أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

a_aziz

عضو
إنضم
23 ديسمبر 2007
المشاركات
9,400
التفاعل
266 0 0
سيتم نقل شهادة اول امين عام لاركان الجيش في الجزائر مثل ما نقلنا شهادة الكثير من المسؤولين الجزائريين ابان الثورة للحفاض عليها وللرجوع اليها عند الحاجة على بركة الله


الشاذلي أول معتقل سياسي وأثر الأغلال على يده إلى اليوم
هرّبنا بومدين داخل سيارة إسعاف ومرافقه أراد قتله ثلاث مرات
Untitled_3_400674633.jpg


يتناول الشريف مهدي، أول مسؤول للاستخبارات الجزائرية بعد الإستقلال، في هذه الشهادة التي خصّ بها ''الخبر''، بالتفصيل كيف تحالف العقيد بومدين مع الزعيم أحمد بن بله لإزاحة رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بن خدة من الرئاسة، وكيف تمكنت مصالح الأمن العسكري لقيادة الأركان من تهريب بومدين من تونس إلى الجزائر بعد أن أعطى الباءات الثلاث الأقوياء في الحكومة المؤقتة أوامرهم بإلقاء القبض على بومدين، وقام الحرس الوطني التونسي بمحاولة اعتقال العقيد بومدين الذي نجا بأعجوبة من الاعتقال أو الموت بالإعدام.

كيف تدرّجت في السلك العسكري خلال الثورة إلى أن أصبحت أول رئيس للمخابرات في الجزائر المستقلة؟
التحقت بالثورة في 1956 بعد إضراب الطلبة بالقاعدة الأولى للولاية الأولى (الأوراس)، وكنت قد درست في معهد عبد الحميد بن باديس في قسنطينة رفقة محمد شعباني، ومحمد الشريف عباس والهاشمي هجرس (جنرال متقاعد توفي في 2011)، والسعيد عبادو وعمار بولسنان، وعاجل عجول. ثم درست في جامع الزيتونة بتونس، وبعد التحاقي بالثورة درست في الكلية الحربية للشرطة بالقاهرة إلى غاية نهاية 1959 وكنت الأول في دفعتي وتحصلت على جائزتين، الأولى جائزة النظام والثانية جائزة الضبط والربط العسكري، وبعدها أصبحت عضوا قياديا في قيادة الحدود الشرقية تحت قيادة موسى مراد ثم موسى حساني، وكنت رفقة عبد الحميد جوادي وحسين هامل والعربي بوقادوم عضوا قياديا في النواة الأولى للأمن العسكري في قيادة الحدود (سي دي آف) تحت إمرة العقيد هواري بومدين، وهو جهاز مستقل تماما عن وزارة الاستخبارات التي كان يقودها بوالصوف، ثم تحولت إلى قيادة الأركان العامة لجيش التحرير مع عبد الحميد جوادي، وأصبحت عضوا قياديا مع عبد الحميد قرفي (الذي كان نائبا لمحمد عطايلية قائد فيلق) في الأمن العسكري لقيادة الأركان. وبعد أزمة صائفة 1962 (بعد الاستقلال) واجتماع تلمسان ودخول الوحدات العسكرية (لجيش الحدود وجيوش الولايات الأولى والخامسة والسادسة) إلى العاصمة عيّنت مسؤولا أولا عن الأمن العسكري (المخابرات) في الجزائر المستقلة مع عبد الحميد جوادي ومسعود زفار وكلّفني بومدين بعدة مهام جد سرية منها، تنظيم إفلاته من مخالب السلطات الأمنية التونسية بعد قرار الحكومة المؤقتة بعزله ومطاردته من أجل إيقافه ومتابعته قضائيا، وكذلك قضية رفاة عميروش والحواس التي قمت بها بمعية عبد الحميد جوادي بكل سرية، كلفني كذلك بالمفاوضات السرية التي أجريتها مع الأخ الراحل سي موسى حساني من جبال تاكسنة بجيجل وإعادته سالما هو و683 مسلح محارب كانوا معه في الجبال.
ومن المهام السرية الأخرى، كنا نحن ثلاثة أشخاص، جلول خطيب، شرقي الوردي والمتحدث الذين هيأوا ووظبوا ملفات الإطاحة ببن بلة، وذلك في فيلا 19 جوان بعد رصد آراء خلية منظمي التصحيح الثوري وزحزحة الرئيس من الحكومة، ومن ضمن المهام السرية التي قمت بها كذلك حين اقترحني زبيري واختارني بومدين لأحمل التعليمات المدققة لرؤساء النواحي العسكرية المختلفة الخاصة بالإطاحة ببن بلة 48سا قبل إلقاء القبض عليه وذلك بوضع هليكوبتر من نوع (مي 4) وانتقلت به من ناحية صوب أخرى لهذا الغرض.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

