رد: فتوحات العراق وفارس
فتح قُرْقُسْيَاء وهيت :
طاعون عمواس:
فتح الأهواز
تحدثنا في الدرس السابق عن الجبهات الثلاث التي حشدت جموعها لقتال المسلمين وأتم الله فتح الجبهة الأولى جلولاء على يد هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وتم فتح حلوان على يد القعقاع بن عمرو، والجبهة الثانية تكريت تم فتحها على يد عبد الله بن المعتم ثم فتح نينوى والموصل على يدي ربعي بن الأفكل، والجبهة الثالثة التي لم نتحدث عنها في الدرس السابقة هي جبهة الأبلة.
فتح الأبلة :
وقبل أن نتكلم عن فتح الأبلة نذكر أحداثها منذ أيام القادسية، فبعد انتصار المسلمين في معركة القادسية عزم سيدنا عمر بن الخطاب على إرسال جيش إلى الأبلة ليشغل الفرس عن مساعدة إخوانهم في المدائن، وذلك تيسيرًا لفتح مدينة المدائن على الجيش الإسلامي المتوجه من القادسية، فيرسل سيدنا عمر بن الخطاب جيشًا إلى الأبلة على رأسه عتبة بن غزوان من صحابة النبيولم يكن جيشًا كبيرًا فقد وصل عدده إلى خمسمائة مجاهد كان غرضهم شغل الهرمزان عن هذه المنطقة.
ويرسل سيدنا عمر بن الخطاب برسالة إلى سيدنا عتبة بن غزوان، قال له فيها: "يا عتبة، إن الله قد فتح على إخوانكم الحيرة وما حولها (يقصد منطقة القادسية)، وقتل عظيم من الفرس (يقصد رستم)، ووطئت خيل المسلمين أرض بابل (وذلك بعد انتصار المسلمين في موقعة بابل في اتجاه المسلمين من القادسية إلى المدائن)، ولست آمن أن يمدهم إخوانهم من أهل فارس فإني أريد أن أوجهك إلى الأبلة لتمنع أهل تلك الجيزة (المنطقة) من الأهواز وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانكم, وقاتلهم حتى يفتح الله عليكم, فسر على بركة الله واتق الله ما استطعت واحكم بالعدل وصلِّ الصلاة لوقتها وأكثر ذكر الله"، وهذه وصايا لجيش يذهب ليفتح مدينة من مدن الفرس وإن كانت الوصية في بدايتها وصية عسكرية، لكن الأهم في هذه الوصية هو مفتاح النصر الذي يكرره سيدنا عمر بن الخطاب في وصاياه لكل الأمراء.
ويرسل سيدنا عمر بن الخطاب برسالة إلى سيدنا عتبة بن غزوان، قال له فيها: "يا عتبة، إن الله قد فتح على إخوانكم الحيرة وما حولها (يقصد منطقة القادسية)، وقتل عظيم من الفرس (يقصد رستم)، ووطئت خيل المسلمين أرض بابل (وذلك بعد انتصار المسلمين في موقعة بابل في اتجاه المسلمين من القادسية إلى المدائن)، ولست آمن أن يمدهم إخوانهم من أهل فارس فإني أريد أن أوجهك إلى الأبلة لتمنع أهل تلك الجيزة (المنطقة) من الأهواز وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانكم, وقاتلهم حتى يفتح الله عليكم, فسر على بركة الله واتق الله ما استطعت واحكم بالعدل وصلِّ الصلاة لوقتها وأكثر ذكر الله"، وهذه وصايا لجيش يذهب ليفتح مدينة من مدن الفرس وإن كانت الوصية في بدايتها وصية عسكرية، لكن الأهم في هذه الوصية هو مفتاح النصر الذي يكرره سيدنا عمر بن الخطاب في وصاياه لكل الأمراء.
وكانت هذه من الأهمية بمكان عند المسلمين أن تقام الصلاة على وقتها، فلم يترك المسلمون الصلاة حتى في أشد لحظات القتال، ويقول الرواة: إن المسلمين كانوا يصلُّون إيماءً في معركة جلولاء حتى لا يضيع وقت الصلاة ولأن القتال كان مستمرًا بالليل والنهار, "وإياك أن تنازعك نفسك إلى كِبْرٍ مما يفسد عليك إخوتك، وقد صحبت رسول الله، فعززت به بعد الذلة، وقويت به بعد الضعف، حتى صرت أميرًا مسلطًا وملكًا مطاعًا، تقول فيسمع منك، وتأمر فيطاع أمرك، فيا لها من نعمة إن لم ترفعك فوق قدرك وتبطرك على من دونك، واحتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية، ولهي أخوفهما عندي عليك أن تستدرجك وتخدعك فتسقط سقطة تصير بها إلى نار جهنم، أعيذك بالله ونفسي من ذلك. إن الناس أسرعوا إلى الله حتى رفعت لهم الدنيا فأرادوها، فأرد الله ولا ترد الدنيا، واتق مصارع الظالمين".
وكانت أول وصية وصاها سيدنا عمر بن الخطاب t للجيش الإسلامي وهو متحرك من المدينة إلى القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص كانت تقوم على أمرين أساسين: هما تقوى الله والخوف من المعاصي، فكان سيدنا عمر بن الخطاب يخاف على المسلمين من المعاصي أكثر مما يخاف عليهم من جيش فارس رغم رهبة المسلمين لجيش الفرس.
وبعد هذه الفتوحات التي امتن الله بها على المسلمين وبعد أن دانت أرض فارس للمسلمين وبعد السبي والغنائم والذهب والفضة والأموال أصبح سيدنا عمر يخاف على المسلمين من النعمة أكثر من خوفه عليهم من المعصية، فأعداء الجيش الإسلامي كما يراها سيدنا عمر ثلاثة أعداء: فأخطر عدو النعمة ثم المعصية ثم جيش فارس.
وهذه الوصية وجهها سيدنا عمر بن الخطاب لرجل من صحابة النبي، كان من أتقى الصحابة وأورعهم، وكان بعيدًا كل البعد عن الإمارة، وكان سيدنا عمر بن الخطاب t لا يمتنع عن وصية أحدًا حتى ولو كان من صحابة النبيوكان يقول لسيدنا سعد بن أبي وقاص: "يا سعد لا يغُرَّنَّك أن قِيل: خال رسول اللَّهوصاحبه، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب إلا الطاعة".
وكان لا يخشى أن يقول لسيدنا سعد: اتق الله في جندك رغم ما عليه سعد من تقوى وورع.
ويتوجه إلى الأبلة الجيش الإسلامي بقيادة سيدنا عتبة بن غزوان ويعسكر الجيش الإسلامي قرب الأبلة، وكانت الأبلة قد فتحت في العام الثاني عشر من الهجرة على يد سيدنا خالد بن الوليد وظلت مع المسلمين لمدة عام واحد إلى أن تجهز المسلمون لموقعة القادسية فانسحبت كل الجيوش الإسلامية من كل المناطق الفارسية إلى القادسية وترك الجيش الإسلامي منطقة الأبلة، فكان هذا إذن هو الفتح الثاني للأبلة: فعسكر سيدنا عتبة بن غزوان وانتظر أن يهاجمه الفرس وكان هدفه هو شغل الجيش الفارسي الموجود في الأبلة عن الذهاب إلى المدائن، وذلك قبل فتح المدائن وبعد موقعة القادسية مباشرة، وبعد شهر عسكره سيدنا عتبة من غزوان قُرْبَ الأبلة يخرج إليه حاكم الأبلة في أربعة آلاف مقاتل من الفرس وكان حاكمها قبل ذلك هرمز وقتله سيدنا خالد بن الوليد.
وانتقص قائد الجيش الفارسي بالجيش الإسلامي لقلة عدده وقال: "ما هم إلا ما أرى", وقال لجنده: اجعلوا الحبال في أعناقهم, وَأْتُوا بهم إليَّ، وقبل المعركة أوصى عتبة أصحابه بشدة الحملة على صفوف الفرس, ورغَّبَهم في الجنة وأنها تحت ظلال السيوف، وقاتلهم عتبة بعد الزوال، وكان في خمسمائة، فقتلهم أجمعين ولم يبق إلا صاحب الأبلة فأخذه أسيرًا.
وبعد الانتصار الذي حققه سيدنا عتبة بن غزوان على جيش الأبلة أقام الجيش الإسلامي على حدود الأبلة ولم يدخلها فغرضه شَغْلُ الفرس عن إمداد إخوانهم في المدائن ضد المسلمين.
وعرف سيدنا عتبة بعد الاستطلاع الذي قامت به عيون الجيش الإسلامي أن الأبلة لا يوجد بها سوى خمسمائة مقاتل فارسي, وجيش الفرس موجود في منطقة الأهواز شرقي منطقة الأبلة، فقرر سيدنا عتبة بن غزوان دخول الأبلة، وتوجه إليها وفتحها بعد قتال بسيط وقتل من بها من المقاتلين.
والانتصار الذي حققه الجيش الإسلامي وفتحه لمدينة الأبلة كان انتصارًا عظيمًا رغم قلة عدده وعُدَّته وحصانة مدينة الأبلة وقوة منعتها إلا أن الفرس لم يعيروها انتباهًا شديدًا وذلك لتقدم المسلمين نحو المدائن.
وكانت أول وصية وصاها سيدنا عمر بن الخطاب t للجيش الإسلامي وهو متحرك من المدينة إلى القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص كانت تقوم على أمرين أساسين: هما تقوى الله والخوف من المعاصي، فكان سيدنا عمر بن الخطاب يخاف على المسلمين من المعاصي أكثر مما يخاف عليهم من جيش فارس رغم رهبة المسلمين لجيش الفرس.
وبعد هذه الفتوحات التي امتن الله بها على المسلمين وبعد أن دانت أرض فارس للمسلمين وبعد السبي والغنائم والذهب والفضة والأموال أصبح سيدنا عمر يخاف على المسلمين من النعمة أكثر من خوفه عليهم من المعصية، فأعداء الجيش الإسلامي كما يراها سيدنا عمر ثلاثة أعداء: فأخطر عدو النعمة ثم المعصية ثم جيش فارس.
