شفق
الجمعة 13/07/2007
يعتبر تاريخ كوردستان تاريخا متنوعا
من حيث المساهمين فيه ومتكررا من حيث أحداثه. ان الطبيعة الجغرافية لها الأثر
الكبير في تاريخ كوردستان فمن الناحية العسكرية كانت الوقائع والحروب محكومة
بجغرافية وطبوغرافية البلد فمثلا كانت الحروب تتميز بأنها حروب التجاء الى القلاع
والجبال وكانت المعارك المفتوحة قليلة مما أدى الى ضعف التنظيم العسكري الخاص
بالجيوش النظامية وهو احد معالم الدولة. كما ان وعورة المنطقة ألقت بظلها على
الفعاليات التجارية فعلى الرغم من حقيقة ان كوردستان هي احد المعابر القليلة
الواصلة بين الهند والصين وإيران واسيا الوسطى من جهة الشرق والعراق والشام
وافريقيا والغرب من جهة الغرب فان كوردستان لم تتحول الى طريق تجاري ذي شأن بل كانت
بالاحرى معبرا للجيوش وهجرات الشعوب مما أضفى عليها حالة عدم الاستقرار، تلك الحالة
التي كانت موجودة أصلا بسبب تجزئة البلد الى عدد من الامارات والتي بدورها كانت
إحدى نتائج الطبيعة الجغرافية هذا في الأدوار التي شهدت وجود تلك الامارات. من هنا
فان تاريخ كوردستان ملئ بالأحداث المتكررة فالتاريخ يكرر نفسه في كوردستان
باستمرار...
ادوار كوردستان التاريخية وما قبل التاريخية
1- العصور
الحجرية
2- العصور التاريخية ونقسمها الى تلك الأدوار:
اولا- دور الشعوب
القوقازية : وهذه تسمية توضيحية ليس الا ونقصد بها ان شعوب كوردستان في ذلك الدور
كانت تتكلم لغات لا تنتمي الى أية من المجموعات اللغوية المعروفة اي مجموعة اللغات
السامية التي تنتمي اليها اللغات العربية والعبرية والاكدية والامورية..الخ ومجموعة
اللغات الهندواوربية التي يتكلم بها الكورد الحاليون والفرس والهنود واغلب شعوب
اوربا ومجموعة لغات الاورال تاي التي يتكلم بها الترك والمنغوليون والصينيون. وقد
اصطلح على تسميم تلك المجموعة المجهولة اسم اللغات القوقازية او الاسبانية Asiatic
. وتعود التسمية الاولى الى حقيقة ان بعض شعوب القوقاز تتكلم بلغات تعود بدورها الى
مجموعة مجهولة كما ان من المحتمل ان تكون هجرات شعوب كوردستان الاولى الى كوردستان
قد جاءت من القوقاز. ومما لاشك فيه ان لغات كوردستان القديمة قد تركت آثارها على
لغة الكورد. ان الحيز التاريخي الذي شغلته تلك الاقوام يمتد من حوالي 2500 قبل
الميلاد او أحدث من ذلك بقرنين او ثلاث ولغاية منتصف الالف الاولى قبل الميلاد او
ما يقرب من 500 او 400 قبل الميلاد مع تفاوت بين كل شعب وآخر حيث اندثرت بعضها قبل
الاخرى وهذه الارقام هي الحد الأقل المحتمل. وتنتمي الى تلك المجموعة العرقية شعوب
اللوللو Lullu او اللوللوبيين Lullubi التي كانت تسكن المنطقة المحصورة بين نهري
الزاب الأسفل و سيروان (ديالى) او ما يطابق الى حد كبير محافظة السليمانية الحالية.
وان أقدم اشارة تاريخية لهذا الشعب تعود الى حوالي منتصف الالف الثالثة قبل الميلاد
ويرجح انه اندثر قبل الميلاد بثلاث او اربعة قرون. والشعب الآخر الأكثر شهرة هم
الكوتيون الذين استطاعوا بين القرنين الثالث والعشرين والثاني والعشرين قبل الميلاد
من احتلال العراق وحموه لنا يقرب من 91 عاما وموطنهم الأصلي غير محدد بدقة فقد
يحتمل انه كان جنوب اللوللو او شمالهم وهو الأرجح وقد يكونوا في الجنوب اولا ثم
انتقلوا الى الشمال او كانوا موجودين في أماكن متعددة ثم ازيحوا من قبل الأقوام
المجاورة. ان سبب هذا الشك يعود الى حقيقة ان اسمهم بالإضافة الى دلالة المحددة على
شعب معين كان مصطلحا عاما يوصف به الكثير من الشعوب الجبلية الاخرى كما كان بلد
الكوتيين وهي صيغة اكدية كان في كثير من الأحيان يطلق على المنطقة الجبلية شمال شرق
وادي الرافدين او الجزء الأعظم من كوردستان العراق. وعمر هذا الشعب يقرب من عمر
اللوللو. والشعب الأكثر انتشارا هم الخوريون Khurri المعروفون في المصادر العربية
باسم الحوريين. وهذا الشعب كان يسكن أرمينيا وجميع أرجاء كوردستان الشمالية وأقسام
كبيرة من باقي كوردستان اي انه كان يسكن النصف الشمالي من كوردستان الكبرى. ويكاد
هذا الشعب هو الوحيد الذي نعلم لغته بسبب من وجود مدونات بلغته.
ثانيا - دور
الشعوب الهندو أوربية: وتبدأ مع هجرات الأقوام الهندواروربية التي شهدتها اسيا
وأوربا والتي يحتمل إنها جاءت من اسيا الوسطى.
