رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
ماذا كان رد بن بلة على زبيري؟ لما ذهب زبيري إلى بن بلة، على الساعة 12:30 ليلا، قال له الرئيس هيئ نفسك لنذهب غدا صباحا على الساعة 7:30 إلى القاهرة، للاجتماع مع الرئيس جمال عبد الناصر والقادة العرب، مع العلم أن جدول الأعمال تضمن اجتماع رؤساء الدول العربية، ووزراء الدفاع، ووزراء الخارجية، ووزاء المالية العرب. فبعد هذه التعليمات اقترح زبيري على بن بلة قضية شعباني، فرد ''لا تكلمني عن هذا الرجل.. إنه خائن''، فأثار زبيري قضية آيت أحمد ومحند أولحاج، فقال له بن بلة ''اتركني سأنظر في الأمر''. لكن بعد نصف ساعة من المقابلة أرسل بن بلة برقية رسمية إلى وزير الدفاع، هواري بومدين، طلب منه فيها تطبيق حكم الإعدام المنطوق به على شعباني، في نفس اليوم، وقبل ذهابه إلى القاهرة. إذن من هو المسؤول عن إعدام العقيد شعباني؟ مسؤولية إعدام شعباني في أعناق كل من أعضاء المحكمة، أولا: محمود زرطال، والشاذلي بن جديد، وعبد الرحمان بن سالم والسعيد عبيد. مع الملاحظة أن الشاذلي بن جديد، في ندوة بالقالة، قال ''بومدين أعطاني تعليمات، إبان المحاكمة، وقال لنا: بن بلة يعطيكم الأمر بالنطق بحكم الإعدام''، ثانيا: رفض العقيد هواري بومدين التدخل في هذا الموضوع بأي صورة من الصور، لأنه كان يكره فكرة تعيين شعباني وزيرا للدفاع، ورفضه الالتحاق بمنصبه، ثالثا: الرئيس أحمد بن بلة رفض تخفيض عقوبة الإعدام إلى المؤبد، رغم طلب العقيد زبيري.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
كيف تم تنفيذ عملية إعدام شعباني؟ يوم 2 سبتمبر 1964، وعلى الساعة 04:30 فجرا، أُخرج العقيد شعباني من سجن سيدي الهواري بوهران، بعد أن طُوّق بوحدات الجيش، ونقل على متن سيارة من نوع 403 سوداء، وأخذوه إلى منطقة كنستال بوهران، ثم ربطوا يديه إلى الوراء، وأرادوا أن يضعوا شريطا قاتما على عينيه، لكنه رفض، فسألوه: بودّنا أن تطلب العفو من رئيس الجمهورية، فرد عليهم شعباني ''أقسم بالله العظيم لن أطلب منه شيئا، وعند ربكم ستختصمون''، فقالوا له: هل لديك مطالب أخرى؟ فقال: نعم، أريد أن أرى أخي وصديقي الشريف خير الدين (كان معه في السجن)، ولي والدة صحتها مهلهلة، أطلب من أصدقائي التكفل بها، ولا تتركوا جثتي في هذا المكان، أرجو دفني في مسقط رأسي (أوماش)، أو في سيدي عقبة (المكان الذي استشهد فيه الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع)، وقبل ذلك، وعلى الساعة 03:10 فجرا، كانت قد وصلت فرقة الإعدام المكونة من 12 عسكريا وأُدخلوا إلى غرفة بها 12 قطعة سلاح، 6 قطع بها رصاص حي، و6 قطع أخرى بها رصاص أبيض (صوتي)، وتم خلط الرصاص بشكل لا يعرف أي منهم طبيعة الرصاص الذي لديه، حتى لا يُعرف صاحب الرصاصة القاتلة، كي لا يشعر بأي عقدة ذنب في حياته.. وأُعطي الأمر بالتنفيذ، خلف در.. إرم، فأطلق رجال فرقة الإعدام رصاصتهم على شعباني، على مسافة لا تزيد عن 30 مترا على أكثر تقدير، ومع ذلك لم يصيبوه إلا في رجله، ولكن للأسف الشديد اقترب منه قائد فرقة الإعدام، وسحب مسدسه الشخصي وأطلق عليه النار فأرداه قتيلا، وكان هذا مصير العقيد شعباني المحتوم
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
من هو الشخص الذي نفذ حكم الإعدام؟ مصطفى السايس وهو من الضباط الواردين من الجيش الفرنسي، هو الذي اقترب من العقيد شعباني وأطلق عليه رصاصتين في رأسه من مسدسه الشخصي، فقتل أصغر عقيد في الجزائر، حيث لم يتجاوز سنه 30 عاما حينها، (30 سنة إلا يومين) عند إعدامه، وكان ذلك على الساعة الخامسة فجرا والدقيقة .14 وترك مصطفى سايس الجزائر وهو يعيش اليوم في بحبوحة بباريس ولديه الجنسية الفرنسية. متى تلقيتم خبر تنفيذ حكم الإعدام؟ امتطينا الطائرة المتجهة إلى القاهرة على الساعة 7:30 صباحا، وأثناء الرحلة تصفح الرئيس أحمد بن بلة جريدة ''المجاهد''، التي كُتب فيها بالبنط العريض ''خائن الوطن يُعدم صبيحة هذا اليوم''، وبعد أن قرأها طوى بن بلة الصحيفة، وقال بالفرنسية ''للأسف الشديد equel dommag ''، ولكن لم يبد على معالم وجهه أي أثر للتأسف على إعدام العقيد شعباني. وكنت حينها جالسا في أريكة طائرة اليوشين 18 قريبا من الرئيس، ورأيت هذا المشهد، فقلت له في نفسي ''سيأتي دورك لا محالة''.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
