الحركة الاصولية - التحدي والاستجابة

sword1988

عضو
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
821
التفاعل
729 0 0
111_87_s.jpg
اصبح بالامكان تحرير موسوعة ضخمة تضم موضوع الحركة الاصولية في الازمنة الحديثة. فمنذ نهاية الحرب الباردة ١٩٩١ اطلقت عواصم الغرب والاوروبي وفي طليعتها لندن وباريس شرارة الحرب الجديدة تحت شعار الاصولية الاسلامية وضرورة مجابهتها ضمن اطار صراع الحضارات. واخذت المواقف والاقوال والاعمال النظرية والعملية ذات العلاقة بالموضوع، في التحرك على كل الاتجاهات، وعلى مختلف الصعد والمستويات الاقليمية والقارية والعالمية، وكأن عصا سحرية قد ضربت الشعوب، فأيقظتها من سباتها على وقع عالم جديد من العداء والحقد وكل ما هو مثير للمشاعر الغريزية فكان من المتوقع ان تتحرك الشعوب العربية والاسلامية على الاتجاه المضاد من اجل مجابهة التحديات المفروضة باستجابات مناسبة. وهكذا تشكل خلال حقبة زمنية قصيرة نسبيا ١٩٩١ - ٢٠٠٨ ركام ضخم من الشواهد على طبيعة هذا التحرك الذي تصعب الاحاطة به، والذي من غير الصعب قراءة ملامحه. صراعات قديمة ومتجددة ليست ظاهرة تفجير الصراعات الدينية - او المذهبية هي من ظواهر الازمنة الحديثة، او هي احدى افرازات النظام العالمي الجديد - او العولمة وانما هي من مكونات المجتمعات عبر التاريخ ونموذجها القديم والشهير هو الحروب الصليبية القديمة ٤٨٩ - ٦٩٠ ه ١٠٩٥ - ١٢٩١ والتي تجددت تحت رايات الحروب الاستعمارية التي حملت كل عوامل التحريض الديني. ثم تابعت مسيرتها في الازمنة الحديثة. ولكن بعيدا عن الانظار وضمن مسارات قادرة على التكيف ولكنها غير قادرة على تغيير طبيعتها او اهدافها. واذن فما جرى تحت شعار صراع الحضارات ومجابهة خطر الاصولية الاسلامية هو رداء جديد لمضمون قديم، غير ان هذا الرداء قد اخذ شكلا مثيرا واستفزازيا منذ البداية. ومن ذلك: اولا - ان اصطلاح صراع الحضارات هو اصطلاح غير صحيح وغير دقيق، فالحضارات لم تتطور ولم تتفاعل الا عبر الحوار والاتصال والتعايش وليس عبر الحدود والصراعات.

ثانيا - ان الاصولية الاسلامية بدورها لا تمثل الا نوعا من الالتزام الديني وذلك بدلالة وجود اصولية مسيحية واصولية يهودية. فلماذا تشكل الاصولية الاسلامية وحدها ذلك الخطر المزعوم؟ ثم ما هي حدود هذه الاصولية الاسلامية بحسب مزاعم الذين يتعاملون معها؟ وهل كل ملتزم بغرائضه الدينية وتعاليمه اصولي؟ ثالثا - يعترف المؤرخون والباحثون وحتى الغربيون منهم بان الحروب الصليبية القديمة والحروب الاستعمارية ايضا لم تكن صراعات حضارية او دينية وانما كانت صراعات اقتصادية سياسية. وان دور الكنيسة فيها كان تجميليا اذا ما جاز التعبير لستر وحشية تلك الحروب وبشاعتها وانحرافاتها. فهل صراع الحضارات ضد الاصولية الاسلامية هو ذو اهداف مختلفة؟ وهل ستحقق الحملة الجديدة ما عجزت الحملات القديمة والمتجددة عن تحقيقه؟ جاءت احداث ١١ ايلول سبتمبر ٢٠٠١ فاسقطت كل الذرائع والاقنعة التي استخدمت للتمويه على اهداف محاربة الاصولية الاسلامية او حوار الحضارات او غيره. فقد اعترف اصحاب القرارات في عواصم الدول الكبرى. ان الصراع العربي - الاسرائيلي هو احد اسباب الهجوم على ابراج نيويورك ومراكز قيادة واشنطن غير ان هذا الاعتراف اختفي بسرعة ضمن ضجيج اعلان الحرب على الارهاب. والربط بين الارهاب و الاصولية الاسلامية. غير ان ضجيج الحرب، واعلام الحرب، والاعمال القتالية في الحرب لم تتمكن من اخفاء ما ارتكب من جرائم على كل مسارح الحرب القديمة والجديدة في فلسطين وافغانستان والعراق ولبنان وحتى السودان. وبرز اسم القاعدة وطالبان من خلال هذه الحرب، ولحقت بها اسماء وتنظمات كثيرة في طليعتها حماس وحزب الله وجيش المهدي - مقتدى الصدر. وطرح ذلك تساؤلات كثيرة من اهمها: اليست الحرب التي انطلقت شرارتها من فلسطين هي التي اشعلت ركام المواد الملتهبة والقابلة للاشتعال والتي تطورت الى تنظيمات مقاتلة - يتم تصنيفها في قائمة التنظيمات الارهابية؟ وهل استطاعت هذه الحروب على شدتها وضراوتها ووحشيتها وجرائمها ان تحقق نصرا حاسما على التنظميات المتطرفة او الاصولية او الارهابية؟ وهل اهداف الحرب هي محاربة الارهاب او الاصولية ام هي لاهداف سياسية - اقتصادية؟ وهل هذه التنظيمات المقاتلة والموصوفة بالارهابية هي كل المجتمع العربي والمجتمعات الاسلامية - ام انها هي النسبة العددية المحدودة من تكوين العالمين العربي والاسلامي؟ ثم وقبل ذلك وبعده: هل جاءت هذه الحروب ضد التنظيمات القتالية ام انها جاءت ضد الشعوب العربية - والاسلامية فعملت على تدميرها مما ساهم بنقلها الى معسكرات المقاومة؟ ليس المجال هنا هو مجال البحث في محاربة الارهاب ولا في اسلوب خلط الاوراق العسكرية السياسية الاقتصادية بعضها ببعض، بحيث تشكل مزيج غريب لا علاقة له بخصائص اي نوع من انواع الخليط. غير انه من المناسب التوقف عند خلاصة بحث اميركي تضمنت ما يلي: "ان محاربة الارهاب كمثل محاربة حيوان - الهيدرا الاسطوري كلما قطعت له رأسا نبت مكانه رأس" فما هو السبب لهذه الظاهرة في التكاثر؟ وهل يمكن تجاهل حقيقة ان انحرافات الحرب وجرائمها وافتقارها للعدالة ومجافاتها للحق هي السبب الحقيقي لتشكل الارهاب وتكاثره ولا علاقة للاسلام والدين الاسلامي بكل هذا الذي يعمل تدميرا في مكونات العالمين العربي والاسلامي. من المناسب هنا التوقف عند زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود للفاتيكان. ومقابلته للبابا بنديكتوس السادس عشر. في اطار جولته الاوروبية التي شملت بريطانيا وايطاليا وتركيا في شهر تشرين الثاني"نوفمبر ٢٠٠٧ وقد اكتسبت هذه الزيارة اهمية خاصة. فقد جاءت خلال فترة تصاعد فيها التوتر في المنطقة الى حافة الحرب. وكانت اول زيارة يقوم بها عاهل سعودي لحاضرة العالم المسيحي الغربي فكانت بمثابة اعلان للشعوب الاسلامية والمسيحية ان لا حرب صليبية جديدة. وما من حاجة للتوقف عند الممارسات المنحرفة او المواقف الخاطئة، او الدعوات الديماغوجية المدمرة. ولكن وكما هو متوقع فما اقترن بهذه المبادأة ونتائجها من شعور عام بالارتياح، بددته سحب الحرب وتطورات الاعمال القتالية، مما دعم من مواقف التنظيمات القتالية، وهذا ما ظهر في تسجيل اسامة بن لادن الذي جاء بمناسبة يوم عيد المولد النبوي للرسول صلى الله عليه وسلم يوم ١٢ ربيع الاول ١٤٢٩ ه الموافق ٢٠ آذار ٢٠٠٨ وتضمن - فيما تضمنه - ما يلي: لقد تركزت تهديدات اسامة ين لادن في هذه المرة على الرسوم المسيئة للاسلام في الصحافة الاوروبية والتي الاحتجاجات عليها عمت العديد من المدن. وتعرض البيان لشخص بابا الفاتيكان - بنديكتوس السادس عشر. الذي اثار سخط المسلمين في العام ٢٠٠٦ عندما اقتبس في خطاب له كلمات اساءت الى الرسول والقرآن. مما وضعه في موقع قائد الحملة الصليبية