [الأردن] والبحر [الأبيض المتوسط]. وفي الخلفية يجب أن يتحول المبدأ من قومي إلى مبدأ ينمو من أسفل إلى أعلى وإقامة مجتمع مدني. وأن تكون هذه دولة أو دول جميع مواطنيها، وعندها ستبدو الأمور مختلفة تماما. وأنا أقول للمستوطنين إنه لا يوجد حل الدولتين وأنا أتنازل لكم عن ذلك. لكن دعونا نتحدث كيف تبدو الدولة المختلفة. ما هي الحقوق. ولنبدأ بي، أنا اليسار اليهودي. فلنتحدث عن المساواة. لكنهم يقولون ’لا، لا نريد’. فجأة يدركون أن هذه مسؤولية موجودة بأيديهم. ويبدأون عمليا بمنح مكانة لمواطن ليس مثلهم، وهذه مشكلة. وأعتقد أن الأمر الوحيد الذي سيضع تحديا اليوم أمام اليمين هو النضال المشترك من أجل حل مدني".
(*) سؤال: توجد أصوات أيضًا في اليمين الإسرائيلي تدعو إلى حل كهذا، ما رأيك؟
بورغ: "المقصود أصوات روبي [رئيس الكنيست الحالي رؤوفين ريفلين] و[وزير الدفاع الأسبق] موشيه أرنس وأوري إليتسور [وهو أحد قادة المستوطنين اليمين المتطرف]. أنا لا أصدق حتى النهاية أنهم يتحدثون عن المساواة نفسها التي أتحدث عنها أنا. أنا أتحدث عن أن في الإمكان أن يكون هنا رئيس حكومة عربي، ورئيس هيئة أركان عامة للجيش مسيحي. والدولة بالطبع تعود لجميع المواطنين والمجتمعات. هم يفكرون بحرية شخصية، من دون تعبير جماعي. والموضوع الجماعي معقد جدا. فهناك أمور بسيطة، مثل ماذا تدرس في المدرسة، قصائد [الشاعر الإسرائيلي] حاييم نحمان بياليك أم قصائد محمود درويش. بالإمكان تدريس قصائد كليهما طبعا. وهم لا يضعون حلولا. وعندما تبدأ بالتزوير فإن الأمور تصبح مزيفة".
(*) سؤال: قبل إقامة إسرائيل تعالت أيضًا أصوات، على غرار حركة "بريت شالوم"، طرحت الفكرة التي تطرحها أنت الآن. أليس كذلك؟
بورغ: "حسنا، فأنتما تعملان في هيئة فكرية، ولا بد من أنكما تدركان أن الأفكار تعيش دائما ولا تموت. وجميع الأفكار التي تم طرحها في الماضي، من الترانسفير وحتى الحكم الذاتي، تم طرحها هنا مرة أخرى. وأحد أسباب عدم نجاح جماعة ’بريت شالوم’ أو جزء من الأسباب هو اندلاع الحرب العالمية الثانية. فقد بدأ أعضاء هذه الجماعة يطرحون أفكارهم في سنوات العشرين والثلاثين من القرن الفائت، وعندها جاءت الحرب العالمية الثانية، وانتهت الإمبريالية هنا في المنطقة، ومراسلاتهم مع [الزعيم الهندي] المهاتما غاندي لم تكن ناجحة، وكانوا قد أجروا مراسلات من دون توقف مع غاندي. وما لم ينجح هنا لم ينجح في الهند. وعلينا ألا ننسى أن غاندي قتل على يد قاتل هندي عارض المصالحة مع المسلمين، في قضية كشمير وباكستان. وهذا يعني أن نماذج المصالحة العالمية التي رفعوا لواءها لم يُكتب لها النجاح. فضلاً عن ذلك نشأت حاجة إلى إقامة دولة هنا لاستيعاب لاجئي الشعب اليهودي. والآن انتهى ذلك العهد، وبالتالي علينا أن نعود مجددا إلى عهد الأفكار".
(*) سؤال: فيما يتعلق بطبيعة حل الصراع، أنت لا تتوقع حلا قريبًا، وتضع معادلة جديدة للحل. لكن ماذا سيحدث؟ هل سنستمر في العيش تحت وطأة نظام أبارتهايد، خصوصا بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية، أم أن الإسرائيليين سيدركون أن عليهم القيام بشيء ما؟ لأنه حتى لو كانت هذه دولة ثنائية القومية مع حكم أبارتهايد، فإن هذا يعني نهاية إسرائيل كدولة ذات طبيعة يهودية، لأن نصف السكان هنا سيكونون من العرب والنصف الآخر من اليهود. وهذا يعني، بالنسبة لليهود، أنهم لا يدركون كيف ينقذون أنفسهم.
بورغ: "منذ أربعة آلاف سنة ونحن نصارع للبقاء ليوم واحد. وهم دائما يقولون لأنفسهم: ’دعنا نعيش يومنا’. أنا أقول هذا مع ابتسامة لكن هذا حقيقي. ونحن نعيش هذا الوضع منذ العام 1967. وهل يمكن أن نهدر ثلاثين عاما أخرى في وضع مشابه؟ الإجابة هي نعم. الإسرائيليون أغبياء والفلسطينيون أغبياء والأميركيون أغبياء، ولا أحد يُطالب بدفع أثمان جراء شيء".
اعتدنا على... إمبراطوريـة
(*) سؤال: هل توجد مصلحة اقتصادية إسرائيلية قوية للغاية للاستمرار في احتلال الضفة؟
بورغ: "أنا لا أعتقد أنه يوجد سبب اقتصادي. إنها مسألة نفسية. عندما أعادوا شبه جزيرة سيناء لم يتبق لدينا مكان للتنزه. هذه دولة صغيرة. لقد اعتدنا على إمبراطورية ويصعب علينا التراجع عنها. أنظر إلى ما حدث في الجزائر. مرت 150 عاما حتى انسحبت فرنسا من هناك. وهكذا هي إسرائيل الآن. والتدهور كبير. هل يوجد ضمان لاستمرار وجود الدولة في ظل إدارة الأزمة. لا أعتقد ذلك. صحيح، هذا غير ممكن، والأمور تسير باتجاه القضاء على الدولة، على الأقل القضاء على الدولة التي أقيمت من أجلهم، وبالإمكان أن يكون هنا كيان سياسي مختلف، كيان أبارتهايد. وأنا أفكر كثيرا في مساهمة أصدقائي الفلسطينيين الذين يغضبون عليّ ويقولون: ’أنت تحملنا المسؤولية مرة أخرى’. فقد اعتقدت دائما أنه في الحيز السياسي، وهذا هو فهمي للسياسة، الحراك يولد من الجانب الضعيف، إذ لا توجد رغبة لدى القوي في حل الأمور. فهو يحكم، ولماذا عليه أن يتطوع؟ بينما الضعيف يريد دائما تحسين وضعه. وأعتقد أنه بحركة فلسطينية صحيحة في هذه الفترة، بالإمكان القيام بعجائب. وسأعطيكما مثالا: الشعب في إسرائيل لم يفهم تماما الخطوة الفلسطينية الأخيرة في الأمم المتحدة. لكن إذا ما جاء أبو مازن [الرئيس الفلسطيني محمود عباس] وقال: ’أريد أن أكون في الكنيست، وإذا لم توافقوا ففي الجامعة العبرية في القدس، وإذا لم توافقوا ففي أي مكان آخر، ليس مهما أين. نحن نريد دولة لنحدد مصيرنا فيها’، عندها سيقول الإسرائيليون له ’لا’. وسيجيب من ناحيته ’لدينا روح ديمقراطية مثلكم بالضبط. وأطلب التصويت للكنيست. ولكي أريكم أني جاد وأنا أعيش تحت حكمكم، أريد أن أبدأ تجربتي في القدس’. أقسم لكما بأنه في اللحظة نفسها التي تخوض فيها قائمة عربية الانتخابات على رئاسة بلدية القدس، ستكون هناك دولتان للشعبين على الفور. أنا أفهم مقاطعة الانتخابات [في القدس من جانب الفلسطينيين]. وأدرك المشاعر خلال الأربعين عاما الأخيرة. وسأحاول شرح قصدي. الإسرائيليون اليهود يعيشون طوال حياتهم في انغلاق على أنفسهم، فهذا مريح لهم. ونحن نريد دولتين للشعبين والقدس الموحدة، وهاتان معادلتان مختلفتان، لأنه إذا كان هناك دولتان، فإنه يوجد عاصمة للدولة الثانية، والعاصمة الثانية هي في القدس. لكن إذا كانت القدس موحدة فإنه لا توجد دولتان، وإنما دولة واحدة. لكن لا أحد في العالم وضع تحديا أمام هذا. والآن يأتي زعيم فلسطيني ويقول ’إنني أريد خوض الانتخابات للكنيست، وأنتم لا تسمحون لي بخوض انتخابات الكنيست، فإنني أريد أن أستغل القدس الموحدة. لدي ثلث المصوتين وسوف أشكل قائمة لانتخابات البلدية،. هذا قد يؤدي إلى وجود نائب رئيس بلدية عربي، أو رئيس لجنة المراقبة في المجلس البلدي. وعندها ستنهار كل الفكرة حول القدس اليهودية. وسيكونون ملزمين بإيجاد حل لهذا الأمر. لماذا يجب أن يحدث هذا؟ لأن المواطن البسيط يريد أن يعبر عن حقه في صندوق الاقتراع. وأعتقد أن مفتاح الحل، وخلافا لكل ما يعتقده الكثيرون، هو مدني وفي القدس. هذه فرصة رائعة لمهاجمة النقطة الأضعف في إسرائيل".