وهذه الوصية وجهها سيدنا عمر بن الخطاب لرجل من صحابة النبي، كان من أتقى الصحابة وأورعهم، وكان بعيدًا كل البعد عن الإمارة، وكان سيدنا عمر بن الخطاب t لا يمتنع عن وصية أحدًا حتى ولو كان من صحابة النبيوكان يقول لسيدنا سعد بن أبي وقاص: "يا سعد لا يغُرَّنَّك أن قِيل: خال رسول اللَّهوصاحبه، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب إلا الطاعة".
وكان لا يخشى أن يقول لسيدنا سعد: اتق الله في جندك رغم ما عليه سعد من تقوى وورع.
ويتوجه إلى الأبلة الجيش الإسلامي بقيادة سيدنا عتبة بن غزوان ويعسكر الجيش الإسلامي قرب الأبلة، وكانت الأبلة قد فتحت في العام الثاني عشر من الهجرة على يد سيدنا خالد بن الوليد وظلت مع المسلمين لمدة عام واحد إلى أن تجهز المسلمون لموقعة القادسية فانسحبت كل الجيوش الإسلامية من كل المناطق الفارسية إلى القادسية وترك الجيش الإسلامي منطقة الأبلة، فكان هذا إذن هو الفتح الثاني للأبلة: فعسكر سيدنا عتبة بن غزوان وانتظر أن يهاجمه الفرس وكان هدفه هو شغل الجيش الفارسي الموجود في الأبلة عن الذهاب إلى المدائن، وذلك قبل فتح المدائن وبعد موقعة القادسية مباشرة، وبعد شهر عسكره سيدنا عتبة من غزوان قُرْبَ الأبلة يخرج إليه حاكم الأبلة في أربعة آلاف مقاتل من الفرس وكان حاكمها قبل ذلك هرمز وقتله سيدنا خالد بن الوليد.
وانتقص قائد الجيش الفارسي بالجيش الإسلامي لقلة عدده وقال: "ما هم إلا ما أرى", وقال لجنده: اجعلوا الحبال في أعناقهم, وَأْتُوا بهم إليَّ، وقبل المعركة أوصى عتبة أصحابه بشدة الحملة على صفوف الفرس, ورغَّبَهم في الجنة وأنها تحت ظلال السيوف، وقاتلهم عتبة بعد الزوال، وكان في خمسمائة، فقتلهم أجمعين ولم يبق إلا صاحب الأبلة فأخذه أسيرًا.
وبعد الانتصار الذي حققه سيدنا عتبة بن غزوان على جيش الأبلة أقام الجيش الإسلامي على حدود الأبلة ولم يدخلها فغرضه شَغْلُ الفرس عن إمداد إخوانهم في المدائن ضد المسلمين.
وعرف سيدنا عتبة بعد الاستطلاع الذي قامت به عيون الجيش الإسلامي أن الأبلة لا يوجد بها سوى خمسمائة مقاتل فارسي, وجيش الفرس موجود في منطقة الأهواز شرقي منطقة الأبلة، فقرر سيدنا عتبة بن غزوان دخول الأبلة، وتوجه إليها وفتحها بعد قتال بسيط وقتل من بها من المقاتلين.
والانتصار الذي حققه الجيش الإسلامي وفتحه لمدينة الأبلة كان انتصارًا عظيمًا رغم قلة عدده وعُدَّته وحصانة مدينة الأبلة وقوة منعتها إلا أن الفرس لم يعيروها انتباهًا شديدًا وذلك لتقدم المسلمين نحو المدائن.
ويقوم بعد ذلك سيدنا عتبة بن غزوان ليلقي كلمات على أسماع المسلمين ويتوارثها أجيال المسلمين من بعده وتوضع في كتب الجهاد وتكون نبراسًا للمجاهدين، يقول سيدنا عتبة بن غزوان: "إن الدنيا قد تَصَرَّمَتْ ووَلَّتْ حذاء, ولم يبق منها إلا صَبَابة كصبابة الإناء، ألا وإنكم منتقلون منها إلى دار قرار، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، وقد ذُكر لي: لو أن صخرة أُلقيت من شفير جهنم لهوت سبعين خريفًا ولتملأنه؛ أوعجبتم! ولقد ذكر لي: أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عامًا وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظ، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع النبي(وكان ذلك في الحصار الاقتصادي الذي أقامته قريش على المسلمين في شعب أبي طالب) ما لنا طعام إلا ورق السمر حتى تقرحت أشداقنا، والتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد، فما منا -أولئك السبعة- من أحد إلا وهو أمير مِصْرٍ من الأمصار"، فبعد ما أصابهم من قحط وجوع ونقص من الأموال والثمرات وبعد ضيق العيش وقلة النفقة وقصر ذات اليد، فتحت الدنيا على هؤلاء السبعة وعلى المسلمين حتى صاروا أمراء على البلاد وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وكان عتبة قد وصَّى جيشه بالوصية التي وصاه بها عمر بن الخطاب، فكان نعم الرجل الذي اختاره عمر بن الخطاب وكان نعم الرجل عمر بن الخطاب الذي اختار سيدنا عتبة بن غزوان.
وسيطر سيدنا عتبة على المنطقة وبدأت قوات سيدنا عتبة بن غزوان بفتح المنطقة شمالاً وجنوبًا.
فتح الأهواز :وكان عتبة قد وصَّى جيشه بالوصية التي وصاه بها عمر بن الخطاب، فكان نعم الرجل الذي اختاره عمر بن الخطاب وكان نعم الرجل عمر بن الخطاب الذي اختار سيدنا عتبة بن غزوان.
وسيطر سيدنا عتبة على المنطقة وبدأت قوات سيدنا عتبة بن غزوان بفتح المنطقة شمالاً وجنوبًا.
في ذلك الوقت تثور (دست ميسان) فبعث إليهم عتبة بن غزوان فرقة من جيش المسلمين على رأسها مجاشع بن مسعود، وتقع دست ميسان على نهر دجلة أو في شرق شط العرب، وانتصر مجاشع بن مسعود بفرقته على أهل دست ميسان وظفر بهم.
وبدأت القوات القابعة داخل الأهواز وعلى رأسها الهرمزان ترسل بعض الفرق لحرب المسلمين في هذه المنطقة، فكتب سيدنا عتبة إلى سيدنا عمر بن الخطاب يُعْلِمُه بخبر أهل الأهواز وإرسالهم الفرق لقتال المسلمين في الأبلة، فأمر سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا سعد بن أبي وقاص بأن يرسل مددًا إلى سيدنا عتبة بن غزوان، وأخذ سيدنا عتبة بن غزوان يبحث عن مكان ليكون مقرًا له بدلا من الأبلة فإن أرضها طينية وكثيفة الأشجار ولم يتعود العرب على المعيشة في مثل هذا الأرض فانتقل بالجيش تدريجيًا إلى أربعة أماكن في الشمال حتى وصل إلى منطقة عسكرية فيها وبعد ذلك أصبحت منطقة البصرة.
وأرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص مددًا إلى المسلمين في الأبلة فأرسل جيشين على رأس الجيش الأول سيدنا نعيم بن مقرن وأرضاه أحد الأخوة العشرة، وعلى الجيش الآخر سيدنا نعيم بن مسعود وأرضاه وهو من صحابة النبيوألقى الله في قلبه الإسلام في غزوة الأحزاب وجاء إلى النبيوشهد شهادة الحق وقبل منه النبي، ثم قال للنبي: دُلَّني على عمل أعمله فقال له النبي: "إن استطعت أن تُخَذِّل عنا فاخذل", فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديمًا في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم وُدِّى إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم.
قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم. فقال لهم: إن قريشًا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم، يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدًا حتى تناجزوه.
قالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم خرج حتى أتى قريشًا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدًا، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقًّا أن أبلغكموه نصحًا لكم فاكتموا عني.
قالوا: نفعل، قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان، رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم؟ فأرسل إليهم: أن نعم.
فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنًا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحدًا. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني قالوا: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.
فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس من الهجرة، وكان من صنيع الله تعالى لرسولهأن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقال لهم: إنا لسنا بدار مقام، هلك الخُفُّ والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدًا، ونفرغ مما بيننا وبينه.
فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثًا، فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدًا حتى تعطونا رهنًا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا، حتى نناجز محمدًا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا، والرَّجُلُ في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك منه.
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة؛ قالت قريش وغطفان: والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لَحَقٌّ. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحدًا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحقٌّ، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم.
فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا، فأبوا عليهم وخذل الله بينهم، وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم. هذا هو سيدنا نعيم بن مسعود t.
توجه سيدنا نعيم بن مقرن وسيدنا نعيم بن مسعود بجيشيهما من المدائن إلى منطقة تسمى (هويز)، وهي المدينة التي تقدم إليها جيش الهرمزان من داخل مدينة الأهواز إلى منطقة هويز.
ويرسل سيدنا عتبة بن غزوان من البصرة جيشين على رأس أحدهما سيدنا سلمى بن القين وعلى الجيش الآخر سيدنا حرملة بن مريط وكانا من المهاجرين مع رسول الله،، وهما أول من التحق بجيش سيدنا خالد بن الوليد في فتوحات الفرس، ومن قبيلة تميم وكذلك نعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وكلهم من صحابة النبيفنِعْمَ القادة ونِعْمَ الجيش، وتقدمت هذه القوات الأربعة إلى المنطقة التي يعسكر فيها الهرمزان في مدينة الأهواز وقبل وصولهم راسل نعيم بن مسعود ونعيم بن مقرن أبناء العم: غالب الوائلي وكليب بن وائل وهما من قبيلة بني تميم وقد هاجرا إلى منطقة الأهواز وعاشا مع الفرس في الأهواز، فأرسلا إليهما وقالا لهما: إن المسلمين أتوكم بجيوش لا قبل لكم بها؛ فأسلموا تسلموا وخذلوا عنا من استطعتم من الفرس.