من تولى قيادة الأمن العسكري بعد إرسالك إلى تربص عسكري في أمريكا اللاتينية؟
قاصدي مرباح، وحينها طلب مني وزير الدفاع العقيد هواري بومدين أن أسلّم جميع الملفات التي بحوزتي وبحوزة عبد الحميد جوادي إلى الأخ قاصدي مرباح باستثناء الملف المتعلق بالعقيدين عميروش وسي الحواس، مع العلم أن قاصدي مرباح لم يكن اسمه واردا في قيادة الأركان الشرقية، بل كان يشتغل في الحدود الغربية مع عبد الحفيظ بوالصوف (وزير التسليح والاستخبارات في الحكومة المؤقتة)، ومرباح هو الذي سلم أرشيفا كاملا للحكومة المؤقتة إلى العقيد بومدين، وأشير هنا أن مسعود زفار المدعو رشيد كازا كان معنا في الأمن العسكري مكلّفا بأوروبا وأمريكا ولم يكن قاصدي مرباح على معرفة بذلك، بدليل أنه أثناء محاكمة ''زفار'' بعد وفاة بومدين، أكد مرباح أن هناك مصالح أمنية (في الاستخبارات) موازية كانت تابعة مباشرة لبومدين وغير معروفة لديه، ولكن اتهامه بالعمالة لجهات أجنبية كانت مجرد غيرة من البعض.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

كيف استطاع العقيد هواري بومدين أن يرجّح الكفة لصالحه في مواجهة الباءات الثلاث الأقوياء (كريم بلقاسم بوالصوف وبن طوبال) والذين يعتبرون القادة الفعليين لجيش التحرير ما بين 1958 و1962؟
كنت في الأمن العسكري عندما أرسل العقيد هواري بومدين قائد أركان جيش التحرير عبد العزيز بوتفليقة إلى محمد بوضياف في 1962 في سجنه بفرنسا ليقترح عليه التحالف معه لمساندته ليكون رئيسا للجزائر المستقلة، وتوجه بوتفليقة بالفعل إلى السفير المغربي في فرنسا السيد عبد الكريم الخطيب الذي أعطاه تكليفا بمهمة تحت اسم مستعار ''محمد بوخلطة'' الذي كان سكرتيرا أولا للسفارة المغربية بفرنسا وبهذا الاسم والوثيقة تمكّن بوتفليقة من دخول السجن الفرنسي ومقابلة محمد بوضياف وقدّم له عرض بومدين لكن بوضياف لم يتحمس لهذا العرض، فعاد بوتفليقة إلى بومدين ونقل له رد بوضياف، ثم كلّفه بومدين بمقابلة أحمد بن بله هذه المرة وعرض عليه أن يدعمه ليكون رئيسا للجمهورية بدلا من بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، ولكن أحمد بن بله اقترح على بوتفليقة أن يكون محمد خيضر رئيسا للجزائر المستقلة وقال له ''لا أرى شخصا أقدر على رئاسة الجمهورية إلا محمد خيضر''، بينما فضّل أن يكون هو (بن بلة) رئيسا للوزراء لمساعدته في تسيير شؤون الدولة، لكن في النهاية وافق بن بلة على مقترح بومدين.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

العقيد زبيري قائد الولاية الأولى (الأوراس) حسب مذكراته كان يميل إلى دعم بوضياف والباءات الثلاث، كيف استماله العقيد بومدين إلى صفه؟
العقيد بومدين أرسل إلى الطاهر الزبيري النقيب فرحات واسمه الحقيقي بلقاسم برحال وذلك قبل مؤتمر طرابلس في مارس 1962 وطلب منه أن يساعده على ترجيح كفة بن بله ليكون رئيسا للجمهورية بدلا من بن خدة، وأن يعطي أصواته (صوته + 3 أصوات أعضاء قيادة الولاية الأولى لبن بلة عوض بن خدة ووافق زبيري على دعم مقترح بومدين، ومن جهة أخرى أرسل بومدين الشاذلي بن جديد والهاشمي هجرس وقايد أحمد للاتصال بصالح بوبنيدر حتى يسمح بدخول وحدات جيش الحدود إلى الجزائر عبر الولاية الثانية (الشمال القسنطيني)، وكان جيش الحدود على الجبهة الشرقية يضم 25 فيلقا و5 كتائب ثقيلة و25 طبيبا، لكن بوبنيدر أوقفهم وقام بتوثيق أيديهم بالأسلاك الشائكة لأسابيع، وعندما التقيت الرئيس الشاذلي بن جديد بمنزله في 2010 ذكّرته بهذه الحادثة وقلت له: السيد الرئيس كنت أول أسير سياسي بعد وقف إطلاق النار ولا زالت أثار الأغلال متواجدة في معصمك فابتسم وقال لي نعم حصل هذا.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

