قد تكون على صواب بأن احتجاجات هذه المدن من أجل المعيشة وليس لاسقاط النظام، لكن اسمح لي أستاذنا الفاضل الراية أن لا أتفق مع ما تذهب إليه بخصوص هذه المدن التي تفضلت بذكرهم في مداخلاتك، لأنني لا أعتقد أن هذه المدن أو البلدات هي التي بيدها اسقاط النظام، صحيح أن عدد من أركان النظام أصولهم ترجع إلى هذه المدن والبلدات ولكن هناك جوانب أخرى في غاية الأهمية وللأسف الكثيرون يغفلونها،
فقد لاحظت أن معظم الاعلاميين والكتّاب والباحثين العرب لا يتطرقون إليها، وحتى المشاهير من الكتّاب والمهتمين بالشأن الإيراني ممن يظهرون على قنوات التلفزيون لا يشيرون إليها، ولا أعرف لماذا، هل هو تغافل بعمد؟ أم لقصور وعدم إدراك وفهم الوضع الداخلي في إيران؟،
في الواقع، من خلال قراءة سريعة لتاريخ إيران على مر الـ 500 عام الماضية نجد أن معظم الذين حكموا ايران أو كان لهم نفوذ على النظام الحاكم بصورة مباشرة أو غير مباشرة هم ليسوا من الفرس بل هم من "الاتراك الأذريين"، على سبيل المثال من أدخل التشيّع إلى الحكم في دولة فارس هم الصفوييون وهو إسماعيل الصفوي من سلالة الشاهت التركية الآذرية، وهذه نقطة في غاية الأهمية لأن ألاحظ أن المشاهير العرب من كتّاب وباحثيين واعلاميين على قنوات التلفزة لا يشيرون إلى أن الترك الأذريين هم من فرضوا التشييع في إيران، دائماً نجدهم يقولون بأن الفرس فرضوا التشييع في إيران، ولا يذكرون بأن الترك الأذريين لهم نفوذ على النظام الحاكم على مر التاريخ، وهؤلاء المشاهير العرب يقعون في هذا الخطأ وبالتالي تحليلاتهم للشأن الإيراني تصبح ناقصة وغير دقيقة.
معظم من حكموا إيران على مر التاريخ المعاصر، وكذلك معظم من يحكمون إيران حالياً، أو ممن في مناصب رفيعة المستوى هم من الأذريين الترك، مثال:
- المرشد الأعلى وما يسمى بالولي الفقية علي خامنئي
- محمد رضا بهلوي شاه إيران السابق زوجته فرح ديبا
- برويز داودي النائب الأول للرئيس الايراني السابق (في الفترة 2005 إلى 2009)
- برويز فتاح وزير الطاقة السابق وحالياً رئيس لجنة الخميني للإغاثة الحكومية
- يحيى رحيم صفوي رئيس الحرس الثوري الإيراني السابق وحالياً المستشار العسكري لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي
- علي مشكيني رئيس مجلس القيادة السابق
- آية الله العظمى موسوي أردبيلي، أول رئيس للسلطة القضائية (1980-1989)
- مهدي بازركان رئيس الحكومة المؤقتة في ايران وكان اول رئيس وزراء بعد الثورة الإيرانية
- مير حسين موسوي رئيس وزراء ووزير خارجية أسبق، شغل موسوي منصب رئيس الوزراء طيلة الحرب الإيرانية العراقية وفترة رئاسة علي خامنئي، وكان موسوي أخر رئيس وزراء إيراني حيث تم إلغاء هذا المنصب بعده، وخاض الانتخابات الرئاسة الإيرانية في يونيو 2009 التي فاز فيها أحمدي نجاد
- ستار خان الزعيم الثوري الدستوري، المعروف بالقائد الوطني (بالفارسية سردار ملي) ويعتبر شخصية محورية في الثورة الدستورية الإيرانية بين عامي 1905 - 1907 وبطلا قوميا في إيران
- محمود جام رئيس وزراء في عهد والد شاه إيران السابق عام 1939
- علي سهيلي رئيس وزراء في عهد الشاه في الفترة من 1944 - 1946
- إبراهيم حكيمي رئيس وزراء في عهد الشاه في عام 1948
- عباس قره باغي رئيس أركان الجيش الإيراني في عهد النظام البهلوي
- حسين موسوي تبريزي رئيس سابق للجنة التحقيق في محكمة الثورة الخمينية، ورجل دين من التيار الإصلاحي في قم
- صادق خلخالي أول مدعي عام إيراني بعد الثورة الخمينية، ويعرف بأنه كان رجل دين شيعي متشدد جداً
- غلام رضا اغازاده رئيس الوكالة النووية الأسبق في الفترة 1997 وحتى 2009
- أبو القاسم الخوئي، مرجع شيعي
- محمد حسين الطباطبايي، مرجع شيعي
- محمد فاضل اللنكراني، مرجع شيعي
- محمد كاظم شريعتمداري، مرجع شيعي
- جواد التبريزي مرجع شيعي
- مسلم ملكوتي، مرجع شيعي
وهناك العديد والعديد من الرموز والشخصيات السياسية والأدبية والثقافية والدينية والإعلامية من الأذريين الترك الذين لهم تأثير ونفوذ على النظام الإيراني وعلى الشعب الإيراني.
