اول مدفع في العالم

الزعيم

صقور الدفاع
إنضم
20 يوليو 2012
المشاركات
8,456
التفاعل
378 1 0
البارود والمدافع في الحضارة الإسلامية


cov3.jpg



تحرص كل أمة صاحبة حضارة على نسبة أي ابتكار كان له شأن في تغيير مفاهيم سياسية أو اقتصادية أو حربية لها، ويحاول مؤرخو العلوم الإتيان بأدلة وبراهين لإثبات هذا الحق والسبق المزعوم. وتوجد نزعة قومية لدى مؤرخي العلوم والتقنيات في أوروبا إلى إنكار سبق المسلمين في ابتكار البارود والمدافع حتى أن بعضهم نسب ابتكار المدافع إلى الصينيين، والبعض الآخر إلى الأوروبيين بغير دليل ولا برهان، علمًا بأن المدفع لم يظهر يقينًا في أوروبا إلا في فلاندريا Flandern حوالي عام 1314 أو 1319م(i) وهو تاريخ لاحق على استخدام المسلمين له ، وفي هذا سنسوق أدلة وبراهين تدحض مزاعم الآخرين وترد الحق إلى أصحابه المسلمين.


البارود


هناك جدل واسع حول تحديد اسم المكتشف أو المخترع الأصلي للبارود و المدفع، حتى اتضح أن كثيرًا من الباحثين لم يدركوا حقيقة الأمر نتيجة لخطأ في فهم الأسلوب اللغوي الذي كتبت به المخطوطات القديمة. وقد ذكر ابن البيطار في كتابه "مفردات الأدوية" كلمة "بارود"(ii) لأول مرة، وبمناقشة الآراء التي قيلت عن أي الأمم اخترعت البارود نطمئن إلى سبق المسلمين في هذا المجال ؛ فجوستاف لوبون وسارتون وزيجريد هونكه وغيرهم كثيرون أجمعوا على أن الأوروبيين قد عرفوا البارود عن طريق العرب ونقلوه عنهم، وفي ذلك يقول جوستاف لوبون: "وعزي الاختراع إلى روجر بيكون زمنًا طويلاً.. مع أن روجر بيكون لم يفعل غير ما فعله ألبرت الكبير من اقتباس المركبات القديمة، فقد عرف العرب الأسلحة النارية قبل النصارى بزمن طويل"(iii) ، وتقرر المستشرقة هونكه "أن الخليط العربي العجيب الذي يحدث رعدًا وبرقًا قد وصل إلى بعض علماء أوروبا أمثال روجر بيكون وفون بولشتدن"، وتضيف: "ثم حدث أن انتقلت النظرية إلى التجارب العلمية – لدى العرب – التي هزت كيان العالم، فالعرب في الأندلس هم أول من استخدمه في أوروبا"(iv).


ويستشهد أصحاب الرأي السابق بما وجدوه في المخطوطات الإسلامية التي تعود إلى القرن 4هـ/ 10م (أي قبل بيكون بثلاثة قرون، فقد جاء في وصف صناعة البارود: "تؤخذ عشرة دراهم من ملح البارود ودرهمان من الفحم ودرهم ونصف من الكبريت وتسحق حتى تصبح كالغبار، ويملأ بها ثلث المدفع فقط خوفًا من انفجاره، ويصنع الخراط من أجل ذلك مدفعًا من خشب تتناسب فتحته مع جسامة فوهته، وتدك الذخيرة بشدة ويضاف إليها البندق (كرات الحديد)، ثم يشعل ويكون قياس المدفع مناسبًا لثقله"(v). وفي كتاب حسن نجم الدين الرماح "الفروسية والمناصب الحربية" والذي يرجع للقرن 7هـ/ 13م، شرح وتفصيل لصناعة البارود في العالم الإسلامي، عن طريق استخلاص ملح البارود من الطبيعة وتنقيته في المختبرات الكيميائية، فهذا الكتاب يدلنا على أن تلك الصناعة كانت قد بلغت في العالم الإسلامي شأنًا كبيرًا من التطور.