وفي هذا الوقت كان الحصار مضروبًا على مدينة جلولاء من جيش المسلمين وقد فرض الجيش الإسلامي الحصار على مدينة تكريت أيضًا، وفي الأهواز الجيش الإسلامي قادم إلى الهرمزان.
وتفكرت القبيلتان في الأمر فوجدتا أنه من الصعب مواجهة القوات الإسلامية في هذه المناطق المتعددة؛ فقبلتا بالإسلام وعملتا على مساعدة المسلمين ضد الفرس.
لما أقرت القبيلتان بالإسلام ووافقتا على نصرة المسلمين ضد الفرس قال لهما سيدنا نعيم بن مسعود: انتظرا حتى نناهد الهرمزان، فيثور غالب الوائلي في مدينة تيري وهي مدينة كبيرة من مدن الأهواز، ويثور كليب بن وائل في مدينة مناذر، وأمرهما سيدنا نعيم ألا يعلنوا إسلامهما إلا بعد عبور الهرمزان إلى هويز فتكون القبيلتان خلف الجيش الفارسي، وبالفعل عبر الهرمزان إلى هويز وتلتقي الجيوش الأربعة من أربع جهات مختلفة مع جيش الهرمزان في معركة من أشد المعارك الإسلامية في هذه المنطقة ودارت المعركة من الصباح إلى قبل الغروب، وعند الظهيرة ثار غالب بن وائل وكليب الوائلي في مدينتي تيري والمناذر فسقطتا وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر ونهر تيرى قد أُخِذا، فكسر ذلك قلب الهرمزان ومن معه وهزمه الله وإياهم، وانسحب إلى شرق نهر كارون عابرًا جسرًا عائمًا ثم قطع الجسر بعد عبوره، وعسكر في المنطقة الشرقية لنهر كارون.
وتوجهت الجيوش الستة: جيش سلمى وحرملة ونعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وغالب وكليب إلى غرب نهر كارون، على الناحية الأخرى من جيش الهرمزان، وكان عددها كبيرًا، فشعر الهرمزان بالهيبة تجاه جيوش المسلمين فرضي بالصلح والجزية يعطيها للمسلمين عن يد وهو صاغر على ما هو عليه من العظمة.
وكان الهرمزان أعطى للنبيعهدًا ألا يحارب المسلمين ثم خان العهد والتقى مع المسلمين في معركة القادسية وكان على ميمنة الجيش الفارسي وكان معه من الأهواز عشرون ألف مقاتل، ولما رأى الهرمزان قوة بأس المسلمين وكثرة عددهم ألقى اللهالرعب في قلبه وخاف من لقاء المسلمين فطلب الصلح للمرة الثانية من المسلمين بعد نقضه للعهد الذي أخذه عليه النبي، فيرسل نعيم بن مسعود إلى عتبة بن غزوان الذي عاد إلى البصرة يستشيره في أمر الصلح مع الهرمزان الذي يطلبه بعد نقضه للصلح الأول؛ فقبل سيدنا عتبة بن غزوان على أن يعقد المسلمون الصلح مع الهرمزان ووافق الهرمزان أن يعطي الجزية للمسلمين عن كل منطقة الأهواز بما فيها مناذر وتيري فرفض نعيم بن مسعود طلب الهرمزان للصلح على شرط الهرمزان وقال له نعيم: أصالحك على الأهواز ما عدا مناذر وتيري فقد سقطتا بحرب إسلامية..
فقبل الهرمزان وصالحه نعيم بن مسعود على شرق نهر كارون، ودفع الهرمزان الجزية عن هذه المناطق وكانت له حاميات في شرق منطقة تيري وفي شرق منطقة مناذر على حدود منطقته وأقام المسلمون حاميات لهم في مدينتي تيري ومناذر،وكان من بنود المعاهدة ألا يدخل المسلمون أرض الأهواز على أن يجمع لهم الهرمزان الجزية عن كل منطقة الأهواز وبقي الوضع على ذلك فترة من الزمن.
في ذلك الوقت كانت جلولاء تحت الحصار ولم تُفتَحْ بَعْدُ وكما ذكرنا من قبل أن حصار جلولاء استمر سبعة أشهر.
معركة سوق الأهواز :وبدأت القوات القابعة داخل الأهواز وعلى رأسها الهرمزان ترسل بعض الفرق لحرب المسلمين في هذه المنطقة، فكتب سيدنا عتبة إلى سيدنا عمر بن الخطاب يُعْلِمُه بخبر أهل الأهواز وإرسالهم الفرق لقتال المسلمين في الأبلة، فأمر سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا سعد بن أبي وقاص بأن يرسل مددًا إلى سيدنا عتبة بن غزوان، وأخذ سيدنا عتبة بن غزوان يبحث عن مكان ليكون مقرًا له بدلا من الأبلة فإن أرضها طينية وكثيفة الأشجار ولم يتعود العرب على المعيشة في مثل هذا الأرض فانتقل بالجيش تدريجيًا إلى أربعة أماكن في الشمال حتى وصل إلى منطقة عسكرية فيها وبعد ذلك أصبحت منطقة البصرة.
وأرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص مددًا إلى المسلمين في الأبلة فأرسل جيشين على رأس الجيش الأول سيدنا نعيم بن مقرن وأرضاه أحد الأخوة العشرة، وعلى الجيش الآخر سيدنا نعيم بن مسعود وأرضاه وهو من صحابة النبيوألقى الله في قلبه الإسلام في غزوة الأحزاب وجاء إلى النبيوشهد شهادة الحق وقبل منه النبي، ثم قال للنبي: دُلَّني على عمل أعمله فقال له النبي: "إن استطعت أن تُخَذِّل عنا فاخذل", فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديمًا في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم وُدِّى إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم.
قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم. فقال لهم: إن قريشًا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم، يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدًا حتى تناجزوه.
قالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم خرج حتى أتى قريشًا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدًا، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقًّا أن أبلغكموه نصحًا لكم فاكتموا عني.
قالوا: نفعل، قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان، رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم؟ فأرسل إليهم: أن نعم.
فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنًا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحدًا. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني قالوا: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.
فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس من الهجرة، وكان من صنيع الله تعالى لرسولهأن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقال لهم: إنا لسنا بدار مقام، هلك الخُفُّ والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدًا، ونفرغ مما بيننا وبينه.
فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثًا، فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدًا حتى تعطونا رهنًا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا، حتى نناجز محمدًا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا، والرَّجُلُ في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك منه.
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة؛ قالت قريش وغطفان: والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لَحَقٌّ. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحدًا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحقٌّ، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم.
فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا، فأبوا عليهم وخذل الله بينهم، وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم. هذا هو سيدنا نعيم بن مسعود t.
توجه سيدنا نعيم بن مقرن وسيدنا نعيم بن مسعود بجيشيهما من المدائن إلى منطقة تسمى (هويز)، وهي المدينة التي تقدم إليها جيش الهرمزان من داخل مدينة الأهواز إلى منطقة هويز.
ويرسل سيدنا عتبة بن غزوان من البصرة جيشين على رأس أحدهما سيدنا سلمى بن القين وعلى الجيش الآخر سيدنا حرملة بن مريط وكانا من المهاجرين مع رسول الله،، وهما أول من التحق بجيش سيدنا خالد بن الوليد في فتوحات الفرس، ومن قبيلة تميم وكذلك نعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وكلهم من صحابة النبيفنِعْمَ القادة ونِعْمَ الجيش، وتقدمت هذه القوات الأربعة إلى المنطقة التي يعسكر فيها الهرمزان في مدينة الأهواز وقبل وصولهم راسل نعيم بن مسعود ونعيم بن مقرن أبناء العم: غالب الوائلي وكليب بن وائل وهما من قبيلة بني تميم وقد هاجرا إلى منطقة الأهواز وعاشا مع الفرس في الأهواز، فأرسلا إليهما وقالا لهما: إن المسلمين أتوكم بجيوش لا قبل لكم بها؛ فأسلموا تسلموا وخذلوا عنا من استطعتم من الفرس.
وفي هذا الوقت كان الحصار مضروبًا على مدينة جلولاء من جيش المسلمين وقد فرض الجيش الإسلامي الحصار على مدينة تكريت أيضًا، وفي الأهواز الجيش الإسلامي قادم إلى الهرمزان.
وتفكرت القبيلتان في الأمر فوجدتا أنه من الصعب مواجهة القوات الإسلامية في هذه المناطق المتعددة؛ فقبلتا بالإسلام وعملتا على مساعدة المسلمين ضد الفرس.
لما أقرت القبيلتان بالإسلام ووافقتا على نصرة المسلمين ضد الفرس قال لهما سيدنا نعيم بن مسعود: انتظرا حتى نناهد الهرمزان، فيثور غالب الوائلي في مدينة تيري وهي مدينة كبيرة من مدن الأهواز، ويثور كليب بن وائل في مدينة مناذر، وأمرهما سيدنا نعيم ألا يعلنوا إسلامهما إلا بعد عبور الهرمزان إلى هويز فتكون القبيلتان خلف الجيش الفارسي، وبالفعل عبر الهرمزان إلى هويز وتلتقي الجيوش الأربعة من أربع جهات مختلفة مع جيش الهرمزان في معركة من أشد المعارك الإسلامية في هذه المنطقة ودارت المعركة من الصباح إلى قبل الغروب، وعند الظهيرة ثار غالب بن وائل وكليب الوائلي في مدينتي تيري والمناذر فسقطتا وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر ونهر تيرى قد أُخِذا، فكسر ذلك قلب الهرمزان ومن معه وهزمه الله وإياهم، وانسحب إلى شرق نهر كارون عابرًا جسرًا عائمًا ثم قطع الجسر بعد عبوره، وعسكر في المنطقة الشرقية لنهر كارون.
