القرامطة في التاريخ
الدكتور خالد أحمد الشنتوت
الحركات الباطنية :
حركات سياسية بمنشئها،هدفها القضاء على الإسلام ، تحركها بقايا الجماعات الدينية المتعصبة التي قضى الإسلام على [زعاماتها الطاغوتية] كاليهود والنصارى والمجوس، وإذا كان المجوس هم محورها فإن اليهود هم المخططون لها وكان النصارى مؤيدين لها ( محمود شاكر ، التاريخ الإسلامي ، 6 /31) .
ولما كثر أحفاد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وجد الباطنيون أن انتماءهم لسيدنا علي رضي الله عنه يحقق أهدافهم لمكانته عند المسلمين ، فانتحلوا نسباً لعلي من طريق الحسين رضي الله عنهما ، والتحق بهم الجهلة من أنصار آل البيت ، وهم لايعرفون ماذا يراد بهم ..ويجب أن لا ننسى أن علي زين العابدين أمه بنت ملك الفرس يزدجرد . ( المرجع نفسه ، ص 32 ) .
كان زعماء الحركات الباطنية يظهرون الزهد في الدنيا والانقطاع إلى الآخرة في بداية أمرهم كي يقبل الناس عليهم ، حتى إذا وثقوا بهم نقلوهم من مرحلة إلى مرحلة حتى يحلون لهم ماحرم الله ، ووجدوا في شيوعية المال والنساء وسيلة كي يلتف حولهم الناس ،وهكذا فعل القرامطة ...(المرجع نفسه، بتصرف ، ص 33) .
وفي الوقت الذي كانت حركة الزنج تحتضر ظهرت دعوة الإسماعيلية ودعوة القرامطة ، وكلها تطلق العنان للشهوات وتصطاد الشباب في سن المراهقة . وأشيع في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري أن أسرة محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قد انتقلت إلى السلمية في بلاد الشام ( شرق حماة ) وفي نفس الوقت انتقلت إلى السلمية أسرة ميمون القداح بن ديصان ( يهودي أسلم أو ادعى الإسلام ) وانتسب إلى الدعوة الإسماعيلية .
وكان من الدعاة إلى الإسماعيلية في جنوبي العراق ( مهرويه ) الذي يخفي عقيدته المجوسية وأصله فارسي ، ومثله ( حسين الأهوازي ) الذي التقى بحمدان بن الأشعث ( قرمط ) ، وصار حمدان من دعاتهم ، ولما مات حسين الأهوازي خلفه على الدعوة ( حمدان قرمط ) ، وكان من أشهر دعاته ابن عمه ( عبدان ) و( زكرويه بن مهرويه ) .
كان القرامطة دعاة للإسماعيلية ، ثم انشقوا عنهم ، عندما كشفوا أن الدعوة في السلمية لم تعد لمحمد بن إسماعيل وإنما لأولاد عبد الله بن ميمون القداح(*)، حيث أنكر أبناء القداح الإمام المنتظر وعدوه خرافة ، لما ظنوا أن القرامطة التزموا بخطهم تماماً ... ( المرجع نفسه ،بتصرف ، ص 77- 82) .
استطاع ( زكرويه بن مهرويه ) التخلص من (عبدان )، ابن عم حمدان ، ومفكر القرامطة ، واستطاع كذلك التخلص من حمدان نفسه ، ثم اختبأ وأرسل أولاده دعاة ، ومنهم ولده يحيى ، والحسين ، وكلاهما ادعيا أنهما من نسب إسماعيل بن جعفر الصادق ، وسار الحسين إلى السلمية بعد خروج عبيد الله بن .....بن ميمون القداح ، ودخل الحسين السلمية بعد أن أعطى أهلها الأمان ، ثم نكل بهم ، وقتل الهاشميين دلالة على الحقد على آل البيت رغم ادعائه الانتساب إلى آل البيت ، وقتل من استطاع من آل محمد بن إسماعيل ، كما قتل آل عبيد الله القداحي ، ثم سار على رأس قرامطته إلى حماة ، والمعرة ، وبعلبك ، وعمل القتل في أهل كل بلد وصل إليها ...وانتهى به الحال إلى أن أسره الخليفة ( المكتفي ) وصلب في بغداد (291) هـ .كما قتل أخوه يحيى كذلك ..... وعندئذ خرج أبوهما ( زكرويه ) من مخبئه ، وسار بجيشه نحو بلاد الشام ، واعترض قوافل الحجيج ، حتى قـُتل (301)هـ ( المرجع نفسه ، ص 95- 97).