الميديون
الميديون شعب كان
يتكلم بلغة هندو- أوربية وقد أسلفنا أن الشعوب الهندو- أوربية هاجرت بداية الالف
الثانية قبل الميلاد إلى المناطق الممتدة من كوردستان الى الهند وان كان نزوحهم
للهند مؤرخاً بنحو 1600 قبل الميلاد. الا ان اول ذكر للميديين يرد في السجلات
الآشورية كان ايام الملك الآشوري شلنم نصر الثالث (تحديدا 835 قبل الميلاد) حيث كان
هذا اول احتكاك بين الميديين و الآشوريين الذين كانوا يوسعون إمبراطوريتهم في جميع
الجهات. لقد كان الملوك الآشوريين يصفون الميديين بالأقوياء وقد نجحوا في إقصاء
البعض منهم وعقدوا المحالفات مع البعض الأخر فيما بقت أقسام منهم غير خاضعة
للآشوريين. وقد لعبت السياسة الدولية آنذاك كما هو الحال اليوم دورا كبيرا في توجيه
الأحداث. فالآشوريين كانوا في حالة حرب مستمرة مع الدول المجاورة ومنها دولة
اورارتو Urartu التي كانت مدينة (توشبا)Tushpa الواقعة على الضفة الشرقية لبحيرة
(وان) عاصمتها فكان كل طرف يسعى للحصول على حلفاء بين شعوب المنطقة و يسعى لاقتطاع
جزء من اراض غريمه فمثلا عقد ملك اورارتو روسا الثاني حلفا مع بعض الحكام الميديين
منهم دايائوككو Daiaukku الذي يقارنه البعض مع اول ملوك الميديين والذي يسميه
ألاغريق بديوكس Deioces غير ان الراجح هو انهما شخصا مختلفان وكذلك مع حاكم آخر
باسم باكداتي Bagdatti (الذي يعني اسمه هبة الله) وغيرهما، وكان من نتيجة الحلف ان
تم اقتطاع أجزاء من أراضي ماننا جنوب بحيرة اورمية و التي كان حاكمها تابعاً
للآشوريين و ما كان من الملك الآشوري سرجون الثاني حينذاك إلا ان هاجم الحلفاء في
حملة طويلة ( 714 قبل الميلاد) أعاد فيها الأمور الى نصابها. استمرت الحملات
الآشورية على بلاد الميديين الا إننا نرى تراخى قبضتهم عليها بالتدريج حيث نرى
الملك الآشوري اسرحدون (681-669 قبل الميلاد) يعقد اتفاقا مع احد حكامهم المدعو
راماتايا يتعهد بموجبه بمساعدة ابن الملك الآشوري عندما يعتلى العرش ضد أي تهديد.
هذا وقد تحول الميديين الى الهجوم ايام ملكهم فرائورت حيث أغار على البلاد الخاضعة
لأشور عام 634 قبل الميلاد من غير ان يتمكن في تحقيق أمله، أما سلفه هوفار خشاثرا
الذي يدعوه لأغريق بكياكسارس فقد تمكن بالتعاون مع البابليين من تحطيم اشور نهائيا.
ايام الملك المذكور كانت ميديا واقعه تحت سيطرة السكيثيين وهم احد الشعوب المحاربة
التي غزت كوردستان و القوقاز من جنوب روسيا، وحسب المصادر اليونانية فان الملك
المذكور دعى السكيثيين الى وليمة أغدق عليها فيها بالأكل و الشراب حتى اثملهم ثم
اعطى ألاوامر الى رجاله بالانقضاض عليهم و استعادت ميديا حريتها . هذا وقام الملك
الميدى ببناء جيش قوي غزا به البلاد التي كانت تحكمها اشور حتى اذا كانت سنة 612
قبل الميلاد قام بالاستيلاء على مدينة اشور ، العاصمة لقديمة و المركز الديني. قبل
ذلك كان البابليون بقيادة نابوبلاصر قد طردوا الآشوريين من بلاد بابل غير انه لم
يكن في مقدورهم دحر الدولة الآشورية الا عندما ألقت ميديا بثقلها في الحرب ضد اشور،
هنا تشجع البابليون وزحفوا شمالا وعند أسوار اشور التي كان الميديون قد استولوا
عليها عقد الحلف بين الدولتين وزحفوا معاً ضد نينوى، العاصمة الآشورية، وبعد حصار
المدينة سقطت العاصمة الآشورية و سقطت معها الدولة التي دوخت المنطقة و اهلكت الحرث
والنسل وتحققت نبوة ناحوم ا، احد أنبياء بني إسرائيل حيث قال أيام مجد الدولة
الآشورية بان تلك الدولة التي تتوجه نحوها الشعوب و الدول بالخضوع ستزول وان عورتها
ستنكشف وان كل من يسمع خبرها سيصفق فرحاً ((فمن ذا الذي لم يلحقه شرك المستطير على
الدوام؟)). توجه الجيش الاشوري بعد ذلك نحو حران ووصلت معونة من المصريين لكن بعد
فوات الأوان حيث احتلت حران و زالت الدولة الاشورية نهائيات من الوجود. قام
هوفارخشاثرا بعد ذلك بغزو ليديا وهي المملكة الذي كانت تحكم النصف الغربي من اسيا
الصغرى وحسب الروايات فان كسوفا للشمس وقع اثناء القتال فتشائم الطرفان وتوقف
القتال و عقد الصلح بينهما على ان يكون النهر الذي يسمى اليوم بـ (قزل ارماق) هو
الحد الفاصل بين الدولتين كما امتدت حدود الدولة الميدية الى باختريانه (باكتريا)
في أفغانستان الحالية شرقاً و الخليح جنوباً. زالت الدولة الميدية حوالي 550 قبل
الميلاد على يد الفرس وهم الشعب الذي كانوا يسكنون في أقصى جنوب إيران الحالية وذلك
زمن الملك الميدى الذي يسميه الاغريق (استياغس) ويسميه الملك البابلي وبـ
(اشتوميكو) وكان سقوطه على يد كورش و انشأت على يدي الاخير الإمبراطورية ألاخمينية
والتي استولت أيامه على بلاد بابل واحتلت ايام أسلافه مصر و دخلت في نزاع مع
الدويلات ألاغريقية غرب اسيا الصغرى وكانت بداية الصراع اليوناني -الفارسي.
