كان الناس في أوائل أدوار تمدّنهم قبائل جندها رجالها، إذا احتاجت إلى قتال اجتمع الرجال من كل قبيلة بلا نظام ولا ترتيب. وأول دولة نظّمت الجند الدولة المصرية الفرعونية. فقد جنّدت جيشاً من الزنوج والأحباش حوالي القرن العشرين قبل الميلاد أخضعت بهم سواحل البحر الأحمر لسيطرتها. أما العرب قبل الإسلام فقد كانوا أهل بداوة لا نظام للجند عندهم، وإنما كانوا قبائل إذا أرادت إحداها حرباً جردت رجالها وفيهم الفرسان والمشاة ومعهم الأسلحة المعروفة في الجاهلية كالقوس والرمح والسيف. فلما ظهر الإسلام انفرد المسلمون من العرب وغيرهم واتحدوا بجامع الدين يداً واحدة في محاربة أعدائهم فكانوا كلهم جنداً كبيرهم وصغيرهم، وكان أول جنود المسلمين المهاجرين فلما جاءوا المدينة اتحدوا مع الأنصار وصاروا جميعاً جنداً واحداً قائدهم النبي (صلّى الله عليه وآله) بنفسه ورابطتهم المعاهدة والمؤاخاة وعددهم يومئذ قليل جداً.
تنظيم جند المسلمين في أيام بني أمية
أما تنظيم الجند فئة خاصة دون سائر فئات المسلمين، فقد بدأ في أيام عمر عند تدوين الدواوين وتم في أيام بني أمية، ويظهر أن التجنيد الإلزامي بدأ في أواسط هذه الدولة، وكان الناس من قبل يذهبون إلى الحرب جهاداً في سبيل الدين فيصيبون الغنائم والفيء فلما قامت الفتنة بعد مقتل عثمان (سنة 35هـ) اشتغلوا بالحرب فيما بينهم مدة وكل طائفة تندفع إلى ذلك دفاعاً عن رأيها واعتقادها بأنها تدرأ عن الحق. فلما أفضى الأمر إلى بني أمية وصار المسلمون دولة واحدة وضعفت قوة الأحزاب بتغلّب العنصر الأموي لم يعد الناس يرون ما يدفعهم إلى الحرب طوعاً فأخذوا يتقاعدون فاضطر الخلفاء إلى التجنيد بالإلزام. ولعل أول من فعل ذلك الحجاج بن يوسف على عهد عبد الملك بن مروان.
جند الأعاجم في الإسلام
1 ـ في الدولة العباسية
لما تولّى بنو العباس واحتاجوا إلى مؤازرة الأعاجم في تأييد سلطانهم دخل في جند العرب جماعات منهم، وأول من دخل في الجند الإسلامي منهم آل خراسان لأنهم هم الذين نصروا العباسيين في دعوتهم وسلّموا إليهم أزمة الخلافة بقيادة أبي مسلم الخراساني، فكانت فرق الجند في أيام المنصور ثلاثاً: اليمنية والمصرية والخراسانية. ثم أضيف إليها فرقة رابعة هي فرقة الحرس الخاص اتخذها الخلفاء خوفاً مما كانوا ينصبونه لهم من الحبائل أو يقيمونه عليهم من الثورات، ومن غريب هذه الأعمال أن الأمر الذي أراد الخلفاء أن يحفظوا سلطانهم به كان علّة خروج ذلك السلطان من أيديهم.
2 ـ جند السلاطين المماليك بمصر
كان جند المماليك أخلاطاً من الأتراك والجركس والروم والأكراد، وأكثرهم من المماليك المبتاعين وهم طبقات أعلاها الأمراء ومن يليهم إلى الجندي البسيط، وأما الأمراء فهم كالضباط في هذه الأيام ومنهم من له إمرة مائة فارس أو أكثر إلى ألف فارس
.