الجديدة في انظار المسلمين. وبالتالي فمن غير المفيد اجراء حوار مع الفاتيكان الذي يحرض ضد الاسلام بحسب اسامة بن لادن وهكذا اصبحت ايطاليا والدانمارك وهولندا في طليعة اهداف هجوم القاعدة، وبعد ذلك وفي يوم ٢٨ اذار"مارس ٢٠٠٨ حضر النائب الهولندي اليميني غيرت فيلدز عرض فيلمه فتنة الذي وصف بأنه معاد للاسلام. وعقد مؤتمرا صحافيا قال فيه: "انني ارفض تحمل مسؤولية اي اعمال انتقامية قد تقع ضد هولندا... انني لست مناهضا للاسلام، ولا اكره المسلمين. وما اريده هو ايقاف هجرة المسلمين الى هولندا... "ان ثقافتهم بعيدة كل البعد عن ثقافتنا. وهي تهدد باغراق مجتمعنا وقناعاته. انني اشعر ان رسالتي بالغة الاهمية، لذلك سأعمل على متابعتها... ان اسلمة مجتمعنا تكلفنا حريتنا". وجاء اول رد فعل على عرض هذا الفيلم الهولندي الذي اعتبر معاديا للاسلام وللرسول ورسالته. بتصريح الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي قال فيه: "لا شيء على الاطلاق يبرر خطاب الحقد والتحريض على العنف مما تضمنه الفيلم". ولا ريب ان اسامة بن لادن الذي يرصد مثل هذه التحديات، قد افاد منها الى ابعد الحدود لتطوير قدراته. وهذا ما اشار اليه تقرير صحافي نشرته فضائية دبي - الامارات يوم ١٢ نيسان"ابريل ٢٠٠٨ وجاء فيه: "اكد خبراء مكافحة الارهاب وتنظيم القاعدة. انه رغم الحرب على الارهاب منذ اعتداءات ١١ ايلول"سبتمبر ٢٠٠١ فان التنظيم قد نجح في المحافظة على وجوده، وقد تفرعت عنه عدد من التنظيمات في دول المنطقة. وهم يتزايدون خبرة وعددا. ويواصل التنظيم جهوده لاعادة تنظيم صفوفه وتجهيز قواته للمواجهات القادمة. ويظهر ان مشكلة الحصول على الاموال والاسلحة لم تكن عقبة امام تطوير تنظيم القاعدة والتنظيمات المماثلة، رغم كل الجهود لتحقيق مصادر القدرة المادية للتنظيمات. مناهضة سياسة الاحقاد والكراهية. لم يكن رفع شعار صراع الحضارات في حد ذاته الا تعبيرا عن سياسات الاحقاد والكراهية والدعوة للصدام والاقتتال وقد تصدت للتعامل مع هذا الشعار قوى عربية واسلامية وعالمية رفعت شعارا لها هو حوار الحضارات الذي جاء تعبيرا عن ارادة نشر رايات المحبة والتعاون بين كل شعوب الارض وبين كل المذاهب والديانات والحضارات. فكان من المتوقع بالتالي ان يسقط شعار صراع الحضارات ليرتفع عاليا شعار حوار الحضارات. وفي الواقع التاريخي، فان لدفع هذا الشعار لم يكن الا نوعا من الالتزام الثابت بالديانات السماوية وبخاصة الاسلام الذي انزله الله للناس كافة. ولم يكن ايضا الا تأكيدا لخلاصة التجربة التاريخية لنجاح انسانية الاسلام وتسامح الاسلام والاعتدال في احباط كل مخططات الحروب والنزاعات والصراعات عبر الالتزام باسمى ما يحتاجه الانسان في تنظيم علاقاته على ارض الدنيا ضمن اطار مبادئ الحق والعدل والخير وكل الفضائل التي حملتها الديانات السماوية. واذن فلم يكن امرا مباغتا ولا غريبا ان تصطدم الانحرافات الفكرية الشريرة، بجدار عالمي صلب ومتماسك ساهم في بنائه ابناء كل الديانات ومنها على سبيل المثال اعلنه مركز منظمة اليونيسكو - في باريس يوم ١ نيسان"ابريل ٢٠٠٨. وجاء فيه: "تدين المنظمة بشدة الفيلم الذي يسيء للاسلام الذي اخرجه النائب الهولندي غيرت فيلدرز اذ لا شيء يبرر هذا الاسلوب في التعبير عن الكراهية والتحريض على العنف. وتذكر منظمة اليونيسكو بالقرار الذي تم اعتماده في نيسان"ابريل ٢٠٠٦ من جانب