رحلة العشرة ألاف إغريقي
من بين ألأحداث التي شهدتها بكوردستان ايام
السلالة الاخمينية ما اصطلح على تسميتها برحلة العشرة آلاف حيث كان جيش من المرتزقة
الاغريق قد قدموا أخي الملك الفارسي في تمرده وبعد فشل التمرد اضطر المرتزقة
الاغريق للرجوع واتخذوا من زينوفون (اكسينوفون) وهو تلميذ لسقراط قائداً لهم . هذا
وقد دون المذكور تفاصيل عودتهم عبر وادي الرافدين و كوردستان ووصولاً الى اسيا
الصغرى في كتاب له سماه (اناباسيس) اى الصعود. وكان مما ذكره اصطدامه بقبائل
الكاردوخوى في منطقة يرجح انها منطقة زاخو في كوردستان أقصى شمال العراق وذلك بسبب
من اضطراره لاختيار أراضيهم. ويذكر زينوفون كيف كانوا يكمنون لجيشه وكيف كانوا
يدحرجون الحجارة من أعالي الجبال على الجيش الذي كان يسير في الوديان وغير ذلك من
الحوادث.
الغزو المقدوني
بعد انتصار الاسكندر المقدوني وجيشه المؤلف من
المقدونيين و الاغريق على الملك الاخميني وقعت كوردستان تحت السيطرة المقدونية
الإغريقية و بعد وفاة الاسكندر سنة 323 قبل الميلاد كانت كوردستان و العراق وسوريا
وإيران من حصة احد قادته المدعو سلوقس. وعندما طهر الفرث بعد ذلك في منطقة خراسان و
دخلوا في صراع مع السلوقيين كان من الطبيعي ان تنتقل كوردستان الى السيطرة الفرثية
كما شهدت كوردستان قبل ذلك غزو المملكة الأرمنية. وقد انتقل الان الصراع القديم
الاخمينى - اليوناني الى صراع فرثي - روماني كانت كوردستان أثناءه مسرحاً لصراع
القوتين العالميتين و كابدت من ويلاته كثيراً وبعد اكثر من اربعة قرون من الحكم
الفرثي سقط أولئك امام السلالة الساسانية (224 ميلادية) التي استمرت حتى الفتوحات
الاسلامية، وكالسابق كانت كوردستان مسرحاً للحروب بين، الساسانيين و الرومان ثم بين
الساسانيين و بيزنطة مما يطول سرده. وفي سنة 627 ميلادية تعرضت كوردستان خصوصا
شهرزور إلى دمار كبير على يد الإمبراطور البيزنطي هرقل وبقيت شهرزور في ايدي الروم
لغاية سنة 18 هجرية (639 ميلادية) فجاءت الفتوحات الاسلامية التى صارت بعد ذلك
سبباً في إنهاء تقسيم كوردستان بين دولتين هذا التقسيم الذي حولها الى مسرح للحروب
جلب عليها الدمار و الويلات.
الفتوحات الاسلامية
حسب بعض المؤرخين المسلمين
فان سنة 18هـ شهدت اول اتصال بين الفاتحين المسلمين و الكورد اى بعد فتح حلوان
وتكريت وان كان هناك اتصال اسبق بين الكورد و الاسلام حيث ان احد الصحابة كان اسمه
جابان الكوردي وابنه كان يدعى ميمون وقد روى عن أبيه بعض الأحاديث.
استولى
الجيش الإسلامي على حلوان حيث يعتقد انه كان اول اتصال بينه وبين الكورد وكان الملك
الفارس يزدجرد معسكرا بها، وبعد فتح تكريت أرسل سعد بن ابى وقاص بامر من عمر بن
خطاب سنة 18 هـ ثلاثة جيوشاً لفتح الجزيرة . ووجه أمير المؤمنين عمر سنة 21هـ
(642م) جيشاً نحو شهرزور لم ينجح في مسعاه فوجه إليها جيشاً آخر تمكن من فتحها بعد
قتال شديد.وبين 18هـ و 23هـ اشترك الكورد مع الفرس في الدفاع عن ألاحواز وغيرها .
هذا وقد حصلت ثورات ايام الخلافة الراشدة و الخلافتين الأموية والعباسية يطول ذكرها
كما نشأت في الأدوار المتأخرة للعصر العباسي إمارات مستقلة أو شبه مستقلة في
كوردستان. وهذا وقد أصاب كوردستان ما أصاب باقي العالم الإسلامي من الويلات على يد
المغول ومن قبلهم قبائل الغزّ التي عاثت في الأرض فساداً (429هـ – 1037م) واستمرت
في فسادها سنين عديدة و الخوارزميون (614هـ -1217م) الذين اهلكوا الحرث والنسل من
قبل قائدهم جلال الدين خوارزم شاه سنة (628هـ -1231م) الذي انزل البلاء على
كوردستان ثم كان الغزو المغولي الذي دمر شهرزور سنة (645هـ -1247م) كما غزوا منطقة
ديار بكر، وبعد ذلك و ايام هولاكو كابدت كوردستان من ويلات المغول وأصيبت بنكبات
شديدة وبعد قرن ونصف من الزمان اجتاحت كوردستان و بقية بلاد تلك ألأرجاء موجة جديدة
من المغول بقادة تيمورلنك ارتكبت فيها فضائح كثيرة ومن ذلك مما حصل عام 804هـ -
1401 م. وقد عاصر تيمور لنك الأمير الكوردي شرف الدين البدليسى صاحب الكتاب الشهير
(شرفنامة) الذي يعتبر اول كتاب في تأريخ الكورد. كانت هناك دولاً أخرى منها دولتان
تركمانيتان هما الآق قوينلو (الخروف الأبيض) والقرة قوينلو (الخروف ألأسود) قامت
الثانية بالقضاء على الامارات الكوردية وكان الخلاف المذهبي بين الكورد السنة ودولة
القرة قوينلو الشيعية من ألأسباب الرئيسية.