أبو سعيد الجنابي :
وفي عام (281)هـ ظهــر في البحريــن ( أبو ســعيد الجنـابــي ) واســمه ( الحسن بن بهرام ) ، صحب ( عبدان ) أو (حمدان ) وتأثر به ، وتشرب دعوته ، فالتف حوله بقية القرامطة ، ومن ساءت حالته المعيشية ، والشباب الذين أغراهم بالنساء التي جعلها مباحة لهم ، وظهرت جماعته في القطيف ، وعاثوا في الأرض الفساد ، فقتلوا وسلبوا في بلاد هجر ، ثم ساروا إلى القطيف فقتلوا الكثير من أهلها ، ثم توجهوا إلى البصرة ، فأرسل الخليفة العباسي جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل ، إلا أن الجنابي انتصر عليهم، وأسر الجيش العباسـي كله ، ثم قتل الجنابـي الجيـش كله، (عشرة آلآف ) ماعدا قائد الجيش ( الغنوي ) الذي أطلق سراحه ،
استمر أبو سعيد الجنابي يعيث الفساد في المناطق التي يصل إليها ، وخاصة طرق الحجاج حتى عام (326) هـ ، حيث تمركز في منطقته، وتشبث بها .
وقد انتهى قرامطة الشام بعد مقتل ( يحيى بن زكرويه عام(290)هـ ومقتل أخيه ( حسين ) عام (291)هـ ، وتشتتوا في البلاد وتفرقوا ، كما قضي على قرامطة العراق بعد خروج (زكرويه ) ومقتله عام (301) هـ ، كما دالت دولة قرامطة اليمن بعد موت علي بن الفضل مسموماً عام (303) هـ ، ولكن زادت شوكة قرامطة البحرين ( أبو سعيد الجنابي ) وهم أخبث القرامطة وأكثرهم فساداً ( المرجع نفسه ، ص 117) .
وبعد مقتل ( أي سعيد الجنابي ) على يد خادمه في الحمام ، عام (301) هـ قام مكانه ابنه سعيد ، ثم ابنه سليمان أبو طاهر.
سليمان أبو طاهر الجنابي :
ماترك رذيلة إلا فعلها ، وقد عاث في الأرض فساداً ، وأرهب الناس ، وارتكب المنكرات ، وهتك المحارم ، واستطاع أن يدخل البصرة عام (311)هـ ، والكوفة عام (313) هـ ، وفعل بالأهالي الأفاعيل ، وسار في وادي الفرات حتى شمال دير الزور حالياً ، واقترب من الموصل ، وبث الرعب ونشر الفساد ، وانتهك الأعراض ، ومن الموصل اتجه إلى مكـــة فضجت البوادي والأعراب من أفعاله ، حتى انقطع الحج ، وقد انتصر على جيش المقتدر عام (316)هـ وفي العام التالي دخل مكـة المكرمة في موسم الحج وقتل الحجاج ورمى جثثهم في بئر زمزم ، واقتلع الحجر الأسود وحمله معه إلى هجـر حيث بقي حتى عام (339) هـ .
قال أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الذهبي في تاريخه: إن أبا طاهر سليمان حسن القرمطي صاحب البحرين دخل مكة في سبعمائة رجل، فقتلوا في المسجد الحرام نحو ألف وسبعمائة من الرجال والنساء وهم يتعلقون بأستار الكعبة.
وردم منهم ببئر زمزم، وصعد على باب الكعبة، واستقبل الناس وهو يقول:
أنا بالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وقتل في سكة مكة وشعابها زهاء ثلاثين ألفاً، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك. وأقام بمكة ستة أيام، وأوقع بهم في سابع ذي الحجة. ولم يقف أحد تلك السنة وقفةً، فرماه الله في جسده وطال عذابه حتى تقطعت أوصاله.