ما قصتك مع موسى حساني والـ683 مقاتل معارض؟
موسى حساني كان قائدا لقيادة الحدود الشرقية تولاها بعد قيادة موسى مراد، وكان رجلا مثقفا وثوريا بمعنى الكلمة، وبعد الاستقلال طلب منه بوضياف أن يقوم بجمع أكبر عدد ممكن من المجاهدين القدامى، كون النواة الأولى للمعارضة المسلحة، وكان معه الطاهر بن زيادة، حفيظ طبال، مولود بونار، وهناك شخص آخر، حاليا هو جنرال في وزارة الدفاع (تحفظ عن ذكر اسمه)، ومع هؤلاء الضباط كان هناك 683 رجل مسلح قرروا معارضة حكم بن بلة، كانوا متمركزين في جبال تكسانة وضواحيها بجيجل، وذلك منذ أواخر 1963، وقاموا بعمليات مسلحة كثيرة ضد الحكم الفردي لبن بلة، وبمبادرة مني، وموافقة الطاهر زبيري، وبومدين، توجهت صوب جبال جيجل، ونزلت من سيارتي وصعدت إلى الجبل راجلا، بغية لقاء المجموعات المسلحة الموالية لبوضياف وموسى حساني، وكدت أغتال على يد رجالهما، وبعد ثلاث زيارات، آخرها كنت برفقة فايد أحمد، اتفقنا مع موسى حساني أن يترك الجبال ومصاعبها، هو ومجموعته المسلحة، وأن يلتحق بصفوف الجيش، لأن بومدين وزبيري لهما تصور خاص بشأن التعامل مع بن بلة، وفي الأخير نزل حساني في سيارتي الخاصة إلى العاصمة، يوم 11 جانفي 1965، وفي الطريق توقفنا في ثكنة بجيجل التي كان رئيسها آنذاك الضابط جنوحات (حاليا هو برتبة جنرال)، والذي تساءل عن مرافقي في السيارة، فقلت ''موسى حساني''، وطلبت منه التزام الصمت إلى حين إتمام المفاوضات معه في العاصمة. ووصلنا على 03:15 فجرا إلى فيلتي، واحتفظت بسر الموضوع حتى على زوجتي وأخي عمر (نقيب المحامين حاليا بباتنة)، وقلت لهما إنه صديق ليبي. وحصل اتفاق مع الطاهر زبيري، وفايد أحمد، بتعليمات من بومدين، على أن يبلغ الرئيس بن بلة بأن موسى حساني وضع نفسه ورجاله تحت تصرف الدولة، فقبل بن بلة بهذه الفكرة، واشترط علينا أن يكون تحت الإقامة الجبرية في مستغانم، وبالفعل من تلك الفترة إلى 25 جانفي جاء والي مستغانم وأخذ حساني إلى مستغانم، ووضعه تحت الإقامة الجبرية في إقامة الدولة. وبعد فترة وجيزة حصل الانقلاب على بن بلة، واستدعى مجلس الثورة، برئاسة هواري بومدين، موسى حساني، وعُيّن وزيرا للاتصالات السلكية واللاسلكية.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
زبيري يتحدث عن مرافقتك له في مهمة عسكرية إلى الشرق الأوسط، قبل اندلاع حرب جوان 1967، هل لديك ما تضيفه بهذا الشأن؟ كنت في مهمة سرية مع العقيد الطاهر زبيري، قائد الأركان، والهاشمي هجرس، إلى الشرق الأوسط، بدعوة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي طلب منا تحسيس الرؤساء العرب، وخاصة الرئيس السوري نور الدين الأتاسي، والرئيس العراقي، لتهيئة وحداتهم العسكرية للهجوم على إسرائيل. ومن الأمور السرية أن الرئيس العراقي أكد لنا أنه مستعد لإرسال 3 ألوية، كل لواء فيه 3 فيالق، وكل فيلق يضم 1000 جندي وضابط (قرابة 10 آلاف مقاتل). والمصريون هيأوا 9 ألوية للقتال، أما السوريون فلم يكونوا جاهزين تماما للحرب، بل أخطر من ذلك وضعوا في الخطوط الأمامية في بحيرة طبرية عسكريين فلسطينيين لمراقبة العدو الإسرائيلي. ما هو حجم الدعم العسكري الذي قدمه جمال عبد الناصر للجزائر بعد الاستقلال؟ مصر جمال عبد الناصر أرسلت 9 طائرات من نوع ميغ 15 لدعم الجزائر في معركتي تندوف وحاسي البيضاء (حرب الرمال مع المغرب في 1963)، كما أرسل عبد الناصر مخططين مصريين، ولكن طائرة الهيليكوبتر التي كان يقودها الطيار الجزائري، حسين سنوسي، هبطت، عن طريق الخطأ، في منطقة فقيق المغربية، بدل منطقة بني ونيف في بشار، وأسر الجيش المغربي 3 جزائريين، و4 ضباط مصريين، وحيث بقوا تحت التعذيب لمدة 8 أشهر.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