ويشيع البعض أن الحضارة الصينية عرفت البارود قبل المسلمين، واستعملوه في الألعاب النارية والأغراض الدينية. والذي استعمل في حقيقة الأمر لدى الصينيين هو ملح البارود وتركيبه الكيميائي (نترات البوتاسيوم)، وهو مايعرف باسم (البارود الأسود الخام)، وسُمِّي بالبارود؛ لأنه قابل للاشتعال عند التسخين أوإذا لامسته النار.. فهذه المادة الخام هي التي عرفها الصينيون واستعملوها كما هي في الطبيعة دون تركيب أو تحضير، وكان معروفًا في مصر وسماه أهلها "الثلج الصيني"(vi) ، فيقول نيدهام في مؤلفه "العلم والحضارة في الصين": إن المسلمين قد عرفوا ملح البارود "Salt peter" عن الصينيين وكانوا يسمونه "الملح الصيني"، وكان هذا الملح يؤخذ من الحجارة أي من الموارد الطبيعية في أواسط وشرقي آسيا"(vii). أما بارود المدافع Gun powder فهو تركيبة كيميائية اخترعها المسلمون في معاملهم، وتتركب من (نترات البوتاسيوم بنسبة 75%+ كبريت بنسبة 10% + فحم بنسبة 15%)(viii).


المدافع.. اختراع إسلامي


وقد اختلف مؤرخو العلوم حول نسبة ابتكار أو اختراع البارود إلى ثلاث حضارات، واختلفوا أيضًا في نسبة اختراع المدفع إلى نفس الحضارات الثلاث، ولردِّنا على ذلك سنذكر استخدام المدفع في شرق وغرب ووسط العالم الإسلامي، مقرنين هذا الاستخدام بالتواريخ التي تدحض آراء الآخرين.


المدافع في شرق العالم الإسلامي



pic7.jpg


يرجع بدر الدين الصيني المدفع الناري الذي يحتاج إلى البارود في قذف مقذوفاته أنه من صناعات المسلمين، وذلك من المصادر الصينية التي تذكر استعماله (مدافع المسلمين) هوي هوي بهو، وورد في محاضرة سيانغ يانغ فو ضمن تاريخ المغول ترجمة للقائد علي يحيى الأويغوري الذي بعثه قبلاي خان إلى مهاجمة "سيانغ يانغ فو" أن في عسكره مسلمًا، يسمى إسماعيل كان يعرف كيف يصنع المدفع الناري، فتمكن القائد المذكور من فتح المدينة بمساعدة هذا النوع من المدافع، ويذكر في ترجمة (يوان سي جو) أي الإمبراطور الأول لأسرة المغول – قبلاي خان، قائدًا له يسمى باسم (لانغ كيا) (Lang Kia)، كان يستحضر كل من يعرف صناعة المدافع من ولاية خوي إلى العاصمة، وكان منهم ستمائة من المغول والمسلمين والصينيين. فأرسلهم وعلى رأسهم "جانغ لين" إلى الحملة على الولايات الشرقية، واستعملوا في هذه الحملة المدفع المعروف "بمدفع المسلمين"، وجاء في "تهونغ جيانغ" أي تاريخ الصين العام في الجزء الرابع والتسعين ما يأتي: لقد ظهرت الثورة في مدينة "فانغ" في الشهر الأول سنة 1232م. فقتل حاكمها. وكذلك ظهرت في مدينة "سيانغ يانغ فو" فمات فيها كثير من المغول. فأصدر الإمبراطور وهو (قبلاي خان) أمرًا إلى قائد كبير معروف هو علي يحيى، بإغاثة المدينتين على عجل، فحمل – أولاً - على مدينة (فانغ)، وكان المسلمون الذين في جيوشه يصنعون له نوعًا من المدافع، فاستخدمه في أعماله العسكرية حتى تمكن من فتحها، ثم توجه بجيوشه إلى "سيانغ يانغ فو" وضربها به. فوقعت المقذوفات على عمارات عالية البناء وقوع الصاعقة عليها، فارتعد السكان وارتجفوا من رَعْدِه. وأما قواد الثوار فأكثرهم قد تسوروا السور وخرجوا خاضعين لأمر (الجنرال) علي يحيى فقبل تسليمهم، ثم دخل المدينة وأمَّنها باسم الإمبراطور(ix).


