دبابات ومقاتلات جزائرية حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر
مقاتلات .. دبابات .. مدافع .. صواريخ، وغيرها من أدوات العزة والإباء تقف بشموخ في صحراء سيناء كالوحوش الرابضة التي افترست يوما الأعداء وأذلت المعتدين، بقاع ملامحها مغايرة تماما للخارطة التي نعيش عليها الآن.
مقاتلات .. دبابات .. مدافع .. صواريخ، وغيرها من أدوات العزة والإباء تقف بشموخ في صحراء سيناء كالوحوش الرابضة التي افترست يوما الأعداء وأذلت المعتدين، بقاع ملامحها مغايرة تماما للخارطة التي نعيش عليها الآن.
- صورة نادرة تنبعث منها روائح البارود وأصوات القذائف وأزيز المقاتلات وزمجرة المدافع، وتختلط فيها صيحات المقاتلين الشرفاء وعويل المغتصبين الجبناء، وبين قطعة وأخرى تروي الرصاصات حكايات المجد العربي، وتستصرخ الأسلحة الشباب الذي طلقها بالثلاثة.
- ما إن أشرق صباح يوم جديد حتى بدأت مواصلة رحلة البحث عن البطولات الجزائرية على أرض المعارك "سيناء"، كانت الشمس غاضبة هذا اليوم، فكشرت أشعتها الحارقة عن أنيابها، وبدت وكأنها تبعث رسائل تحذير للشباب العربي لتذيقهم جزءا بسيطا من الجحيم الذي يكتوي به إخوانهم في الأراضي المحتلة، أما الرمال التي طالما ارتوت بدماء الشهداء، فقد رفضت منح تأشيرة مرور للمتقاعسين عن الجهاد، كانت تغلي بصورة تذيب النعال وتشعل النار في الجسد، فخلت الطرقات وتوارت مظاهر الحياة.
- كل شيء يعيق مهمتي، إلا أن الله ألهمني الصبر وواصلت الزحف بمثابرة حتى وصلت لوجهتي، وعلى مرآى البصر، لمع بريقها وردت على الشمس بالمثل، إنها الأسلحة التي قاتل بها العرب العدو الصهيوني، تقف في لوحة استعراضية، الغرض منها تخليد هذه الملحمة البطولية، لكن ما أن اقتربت منها حتى سمعت أنينا يخرج من بين دروعها وفوهاتها وذخيرتها المفرغة من حشوتها، لم تتوقف عن الآهات رغم استشعارها وجودي، ظلت تنطق بكلمات لا يسمعها ولا يفهما إلا من يعاني ويتألم مثلها، ورغم قوتها وهيبتها إلا أن علامات الإعياء والإرهاق ارتسمت على محياها لا لطول مدة انتصابها في الصحراء الحارقة وليالي البرد القارسة، وإنما رثاء لحالها وما آلت إليه بعد أن ترملن وغاب عنهن الأزواج الفحل، ليحل محلهن شباب لفظهن ليفضل عليهن العربدة في أحضان الاستسلام والانكسار.
- كانت حسرة هذه الأسلحة المغبونة على زمن الرجال لا تعلوها حسرة، اقتربت أكثر ولامست جسدها الذي لم يترهل وبقي مشدودا رغم تقدم السن به، ويا له من ملمس يوقظ في النفس نوعا غير مألوف من اللذة والانتشاء، يفوق لذة ونشوة كل متاع الدنيا الزائل، تحركت غرائزي وتمنيت التزاوج بإحداهن ولم لا وهن ذوات الحسب والنسب والشرف والجمال والحشمة أيضا، كن قد أحسسن بخاطب جاء من الزمن الآخر، فبدأن ينفضن غبار الزمن عن ثيابهن، وشمرن عن ساقهن لإظهار مفاتنهن، في منافسة نسوية للظفر بي، ولحظتها شعرت أنني "ديك البرابر" على رأي المصريين، وبدأت رحلتي لاختيار أفضلهن.
- المقاتلات الجزائرية تقطع يد "إسرائيل" الطويلة.
- وقفت برشاقة وخفة وجرأة في الصدارة، إنها المقاتلة القاذفة "سوخوي 07"، وهذه الأخيرة نقشت اسمها في سجلات التاريخ الجزائري بحروف من نور، فهي أول مقاتلة تتسلمها مصر من الجزائر عام 1967، وهي من إنتاج سوفييتي، ومن مواليد عام 1962، وكان لها دور بارز في حرب الاستنزاف، ويعود الفضل لها في تدمير المواقع والدشم الصهيونية الحصينة في سيناء، كما أنها صبت جام غضبها على مطارات العدو ومنشآته الحصينة فأزالتها من الوجود، وبذلك ساهمت بقوة في نصر أكتوبر 1973.
- كانت المقاتلة منتشية بذاتها وسمعتها، وتحمل الكثير من مقومات الإغراء، فهي تمتلك مدفعين رشاشين 30 ملم بطاقة 70 رصاصة، خارقة للدروع، ومستودع للصواريخ الحرة فئة 57 ملم، وقذيفتين زنة 750 كيلوغرام، وأخريين زنة 500 كيلو، وثالثتين زنة 250 كيلو، وكانت هذه المقاتلة ضمن سرب جزائري كامل سلم للقوات المسلحة المصرية كأول دفعة، ورغم ذلك لم تستطع "سوخوي 07" حسر الأضواء عن نظيرتها "ميغ 21" التي وقفت بشموخ على مقربة منها، فهي سليلة أسرة "ميغ" الجزائرية التي ساهمت بسربين من هذا الطراز وطراز "ميغ 17" في الصراع العربي الصهيوني، ففاق عدد المقاتلات الجزائرية المشاركة في الحرب الـ 50 طائرة، لتمثل ربع الأسطول الجوي المصري في تلك الفترة، وكان لـ"الميغ" دور بارز في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وقطع ذراع "إسرائيل" الطويلة.