الباءات الثلاث الأقوياء ورئيس الحكومة المؤقتة والحرس الوطني التونسي حاولوا جميعا إلقاء القبض على بومدين قبل دخوله للجزائر، كيف استطاع بومدين النجاة من قبضة هؤلاء جميعا؟
في صائفة 1962 طلب الباءات الثلاث (كريم بلقاسم وزير القوات المسلحة، عبد الحفيظ بوالصوف وزير التسليح والمخابرات، ولخضر بن طوبال وزير الداخلية) من الرئيس التونسي بورفيبة القبض على بومدين الذي كان حينها في غارديماو (بلدة تونسية بالقرب من الحدود الجزائرية)، وكنت حينها مديرا عاما بالنيابة للأمن العسكري لهيئة الأركان ونحن من نظمنا عملية تهريب بومدين من الأراضي التونسية، حيث أخذناه في سيارة إسعاف وكأنه مريض في حالة خطيرة ومستعجلة وأنفه وفمه مغطى بكمامة إنعاش وركب معه ضابط في الأمن العسكري ومن أمامه وخلفه سيارات الأمن العسكري غير مشتبه فيها ومررنا على عدة حواجز أمنية للحرس الوطني التونسي الذي كان يستوقفنا في كل مرة ويفتح سيارة الإسعاف دون أن يدري أن المريض ليس سوى العقيد هواري بومدين قائد هيئة الأركان الذي يطلب بورفيبة والباءات الثلاث رأسه حثيثا، ولكننا تمكّنا من إيصاله إلى المنطقة الشمالية على الحدود بين تونس والجزائر وأوصلناه سالما بين أيادي الرائد عبد الرحمان بن سالم والوحدات القتالية الجزائرية التابعة له.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

ما هي أخطر لحظة واجهها بومدين وهو يجتاز الحدود؟
للتاريخ أكشف أن ضابط الأمن المرافق للعقيد هواري بومدين في سيارة الإسعاف والذي يدعى ''علي حموش'' أكد لنا أنه أراد ثلاث مرات أن يسحب مسدسه ويطلق النار على رأس بومدين لقتله ولكنه لم يفعل، فقد كان علي حموش ينحدر من الولاية الثالثة (القبائل) ولكن كان مجاهدا بالقاعدة الشرقية (سوق اهراس والقالة) وربما كان متعاطفا مع كريم بلقاسم (نائب رئيس الحكومة المؤقتة ووزير القوات المسلحة) ثم تم إيصال بومدين بسلام إلى قمبيطة (ولاية سوق اهراس) داخل الأراضي الجزائرية رفقة كل من نائبيه في هيئة الأركان علي منجلي وقايد أحمد، وهذه فرصة أذكر فيها الرأي العام الوطني بأن الضابط السامي الذي اختارته قيادة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني للمفاوضات مع سلطات الاحتلال الفرنسي من أجل دخول الوحدات القتالية إلى الجزائر المستقلة بكافة عتادها وكذلك لدخول اللاجئين الجزائريين المتواجدين آنذاك على التراب الفرنسي هو سي عبد الرزاق بوحارة كونه مجاهد، خبير، مثقف وجدير في الشؤون العسكرية ولقد أدى مهمته هذه على أكمل وجه، ولجأ العقيد بومدين إلى العقيد زبيري في الأوراس والذي فتح له أبواب الولاية الأولى وحماه من خصومه، بل وأوصله إلى تلمسان أين عقد اجتماع تلمسان، وضم زبيري قوات الولاية الأولى إلى جيش الحدود والولايات المتحالفة معه ودخلوا بعدها العاصمة (فيما عرف بأزمة صائفة 1962).
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

هل يمكنك أن تحدثنا عن بعض الملفات التي كلفت بها في 1962، عندما كنت مسؤولا عن الأمن العسكري، ورُفع عنها طابع ''سري للغاية''، بعد مرور نصف قرن؟
كلفني بومدين في 1962 بعدة مهام جد سرية، عندما كنت مسؤولا أول عن الأمن العسكري مع عبد الحميد جوادي، ومن ضمنها إيجاد جثتي العقيدين عميروش وسي الحواس (استشهدا في جبل ثامر بالمسيلة سنة 1959). وجاءني يوم 07/ 12/ 1962 ضابط يدعى الشريف زوايمية، أتى به الضابط محمد معارفية إليّ في وزارة الدفاع، وقال لي زوايمية ''هناك نقيب في الجيش الفرنسي يدعى (جون لوي غالي) ( Jean Louis Gallet)، والذي كان قائد كتيبة منطقة بوسعادة، التي وقعت بها معركة جبل ثامر، وهو يريد مقابلة مسؤول جزائري سامي، في قضية سرية قبل مغادرته الجزائر إلى فرنسا على متن باخرة كانت جاهزة للمغادرة''. فطرحت القضية على بومدين وشابو عبد القادر. فوافق بومدين على أن أبحث في الأمر، فذهبت مع عبد الحميد جوادي إلى عنابة، واتصلنا بالضابط الفرنسي ''جون لوي غالي'' يوم 11 ديسمبر 1962، فقال لنا ''لدي سر، أنا من دفن عميروش وسي الحواس في ثكنتي، وإذا سمحتم لي بالزواج بفتاة من عنابة سأعطيكم مخططا عن مكان قبر عميروش وسي الحواس''، فقلت له ''إذا كان المخطط حقيقيا فباسم الدولة الجزائرية أوافق على هذا الزواج''.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