وتوجهت الجيوش الستة: جيش سلمى وحرملة ونعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وغالب وكليب إلى غرب نهر كارون، على الناحية الأخرى من جيش الهرمزان، وكان عددها كبيرًا، فشعر الهرمزان بالهيبة تجاه جيوش المسلمين فرضي بالصلح والجزية يعطيها للمسلمين عن يد وهو صاغر على ما هو عليه من العظمة.
وكان الهرمزان أعطى للنبيعهدًا ألا يحارب المسلمين ثم خان العهد والتقى مع المسلمين في معركة القادسية وكان على ميمنة الجيش الفارسي وكان معه من الأهواز عشرون ألف مقاتل، ولما رأى الهرمزان قوة بأس المسلمين وكثرة عددهم ألقى اللهالرعب في قلبه وخاف من لقاء المسلمين فطلب الصلح للمرة الثانية من المسلمين بعد نقضه للعهد الذي أخذه عليه النبي، فيرسل نعيم بن مسعود إلى عتبة بن غزوان الذي عاد إلى البصرة يستشيره في أمر الصلح مع الهرمزان الذي يطلبه بعد نقضه للصلح الأول؛ فقبل سيدنا عتبة بن غزوان على أن يعقد المسلمون الصلح مع الهرمزان ووافق الهرمزان أن يعطي الجزية للمسلمين عن كل منطقة الأهواز بما فيها مناذر وتيري فرفض نعيم بن مسعود طلب الهرمزان للصلح على شرط الهرمزان وقال له نعيم: أصالحك على الأهواز ما عدا مناذر وتيري فقد سقطتا بحرب إسلامية..
فقبل الهرمزان وصالحه نعيم بن مسعود على شرق نهر كارون، ودفع الهرمزان الجزية عن هذه المناطق وكانت له حاميات في شرق منطقة تيري وفي شرق منطقة مناذر على حدود منطقته وأقام المسلمون حاميات لهم في مدينتي تيري ومناذر،وكان من بنود المعاهدة ألا يدخل المسلمون أرض الأهواز على أن يجمع لهم الهرمزان الجزية عن كل منطقة الأهواز وبقي الوضع على ذلك فترة من الزمن.
في ذلك الوقت كانت جلولاء تحت الحصار ولم تُفتَحْ بَعْدُ وكما ذكرنا من قبل أن حصار جلولاء استمر سبعة أشهر.
أَلِفَ الهرمزان الخيانة وسوَّلت له نفسه خيانة المسلمين للمرة الثانية فأغار بقواته على الحاميات المسلمة في تيري ومناذر، ثم أرسل إلى نعيم بن مسعود مُدَّعيًا أن المسلمين غلبوه على أرضه، فخرج سيدنا نعيم بن مسعود بنفسه وكان أميرًا على هذه المنطقة من قِبَل سيدنا عتبة بن غزوان ليحقق بنفسه في الواقعة، وعندما حقق في الأمر علم أن الحق في صف المسلمين، وأن الهرمزان هو الذي اعتدى على حامية المسلمين، فلما قضى سيدنا نعيم بن مسعود للمسلمين غضب الهرمزان ونقض العهد والصلح، واستعان بطائفة من الأكراد، وغرَّته نفسه، وحسَّن له الشيطان عمله ذلك.
واجتمع بقواته شرقي نهر كارون لحرب المسلمين، فأرسل سيدنا عتبة بن غزوان رسالة إلى سيدنا عمر بن الخطاب t يخبره بنقض الهرمزان للعقد، فأمده سيدنا عمر بن الخطاب بحرقوص بن زهير السعدي t وأرضاه أحد صحابة النبيعلى رأس قوة إسلامية من المدينة وقال لسيدنا عتبة: إذا جاءك حرقوص فأَمِّرْه على القتال وعلى الجيوش.
وجمع سيدنا حرقوص بن زهير السعدي الجيوش الإسلامية الموجود في المنطقة وعسكر بها غربي نهر كارون، فراسله سيدنا حرقوص بن زهير فقال له: إما أن تعبر إلينا أو نعبر إليكم. فقال: اعبروا إلينا. فعبروا فوق الجسر، وقد استفاد سيدنا حرقوص من معركة الجسر ودرس خطة العبور إلى الهرمزان ولما تحقق أن العبور لن يضر المسلمين قرر العبور إليه؛ والتقى مع الهرمزان في موقعة (سوق الأهواز) واقتتل المسلمون قتالاً شديدًا يشبه قتال المسلمين في هويز، وأتمَّ الله النصر على المسلمين في آخر ذلك اليوم, وانهزمت القوات الفارسية وفرَّت من أمام المسلمين وعلى رأسها الهرمزان يجُرُّون وراءهم الهزيمة والخذلان.
وكان سيدنا عمر بن الخطاب قد وضع الخطة من المدينة في منتهى الدقة والتفصيل فقد أمر سيدنا حرقوص إن انتصر في المعركة مع الهرمزان بأن يرسل جَزْءَ بنَ مُعَاوية t وأرضاه وهو من صحابة النبيفي تتبع فلول الجيش الفارسي ويبقى هو في سوق الأهواز، فيتتبع سيدنا جزء بن معاوية فلول الجيش الفارسي ويفتح كل المدن التي في طريقه حتى مدينة (سُرَّق) وهي في عمق منطقة الأهواز، وانسحب الهرمزان بجيشه ليعسكر في منطقة (رامهرمز)، فأصبح للفرس جيشان: أحدهما في مدينة سرق وعلى رأسه أحد قواد الهرمزان، والآخر في مدينة رامهرمز وعليه الهرمزان نفسه.
ويبدأ سيدنا جزء بن معاوية بمحاصرة مدينة (سُرَّق) فاستعصت عليه لشدة حصانتها وقوة منعتها فيتركها متوجهًا إلى (رامهرمز) محاصرًا لها بعد وضع حامية على مدينة سرق، ولم يخرج إليه أحد الجيشين ليقاتلوه.
وفي نفس الوقت الذي يحاصر فيه سيدنا جزء بن معاوية رامهرمز ومدينة سرق يأتيهم نبأ سقوط جلولاء في الشمال والتي بها قوة الفرس العظمى وذلك في بداية شهر ذي القعدة وتصل أنباء سقوط جلولاء إلى الهرمزان فيعلن الهرمزان استسلامه وقبوله للصلح مرة أخرى، وهذه المرة الثالثة التي يطلب فيها من المسلمين العهد والصلح فقد صالح النبيعلى ألا يقاتل المسلمين ثم نقض عهده وحارب المسلمين في القادسية، ثم عاهد سيدنا عتبة بن غزوان للمرة الثانية وغرته نفسه فنكث عهده وحارب المسلمين للمرة الثانية في سوق الأهواز، ثم هو في رامهرمز وبعد سقوط جلولاء في الشمال وسقوط سوق الأهواز ثم حصاره في رامهرمز يطلب الصلح من المسلمين للمرة الثالثة على ما بقي له من البلاد، وكان أمرًا في غاية الصعوبة على قواد المسلمين أن يتخذوا فيه قرارًا..
فأرسل سيدنا جزء بن معاوية إلى حرقوص يخبره بطلب الهرمزان للصلح فأرسل حرقوص إلى عتبة بن غزوان فلم يستطع سيدنا عتبة أن يتخذ قرارًا بالصلح مع الهرمزان فبعث إلى سيدنا عمر بن الخطاب في المدينة يخبره بطلب الهرمزان للصلح للمرة الثالثة فيقبل سيدنا عمر بن الخطاب t الصلح من الهرمزان ويرسل إلى حرقوص بقبول الأمر فيرسل إلى جزء بن معاوية ليصالح الهرمزان؛ فيصالحه جزء على كل منطقة شرق رامهرمز وشرق سُرَّق فيدفع الهرمزان عنها الجزية , ويبقى في يد المسلمين كل ما فتحوه لا يأخذون منه الجزية , وبذلك بقي في يد الهرمزان: رامهرمز وتستر وجنديسابور والسُّوس (وكانت عاصمة الأهواز كلها) , يدفع الهرمزان الجزية للمسلمين عن هذه المدن، أي كل ما هو في شرق نهر تيري وشرق مدينة رامهرمز وسرق.
دفاع المسلمين عن الهُرْمُزَان :واجتمع بقواته شرقي نهر كارون لحرب المسلمين، فأرسل سيدنا عتبة بن غزوان رسالة إلى سيدنا عمر بن الخطاب t يخبره بنقض الهرمزان للعقد، فأمده سيدنا عمر بن الخطاب بحرقوص بن زهير السعدي t وأرضاه أحد صحابة النبيعلى رأس قوة إسلامية من المدينة وقال لسيدنا عتبة: إذا جاءك حرقوص فأَمِّرْه على القتال وعلى الجيوش.
وجمع سيدنا حرقوص بن زهير السعدي الجيوش الإسلامية الموجود في المنطقة وعسكر بها غربي نهر كارون، فراسله سيدنا حرقوص بن زهير فقال له: إما أن تعبر إلينا أو نعبر إليكم. فقال: اعبروا إلينا. فعبروا فوق الجسر، وقد استفاد سيدنا حرقوص من معركة الجسر ودرس خطة العبور إلى الهرمزان ولما تحقق أن العبور لن يضر المسلمين قرر العبور إليه؛ والتقى مع الهرمزان في موقعة (سوق الأهواز) واقتتل المسلمون قتالاً شديدًا يشبه قتال المسلمين في هويز، وأتمَّ الله النصر على المسلمين في آخر ذلك اليوم, وانهزمت القوات الفارسية وفرَّت من أمام المسلمين وعلى رأسها الهرمزان يجُرُّون وراءهم الهزيمة والخذلان.