الدولتين العثمانية و الصفوية
استطاع الشاه إسماعيل الصفوي الانتصار على دولة ألاق قوينلو وسلبهم ممتلكاتهم
وبسبب من الخلاف المذهبي بين الشاه و الكورد أصاب الكورد ظلم شديد على ايديه ومن
الجدير بالذكر ان الشاه المذكور هو الذي قام بتحويل إيران الى دولة شيعية بعد ان
كانت قلعة من قلاع السنة وفى الطرف الآخر كانت دولة فتية اخرى هي الدولة العثمانية
في غرب الأناضول هي المنافس المستقبلي للدولة الصفوية. تحولت كوردستان مرة اخرى الى
مسرح للقتال بين قوتين وكانت المعركة الشهيرة تشالديران Chalderan (سنة 920 هـ –
1514 م) بين الدولتين بداية تقسيم كوردستان بينهما. كانت سياسة الصفويين وعلى ما
يقول المؤرخ الكوردي (أمين زكى) تتركز في القضاء على الإمارات الكوردية واحلال حكام
من القزلباش الشيعة مكان حكامها المحليين اما الدولة العثمانية فاتبعت سياسة اخرى
كان للأمير البدليسي دوراً كبيراً فيها الا وهى ابقاء الأمراء في مناصبهم و وضع
أنظمة إدارية تتفق مع رغبة الأهالي. ان تقسيم كوردستان ووضع الحدود بين الدولتين لم
يوقف الحروب بل استمرت الحروب سجالاً بينهما كانت كوردستان الخاسر ألأكبر فيها
ولحقها الدمار الذي يلحق بكل البلاد التي تكون مسرحا للصراع بين قوتين متنازعتين.
بعد قرن من الزمان غيرت الدولة العثمانية من سياستها بعد أمنت شر الصفويين فبدأت
حركة لتطبيق سياسة مركزية و القضاء على الامارات الكوردية. وفي الأدوار ألأخيرة من
حياة الدولة العثمانية وبسبب من انتشار الفساد الإداري فيها كانت الولايات التابعة
للعثمانيين تعاني من الابتزاز والرشوة و بيع المناصب مما كان يشعل نار الثورة بين
شعوب المنطقة ولذلك كانت الثورات متكررة كما كانت محاولات انشاء الامارات و
الاستقلال بها عن العثمانيين مستمرة و من ذلك ثورة الشيخ عبيد الله النهري وهو من
شيوخ الطريقة النقشبندية، بدأت سنة 1297 هـ –1880م و انتهت سنة 1300هـ – 1883م
وحركة عز الدين شير البوتانى التي انتهت سنة 1281هـ - 1864 م، ومن الامارات
الكوردية إمارة بوتان (الجزيرة) التى أعلن استقلالها أمير محنك هو بدرخان باشا و
انهارت سنة 1848 حيث بسبب من عصيان النساطرة و اضطراره لإعادتهم لطاعته تكالبت عليه
اوربا وتدخلت لدى العثمانيين ضده. كما شهدت منطقة رواندوز إمارة سوران القوية التي
اشتهرت ايام أميرها محمد الملقب بالأعور وكان اميراً حازما وطبق الشريعة الاسلامية
ايام حكمه، تأسست تلك الإمارة عام 1225هـ –1810م وسقطت بأيدي العثمانيين بعد اربعة
عقود من الزمان ومن الامارات المشهورة الامارة اليابانية التي تأسست به القرن
السادس عشر الميلادي و استمرت في التوسع حتى أصبحت تحكم ما يقابل اليوم محافظة
السليمانية وعمرت حتى نهايات القرن التاسع عشر الميلادي فكانت اخر الامارات سقوطاً.
كوردستان في القرن العشرين الميلادي
وفي القرن العشرين الميلادي وبعد إلغاء
الخلافة الاسلامية عام 1924 قامت ثورة الشيخ سعيد بيران Peeran ضد السلطات الكمالية
و كانت هدفها إعادة الخلافة الاسلامية وان كان الهدف القومي المتمثل في الخلاص من
الظلم و القهر موجوداً أيضا الا ان الثورة أخفقت وتم إعدام الشيخ وعدد من أتباعه
هذا وقد اتبع كمال مصطفى سياسة إذابة الكورد و عدم الاعتراف بوجودهم القومي وتم
تسميتهم بكورد الجبال واستمر الحال على هذا المنوال حتى حرب الخليج الثانية 1991
حيث ان استمرار المقاومة المسلحة التي بدأت نهاية سبعينيات القرن العشرين الظروف
الدولية الجديدة أجبرت السلطات التركية على الاعتراف بوجود الكورد ورفع الحضر عن
استخدام اللغة الكوردية في التخاطب في الأماكن العامة…الخ لكن قرارات العلمانية
الكمالية هذه محاطة بالألوف من القيود والمحظورات. وفي كوردستان العرق أعلن الشيخ
محمود بعد الحرب العالمية الأولى حكومته المستقلة فوقع القتال بينه وبين الإنكليز
مرتين وزالت حكومته من الوجود. وقد أشارت معاهدة سيفر الدولية سنة 1920م الى إعطاء
الحكم الذاتي في قسم من كوردستان يمكن ان يتطور بعد العديد من القيود والتشديدات
الى استقلال فيما نصت المعاهدة على انشاء دولة ارمنية مستقلة كبيرة ضمت إليها أجزاء
كبيرة من كوردستان الا ان تركيا افشلت المعاهدة وحلت معاهدة لوزان بدلها و التى قضت
على أية بارقة أمل لدى الكورد. استمرت الثورات في كوردستان العراق ، بدأت اولا مع
ثورات البارزانيين في الأربعينيات من القرن واستمرت لغاية حرب الخليج الثانية حيث
خضع القسم الأكبر من كوردستان العراق الى إدارة محلية سنة 1991 تحولت الى حكومة
فيدرالية. أما كوردستان ايران فقد شهدت سنة 1922 حركة اسماعيل آغا (سمكو) من قبيلة
(شكاك) فشلت كسابقاتها رغم براعة قائدها، هذا وقد قامت سنة 1946 جمهورية في أقسام
من كوردستان ايران عرفت بجمهورية كوردستان وجمهورية مهاباد بقيادة القاضي محمد لم
تعمر سوى سنة واحدة. وبعد الإطاحة بنظام الشاه سنة 1978 حصلت مصادمات بين ألأحزاب
الكوردية و السلطات الإيرانية أسفرت عن بسط السيطرة الكاملة للأخيرة على كوردستان
وهكذا فان تأريخ كوردستان ملئ بالحروب، حروب الدول المتصارعة حيث كوردستان هي
الضحية الرئيسية فيها.