وأقوى الشهادات الصينية هو ما وجدناه في كلمة (بهو) في ديوان لغات الصين، ويقول صاحب الديوان عن هذه الكلمة: وهي آلة نارية تستعمل في الحرب، لقد صنعها إسماعيل وعلاء الدين من أهل الغرب(x)، للمغول الذين استعملوها في الحملة على مدينة "سيانغ يانغ فو" في سنة 1232م، ومن ثَمَّ تعلم الصينيون استعمال المدفع الناري في الحرب(xi).


في غرب العالم الإسلامي


قام الأندلسيون خاصة في غرناطة، بتطوير الأسلحة النارية واعتمدوا بشكل متنامٍ على البارود، ويعتقد أنهم أبدعوا أول أنواع المدافع في التاريخ، هذا وهناك بعض المخطوطات العربية (قسم منها محفوظ في دير الإسكوريال، قرب مدريد) التي تفيد بأن عرب الأندلس وعرب المغرب استخدموا بعض الأنواع الأولى من المدافع منذ أوائل القرن 7هـ/ 13م.


وذكر ابن خلدون في تاريخه لدى حديثه عن السلطان المريني أبي يوسف، وحصاره لمدينة سجلماسة على طرف الصحراء في سنة 672هـ/ 1273م، قال ابن خلدون: "ونصب عليها آلات الحصار والعروات، وهندام النفط القاذف بحصى الحديد ينبعث من خزانة أمام النار الموقدة في البارود، بطبيعة غريبة ترد الأفعال إلى قدرة باريها"(xii).