وكان سيدنا عمر بن الخطاب قد وضع الخطة من المدينة في منتهى الدقة والتفصيل فقد أمر سيدنا حرقوص إن انتصر في المعركة مع الهرمزان بأن يرسل جَزْءَ بنَ مُعَاوية t وأرضاه وهو من صحابة النبيفي تتبع فلول الجيش الفارسي ويبقى هو في سوق الأهواز، فيتتبع سيدنا جزء بن معاوية فلول الجيش الفارسي ويفتح كل المدن التي في طريقه حتى مدينة (سُرَّق) وهي في عمق منطقة الأهواز، وانسحب الهرمزان بجيشه ليعسكر في منطقة (رامهرمز)، فأصبح للفرس جيشان: أحدهما في مدينة سرق وعلى رأسه أحد قواد الهرمزان، والآخر في مدينة رامهرمز وعليه الهرمزان نفسه.
ويبدأ سيدنا جزء بن معاوية بمحاصرة مدينة (سُرَّق) فاستعصت عليه لشدة حصانتها وقوة منعتها فيتركها متوجهًا إلى (رامهرمز) محاصرًا لها بعد وضع حامية على مدينة سرق، ولم يخرج إليه أحد الجيشين ليقاتلوه.
وفي نفس الوقت الذي يحاصر فيه سيدنا جزء بن معاوية رامهرمز ومدينة سرق يأتيهم نبأ سقوط جلولاء في الشمال والتي بها قوة الفرس العظمى وذلك في بداية شهر ذي القعدة وتصل أنباء سقوط جلولاء إلى الهرمزان فيعلن الهرمزان استسلامه وقبوله للصلح مرة أخرى، وهذه المرة الثالثة التي يطلب فيها من المسلمين العهد والصلح فقد صالح النبيعلى ألا يقاتل المسلمين ثم نقض عهده وحارب المسلمين في القادسية، ثم عاهد سيدنا عتبة بن غزوان للمرة الثانية وغرته نفسه فنكث عهده وحارب المسلمين للمرة الثانية في سوق الأهواز، ثم هو في رامهرمز وبعد سقوط جلولاء في الشمال وسقوط سوق الأهواز ثم حصاره في رامهرمز يطلب الصلح من المسلمين للمرة الثالثة على ما بقي له من البلاد، وكان أمرًا في غاية الصعوبة على قواد المسلمين أن يتخذوا فيه قرارًا..
فأرسل سيدنا جزء بن معاوية إلى حرقوص يخبره بطلب الهرمزان للصلح فأرسل حرقوص إلى عتبة بن غزوان فلم يستطع سيدنا عتبة أن يتخذ قرارًا بالصلح مع الهرمزان فبعث إلى سيدنا عمر بن الخطاب في المدينة يخبره بطلب الهرمزان للصلح للمرة الثالثة فيقبل سيدنا عمر بن الخطاب t الصلح من الهرمزان ويرسل إلى حرقوص بقبول الأمر فيرسل إلى جزء بن معاوية ليصالح الهرمزان؛ فيصالحه جزء على كل منطقة شرق رامهرمز وشرق سُرَّق فيدفع الهرمزان عنها الجزية , ويبقى في يد المسلمين كل ما فتحوه لا يأخذون منه الجزية , وبذلك بقي في يد الهرمزان: رامهرمز وتستر وجنديسابور والسُّوس (وكانت عاصمة الأهواز كلها) , يدفع الهرمزان الجزية للمسلمين عن هذه المدن، أي كل ما هو في شرق نهر تيري وشرق مدينة رامهرمز وسرق.
كما نعلم فإن الجزية التي أخذها المسلمون من الفرس كانت تساوي نصف ما كان يُفرَض عليهم من ضرائب ليزدجرد، وتُدفَع الجزية عن كل نفس من الفُرْس تستطيع القتال على أن يمنع المسلمون الفرس من أي عدو يهجم عليهم ويدافعوا عنهم في مقابل أخذهم الجزية، وفي المقابل لا يشترك الفُرسُ في القتال في حالة دفعهم الجزية.
وبعد صلح الهرمزان وقبوله بدفع الجزية يحدث حادث غريب مع الفرس، فقد انقضَّ الأكراد على الهرمزان ومن معه، وكانوا قد شجَّعوه من قبل على قتال المسلمين وكانوا معه في معركة سوق الأهواز، وبعد ثورة الأكراد على الهرمزان ومن معه وقتالهم للفرس يُخرج سيدنا عتبة بن غزوان جيشًا من المسلمين للدفاع عن الهرمزان وقتال الأكراد، وينتصر الجيش الإسلامي على الأكراد دفاعًا عن الهرمزان داخل أرضه التي لم يحكمها المسلمون ولم يبسطوا عليها أيديهم.
ورغم صعوبة المعركة وخطورتها على المسلمين إلا أن المسلمين دافعوا عن الهرمزان وعن الجيش الفارسي وذلك لعهدهم مع الفرس, وأخذ الجزية منهم في مقابل الدفاع عنهم.
في هذا الوقت تسقط كل هذه المنطقة من الأهواز وسقطت جلولاء وسقطت تكريت والموصل ونينوى.
وبعد صلح الهرمزان وقبوله بدفع الجزية يحدث حادث غريب مع الفرس، فقد انقضَّ الأكراد على الهرمزان ومن معه، وكانوا قد شجَّعوه من قبل على قتال المسلمين وكانوا معه في معركة سوق الأهواز، وبعد ثورة الأكراد على الهرمزان ومن معه وقتالهم للفرس يُخرج سيدنا عتبة بن غزوان جيشًا من المسلمين للدفاع عن الهرمزان وقتال الأكراد، وينتصر الجيش الإسلامي على الأكراد دفاعًا عن الهرمزان داخل أرضه التي لم يحكمها المسلمون ولم يبسطوا عليها أيديهم.
ورغم صعوبة المعركة وخطورتها على المسلمين إلا أن المسلمين دافعوا عن الهرمزان وعن الجيش الفارسي وذلك لعهدهم مع الفرس, وأخذ الجزية منهم في مقابل الدفاع عنهم.
في هذا الوقت تسقط كل هذه المنطقة من الأهواز وسقطت جلولاء وسقطت تكريت والموصل ونينوى.
فتح قُرْقُسْيَاء وهيت :
ثارت مدينة قُرْقُسْيَاء الواقعة في شمال المدائن في أقصى الشمال على نهر الفرات ومدينة هيت الواقعة في شمال الفرات، وثار بثورتهم أهل الجزيرة وهم ما بين دجلة والفرات، وكان ذلك في الوقت الذي خرجت فيه الجيوش الإسلامية لفتح جلولاء وتكريت والأبلة، فيرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص من المدائن جيشا على رأسه سيدنا عمر بن مالك لفتح هيت وقُرْقُسْيَاء، فيحاصر هيت وتستعصي عليه فيحيط هيت بجيش على رأسه الحارث بن يزيد ويتوجه هو إلى قرقيساء مارًّا بمنطقة الفرات التي فتحها خالد بن الوليد من قبل ويحاصر قُرْقُسْيَاء واستسلم أهلها بسرعة فقد هاجمهم سيدنا عمر بن مالك فجاء وأخذهم على حين غِرَّة، وبعد استسلام قرقسياء توجه سيدنا عمر بن مالك إلى هيت يطلب تسليمهم فرفض أهل هيت التسليم فعرض عليهم أن يتركوا هيت إلى داخل بلادهم ويتركوا هيت للمسلمين على أن يؤمِّنَهُم المسلمون على دمائهم، فوافق أهل هيت على ذلك وكانت هي المنطقة الوحيدة التي حدث فيها الخيار بين المسلمين والفرس على أن يترك الفرس هيت إلى داخل الأراضي الفارسية في مقابل عدم دفعهم للجزية، وعلى أن يؤمنهم المسلمون على دمائهم، وبذلك فتحت مدينة هيت.
وكانت الجيوش الإسلامية في ذلك الوقت مسيطرة على جلولاء وتكريت ونينوى والموصل وقُرْقُسْيَاء وهيت ومنطقة الأبلة في الجنوب في هذا الوقت وبعد فتح كل هذه المنطقة، وبعد كثرة الغنائم التي جُلِبَتْ من الفتوحات خشي سيدنا عمر بن الخطاب على المسلمين من فتنة المال ومن فتنة الدنيا التي فتحت على المسلمين في ذلك الوقت وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب لسيدنا عتبة بن غزوان: "وددتُ لو أن بيني وبين فارس سدًّا من نار لا أغزوهم ولا يغزونني بعد الآن. أَوْقِفوا الانسياح في بلاد فارس".
رغم الانتصارات العظيمة التي حققها المسلمون فهم من نصر إلى نصر ومن فتح إلى فتح آخر، وكان سبب وقف الانسياح أن الدنيا قد فتحت على المسلمين أكثر مما توقع سيدنا عمر بن الخطاب ولم يكن يعرف ردَّ فعل المسلمين تجاه هذه النعمة التي فتحت عليهم فخاف عليهم من فتنة المال التي حذر منها الرسولفي قوله: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"؛ فلهذا أوقف سيدنا عمر بن الخطاب الانسياح في بلاد فارس ليعرف حال المسلمين بعد تقلبهم في الأموال، وبهذا يمكن الرد على المستشرقين ومن سار على دربهم فيما ادعوا من أن غرض المسلمين من الفتح هو الغنائم، وكان سيدنا عمر بن الخطاب يوصي الجيوش الإسلامية بقوله: "أَرِدِ اللهَ ولا تُرِدِ الدنيا واتَّقِ مصارع الظالمين".
وهذا القرار يوضح أن سيدنا عمر بن الخطاب هو والمسلمين لم يبغوا الدنيا أو الغنائم، وكان بإمكان الجيش الإسلامي التوغل في الأراضي الفارسية وبسهولة بعد فتح جلولاء فقد كُسِرَت شوكة الجيش الفارسي في القادسية ثم في المدائن ثم في جلولاء، وانهزم الجيش الفارسي في الأهواز وفي تكريت، وكانت فرصة بالنسبة للمسلمين, لكن سيدنا عمر بن الخطاب أوقف الفتوحات لخوفه على المسلمين من الغنائم ومن الدنيا.