3 ـ الجند العثماني ـ الانكشارية
وللجند العثماني تأريخ طويل يبدأ منذ تأسيس الدولة العثمانية وقد بني على نظام جند السلاجقة. ثم نشأ جند الانكشارية المشهور أنشأه (قرة خليل) أحد كبار رجال الدولة العثمانية في زمن السلطان أورخان، وقد نظر في تنظيمه إلى خلوّه من عصبية تبعثه على التمرّد وكان العثمانيون يومئذ يفتحون البلاد وأكثر أهلها مسيحيون فيدخل في حوزتهم جماعة من غلمان النصارى الذين قتل آباؤهم وأصبحوا لا نصير لهم ولا مرجع لآمالهم فارتأى أن يربّي أولئك الغلمان تربية إسلامية ويدرّبهم على الفنون الحربية ويجعلهم دائماً جنداً لا يخشى منه التمرد، لأنه لا يعرف عصبية غير الدولة ولا عملاً غير الجندية ولا ديناً غير الإسلام، فجنّدهم وسار بهم إلى الحاج بكطاش شيخ طريقة البكطاشية بأماسية ليدعو لهم فدعا لهم وسماهم (يكي جري) أي الجند الجديد.
أعطيات الجند
ويراد بأعطيات الجند رواتبهم التي يستولون عليها في أوقات معينةٍ من العام، وكانت تلك الأعطيات في أيام النبي (صلّى الله عليه وآله) غير محدودة فتتبع ما يقع في أيديهم من الغنائم أو الفيء، فكان يفرد خمسه للنبي (صلّى الله عليه وآله) ويفرّق الأربعة أخماس الباقية في الصحابة على السواء بلا تمييز في السابقة أو النسب، وجرى على ذلك أبو بكر، فلما تولى عمر ووضع الديوان ميّز الناس في العطاء باعتبار النسب والسابقة فرتّبهم طبقات. فلما طمع بنو أمية بالملك واحتاج معاوية إلى استنجاد العرب كان في جملة ما استخدمه في سبيل استنجادهم المال. فزاد في أعطيات الجند وكان جنده ستين ألفاً ينفق عليه ستين مليون درهم في العام. فيلحق كل رجل ألف درهم، ولم يكن معاوية يعتمد على المال في استرضاء الجند فقط بل كان يستخدمه في اصطناع الأحزاب وتخفيف ويلات المتعصبين عليه، فكان كثيراً ما يأمر عماله بزيادة أعطيات أناس لتأليبهم على الإمام علي (عليه السلام). وظل هذا شأن العطاء أيام يزيد ومروان وعبد الملك، وكان عبد الملك يبالغ في الإنفاق تأييداً لأحزابه في مقاومة دعاة الخلافة في أيامه. وفي أواخر دولة بني أمية قلّت الرواتب حتى صارت في آخرها خمسمائة درهم.
أعطيات الجند في الدولة العباسية
فلما آلت الخلافة إلى بني العباس جعل السفاح رزق الجندي ثمانين درهماً في الشهر أي (960 درهماً في السنة) فكأنه أرجعه إلى ما كان عليه في أوائل بني أمية، وكان للفارس ضعفا هذا الراتب لينفق نصفه على فرسه.
عطاء الجند في الدولة التركية
ومازال العطاء يدفع نقداً إلى أيام الدولة السلجوقية فصار يعطى إقطاعاً. وأول من فعل ذلك نظام الملك الطوسي وزير آل سلجوق (توفي سنة 485هـ) وزاد للدولة السلجوقية وأدخل فيها إصلاحات جمّة، وهو أول من أنشأ المدارس في بغداد وله فيها المدرسة التي تعرف باسمه (المدرسة النظامية) وكان وزيراً لألب أرسلان ثم لابنه ملك شاه المشهور، فصار أمر الدولة كله لنظام الملك وليس للسلطان إلا التخت والصيد، فأقام على ذلك عشرين سنة. واختلفت غلات الأمراء من إقطاعاتهم، فقد بلغت غلة إقطاع بعض أكابر الأمراء في دولة المماليك نحو 200.000 دينار ويليهم من غلتهم نصف ذلك أو ربعه. وأما أمراء العشرات فنهايتها سبعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك أما جند الخليفة فمنهم من يبلغ إقطاعه 1500 دينار وما دون ذلك إلى 250 ديناراً.