مثل آخر الفرنجـة
(*) سؤال: نريد أن ننتقل إلى موضوع المحرقة. إن محور كتابك "لننتصر على هتلر" هو أن إسرائيل لم تحقق حتى الآن انتصارًا على هتلر، وأن المحرقة النازية ما انفكت تشكل جزءًا أساسيًا من كل شيء وكل خطاب في إسرائيل. والآن قلت إن قيام إسرائيل كان مرتبطا بذلك، رغم أنه في تصريحات نتنياهو وآخرين، ردا على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة القاهرة، لم يوافقوا على هذه المعادلة بأن إسرائيل أقيمت نتيجة للمحرقة وإنما لأنها "وطن الشعب اليهودي". هل تعتقد أن المحرقة ما زالت مهيمنة وتشدّ إسرائيل إلى الوراء، كما لو أنها جدار يمنع الوعي الإسرائيلي من التقدم إلى الأمام. هل هذا ما زال ساري المفعول؟
بورغ: "يبدو لي أنه سيظل ساري المفعول حتى الجيل المقبل على الأقل. دعونا نبدأ من مكان بسيكو - سياسي. لقد حدثت نكبة في العام 1948. وكانت قاسية ومؤلمة. وسببت صدمة هائلة للمجتمع الفلسطيني، أتفهمها تمامًا، فوالدتي نزحت عن الخليل بعد العام 1929 [في أعقاب أحداث انتفاضة البراق]، ولم تصح من صدمتها أبدا، رغم أن صاحب البيت العربي أنقذها، لكن هذا لا يساعد الفرد ولا الجماعة. وكثيرًا ما يأتي فلسطيني إليّ ويقول لي ’هل تعلم أن صدمتي أكبر’. وأنا، بدلا من أن أحترم ألم الآخر وأتعاطف معه، أتنافس معه. لكن في المنافسة على الصدمات لا يوجد منتصر. ولم يكن أبدا هنا خطاب إسرائيلي يحترم، وقبل كل شيء يتحمل قسطنا في نشوء قضية اللاجئين. فإذا كنت مسؤولا عن نشوء قضية اللاجئين بنسبة 49 بالمئة فهذا يعني أنني مسؤول مئة بالمئة عن الـ 49 بالمئة. لم نتحمل المسؤولية. لكننا أيضا لم نتعاطف ونتماثل أبدا. إذن، وقبل أي شيء، فإن التنافس على الصدمات هو أمر قاسٍ في السياسة الشرق أوسطية. والأمر الجميل الذي فعله أوباما في مستهل ولايته هو أنه أعرب عن التعاطف والتماثل مع آلام الجميع، قبل أن يتراجع القهقرى. الأمر الثاني هو أنه من الناحية التاريخية تستغرق الأمة سنوات طويلة من أجل التطهر من الصدمة. أنظرا مثلاً إلى الشيعة الآن. أصدقائي الشيعة غير متطرفين، وإنما إنسانيون، وهم فعلا يحزنون في ذكرى معركة كربلاء. يؤلمهم أن الحسين [بن علي] قُتل. وهم يعيشون هذا بكل جوارحهم. والسؤال هو كيف تحتوي هذا الأمر؟. عندما كنا قريبين زمنيا من كربلاء فإن الحزن حينذاك كان مئة بالمئة، لكن اليوم يتذكرون ذلك في يوم عاشوراء، بالطقوس. وبالنسبة لنا، فنحن ما زلنا في جيل ذوينا الذين هم جيل المحرقة وجيل النكبة. وهذا لا يتطهر بسرعة كبيرة. وكل واحد منا يتذكر أمه تبكي. لقد ألفت كتاب "لننتصر على هتلر" للمجتمع الإسرائيلي من أجل لحظة معينة. فما هي هذه اللحظة؟ سيأتي يومنا، وفيما نحن لا نزال على قيد الحياة، حيث سيموت آخر الناجين من المحرقة. وسوف ننهض يوما ما في الصباح ولا يوجد في العالم، ولا حتى شخص واحد، تكون المحرقة بالنسبة له تجربة شخصية. وهذا يوم ستتحول فيه التجربة الشخصية إلى ذكرى. لكن طالما هو حي بيننا، من الصعب جدا التحرك. بيد أن حضور المحرقة، بشكل تهكمي، في الحلبة السياسية ما زال واسعا جدا. وحتى يدرك السياسيون أن الجمهور لا يريد ذلك فإنه من الصعب تطهير هذا بشكل كامل".
(*) سؤال: أدبيات كثيرة وكذلك أعمال فنية عديدة، مثل فيلم ريدلي سكوت، المخرج المعروف، "ملكوت السماء"، تحدثت عن الفرنجة وصلاح الدين الأيوبي. ومعظمها يتحدث عن وجود فريقين بين الفرنجة، الفريق الأول يريد العيش من خلال الاندماج في الشرق، والفريق الثاني استعلائي وعدواني. وفي نهاية المطاف كانت الغلبة من نصيب الفريق الاستعلائي، وبعد ذلك جاء صلاح الدين وقضى عليه. هل تريد إسرائيل أن تكون جزءا من المنطقة، أم مثلما يكتب الكثيرون أنها مملكة فرنجية أخرى؟
بورغ: "هذا سؤال لم يطرحه الإسرائيليون على أنفسهم أبدا. إنهم يتحدثون عن المنظور الأمني. وأنا أقول للإسرائيليين إن كل الدبابات والقنابل والطائرات يجب ألا تشكل مفهومنا الأمني، ذلك بأنها مجرّد أداة، وهي ليست الجوهر. وأستطيع القول إنه لم يجر أبدا هنا جدل إستراتيجي ثاقب، لا على مستوى الحكومة ولا على مستوى صناع القرار أو الأوساط المثقفة، بشأن ما الذي نريده في الشرق الأوسط. إن ما يمكن ملاحظته هو أنه توجد ثلاث مقاربات إزاء الشرق الأوسط. الأولى، مقاربة إقامة الأسوار وكل من يقترب منها سوف أقتله. وأعتقد أن الجدار الفاصل مستل من فكر الفرنجة. المقاربة الثانية، مقاربة [رئيس حكومة إسرائيل الأسبق] إسحق شامير والتي تنص على استمرار 100 عام من الصراع، أي من إدارة الصراع، تارة تكون النيران عالية وتارة تكون منخفضة. والمقاربة الثالثة هي الاندماج في الشرق الأوسط. وبالإمكان أن يكون ثقافيا والوصول إلى حد العلاقات التامة بين الأفراد والأبناء. وبالإمكان أن تصل إلى أماكن تحدث فيها أمور في الغرب حيث لا توجد أسوار، بين المسلم والمسيحي، أو بين المسلم واليهودي والمسيحي. وانعكاس عدم إجراء نقاش هنا حول ما الذي نريده في الشرق الأوسط هو المنظور الأمني. أنا شخصيا أريد الاندماج. وأعتقد أنه ما زال بالإمكان القيام بذلك، لكن هذا لن يكون متاحا إلى الأبد. بالإمكان التحدث عن كونفيدرالية وفدرالية شرق أوسطية أو على الأقل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، لأنهما شعبان متشابهان. وحياتهما المشتركة خلال المئة عام الأخيرة أنتجت شبها كبيرا للغاية بيننا. وأنا لا أعتقد أن بالإمكان أخذ الديمقراطية من الفلسطينيين. وأعتقد أن هذا يسري على غزة أيضا. وهذا أساس لحوار محتمل ومثير للغاية. أنا لا أخاف الاندماج. وخوفي ليس من أن يتزوج ابني من فلسطينية وإنما خوفي من أن يتزوج إنسانة سيئة. وأنا أفضل أصدقائي الفلسطينيين على معظم المستوطنين من أبناء عائلتي. وردا على السؤال: ماذا تريد إسرائيل؟ هي تنساق وراء غرائزها تمامًا مثل آخر الفرنجة".
(*) سؤال: كيف تنظر إلى القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية التي تطرحها حكومة اليمين في الكنيست؟
بورغ: "لو كنت رئيسًا للكنيست لما كنت سأسمح بطرحها. يوجد لهذا بعد سياسي وآخر تهكمي. ولنبدأ بالبعد السياسي. حزب العمل لم يكن أبدا، منذ العام 1977 [عندما خسر الحكم لأول مرة لحزب الليكود] مستعدا لقبول قرار الناخب بأنه لم ينتخب للسلطة. ولذلك انضم كل مرة إلى الحكومة. ونتيجة لذلك نشأت حالة من التوازن بأنه ليس كل شيء مسموح وكانوا شركاء، للسلب والإيجاب. كانوا شركاء في جميع الأمور البشعة، في الحروب والاستيطان، لكن من الجهة الثانية حافظوا على مظهر كرامتهم. وعندما حرر إيهود باراك حزب العمل [بالانشقاق عنه وانسحاب العمل من حكومة نتنياهو]، فإنه فجأة بعد 30 عاما أصبح اليمين يحكم لوحده. وهكذا يفكر اليمين حقيقة، وهكذا هو يتصرف. وسوف يدفعون الأثمان على ذلك. سنرى كيف سيستقبلون في العالم. وسنرى كيف سيردون على ردات فعل الاتحاد الأوروبي. وعلى المستوى التهكمي، فإني أعتقد فعلا أنه ينبغي جعلهم يسيرون الطريق كلها. ويجب على أعضاء الكنيست من المعارضة ألا يتواجدوا في قاعة الكنيست. وألا يصوتوا. وذلك كي لا يقولوا إنه تمت المصادقة على القانون بأغلبية 60 صوتا ومعارضة 40. يجب أن يقال إنه أيد القانون 60 يمينيا فاشيا. لا أحد سيتعاون مع ذلك. ولنرى إلى أين سيصلون. مع ذلك عليّ القول إنه على الرغم من سيل القوانين الأخيرة، لا يوجد أي مكان بين المغرب وباكستان يتحركون فيه بحرية مثلنا".
(*) سؤال: وهل تعتقد أن المبادرة إلى هذه القوانين، أي روح هذه القوانين، هي من جانب أفيغدور ليبرمان وحزبه؟
بورغ: "هذا ليس مهما من الناحية التكتيكية. لكن سأقول لكما ما هي لعبة نتنياهو. نتنياهو هو رجل إستراتيجية سياسية لامع. وفي كل مرة يضع نفسه في موقع وسطي افتراضي يتواجد فيه. ومريح جدا له أن ليبرمان يوجه له الضربات من اليمين، لأنه في هذه الحالة يثبت أنه هو ليس ليبرمان. وهو يريد جدا أن تكون [رئيسة حزب كاديما والمعارضة] تسيبي ليفني، التي لا تفعل شيئا، على يساره، فهذا دليل على أنه ليس تسيبي ليفني. وسيأتي في الانتخابات المقبلة ويقول أنا اشتراكي - ديمقراطي. وبأسلوبه الخطابي هو يتحرك في المكان الأكثر دقة في الوسط، وعمليا فإن الجميع انفلتوا، لأنه عندما ينفلتون فإنهم يضعونه في الوسط. هذه هي حركته. ولو لم يكن هناك ليبرمان لتوجب على نتنياهو أن يخترعه".