وعن الأندلسيين والمغاربة أخذت أوروبا وسواها معارف استخدام المدافع والبارود وقامت بتطوير ذلك، ويذكر هنا أن الأسبان اعتمدوا على المدفعية في حروب الاسترداد، وسقطت الأندلس، وقامت دول أوروبا وعلى رأسها كل من أسبانيا والبرتغال بنشاط بحري هدفه احتلال وتطويق العالم الإسلامي، ووقعت معارك كثيرة بين عرب المغرب وأساطيل هاتين الدولتين: ولعل أهمها معركة وادي المخازن 1578م في المغرب، ثم ما يعرف باسم حرب الثلاثمائة سنة مع الجزائر، وفي هذه المعارك كانت المدفعية هي السلاح الرئيسي والحاسم، ولقد أبدى عرب الشمال الأفريقي تفوقًا واضحًا في استخدام هذا السلاح، حتى ليخيل للمرء أن المغرب كانت بعد معركة وادي المخازن مهيأة للدخول في مرحلة تاريخية جديدة نظيرة لما عرف في عصر النهضة في أوروبا، إنما تبديد طاقات هذه المملكة في أفريقيا السوداء، وسيطرة زوايا الصوفية وتحكمها بعقول الجماهير إلى قلة المعادن والأخشاب، مع أسباب أخرى أدى إلى ضياع هذه الفرصة.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أول كتاب في المدفعية
إن ظهور سلاح المدفعية واستخدامات البارود قد ترافق في أوروبا مع بداية انتهاء عصر جيوش العصور الوسطى التي اعتمدت على قواعد النظام الإقطاعي، وقيام جيوش جديدة في تسليحها وفي أنظمتها، لقد صارت صناعة الحرب في أوروبا الغربية حرفة وعلمًا، ولم تَعُد هواية، وكان من نتائج ذلك تصنيف بعض الكتب في الحرب، لكن لم يتم وقف أي من هذه الكتب على موضوع المدافع. وهو الأمر الذي لم يحصل في أوروبا، وتم إنجازه في المغرب العربي من قبل أحد الأندلسيين واسمه "إبراهيم بن أحمد غانم بن محمد بن زكريا"، فقد أقدم إبراهيم هذا على تصنيف كتاب كبير باسم "العز والرفعة والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع"(i).
ولقد تحدث إبراهيم في مطلع كتابه عن حياته، ثم بين حوافزه إلى تأليفه فذكر أنه ولد في قرية من قرى غرناطة بعد سقوط مملكتها العربية، وقد جاءت ولادته ربما في الربع الأخير من القرن الخامس عشر، وذكر أنه ظل يعيش في منطقة غرناطة حتى أصدر ملك أسبانيا أوامره بنفي المسلمين الأندلسيين من غرناطة ومملكتها وتوزيعهم على الأراضي الأسبانية، ويبدو أن هذا قد حدث سنة 1583م، ونتيجة لهذه الأوامر توجه برفقة أسرته إلى مدينة أشبيلية، وفي أشبيلية استهوته حياة البحار والملاحة، واهتم أثناء خدمته في الأسطول الأسباني بالبارود والمدافع اهتمامًا كبيرًا، وصار يلازم رجال المدفعية من الاختصاصيين بالبارود ويحفظ بعض المعلومات وخلاصة المناقشات التي كانت تدور أمامه، وبعد هذا كان يقوم بتطبيق ما حصله على الأسلحة ذاتها، ويستخلص من حديثه أنه كان يُجْري بعض التعديلات ويقوم بتطوير معارفه اعتمادًا على إبداعه وعبقريته الذاتية.
وأثناء خدمته في الأسطول الأسباني كانت محاكم التفتيش الصليبية نشطة جدًّا في ملاحقة الأندلسيين، مما اضطره إلى الهروب من أسبانيا إلى تونس التي قضى فيها مالا يقل عن أربعة عشر عامًا، في خدمة داي تونس ترسخت خلالها معارفه العسكرية.
سبب تأليفه هذا المخطوط:
في نهاية حياته أخذ يقارن بين أوضاع الجيوش الأوروبية والجيوش في بلدان شمال أفريقيا، فساءه تدنِّي مستويات المعارف الحربية والتدريبات والتمسك بالأنظمة، وآلمه جهل جنود الداي وسواهم بفنون المدفعية وأسلحة البارود، فقرر إيجاد علاج لكل ذلك، ولنسمعه يتحدث لنا بقوله: "وفيها (قلعة حلق الوادي) أكملت معرفة آلات المدافع بالاشتغال بيدي فيها، وبالقراءة في كتب الفن بالأعجمية، ولما رأيت الطائفة المسماة بالمدافعيين المرتبين لا معرفة لهم بالعمل، وأنهم لا يعمرون ولا يرون بما يقتضيه العمل عزمت على تصنيف هذا الكتاب؛ لأن كل مدفع له قيمة مال وتعب في إيجاده، ثم يوكل على تسخيره والرمي به من يكسره ويفنيه في الرمية الأولى، أو في الرمية الثانية والموكل عليه الذي يعمره ويرميه قريبًا من الهلاك، فحملني على تصنيفه النصح له، ولمن وكله عليه. نسأل الله أن يقبل النية، إنها أبلغ من العمل،... ونذكر فيه ما يحصل النفع من وجوه، وللمدافعيين القائمين بما وجب عليهم من الحقوق فيما تصدروا إليه وتكلفوا به من خدمة أمراء المسلمين، ويحصل لهم الأجر عند الله سبحانه بتفريج المسلمين بإتقان أعمالهم وتخويف أعدائهم الكافرين".