وهل اكتشفتم قبر الشهيدين عميروش وسي الحواس؟
أعطانا الضابط الفرنسي مخطط القبر، ورجعنا إلى العاصمة، وقابلنا بومدين الذي أعطانا الموافقة للتأكد من حقيقة المخطط. فذهبت مع عبد الحميد جوادي إلى بوسعادة، وأخذنا معنا ضابطين ينحدران من المدينة نفسها، أحدهما يسمى مصطفى عياطة (توفي برتبة عقيد)، والثاني محمد بوخلاط ويدعى ''tonton'' (تقاعد برتبة عقيد). وتوجهنا يوم 13 ديسمبر 1962 إلى ثكنة بعين المالح في بوسعادة (ولاية المسيلة)، وبالضبط في وادي الشعير بحوش بن ضيف بالقرب من جبل ثامر، وعلى بعد 30 كلم من بوسعادة. وكان المخطط الذي أعطاه لنا الضابط الفرنسي، يتمثل في (73 مترا طولا من بوابة السور القديم، على 17 مترا عرضا من برج المراقبة)، ونقطة التقاطع يوجد تحتها قبر الشهيدين، وعندما حفرنا إلى العمق المطلوب لم نجد شيئا.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

كيف؟ هل خدعكم الضابط الفرنسي؟
اعتقدت ذلك، وقررت إعطاء الأمر بإلقاء القبض على الضابط الفرنسي، لكننا انتبهنا إلى أن الثكنة تعرضت إلى بعض التغييرات، فأعدنا حساباتنا على أساس البناء السابق لحائط الثكنة فوجدنا أن نقطة التقاطع توجد عند موقع رفع العلم، فحفرنا إلى عمق 70 سنتمترا، وعندها وجدنا عظام الشهيدين، وقد تلاشى منهما اللحم، ولم يبق سوى أثر لباسهما العسكري ملتصقا بالعظم. كانا مدفونين فوق بعضهما بشكل متعاكس. وكان العقيد عميروش في الأسفل، وعرفه جوادي من خلال سنه المكسورة. وسحبنا الهياكل العظمية للشهيدين، وقبلنا جبينيهما باسم الشعب الجزائري كله، (تغرورق عيناه بالدمع)، ثم قرأنا عليهما الفاتحة.
أين أعدتم دفنهما؟
جاءتنا تعليمات من الأمين العام لوزارة الدفاع، عبد القادر شابو، بترك عظام الشهيدين في مقر الدرك الوطني ببوسعادة، والرجوع إلى الجزائر العاصمة، ثم طلب منا شابو، باسم بومدين، أن ننسى هذا الأمر إلى القبر، وفهمنا أننا لن نر النور إذا ما كشفنا هذا السر. ثم كلفني أن أتولى دفن رفاتهما في مقبرة العالية بالعاصمة، ورمزنا إلى رفاة العقيد عميروش بالرقم 87-54، أما رفاة العقيد سي الحواس فرمز لها بالرقم 88-54، ورقم 54 يعني تاريخ اندلاع ثورة التحرير في 1954، أما رقم 8 فيرمز إلى تاريخ ذهابنا لعنابة للتحري عن قبري الشهيدين في 08/ 12/ 1962، أما الرقمان 7 و8 فللتفريق بين رفاتي الشهيدين، فرقم 7 يرمز للعقيد عميروش، والرقم 8 يرمز للعقيد سي الحواس، وقد كتبنا الرمزين على قطعتي قماش اللتين لفت فيهما رفات الشهيدين، وعلى قبريهما.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

لكن لماذا طلب منكما وزير الدفاع نسيان هذا الأمر إلى القبر؟
هذا من الأمور التي لا يمكنني الكشف عنها، وحتى لا نتكلم في هذا الموضوع أرسلوني في دورة تكوينية في أمريكا اللاتينية لدراسة الجوسسة ومكافحتها. أما عبد الحميد جوادي فأُرسل في دورة تكوينية إلى الاتحاد السوفياتي. وبعد وفاة عبد القادر شابو، الأمين العام لوزارة الدفاع، ثم رحيل الرئيس هواري بومدين إلى جوار ربه في نهاية سنة 1978، وصعود الشاذلي بن جديد، وعودة العقيد زبيري من منفاه، كلمت هذا الأخير عن رفاة العقيدين عميروش وسي الحواس، رحمهما الله، وقلت لسي الطاهر لقد كنت معك أمينا عاما لرئاسة الأركان: ''لدي سر.. إنني أعرف قبري عميروش وسي الحواس''، فقال لي ''لماذا لم تخبرني من قبل''، فقلت له ''لو أخبرتك لكنت مخفيا، أنا وكافة رفقائي، في مكان لا يمكن لأحد أن يصل إلينا فيه''. فكلم العقيد زبيري كلا من العقيدين أوعمران (أحد القادة التاريخيين)، وبوبنيدر (آخر قائد للولاية الثانية التاريخية)، وبدورهما تحدثا مع الهادي لخضيري، وزير الداخلية، وكلفوه بالتحدث مع الرئيس الشاذلي بن جديد في هذا الأمر، فأمره هذا الأخير بإعادة الاعتبار لرفات الشهيدين، وإعادة دفنهما بمربع الشهداء إلى جوار بومدين، بحضور الرئيس شخصيا، لإعادة الاعتبار لهما، وإصدار ذلك في الجريدة الرسمية، وكان ذلك في 24 أكتوبر .1984 وما أود أن أشير إليه أن تصريحات أحمد بن شريف (قائد الدرك الوطني في عهد بومدين) للصحافة بأن ''بومدين أعطى في 1964 أوامر لمدير المخابرات، قاصدي مرباح، بالبحث عن جثتي العقيدين عميروش وسي الحواس، وأنه سلمه تابوتين، قال له إن بداخلهما أرشيفا سريا جدا للثورة، وقال له ''خبيهم حتى أعطيك تعليمات عليهم في الوقت المناسب''، هذا كلام غير صحيح، لأننا كنا قد اكتشفنا رفات الشهيدين قبل هذا التاريخ بسنتين، والتابوتان كان مخبآن لدى السيد ''العيد''، قائد الدرك الوطني بالشرافة، وأجهل تاريخ نبش قبريهما، ونقل رفاتهما إلى مقر الدرك بالشرافة في العاصمة.
فهمنا لغز رفاة الشهيدين، ولكن استشهادهما في معركة جبل ثامر لازالت إلى اليوم لغزا آخر، فهل حدثت فعلا خيانة من أجل تصفيتهما على يد الفرنسيين؟
المؤكد أن العقيد عميروش تلقى ثلاثة استدعاءات من الباءات الثلاثة (كريم بلقاسم وزير القوات المسلحة، عبد الحفيظ بوصوف وزير المخابرات، لخضر بن طوبال وزير الداخلية، وثلاثتهم يشكلون الهيئة الوزارية للحرب)، والاستدعاءات كانت ممضاة من طرف العقيد محمدي سعيد، رئيس الأركان للجيش آنذاك، ولم يكن واضحا سبب هذه الاستدعاءات، ولكن، وحسب الضابط الفرنسي '' Jean Louis Gallet'' فإنهم وجدوا لدى العقيدين عميروش (قائد الولاية الثالثة ـ القبائل)، وسي الحواس (قائد الولاية السادسة ـ الصحراء) مبلغ 8 مليون فرنك فرنسي، ووثائق اجتماع أكفادو، وفيها طلب بمحاسبة العقيد كريم بلقاسم لعدم إرساله الأسلحة إلى الداخل ووثائق أخرى.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