(*) سؤال: ما رأيك في حركة الاحتجاجات الاجتماعية التي نشطت في الصيف الماضي. هل منحت أملاً ما؟
بورغ: "أعترف بأني لم أشترك في أي مظاهرة لهذه الاحتجاجات. أولادي شاركوا في بعض المظاهرات. فأنا لا أفهم ما الذي يريدونه. ليقولوا عني إن لدي عقلية قديمة، أو إني أنتمي لجيل سابق، لكن فليقولوا لي بماذا يفكرون. هل يريدون العدالة الاجتماعية [الشعار المركزي في هذه الاحتجاجات]؟ العدالة الاجتماعية تعني أفضليات، لكنهم قالوا لا شيء. وأنا لا أتماثل مع لا شيء. أريد أن أعرف ماذا يقف أمامي. لا أحب الأمور الضبابية. وقد شعرت أنه يوجد هنا أساس لخدعة. شيء ما ليس حقيقيا. قولوا لي ما هو المضمون. ليقولوا إننا نريد عدالة اجتماعية بحيث الأفضلية الأولى فيها هي أنه يحق لأي ولد يهودي وعربي أن يتعلم وأن لديهما حقوقا متساوية، ويجب أخذ أموال من هنا ورصدها هناك، لكن لا تقولوا إننا نريد أن تتحسن الأمور وبعد ذلك تسمحون للجنة حكومية أن تقرر في هذا. ولم أشعر بأنه توجد لدى هؤلاء الأشخاص قدرات ثقافية أو شجاعة سياسية تمكنهم من الوقوف وراء مطالب حقيقية. سأقول لكم ما أريد: أريد تفكيك المستوطنات، أريد العودة إلى الخط الأخضر. وإذا لم ينجح هذا فإني أريد أن تكون هنا دولة واحدة مدنية ومساواة في الحقوق لكل إنسان بين النهر والبحر. أريد أن يكون الحكم في البلاد اشتراكيا أكثر وعلى غرار الدول الاسكندنافية، وأن تهتم الدولة بأمور أكثر من اليوم. أريد توزيعا مختلفا للثراء في المجتمع. أريد توزيعا مختلفا لتحمل الأعباء والمسؤولية الاجتماعية المدنية والقومية. أنا أقول ماذا أريد ومن أين أريد أن يأخذوا التمويل. والآن أحكموا عليّ، توافقون أو لا توافقون. إنهم كيس مليء بالهواء وعندما أدخل يدي فيه لا أصطدم بشيء. ولذا فإنهم سرعان ما اختفوا، وذلك بعد أول هجوم عند الطريق إلى مصر [المقصود هجمات إيلات في منتصف شهر آب/ أغسطس الماضي]، وفي موازاة حديث متواتر عن إيران [التهديدات الإسرائيلية بمهاجمة إيران]. والآن لم يعودوا موجودين، الأمر الذي يعني أن هذا ليس حقيقيا".
(*) سؤال: ثمة حديث عن وجود أزمة قيادة في إسرائيل. فهل تفتقد قياديين على غرار رابين وبيغن، وربما أيضا على غرار والدك يوسف بورغ؟
بورغ: "أنا أفضل قادة
لديهم أيديولوجيا. ولا يهمني ما هي هذه
الأيديولوجيا.
إن الأيديولوجيا
التي
كانت لدى مناحيم بيغن مثلاً لم أتفق
معها على الإطلاق،
لكن
بإمكاني أن أواجهها من خلال الخطاب
الأخلاقى أكثر بما لا يُقاس من مواجهة
القيادة الجوفاء التي
يمثلها كل من باراك و
نتنياهو، وذلك لأن هذين
المذكورين ليس لديهما
شيء يعرضانه سوى
الأنا المتضخمة
والاستعراض
الفضفاض، ولا يوجد
لديهما أي مضمون
حقيقي. وفي هذا
السياق بودي التشديد
أيضًا على أنه كان لدى
رابين مفهوم أخلاقي
أثار احتراما لدي
تجاهه، فى حين ان
بيريس لا يثير لديّ
احتراما كهذا".
ما تنسوش التقييم
مقابلة خاصة أجراها أنطوان شلحت وبلال ضاهر مع أبراهام بورغ، الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي والوكالة اليهودية، وأحد أبرز القادة السابقين في حزب العمل، أكد في سياقها أنه ما زال متمسكًا بالاستنتاجات التي توصل إليها في كتابه "لننتصرعلى هتلر" الذي سبق أن صدر في ترجمة عربية عن مركز مدار، وذلك بعد أن رأى أن وقائع كثيرة جرت عقب صدور كتابه هذا تعتبر بمثابة تزكية لتلك الاستنتاجات، وفي مقدمها فقدان الإمكان الواقعي والعملي لتطبيق "حل الدولتين"، وتفاقم التطرّف اليميني داخل إسرائيل وتبدّد اليسار (الصهيوني) شذر مذر، وآخر التطورات المرتبطة بثورات "الربيع العربي" وانعكاساتها على المستوى الإقليمي، فضلا عن استمرار ظاهرة تجويف الزعماء والساسة الإسرائيليين.
وفي الوقت نفسه حرص على أن يؤكد ضرورة انتقال من التفكير بحل قومي إلى التفكير بحل مدني، لأن فرص هذا الحل الأخير تبدو برأيه أوفر حظًا على الرغم من كلما حدث حتى الآن.
وفيما يلي مقاطع من هذه المقابلة:
هذه المقابلة الخاصة مع أبراهام بورغ تزامنت مع صدور الترجمة العربية لكتابه "لننتصر على هتلر" عن مركز مدار في العام 2010، وذلك بقصد توسيع الجدل في مشروعه الفكريّ الخاص الذي عرضه في ذلك الكتاب، والذي أعلن أنه يهدف من خلاله إلى شقّ طريق يمكن للذي يسلكه أن يبلغ، في نهاية المطاف، ماأسماه "الإسرائيلية المشتهاة، النظيفة" والتي تنطوي أساسًا على خصيصة التوازن الروحي، وذلك عبر النأي عن شوائب كثيرة علقت بها في نظره، ومنها على وجه التحديد "صهيونية بنيامين زئيف هرتسل" التي تقصي الآخر وتتجاهله، ووطأة المحرقة النازية (الهولوكوست)، وأكد على وجه الخصوص أن هذه الأخيرة تشكل برأيه أسّ المبررات للاستئثار بصورة الضحية، ولعدم استفظاع تقمّص دور الجلاد باعتبار أن محارق الآخرين كانت وستظلّ أدنى مرتبة من العذاب اليهودي على الإطلاق.
وأشار من جملة أشياء أخرى إلى أن نتيجة ذلك كله هي أن إسرائيل أصبحت في الوقت الحالي مجتمعا أقل استقلالية مما كانت عليه في إبان قيامها، وهي دولة محرقة أكثر مما كانت عليه بعد ثلاثة أعوام من التحرر من الوحش النازي وفتح أبواب مصانع الموت التي أنشأها النازيون وأعوانهم. وشدّد على أن الادعاءات السياسية في إسرائيل، التي لا تكون متشابكة بخيوط رفيعة أو بحبال سميكة ومفتولة تماما مع الماضي المحرقي، قليلة جدًا، وعلى أن "هذا الماضي، على عكس جميع الأزمان الماضية الأخرى، ليس ماضيا يبتعد، وإنما هو ماض يقترب طوال الوقت. وهو ماض أصبح جزءا لا يتجزأ من الحاضر الإشكالي لدينا جميعا".
كما أن إسرائيل تحولت إلى متحدثة باسم الموتى، دولة تتحدث باسم كل أولئك غيرالموجودين، أكثر مما تتحدث باسم كل أولئكا لموجودين. وإذا كان هذا كله لا يكفي، فإن الحرب تحولت من ظاهرة شاذة عن القاعدة إلى القاعدة نفسها.
ويمكن القول، لا بتبسيط أو على محمل الاستعارة، إن الإسرائيلي يفهم فقط... القوة.
وهذه المقولة بدأت كاستعلاء إسرائيلي إزاء عجز العرب عن التغلب عليها في ميدان المعركة، واستمرت كتبرير لأعمال كثيرة جدا ومفاهيم سياسية لا يمكن تبريرها في عالم متمدن. ومع أن كل دولة بحاجة إلى القوة بقدر معقول، كما أنها إلى جانب القوة بحاجة إلى سياسة ونفسية لجمال قوة، إلا إن إسرائيل ليس لديها أي بديل من القوة، وفي الوقت ذاته ليست لديها أي فكرة وأي رغبة سوى إعطاء القوة للتحدث والتمسك بمقولة "دعوا الجيش ينتصر". وفي نهاية المطاف حدث لها ما يحدث معك لبلطجيي العالم وزعرانه: حولت الكآبة إلى نظرية ومفهوم "ونحن لا نفهم، بأنفسنا، أي شيء غير لغة القوة... بين الرجل وزوجته، بين الإنسان وصديقه، بين الدولة ومواطنيها، وبين القادة وزملائهم.
إن الدولة التي تحيا على سيفها، والتي تسجد للموتى، مآلها، كما يتبين، أن تحيا في حالة طوارئ دائمة، وذلك لأن الجميع نازيون، ألمان، عرب، الجميع يكرهوننا، والعالم أصلا ًكان يكرهنا دائما"...
وبقدر ما إن كتاب بورغ المذكور كان متميزًا في التشخيص العميق لصيرورة إسرائيل، فإنه تحلى أيضًا بجرأة في الاستنتاج.