وهل شاركت القوات الجوية الجزائرية في حرب جوان 1967؟ بالرغم من الإطاحة ببن بلة في جوان 1965، إلا أن جمال عبد الناصر كانت ثقته في الجزائر كبيرة، حيث أرسل حسني مبارك (الرئيس المصري المخلوع) 6 طائرات مقنبلة كبيرة، من نوع تيبولاف 116، لتفادي تدمير القوات الإسرائيلية لها، بينما أرسلت الجزائر سربين من طائرات ميغ 17، وميغ21، وكل سرب يضم عشر طائرات، أي ما مجموعه 20 طائرة مقاتلة، وشاركت هذه الطائرات مشاركة فعالة في حرب الستة أيام، ولكن عند عودتها سقطت طائرة جزائرية من نوع ميغ 17 في تونس، بسبب خلل تقني. ماذا عن مشاركة القوات الجوية الجزائرية في حرب 6 أكتوبر 1973؟ لقد وضعت الجزائر أسرابا من طائراتها المقاتلة تحت تصرف مصر، استعدادا للحرب، حيث توجهت 48 طائرة مقاتلة من نوع سوخوي آس دي، وميغ 21، وميغ 17 في أفريل 1973، من أجل المشاركة في أي حرب محتملة مع إسرائيل، وتوقفت في بنغازي (شرق ليبيا) للتدريب، وفي 07 أكتوبر 1973 دخلت مقاتلاتنا مصر، تحت قيادة محمد لخضر دريد، للمشاركة في الحرب (بعد يوم واحد فقط من اندلاع الحرب)، وأصيبت طائرتي ميغ 21 بصواريخ إسرائيلية، لكنها عادت إلى قواعدها بصعوبة، إلا أن طائرة من نوع سوخوي آس دي أصيبت عن طريق الخطأ بصاروخ مصري أرض جو فتحطمت، وقُتل الطيار محمد ظريف ومساعده، وتقدمت حينها قيادة القوات الجوية المصرية باعتذار رسمي عن هذا الخطأ. كما قدمت الجزائر إعانة مالية لمصر، خلال الحرب، بقيمة 300 مليون دولار، ولكن كل تلك المساعدات لم يذكرها الإخوة المصريون في كتبهم، كما لم يتكلموا عن المساعدات السودانية والكويتية وغيرها
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
بومدين عرض على زبيري اقتسام كعكة السلطة - بومدين أقال زبيري من قيادة الأركان بمجرد خروج فيلق المدرعات من العاصمة
ضابط في المخابرات أخبر زبيري بأن بومدين أمر باعتقاله
- هناك مسؤولون اقترحوا على العقيد زبيري اغتيال بومدين عوض اتخاذ موقف عسكري ضده، فقال لهم زبيري: ''والله لا ولن أسمح لنفسي بأن أعطي تعليمات للاغتيالات السياسية، سواء أكان بومدين أو غيره حتى لا تصبح الاغتيالات السياسية أسلوبا في تغيير الحكم''
- اتفق سعيد عبيد ويحياوي وعباس وبن سالم بتأييد من الشاذلي وعبد الغني على: ... إذا لم يحترم الرئيس بومدين قراره بعقد اجتماع مجلس الثورة، يقدم رؤساء النواحي العسكرية استقالتهم من الجيش ويتخذوا موقفا عسكريا موحدا داخل النواحي العسكرية إلى حين انعقاد الاجتماع
- فكان رد منجلي الذي لم أتوقعه نهائيا: ''سي مهدي.. ما رأيك لو أتصل ببومدين وأقول له إن سي الطاهر قلق وسأذهب لأسترضيه''
- لكن رد بومدين كان واضحا وقال لزبيري: ''الجماعة الذين يتشدقون بالاجتماع ليس لهم أي وزن اجتماعي في البلاد ومعظمهم يأتون الاجتماع وهم سكارى''
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
كيف اشتعلت أزمة ديسمبر 1967 بين العقيد هواري بومدين والعقيد الطاهر زبيري؟
- لن تجد من يحكي لك عن أزمة 14 ديسمبر 1967 أفضل مني ولا فخر ولا رياء... نقطة البداية كانت عندما نشب خلاف بين علي منجلي، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، وقايد أحمد، وزير المالية، وعبد القادر شابو الأمين العام لوزارة الدفاع وكنت حينها في سكرتارية مجلس الثورة مع شرقي الوردي وكنا نعد كل محاضر الاجتماعات، حيث تحدث منجلي مع قايد أحمد وقال له: ''أرجو أن تعطينا جميع المعطيات عن ميزانية وزارة الدفاع''، وقبل أن يجيبه قايد أحمد تكلم شابو وقال له: ''لا تتدخل في هذا الأمر لأنه خاص بوزارة الدفاع''. وبعد جدل طلب منجلي رسميا إيضاحات، فقال له قايد أحمد: ''سآتي غدا بالخبراء الماليين''. وفي الغد جاء الخبراء الماليون، وأراد قايد أحمد تقديم الإيضاحات لكن منجلي قاطعه، وقال له: ''لستَ كفؤا لإعطاء الإيضاحات'' وتلفظ بألفاظ بذيئة، فتدخل شابو لصالح قايد أحمد، لكن منجلي أصر على موقفه، فتدخل العقيد بومدين رئيس مجلس الثورة وقال مخاطبا منجلي: ''أنت دائما تأتي بالمشاكل''، فرد عليه منجلي: ''عيّناك في هذا المكان ليس لتكون مع أي طرف كان''. فغضب بومدين وقال له: ''منذ عرفناك وأنت دائما مهرج بالمشاكل نتاعك''، ثم طوى ملفاته وخرج. المشكل لحد الآن بين العقيد بومدين والرائد علي منجلي، فما علاقة العقيد زبيري بهذه القضية التي كانت سببا في القطيعة بينه وبين رئيس مجلس الثورة؟