- وظلت طوال سنوات حرب الاستنزاف وحرب 73 كالصقور التي أمنت السماء العربية من الغطرسة والاعتداءات الصهيونية، كانت تلك المقاتلات يقودها طيارون مصريون محترفون استطاعوا حرق قلاع العدو ودك حصونه المنيعة، فتجسدت واحدة من أروع حالات الزواج الناجح بين السلاح الجزائري والمقاتل المصري.
- دبابات جزائرية تحفر مقبرة الآلة العسكرية الصهيونية
- لم تستطع أنوثتها إخفاء شراستها التي جعلتها أشد قساوة من "اللبؤة" وهي تذود عن عرينها وأبناءها، إنها الدبابة "تي 62"، وهي إحدى الدبابات الجزائرية الـ 96 التي شاركت بكامل أطقمها في حربي الاستنزاف و73، وكانت القوات الجزائرية تشتمل على ثلاثة فيالق دبابات، وفيلق مشاة ميكانيكية، وفوج مدفعية ميدان، وفوج مدفعية مضادة للطيران، إضافة إلى سبع كتائب للإسناد، ليبلغ مجمل تعداد القوات الجزائرية التي استقرت على ضفاف قناة السويس عقب عدوان 67 قرابة الخمسة آلاف بين جنود وضباط وضباط صف.
- وكان للدبابات الجزائرية، الروسية الهوية المنشأ دور هام أثناء معارك الاستنزاف، فقد ظلت فوهاتها تصب قذائفها على الضفة الشرقية للقناة، ونجحت في قصف عدة مواقع صهيونية أصابتها إصابات مباشرة ودقيقة بشهادة القادة المصريين، أما في حرب 73، فقد شاركت هذه القوات في عملية العبور، ومهاجمة مواقع العدو، وخرج صوتها المدوي في معارك الدبابات التي وصفها المؤرخون والخبراء العسكريون أنها الأشرس والأقوى، والتي ألحقت هزيمة منكرة بآليات ودبابات العدو، فيما عرف بمجزرة الآلة العسكرية "الإسرائيلية"، وسيأتي الحديث بالتفاصيل عن هذه الملاحم العظيمة في وقت لاحق إن شاء الله.
- من بين الروائح العطرة والأجساد الطاهرة، اشتمت أنفي رائحة كريهة ومنفرة عكرت صفو هذه الروضة الفيحاء، بحثت عن مصدر هذه الرائحة، فإذا بها حطام وبقايا المقاتلة الصهيونية "ميراج"، التي أسقطتها المضادات الأرضية الجزائرية عام 1969، أثناء مهاجمتها للمواقع الجزائرية والمصرية غرب القناة، عقب العملية الفدائية الناجحة التي نفذتها الضفادع البشرية المصرية ضد مرفأ ايلات العسكري، المكان يروي واحدة من أروع ملاحم تلك المعارك، فقد كانت البحرية الصهيونية تجهز لعملية خطيرة ترمي من خلالها لمهاجمة الحدود الشرقية الجنوبية لمصر، بعد تأكدها من استحالة اقتحام قناة السويس والوصول إلى الضفة الغربية ومن ثم القاهرة.
- لكن المخابرات المصرية اكتشفت المخطط، فقررت القيادة المصرية إجهاض المخطط في مهده، فأرسلت مجموعة من الصاعقة البحرية استطاعت تدمير سفن وناقلات العدو، وسفينتي الإمداد والشحن "بيت يم" و"بيت شيفع" فأغرقتهما بكامل الجنود والمعدات إضافة إلى تدمير ميناء ايلات، وتفاصيل هذه العملية عرضت في فيلم سينمائي شاهدناه جميعا، لكن ما لم نسمع عنه أونشاهده في السينما أو حتى الكتب، أن الكيان الصهيوني استفاق مذعورا على هذه العملية التي ضربته في عمق عمقه، فتحرك طيرانه يضرب بجنون المواقع المدنية المصرية فقصف مصانع للحديد والأسمنت ودمر مصفاة بترول، وحاول الإجهاز على القوات المصرية والجزائرية على الجبهة.
- لكن المضادات الأرضية كانت له بالمرصاد، فانسحبت الطائرات المعادية مدحورة، وأثناء هذا التقهقر، أطلقت القوات الجزائرية صاروخا مضاد للطائرات من طراز "سام 07 الحراري" الذي تعقب إحدى المقاتلات ولم يتركها إلا حطاما، فأيقظت هذه العملية روح الأمل والفرح في نفوس القوات العربية، فها هي اليد الطويلة تبتر، أما في "إسرائيل" فقد كان لهذه العملية وقعها السلبي على معنويات القادة الصهاينة، الذين أصدروا أوامر لسلاح الجو بعدم الاقتراب من القناة، فأمنت سماء مصر والوحدات التي تستعد للحرب شر الغارات اليومية التي طالما عطلت برامج التدريب ودمرت الكثير من المواقع.