عدد الجند
قلنا إن المسلمين كانوا في صدر الإسلام كلهم جنداً فعددهم يومئذ هو عدد الجند الإسلامي، فالجند كان في السنة الأولى للهجرة لا يزيد على بضع عشرات يقيمون في المدينة ثم ازدادوا بمن اعتنق الإسلام من قبائل العرب، وفي حديث أخرجه البخاري أن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال (اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام فكتبنا له ألف وخمسمائة). وفي غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة ـ وهي آخر الغزوات ـ بلغ عدد المسلمين ثلاثين ألفاً ومعهم عشرة آلاف فرس، فذلك عدد الجند في أواخر أيام النبي (صلّى الله عليه وآله) ثم تزايد عددهم في أيام أبي بكر وعمر حتى زادوا على مائةٍ وخمسين ألفاً، وتضاعف ذلك العدد في أواخر أيامهم. وفي أوائل بني أمية بلغ عدد من في البصرة والكوفة من الرجال فقط 140.000 منهم 80 ألفاً في البصرة و60 ألفاً في الكوفة، ومعهم من العيال 200.000 بين نساء وأولاد، وكان في مصر أربعون ألفاً ما عدا العيال، وكان جند الشام نحو ذلك، غير من في فارس وغيرها. روى ابن خلدون أن المعتصم نازل عمورية في جند عدده 900.000 ولا غرابة في ذلك إذا اعتبرنا عدد الحامية في الثغور الدانية والقاصية شرقاً وغرباً، فضلاً عن المصطنعين والموالي والخاصة، فقد أحصيت خاصة المأمون من بني العباس وحدهم فبلغوا (33) ألفاً.
كان المسلمون في صدر الإسلام (وهم الجند) إذا فتحوا بلداً جعلوا مساكنهم في بعض ضواحيه، وكانوا لا يقيمون في مكانٍ بينه وبين المدينة بحر أو نهر. وبعد ذلك بقرنٍ وبعض القرن سنة 257هـ تولى مصر أحمد بن طولون وأكثر من الجند والحاشية والآلات فضاقت الفسطاط دونه فأنشأ معسكراً بجوار جبل المقطم وبنى لنفسه فيه قصراً وميداناً وأمر غلمانه وأتباعه أن يبنوا فبنوا حتى اتصل البناء بالفسطاط وصار المكان مدينة سميت القطائع. وفعل مثل ذلك جوهر قائد الفاطميين لما جاء لفتح مصر بعد قرن وبضع سنة 365هـ فإنه أنزل جنده بفسح المقطع خارج القطائع والفسطاط، ولما فتح البلاد أنشأ في ذلك المعسكر مدينة القاهرة الباقية إلى الآن.
اللواء أو الراية
اللواء والراية شيء واحد وربما كان اللواء أصغر من الراية، أو أن الراية تسمى لواءً إذا عقدت للحرب وهي الأعلام أو البنود أو البيارق في اصطلاح هذه الأيام. وفي السيرة الحلبية أن المسلمين في غزوة بدر الكبرى كانت لهم ثلاث رايات إحداها بيضاء دفعها النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى مصعب بن عمير والأُخريان سوداوان إحداهما حملها علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويقال لها العقاب، والأخرى مع رجل من الأنصار. ولما جاء الإسلام وانتشر العرب في أنحاء الشام وفارس ومصر وتعددت دولهم وقبائلهم كثرت ضروب الألوية عندهم وتنوعت أشكالها وتعددت ألوانها وأطالوها وسموها بأسماء مختلفة. عقد أبو مسلم الخراساني عند قيامه بالدعوة العباسية لواء بعث به إليه إبراهيم الإمام يدعى (الظل) على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً. وعقد راية كان قد بعث بها إليه اسمها (السحاب) على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً إرهاباً للناس.
ألوان الرايات
لا نعرف ما هي ألوان الرايات في الجاهلية سوى راية العقاب فقد تقدم أنها كانت سوداء وكذلك كانت راية النبي (صلّى الله عليه وآله). وذكر صاحب (آثار الأُوَل) أنه كانت له أيضاً ألوية بيضاء، أما الرايات الإسلامية فقد كانت ألوانها تختلف باختلاف الدول فكانت أعلام بني أمية حمراء، وكل من دعا إلى الدولة العلوية فعلمه أبيض، ومن دعا إلى بني العباس فعلمه أسود والسواد شعار العباسيين على الإطلاق اتخذوه حزناً على شهدائهم من بني هاشم ونعياً على بني أمية في قتلهم ولهذا سموا المسوّدة.