- لأنه في نفس الأمسية اتجه بومدين إلى مكتب زبيري بوزارة الدفاع في المرادية (قصر الرئاسة حاليا) وقال له: ''هذا الشخص الذي اقترحته علي نتاع مشاكل وأراد أن يحدث لنا انفجارا''، واقترح عليه أمرا خطيرا يتمثل في اعتقال علي منجلي حيث قال له ''فكرتي أن يلقى عليه القبض''، ولكن زبيري رد عليه: ''هذا عضو معنا في مجلس الثورة ونحن أزحنا بن بلة من الحكم الفردي وجئنا لجمع الشمل، وعلي منجلي تحدث في إطار قانوني، وفكرة إلقاء القبض عليه لست موافقا عليها''، فقال بومدين: ''أنا قلت هذا الكلام وأنت فكر فيه''.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
هل كان رفضُ زبيري فكرة اعتقال منجلي سببا في تجميد اجتماعات مجلس الثورة؟
- كل اجتماعات مجلس الثورة التي عقدت منذ تنحية بن بلة في 19 جوان 1965 كانت تعد على الأصابع، لأن المجلس كان مقسما إلى ثلاث فئات، جماعة وجدة التي تضم أقرب المقربين إلى بومدين وهم عبد العزيز بوتفليقة، شريف بلقاسم، أحمد مدغري وقايد أحمد وهو مغربي أخذ الجنسية الجزائرية في 26 جوان 1965 ومن أراد أن يتأكد فليذهب إلى الجريدة الرسمية، بالإضافة إلى الطيبي العربي سفير في كوبا ثم عيّنه بن بلة مديرا عاما للأمن الوطني. أما المجموعة الثانية فتضم كبار الضباط وهم: العقيد الطاهر زبيري رئيس الأركان، السعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى (البليدة)، محمد صالح يحياوي قائد الناحية العسكرية الثالثة (بشار)، الشاذلي بن جديد قائد الناحية العسكرية الثانية (وهران)، العقيد عباس قائد أكاديمية شرشال، عبد الله بلهوشات قائد الناحية العسكرية الخامسة (قسنطينة) وأحمد عبد الغني قائد الناحية العسكرية الرابعة (ورفلة). أما الفئة الثالثة فتتمثل في قادة الولايات التاريخية، أمثال محند أولحاج قائد الولاية الثالثة (القبائل) يوسف الخطيب قائد الولاية الرابعة (وسط الجزائر) وصالح بوبنيدر قائد الولاية الثانية (الشمال القسنطيني) وعلي منجلي نائب رئيس الأركان خلال الثورة ونائب رئيس المجلس الشعبي الوطني.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
كيف تعامل بومدين حيال رفض رئيس الأركان إبعاد علي منجلي من مجلس الثورة؟
- أصبحت جماعة وجدة تجتمع مع بومدين في فيلا 19 جوان الملاصقة لمقر الرئاسة في المرادية ويسهرون معه إلى غاية الرابعة صباحا للتخطيط بشأن التعامل مع الفئتين الأخريين في مجلس الثورة، مع العلم أن 19 جوان 1965 (الانقلاب على الرئيس بن بلة) حضّر له شهرين قبل تنفيذه في نفس الفيلا، وكان بومدين يستمع للجميع لكنه يتخذ قراراته لوحده. ماذا عن ردة فعل كبار الضباط إزاء تجميد اجتماعات مجلس الثورة؟
- بعد شهر جاءني الرائد عبد الرحمان بن سالم (نائب قائد الأركان ورئيس القطاع العسكري للعاصمة) إلى وزارة الدفاع وقال ''نريد مساعدة رئيس الأركان العقيد الطاهر زبيري بخصوص اجتماع مجلس الثورة الذي يرفضه بومدين إثر الحادثة التي وقعت بين منجلي وقايد أحمد''، وأضاف ''أرجوك تكلم مع الطاهر زبيري لكي يستقبل علي منجلي في مكتبه قبل طرح موضوع الاجتماع على بومدين''، فوافقت وكلمت زبيري فقال لي: ''بن سالم أقرب إلى بومدين أكثر مني لماذا لا يكلمه؟''، فقلت له: ''هذا نظرا لوزنك (في السلطة).. كلامك سيكون أفضل''.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
على ماذا اتفق علي منجلي والطاهر زبيري؟
- التقى الرجلان في منزل سي الطاهر على ما أظن بعيدا عن الأعين، فطال الحديث عن مشاكل الدولة وعدم انعقاد مجلس الثورة وخاصة عدم تطبيق ما ورد في بيان 19 جوان 1965، وكيف صار بومدين يرتكب نفس أخطاء بن بلة، ووافق زبيري على طلب علي منجلي بإبلاغ العقيد هواري بومدين بضرورة عقد اجتماع مجلس الثورة في أقرب وقت، لكن رد بومدين كان واضحا وقال لزبيري: ''الجماعة الذين يتشدقون بالاجتماع ليس لهم أي وزن اجتماعي في البلاد ومعظمهم يأتون الاجتماع وهم سكارى''. ورغم إلحاح زبيري عليه إلا أن بومدين تعنت ورفض الدعوة إلى اجتماع مجلس الثورة بأي حال من الأحوال. لماذا وصل الخلاف السياسي بين رئيس مجلس الثورة ورئيس هيئة الأركان إلى التلويح باستعمال القوة؟
