نصيحتك محل تقدير شكليا، لكن واقعيا أنت تتحدث عن “المغالطات” بينما تمارسها حرفيا في نفس الأسطر. تتهم غيرك بسوء الفهم، وفي المقابل تبني طرحك على قراءة انتقائية وتبسيط مخل، وتحاول فرض تعريف واحد جامد لمفهوم قانوني معقد فقط لأنه يخدم موقفا سياسيا محددا سلفا. هذا ليس نقاشا قانونيا، بل توجيه للمعنى وفق النتيجة التي تريد الوصول إليها مسبقا.
تقرير المصير، في القانون الدولي، ليس مفهوما ميكانيكيا يستعمل فقط عندما يكون هناك “احتلال عسكري” كما تحاول تبسيطه. هو مبدأ نشأ في سياق تصفية الاستعمار، ثم جرى توظيفه لاحقا بمرونة سياسية كبيرة، والدليل أن الأمم المتحدة نفسها لم تطبقه بنفس الصيغة ولا بنفس النتائج في كل الحالات المشابهة.
استحضارك لسنة 1956 لا يحسم شيئا. نعم، الصحراء كانت تحت الإدارة الإسبانية، لكن تحويلها تلقائيا إلى “إقليم منفصل عن المغرب” هو قفزة سياسية لا قانونية. ومحكمة العدل الدولية نفسها أقرت بوجود روابط قانونية وتاريخية وبيعية بين الدولة المغربية وساكنة الصحراء.
تجاهل هذا المعطى ليس تحليلا قانونيا، بل اختيار سياسي.
ثم تستعمل مصطلح “الصحراء الإسبانية” بإصرار، في وحين تقدم فيه نفسك كمدافع عن العروبة والإسلام ومناهض للاستعمار. هذا تناقض صارخ.
كيف تدين الاستعمار نظريا، ثم تعيد إنتاج تسمياته وحدوده ومفاهيمه عندما تخدم خطابك؟
الإبقاء على المصطلح الاستعماري ليس حيادا أكاديميا، بل تبن واع لإطار صاغه المستعمر نفسه.
أما قولك إن القبائل “جزء أصيل من الجزائر” وتشبيهها بالدار البيضاء، فهو بالضبط مربط الفرس. لأن المغرب يقول الشيء نفسه عن صحرائه هي قضية وحدة ترابية، امتداد تاريخي، وسكان مرتبطون بالدولة المركزية.
فإما أن هذا المنطق صالح، أو أن مبدأ تقرير المصير يتحول إلى أداة انتقائية تفعل خارج الحدود وتُعطل داخلها.
السؤال الذي تتهرب منه واضح وبسيط
لماذا يصبح تقرير المصير حقا مقدسا عندما يتعلق بالمغرب، ويُصنف فورا كخيانة وانفصال عندما يُطرح داخل الجزائر؟
ولماذا يُمنح دعم سياسي ودبلوماسي غير مشروط لحركة خارجية، بينما يُجرم أي نقاش داخلي مشابه مهما كان سلميا؟
أما افتراضك النظري حول دعم المغرب لحركة انفصالية في الجزائر، فهو محاولة للهروب من الواقع فالمغرب لا يدعم حركات انفصالية داخل الجزائر، بينما الجزائر تدعم واحدة ضد المغرب بشكل رسمي ومعلن. هنا يسقط القياس وتسقط معه فكرة “العدل” التي تحاول بناءها.
بخلاصة الإشكال ليس في فهم تقرير المصير، بل في ازدواجية استعماله.
ومن يرفع شعار المبادئ، لا يمكنه أن يقنع الاخرين بها وهو يعطلها داخل بيته.
عموما، أشكرك على هذا الرد، لأنه يوضح أكثر أن الخلاف ليس قانونياً كما يُقدم، بل سياسي يُغلف بخطاب مبدئي لا يصمد طويلا أمام نقاش متزن وحقيقي.