بعض الشهادات تتحدث عن وشاية حددت للجيش الفرنسي مكان تواجد العقيدين، مما سهل على القوات الفرنسية محاصرتهما بأعداد كبيرة. ما صحة هذه المعلومة؟
الضابط الفرنسي ''Gallet'' أكد لنا أنه لم يكن على علم بوجود العقيدين عميروش وسي الحواس، نهائيا، في جبل ثامر في المنطقة التي كان مسؤولا عنها، ولكن في نفس الفترة تقدم كموندوس تابع للولاية الرابعة (وسط الجزائر)، بقيادة عمر رمضان، وأراد الهجوم على ثكنة في بوسعادة، وأثناء دخولهم للمنطقة رآهم ''الفومية'' (عملاء الاستعمار)، وبدل أن يهجموا على الثكنة توجه العربي بعرير، وهو إطار في جيش التحرير، وهجم على الحركى في مقهى بجبل المالح، وقام المجاهد لعوبي عبدو بالقضاء على اثنين منهم. وبدل أن يقوم الجيش الفرنسي بملاحقة هذا الكموندوس، طلب منهم قائدهم الاستعداد لشن هجوم واسع على جبل ثامر، لأنه من الممكن وجود قادة لجيش التحرير بهذا الجبل، الذي يتراوح علوه ما بين 1120 و1250 متر، فلم تكن هناك وشاية من قادة في جيش التحرير للتخلص من العقيدين بأيدي الفرنسيين، ولكن الوشاية جاءت من الفومية، التابعين لبن لونيس، الذين لاحظوا تحركات لوحدات لجيش التحرير في المنطقة، وقاموا بإبلاغ الجيش الفرنسي بتلك التحركات.
فرضية أخرى تتحدث عن تمكن الفرنسيين من التقاط اتصال لاسلكي بالعقيد عميروش، واستطاعوا فك شفرته وتحديد مكان العقيدين. هل هناك ما يؤكد أو ينفي هذه الفرضية؟
العقيد عميروش لم يكن لديه جهاز إرسال واستقبال، وإنما سي الحواس من كان يملك هذا الجهاز في جبل حمر خدو ببسكرة. ولكن الذي أكد للفرنسيين وجود العقيد عميروش هو الرائد عمر إدريس، الذي أسره الجيش الفرنسي خلال معركة جبل ثامر، وقاموا باستنطاقه تحت التعذيب فقال لهم ''معنا عميروش''، ولكنهم واصلوا تعذيبه حتى الموت. وبدأت معركة جبل ثامر على الساعة 00:11 صباحا، حيث تحركت أربع وحدات عسكرية للجيش الفرنسي، تتقدمهم وحدة اللفيف الأجنبي، وحدث أول اشتباك على الساعة 15:12، حيث قُتل عسكري فرنسي برصاصة في رأسه، لكن الجيش الفرنسي طوق جنود العقيدين عميروش وسي الحواس، هذا الأخير الذي وقف في مغارة، وأطلق النار على قوات اللفيف الأجنبي، ولكن عسكريين، أحدهما من السنغال والآخر من السودان، أطلقا النار على سي الحواس من رشاشاتهما فأردوه شهيدا، وكان ذلك على الساعة 30:12، وتعرفوا عليه من خلال لباس المظليين الذي كان يرتديه وقميص نايلون أبيض وقبعته.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