الجمعة 13/07/2007
يعتبر تاريخ كوردستان تاريخا متنوعا
من حيث المساهمين فيه ومتكررا من حيث أحداثه. ان الطبيعة الجغرافية لها الأثر
الكبير في تاريخ كوردستان فمن الناحية العسكرية كانت الوقائع والحروب محكومة
بجغرافية وطبوغرافية البلد فمثلا كانت الحروب تتميز بأنها حروب التجاء الى القلاع
والجبال وكانت المعارك المفتوحة قليلة مما أدى الى ضعف التنظيم العسكري الخاص
بالجيوش النظامية وهو احد معالم الدولة. كما ان وعورة المنطقة ألقت بظلها على
الفعاليات التجارية فعلى الرغم من حقيقة ان كوردستان هي احد المعابر القليلة
الواصلة بين الهند والصين وإيران واسيا الوسطى من جهة الشرق والعراق والشام
وافريقيا والغرب من جهة الغرب فان كوردستان لم تتحول الى طريق تجاري ذي شأن بل كانت
بالاحرى معبرا للجيوش وهجرات الشعوب مما أضفى عليها حالة عدم الاستقرار، تلك الحالة
التي كانت موجودة أصلا بسبب تجزئة البلد الى عدد من الامارات والتي بدورها كانت
إحدى نتائج الطبيعة الجغرافية هذا في الأدوار التي شهدت وجود تلك الامارات. من هنا
فان تاريخ كوردستان ملئ بالأحداث المتكررة فالتاريخ يكرر نفسه في كوردستان
باستمرار...
ادوار كوردستان التاريخية وما قبل التاريخية
1- العصور
الحجرية
2- العصور التاريخية ونقسمها الى تلك الأدوار:
اولا- دور الشعوب
القوقازية : وهذه تسمية توضيحية ليس الا ونقصد بها ان شعوب كوردستان في ذلك الدور
كانت تتكلم لغات لا تنتمي الى أية من المجموعات اللغوية المعروفة اي مجموعة اللغات
السامية التي تنتمي اليها اللغات العربية والعبرية والاكدية والامورية..الخ ومجموعة
اللغات الهندواوربية التي يتكلم بها الكورد الحاليون والفرس والهنود واغلب شعوب
اوربا ومجموعة لغات الاورال تاي التي يتكلم بها الترك والمنغوليون والصينيون. وقد
اصطلح على تسميم تلك المجموعة المجهولة اسم اللغات القوقازية او الاسبانية Asiatic
. وتعود التسمية الاولى الى حقيقة ان بعض شعوب القوقاز تتكلم بلغات تعود بدورها الى
مجموعة مجهولة كما ان من المحتمل ان تكون هجرات شعوب كوردستان الاولى الى كوردستان
قد جاءت من القوقاز. ومما لاشك فيه ان لغات كوردستان القديمة قد تركت آثارها على
لغة الكورد. ان الحيز التاريخي الذي شغلته تلك الاقوام يمتد من حوالي 2500 قبل
الميلاد او أحدث من ذلك بقرنين او ثلاث ولغاية منتصف الالف الاولى قبل الميلاد او
ما يقرب من 500 او 400 قبل الميلاد مع تفاوت بين كل شعب وآخر حيث اندثرت بعضها قبل
الاخرى وهذه الارقام هي الحد الأقل المحتمل. وتنتمي الى تلك المجموعة العرقية شعوب
اللوللو Lullu او اللوللوبيين Lullubi التي كانت تسكن المنطقة المحصورة بين نهري
الزاب الأسفل و سيروان (ديالى) او ما يطابق الى حد كبير محافظة السليمانية الحالية.
وان أقدم اشارة تاريخية لهذا الشعب تعود الى حوالي منتصف الالف الثالثة قبل الميلاد
ويرجح انه اندثر قبل الميلاد بثلاث او اربعة قرون. والشعب الآخر الأكثر شهرة هم
الكوتيون الذين استطاعوا بين القرنين الثالث والعشرين والثاني والعشرين قبل الميلاد
من احتلال العراق وحموه لنا يقرب من 91 عاما وموطنهم الأصلي غير محدد بدقة فقد
يحتمل انه كان جنوب اللوللو او شمالهم وهو الأرجح وقد يكونوا في الجنوب اولا ثم
انتقلوا الى الشمال او كانوا موجودين في أماكن متعددة ثم ازيحوا من قبل الأقوام
المجاورة. ان سبب هذا الشك يعود الى حقيقة ان اسمهم بالإضافة الى دلالة المحددة على
شعب معين كان مصطلحا عاما يوصف به الكثير من الشعوب الجبلية الاخرى كما كان بلد
الكوتيين وهي صيغة اكدية كان في كثير من الأحيان يطلق على المنطقة الجبلية شمال شرق
وادي الرافدين او الجزء الأعظم من كوردستان العراق. وعمر هذا الشعب يقرب من عمر
اللوللو. والشعب الأكثر انتشارا هم الخوريون Khurri المعروفون في المصادر العربية
باسم الحوريين. وهذا الشعب كان يسكن أرمينيا وجميع أرجاء كوردستان الشمالية وأقسام
كبيرة من باقي كوردستان اي انه كان يسكن النصف الشمالي من كوردستان الكبرى. ويكاد
هذا الشعب هو الوحيد الذي نعلم لغته بسبب من وجود مدونات بلغته.
ثانيا - دور
الشعوب الهندو أوربية: وتبدأ مع هجرات الأقوام الهندواروربية التي شهدتها اسيا
وأوربا والتي يحتمل إنها جاءت من اسيا الوسطى.