عقد اللواء
كان الخلفاء في صدر الإسلام إذا وجّهوا جيشاً إلى حرب عقدوا له الألوية وسلّموها إلى الأمراء لكل أمير راية قبيلته ويدعو لهم بالنصر ويوصيهم بالصبر والتجلّد.
الموسيقى
واتخاذ الموسيقى في الجند قديم والأصل في اتخاذها تشجيع الجند أثناء الحرب أو شغل أذهانهم عن التفكير بالأخطار. وكان المسلمون في صدر الإسلام يتجافون عن اتخاذ الأبواق والطبول تنزّهاً عن غلظة الملك ورفضاً لأحواله.
السلاح
أشهر أسلحة العرب في الجاهلة السيف والرمح والقوس والترس. وكان لهم بالقوس مهارة عظمى لحدة أبصارهم بسبب سكناهم للبادية ولأنهم أحوج إليها من سائر الأسلحة، فقد كانوا يستخدمونها في صيد الغزلان فضلاً عن الحرب والطعان، وبلغ من مهارتهم في النزع بالقوس ما يكاد يفوق حد التصديق حتى لو أراد أحدهم أن يرمي إحدى عيني الغزال دون العين الأخرى لرماها. وكان النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: (اركبوا وارموا أحب إليّ من أن تركبوا)(1)، ومن أقواله (صلّى الله عليه وآله): (كل لهو المؤمن في ثلاث: تأديبه فرسه، ورميه عن كبد قوسه، وملاعبته امرأته فإنه حق، إن الله ليدخل الجنة بالسهم الواحد عامله المحتسب، والرامي في سبيل الله)(2)، ومن أقواله (صلّى الله عليه وآله) ـ وهو قائم على المنبر ـ: (أعدوا ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)(3). وكان العرب يعدون السيوف أشرف الأسلحة، وكانوا يستجلبونها من الخارج وأشهرها السيوف اليمانية والهندية والسليمانية والشامية والخراسانية وتعرف كلها بالسيوف العتيقة. غير أن هذه السيوف أكثر قطعها في الليّن فإذا صادفت الحديد أو اليابس تقصفت، وكانت أسياف الروم أمتن منها لأنهم كانوا يجيدون صنعها حتى تبري الحديد، ولذلك كان العرب إذا أصابوا سيفاً قاطعاً تناقلوا خبره وأطروه، وقد اشتهر في أوائل الإسلام سيف ذي الفقار لعلي بن أبي طالب (عليه السلام). وأكثر ما يكون استخدام الرمح على الخيل، ولكنهم لم يكونوا يأمنون له، خوف انكساره. وكان الترس عند العرب على أصناف كل منها يصلح لشيء، فمنها المسطّح، والمستطيل المحفّر الوسط، والمقبب، فالمقبب منحني الأطراف، ولكل ترس فائدة. وتفنّن المسلمون في اصطناع التروس ونقشوا عليها الآيات والحكم والأشعار. والدروع كثيرة عند العرب ومنها الحديد والفولاذ والكتان، ويسمون درع الكتان (دلاص) ولم يكن يقتني الدروع من العرب غالباً إلا الفرسان، وهي من صنع الروم أو الفرس على الغالب. تلك كانت أسلحة العرب في أوائل الإسلام ثم أضافوا إليها شيئاً من أسلحة الأعاجم كالخنجر والطبر والفأس وغيرها، وتفننوا في صنعها تبعاً للزمان والمكان.
آلات الحصار
ولم يكن للعرب آلات للحصار لأنهم لم يكونوا يحاصرون، وإنما كانت منازلهم الخيام طلقة لا يحميها سور ولا خندق، وأول خندق بناه العرب خندق المدينة يوم حرب الأحزاب (سنة 5هـ) أشار به سلمان الفارسي.