وكيف استشهد العقيد عميروش؟
العقيد عميروش كان داخل مغارة، وخلف شجيرة صغيرة، حاملا معه سلاح من نوع ''كاربين أمريكية carabine américaine''، وتحرك قليلا فرآه الفرنسيون، وقال أحدهم ''الجنود الجزائريون من عادتهم أنهم يختبئون في انتظار نزول الظلام ليتحركوا''، فأرسلوا عسكريا فرنسيا إلى أعلى المغارة، ونزل عبر حبل إلى الأسفل فتمكن من رؤية العقيد عميروش بوضوح، فأطلق عليه النار من رشاشه، حتى نفذ خزان الرصاص لديه، دون أن يصيب العقيد عميروش، فاستعمل خزان رصاص آخر، وأطلق عليه النار ثانية فأصابه هذه المرة بثماني رصاصات في صدره وحول محيط قلبه، فسقط العقيد عميروش شهيدا، وكان ذلك على الساعة 30:17 مساء.
وهذه المعلومات استقيناها من النقيب الفرنسي Jean Louis Gallet الذي كانت، بحسب قوله، لديه علاقات متينة مع مسؤولين مهمين في الإدارة الفرنسية، أمثال '' Jean Manoni''، المكلف بالشؤون الإدارية في الهيئة التنفيذية المؤقتة (أشبه بحكومة مختلطة أشرفت على الاستفتاء على تقرير المصير في جويلية 1962)، وكذلك
Roger Roth، نائب رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة. ئ؟
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

ما هو سبب الخلاف بين العقيد شعباني والضباط الفارين من الجيش الفرنسي؟
العقيد محمد شعباني هو أصغر عقيد في الجزائر، إذ أنه من مواليد 4 سبتمبر 1934 في أوماش ببسكرة، وكان قائد الولاية السادسة (الصحراء)، ولم يرسّموا رتبته كعقيد إلا بعد سنتين من قيادته للولاية، ولكن ما أثر في شخصية شعباني.. اجتماع الرئيس الفرنسي شارل ديغول بالبشاغاوات والقياد في 13 ماي 1958 بقصر الإليزي، وأخبرهم أن فرنسا ستخرج من الجزائر وطلب منهم تحضير أنفسهم وأبنائهم لتولي قيادة الجزائر، من خلال التسرب داخل الثورة، وعاهدوه على ذلك. ولكن شعباني، بعدما انعقد أول مؤتمر لحزب جبهة التحرير في 1964، طلب رسميا من بومدين ألا يتعامل مع الضباط الفارين من الجيش الفرنسي وإبعادهم من مراكز صنع القرار، وعبّر عن رفضه للفرانكفونية، وقال ''لا نريدها في الجزائر''، وشدد على تعريب الدولة. ونحن في الأمن العسكري كنا نراقب الضباط الفارين من الجيش الفرنسي وعلاقاتهم بباريس بدقة، ولكنهم ذابوا في جيش التحرير وخدموا الجزائر، ولم نجد لهم أي ملف أو تعاملات مع فرنسا إلا البعض منهم. ولكننا بعيد الاستقلال مباشرة اكتشفنا عيونا لفرنسا وسط الجنود والضباط الذين أدخلهم عبد القادر شابو، الأمين العام لوزارة الدفاع، إلى الجيش بعد وقف إطلاق النار، وتم طردهم من صفوف الجيش.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

هل هذا الخلاف كان سبب تأزم العلاقة بين شعباني وبومدين؟
العقيد شعباني كانت له صداقة حميمية مع محمد خيضر (أحد الزعماء الخمسة والأمين العام للحزب)، وهذا الأخير اقترحه أولا على بن بلة، وقال له ''إذا أردت أن يكون لك نفوذ داخل الجيش عيّن شعباني قائدا للأركان''، والرئيس أحمد بن بلة قال لشعباني ''جهز نفسك لأعينك رئيسا للأركان''، لكن شعباني رد عليه ''نحن قادة الولايات نجتمع ونقرر من يكون قائدا للأركان، أو عليك بتعيين العقيد محند أولحاج قائد الولاية الثالثة لهذا المنصب''. لكن بومدين اعترض على تعيين شعباني قائدا للأركان، واقترح بالمقابل العقيد الطاهر زبيري لهذا المنصب، قائلا لبن بلة إن الطاهر زبيري، نظرا لماضيه الثوري، هو الأجدر. واقترح بومدين على بن بلة تعيين شعباني نائبا أولا لقائد الأركان، والعقيد عباس نائبا ثانيا، والرائد عبد الرحمان بن سالم نائبا ثالثا، إلا أن خيضر اقترح مجددا على الرئيس بن بلة تعيين العقيد شعباني وزيرا للدفاع مكان بومدين، الذي عين نائبا للرئيس. وبعدها وعد بن بلة شعباني بتعيينه وزيرا للدفاع، لكن شعباني قال له ''لا يمكنني أن أدوس على مسؤول ثوري مثل بومدين''، فقد كان شعباني يحترم بومدين، ولكن الأخير اشمأز من اقتراحات بن بلة، ومن مواقف شعباني من الفرانكوفونية
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