وتمثلت استنتاجاته الأهم فيما يلي:
· أولاً- إن استمرار تعريف إسرائيل دولة يهودية ينطوي على موقف مشحون بامتياز، ومن شأنه أن يؤدي إلى نهايتها، ويستحيل أن يتعايش تحت سقف واحد مع تعريفها بأنها ديمقراطية، وقد حان الوقت لتحويلها إلى دولة جميع يهودها وجميع مواطنيها، على أن تقرر الأغلبية مضامينها وطابعها؛
· ثانيًا- إن إسرائيل ملزمة بالانفصال عن تعريفات نيرنبرغ، والتي اعتبرت كل من اختلطت بدمه قطرة دم يهودية واحدة من جدّ أو جدّة، وحتى الجيل الرابع، يهوديا، وكذلك الانفصال عن تعريفات قانون العودة وممارساتها التطبيقية التي تفرض التهود طبقا للمنهج الأرثوذكسي الأكثر تشددا؛
· ثالثًا- في نهاية المطاف فإن العناصر الخاصة باتِّفاق السلام (النهائي) مع الشعب الفلسطيني باتت واضحة منذ وقت طويل، لكن طالما بقي كلا الطرفين يتهمان بعضهما بعضًا بالظلم الذي تعرَّضا له في الماضي، فلن يتقدَّما إلى الأمام. ولأنَّ إسرائيل أحالت دور النازيين إلى الفلسطينيين، فإنَّ أي حديث معهم يعدّ مستحيلاً. ولا يجب أن يكف المرء فقط عن النظر إلى الفلسطينيين على أنَّهم نازيون، بل يجب أيضًا الاعتراف بأنَّ اليهود الذين كثيرًا ما كان يتم في السابق تشريدهم، يشكِّلون هم بالذات سبب تشريد الفلسطينيين. من ناحية أخرى يتعين على الإسرائيليين ألاَّ ينسوا المحرقة، ولكن ينبغي لهم أن يتعلموا من ذلك أنَّ ضرورة عدم تكرار ما حدث يجب ألاَّ تنطبق على اليهود وحدهم، بل على الشعوب كافة؛
· رابعًا- يجب أن يصبح الشعب اليهودي ودولته الإسرائيلية جزءا عضويا من الأسرة البشرية في العالم أجمع، لا مخلوقا وجوديا، مستقلا، مميزا ومنفصلا لا ينتمي إلى التاريخ.
وقد أتيح لنا المجال لإجراء هذه المقابلة في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2011، وبدا بورغ خلالها أكثر تمسكًا باستنتاجاته المذكورة بعد أن رأى- كما أكد لنا- أن وقائع كثيرة جرت عقب صدور كتابه هذا تعتبر بمثابة تزكية لتلك الاستنتاجات.
ونظرًا إلى كون المقابلة قد أجريت في ظل استمرار تفاعل الثورات العربية، كان من الطبيعي أن تبدأ بسؤال عن هذه الثورات وعن تداعياتها، لا سيما فيما يتعلق بإسرائيل والصراع القومي بينها وبين الشعب الفلسطيني.
سؤال: كيف تنظر إلى "الربيع العربي" وإلى تأثيره على إسرائيل، وخصوصًا في ضوء حقيقة أن الإسرائيليين اعتادوا حتى الآن على أن يتعاملوا مع الأنظمة وليس مع الشعوب التي تعتبر بمثابة وقود ثورات هذا الربيع؟
بورغ: "لنقل بادئ ذي بدء إنني ما زلت في مرحلة تأمل هذه الثورات. غير أن ما حدث يعد بكل المقاييس شيئًا مدهشًا للغاية. والشعور الذي يتملكني هو أنهم يأخذونك في جولة إلى رحاب مختبر، وأنت تقف وراء الحائط، أو في غرفة العمليات الجراحية، والأشخاص لا يعرفون أنك موجود هناك. الآن أنا أتأمل في هذا كله بأناة وصبر كبيرين. فأنا لم أعتقد أبدا أن بإمكاني في مثل هذه الأمور الدراماتيكية أن أفهم شيئا. مع ذلك يمكنني اليوم مثلا أن أفهم مغزى زيارة [الرئيس المصري الأسبق] أنور السادات إلى البلد. ومن دون مبالغة بإمكاني القول إنها كانت المرة الأولى التي يقترح العرب علينا فيها لغة ليست شبيهة بلغة العام 1948 أو لغة الحروب، وإنما لغة سلام. وقد خسرنا ذلك سريعا. في العام 1978 والعام 1980 لم أر هذا لأني كنت في خضم الحدث.. وكنت في الواقع الآخذ في التشكـل. كيف أرى ما يحدث اليوم في العالم العربي؟ لا شك في أني أحتاج إلى بعض الوقت... أنا بحاجة إلى النأي عن الحدث الساخن. وإلى أن نصل إلى هذا النأي، فإنني أرى الآن أمرين يثيران اهتمامي على نحو كبير جدا.
"سأبدأ بردة الفعل الإسرائيلية العامة. أنا شاهدت من هم الذين جاؤوا إلى الميدان [ميدان التحرير في القاهرة]. وأعتقد أنكما لم تزورا القاهرة في هذه الفترة، لكننا جميعا شاهدنا ما يحدث، وأنا أشاهد قناة الجزيرة بالانكليزية، وهي المحطة الوحيدة التي لا تتدخل وكالة CIA (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية) فيها. وفي أثناء ذلك شاهدت أن الذين جاؤوا إلى الميدان هم بالأساس مثقفون، شبان، نساء، متدينون محافظون، قرويون وتجار. كان هناك تنوع شديد في الميدان. لكن على الرغم من ذلك فإنك تسمع نشرات الأخبار في إسرائيل تكرر... "الإخوان المسلمون، الإخوان المسلمون"... وهذه لم تكن ثورة للإخوان في الميدان. ربما تؤدي إلى صعود الإخوان للحكم، لكن الميدان لم يكن للإخوان. وأقول لنفسي إنه حتى لو أدت إلى صعود الإخوان إلى سدة الحكم، فلنتحدث معهم. لا أعرف كيف، لكن ينبغي التحدث معهم.
"الأمر الثاني يستلزم أن أتوجه من طبقة الواقع إلى الطبقة الإستراتيجية. ثمة في الشرق الأوسط ثلاثة عناصر ليست عربية: الأتراك ونحن وإيران. ومن الناحية المبدئية يجب أن يكون اثنان من هذه العناصر على علاقة، نحن وإيران، أو نحن وتركيا. ويمكن القول إنه ليست لدينا إستراتيجيا غير عربية في الشرق الأوسط، ذلك بأنه ليست لدينا علاقات جيدة مع تركيا أو مع إيران. وأنا أعتقد، بالمناسبة، أن بإمكاننا إقامة علاقات مع كلتيهما. لا أعتقد أنه مكتوب في التوراة أو في أي سورة في القرآن الكريم أنه ممنوع ممارسة الدبلوماسية. وفي الأمد الآني كانت لدينا [علاقات مع] مصر والأردن والسلطة الفلسطينية. الآن ليست لدينا علاقات مع مصر، ويبدو أننا سنفقد العلاقات مع الأردن بعد قليل، وربما مع السلطة الفلسطينية أيضا. هذا يثبت أن لدينا تكتيكًا وحسب. فأي نوع من السياسة هذا؟. هذا أمر مذهل. وأنا أنظر إلى ردة الفعل الإسرائيلية بنظرة نقدية كبيرة جدا. بيد أن نظرتي إلى ما يحدث في مصر هي نظرة اهتمام بالغ جدا. وأتساءل: كم سنة وكم جيل استغرق المسيحية حتى تغلبت على مترتبات اللقاء مع الديمقراطية؟ كم بلغ حجم الدماء التي أريقت هناك؟ كيف كان حجم التطرف الديني؟ كم حرب أهلية اندلعت؟ القيصر ضد البابا، الجميع ضد الجميع، حروب عالمية. والقرن العشرون كان ضمن هذه الحالة. ورأيت كم كان صعبا على اليهودية إدراك الديمقراطية، وكل ما يحدث الآن فيما يتعلق بظواهر ’إقصاء النساء’ عن حيّز الحياة العامة، وهل نطبق القانون المدني أو قانون الشريعة اليهودية. وجاء الإسلام، وهو الدين الأصغر سنا، بعد أن أتى الجميع إلى اللقاء مع الحداثة. وهذا ليس لقاء سهلا. غير أن ما أراه يشجعني كثيرا. فأنا أعرف طبيعة الحياة الدينية. وعندما أرى تطرفا دينيا، في أي مكان، فإني أعرف أن المتطرف أصبح متطرفا لأنه يحارب ضد إصلاح ما، ويبدو أن الإصلاح ولج إلى الداخل وهو يبدأ بطرده. عندما يصرخ الحريديم [اليهود المتزمتون دينيا] فإنه على ما يبدو أن العصريين الإسرائيليين ولجوا إلى الداخل. وهم يصارعون من أجل إغلاق الأبواب. وعندما أرى أن الشارع الديني العربي يتجه نحو التطرف، فإنه على ما يبدو قد ولج أحد ما مع رياح أكثر اعتدالا، وهم يريدون سدّ الطريق أمامه. وبنظري هذا أمر مشجع جدا. ولا يمكنني أن أشارك الجميع لكني أعتقد أن ثمة شركاء عصريين. أنا لا أعرف ما هي العصرنة أو الحداثة ولا قيمها، ولا أعرف ذلك بالشكل الكافي لأني لم أتمكن من رؤيته عبر المستبدين، لكن الآن توجد فرصة، وعلينا أن ننتظر كي نرى".