وفي الحقيقة الأذريون هم من يمكنهم إسقاط النظام، فهم من أهم القوميات التي انتفضت ولمرات عديدة في وجه النظام البهلوي، حتى نجحوا عام 1945 من إقامة جمهوريتهم الديمقراطية، لكن انسحاب السوفييت من شمالي إيران أدى إلى انهيار الجمهورية الوليدة.
وكانت مشاركة الأذريين في ثورة عام 1979 سبباً كبيراً في الإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، واعتلاء الملالي السلطة، لذا فقد تغلغل نفوذهم في كافة مفاصل الدولة لمعرفتهم الجيدة بالإدارة.
والأذاريين هم عصب الدولة الإيرانية، حيث يسيطرون على مفاصل الإدارة وأعلى المناصب في مختلف القطاعات من بينها الجيش ويسيطرون على الاقتصاد والتجارة لاسيما البازار في طهران،
وهناك نقطة في غاية الأهمية ينبغي أن أشير إليها، أن نسبة كبيرة من الأذريين يعيشون في طهران وهم من فئة التجار، ويعيشون في الضواحي الجديدة الراقية في طهران والتي بنيت مؤخراً خلال العشر أو الخمس عشرة سنوات الماضية، وهؤلاء يتحكمون في عصب الاقتصاد والتجارة وهم من فئة التجار، ولكن المدن والبلدات الأذرية في محافظات أذربيجان تعاني من الفقر وسوء المعيشة، وهناك فرق كبير بين مستوى الأذريين في طهران والأذريين في محافظات أذربيجان في الشمال الإيراني، والفئة التي تعيش في طهران هي التي يمكنها اسقاط النظام،
وأيضاً لابد من الإشارة أن النظام الإيراني يعمل حساباً كبيراً للقومية الأذرية على عكس القوميات غير الفارسية الأخرى، في عام 2009، حين خرجت احتجاجات تحولت لانتفاضة واسعة خطيرة ضد النظام الإيراني، كان لموقف الأذاريين في طهران عامل كبير في إخمادها، فقد اعتبروا أن ما يحدث صراعاً سياسياً لا يعنيهم.
لكن الجديد في الاحتجاجات الأخيرة، هو خروج مظاهرات من مدن أذرية مثل أرومية وتبريز وبندر أنزلي، مطالبة بإسقاط النظام. رغم أن التحركات قليلة في هذه المدن، لكن من المؤمل أن تتسع مع الوقت لأن الأذريين في هذه المدن بمحافظة أذربيجان مثلهم مثل جميع الإيرانيين يعانون أيضاً من الوضع الاقتصادي المتردي بسبب سياسات النظام، ومن المهم جداً أن ينضم إليهم أقربائهم من الأذريين ممن يعيشون في طهران وفي الضواحي الراقية الفخمة.
وفي حال انضمام أبناء القومية الأذرية إلى الانتفاضة الشعبية يعني أن عصب النظام الإيراني بات يواجه مشكلة حقيقية، فالأذريون في مدن محافظة أذربيجان هذه المرة لم يكتفوا بمراقبة ما يحدث، وهي إشارة مرعبة للنظام. وتعرف السلطة الإيرانية جيداً ماذا يعني الغضب الأذري، ففي عام 2006 عندما قام أحد الرسامين بنشر كاريكاتير تهجمي ضد اللغة التركية والأذرية، واندلعت على أثرها مظاهرات عارمة، دفعت الرئيس السابق أحمدي نجاد إلى تقديم اعتذار، وزيارة الإقليم محافظة أذربيجان واتخاذ إجراءات بحق الصحيفة التي نشرت الكاريكاتير.
الخلاصة، علينا مراقبة المحافظات والمدن الأذرية وكذلك الأذريين داخل طهران، لأن من وجهة نظري هم من سيحددون بوصلة هذه الاحتجاجات في قادم الأيام، وأما المحافظات والمدن التي تفضلت بذكرهم أستاذنا الفاضل مثل مدينة نائين في محافظة اصفهان أو المدن التي في محافظة كرمان لا أعتقد بأن هذه المدن هي التي ستغيّر وجهة الاحتجاجات وتؤدي إلى أسقاط النظام، هذه المدن هي فقط مفيدة في احداث خلخلة ومشاكل للنظام الإيراني.
وأعتذر على الإطالة، لكن كان لابد منها لأنني ألاحظ على الكثير من الاعلاميين والمهتمين بالشأن الإيراني من العرب عدم الفهم الدقيق للنسيج القومي داخل إيران وما مدى تآثيراته السياسية، وهناك تغافل عن أن الآذريين الترك هم من أدخلوا التشييع إلى إيران وهم عصب الدولة الإيرانية منذ سنين وهم من يحددون مصير وشكل النظام.