- قبل 10 أيام من بداية حركة 14 ديسمبر 1967، جاءنا ضابط في الأمن العسكري وأخبرنا أن العقيد بومدين أعطى الأمر بإلقاء القبض على العقيد زبيري شخصيا بعد تعنته وإصراره على عقد مجلس الثورة، فاتخذ زبيري قرارا بأن يحمي نفسه فذهب إلى وحدة الدبابات في الليدو ببرج الكيفان (نحو 20 كلم شرق قصر الرئاسة) واستدعى قادة النواحي العسكرية وقادة الولايات التاريخية وأشعرهم بالقرار الجهنمي الذي اتخذه بومدين ضده، فزار معظم أعضاء مجلس الثورة الطاهر زبيري، المدنيون منهم والعسكريون، للاستفسار عن الموضوع، وحينما اطلع الرئيس بومدين على غدو ورواح هذه المجموعة، طلب من السعيد عبيد والعقيد عباس أن يطلبا من زبيري العودة إلى بيته وسيتنقل إليه شخصيا للتباحث معه.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
كيف وثق زبيري في كلمة بومدين رغم أن حياته كانت على المحك؟
- بل عاد إلى منزله احتراما للعقيد عباس والرائد السعيد عبيد، كما أنهما أعطياه ضمانات وأكدا له أن قرار بومدين بالقبض عليه مجرد دعايات، وفي المساء جاء بومدين لزيارته في بيته وعندما أراد حرسه الشخصي الدخول معه منعهم زبيري وقال لهم: إنه في حمايتي. أما بومدين فلما جلس قال لزبيري: ''أضحكت علينا العالم''. وأضاف: ''لدينا كعكة (يقصد السلطة) تعال لنقتسمها مع بعض، وإذا لديك أسماء (للتوزير) هاتهم لنعينهم''. فرد عليه زبيري: ''لست هنا لتعيين أي كان، ولا أحتاج للمسؤولية''. وأضاف: ''لقد ساهمنا جميعا في إزاحة بن بلة عن الحكم لاستيلائه على السلطة بجميع أشكالها وتعاهدنا عهد الأحرار أن نسلم الحكم إلى المدنيين وأن نضع الأسس التشريعية في أقرب الآجال لتسيير أمور الوطن''، فقال له بومدين: ''أظن أن أحسن حل لهذا الوضع السائد فيما بيننا هو أن أعيّنك وزيرا للدفاع''، فقال زبيري: ''سبحان الله لا أريد أي مسؤولية، أريد فقط فهم عدم تطبيق ما ورد في بيان 19 جوان''، وفي الأخير قال له بومدين: ''سنلتقي غدا على مائدة العشاء في بيتي وسنكمل الحديث''. هل فعلا كان هناك متعاطفون مع العقيد زبيري، فكروا في قتل بومدين دون استشارة قائدهم؟
- بومدين في تلك الفترة كان يتنقل من مكان إلى آخر ولم يكن ينام في منزله خوفا على حياته، وفي هذا الصدد وللتاريخ وأقولها بكل صراحة ولأول مرة، هناك مسؤولون اقترحوا على العقيد زبيري اغتيال بومدين عوض اتخاذ موقف عسكري ضده، فقال لهم زبيري: ''والله لا ولن أسمح لنفسي بأن أعطي تعليمات للاغتيالات السياسية، سواء أكان بومدين أو غيره حتى لا تصبح الاغتيالات السياسية أسلوبا في تغيير الحكم''. والذين اقترحوا على زبيري هذه الفكرة الجهنمية، تنصلوا من مواقفهم مع الطاهر زبيري، ونحن لم نذكر أسماءهم للمصالح الأمنية حتى لا تتشعب القضية.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
عمار ملاح صرح لنا شخصيا بأن أحمد دراية، مدير الأمن الوطني في عهد بومدين، خطط لاغتياله، فهل تؤكدون هذا الكلام أو تنفونه؟
- صحيح أن أحمد دراية عرض على العقيد الطاهر زبيري تصفية الرئيس بومدين جسديا دون اللجوء إلى عمل عسكري ضده، ومن ضمن الأشياء التي تركت دراية يتخلى عن الطاهر هو عدم قبوله لفكرة الاغتيال، وعرض هذه الفكرة على زبيري بعد عودته من الليدو، حيث كان يحتمي بفيلق الدبابات. أحمد دراية كان الوحيد إلى جانب الرائد أحمد عبد الغني اللذين لم يكشف أمرهما، بالرغم من أن المصالح الأمنية وخاصة قاصدي مرباح ويزيد زرهوني، طلبوا منا معرفة مستوى مشاركة دراية وأحمد عبد الغني في حركة 14 ديسمبر. ألم يكتشف الرئيس بومدين إلى غاية رحيله، أن مدير الأمن الوطني كان يحرض على اغتياله؟
- أحمد دراية الذي عيّن نائبا لمحكمة الثورة التي أقامها بومدين لمحاكمة الضباط والمدنيين الذين شاركوا في حركة 14 ديسمبر 1967، طلب من والدي أن لا أتطرق لبعض أسرار القضية وفهمت أنه يقصد اقتراحه على العقيد زبيري اغتيال بومدين وهو ما رفضه قائد الأركان بشكل حاسم، رغم أن مكتبه ومكتبي كانا ملاصقين لمكتب بومدين في مقر الرئاسة وكان بالإمكان وضع السم في شرابه أو طعامه بسهولة. وكان مدير المخابرات، آنذاك، قاصدي مرباح ومعه نور الدين يزيد زرهوني، يشكّون في أمر دراية وحققوا معنا بشأنه، لكننا لم نكشف لهم حقيقة أحمد دراية حتى لا نعقد قضيتنا، وقد طرح دراية هذه الفكرة على المحامي علي هارون الذي قام بالدفاع عن 28 إطارا موقوفا في هذه القضية على أكمل وجه