(*) سؤال: نتائج الانتخابات التي جرت في الآونة الأخيرة في عدة دول عربية تشكل دليلاً على أن التوجه هو نحو نوع من التطرف الديني، في المقابل ثمـة تطرف ديني في إسرائيل أيضا. هل تتوقع نشوب حرب دينية في نهاية المطاف؟
بورغ: "لقد أصبحنا في خضم هذا على نحو ما. أعني أنه عندما تنصت إلى الخطاب السائد فإن الجانب الديني فيه قوي للغاية. وهناك الكثير من الإسرائيليين الذين تحفظوا وغضبوا من السادات عندما افتتح خطابه في الكنيست بالقول ’بسم الله الرحمن الرحيم’. لم يفهموا أنه في الإسلام، على الأقل، العلمانية مختلفة عن العلمانية اليهودية. ففي المجتمع الإسلامي لا يوجد كسر كحد السيف. يوجد متدينون، متدينون محافظون أكثر أو أقل، ولكن لا يوجد تمرد ضد الدين. يوجد طيف. ومن هنا، أولا أنا أرى فرصة مثيرة للغاية، ومن دون شك فإن الخطاب الديني سيطر. وسيطر في المجتمع الإسرائيلي أيضا. وسأتحدث أولا عن المجتمع الإسرائيلي وبعد ذلك أنتقل إلى المجتمعات العربية. نحن جميعا ولدنا بعد قيام الدولة. وفي صبانا كانت إسرائيل مختلفة. كانت علمانية واشتراكية. صحيح أن الأمور لم تكن بهذا الشكل بالضبط، لكن كانت هناك مساواة وتعاضد أكثر. وتحولت إسرائيل من حيث بنيتها إلى دولة رأسمالية ودينية. أي أن الدولة في العام 2011 ليست نفس الدولة التي كانت في العام 1948. إن هذا بكل بساطة مجتمع مختلف تماما. ولا يوجد تواصل هنا. وحدث ارتقاء درجة في العام 1977 عندما صعد [مناحيم] بيغن إلى الحكم، وعندما بدأ المستوطنون يستوطنون، ذهبنا إلى مكان آخر. هذه ليست الدولة التي تمت إقامتها، إنها مخلوق جديد، والخطاب الديني هو جزء من المبنى الإسرائيلي، الذي لم يكن عندما كنا أولادا".
(*) سؤال: هذا يشمل التغير الحاصل داخل الحركة الصهيونية؟
بورغ: "هذا يشمل كل شيء. وماذا يحدث في المجتمع العربي في المقابل؟ أنا أتحدث كمن ينظر إلى الأمور من الخارج، ولا أعرف ما إذا كانت هذه نظرة دقيقة. ثمة شك فيما إذا كان المجتمع العربي، والمقصود ليس هنا وإنما المجتمع العربي في الدول العربية، قد عالج مرة بشكل جاد مرحلة ما بعد الاستعمار. أنا لا أعتقد أنه كانت هناك معالجة جادة، أيديولوجية، ثقافية. لا أعرف. لكن مما أراه يمكنني أن أستنتج أنه لم يتم التعامل مع الحقبة الاستعمارية مثلما نتعامل نحن مع المحرقة النازية مثلاً، أي أن تحفر وترى أهمية الحدث سواء للسلب أو للإيجاب. لكن كانت هناك محاولات لإضعاف الشرق الأوسط إبان الخلافة، واستبدلت هذه بالإمبراطوريات، إما البريطانية أو الفرنسية، وبعد ذلك جاء شرق أوسط العروبة، القومي، تحت لواء الناصرية مثلا. أي أنه دخل مرة أخرى في مكان واحد، شرق أوسط بأكمله يدخل إلى مرحلة معينة. وها هو اليوم يدخل المرحلة الدينية، وهي مرحلة مثيرة للغاية. الفكر الديني يتغلغل عميقا، وعمليا فإن ما يمر علينا يمر أيضا على الشرق الأوسط أيضا. فهو قومي أقل وديني أكثر، أو ربما أن القومية تُعرّف بواسطة الدين، وهذا تحوّل مثير. هو صعب وخطير ومعقد، لكن لا يوجد فرق كبير".
الإستراتيجيا الإسرائيلية أميركية بامتياز
(*) سؤال: لكن ما هو سبب التطرف الديني، والسياسي أيضا، في إسرائيل؟ هل هو فقط بسبب صعود حكومة يمين ويمين متطرف، أم أن هناك أسبابا أعمق من ذلك؟
بورغ: "أنا أتكهن دائما بأن ثمة شيئًا ما أعمق. ولا أعتقد أن التكتيك هو الأمر الحقيقي. فليسمح لي في هذا الشأن بأن ألقي أوراق اللعب:
"الورقة الأولى هي أن الإستراتيجيا الإسرائيلية خلال الأعوام الأربعين أو الخمسة والأربعين الفائتة هي إستراتيجيا أميركية وليست أوروبية. فأوروبا هي أكثر علمانية وأكثر واقعية. وأميركا أكثر تدينا. وليس غريبا أن [السفاح الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل] باروخ غولدشتاين مولود في أميركا، و[الحاخام العنصري الذي كان يدعو إلى طرد الفلسطينيين من وطنهم] مئير كهانا مولود في أميركا. وليس غريبا أن بيبي [أي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو] مقرب من اليمين المحافظ في أميركا. وهناك روابط كبيرة للغاية بين المستوطنين والأنغليكانيين الأميركيين. توجد روابط عميقة للغاية هناك، وكذلك بين الحريديم في أميركا والحريديم هنا. وبين جميع هؤلاء والتدين في أميركا. إن الخطاب الأميركي هو خطاب ديني بشكل عام، وليس اليهودي فقط. والتأثير الأميركي كإستراتيجية رأسمالية مروّع، وثقافة الصراخ المروعة هي ثقافة سياسية دينية أيضا. أوروبا لا تؤثر علينا. لا يوجد أي تأثير لانكلترا، ولا يوجد أي تأثير للدول الاسكندنافية ونماذجها الاجتماعية. بينما لأميركا ثمة تأثير كبير علينا.
"الورقة الثانية: أنا لست رجلا متدينا وإنما محافظ. فالدين ليس الأمر المركزي في حياتي. الأمر الأهم هو الأنسنة. وأنا أعيش الأنسنة عن طريق المنظوراليهودي لدي. وقبل كل شيء نحن علمانيين وعصريين وإنسانيين وما إلى ذلك. ويصعب علي وصف الانفعال الديني لأني لا أعيشه، ولا أنفعل دينيا، وليست لدي النشوة الدينية. لكن الإنسان يحلم، أو الأمة تحلم بشيء ما طوال ألفي عام. وباختصار فإن الأمور وصلت إلى هذا الحد هنا، الانفعال من المسيح المنتظر. تخيلوا أن المهدي الثاني عشر ظهر، ماذا كان سيجري في الشارع؟ أية نشوة ستصيب شخصا متدينا يرى المهدي أمام عينيه؟. والإنسان المتدين (اليهودي) يحلم ألفي عام بتخليص البلد، ويحلم بالحكم، ويحلم بالبعث الديني، ويوجد بعث ديني، متعصب، ليس جميلا، وأنا لا أحبه، لكنه موجود وهو كبير بالنسبة للشخص المتدين. وهو بالإضافة إلى ذلك يفوز بالحكم أيضا. وقد أسقط الاشتراكية، وأسقط اليسار المكروه أرضا. وهو يسيطر على الحكم اليوم. [عضو الكنيست اليميني المتطرف من حزب الليكود] زئيف إلكين سيتنافس أمام نتنياهو. هذه كلها صور دينية. يسافرون إلى نيويورك في زيارة سياسية ويزورون قبر الحاخام ميلوفافيتش [الزعيم الروحي لحركة حباد اليهودية الأصولية المتشددة]. هذا يعني أنه توجد هناك أجواء دينية وانفعال ديني. وأنتما تعرفان أنه لا يوجد شيء ناجح أكثر من النجاح. وهذا يجرف على نحو كبير.
"الورقة الثالثة تتعلق بالتوازن. فمركزكما لا يعمل فقط في مجال الأفكار وإنما هو يعنى بالجوانب الثقافية للواقع. حتى العام 1987، أي حتى سقوط سور برلين، كانت المعادلات السائدة في العالم كالتالي تقريبا: كان هناك ستالين وإلى جانبه الشيوعية وإلى جانب الشيوعية اليسار وإلى جانب اليسار كان اليسار الوسطي وإلى جانبه اليمين الوسطي وإلى جانبه اليمين القومي وإلى جانبه المتدينون وإلى جانبهم الرب. وكان هناك حوار بين ستالين والرب. كانت هناك محادثة بين المطلق اليساري الاجتماعي والمطلق الديني. وفجأة في أحد الأيام أزالوا الأسوار ولم يعد هناك ستالين. سقط الاتحاد السوفياتي، وسقط الكيان الأيديولوجي الأكبر الذي نظم العلمانية في القرن العشرين. وفجأة أيضًا بقي الرب فقط. وانظرا كيف أن الشيوعية ذهبت إلى الجحيم في المجتمع العربي. وفي كل واحد من مجتمعاتنا لا توجد قيمة مطلقة لليسار. بالإمكان أن أكون نسويا وإنسانيا ونباتيا وألتهم الحملان وغير ذلك. وفي الجانب الديني هذا غير موجود. كل شيء هناك مطلق. وفي نهاية المطاف توجد أصولية متشددة جدا، مثل [الرئيس الأميركي السابق] جورج بوش وزمرته. في مرحلة ما تم خرق التوازن الذي ميز القرنين التاسع عشر والعشرين، ولم تتم حتى الآن إعادة التوازن مجددا بين يسار إنساني ويمين قومي ديني. وسبب جزء من التطرف هو شعور أولئك الذين بقوا وحيدين مع القيم المطلقة بفائض القوة".
(*) سؤال: وهل هذا يفسر، برأيك، فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات؟
بورغ: "بالتأكيد هذا ينطبق عليهم أيضا".
