حرمة دماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم

الجبل ياساريه

عضو مميز
إنضم
30 أكتوبر 2010
المشاركات
4,671
التفاعل
10,909 0 0
اعداد المستشار / احمد السيد على
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد
فقد فوجئ العالم بأسره بوقوع اعتداء غاشم على كنيسة القديسيْن بالإسكندرية، والذي راح ضحيته عدد كبير من النصارى والمسلمين، وتدمير للممتلكات، وترويع للآمنين، وما تبعه من حملة شرسة من الغرب على الإسلام والمسلمين بدعوى حماية الأقليات غير المسلمة بالشرق الأوسط، وما علم هؤلاء أن الإسلام قد كفل لغير المسلمين حماية دمائهم وأعراضهم وأموالهم؛ وهو ما سنتعرض له في هذه المقالة
الوقفة الأولى تعريف غير المسلمين وأقسامهم
غير المسلمين هم كل من لا يدين بدين الإسلام، سواء كان من أهل الكتاب كل من يدين بكتاب سماوي نزل قبل القرآن الكريم ، أم من غيرهم
أقسامهم
ينقسم غير المسلمين إلى
أهل الذمة

هم المواطنون غير المسلمين الذين يحملون جنسية الدولة الإسلامية، وسموا كذلك نسبة إلى الذمة، أي العهد من الإمام أو ممن ينوب عنه بالأمن على أنفسهم وأموالهم
المستأمنين

هم الحربيون الذين دخلوا دار الإسلام بأمان، دون نية الاستيطان والإقامة فيها بصفة مستمرة، بل لمدة محددة، وقيل هم الذين يقيمون بين المسلمين بعقد أمان إقامة غير دائمة
المهادنين

هم الحربيون الذين عقد لهم الإمام أو نائبه عقدًا على ترك القتال مدة معلومة بقدر الحاجة، وإن طالت، وتسمى مهادنة أو موادعة أو معاهدة
الحربيين
هم الذين ليس بيننا وبينهم عهد ولا عقد ذمة ودار الحرب هي الدار التي تبدلت علاقتها السلمية بدار الإسلام؛ بسبب اعتداء أهلها على المسلمين سواء على بلادهم، أو على دعوتهم
الوقفة الثانية أحكام التعامل مع غير المسلمين
التعامل مع غير المسلمين قد يكون في ديار الإسلام، وقد يكون خارج ديار الإسلام
التعامل مع غير المسلمين في ديار الإسلام
يكون التعامل مع الذميين والمستأمنين داخل ديار الإسلام، فالذمي هو الذي يقيم في ديار الإسلام والمستأمن هو الذي يدخل إلى ديار الإسلام بعقد أمان، وينعقد الأمان له بالعبارة الصريحة والإشارة والكتابة، وينعقد في الحال كقوله «أنت آمن» أو «أمنتك»، ويصح معلقًا بشرط كقوله «من فعل كذا؛ فهو آمن»؛ لقوله عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن» مسلم
فإذا عُقد الأمان له؛ فيجب الوفاء به؛ لقوله تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ التوبة ، ولقوله «ذمة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم» متفق عليه
وقوله لأم هانئ لما أجارت أحد الكفار، قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ متفق عليه ولإجازته أمان ابنته زينب لزوجها أبي العاص مستدرك الحاكم
ما يجب لهم وما يتمتعون به
أولاً ما يجب لهم عدم الاعتداء عليهم

حرم الإسلام الاعتداء على الذميين والمستأمنين، ولم يفرّق بينهم وبين المسلمين في حرمة الاعتداء عليهم، فقال تعالى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا المائدة ، وقال وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ الفرقان ، فكلمتا «نفسًا» و«النفس» عامتان تشملان المسلم وغير المسلم
ب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي قال «من قتل نفسًا معاهدًا لم يَرحْ رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا» البخاري
د عن عمرو بن الحَمَق رضي الله عنه عن النبي قال «من أمن رجلاً على دمه فقتله؛ فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا» أخرجه البخاري في تاريخه، والبيهقي في السنن الصغرى وحسنه الألباني وفي رواية «من أمن رجلاً على دمه فقتله؛ فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة» ابن ماجه وصححه الألباني
عدم الاعتداء على أعراضهم
حرم الله عز وجل الزنا سواء تم بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم، فقال تعالى وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً الإسراء ، وقال تعالى وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا الفرقان ، فيحرم على المسلم الزنا بالمسلمة وبغير المسلمة، ويحرم عليه التعرض والاعتداء على أعراض غير المسلمين
عدم الاعتداء على أموالهم
حرم الله على المسلمين الاعتداء على أموال غيرهم، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، فقال تعالى وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ الأعراف ، وقال وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ المطففين ، فكلمة الناس عامة تشمل المسلمين وغيرهم
ثانيًا ما يتمتعون به حرية الاعتقاد