المنجنيق
هي آلة قذّافة استخدمها الفينيقيون قديماً وأخذها عنهم اليونان، وقد رأينا في السيرة الحلبية أن المسلمين استخدموها في حصار الطائف أرشدهم إليها سلمان الفارسي في جملة ما أرشدهم إليه من فنون الحرب الفارسية ويقال أنه صنعه لهم بيده، وذكر صاحب هذه السيرة أيضاً أن المسلمين لما فتحوا الحصن الصعب في خيبر وجدوا فيه مناجيق ودبابات. فكانوا يستخدمون المنجنيق لهدم الحصون بالحجارة الضخمة، أو لرمي الأعداء بالنبال، أو لإحراق أماكن العدو بالنفط ونحوه فيرسلون به نفطاً مولعاً بالنار يقذفونه بواسطة كفة من الزرد يجعلون بها الأوعية المملوءة بالنفط كالقدور ونحوها أو يرسلونها بمنجنيق رمي الحجارة أو غيرها.
الدبابة
هي آلة سائرة تتخذ من الخشب الثخين المتلزز وتغلّف باللبود أو الجلود المنقّعة في الخل لدفع النار. وهي أقدم من المنجنيق استخدمها المصريون القدماء والآشوريون فاليونان فالرومان والفرس فالمسلمون، وهي عبارة عن قلعة سائرة على العجل يهجمون بها على الأسوار لمحاربة المحاصرين من أعلى السور.
الكبش
هو كالدبابة لكن رأسه في مقدمه مثل رأس الكبش ويتحصّن الرجال في داخله ويستخدمون الكبش لهدم الأسوار. واستخدم المسلمون الدبابة والكبش في كثير من حروبهم لتسلّق الأسوار وهدمها أو خرقها، وكانوا يجعلون في الجيش عدة دبابات أكثرها صغير الحجم تَسع الواحدة بضعة رجال تتفرق حول الأسوار، واستخدم الخليفة المعتصم بالله الدبابات في فتح عمورية فعمل منها دبابات تسع كل واحدة عشرة رجال.
النار اليونانية
ومما اقتبسه العرب من الروم النار اليونانية وهي في الأصل من اختراع المشارقة، فقد كان هؤلاء يستخدمون في حروبهم مزيجاً سريع الاشتعال لم يعرفه أهل أوربا إلا في القرن السابع عشر للميلاد. وفي المكتبة الأهلية بباريس مسودة خطية قديمة عليها صور رجال من العرب بعضهم على الخيول والبعض مشاة وفي أيديهم خرق مشتغلة بالنار اليونانية يرمون بها الأعداء وكانوا يسمون النار اليونانية (النفط القاذف).
اختراع البارود
وهناك اختراع ذو بال يُنسب فضله إلى الإفرنج وهو للعرب، والصحيح أن العرب أسبق الناس إلى استخدام البارود، وفي مكتبة بطر سبورج مسودة عربية فيها صورة رجلين من العرب يشتغلان في الأسلحة النارية أحدهما يحمل ما يشبه البندقية والبارود داخلها وقد أدناها من لهيبٍ أمامه حتى يولع البارود ويقذف القنبلة.
المدافع
هي أنابيب ترسل بها المقذوفات كما ترسل بالمنجنيق، لكنها في هذا ترسل بحركات ميكانيكية كالمقاليع والأوتار ونحوها، وأما في المدافع فإنها تقذف بالبارود. وأول من أتقن استخدام المدافع في الدول الإسلامية الدولة العثمانية، وبها استعانوا على فتح القسطنطينية سنة 1453 وفي كثير من الفتوح والحروب.