ذنوب اليسار الإسرائيلي
(*) سؤال: أين يقف العلمانيون واليساريون في إسرائيل إزاء هذا المد الديني الجارف؟
بورغ: "أولا، إنهم في مشكلة عويصة. لماذا توجد مشاكل لدينا؟ لنبدأ من معادلة ’أنا المذنب’. وتعالوا نبدأ من الذنوب الثلاثة الكبرى لليسار. الذنب الأول، هو أن اليسار الذي أقام الدولة البن غوريونية [نسبة إلى دافيد بن غوريون]، هو الذي أسس مقولة ’شعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب’. وهذه إستراتيجية خاطئة لأنها تتجاهل [العرب]. وطبعا لم يعد بالإمكان التجاهل منذ سنوات الثلاثين، عندما بدأ التمرد الكبير [أي الثورة الفلسطينية خلال الأعوام 1936 - 1939]، لكنهم استمروا في هذا التجاهل حتى قال نتنياهو دولتين للشعبين. [رئيس حكومة إسرائيل الأسبق] أريئيل شارون قال إنه سينسحب من غزة بشكل أحادي الجانب، لأنه لم ير الجانب الآخر فهو ليس موجودا بالنسبة له. الذنب الثاني هو أن [قادة إسرائيل في بداية السبعينيات] يغئال ألون وشمعون بيريس وإسحق رابين أقاموا المشروع الاستيطاني. كل المشروع الاستيطاني قام من خلال المشروع الاستيطاني [في مناطق 48] لحركة العمل. وكان يغئال ألون معجبا بمستوطني كريات أربع، وشمعون بيريس ورابين استسلما مثل خرقة في [استيطان] سبسطية في العامين 1974 - 1975 وسمحا بانطلاق المشروع الاستيطاني كله. والذنب الثالث والأخير كان عندما عاد [رئيس حكومة إسرائيل في العام 2000[ إيهود باراك من كامب ديفيد، وهذه كانت قمة غير جاهزة وليست منظمة، وهو زعيم سفينة السلام، وقال إنه لا يوجد شريك [للسلام] في الجانب الفلسطيني، وأغرق بذلك الأسطول كله. إن هذه الأمور الثلاثة هي التي جعلت اليسار من الناحية الإستراتيجية يفقد ثقة الناخب الإسرائيلي، ويفقد ثقته بنفسه. ومن أجل الخروج من هذا المأزق يتعين على اليسار أن يطرح أنموذجًا [برادايم]مغايرًا. ينبغي طرح أنموذج لا يبدأ من حل القضايا القومية وإنما من الالتزام بالقضايا الاجتماعية، وبأنه لا يوجد فرق بين اليهود والعرب، أي الالتزام بمساواة كاملة. وهذا يستلزم القول إن إسرائيل ليست دولة يهودية ديمقراطية وإنما دولة ديمقراطية، توجد فيها أغلبية يهودية تقوم بتقاليدها في إطار نوع من الحكم الذاتي الثقافي، والأقلية غير اليهودية تقوم بتقاليدها باحترام في إطار اجتماعي في دولة جميع مجتمعاتها. وجميع المواطنين متساوون أمام الديمقراطية. وطالما أن اليسار لا يتبنى هذا الأمر فإنه ليس يسارا حقيقيا. إذ ليس بإمكانك أن تكون يسارا يؤيد الحرب ولا يتنكر للاستيطان وليس متساويا.
وعندما قال حزب ميرتس في اليوم الأول للحرب في غزة إنه يؤيد العملية العسكرية الإسرائيلية ["الرصاص المصبوب"] فإنه ليس هناك من يمكن التحدث معه. وهنا تدخل أمور شخصية ثقيلة جدا. فإذا حاولت التفكير اليوم أن بإمكان ميرتس والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة أن يتحدا، فإن ميرتس، برأيي، لا يمكنها التنازل عن القليل الذي ليس لديها، والجبهة، وبحق بالنسبة لقيادتها، عليها أن تحافظ على القليل الذي لديها، ولا يمكنها أن تسمح لنفسها بالمخاطرة، لأن هذا يكاد يكون البيت السياسي الأخير لجزء كبير من الشارع الفلسطيني الإسرائيلي. فلماذا تغامر؟ لذا فإنه لا يوجد اليوم بيت سياسي بإمكانه أن يطرح أنموذجًا جديدًا. إذن لدينا مشكلة في مستوى الأداء الإستراتيجي، وفي مستوى الأداء التكتيكي، في السنوات الأخيرة، ولا توجد أداة سياسية تجدد ذلك".
(*) سؤال: هل ما زلت تعتبر نفسك جزءا من حزب العمل؟
بورغ: "لا إطلاقًا. لقد خرجت من الحزب بشكل رسمي عندما جلسوا مع [رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"] أفيغدور ليبرمان في حكومة واحدة. ولن أصوت لأي حزب لا يكون حزبا يدعو إلى المساواة. هذا أمر ليس واردا في الحسبان. ويكاد يكون واضحا لي أنه لو أن نتنياهو وجماعته استمعوا لنا قبل 30 عاما وتحدثوا عن دولتين للشعبين، لربما كنا اليوم في مكان آخر. اليوم أنا أعتقد أن هذه المعادلة- دولتين لشعبين- قد لفظت أنفاسها الأخيرة. أنا مستعد لأن أعطي كل ما أملك من أجل أن يحدث مثل هذا، لكني لا أنجح في رؤية كيف سينفذون الفصل كي تتحقق المعادلة، لا أنجح في رؤية كيف سيتمكنون من تنفيذ الفصل ميدانيا".
الحـل المدنـي
(*) سؤال: ما هو الحل إذن من وجهة نظرك؟
بورغ: "لقد بحثت عن معادلة بديلة، وأوصلني ذلك إلى الاعتقاد أنه يجب الانتقال من التفكير بحل قومي إلى التفكير بحل مدني. وبودي أن أوضح ما هو المقصود: عندما تقول دولتين للشعبين، فإنك تقول إن المفهوم القومي هو الذي يسيطر، وإنه سيكون هناك حل لهذه القومية وحل مواز لتلك القومية. لكنك تعمل هنا من أعلى إلى أسفل. إذا كان هذا الحل ليس ناجحا، لأني لا أرى هاتين الدولتين، رغم أنه يسعدني أن ينجح هذا، فإنه ينبغي أن ندقق في كيف ستبدو دولة يكون مبدأها مدنيا. أي أن يكون لكل إنسان يعيش في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط الحق نفسه والمساواة نفسها. لا يهمني إذا كنت يهوديا أو عربيا، رجلا أو امرأة، حريديا أو علمانيا. لكل إنسان الحق نفسه، أن يَنتخب ويُنتخب، الحق في الحياة، الحق في التنظيم، الحق في التعبير عن الرأي وما إلى ذلك. ولا يهمني إذا ما تم التعبير عن هذا في دولة واحدة أو خمس دول. يجب أن يسود المبدأ نفسه بين النهر [الأردن] والبحر [الأبيض المتوسط]. وفي الخلفية يجب أن يتحول المبدأ من قومي إلى مبدأ ينمو من أسفل إلى أعلى وإقامة مجتمع مدني. وأن تكون هذه دولة أو دول جميع مواطنيها، وعندها ستبدو الأمور مختلفة تماما. وأنا أقول للمستوطنين إنه لا يوجد حل الدولتين وأنا أتنازل لكم عن ذلك. لكن دعونا نتحدث كيف تبدو الدولة المختلفة. ما هي الحقوق. ولنبدأ بي، أنا اليسار اليهودي. فلنتحدث عن المساواة. لكنهم يقولون ’لا، لا نريد’. فجأة يدركون أن هذه مسؤولية موجودة بأيديهم. ويبدأون عمليا بمنح مكانة لمواطن ليس مثلهم، وهذه مشكلة. وأعتقد أن الأمر الوحيد الذي سيضع تحديا اليوم أمام اليمين هو النضال المشترك من أجل حل مدني".
(*) سؤال: توجد أصوات أيضًا في اليمين الإسرائيلي تدعو إلى حل كهذا، ما رأيك؟
بورغ: "المقصود أصوات روبي [رئيس الكنيست الحالي رؤوفين ريفلين] و[وزير الدفاع الأسبق] موشيه أرنس وأوري إليتسور [وهو أحد قادة المستوطنين اليمين المتطرف]. أنا لا أصدق حتى النهاية أنهم يتحدثون عن المساواة نفسها التي أتحدث عنها أنا. أنا أتحدث عن أن في الإمكان أن يكون هنا رئيس حكومة عربي، ورئيس هيئة أركان عامة للجيش مسيحي. والدولة بالطبع تعود لجميع المواطنين والمجتمعات. هم يفكرون بحرية شخصية، من دون تعبير جماعي. والموضوع الجماعي معقد جدا. فهناك أمور بسيطة، مثل ماذا تدرس في المدرسة، قصائد [الشاعر الإسرائيلي] حاييم نحمان بياليك أم قصائد محمود درويش. بالإمكان تدريس قصائد كليهما طبعا. وهم لا يضعون حلولا. وعندما تبدأ بالتزوير فإن الأمور تصبح مزيفة".
(*) سؤال: قبل إقامة إسرائيل تعالت أيضًا أصوات، على غرار حركة "بريت شالوم"، طرحت الفكرة التي تطرحها أنت الآن. أليس كذلك؟
بورغ: "حسنا، فأنتما تعملان في هيئة فكرية، ولا بد من أنكما تدركان أن الأفكار تعيش دائما ولا تموت. وجميع الأفكار التي تم طرحها في الماضي، من الترانسفير وحتى الحكم الذاتي، تم طرحها هنا مرة أخرى. وأحد أسباب عدم نجاح جماعة ’بريت شالوم’ أو جزء من الأسباب هو اندلاع الحرب العالمية الثانية. فقد بدأ أعضاء هذه الجماعة يطرحون أفكارهم في سنوات العشرين والثلاثين من القرن الفائت، وعندها جاءت الحرب العالمية الثانية، وانتهت الإمبريالية هنا في المنطقة، ومراسلاتهم مع [الزعيم الهندي] المهاتما غاندي لم تكن ناجحة، وكانوا قد أجروا مراسلات من دون توقف مع غاندي. وما لم ينجح هنا لم ينجح في الهند. وعلينا ألا ننسى أن غاندي قتل على يد قاتل هندي عارض المصالحة مع المسلمين، في قضية كشمير وباكستان. وهذا يعني أن نماذج المصالحة العالمية التي رفعوا لواءها لم يُكتب لها النجاح. فضلاً عن ذلك نشأت حاجة إلى إقامة دولة هنا لاستيعاب لاجئي الشعب اليهودي. والآن انتهى ذلك العهد، وبالتالي علينا أن نعود مجددا إلى عهد الأفكار".
(*) سؤال: فيما يتعلق بطبيعة حل الصراع، أنت لا تتوقع حلا قريبًا، وتضع معادلة جديدة للحل. لكن ماذا سيحدث؟ هل سنستمر في العيش تحت وطأة نظام أبارتهايد، خصوصا بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية، أم أن الإسرائيليين سيدركون أن عليهم القيام بشيء ما؟ لأنه حتى لو كانت هذه دولة ثنائية القومية مع حكم أبارتهايد، فإن هذا يعني نهاية إسرائيل كدولة ذات طبيعة يهودية، لأن نصف السكان هنا سيكونون من العرب والنصف الآخر من اليهود. وهذا يعني، بالنسبة لليهود، أنهم لا يدركون كيف ينقذون أنفسهم.