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
وما درجة مشاركة الرئيس الشاذلي بن جديد في حركة 14 ديسمبر؟
- إن شئتم معرفة حقيقة هذا الأمر بالتدقيق، عليكم بالاتصال بالسيدين كمال ورتسي وعلي بوحجة المدعو فلفلي، وهما لايزالان على قيد الحياة، ولن أعطيك أي معلومة إضافية بل أترك لأصحابها الإدلاء بشهادتهما حولها، وستظهر لكم حقائق موقف سي الشاذلي. ماذا عن العياشي حواسنية، قائد فيلق الدبابات، الذي قال لزبيري إنه فكر في إطلاق قذيفة دبابة على المنصة الشرفية التي كان يجلس فيها بومدين وغاب عنها زبيري؟
- كذب من قال إننا أعطينا تعليمات بوضع الذخيرة الحية في الأسلحة أثناء الاستعراض العسكري، لأن العقيد زبيري لم يخطر أيا كان بعدم حضوره الاستعراض، رغم أنه أشرف شخصيا على التحضيرات لهذا الاستعراض في بوفاريك. ففي ذلك اليوم اتصل عبد المجيد علاهم، مدير التشريفات بالرئاسة، بالعقيد زبيري في بيته وقال له بعجرفة ''ماذا.. ألن تأتي.. الرئيس ينتظرك''، فرد زبيري: ''سآتي''. وبعد عشر دقائق اتصل به علاهم ثانية وتكلم معه بطريقة مستفزة ''ماذا.. ننتظرك حتى تأتي''. وللتاريخ، فإن العقيد زبيري لم يخبرنا أنه يخطط لعدم حضور الاستعراض العسكري (في الأول من نوفمبر 1967). هل فعلا أن السعيد عبيد كان يطمح لرئاسة الأركان بدلا من العقيد زبيري؟
- إن السعيد عبيد رجل فذ ومن ألمع الإطارات الثورية، وبالفعل بومدين اقترح عليه أن يعيّنه وزيرا للدفاع لا رئيسا للأركان، وأخبر عبيد الطاهر زبيري بهذه المعلومة خلال الأزمة، وقال له ''يا سي الطاهر، إصبعي وإصبعك موس واحد يقطعهما''، وهذا يدل على درجة الترابط بين الرجلين.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
وهل تعتقد أن السعيد عبيد انتحر فعلا، أم تميل لرأي مقربين منه بأنه صفّي على يد رجال بومدين؟
- كان سعيد عبيد إطارا ساميا في الجيش، محترما ومهابا وشجاعا في آن واحد، وبومدين كان يخشى تدخلاته في مجلس الثورة لأنه كان صريحا وجريئا جدا، إن موته كان كارثة كبرى وخسارة للجزائر برمتها، إن تضارب المعلومات بخصوص انتحاره أو عدمه سرّ لا يعلمه إلا الله. زبيري تحدث عن ضباط دفعوه للمواجهة مع بومدين ثم تخلوا عنه عندما جد الجد، ويحياوي ينفي بشكل مطلق أنه وعد زبيري بالوقوف إلى جانبه عسكريا ضد بومدين، أين الحقيقة وسط هذا التضارب؟
- لقد حصل اجتماع هام يوم 19 نوفمبر 1967 لم يتحدث عنه زبيري في مذكراته، وهذا الاجتماع انعقد في أكاديمية شرشال عند العقيد عباس وجمع كلا من الرائد السعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى والرائد محمد الصالح يحياوي قائد الناحية العسكرية الثالثة والرائد عبد الرحمان بن سالم رئيس القطاع العسكري للعاصمة ونائب قائد الأركان، والذي ساهمت فيه شخصيا وحررت فيه محضر الاجتماع الذي كان حول مائدة الغداء، وأول من أخذ الكلمة هو السعيد عبيد والذي قال بالحرف الواحد: ''لقد كلفت من طرف رؤساء النواحي الشاذلي بن جديد (الناحية الثانية) وأحمد عبد الغني (الناحية الرابعة) (لم يذكر اسم عبد الله بلهوشات قائد الناحية الخامسة) بمساندة أي قرار يصدر منا نحن القادة العسكريين في هذا الاجتماع، ودار الحديث على أساس النقاط التالية:
1 ـ يتعهد الرئيس هواري بومدين بعقد اجتماع مجلس الثورة في أقرب الآجال، شريطة نقل فيلق الدبابات صوب الأصنام (الشلف حاليا).
2 ـ إذا لم يحترم الرئيس بومدين قراره بعقد هذا الاجتماع، يقدم رؤساء النواحي العسكرية استقالتهم من الجيش ويتخذوا موقفا عسكريا موحدا داخل النواحي العسكرية إلى حين انعقاد مجلس الثورة.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
ولماذا كان عبد الله بلهوشات الوحيد من قادة النواحي الذي لم يساند مقررات هذا الاجتماع؟
- لنرجع قليلا إلى الوراء في محاكمة ما يعرف بانقلاب العقداء في 1958، حيث تفادى بومدين النطق بحكم الإعدام على عبد الله بلهوشات. بالرغم من أنه كان مع المجموعة المتهمة بمحاولة الانقلاب على الحكومة المؤقتة، وبالنسبة لنا، عبد الله بلهوشات، مثلما نقول بالتعبير العامي ''حشيشة طالبة معيشة''.