ويبدو وكما يذكر الدكتور سهيل زكار من سياق حديثه أنه شرع في تصنيف كتابه هذا سنة 1631م، أي منذ 362 سنة خلت، وهو حين صنَّف كتابه هذا كان أول من نعرفه عالميًّا يصنف كتابًا يَقِفُه كله للحديث على المدافع والبارود.
* محتويات الكتاب:
جاء ترتيب الكتاب ترتيبًا أندلسيًّا، وذلك بافتتاحه بثبتٍ فيه محتوياته، وهذه الطريقة المعتمدة الآن في أوروبا والمعتبرة طريقة علمية، تعلمها الأوروبيون من مسلمي الأندلس وعنهم نقلوها، وعقب ثبت المحتويات التي تُدعى عند الأندلسيين باسم "برنامج الكتاب" ساق المؤلف مقدمة الكتاب، وحوت المقدمة حديثًا معرفًا بحياة المؤلف عبر مراحلها حتى تاريخ إنجازه لكتابه، وبعد ما فرغ من التعريف بنفسه أخذ يتحدث عن أهمية الأسلحة النارية وتاريخ استعمالاتها وركز حديثه على البارود والمدفعية، ثم بدأ بعد ذلك بسرد مواد الكتاب بابًا تلو الآخر إلى النهاية، ولقد ساق المصنف مواد كتابه ضمن خمسين بابًا.
* أهم أبواب الكتاب:
جاءت محتويات الباب الأول عامة وهي لها قيمة وثائقية عالية، ففي البداية بَيَّن "أن صناعة الحرب هي من أشرف الصنائع وأعلاها وأحسنها.. إلخ. ومن خلال حديث المؤلف بعد ذلك عن استخدامات المدافع نلاحظ أن المدفع قد حل في بداية استخدامه محل المنجنيق، والبارود قوة قاذفة لكتل كبيرة من الحجارة أو المعادن، وليست هنا مادة مفجِّرة أو خارقة، فالتهديم يتم بفعل الصدمة وليس بغير ذلك. وعلى الرغم من هذا نلاحظ نوعًا من التطوير يجعل الكتلة المقذوفة تقوم بوظيفة مزدوجة تصدم وتحرق، أو تفجر في نفس الوقت.
وفي الباب الثاني نراه يتحدث حديثًا أكثر تخصيصًا وأقل عمومية، فتناول مسألة صنع المدافع البرونزية، ثم أوضح أن مهمة رجل المدفعية الأولى إصابة الأهداف. وأوضح أن أنواع المدافع اثنان وثلاثون نوعًا، وأن على العامل بسلاح المدفعية أن يتقن جميع المسائل بأخذ المقاييس وتقدير مسافات الأهداف وأنواعها، ذلك أن ما تُرْمَى به الأسوار هو غير ما يحتاج إليه ضد السفن أو أبواب القلاع. وختم هذا الباب بالتذكير من جديد بأهمية المدافع وذلك بقوله: "واعلم أن صناعة الحرب البارودية هي الآن أفضل من جميع الأسلحة الموجودة الآن للحروب التي هي يخاف الناس منها أكثر من غيرها". وتحدث في الباب الثالث عن أنواع المدافع وعددها اثنان وثلاثون، وقد وقف المؤلف الأبواب 33،34،35،36،37 على "معرفة البارود" وتركيبه واستخراج مواده الأولية، وفحصه واختبار جودته وإصلاحه بعد فساده وألح على أن "معرفة البارود هي من آكد الأشياء للمدافعي؛ لأنه به يكون العمل.. إلخ".
وتعتبر محتويات البابين "الثامن والثلاثين والتاسع والثلاثين" من أهم وأخطر ما جاء في الكتاب، ففيهما دلالة على تحول نوعي في استخدام قذائف المدفعية بصنع قذائف تنفجر فتُسبِّب القتل والحرق أو للإضاءة في القتال الليلي، وبإبداع أنواع من القذائف تُرمَى بواسطة اليد، وأثناء حديث المؤلف عن جميع هذه الأنواع وتبيان كيفية صنعها وتركيب حشواتها لم يَفُتْه الحديث عن "النيران التي تُرْمَى في أيام الفرح والمواسم التي تصعد في الهواء".
وإذا كان كل ما ذكره المؤلف حتى الآن هو - أصلاً - وسائل للقتال الهجومي، فإننا نجده لا ينسى وسائل الدفاع والتمويه، وهذا ما تحدث عنه في الباب "الحادي والأربعين" والحديث هنا له صفة هندسية طغت على بقية أبواب الكتاب، هذا الكتاب الرائع لا يوجد له نظير في قدمه ومحتواه في أية لغة أخرى، وهو دليل عملي على أن أمتنا كانت سباقة في كل الميادين.
في وسط العالم الإسلامي