بورغ: "منذ أربعة آلاف سنة ونحن نصارع للبقاء ليوم واحد. وهم دائما يقولون لأنفسهم: ’دعنا نعيش يومنا’. أنا أقول هذا مع ابتسامة لكن هذا حقيقي. ونحن نعيش هذا الوضع منذ العام 1967. وهل يمكن أن نهدر ثلاثين عاما أخرى في وضع مشابه؟ الإجابة هي نعم. الإسرائيليون أغبياء والفلسطينيون أغبياء والأميركيون أغبياء، ولا أحد يُطالب بدفع أثمان جراء شيء".
اعتدنا على... إمبراطوريـة
(*) سؤال: هل توجد مصلحة اقتصادية إسرائيلية قوية للغاية للاستمرار في احتلال الضفة؟
بورغ: "أنا لا أعتقد أنه يوجد سبب اقتصادي. إنها مسألة نفسية. عندما أعادوا شبه جزيرة سيناء لم يتبق لدينا مكان للتنزه. هذه دولة صغيرة. لقد اعتدنا على إمبراطورية ويصعب علينا التراجع عنها. أنظر إلى ما حدث في الجزائر. مرت 150 عاما حتى انسحبت فرنسا من هناك. وهكذا هي إسرائيل الآن. والتدهور كبير. هل يوجد ضمان لاستمرار وجود الدولة في ظل إدارة الأزمة. لا أعتقد ذلك. صحيح، هذا غير ممكن، والأمور تسير باتجاه القضاء على الدولة، على الأقل القضاء على الدولة التي أقيمت من أجلهم، وبالإمكان أن يكون هنا كيان سياسي مختلف، كيان أبارتهايد. وأنا أفكر كثيرا في مساهمة أصدقائي الفلسطينيين الذين يغضبون عليّ ويقولون: ’أنت تحملنا المسؤولية مرة أخرى’. فقد اعتقدت دائما أنه في الحيز السياسي، وهذا هو فهمي للسياسة، الحراك يولد من الجانب الضعيف، إذ لا توجد رغبة لدى القوي في حل الأمور. فهو يحكم، ولماذا عليه أن يتطوع؟ بينما الضعيف يريد دائما تحسين وضعه. وأعتقد أنه بحركة فلسطينية صحيحة في هذه الفترة، بالإمكان القيام بعجائب. وسأعطيكما مثالا: الشعب في إسرائيل لم يفهم تماما الخطوة الفلسطينية الأخيرة في الأمم المتحدة. لكن إذا ما جاء أبو مازن [الرئيس الفلسطيني محمود عباس] وقال: ’أريد أن أكون في الكنيست، وإذا لم توافقوا ففي الجامعة العبرية في القدس، وإذا لم توافقوا ففي أي مكان آخر، ليس مهما أين. نحن نريد دولة لنحدد مصيرنا فيها’، عندها سيقول الإسرائيليون له ’لا’. وسيجيب من ناحيته ’لدينا روح ديمقراطية مثلكم بالضبط. وأطلب التصويت للكنيست. ولكي أريكم أني جاد وأنا أعيش تحت حكمكم، أريد أن أبدأ تجربتي في القدس’. أقسم لكما بأنه في اللحظة نفسها التي تخوض فيها قائمة عربية الانتخابات على رئاسة بلدية القدس، ستكون هناك دولتان للشعبين على الفور. أنا أفهم مقاطعة الانتخابات [في القدس من جانب الفلسطينيين]. وأدرك المشاعر خلال الأربعين عاما الأخيرة. وسأحاول شرح قصدي. الإسرائيليون اليهود يعيشون طوال حياتهم في انغلاق على أنفسهم، فهذا مريح لهم. ونحن نريد دولتين للشعبين والقدس الموحدة، وهاتان معادلتان مختلفتان، لأنه إذا كان هناك دولتان، فإنه يوجد عاصمة للدولة الثانية، والعاصمة الثانية هي في القدس. لكن إذا كانت القدس موحدة فإنه لا توجد دولتان، وإنما دولة واحدة. لكن لا أحد في العالم وضع تحديا أمام هذا. والآن يأتي زعيم فلسطيني ويقول ’إنني أريد خوض الانتخابات للكنيست، وأنتم لا تسمحون لي بخوض انتخابات الكنيست، فإنني أريد أن أستغل القدس الموحدة. لدي ثلث المصوتين وسوف أشكل قائمة لانتخابات البلدية،. هذا قد يؤدي إلى وجود نائب رئيس بلدية عربي، أو رئيس لجنة المراقبة في المجلس البلدي. وعندها ستنهار كل الفكرة حول القدس اليهودية. وسيكونون ملزمين بإيجاد حل لهذا الأمر. لماذا يجب أن يحدث هذا؟ لأن المواطن البسيط يريد أن يعبر عن حقه في صندوق الاقتراع. وأعتقد أن مفتاح الحل، وخلافا لكل ما يعتقده الكثيرون، هو مدني وفي القدس. هذه فرصة رائعة لمهاجمة النقطة الأضعف في إسرائيل".
مثل آخر الفرنجـة
(*) سؤال: نريد أن ننتقل إلى موضوع المحرقة. إن محور كتابك "لننتصر على هتلر" هو أن إسرائيل لم تحقق حتى الآن انتصارًا على هتلر، وأن المحرقة النازية ما انفكت تشكل جزءًا أساسيًا من كل شيء وكل خطاب في إسرائيل. والآن قلت إن قيام إسرائيل كان مرتبطا بذلك، رغم أنه في تصريحات نتنياهو وآخرين، ردا على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة القاهرة، لم يوافقوا على هذه المعادلة بأن إسرائيل أقيمت نتيجة للمحرقة وإنما لأنها "وطن الشعب اليهودي". هل تعتقد أن المحرقة ما زالت مهيمنة وتشدّ إسرائيل إلى الوراء، كما لو أنها جدار يمنع الوعي الإسرائيلي من التقدم إلى الأمام. هل هذا ما زال ساري المفعول؟
بورغ: "يبدو لي أنه سيظل ساري المفعول حتى الجيل المقبل على الأقل. دعونا نبدأ من مكان بسيكو - سياسي. لقد حدثت نكبة في العام 1948. وكانت قاسية ومؤلمة. وسببت صدمة هائلة للمجتمع الفلسطيني، أتفهمها تمامًا، فوالدتي نزحت عن الخليل بعد العام 1929 [في أعقاب أحداث انتفاضة البراق]، ولم تصح من صدمتها أبدا، رغم أن صاحب البيت العربي أنقذها، لكن هذا لا يساعد الفرد ولا الجماعة. وكثيرًا ما يأتي فلسطيني إليّ ويقول لي ’هل تعلم أن صدمتي أكبر’. وأنا، بدلا من أن أحترم ألم الآخر وأتعاطف معه، أتنافس معه. لكن في المنافسة على الصدمات لا يوجد منتصر. ولم يكن أبدا هنا خطاب إسرائيلي يحترم، وقبل كل شيء يتحمل قسطنا في نشوء قضية اللاجئين. فإذا كنت مسؤولا عن نشوء قضية اللاجئين بنسبة 49 بالمئة فهذا يعني أنني مسؤول مئة بالمئة عن الـ 49 بالمئة. لم نتحمل المسؤولية. لكننا أيضا لم نتعاطف ونتماثل أبدا. إذن، وقبل أي شيء، فإن التنافس على الصدمات هو أمر قاسٍ في السياسة الشرق أوسطية. والأمر الجميل الذي فعله أوباما في مستهل ولايته هو أنه أعرب عن التعاطف والتماثل مع آلام الجميع، قبل أن يتراجع القهقرى. الأمر الثاني هو أنه من الناحية التاريخية تستغرق الأمة سنوات طويلة من أجل التطهر من الصدمة. أنظرا مثلاً إلى الشيعة الآن. أصدقائي الشيعة غير متطرفين، وإنما إنسانيون، وهم فعلا يحزنون في ذكرى معركة كربلاء. يؤلمهم أن الحسين [بن علي] قُتل. وهم يعيشون هذا بكل جوارحهم. والسؤال هو كيف تحتوي هذا الأمر؟. عندما كنا قريبين زمنيا من كربلاء فإن الحزن حينذاك كان مئة بالمئة، لكن اليوم يتذكرون ذلك في يوم عاشوراء، بالطقوس. وبالنسبة لنا، فنحن ما زلنا في جيل ذوينا الذين هم جيل المحرقة وجيل النكبة. وهذا لا يتطهر بسرعة كبيرة. وكل واحد منا يتذكر أمه تبكي. لقد ألفت كتاب "لننتصر على هتلر" للمجتمع الإسرائيلي من أجل لحظة معينة. فما هي هذه اللحظة؟ سيأتي يومنا، وفيما نحن لا نزال على قيد الحياة، حيث سيموت آخر الناجين من المحرقة. وسوف ننهض يوما ما في الصباح ولا يوجد في العالم، ولا حتى شخص واحد، تكون المحرقة بالنسبة له تجربة شخصية. وهذا يوم ستتحول فيه التجربة الشخصية إلى ذكرى. لكن طالما هو حي بيننا، من الصعب جدا التحرك. بيد أن حضور المحرقة، بشكل تهكمي، في الحلبة السياسية ما زال واسعا جدا. وحتى يدرك السياسيون أن الجمهور لا يريد ذلك فإنه من الصعب تطهير هذا بشكل كامل".