ولكن هذا الكلام يبدو غامضا ولا يعني أن قادة النواحي العسكرية التزموا بالوقوف عسكريا مع زبيري في حال قيامه بأي تحرك ضد بومدين؟
- هؤلاء القادة قالوا لزبيري ''في حال ما لم يلتزم بومدين، ثق بأننا كإخوان مجاهدين ورفقاء، سنستقيل جماعيا ونتخذ موقفا عسكريا مشتركا داخل الوحدات العسكرية والضغط على بومدين لعقد اجتماع مجلس الثورة الذي كان سبب الأزمة''. ولكن زبيري قال لهم ''كلامه (بومدين) سم مدسوس في عسل وكل ما قلتموه لي لا يقنعني وأنا واثق أن بومدين لن يأمر بعقد هذا الاجتماع، ولكن نظرا لأخوتنا وعلاقتنا فإنني أوافق على نقل فيلق الدبابات وكل هذا على مسؤوليتكم''. وبعد هذا الاجتماع، أعطاني زبيري تعليمات لكي أتصل بالعياشي حواسنية قائد فيلق الدبابات لنقل دبابات فيلقه إلى مدينة الأصنام في شاحنات خاصة سيرسلها له السعيد عبيد، فتفاجأ العياشي حواسنية لهذا القرار لكن لم يكن أمامه سوى تطبيقه.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
وهل وفى بومدين بوعده؟
- عندما وصل فيلق الدبابات إلى الأصنام، طلب زبيري من السعيد عبيد والعقيد عباس ويحياوي أن يعطوه تاريخ موافقة الرئيس بومدين على اجتماع مجلس الثورة، فكان رد بومدين عليهم بكل صراحة ووضوح ''كنت أخشى من تواجد فيلق الدبابات في العاصمة، أما الآن فلن آمر بعقد هذا الاجتماع بل بالعكس سأتخذ قرارا بعزل زبيري من قيادة هيئة الأركان''. وكيف تعامل كبار قادة الجيش إزاء هذا الموقف الحرج؟
- دعا السعيد عبيد كلا من الطاهر زبيري والعقيد عباس ويحياوي وبن سالم وقايد أحمد إلى بيته الجديد في الأبيار للإفطار معه (في شهر رمضان)، وذلك في 12 ديسمبر 1967، وجرى الحديث عن اجتماع شرشال ورفض بومدين تنفيذ التزاماته بعد إبعاد فيلق الدبابات إلى الأصنام، وتقرر في هذا الاجتماع أن يتجه كل من السعيد عبيد وعبد الرحمان بن سالم والعقيد عباس ومحمد صالح يحياوي صوب منزل بومدين، للمرة الأخيرة، لتحسيسه بضرورة عقد اجتماع مجلس الثورة ونزع فتيل الأزمة. هل استطاع كبار الضباط أن ينتزعوا أي تنازل من بومدين في آخر اجتماع لهم مع الرئيس؟
- قرابة 5 ساعات وكبار الضباط مجتمعون مع بومدين في بيته ولكن دون حضور قايد أحمد هذه المرة، وخلال هذه الفترة أمرني العقيد زبيري أن أترقب في منزله رجوع القادة العسكريين من الرئاسة ليحملوا لي فحوى الحديث بينهم وبين الرئيس بومدين، وفي حوالي الثانية بعد منتصف الليل رجع المسؤولون العسكريون من عند الرئيس وسألوني: ''أين هو سي الطاهر؟''، فقلت لهم: ''ما هي نتيجة مقابلتكم مع الرئيس؟''، فقال السعيد عبيد بالفرنسية: ''صفر مكعب... لم يرد أن يفهم أي شيء''، ثم سألني مجددا: ''أين هو سي الطاهر؟''، فقلت: ''ذهب إلى الوحدات العسكرية''. فحصل صمت رهيب بين القادة الأربعة، وأضفت لهم: ''إن سي الطاهر يطلب منكم تطبيق ما اتفق عليه.. كل واحد في ميدانه''. فقالوا: ''فهمنا كل شيء''. وانصرف الجميع، وقمت حينها بإخطار الطاهر زبيري بواسطة الأخ المجاهد محمد معارفية الذي كان الوحيد الذي يعرف مكانه، بفحوى اللقاء وفي أوانه، وهذه الرواية مسجلة لدى مصالح الأمن وقاضي التحقيق و16 محاميا في 1968 وليست وليدة أفكار أناس آخرين في .2011
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
زبيري في مذكراته لم يتحدث عن موقف علي منجلي من أزمته مع بومدين، رغم أن شرارتها انطلقت من عنده، فهل لديك تفاصيل عن سبب صمته خلال تلك الفترة؟