لعل أهم دولتين سيطرتا على قلب العالم الإسلامي، وكان لهما الريادة والقيادة في هذه الأمة طيلة قرون طويلة هما دولتا المماليك والعثمانيين، وسنبدأ بدولة المماليك. فقد ذكر القلقشندي في كتابه صبح الأعشى تعريفًا دقيقًا لمكاحل البارود (المدافع) قال فيه: "ومنها مكاحل البارود وهي المدافع التي يرمى عنها بالنفط، وحالها مختلف، فبعضها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تخرق الحجر، وبعضها يرمى عنه ببندق من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصري إلى ما يزيد على مائة رطل. وقد رأيت في الإسكندرية في الدولة الأشرفية – الأشرف شعبان بن حسين – في نيابة الأمير صلاح الدين بن عرام رحمه الله – بها مدفعًا قد صنع من نحاس ورصاص وقيد بأطراف.. إلخ".
وأقدم التواريخ لاستخدام المدافع في دولة المماليك يمدنا به صالح بن يحيى (ت بعد عام 840هـ)، فيقول: إنه حينما حاصر المنافسون للسلطان شهاب الدين أحمد في حصن الكرك، ركب رجال الحامية على أسوار الحصن خمسة مجانيق ومدافع كثيرة.(ii) ويذكر ابن إياس في أحداث سنة 753هـ (1352م) ما نصه "ثم إن الأمير بيبغا نائب قلعة دمشق (وهو نائب دمشق) في عهد الملك الصالح صلاح الدين بن الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون (753هـ – 1352م) حصَّن القلعة تحصينًا عظيمًا وركب عليها المكاحل بالمدافع.
وقد وردت كلمة مدافع في هذين النصين صريحة، ويوجد نص آخر أقدم قليلاً منهما وهو لأحمد بن فضل الله العمري، وكان قد انتهى من تأليفه عام 1340م فيذكر عن مكاحل البارود التي أطلقت البندق أو قذفت النار، ما يلي: "مكاحل البارود أداة من أدوات القتال لا تبالي الهواء إذا أخرجت لهم خفايا سرها.. ترد القلاع منها النار ذات الوقود.."
ومن أقدم النصوص التي وردت بها استخدام مصطلح مكاحل البارود بمدينة القاهرة ما ورد في حوادث ربيع الثاني سنة 768هـ (ديسمبر 1366م)، حيث أطلق الأمير يلبغا الناصري بالقرب من قلعة الجبل على خصومة بمكاحل النفط، وقد أمدنا بهذا النص ابن خلدون، وأكد ابن تغربردي وابن إياس استخدام الجانبين الأسلحة النارية، ومنذ ذلك التاريخ تزايد استخدام هذا السلاح في دولة المماليك.. وظل استخدام هذا السلاح محدودًا حتى عصر السلطان الأشرف قايتباي الذي اهتم بجد بإنشاء قوة لمدفعية الحصون المصرية، وقد صممت قلعتاه بالإسكندرية ورشيد معماريًّا لتوائم استخدام هذا السلاح، وهذا التغيير المعماري هو دلالة على تزايد أهمية وفاعلية المدفعية في الجيش المملوكي، وازداد الاهتمام بهذا السلاح في عصر ابنه السلطان محمد بن قايتباي.. وبمتحف طوب قابو سراي بإستانبول بعض المدافع التي سبكت في مصر، ونقشت عليها أسماء بعض سلاطين المماليك، ومنهم قايتباي والغوري الذي حاول تحديث جيش دولة المماليك، وقد غنمت الدولة العثمانية هذه المدافع بعد فتحها مصر وقد عادت سبك أعداد كبيرة منها.(iii)
يغفل الكثير من المؤرخين الاهتمام بالإنجازات العلمية للدولة العثمانية، والتي اعتمدت على العلم في حروبها ضد أعداء الإسلام، ويعتبر عهد السلطان محمد الفاتح من أكثر العهود العثمانية التي شهدت إنجازات حضارية بارزة، فقد احتضن المخترع المجري أوربان، بعد أن اقتنع الفاتح بما فطر عليه من ذكاء، وأن حديثه عن اختراعه لطريقة جديدة لصنع المدافع لم يكن حديث مشعوذ كما كان يصفه ملوك أوروبا الذين عرض عليهم الفكرة، وأمدَّه الفاتح بكل المعدات والمواد اللازمة لتنفيذ اختراعه، وأحاطه بالعديد من المهندسين الأتراك، حتى تمكن من صنع مدفع ضخم أطلق عليه المدفع السلطاني "نسبة للسلطان الفاتح، ولم يكتف السلطان بذلك الإنجاز، بل عهد إلى عدد من المهندسين بصنع نوعًا جديدًا من القنابل لاستعمالها في المدفع السلطاني، وسجل التاريخ أن العثمانيين كانوا أول من استعمل قنابل تحرق كل ما حولها إذا اصطدمت بجسم صلب، وكانت تلك القنابل تتركب من مزيج من زيت الزيتون والكبريت والملح ومواد أخرى.(iv)
تلك كان لمحة من حضارتنا الإسلامية، ونأمل أن تكون هذه اللمحة قد ألمَّت بهذا الجانب المهمل منها.