ولكن لماذا رفض شعباني الالتحاق بمنصبه كنائب لقائد الأركان كما طلب منه الرئيس بن بلة وبومدين؟
ذهبت رفقة العقيد الطاهر زبيري في سيارة سوداء من نوع 403 إلى بسكرة، بطلب من الرئيس بن بلة وبومدين، لإقناع العقيد شعباني بالالتحاق بمنصبه في العاصمة. فسألَنا شعباني من سيعين ( في قيادة الناحية العسكرية الرابعة) مكاني؟ فقلنا له: زرفيني. فقال: والله ما تحشموا.. أنتم ثوريون وتدعمون واحدا من الجيش الفرنسي يحكم الولاية التي كونتها. وتمسك بالبقاء في قيادة الناحية العسكرية الرابعة ببسكرة، وفشلت كل الوساطات لإقناعه بالعدول عن موقفه، حيث زاره العقيد يوسف الخطيب (قائد الولاية الرابعة- وسط الجزائر) والرائد لخضر بورفعة، والرائد عمار ملاح،وعلي منجلي (نائب قائد الأركان خلال الثورة)، وحتى سفير مصر في الجزائر علي خشبة.
هل كان سفير مصر مبعوثا من الرئيس جمال عبد الناصر؟
أرجح أن يكون مبعوثا من الرئيس أحمد بن بلة، ولكن ما يجب الإشارة إليه أن العقيد شعباني اتفق مع محمد خيضر وحسين آيت أحمد على إنشاء ''تنسيقية الدفاع عن الثورة'' في 28 جوان 1964، بعدما اتضحت له ألاعيب الرئيس بن بلة.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

لكن حسب بعض الشهادات فإن الرئيس بن بلة كان يحترم العقيد شعباني بشكل خاص؟
كان شعباني مدللا لدى الرئيس بن بلة، وسأروي لك حادثا يوضح لك هذا الأمر، كنا في إحدى المرات من عام 1964 في نادي الضباط بباب الوادي مع الرئيس أحمد بن بلة، ووزير الدفاع العقيد بومدين، وقائد الأركان الطاهر زبيري، حول مائدة غداء بحضور عدد كبير من الضباط السامين، وتأخر العقيد شعباني عن الحضور ثلاثة أرباع الساعة، فشرعنا بتناول الغداء، وحينها ولج شعباني مدخل القاعة فنهض بن بلة من مكانه وتوجه صوبه واحتضنه أمامنا، وطلب من أحد عمال النادي أن يأتيه بكرسي ووضعه بينه وبين بومدين ليجلس عليه شعباني، وتساءلنا حينها عن سبب زحزحة كرسي بومدين إلى الجانب لإتاحة مكان لشعباني بالقرب من الرئيس، وفهمنا أن بن بلة كان يقصد بذلك استفزاز بومدين، وإظهار مدى قرب شعباني منه مقارنة ببومدين.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

الرئيس بن بلة كان يدعم شعباني لتقليص نفوذ بومدين، فلماذا انقلب عليه بعد ذلك؟
شعباني كان مغتاظا من الرئيس بن بلة لأنه وعده بأن يعينه وزيرا للدفاع، ولم يف بوعده، لذلك عندما اتصل به بن بلة قال له شعباني ''أنت تشبه السياسويين المتعفنين.. إن لم تكن منهم''، قالها مرتين، وهذا ما أغضب الرئيس بن بلة فأمر الجيش باعتقال شعباني، وقاد العملية العسكرية الرائد الشاذلي بن جديد، قائد الناحية العسكرية الخامسة (قسنطينة)، ونائبه عطايلية، حيث تحركت القوات المجنزرة، وكنت حينها مع العقيد زبيري بباتنة، في مقر القطاع العسكري، ولما بدأت القوات في التحرك ووصلت إلى بسكرة كان شعباني نائما في بيت نائبه عمر صخري، وحصلت مناوشات طفيفة مع رجال شعباني يوم 1 جويلية 1964 في القنطرة (شمال بسكرة)، قتل فيها جنديان من جنود شعباني، الذي لاحقه الجيش فلجأ إلى بوسعادة، ومعه عمر صخري وفنتار وآخرين، وهناك ألقى عليه السعيد عبيد، قائد الناحية العسكرية الأولى، القبض بعد أسبوع من انطلاق العملية العسكرية ضده، ووضعه في سجن وهران في الزنزانة رقم 62، بجوار زنزانة السعيد عبادو، وأحمد طالب الإبراهيمي، والنقيب بوعناني (رئيس الحرس الجمهوري)، تحت مستوى البحر في ظلام، من يدخل إليه قد لا يخرج منه.
من أول من ألقى القبض على العقيد شعباني؟
ضابط اسمه ''رابح''، وفور إلقاء القبض عليه جاء العقيد أحمد بن شريف (قائد الدرك) في سيارة ''دي آس بلاس''، وخلفه سيارة عسكرية من نوع ''لاند روفر'' بداخلها شعباني موثق اليدين، ومن خلف السيارتين سيارة أخرى بها كلاب ألمانية مدربة، وأخذوه إلى سجن وهران.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