الميديون
الميديون شعب كان
يتكلم بلغة هندو- أوربية وقد أسلفنا أن الشعوب الهندو- أوربية هاجرت بداية الالف
الثانية قبل الميلاد إلى المناطق الممتدة من كوردستان الى الهند وان كان نزوحهم
للهند مؤرخاً بنحو 1600 قبل الميلاد. الا ان اول ذكر للميديين يرد في السجلات
الآشورية كان ايام الملك الآشوري شلنم نصر الثالث (تحديدا 835 قبل الميلاد) حيث كان
هذا اول احتكاك بين الميديين و الآشوريين الذين كانوا يوسعون إمبراطوريتهم في جميع
الجهات. لقد كان الملوك الآشوريين يصفون الميديين بالأقوياء وقد نجحوا في إقصاء
البعض منهم وعقدوا المحالفات مع البعض الأخر فيما بقت أقسام منهم غير خاضعة
للآشوريين. وقد لعبت السياسة الدولية آنذاك كما هو الحال اليوم دورا كبيرا في توجيه
الأحداث. فالآشوريين كانوا في حالة حرب مستمرة مع الدول المجاورة ومنها دولة
اورارتو Urartu التي كانت مدينة (توشبا)Tushpa الواقعة على الضفة الشرقية لبحيرة
(وان) عاصمتها فكان كل طرف يسعى للحصول على حلفاء بين شعوب المنطقة و يسعى لاقتطاع
جزء من اراض غريمه فمثلا عقد ملك اورارتو روسا الثاني حلفا مع بعض الحكام الميديين
منهم دايائوككو Daiaukku الذي يقارنه البعض مع اول ملوك الميديين والذي يسميه
ألاغريق بديوكس Deioces غير ان الراجح هو انهما شخصا مختلفان وكذلك مع حاكم آخر
باسم باكداتي Bagdatti (الذي يعني اسمه هبة الله) وغيرهما، وكان من نتيجة الحلف ان
تم اقتطاع أجزاء من أراضي ماننا جنوب بحيرة اورمية و التي كان حاكمها تابعاً
للآشوريين و ما كان من الملك الآشوري سرجون الثاني حينذاك إلا ان هاجم الحلفاء في
حملة طويلة ( 714 قبل الميلاد) أعاد فيها الأمور الى نصابها. استمرت الحملات
الآشورية على بلاد الميديين الا إننا نرى تراخى قبضتهم عليها بالتدريج حيث نرى
الملك الآشوري اسرحدون (681-669 قبل الميلاد) يعقد اتفاقا مع احد حكامهم المدعو
راماتايا يتعهد بموجبه بمساعدة ابن الملك الآشوري عندما يعتلى العرش ضد أي تهديد.
هذا وقد تحول الميديين الى الهجوم ايام ملكهم فرائورت حيث أغار على البلاد الخاضعة
لأشور عام 634 قبل الميلاد من غير ان يتمكن في تحقيق أمله، أما سلفه هوفار خشاثرا
الذي يدعوه لأغريق بكياكسارس فقد تمكن بالتعاون مع البابليين من تحطيم اشور نهائيا.
ايام الملك المذكور كانت ميديا واقعه تحت سيطرة السكيثيين وهم احد الشعوب المحاربة
التي غزت كوردستان و القوقاز من جنوب روسيا، وحسب المصادر اليونانية فان الملك
المذكور دعى السكيثيين الى وليمة أغدق عليها فيها بالأكل و الشراب حتى اثملهم ثم
اعطى ألاوامر الى رجاله بالانقضاض عليهم و استعادت ميديا حريتها . هذا وقام الملك
الميدى ببناء جيش قوي غزا به البلاد التي كانت تحكمها اشور حتى اذا كانت سنة 612
قبل الميلاد قام بالاستيلاء على مدينة اشور ، العاصمة لقديمة و المركز الديني. قبل
ذلك كان البابليون بقيادة نابوبلاصر قد طردوا الآشوريين من بلاد بابل غير انه لم
يكن في مقدورهم دحر الدولة الآشورية الا عندما ألقت ميديا بثقلها في الحرب ضد اشور،
هنا تشجع البابليون وزحفوا شمالا وعند أسوار اشور التي كان الميديون قد استولوا
عليها عقد الحلف بين الدولتين وزحفوا معاً ضد نينوى، العاصمة الآشورية، وبعد حصار
المدينة سقطت العاصمة الآشورية و سقطت معها الدولة التي دوخت المنطقة و اهلكت الحرث
والنسل وتحققت نبوة ناحوم ا، احد أنبياء بني إسرائيل حيث قال أيام مجد الدولة
الآشورية بان تلك الدولة التي تتوجه نحوها الشعوب و الدول بالخضوع ستزول وان عورتها
ستنكشف وان كل من يسمع خبرها سيصفق فرحاً ((فمن ذا الذي لم يلحقه شرك المستطير على
الدوام؟)). توجه الجيش الاشوري بعد ذلك نحو حران ووصلت معونة من المصريين لكن بعد
فوات الأوان حيث احتلت حران و زالت الدولة الاشورية نهائيات من الوجود. قام
هوفارخشاثرا بعد ذلك بغزو ليديا وهي المملكة الذي كانت تحكم النصف الغربي من اسيا
الصغرى وحسب الروايات فان كسوفا للشمس وقع اثناء القتال فتشائم الطرفان وتوقف
القتال و عقد الصلح بينهما على ان يكون النهر الذي يسمى اليوم بـ (قزل ارماق) هو
الحد الفاصل بين الدولتين كما امتدت حدود الدولة الميدية الى باختريانه (باكتريا)
في أفغانستان الحالية شرقاً و الخليح جنوباً. زالت الدولة الميدية حوالي 550 قبل
الميلاد على يد الفرس وهم الشعب الذي كانوا يسكنون في أقصى جنوب إيران الحالية وذلك
زمن الملك الميدى الذي يسميه الاغريق (استياغس) ويسميه الملك البابلي وبـ
(اشتوميكو) وكان سقوطه على يد كورش و انشأت على يدي الاخير الإمبراطورية ألاخمينية
والتي استولت أيامه على بلاد بابل واحتلت ايام أسلافه مصر و دخلت في نزاع مع
الدويلات ألاغريقية غرب اسيا الصغرى وكانت بداية الصراع اليوناني -الفارسي.