منقول اسلام انو لاين
 
تفصيل وعرض ممتع وشيق لبدايات استخدام البارود
واتذكر وجود للمدافع التركية القديمة في استخداماتها التي
اقتصرت على مدافع رمضان والاعياد في المدن العربية
الف شكر لك اخوي الزعيم
 
والله موضوع شيق وجميل ، بارك الله فيكم وازادكم كل فخر واعتزاز ، هيا لنتذكر تاريخ امتنا ، فالسابقون الاولون ابهروا العالم والتاريخ بحضارة المسلمين ونحن الله اعلم بحالنا ، يارب اعنا على طاعتك وحسن عبادتك وصيانت مقدساتنا .
 
موضوع متميز .. يذكرنا بمدفع رمضان الذي كان يفطر عليه الصائمون
 
مشكور جدا اخى على هذا الموضوع ، و لكن اين العرب اليوم و اين المسلمين اليوم المسلمين قديما كانوا قوه لانهم عرفوا دينهم جيدا لذلك وفقهم الله الى الخير و التقدم اما الان ؟؟؟
 
موضوع متميز

ولاكن لدي سؤال هل المنجنيق يصنف كسلاح مفعي؟
 
أي نعم المنجنيق يصنف كسلاح مدفعي...جزاك الله خير أخي العزيز
 
بصراحه المعلومه جديده علي كنت اعتقد ان الصينيون هم اول من صنع المدفع
 
رد: اول مدفع في العالم

شكرا اخي على الموضوع الرائع
 
رد: اول مدفع في العالم

المسلمين هم اول من اخترع المدفع والبندقية والمسدس والبارود الدي يستخدم فيهم ولكن البارود الصيني كان للالعاب النارية فقط وشكرا
 
عودة
أعلى