فكان يخاف عليهم من النعمة أكثر من خوفه عليهم من المعصية, وكان يخاف عليهم من المعصية أكثر من خوفه عليهم من الجيش الفارسي.
وكان وقف الفتوحات في ذي القعدة من العام السادس عشر الهجري.
وأَمَّرَ سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا سعد بن أبي وقاص على كل ما فتحه المسلمون، ويضع -وهو في المدينة- خمس حاميات رئيسية على حدود الجيش الإسلامي وعلى حدود المنطقة المسَيْطَر عليها من قِبَلِ المسلمين, ويحدد رؤساء الحاميات من قِبَلِه أيضًا.
الحامية الأولى :وكانت الجيوش الإسلامية في ذلك الوقت مسيطرة على جلولاء وتكريت ونينوى والموصل وقُرْقُسْيَاء وهيت ومنطقة الأبلة في الجنوب في هذا الوقت وبعد فتح كل هذه المنطقة، وبعد كثرة الغنائم التي جُلِبَتْ من الفتوحات خشي سيدنا عمر بن الخطاب على المسلمين من فتنة المال ومن فتنة الدنيا التي فتحت على المسلمين في ذلك الوقت وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب لسيدنا عتبة بن غزوان: "وددتُ لو أن بيني وبين فارس سدًّا من نار لا أغزوهم ولا يغزونني بعد الآن. أَوْقِفوا الانسياح في بلاد فارس".
رغم الانتصارات العظيمة التي حققها المسلمون فهم من نصر إلى نصر ومن فتح إلى فتح آخر، وكان سبب وقف الانسياح أن الدنيا قد فتحت على المسلمين أكثر مما توقع سيدنا عمر بن الخطاب ولم يكن يعرف ردَّ فعل المسلمين تجاه هذه النعمة التي فتحت عليهم فخاف عليهم من فتنة المال التي حذر منها الرسولفي قوله: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"؛ فلهذا أوقف سيدنا عمر بن الخطاب الانسياح في بلاد فارس ليعرف حال المسلمين بعد تقلبهم في الأموال، وبهذا يمكن الرد على المستشرقين ومن سار على دربهم فيما ادعوا من أن غرض المسلمين من الفتح هو الغنائم، وكان سيدنا عمر بن الخطاب يوصي الجيوش الإسلامية بقوله: "أَرِدِ اللهَ ولا تُرِدِ الدنيا واتَّقِ مصارع الظالمين".
وهذا القرار يوضح أن سيدنا عمر بن الخطاب هو والمسلمين لم يبغوا الدنيا أو الغنائم، وكان بإمكان الجيش الإسلامي التوغل في الأراضي الفارسية وبسهولة بعد فتح جلولاء فقد كُسِرَت شوكة الجيش الفارسي في القادسية ثم في المدائن ثم في جلولاء، وانهزم الجيش الفارسي في الأهواز وفي تكريت، وكانت فرصة بالنسبة للمسلمين, لكن سيدنا عمر بن الخطاب أوقف الفتوحات لخوفه على المسلمين من الغنائم ومن الدنيا.
فكان يخاف عليهم من النعمة أكثر من خوفه عليهم من المعصية, وكان يخاف عليهم من المعصية أكثر من خوفه عليهم من الجيش الفارسي.
وكان وقف الفتوحات في ذي القعدة من العام السادس عشر الهجري.
وأَمَّرَ سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا سعد بن أبي وقاص على كل ما فتحه المسلمون، ويضع -وهو في المدينة- خمس حاميات رئيسية على حدود الجيش الإسلامي وعلى حدود المنطقة المسَيْطَر عليها من قِبَلِ المسلمين, ويحدد رؤساء الحاميات من قِبَلِه أيضًا.
وكانت الحامية الأولى في قرقسياء وعلى رأسها: سيدنا عمر بن مالك فاتح المدينة.
الحامية الثانية :
وكانت في الموصل وعلى رأسها: سيدنا عبد الله بن المعتم.
الحامية الثالثة :
وكانت في حلوان وعلى رأسها: القعقاع بن عمرو التميمي.
الحامية الرابعة :
وكانت في (ماسبذان) وعلى رأسها: سيدنا ضرار بن الخطاب، وهو فاتح (ماسبذان), وكان سيدنا سعد بن أبي وقاص قد وجهه إليها إثر ثورة قامت فيها, فما إن وصلها سيدنا ضرار حتى تطاير أهل ماسبذان في الجبال كما يقول الرواة، وسيطر المسلمون عليها, ودعوا أهلها إلى العودة إلى بلادهم على أن يدفعوا الجزية؛ فقبل أهل ماسبذان ذلك وعادوا إلى بلادهم.
الحامية الخامسة :
وكانت في البصرة, وعلى رأسها سيدنا عتبة بن غزوان وأرضاه.
ووقفت الحروب الإسلامية في هذه الفترة.
وعاد المسلمون إلى سيدنا عمر بن الخطاب من بلاد الفرس بوجه آخر فيه من النعمة ما فيه، فقد خرجوا من الجزيرة العربية في حالة تقشف إلى المدائن حيث الأشجار الوارفة والظِّلِّ العظيم.
وأرسل سيدنا حذيفة بن اليمان -وكان من قواد جيش سيدنا سعد بن أبي وقاص في المدائن- إلى سيدنا عمر بن الخطاب برسالة يقول له فيها: إن المسلمين قد أُتْرِفَتْ بطونُهُم, وخفَّت أعضادهم, وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا ترى.
فتح الجزيرة في شمال العراق
يبدو أن الغنائم غيرت في طباع بعض المسلمين، فقد لاحظ سيدنا عمر بن الخطاب تغيرًا في حال الرسل القادمين إليه من المدائن وبلاد الفرس بعد التقشف الذي عهده عليهم، إلى أن أرسل إليه سيدنا حذيفة رسالة يقول له فيها: إن المسلمين قد أترفت بطونهم، وخفت أعضادهم، وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا ترى.
فاتخذ سيدنا عمر بن الخطاب قرارًا يأمر فيه سيدنا سعدًا بالتخلي عن المدائن عاصمةً، وأمره بالبحث عن أرض أخرى صلبة ليست كأرض المدائن، وقال: إن العرب لا يوافقهم إلا ما وافق إبِلَها.
وأمرهم بالبحث عن أرض برية وبحرية (أي تكون على نهرٍ ويكون النهر غربها لكي لا يفصلها عن المدينة)، ولا يفصل بينهم وبين سيدنا عمر جسر ولا بحر.
فبعث سيدنا سعد سيدنا حذيفة وسيدنا سلمان الفارسي يرتادان للمسلمين منزلاً مناسبًا يصلح لإقامتهم، فمرَّا على أرض حصباء في رملة حمراء، وكان العرب يطلقون على الأرض التي صفتها هكذا الكوفة.
وفي أوائل العام السابع عشر الهجري بدأ المسلمون تأسيس المدينة الجديدة، فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللَّبِن بإذن عمر، بشرط أن لا يُسرفوا ولا يجاوزوا الحد، وأن لا يزيد على ثلاث حجرات، وألاّ يتطاولوا في البنيان، وأن يتذكروا الله تعالى، ويتذكروا الجنة والنار, واتخذ المسلمون الكوفة عاصمة لهم، وتحركت القوات الإسلامية الرئيسية من المدائن إلى الكوفة.
وأقام سيدنا سعد بن أبي وقاص اجتماعًا مع قواد الحاميات ليضع الأسس التي تقوم عليها المدينة الجديدة؛ فأتى سيدنا القعقاع بن عمرو من حلوان إلى الكوفة وترك عليها سيدنا قباذ بن عبد الله الفارسي، وهو أول فارسي يستخلفه سيدنا القعقاع على حامية حلوان، وأول من يُولَّى إمارة في بلاد فارس.
واستخلف سيدنا ضرار بن الخطاب على "ماسَبذان" رافع بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا عبد الله بن المعتم على "الموصل" سيدنا مسلم بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا عمر بن مالك على "قَرْقِيسياء" الفارسي عشنق بن عبد الله الفارسي.
أربع حاميات رئيسية عليها أربعة أمراء من الفرس، وفي ذلك بيان أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى, واستقر الوضع في هذه المنطقة على هذا الحال.
فتح الجزيرة
في هذا الوقت وعلى الجبهة الأخرى في بلاد الشام نجد بعض القوات الموجودة في هذه المنطقة شمالي نفوذ المسلمين في منطقة تسمى منطقة الجزيرة (وهي محصورة بين نهري دجلة والفرات في شمال العراق وجنوب تركيا وشرق سوريا)، وهذه المنطقة بها كثير من العرب النصارى اتحدوا مع قيصر الروم في حربه مع القوات الإسلامية في الشام.
وكانت المعركة شديدة جدًّا حتى إن سيدنا أبا عبيدة بن الجراح أرسل إلى سيدنا عمر بن الحطاب يطلب منه المدد، فأرسل سيدنا عمر بن الخطاب رسالة إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص يأمره بإرسال جيش إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، (وقبل ذلك بعام قد حدث عكس ذلك في موقعة القادسية، فقد أتى القعقاع بن عمرو التميمي على رأس جيش كبير لنجدة المسلمين في فارس، وقد فتح الله على المسلمين في ذلك الوقت فتحًا عظيمًا في فارس حتى تملكوا أرض فارس، وأصبحوا من القوة بأن يمدوا الجيش الإسلامي الموجود في الشام).
ويبعث سيدنا سعد بن أبي وقاص في اليوم نفسه الذي وصلت فيه الرسالة بجيش قوامه أربعة آلاف فارس إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، وعلى رأس ذلك الجيش سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي نجدةً لإخوانه، وقد صدق سيدنا أبو بكر لما قال: لا يُهزَمُ جيشٌ فيه القعقاعُ. ويقول: لَصَوْتُ القعقاع في جيش خيرٌ من ألف رجل.