تعبئة الجيوش
إن نظام الجند كان عند الأمم المتمدنة الصفوف والكتائب وأما العرب في جاهليتهم فقد كانوا على غير نظام. فلما ظهر الإسلام كان في جُملة أوامره ترتيب الناس صفوفاً في الحرب عملاً بالآية: ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)(4)، وفي الحديث: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشُدُّ بعضه بعضاً)(5). وبناءً على ذلك كانت حروب المسلمين في أيام النبي (صلّى الله عليه وآله) صفوفاً وهو ما يعبرون عنه بالزحف، فكانوا يسوّون كما تسوّى الصفوف للصلاة ويمشون بصفوفهم إلى العدو قدماً واحدة. وكان الجند في أيام النبي (صلّى الله عليه وآله) يترتّب صفاً أو صفين تبعاً للكثرة والقلة، فلما تكاثر المسلمون في أيام الخلفاء صاروا يجعلونه صفوفاً يرتبونها باعتبار أسلحتها والأحوال المحيطة بها، وإليك وصية علي بن أبي طالب (عليه السلام) لجنده يوم واقعة صفين (سنة 37هـ) فإنها تنطوي على خلاصة نظام الجند في الحرب قال: (فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص وقدّموا الدارع وأخّروا الحاسر وعضّوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام، والتووا على أطراف الرماح فإنه أصون للأسِنّة وغضّوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب، وأخفتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار، وأقيموا راياتكم فلا تميلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم واستعينوا بالصدق والصبر فإنه بقدر الصبر ينزل النصر)(6). وبعد رسوخ المسلمين في المدينة تفننوا في تعبئة الجيوش بما اقتبسوه من فنون الحرب عند القدماء بعد ترجمة كتبهم أو دراستها، وتعدّدت ضروب التعبئة عندهم حتى صارت سبع تعبئات وإن كانوا لا يستعملونها كلها ولكنهم أدخلوها في فنونهم الحربية.
المعسكر
أما تنظيم المعسكر فلم يكن له علم خاص في أوائل الإسلام بل كان العرب يجرون في نصب خيامهم وترتيبها على ما كانوا في جاهليتهم، فيكون فسطاط الأمير في الوسط وحوله فساطيط الأمراء والخاصة، وإذا كانت النساء والأولاد معهم جعلوهم وراء المعسكر ولما أبطلوا حمل العيال معهم جعلوا يقلّدون الروم والفرس في مضاربهم وتفننوا في ذلك على ما اقتضته الأحوال، فلما تعدّدت فرق الجند وكثرت الحاشية والمماليك والخدمة صار المعسكر أشبه ببلدٍ فيه الكتّاب والفقهاء والأطباء والكحالون وأصحاب الطبول والأتباع وغيرهم فضلاً عن أصناف الجند.
مناداة الجند
كانوا في أوائل الإسلام إذا تهيّأ الجيش للقتال نادى قوّاده: (النفير النفير) ولما تمدّن المسلمون وتعدّدت أجزاء جندهم وتنوّعت حركاتهم جعلوا لكل حركة نداء خاصاً يدل لفظه على المراد به وهذه أسماؤها: 1 ـ الميل. 2 ـ الانقلاب. 3 ـ الانفتال. 4 ـ تسوية الانفتال. 5 ـ استدارة صغرى. 6 ـ استدارة كبرى. 7 ـ تقاطر. 8 ـ اقتران. 9 ـ رجوع إلى الاستقبال. 10 ـ استدارة مطلقة. 11 ـ أضعاف. 12 ـ أتباع الميمنة. 13 ـ أتباع الميسرة. 14 ـ جيش مخوف. 15 ـ جيش مستقيم. 16 ـ جيش مؤرب. 17 ـ أرض. 18 ـ تقدم. 19 ـ حشو. 20ـ رادفة. 21 ـ ترتيب بعد ترتيب.
شعار الجند
كان للعرب في جاهليتهم ألفاظ يتعارفون بها في أثناء الحرب يسمّونها الشعار، وجعل النبي (صلّى الله عليه وآله) لكل من المهاجرين والأنصار شعاراً فكان شعار المهاجرين (يا بني عبد الرحمن)، وشعار الأوس (يا بني عبيد الله)، وشعار الخزرج (يا بني عبد الله) وسمى خيله (خيل الله) وكان المسلمون بعد ذاك يجعلون لجنودهم شعاراً يتعارفون به على نحو ما تقدم.
الثغور والعواصم
الثغور يراد بها حدود المملكة الإسلامية براً وبحراً، وكان المسلمون يخرجون منها كل سنةٍ للغزو في البحر والبر جهاداً في سبيل الإسلام، وكان الجهاد فرضاً على المسلمين يحرّضهم الخلفاء عليه. فإن الخلفاء لم يقتصروا على حفظ مملكتهم بل جعلوا غزو الممالك الملاصقة لها فرضاً واجباً عليهم وهو من قبيل الجهاد في سبيل الله كما قدّمنا، وكان من أكثر الخلفاء رغبةً في ذلك بنو العباس، فإنهم لما استتب لهم الأمر ودانت لهم المملكة الإسلامية تحولوا إلى الغزو فكانوا في أوائل دولتهم يرسلون بعض القواد لغزو الروم كل سنة كما يرسلون من يحج بالناس ثم صاروا يغزون بأنفسهم.