المجلس التنفيذي لليونسكو بخصوص احترام حرية التعبير، واحترام المعتقدات والرموز الدينية. ويشدد على ضرورة التركيز على هذا القرار الذي يبدو اليوم اكثر ملاءمة من اي وقت مضى، داعيا الى حوار هادئ بين الديانات والثقافات". كذلك جاء عقد الدورة الحادية عشرة لمؤتمر قمة منظمة المؤتمر الاسلامي التي عقدت في العاصمة السنغالية داكار يومي ١٣ و١٤ آذار"مارس ٢٠٠٨ حيث جاء هذا الموعد في ظروف بالغة الدقة والصعوبة اسلاميا وعالميا، فكان من الطبيعي ومن المتوقع ان يتضمن جدول اعمال المؤتمر اهم القضايا والتحديات المطروحة على الساحات الاسلامية والعربية والعالمية، واهمها العداء للاسلام والعولمة ومكافحة الارهاب الدولي والحد من انتشار التسلح، ودعم التضامن الاسلامي والموقف الاسلامي من حرب العراق والحرب في فلسطين ووضع لبنان وافغانستان والسودان ودارفور. وصدرت تصريحات لقادة الدول العربية والاسلامية منها تصريح وزير الخارجية السوداني الوسيلة السماني جاء فيه: "تقرر من خلال هذا المؤتمر العمل على ابراز وجه الاسلام المتسامح والحضاري. واعداد مشروع كبير يتعلق بحوار الحضارات والتسامح الديني وابعاد اتهام الاسلام بالارهاب" فيما صرح وزير خارجية مملكة البحرين الشيخ احمد بن محمد آل خليفة بما يلي: "ان هذه القمة مهمة جدا، وامامها قضايا واخطار محدقة بالعالم الاسلامي، ويجب النظر بكيفية العمل المشترك ليواكب حركة المجموعات الدولية والمواثيق والقوانين الدولية وهذا ما يتطلب الوقت والعمل". ويظهر ذلك ان استجابة المسلمين - من عرب وغير عرب - في مواجهة التحديات الاستفزازية قد تميزت بالرصانة والحكمة، فجاءت ردود الفعل لتضع قضية التعامل مع كل انواع الاستفزاز والتحدي في اطار مخطط شامل واصبحت قضية الحوار الحضاري هي قضية كل عاصمة عربية واسلامية. ونموذج عن ذلك رعاية كازاخستان لعدد من مؤتمرات الحوار بين العالم الاسلامي والغرب الاوروبي. فقد استضافت عاصمة كازاخستان استانا مؤتمرين لهذا الحوار في سنتي ٢٠٠٣ و٢٠٠٦. وكانت هذه التجارب مقدمة لتطوير الحوار عبر مؤتمر جديد يتم عقده في نهاية العام ٢٠٠٨ في العاصمة استانا تحت شعار "عالم واحد - التقدم من خلال التنوع" حيث استجابت كثير من العواصم العربية والاسلامية لهذه الدعوة التي اطلقها الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزار باييف لاستضافة وزراء خارجية الدول التي ترغب في الاطلاع على تجربة كازاخستان المميزة بالتنوع الثقافي والحضاري، حيث يشكل تمازج وتعايش ممثلي مختلف القوميات والاديان فيها، تجسيدا حيا وواقعيا ينفي كل مزاعم الصراعات الحضارية او صراع الثقافات. وكان البابا الراحل يوحنا الثاني قد وصف كازاخستان بقوله: "بأنها بلد السلام والتعايش في الصحراء الشاسعة مما يدهش ويؤكد امكانية المحافظة على السلام والمحبة في دولة متعددة القوميات". وعلى هذا الاتجاه ذاته انطلقت فعاليات مؤتمر الدوحة السادس لحوار الاديان في العاصمة القطرية ايام ١٣ - ١٥ ايار"مايو ٢٠٠٨ وقد عملت هيئة مركز الدوحة لحوار الاديان على تنظيم هذا المؤتمر بالتعاون مع اللجنة الدائمة للمؤتمرات بوزارة الخارجية القطرية، ومع منظمة المؤتمر الاسلامي. وفي دمشق، اعلن يوم ١٤ كانون الثاني"يناير ٢٠٠٨ ان وفدا من جامعة هارفرد سيمتري الاميركية قد وصل العاصمة السورية للمشاركة في "الملتقى الفكري لتعارف الحضارات والرسالات في ظل الاسرة