ويخطط سيدنا عمر لانتصار المسلمين في الشام، فيرسل إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص أن يجهز جيوشًا لقتال عرب الجزيرة ليلهيهم عن نُصْرَة هرقل ملك الروم في حربه مع المسلمين، ويحدد سيدنا عمر بن الخطاب قادة القوات الإسلامية الذاهبة إلى حرب عرب الجزيرة من داخل الكوفة، ولما نفَّذ سيدنا سعد أمر أمير المؤمنين وعرف عرب الجزيرة بذلك تركوا حربهم مع جيش هرقل؛ ليعودوا إلى بلادهم ليحموها من هجوم المسلمين المرابطين في فارس، وبتخلي عرب الجزيرة عن هرقل تضعف كفة الروم وينتصر سيدنا أبو عبيدة بن الجراح على الجيش الرومي بعد انسحاب قوات عرب الجزيرة مباشرة، وتم هذا الانتصار قبل وصول سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي إلى الشام.
لكن سيدنا عمر بن الخطاب t يرسل إلى أبي عبيدة t بأن يشرك القعقاع وجيشه في الغنيمة؛ لأنه قادم للقتال مع الجيش الموجود في الشام.
وبعد الانتصار الإسلامي الذي أتمه الله للمسلمين في الشام لم تتوقف القوات الإسلامية القادمة من الكوفة إلى عرب الجزيرة لفتحها، بل إن سيدنا عمر بن الخطاب t أمر سيدنا عياض بن غنم أن يكون على رءوس الجيوش المتقدمة إلى عرب الجزيرة.
وسيدنا عياض بن غنم من أوائل من ذُكِرُوا في حرب فارس، فكان على رأس أحد الجيشين المتوجهين إلى فتح فارس في عهد سيدنا أبي بكر أجمعين؛ فقد وجَّهَ سيدنا خالد بن الوليد لفتح فارس من ناحية الجنوب، ومن ناحية الشمال وجَّه سيدنا عياض بن غنم وهو من صحابة النبي.
يتوجه الجيش الكبير القادم من الكوفة وعلى رأسه سيدنا عياض بن غنم إلى منطقة قَرْقِيسياء في شمال النفوذ الإسلامي، ويمتد النفوذ الإسلامي في ذلك الوقت من قَرْقِيسياء إلى الموصل ونِينوَى فقط، فلم تكن المنطقة التي في الشمال في صف المسلمين في هذه الفترة.
وما إن وصل سيدنا عياض بن غنم إلى قَرْقِيسياء حتى بعث سيدنا سهيل بن عدي إلى مدينة "الرقة" في سوريا، وسيدنا سهيل بن عدي من صحابة النبي وهو من الخزرج من الأنصار، وله من الإخوة اثنان، وقد شاركا في حروب فارس: أحدهما الحارث بن عدي وقد استشهد في معركة الجسر، والأخ الآخر سهل بن عدي وهو من الصحابة، وسيأتي ذكره بعد قليل قي قيادة جيش آخر.
وفي الوقت الذي يتوجه فيه سيدنا سهيل بن عدي لفتح الرقة يتوجه سيدنا عياض بن غنم بقوته الأساسية إلى "حَرَّان" ليفتحها، وكانت من أشد المناطق حصانة في منطقة الجزيرة.
ويتوجه جيش من مدينة الكوفة رأسًا إلى مدينة "نَصِيبين"، وعلى رأس الجيش سيدنا عبد الله بن عتبان من صحابة النبي، ولكن بمجرد وصوله إلى الموصل يدخل تحت إمرة سيدنا عياض بن غنم أيضًا، وتتوجه الجيوش الثلاثة إلى منطقة الجزيرة، فيتوجه سيدنا سهيل بن عدي بجيشه إلى الرقة ويحاصرها، ودام هذا الحصار أيامًا، ثم ينزل أهل الرقة مباشرة على الجزية، ويقبل أهل الرقة دفع الجزية مقابل أن يدافع عنهم المسلمون ويؤمِّنوهم على دمائهم، وسقطت مدينة الرقة بسرعة.
وفي الوقت نفسه توجه سيدنا عبد الله بن عتبان إلى نصيبين، وكانت من أجمل مدن الجزيرة فهي وافرة الظلال والأشجار والمياه العذبة والأنهار، وكان بها حامية قوية، وما إن علمت هذه الحامية بسقوط الرقة حتى استسلمت دون قتال، وقبل أن يحاصرهم سيدنا عبد الله بن عتبان طلبوا منه أن يدفعوا الجزية.
وبعد انتصار المسلمين في الرقة ونصيبين ودفع أهلها الجزية، توجه سيدنا عياض بن غنم إلى حران بقواته الأساسية، وتتوجه قوات سيدنا سهيل بن عدي من الرقة، وقوات سيدنا عبد الله بن عتبان من نصيبين مع سيدنا عياض بن غنم ليدخل حران بقوة كبيرة، وتصل القوات الإسلامية بقيادة سيدنا عياض بن غنم إلى حران، وتبدأ القوات الإسلامية في حصارها ويستمر الحصار شهرًا أو أكثر لتسقط بعد ذلك مدينة حران بعد حصار طويل وبدون قتال، وتقبل حران بدفع الجزية أيضًا.
ثم بعد ذلك توجهت القوات الإسلامية إلى مدينة "الرها" لفتحها، ومن الرها توجهت قوات سيدنا عياض بن غنم إلى مدينة "سُمَيْساط" وتقع في تركيا الآن، وبسقوط سُمَيْساط تسقط كل مدن الجزيرة وصارت تتبع المسلمين في هذه الفترة، ورغم هذه الفتوحات لم يأمر سيدنا عمر بن الخطاب بالانسياح في بلاد فارس فهذه الفتوحات في شمال الجزيرة، وقد منع سيدنا عمر بن الخطاب t التوغل في شرق أرض فارس؛ لأنه يخشى على المسلمين الإكثار من الغنائم والأموال.
وكان فتح الجزيرة من أسهل الفتوح في بلاد فارس، فقد سقطت الجزيرة بدون قتال يُذكر، ويرجع ذلك إلى سقوط شرقي الجزيرة في أيدي المسلمين في حروبهم مع فارس، وسقوط منطقة غرب الجزيرة في حروب المسلمين في الشام مع الجيش الرومي، وأصبحت منطقة الجزيرة محصورة بين القوات الإسلامية الموجودة في فارس والقوات الإسلامية الموجودة في الشام؛ مما كان له الأثر البين والواضح في عزيمة أهل الجزيرة، الذين باتوا يرون أن لا قِبَلَ لأحد بحرب المسلمين، فرضوا بدفع الجزية، كما علموا أيضًا بعهد المسلمين في الدفاع عنهم وتأمينهم على دمائهم إذا دفعوا الجزية، وأن ما يأخذه المسلمون من جزية أقل مما كانت تفرض عليهم من كسرى فارس.
ووقفت الحروب الإسلامية في هذه الفترة.
وعاد المسلمون إلى سيدنا عمر بن الخطاب من بلاد الفرس بوجه آخر فيه من النعمة ما فيه، فقد خرجوا من الجزيرة العربية في حالة تقشف إلى المدائن حيث الأشجار الوارفة والظِّلِّ العظيم.
وأرسل سيدنا حذيفة بن اليمان -وكان من قواد جيش سيدنا سعد بن أبي وقاص في المدائن- إلى سيدنا عمر بن الخطاب برسالة يقول له فيها: إن المسلمين قد أُتْرِفَتْ بطونُهُم, وخفَّت أعضادهم, وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا ترى.
فتح الجزيرة في شمال العراق
يبدو أن الغنائم غيرت في طباع بعض المسلمين، فقد لاحظ سيدنا عمر بن الخطاب تغيرًا في حال الرسل القادمين إليه من المدائن وبلاد الفرس بعد التقشف الذي عهده عليهم، إلى أن أرسل إليه سيدنا حذيفة رسالة يقول له فيها: إن المسلمين قد أترفت بطونهم، وخفت أعضادهم، وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا ترى.
فاتخذ سيدنا عمر بن الخطاب قرارًا يأمر فيه سيدنا سعدًا بالتخلي عن المدائن عاصمةً، وأمره بالبحث عن أرض أخرى صلبة ليست كأرض المدائن، وقال: إن العرب لا يوافقهم إلا ما وافق إبِلَها.
وأمرهم بالبحث عن أرض برية وبحرية (أي تكون على نهرٍ ويكون النهر غربها لكي لا يفصلها عن المدينة)، ولا يفصل بينهم وبين سيدنا عمر جسر ولا بحر.
فبعث سيدنا سعد سيدنا حذيفة وسيدنا سلمان الفارسي يرتادان للمسلمين منزلاً مناسبًا يصلح لإقامتهم، فمرَّا على أرض حصباء في رملة حمراء، وكان العرب يطلقون على الأرض التي صفتها هكذا الكوفة.
وفي أوائل العام السابع عشر الهجري بدأ المسلمون تأسيس المدينة الجديدة، فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللَّبِن بإذن عمر، بشرط أن لا يُسرفوا ولا يجاوزوا الحد، وأن لا يزيد على ثلاث حجرات، وألاّ يتطاولوا في البنيان، وأن يتذكروا الله تعالى، ويتذكروا الجنة والنار, واتخذ المسلمون الكوفة عاصمة لهم، وتحركت القوات الإسلامية الرئيسية من المدائن إلى الكوفة.
وأقام سيدنا سعد بن أبي وقاص اجتماعًا مع قواد الحاميات ليضع الأسس التي تقوم عليها المدينة الجديدة؛ فأتى سيدنا القعقاع بن عمرو من حلوان إلى الكوفة وترك عليها سيدنا قباذ بن عبد الله الفارسي، وهو أول فارسي يستخلفه سيدنا القعقاع على حامية حلوان، وأول من يُولَّى إمارة في بلاد فارس.