ركوب البحر
لم يركب العرب البحر قبل الإسلام إلا ما كان من سفن حمير وسبأ في أيام التبابعة لأنهم كانوا أهل تجارة في البر والبحر، وأما عرب الحجاز فإنهم كانوا يخافون البحر ولا يجسرون على ركوبه، وذلك شأن البدو إلى هذا اليوم، فلما ظهر الإسلام وخفقت أعلام المسلمين على سواحل الشام ومصر رأوا سفن الروم وشاهدوا حروبهم فيها فتاقت أنفسهم للغزو في البحر، وأول من ركب البحر منهم العلاء بن الحضرمي وكان عاملاً على البحرين.
الأساطيل في الإسلام
ولم يكن للعرب معرفة في الملاحة فاستخدموا أولاً من كان في حوزتهم من الروم وفيهم أهل الصناعة والنواتية فأنشأوا لهم السفن وشحنوها بالرجال والسلاح وملأوها بالعساكر والمقاتلة لغزو ما وراء البحار، وسمّوا مجموع السفن أُسطولاً وهو لفظ يوناني (Stolos) عرّبوه، وجعلوا مقر أساطيلهم بحر الروم خاصة، واشترك في ملاحة البحر منهم أهل الشام وأفريقية والأندلس وأنشأوا دور الصناعة (الترسانة) في تلك البلاد لبناء السفن وإعداد معدّاتها.
الفداء
وأول من افتدى أسرى المسلمين بالمال هارون الرشيد العباسي سنة 189هـ وكان الفداء قبله يقع بالمبادلة النفر بالنفر. وأشهر الأفدية 13 وكلها في أيام بني العباس آخرها جرى في أيام المطيع لله سنة 335هـ وبلغ عدد الذين افتداهم الخلفاء في هذه المدة نحو 50 ألف نفس.
الأساطيل المصرية
ولما دخلت مصر في حوزة العبيديين (الفاطميين) ملوك أفريقية بذلوا عنايتهم في إنشاء الأساطيل في الإسكندرية ودمياط ومصر وبلغت الجنود البحرية في أيامهم خمسة آلاف لهم الرواتب المعينة. وكانوا يحتفلون في إخراج الأسطول إلى الغزو احتفالاً شائقاً يحضره الخليفة فيجلس في منظرة معدّة له على ساحل النيل بالمقس خارج القاهرة لوداع الأسطول، فيجيء القواد بالمراكب إلى هناك وهي مزّينة بأسلحتها وبنودها وفيها المناجيق فيرمي بها فتخدر المراكب وتقلع وتفعل ما تفعله لو كانت في حرب وهو ما يعبرون عنه اليوم بالمناورة.
فتوح المسلمين البحرية
وكان للأساطيل تأثير كبير في توسعة المملكة الإسلامية لأنهم فتحوا بها أشهر جزر بحر الروم ومنها سردانية (سردينيا) وصقلية (سيسيليا) ومالطة واقريطش (كريد) وقبرص وغيرها، وفتحوا كثيراً من شواطئ هذا البحر مما يلي أوربا وسارت أساطيلهم فيه جائية ذاهبة وعليها العساكر الإسلامية تجوز البحر من صقلية إلى بر إيطالية في الشمال فتوقع بملوك الإفرنج وتثخن في ممالكهم، وخصوصاً في أيام بني الحسن ملوك صقلية القائمين فيها بدعوى الفاطميين
مشكوووووووور اخي على المرور والله انا اتي بهذه المواضيع كامثلة عن الاقتراح الذي طرحته والذي يخص قسم الاسلحة القديمة وتطورها واتمنى منك ومن جميع الاعضاء ان يزودونا بمثل هذه المواضيع واذا لقت النجاح المطلوب انشانا القسم
للامانة العلمية الموضوع منقول من شبكة الشيرازي