وهل تم تعذيب شعباني فعلا؟
بل كان مريضا جدا بـ''المرّارة'' كان يتألم ليلا ونهارا منها، ولم تعط له إلا مسكنات، ولكن كان يعامل باحترام شديد. وحتى عندما حاول أحد الضباط الإساءة إلى العقيد شعباني في السجن نهره الرائد السعيد عبيد، وقال له ''هذا سيدك.. أطلب منك احترامه احتراما تاما''، وألزم الجميع بمعاملته باحترام. أما بقية الإطارات التي ألقي عليها القبض أمثال سعيد عبادو، محمد جغابة، حسين ساسي، خير الدين شريف، الطاهر لعجال، عمر صخري وغيرهم، فزج بهم في سجن السيدة الإفريقية eafriqu'dame d notre، والذي يسمى ''دار النخلة'' ويديرها حمداش من الفرقة الخاصة التابعة مباشرة لبن بلة (بعد التصحيح الثوري أدخل حمداش السجن)، وعُذبوا هناك، مع العلم أن الذي كان يعذَّب آنذاك أمام أعينهم، ويا عجب العجاب، هو عيسى مسعودي المذيع الجزائري للثورة، الذي كانت يداه معلقتين، يصرخ ويتألم من التعذيب، ثم بعد هذه المحطة نُقلوا إلى بوزريعة، ثم إلى سجن وهران، ومنه إلى سجن الكدية بقسنطينة، ثم جمعوهم في بيت لتغسيل الأموات بعد إصدار حكم الإعدام على شعباني.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

وكيف تمت محاكمة العقيد شعباني؟
files.php
بن بلة عيّن محمود زرطال رئيسا لجلسة المحاكمة، وهو مدني يشتغل مستشارا بمحكمة وهران، أما بومدين فعين الرائد الشاذلي بن جديد والرائد السعيد عبيد والرائد عبد الرحمان بن سالم أعضاء في هيئة المحاكمة، وبدأت المحاكمة في 01 سبتمبر 1964 على الساعة 11:00 صباحا، ووجهت لشعباني عدة تهم، أبرزها: التعامل مع الاستعمار الفرنسي، سعيه لفصل الصحراء عن الجزائر، وقوفه ضد الفرانكوفونية، وعدم تطبيق أوامر رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، والقيام بعملية انقلابية ضد الحكم. وهذه التهم كلها افتراءات وكذب، فللتاريخ، لم يقم العقيد شعباني بأي عملية عسكرية ضد الحكم، ولم يسع يوما لفصل الصحراء، ولا للتعامل مع العدو.

وهل كانت معاداة الفرانكوفونية جريمة يعاقب عليها القانون حينها؟
كان يُقصد بها معاداة العقيد شعباني للضباط الواردين من الجيش الفرنسي، لأنه خلال مؤتمر الحزب في 1964 قال ''هناك قوة ثالثة يجب تنظيفها''، وكان يقصد هؤلاء الضباط، وعين حينها عضوا في المكتب السياسي للحزب دون إرادته، وشعباني أنكر كل التهم، إلا أنه اعترف بمعاداته للفرانكفونية بجميع أشكالها، وقال: ''كل الذين أوقفتموهم غير مسؤولين، وأنا الذي أتحمل كل المسؤوليات''.
 
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي

كيف صدر حكم الإعدام ضد شعباني؟
كانت الساعة الحادية عشر ليلا عندما اتصل بنا السعيد عبيد، وكنت حينها مع العقيد الطاهر زبيري في مكتب العقيد هواري بومدين بالمرادية، وأخبرنا عبيد أن ''القرار الذي صدر من المحكمة هو الإعدام، ونرجوا من رئيس الأركان أن يتدخل لدى الرئيس بن بلة لتحويل الحكم إلى السجن مدى الحياة''. وفي هذا الصدد زرت الرئيس الشاذلي بن جديد في 2010، وقال لي ''بعدما أصدرنا الحكم كلفنا السعيد عبيد بالاتصال بالرئيس بن بلة فشتمه''، وقال لي الشاذلي هذا الكلام بحضور العقيد أحمد لخضر دريد والعقيد عز الدين ملاح.
كيف كان رد زبيري على طلب السعيد عبيد الشفاعة لشعباني عند الرئيس بن بلة؟
العقيد زبيري دخل إلى مكتب العقيد بومدين وحده للحديث معه في الأمر، ثم خرجا، فقال بومدين لزبيري ''اترك بن بلة يتحمل مسؤولياته لوحده، ولكي لا يعتقد أنني طلبت منك التدخل.. لا تتدخل''، فرد عليه زبيري ''كيف.. هذا رجل ثوري (شعباني)، مثقف، تسمحو فيه ليحكم عليه بالإعدام''، وأضاف ''غضضنا الطرف عن محند أولحاج، وآيت أحمد، وفعلو بجيوشهما أكثر من شعباني''. وحينها جاءتني مكالمة من الرئيس أحمد بن بلة يستدعي فيها العقيد طاهر زبيري إلى فيلا جولي، ففرح زبيري لهذا الاستدعاء، وقال لي ''هذا السيد (قاصدا العقيد بومدين) لا يريد أن يفهم أي شيء عن شعباني.. إنه يريد رأسه''، ثم أضاف ''هذه فرصة، والله أذهب لأكلمه (يقصد الرئيس بن بلة)''.
 
عودة
أعلى