الانسانية الواحدة". وشارك في الملتقى عدد كبير من المفكرين والعلماء من اقطار اوروبية وآسيوية ومن كل القارات، وفي يوم ١٦ آذار"مارس ٢٠٠٨ افتتح في دمشق ايضا "منتدى الحوار الذي حمل عنوان الاسلام والغرب تعارف وحوار من اجل السلام العالمي". وصحيح ان مضمون الحوار هو مضمون متماثل ومتطابق ايضا بسبب وحدة الموضوع، وهذا ما اثار سؤالا جوهريا، وهو ان المهتمين بمتابعة الحوار والعاملين في تياره هم علماء واكاديميون ورجال دين ورجال فكر واعلاميون فيما تنطلق تيارات العداء والكراهية من منطلقات سياسية فهل يعني ذلك تسييس الدين ام اضفاء فضائل الدين على السياسة؟ ثقافة العداء للاسلام قد يكون حوار الحضارات، او حوار الاديان، هو مدخل مناسب للتعامل مع قضية تفجر ظواهر العداء ضد الاسلام والمسلمين، سواء أتحت رايات محاربة الاصولية، ام تحت مكافحة التطرف الاسلامي، ام حتى تحت رايات القضاء على الارهاب. وقد يكون سبق عرضه وهو بعض من الشواهد القليلة جدا على طبيعة هذا الحوار، دليل واضح على درجة تأثر الوطن العربي والشعوب الاسلامية بالتحديات المفروضة عليهم عبر بوابة حوار الاديان او مكافحة الحركات الاصولية او اشباهها ونظائرها وهذا ما اثار تساؤلات كثيرة - كمثل لقد مضى على ظهور الاسلام اكثر من اربعة عشر قرنا فهل بقي هناك من يجهل ولو بشكل عام قواعد هذا الدين ومبادئه؟ واذا كان الامر كذلك وهو كذلك حقا فلماذا لا يتم التوجه مباشرة للتعامل مع صانعي القرارات السياسية لاستبدال ثقافة العداء للاسلام غطاء لاهدافهم السياسية، واستخدم ثقافة قبول الاسلام والتعايش معه لوضع حد فاصل لكل الاستفزازات غير المقبولة والتحديات الثقيلة الصادرة عن عواصم دعاة حوار الحضارات وحوار الاديان ذاتها؟ وفي الواقع فان العلاقة بين القرار السياسي العالمي او القاري غير منعزل عن قرار استخدام ثقافة العداء للسلام وهذا على سبيل المثال ما اشار اليه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في اول ظهور رسمي له يوم ٩ ايار"مايو ٢٠٠٨ وبمناسبة عيد الانتصار على النازية بقوله: "ان النزاعات المسلحة لا تنشأ من تلقاء نفسها، بل يثيرها اولئك الذين تتغلب طموحاتهم غير المسؤولية على مصالح بلدان وقارات باسرها يعيش على ارضها عشرات ملايين البشر، وانني ادعو الى التعامل باكبر قدر من الجدية مع محاولات نشر الاحقاد العرقية والدينية وتحرك عقدة الرعب والتطرف وارادة التدخل في شؤون دول اخرى". وهنا لا بد من تجاوز الخطابات السياسية الرسمية لاستقراء ملامح بعض ظواهر ثقافة العداء للاسلام المرتبطة بتلك السياسات وهي ظواهر كثيرة ومتنوعة في اشكالها، واساليبها واهدافها ولكنها ترتبط بوثاق واحد هو وثاق ثقافة العداء للاسلام واهله ونموذج ذلك ما اعلنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم ٢٤ نيسان"ابريل ٢٠٠٨ من استنكاره وتنديده بظاهرة العداء للاسلام، بعد اكتشاف قيام مجهولين بنبش قبور المسلمين وتدنيسها، مما اثار غضب المسلمين. ويمكن ايضا الاشارة الى انتشار ظاهرة العداء للمسلمين في الولايات المتحدة الاميركية مما حمل الرئيس الاميركي جورج بوش على اتخاذ قرار يوم ٢٥ نيسان"ابريل ٢٠٠٨ نص على "منع اثارة النعرات المذهبية او الدينية". ماذا بعد التحديات؟ قد لا تكون ثمة حاجة بعد ذلك لحشد الادلة والبراهن والحجج لتأكيد حقيقة ان ما يعيشه الشعب العربي والشعوب الاسلامية من معاناة شاقة تحت ثقل التحديات المفروضة عليه، وبخاصة منها ما كان مقترنا بالتحديات المذهبية الدينية والطائفة. ما هي الا صناعة سياسية اتقنت عواصم العداء ذات المصالح الكبرى في العالم، صياغتها واستخدامها. وبالتالي، فمن غير الطبيعي تبرئة صانعي سياسة العداء من جرائمهم بحق الشعوب العربية والاسلامية، ومن غير الطبيعي ايضا الاخذ بنظريات جهل صانعي تلك السياسات العدائية بطبيعة وقوة تلك الاستجابات لجماهير الشعوب العربية والاسلامية في مواجهة التحديات المفروضة عليهم. وقد جاءت كل محاولات التوفيق والاصلاح والحوار والتفاهم والتعايش وغير ذلك من التسميات التي انطلقت من مؤتمرات عالمية لتلتقي عند حقيقة واحدة هي: "اوقفوا التحديات المضادة للشعوب العربية والاسلامية، حتى تتوقف الاستجابات التي لا بد لها من الانفلات بعيدا عن مسارات الامن والسلام والتعايش في حدود ارجاء العالم الواسع". وهنا لا بد من التوقف عند بعض الشواهد ففي يومي ١٣ و١٤ ايار"مايو ٢٠٠٨ عقد في العاصمة القطرية الدوحة المؤتمر السادس لحوار الاديان تحت عنوان القيم الدينية بين المسالمة واحترام الحياة. وشارك في هذا المؤتمر عدد كبير من النخب الدينية والفكرية والثقافية والاعلامية من اقطار كثيرة. وجرت مناقشات حادة احيانا وهادئة في احيان اخرى. وظهر من خلالها ان ما نعيشه في حاضرنا هو نتيجة اخطاء تاريخية ابرزها وضوحا جريمة اقامة اسرائيل على ارض فلسطين. وما قامت به اسرائيل من زيادة حجم التحديات وثقلها فهل من المباغت ان تكون الاستجابات الفلسطينية مجرد رد مرحلي لا يمكن مقارنته بالتحديات الاسرائيلية او تلك الداعمة للمشروع الصهيوني؟ تجدر الاشارة بهذا الصدد الى بحث اجرته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور وجرى نشره يوم ١٥ ايار"مايو ٢٠٠٨ في اطار استطلاع الرأي واعتبرته انه يمثل وجهة نظر عشرين بالمائة من سكان العالم في قضايا بعد احداث ١١ ايلول"سبتمبر ٢٠٠١ عدد هائل من الافلام والكتب الوثائقية والقصص التي تعرضت لاسباب لجوء المسلمين الى الارهاب، علاوة على انتشار الاحاديث المستمرة عن صدام الحضارات بين المسلمين والغرب اوروبا. ولقد بذل معهد غالوب لاستطلاع الرأي طوال ست سنوات شملت اعدادا من المسلمين في اربعين بلدا رجالا ونساء واصحاب ثقافات متفاوتة ومتنوعة وجاءت نتائج هذا الاستطلاع فأكدت ان معظم المسلمين لا يعتقدون بوجود تناقض بين الاسلام والديمقراطية، ولهذا فهم يطالبون بنموذج للديمقراطية يجعل الشريعة الاسلامية مصدرا له وكانت نسبة المطالبين بان تتضمن دساتير البلاد الاسلامية حرية الرأي في مصر ٩٤ بالمائة وفي اندونيسيا ٩٠ بالمائة، وفي ايران ٩٢ بالمائة وفي باكستان ٨٢ بالمائة وفي تركيا ٨٨ بالمائة و٩٧ في الامارات العربية المتحدة. ولكن كان هناك ما يشبه الاجماع لدى الشعوب الاسلامية والعربية التي تريد الديمقراطية، بان اميركا لا تريد لهم الديمقراطية، ولا تسمح لهذه الدول برسم مستقبلها السياسي. وان معظم الذين مارسوا الاعمال الارهابية لم يتخرجوا من المدارس الدينية، وانما من المدارس العامة والخاصة، واغلبيتهم من الطبقة المتوسطة وكانت دوافعهم سياسية وليست دينية. ويرى اغلبية المسلمين حسب استطلاع الرأي: "ان اول ما يجب على الغرب - اوروبا واميركا - عمله لتحسين العلاقة مع المسلمين هو اظهار المزيد من الاحترام لهم وفهم الدين الاسلامي والامتناع عن تشويهه".
 
عودة
أعلى