- للتاريخ، في صبيحة يوم 13 ديسمبر 1967، كلفني سي الطاهر بالاتصال بأعضاء مجلس الثورة للالتحاق بنا في البليدة وكذلك الاتصال بمجموعة الفيالق الموالية لنا للتحرك إلى نفس المكان، وانتقلت في سيارة ''دي آس بلاس'' صوب منزل علي منجلي حوالي الساعة 30:08 صباحا وقلت لمنجلي بالحرف الواحد: ''الأخ سي علي، لقد تحققت مطالبك التي قلتها لزبيري بخصوص انعقاد مجلس الثورة، فقد أعطى تعليماته لثلاثة فيالق للتحرك في اتجاه البليدة لحماية مقر اجتماع مجلس الثورة وحماية الرئيس أحمد بن بلة من الاغتيال ـ لا قدر الله ـ من طرف الموالين لبومدين واستعماله كورقة ضغط''. فكان رد منجلي الذي لم أتوقعه نهائيا: ''سي مهدي.. ما رأيك لو أتصل ببومدين وأقول له إن سي الطاهر قلق وسأذهب لأسترضيه''. تعجبت لهذه المقولة وقلت له: ''إن الوحدات العسكرية تحركت وأرجو منك رجاء حارا أن لا تخبر بومدين بهذا الموضوع نهائيا وإن شئت أتيت معي فأهلا وسهلا وإن لم تشأ فهذا شأنك''. فرد علي هذه المرة بطريقة مختلفة وقال: ''أنا متخوّف من أن يلقى علي القبض أثناء تنقلي لمكان الاجتماع وسأترقب قدوم الوحدات إلى الجزائر لأحضر الاجتماع''. فقلت له: ''لم تعط الأوامر للوحدات بالتوجه إلى العاصمة نهائيا، لأن مهمة الفيالق الموالية لنا هي الحفاظ على مكان الاجتماع والحفاظ على حياة بن بلة''. فأجابني: ''سأتصل بعبد الرحمان بن سالم لاستيضاح الأمر''. فامتطيت سيارتي وغادرت منزله إلى مليانة (بولاية عين الدفلى) ثم عدنا إلى العفرون. ولكن الرائد عمار ملاح، القائد الميداني لحركة 14 ديسمبر، أكد أن الهدف من تحريك الفيالق هو خلع بومدين من الحكم بكل بساطة، ما تعليقك؟
- أؤكد أمام الله أن الهدف الوحيد لهذه العملية لم يكن يقصد به العقيد زبيري خلع الرئيس بومدين من الحكم، بل كان هدفه الوحيد عقد اجتماع مجلس الثورة وحماية حياة الرئيس بن بلة، وقال لنا: ''حتى بومدين سأدعوه لحضور اجتماع مجلس الثورة''.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
كل تلك الدبابات والمدرعات والصواريخ وآلاف الرجال المدججين بالسلاح فقط لعقد اجتماع، ماذا كان يخطط العقيد زبيري من وراء كل ذلك؟
- ما كان منتظرا من اجتماع مجلس الثورة هو تطبيق ما جاء في بيان 19 جوان (يوم تنحية الرئيس أحمد بن بلة) وهذا البيان حررته مع الشيخ عبد الرحمان شيبان ومولود نايت بلقاسم وعبد الرحمان شريط، وأنا من قدم المسودة النهائية لوزير الدفاع هواري بوميدن لقراءتها وتصحيحها، والله لم يحذف منها ولا حرف ولا حتى نقطة، إلا شيئا واحدا فقط، قال لي ''انزعوا عني (بسم الله الرحمان الرحيم)''، فقلت له: ''الشعب يحب أن يسمع البسملة في كل شيء''. فقال: ''لا''. فذهبت إلى الشيخ شيبان وقلت له: ''الرئيس طلب مني تمزيق مشروع البلاغ الذي كتبناه بعد سبر آراء المخططين لحركة 19 جوان 1965 وطلب أن أرميه في سلة المهملات''، ثم رويت له حكاية بومدين مع البسملة، فقال لي الشيخ شيبان: ''ربي يسترنا من هذا الرجل''.
رد: أول أمين عام لرئاسة الأركان في الجزائر الشريف مهدي
في الحلقة السابقة سلط الشريف مهدي الضوء على أزمة العقيد الطاهر زبيري مع العقيد هواري بومدين، وفي هذه الحلقة (الأخيرة) سيتحدث عن تأزم الأمور بين الرجلين ووصولها إلى المواجهة المسلحة بالأسلحة الثقيلة. وستكتشفون معلومات تفصيلية يرويها لنا محدثنا بكل دقة. قلتَ إنك ذهبت إلى مليانة، ورغم أن فيلق مليانة الميكانيكي كان أقرب إلى قنطرة العفرون إلا أنه كان آخر الفيالق وصولا إلى جسر بورومي، ما سبب تردد عبد السلام مباركية في التحرك؟ عبد السلام مباركية قائد الفيلق الميكانيكي لم يكن مترددا، وإنما كان بحاجة إلى فترة لتهيئة نفسه للتحرك، ولكن جاءنا قرار من العقيد زبيري فطبقناه، رغم أننا، كعسكريين، كنا نود لو كانت لنا فسحة من الوقت للتحرك. ولكن فعلا حصل جدال بين عبد السلام مباركية، قائد الفيلق الميكانيكي، والسعيد عبيد، قائد الناحية العسكرية الأولى الذي أمره بعدم التحرك من موقعه، ولكن مباركية لم يطبق أوامره. وعندما وصلت إلى مليانة وجدت الرائد عمار ملاح هناك، أما النقيب موسى حواسنية فاتصل بمعمر قارة، قائد فيلق المشاة في المدية، الذي تأخر في الوصول إلى العفرون بسبب الثلوج الكثيفة في مرتفعات جبال الشفة، ما اضطره إلى أخذ طريق التفافي أطول.