(*) سؤال: أدبيات كثيرة وكذلك أعمال فنية عديدة، مثل فيلم ريدلي سكوت، المخرج المعروف، "ملكوت السماء"، تحدثت عن الفرنجة وصلاح الدين الأيوبي. ومعظمها يتحدث عن وجود فريقين بين الفرنجة، الفريق الأول يريد العيش من خلال الاندماج في الشرق، والفريق الثاني استعلائي وعدواني. وفي نهاية المطاف كانت الغلبة من نصيب الفريق الاستعلائي، وبعد ذلك جاء صلاح الدين وقضى عليه. هل تريد إسرائيل أن تكون جزءا من المنطقة، أم مثلما يكتب الكثيرون أنها مملكة فرنجية أخرى؟
بورغ: "هذا سؤال لم يطرحه الإسرائيليون على أنفسهم أبدا. إنهم يتحدثون عن المنظور الأمني. وأنا أقول للإسرائيليين إن كل الدبابات والقنابل والطائرات يجب ألا تشكل مفهومنا الأمني، ذلك بأنها مجرّد أداة، وهي ليست الجوهر. وأستطيع القول إنه لم يجر أبدا هنا جدل إستراتيجي ثاقب، لا على مستوى الحكومة ولا على مستوى صناع القرار أو الأوساط المثقفة، بشأن ما الذي نريده في الشرق الأوسط. إن ما يمكن ملاحظته هو أنه توجد ثلاث مقاربات إزاء الشرق الأوسط. الأولى، مقاربة إقامة الأسوار وكل من يقترب منها سوف أقتله. وأعتقد أن الجدار الفاصل مستل من فكر الفرنجة. المقاربة الثانية، مقاربة [رئيس حكومة إسرائيل الأسبق] إسحق شامير والتي تنص على استمرار 100 عام من الصراع، أي من إدارة الصراع، تارة تكون النيران عالية وتارة تكون منخفضة. والمقاربة الثالثة هي الاندماج في الشرق الأوسط. وبالإمكان أن يكون ثقافيا والوصول إلى حد العلاقات التامة بين الأفراد والأبناء. وبالإمكان أن تصل إلى أماكن تحدث فيها أمور في الغرب حيث لا توجد أسوار، بين المسلم والمسيحي، أو بين المسلم واليهودي والمسيحي. وانعكاس عدم إجراء نقاش هنا حول ما الذي نريده في الشرق الأوسط هو المنظور الأمني. أنا شخصيا أريد الاندماج. وأعتقد أنه ما زال بالإمكان القيام بذلك، لكن هذا لن يكون متاحا إلى الأبد. بالإمكان التحدث عن كونفيدرالية وفدرالية شرق أوسطية أو على الأقل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، لأنهما شعبان متشابهان. وحياتهما المشتركة خلال المئة عام الأخيرة أنتجت شبها كبيرا للغاية بيننا. وأنا لا أعتقد أن بالإمكان أخذ الديمقراطية من الفلسطينيين. وأعتقد أن هذا يسري على غزة أيضا. وهذا أساس لحوار محتمل ومثير للغاية. أنا لا أخاف الاندماج. وخوفي ليس من أن يتزوج ابني من فلسطينية وإنما خوفي من أن يتزوج إنسانة سيئة. وأنا أفضل أصدقائي الفلسطينيين على معظم المستوطنين من أبناء عائلتي. وردا على السؤال: ماذا تريد إسرائيل؟ هي تنساق وراء غرائزها تمامًا مثل آخر الفرنجة".
(*) سؤال: كيف تنظر إلى القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية التي تطرحها حكومة اليمين في الكنيست؟
بورغ: "لو كنت رئيسًا للكنيست لما كنت سأسمح بطرحها. يوجد لهذا بعد سياسي وآخر تهكمي. ولنبدأ بالبعد السياسي. حزب العمل لم يكن أبدا، منذ العام 1977 [عندما خسر الحكم لأول مرة لحزب الليكود] مستعدا لقبول قرار الناخب بأنه لم ينتخب للسلطة. ولذلك انضم كل مرة إلى الحكومة. ونتيجة لذلك نشأت حالة من التوازن بأنه ليس كل شيء مسموح وكانوا شركاء، للسلب والإيجاب. كانوا شركاء في جميع الأمور البشعة، في الحروب والاستيطان، لكن من الجهة الثانية حافظوا على مظهر كرامتهم. وعندما حرر إيهود باراك حزب العمل [بالانشقاق عنه وانسحاب العمل من حكومة نتنياهو]، فإنه فجأة بعد 30 عاما أصبح اليمين يحكم لوحده. وهكذا يفكر اليمين حقيقة، وهكذا هو يتصرف. وسوف يدفعون الأثمان على ذلك. سنرى كيف سيستقبلون في العالم. وسنرى كيف سيردون على ردات فعل الاتحاد الأوروبي. وعلى المستوى التهكمي، فإني أعتقد فعلا أنه ينبغي جعلهم يسيرون الطريق كلها. ويجب على أعضاء الكنيست من المعارضة ألا يتواجدوا في قاعة الكنيست. وألا يصوتوا. وذلك كي لا يقولوا إنه تمت المصادقة على القانون بأغلبية 60 صوتا ومعارضة 40. يجب أن يقال إنه أيد القانون 60 يمينيا فاشيا. لا أحد سيتعاون مع ذلك. ولنرى إلى أين سيصلون. مع ذلك عليّ القول إنه على الرغم من سيل القوانين الأخيرة، لا يوجد أي مكان بين المغرب وباكستان يتحركون فيه بحرية مثلنا".
(*) سؤال: وهل تعتقد أن المبادرة إلى هذه القوانين، أي روح هذه القوانين، هي من جانب أفيغدور ليبرمان وحزبه؟
بورغ: "هذا ليس مهما من الناحية التكتيكية. لكن سأقول لكما ما هي لعبة نتنياهو. نتنياهو هو رجل إستراتيجية سياسية لامع. وفي كل مرة يضع نفسه في موقع وسطي افتراضي يتواجد فيه. ومريح جدا له أن ليبرمان يوجه له الضربات من اليمين، لأنه في هذه الحالة يثبت أنه هو ليس ليبرمان. وهو يريد جدا أن تكون [رئيسة حزب كاديما والمعارضة] تسيبي ليفني، التي لا تفعل شيئا، على يساره، فهذا دليل على أنه ليس تسيبي ليفني. وسيأتي في الانتخابات المقبلة ويقول أنا اشتراكي - ديمقراطي. وبأسلوبه الخطابي هو يتحرك في المكان الأكثر دقة في الوسط، وعمليا فإن الجميع انفلتوا، لأنه عندما ينفلتون فإنهم يضعونه في الوسط. هذه هي حركته. ولو لم يكن هناك ليبرمان لتوجب على نتنياهو أن يخترعه".
(*) سؤال: ما رأيك في حركة الاحتجاجات الاجتماعية التي نشطت في الصيف الماضي. هل منحت أملاً ما؟
بورغ: "أعترف بأني لم أشترك في أي مظاهرة لهذه الاحتجاجات. أولادي شاركوا في بعض المظاهرات. فأنا لا أفهم ما الذي يريدونه. ليقولوا عني إن لدي عقلية قديمة، أو إني أنتمي لجيل سابق، لكن فليقولوا لي بماذا يفكرون. هل يريدون العدالة الاجتماعية [الشعار المركزي في هذه الاحتجاجات]؟ العدالة الاجتماعية تعني أفضليات، لكنهم قالوا لا شيء. وأنا لا أتماثل مع لا شيء. أريد أن أعرف ماذا يقف أمامي. لا أحب الأمور الضبابية. وقد شعرت أنه يوجد هنا أساس لخدعة. شيء ما ليس حقيقيا. قولوا لي ما هو المضمون. ليقولوا إننا نريد عدالة اجتماعية بحيث الأفضلية الأولى فيها هي أنه يحق لأي ولد يهودي وعربي أن يتعلم وأن لديهما حقوقا متساوية، ويجب أخذ أموال من هنا ورصدها هناك، لكن لا تقولوا إننا نريد أن تتحسن الأمور وبعد ذلك تسمحون للجنة حكومية أن تقرر في هذا. ولم أشعر بأنه توجد لدى هؤلاء الأشخاص قدرات ثقافية أو شجاعة سياسية تمكنهم من الوقوف وراء مطالب حقيقية. سأقول لكم ما أريد: أريد تفكيك المستوطنات، أريد العودة إلى الخط الأخضر. وإذا لم ينجح هذا فإني أريد أن تكون هنا دولة واحدة مدنية ومساواة في الحقوق لكل إنسان بين النهر والبحر. أريد أن يكون الحكم في البلاد اشتراكيا أكثر وعلى غرار الدول الاسكندنافية، وأن تهتم الدولة بأمور أكثر من اليوم. أريد توزيعا مختلفا للثراء في المجتمع. أريد توزيعا مختلفا لتحمل الأعباء والمسؤولية الاجتماعية المدنية والقومية. أنا أقول ماذا أريد ومن أين أريد أن يأخذوا التمويل. والآن أحكموا عليّ، توافقون أو لا توافقون. إنهم كيس مليء بالهواء وعندما أدخل يدي فيه لا أصطدم بشيء. ولذا فإنهم سرعان ما اختفوا، وذلك بعد أول هجوم عند الطريق إلى مصر [المقصود هجمات إيلات في منتصف شهر آب/ أغسطس الماضي]، وفي موازاة حديث متواتر عن إيران [التهديدات الإسرائيلية بمهاجمة إيران]. والآن لم يعودوا موجودين، الأمر الذي يعني أن هذا ليس حقيقيا".
(*) سؤال: ثمة حديث عن وجود أزمة قيادة في إسرائيل. فهل تفتقد قياديين على غرار رابين وبيغن، وربما أيضا على غرار والدك يوسف بورغ؟
بورغ: "أنا أفضل قادة
لديهم أيديولوجيا. ولا يهمني ما هي هذه
الأيديولوجيا.
إن الأيديولوجيا
التي
كانت لدى مناحيم بيغن مثلاً لم أتفق
معها على الإطلاق،
لكن
بإمكاني أن أواجهها من خلال الخطاب
الأخلاقى أكثر بما لا يُقاس من مواجهة
القيادة الجوفاء التي
يمثلها كل من باراك و
نتنياهو، وذلك لأن هذين
المذكورين ليس لديهما
شيء يعرضانه سوى
الأنا المتضخمة
والاستعراض
الفضفاض، ولا يوجد
لديهما أي مضمون
حقيقي. وفي هذا
السياق بودي التشديد
أيضًا على أنه كان لدى
رابين مفهوم أخلاقي
أثار احتراما لدي
تجاهه، فى حين ان
بيريس لا يثير لديّ
احتراما كهذا".
ما تنسوش التقييم