قال محمود الإصبهاني: دخل رجل من القرامطة وهو سكران فصفر لفرسه، فبال عند البيت وقتل جماعة .
ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم قلعه. وأقام القرمطي بمكة أحد عشر يوماً، ثم رحلوا وبقي الحجر الأسود عندهم نحو عشرين سنة.
وقيل: هلك تحته إلى هجر أربعون جملاً. انظر تاريخ الإسلام للذهبي .
ثم اتجه بعد مكة إلى الكوفة فانقطعت قلوب أهل بغداد عام (319)هـ إذ أشيع أنه سائر إليهم ...( المرجع نفسه ن ص 118) .
استمر ( أبو طاهر الجنابي ) يعيث الفساد ، ويقطع طرق الحجاج ، حتى عام (326)هـ ، حيث اختلف القرامطة بينهم ، إلا أن أبا طاهر احتفظ بمركزه ، وتخلص من خصومه ، وهذا جعله يتمسك في منطقته ، ويترك الفساد في الأرض ، ويترك قطع طريق الحج ، لذا تمكن حجاج بغداد من الحج عام (317)هـ .
مات أبو طاهر بن أبي سعيد الجنابي عام (332) هـ ، فخلفه إخوته الثلاثة سعيد أبو القاسم ، وأحمدأبو العباس ، ويوسف أبو يعقوب ، وتفرقت كلمتهم ، فأعيد الحجر ألأسود إلى الكعبة عام (339) هـ ...بعد أن بقي عندهم في هجر (22) سنة ، بعد أن طلب الفاطميون منهم ذلك ، لأن الناس تحدثوا بذلك كثيراً ، فخاف الفاطميون أن ينقلب هذا الحديث بين الناس إلى ثورة عارمة ضد الرافضة في كل مكان .
سار القرامطة إلى طبريا ليأخذوها من الأخشيد ، وطلبوا النجدة من سيف الدولة فأمدهم بالحديد ، وتمكنوا من دخول دمشق (357)هـ . وزعيم القرامطة يومذاك ( الحسين بن أحمد بن بهرام ) وقد أمده عز الدولة البويهي بالسلاح من بغداد ، فساروا إلى الرملة وأخذوها ، ثم توجهوا إلى القاهرة ، فهزموا على أبوابها ، فرجعوا إلى الشام ، فلاحقهم العبيديون وأخذوا منهم الشام ( المرجع نفسه ، ص 164 ) .
وفي الربع الأخير من القرن الرابع وحتى منتصف القرن الخامس كسرت شوكة الشيعة ، بعد زوال دولهم المتعددة ، كالبويهيين والحمدانيين ، والعبيديون والقرامطة ، وبزوال البويهيين ضعف أمر القرامطة ، ثم قضي عليهم (470) هـ ، وخرجت جزيرة أوال (البحرين ) عن طاعة القرامطة عام (458)هـ وخضعت للعباسيين ، وبني فيها مسجد خطب فيه للخليفة العباسي ، وهب السكان ضد القرامطة ، بمساعدة الخليفة العباسي ، ودعمهم من قبل السلطان السلجوقي ( ملكشاه ) عام (462)هـ ، وهزم القرامطة عام (467)هـ ثم تجمع المسلمون وهزموا القرامطة في معركة الخندق عام (470)هـ شمال الإحساء ، وقضوا عليهم ، وبزوال القرامطة من منطقة هجر زال حكم عمالهم في اليمامة ( الأخيضريون ) ثم قضى صلاح الدين الأيوبي على العبيديين ( 567) هـ .(المرجع نفسه ، ص 218).
* ميمون ديصان القداح كما يبدو في الغالب أنه رجل يهودي من يهود الفرس، خلفه ولده عبد الله ، وسكن االسلمية ، وسمى أولاده وأحفاده بأسماء أولاد وأحفاد محمد بن إسماعيل بن جعفر .....بن علي بن أبي طالب ، وقد أشيع أن هذه الأسرة انتقلت إلى السلمية ...في نفس الوقت الذي انتقلت فيه أسرة ميمون القداح ...( انظر موقع سفر الحوالي ) ومحمود شاكر (6/77) .
عن موقع رابطة أدباء الشام