فالشريعة الإسلامية تحظر إكراه غير المسلمين على ترك دينهم واعتناق الإسلام، قال الله تعالى لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ البقر ، وقال أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ يونس ، وقال لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ الغاشية
حقوقهم في الأحوال الشخصية

فيُقرُّون على ما يعتقدون حِله وجوازه في دينهم، فلا يجوز التعرض لهم، وذلك مرهون بعدم التحاكم إلى المسلمين، فإن تحاكموا إلينا؛ حكمنا بما يقرّه الإسلام، قال الله تعالى فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ المائدة ، وقال وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ المائدة
مشروعية التعامل المالي

فيجوز التعامل معهم بيعًا وشراء، وسائر التعاملات المالية التي تجوز مع المسلمين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي رهن درعًا بالمدينة عند يهودي، وأخذ منه شعيرًا لأهله متفق عليه
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال كنا مع النبي ثم جاء رجل مشرك بغنم يسوقها، فقال النبي بيعًا أو عطية أو قال هبة؟ فقال لا، بل بيعٌ، فاشترى منه شاة البخاري
التعامل مع غير المسلمين الذين لا يعيش،ن في بلاد المسلمين
وهذا يكون مع المعاهدين والحربيين
أما المعاهدون فيجب الوفاء بعهدهم، قال الله تعالى وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا الأنفال ، وعن المسور بن مخرمة أن النبي صالح أهل مكة عام الحديبية على وضع القتال عشر سنين متفق عليه
فإذا تم عقد الهدنة؛ وجب على المسلمين الكفّ عن القتال، وعدم التعرض لهم أو لأموالهم أو نسائهم، ويدخل في أهل الهدنة في الحرمة من دخل دارهم بأمان من غيرهم، وينتهي عقد الهدنة بانتهاء مدته المحدودة، أو بمخالفة شروط الهدنة، قال تعالى فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ التوبة ، وقال تعالى وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ التوبة يراجع المغني لابن قدامة، والمجموع شرح المهذب للنووي
وأما الحربيون الذين يحاربون الإسلام وأهله؛ فلا حرمة لهم، وإنما يحرم قتل
النساء والصبيان عن نافع أن عبد الله أخبره أن امرأة وُجدت في بعض مغازي النبي مقتولة، فأنكر رسول الله قتل النساء والصبيان متفق عليه وفي رواية فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان
الرهبان وأهل الصوامع، والشيخ الفاني والمعتوه والأعمى والزمن المريض بمرض مزمن
فعن يحيى بن سعيد رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيوشًا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، ثم قال «ستجد قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله؛ فذرهم، وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قومًا فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وإني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة، ولا صبيًا، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلاً، ولا تفرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن» مالك في الموطأ
الوقفة الثالثة ماذا يجب على الطرفين إزاء ما حدث؟
يجب على المسلمين والنصارى التعامل بحكمة مع ما وقع من أحداث؛ وذلك لتفويت الفرصة على المتربصين بمصر، والذين يريدون إشعال نار الفتنة بين المسلمين والنصارى؛ حتى تشتعل الحرب بين الفريقين، ويكون ذلك سببًا للتدخل الأجنبي في شئون بلدنا الحبيب، ولاسيما وقد صرح أحد قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ممتدحًا ما فعله جهازه الأمني إبان رئاسته من إشعال نار الفتنة الطائفية بين عنصري الأمة في مصر والله الموفق
 
عودة
أعلى