رحلة العشرة ألاف إغريقي
من بين ألأحداث التي شهدتها بكوردستان ايام
السلالة الاخمينية ما اصطلح على تسميتها برحلة العشرة آلاف حيث كان جيش من المرتزقة
الاغريق قد قدموا أخي الملك الفارسي في تمرده وبعد فشل التمرد اضطر المرتزقة
الاغريق للرجوع واتخذوا من زينوفون (اكسينوفون) وهو تلميذ لسقراط قائداً لهم . هذا
وقد دون المذكور تفاصيل عودتهم عبر وادي الرافدين و كوردستان ووصولاً الى اسيا
الصغرى في كتاب له سماه (اناباسيس) اى الصعود. وكان مما ذكره اصطدامه بقبائل
الكاردوخوى في منطقة يرجح انها منطقة زاخو في كوردستان أقصى شمال العراق وذلك بسبب
من اضطراره لاختيار أراضيهم. ويذكر زينوفون كيف كانوا يكمنون لجيشه وكيف كانوا
يدحرجون الحجارة من أعالي الجبال على الجيش الذي كان يسير في الوديان وغير ذلك من
الحوادث.
الغزو المقدوني
بعد انتصار الاسكندر المقدوني وجيشه المؤلف من
المقدونيين و الاغريق على الملك الاخميني وقعت كوردستان تحت السيطرة المقدونية
الإغريقية و بعد وفاة الاسكندر سنة 323 قبل الميلاد كانت كوردستان و العراق وسوريا
وإيران من حصة احد قادته المدعو سلوقس. وعندما طهر الفرث بعد ذلك في منطقة خراسان و
دخلوا في صراع مع السلوقيين كان من الطبيعي ان تنتقل كوردستان الى السيطرة الفرثية
كما شهدت كوردستان قبل ذلك غزو المملكة الأرمنية. وقد انتقل الان الصراع القديم
الاخمينى - اليوناني الى صراع فرثي - روماني كانت كوردستان أثناءه مسرحاً لصراع
القوتين العالميتين و كابدت من ويلاته كثيراً وبعد اكثر من اربعة قرون من الحكم
الفرثي سقط أولئك امام السلالة الساسانية (224 ميلادية) التي استمرت حتى الفتوحات
الاسلامية، وكالسابق كانت كوردستان مسرحاً للحروب بين، الساسانيين و الرومان ثم بين
الساسانيين و بيزنطة مما يطول سرده. وفي سنة 627 ميلادية تعرضت كوردستان خصوصا
شهرزور إلى دمار كبير على يد الإمبراطور البيزنطي هرقل وبقيت شهرزور في ايدي الروم
لغاية سنة 18 هجرية (639 ميلادية) فجاءت الفتوحات الاسلامية التى صارت بعد ذلك
سبباً في إنهاء تقسيم كوردستان بين دولتين هذا التقسيم الذي حولها الى مسرح للحروب
جلب عليها الدمار و الويلات.
الفتوحات الاسلامية
حسب بعض المؤرخين المسلمين
فان سنة 18هـ شهدت اول اتصال بين الفاتحين المسلمين و الكورد اى بعد فتح حلوان
وتكريت وان كان هناك اتصال اسبق بين الكورد و الاسلام حيث ان احد الصحابة كان اسمه
جابان الكوردي وابنه كان يدعى ميمون وقد روى عن أبيه بعض الأحاديث.
استولى
الجيش الإسلامي على حلوان حيث يعتقد انه كان اول اتصال بينه وبين الكورد وكان الملك
الفارس يزدجرد معسكرا بها، وبعد فتح تكريت أرسل سعد بن ابى وقاص بامر من عمر بن
خطاب سنة 18 هـ ثلاثة جيوشاً لفتح الجزيرة . ووجه أمير المؤمنين عمر سنة 21هـ
(642م) جيشاً نحو شهرزور لم ينجح في مسعاه فوجه إليها جيشاً آخر تمكن من فتحها بعد
قتال شديد.وبين 18هـ و 23هـ اشترك الكورد مع الفرس في الدفاع عن ألاحواز وغيرها .
هذا وقد حصلت ثورات ايام الخلافة الراشدة و الخلافتين الأموية والعباسية يطول ذكرها
كما نشأت في الأدوار المتأخرة للعصر العباسي إمارات مستقلة أو شبه مستقلة في
كوردستان. وهذا وقد أصاب كوردستان ما أصاب باقي العالم الإسلامي من الويلات على يد
المغول ومن قبلهم قبائل الغزّ التي عاثت في الأرض فساداً (429هـ – 1037م) واستمرت
في فسادها سنين عديدة و الخوارزميون (614هـ -1217م) الذين اهلكوا الحرث والنسل من
قبل قائدهم جلال الدين خوارزم شاه سنة (628هـ -1231م) الذي انزل البلاء على
كوردستان ثم كان الغزو المغولي الذي دمر شهرزور سنة (645هـ -1247م) كما غزوا منطقة
ديار بكر، وبعد ذلك و ايام هولاكو كابدت كوردستان من ويلات المغول وأصيبت بنكبات
شديدة وبعد قرن ونصف من الزمان اجتاحت كوردستان و بقية بلاد تلك ألأرجاء موجة جديدة
من المغول بقادة تيمورلنك ارتكبت فيها فضائح كثيرة ومن ذلك مما حصل عام 804هـ -
1401 م. وقد عاصر تيمور لنك الأمير الكوردي شرف الدين البدليسى صاحب الكتاب الشهير
(شرفنامة) الذي يعتبر اول كتاب في تأريخ الكورد. كانت هناك دولاً أخرى منها دولتان
تركمانيتان هما الآق قوينلو (الخروف الأبيض) والقرة قوينلو (الخروف ألأسود) قامت
الثانية بالقضاء على الامارات الكوردية وكان الخلاف المذهبي بين الكورد السنة ودولة
القرة قوينلو الشيعية من ألأسباب الرئيسية.