واستخلف سيدنا ضرار بن الخطاب على "ماسَبذان" رافع بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا عبد الله بن المعتم على "الموصل" سيدنا مسلم بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا عمر بن مالك على "قَرْقِيسياء" الفارسي عشنق بن عبد الله الفارسي.
أربع حاميات رئيسية عليها أربعة أمراء من الفرس، وفي ذلك بيان أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى, واستقر الوضع في هذه المنطقة على هذا الحال.
فتح الجزيرة
في هذا الوقت وعلى الجبهة الأخرى في بلاد الشام نجد بعض القوات الموجودة في هذه المنطقة شمالي نفوذ المسلمين في منطقة تسمى منطقة الجزيرة (وهي محصورة بين نهري دجلة والفرات في شمال العراق وجنوب تركيا وشرق سوريا)، وهذه المنطقة بها كثير من العرب النصارى اتحدوا مع قيصر الروم في حربه مع القوات الإسلامية في الشام.
وكانت المعركة شديدة جدًّا حتى إن سيدنا أبا عبيدة بن الجراح أرسل إلى سيدنا عمر بن الحطاب يطلب منه المدد، فأرسل سيدنا عمر بن الخطاب رسالة إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص يأمره بإرسال جيش إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، (وقبل ذلك بعام قد حدث عكس ذلك في موقعة القادسية، فقد أتى القعقاع بن عمرو التميمي على رأس جيش كبير لنجدة المسلمين في فارس، وقد فتح الله على المسلمين في ذلك الوقت فتحًا عظيمًا في فارس حتى تملكوا أرض فارس، وأصبحوا من القوة بأن يمدوا الجيش الإسلامي الموجود في الشام).
ويبعث سيدنا سعد بن أبي وقاص في اليوم نفسه الذي وصلت فيه الرسالة بجيش قوامه أربعة آلاف فارس إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، وعلى رأس ذلك الجيش سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي نجدةً لإخوانه، وقد صدق سيدنا أبو بكر لما قال: لا يُهزَمُ جيشٌ فيه القعقاعُ. ويقول: لَصَوْتُ القعقاع في جيش خيرٌ من ألف رجل.
ويخطط سيدنا عمر لانتصار المسلمين في الشام، فيرسل إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص أن يجهز جيوشًا لقتال عرب الجزيرة ليلهيهم عن نُصْرَة هرقل ملك الروم في حربه مع المسلمين، ويحدد سيدنا عمر بن الخطاب قادة القوات الإسلامية الذاهبة إلى حرب عرب الجزيرة من داخل الكوفة، ولما نفَّذ سيدنا سعد أمر أمير المؤمنين وعرف عرب الجزيرة بذلك تركوا حربهم مع جيش هرقل؛ ليعودوا إلى بلادهم ليحموها من هجوم المسلمين المرابطين في فارس، وبتخلي عرب الجزيرة عن هرقل تضعف كفة الروم وينتصر سيدنا أبو عبيدة بن الجراح على الجيش الرومي بعد انسحاب قوات عرب الجزيرة مباشرة، وتم هذا الانتصار قبل وصول سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي إلى الشام.
لكن سيدنا عمر بن الخطاب t يرسل إلى أبي عبيدة t بأن يشرك القعقاع وجيشه في الغنيمة؛ لأنه قادم للقتال مع الجيش الموجود في الشام.
وبعد الانتصار الإسلامي الذي أتمه الله للمسلمين في الشام لم تتوقف القوات الإسلامية القادمة من الكوفة إلى عرب الجزيرة لفتحها، بل إن سيدنا عمر بن الخطاب t أمر سيدنا عياض بن غنم أن يكون على رءوس الجيوش المتقدمة إلى عرب الجزيرة.
وسيدنا عياض بن غنم من أوائل من ذُكِرُوا في حرب فارس، فكان على رأس أحد الجيشين المتوجهين إلى فتح فارس في عهد سيدنا أبي بكر أجمعين؛ فقد وجَّهَ سيدنا خالد بن الوليد لفتح فارس من ناحية الجنوب، ومن ناحية الشمال وجَّه سيدنا عياض بن غنم وهو من صحابة النبي.
يتوجه الجيش الكبير القادم من الكوفة وعلى رأسه سيدنا عياض بن غنم إلى منطقة قَرْقِيسياء في شمال النفوذ الإسلامي، ويمتد النفوذ الإسلامي في ذلك الوقت من قَرْقِيسياء إلى الموصل ونِينوَى فقط، فلم تكن المنطقة التي في الشمال في صف المسلمين في هذه الفترة.
وما إن وصل سيدنا عياض بن غنم إلى قَرْقِيسياء حتى بعث سيدنا سهيل بن عدي إلى مدينة "الرقة" في سوريا، وسيدنا سهيل بن عدي من صحابة النبي وهو من الخزرج من الأنصار، وله من الإخوة اثنان، وقد شاركا في حروب فارس: أحدهما الحارث بن عدي وقد استشهد في معركة الجسر، والأخ الآخر سهل بن عدي وهو من الصحابة، وسيأتي ذكره بعد قليل قي قيادة جيش آخر.
وفي الوقت الذي يتوجه فيه سيدنا سهيل بن عدي لفتح الرقة يتوجه سيدنا عياض بن غنم بقوته الأساسية إلى "حَرَّان" ليفتحها، وكانت من أشد المناطق حصانة في منطقة الجزيرة.
ويتوجه جيش من مدينة الكوفة رأسًا إلى مدينة "نَصِيبين"، وعلى رأس الجيش سيدنا عبد الله بن عتبان من صحابة النبي، ولكن بمجرد وصوله إلى الموصل يدخل تحت إمرة سيدنا عياض بن غنم أيضًا، وتتوجه الجيوش الثلاثة إلى منطقة الجزيرة، فيتوجه سيدنا سهيل بن عدي بجيشه إلى الرقة ويحاصرها، ودام هذا الحصار أيامًا، ثم ينزل أهل الرقة مباشرة على الجزية، ويقبل أهل الرقة دفع الجزية مقابل أن يدافع عنهم المسلمون ويؤمِّنوهم على دمائهم، وسقطت مدينة الرقة بسرعة.
وفي الوقت نفسه توجه سيدنا عبد الله بن عتبان إلى نصيبين، وكانت من أجمل مدن الجزيرة فهي وافرة الظلال والأشجار والمياه العذبة والأنهار، وكان بها حامية قوية، وما إن علمت هذه الحامية بسقوط الرقة حتى استسلمت دون قتال، وقبل أن يحاصرهم سيدنا عبد الله بن عتبان طلبوا منه أن يدفعوا الجزية.
وبعد انتصار المسلمين في الرقة ونصيبين ودفع أهلها الجزية، توجه سيدنا عياض بن غنم إلى حران بقواته الأساسية، وتتوجه قوات سيدنا سهيل بن عدي من الرقة، وقوات سيدنا عبد الله بن عتبان من نصيبين مع سيدنا عياض بن غنم ليدخل حران بقوة كبيرة، وتصل القوات الإسلامية بقيادة سيدنا عياض بن غنم إلى حران، وتبدأ القوات الإسلامية في حصارها ويستمر الحصار شهرًا أو أكثر لتسقط بعد ذلك مدينة حران بعد حصار طويل وبدون قتال، وتقبل حران بدفع الجزية أيضًا.
ثم بعد ذلك توجهت القوات الإسلامية إلى مدينة "الرها" لفتحها، ومن الرها توجهت قوات سيدنا عياض بن غنم إلى مدينة "سُمَيْساط" وتقع في تركيا الآن، وبسقوط سُمَيْساط تسقط كل مدن الجزيرة وصارت تتبع المسلمين في هذه الفترة، ورغم هذه الفتوحات لم يأمر سيدنا عمر بن الخطاب بالانسياح في بلاد فارس فهذه الفتوحات في شمال الجزيرة، وقد منع سيدنا عمر بن الخطاب t التوغل في شرق أرض فارس؛ لأنه يخشى على المسلمين الإكثار من الغنائم والأموال.
وكان فتح الجزيرة من أسهل الفتوح في بلاد فارس، فقد سقطت الجزيرة بدون قتال يُذكر، ويرجع ذلك إلى سقوط شرقي الجزيرة في أيدي المسلمين في حروبهم مع فارس، وسقوط منطقة غرب الجزيرة في حروب المسلمين في الشام مع الجيش الرومي، وأصبحت منطقة الجزيرة محصورة بين القوات الإسلامية الموجودة في فارس والقوات الإسلامية الموجودة في الشام؛ مما كان له الأثر البين والواضح في عزيمة أهل الجزيرة، الذين باتوا يرون أن لا قِبَلَ لأحد بحرب المسلمين، فرضوا بدفع الجزية، كما علموا أيضًا بعهد المسلمين في الدفاع عنهم وتأمينهم على دمائهم إذا دفعوا الجزية، وأن ما يأخذه المسلمون من جزية أقل مما كانت تفرض عليهم من كسرى فارس.
طاعون عمواس:
استسلمت الجزيرة للمسلمين بدون قتال يذكر، وقبل أهلها بدفع الجزية للمسلمين في مقابل الدفاع عنهم، وتم ذلك السقوط في العام السابع عشر الهجري، وفي هذا العام انتشر الطاعون والوباء بين المسلمين، والعرب تطلق كلمة الطاعون على أي وباء أو مرض، وكان منبع الوباء في الشام في قرية تسمى "عِمْوَاس" وهلك في هذا الطاعون الكثير من المسلمين، ومنهم سيدنا أبو عبيدة بن الجراح أمير المسلمين في الشام ، كما مات سيدنا معاذ بن جبل ، ومات كثير من أبناء سيدنا خالد بن الوليد، وكثير من أشراف الصحابة والناس حتى تخوفت قلوب المسلمين من طمع أعدائهم فيهم؛ من كثرة من مات من المسلمين في العام السابع عشر من الهجرة من طاعون عِمْوَاس.