الدولتين العثمانية و الصفوية
استطاع الشاه إسماعيل الصفوي الانتصار على دولة ألاق قوينلو وسلبهم ممتلكاتهم
وبسبب من الخلاف المذهبي بين الشاه و الكورد أصاب الكورد ظلم شديد على ايديه ومن
الجدير بالذكر ان الشاه المذكور هو الذي قام بتحويل إيران الى دولة شيعية بعد ان
كانت قلعة من قلاع السنة وفى الطرف الآخر كانت دولة فتية اخرى هي الدولة العثمانية
في غرب الأناضول هي المنافس المستقبلي للدولة الصفوية. تحولت كوردستان مرة اخرى الى
مسرح للقتال بين قوتين وكانت المعركة الشهيرة تشالديران Chalderan (سنة 920 هـ –
1514 م) بين الدولتين بداية تقسيم كوردستان بينهما. كانت سياسة الصفويين وعلى ما
يقول المؤرخ الكوردي (أمين زكى) تتركز في القضاء على الإمارات الكوردية واحلال حكام
من القزلباش الشيعة مكان حكامها المحليين اما الدولة العثمانية فاتبعت سياسة اخرى
كان للأمير البدليسي دوراً كبيراً فيها الا وهى ابقاء الأمراء في مناصبهم و وضع
أنظمة إدارية تتفق مع رغبة الأهالي. ان تقسيم كوردستان ووضع الحدود بين الدولتين لم
يوقف الحروب بل استمرت الحروب سجالاً بينهما كانت كوردستان الخاسر ألأكبر فيها
ولحقها الدمار الذي يلحق بكل البلاد التي تكون مسرحا للصراع بين قوتين متنازعتين.
بعد قرن من الزمان غيرت الدولة العثمانية من سياستها بعد أمنت شر الصفويين فبدأت
حركة لتطبيق سياسة مركزية و القضاء على الامارات الكوردية. وفي الأدوار ألأخيرة من
حياة الدولة العثمانية وبسبب من انتشار الفساد الإداري فيها كانت الولايات التابعة
للعثمانيين تعاني من الابتزاز والرشوة و بيع المناصب مما كان يشعل نار الثورة بين
شعوب المنطقة ولذلك كانت الثورات متكررة كما كانت محاولات انشاء الامارات و
الاستقلال بها عن العثمانيين مستمرة و من ذلك ثورة الشيخ عبيد الله النهري وهو من
شيوخ الطريقة النقشبندية، بدأت سنة 1297 هـ –1880م و انتهت سنة 1300هـ – 1883م
وحركة عز الدين شير البوتانى التي انتهت سنة 1281هـ - 1864 م، ومن الامارات
الكوردية إمارة بوتان (الجزيرة) التى أعلن استقلالها أمير محنك هو بدرخان باشا و
انهارت سنة 1848 حيث بسبب من عصيان النساطرة و اضطراره لإعادتهم لطاعته تكالبت عليه
اوربا وتدخلت لدى العثمانيين ضده. كما شهدت منطقة رواندوز إمارة سوران القوية التي
اشتهرت ايام أميرها محمد الملقب بالأعور وكان اميراً حازما وطبق الشريعة الاسلامية
ايام حكمه، تأسست تلك الإمارة عام 1225هـ –1810م وسقطت بأيدي العثمانيين بعد اربعة
عقود من الزمان ومن الامارات المشهورة الامارة اليابانية التي تأسست به القرن
السادس عشر الميلادي و استمرت في التوسع حتى أصبحت تحكم ما يقابل اليوم محافظة
السليمانية وعمرت حتى نهايات القرن التاسع عشر الميلادي فكانت اخر الامارات سقوطاً.
كوردستان في القرن العشرين الميلادي
وفي القرن العشرين الميلادي وبعد إلغاء
الخلافة الاسلامية عام 1924 قامت ثورة الشيخ سعيد بيران Peeran ضد السلطات الكمالية
و كانت هدفها إعادة الخلافة الاسلامية وان كان الهدف القومي المتمثل في الخلاص من
الظلم و القهر موجوداً أيضا الا ان الثورة أخفقت وتم إعدام الشيخ وعدد من أتباعه
هذا وقد اتبع كمال مصطفى سياسة إذابة الكورد و عدم الاعتراف بوجودهم القومي وتم
تسميتهم بكورد الجبال واستمر الحال على هذا المنوال حتى حرب الخليج الثانية 1991
حيث ان استمرار المقاومة المسلحة التي بدأت نهاية سبعينيات القرن العشرين الظروف
الدولية الجديدة أجبرت السلطات التركية على الاعتراف بوجود الكورد ورفع الحضر عن
استخدام اللغة الكوردية في التخاطب في الأماكن العامة…الخ لكن قرارات العلمانية
الكمالية هذه محاطة بالألوف من القيود والمحظورات. وفي كوردستان العرق أعلن الشيخ
محمود بعد الحرب العالمية الأولى حكومته المستقلة فوقع القتال بينه وبين الإنكليز
مرتين وزالت حكومته من الوجود. وقد أشارت معاهدة سيفر الدولية سنة 1920م الى إعطاء
الحكم الذاتي في قسم من كوردستان يمكن ان يتطور بعد العديد من القيود والتشديدات
الى استقلال فيما نصت المعاهدة على انشاء دولة ارمنية مستقلة كبيرة ضمت إليها أجزاء
كبيرة من كوردستان الا ان تركيا افشلت المعاهدة وحلت معاهدة لوزان بدلها و التى قضت
على أية بارقة أمل لدى الكورد. استمرت الثورات في كوردستان العراق ، بدأت اولا مع
ثورات البارزانيين في الأربعينيات من القرن واستمرت لغاية حرب الخليج الثانية حيث
خضع القسم الأكبر من كوردستان العراق الى إدارة محلية سنة 1991 تحولت الى حكومة
فيدرالية. أما كوردستان ايران فقد شهدت سنة 1922 حركة اسماعيل آغا (سمكو) من قبيلة
(شكاك) فشلت كسابقاتها رغم براعة قائدها، هذا وقد قامت سنة 1946 جمهورية في أقسام
من كوردستان ايران عرفت بجمهورية كوردستان وجمهورية مهاباد بقيادة القاضي محمد لم
تعمر سوى سنة واحدة. وبعد الإطاحة بنظام الشاه سنة 1978 حصلت مصادمات بين ألأحزاب
الكوردية و السلطات الإيرانية أسفرت عن بسط السيطرة الكاملة للأخيرة على كوردستان
وهكذا فان تأريخ كوردستان ملئ بالحروب، حروب الدول المتصارعة حيث كوردستان هي
الضحية الرئيسية فيها.