جذور الصراع بين المسلمين والهندوس في شبه الجزيرة الهندية
متى دخل الإسلام الهند ؟
تتكون شبه الجزيرة الهندية الآن من عدة دول هي الهند وباكستان وبنجلاديش ونيبال وبوتان وسريلانكا والمالديف ,وقد وصل الإسلام لتلك البلاد مبكراً في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن طريق التجارة والدعاة , وظل الأمر هكذا حتى جاءت عهد الدولة الأموية والتي كانت رغم كثرة الخارجين عليها معنية بأمر الجهاد ,حيث نصبت سوقه في المشرق والمغرب ,وكانت بلاد السند [جزء من باكستان الآن] هي مسرح أو صدام بين المسلمين بقيادة القائد الفذ محمد بن القاسم والهندوس بقيادة ملكهم داهر ,حيث دار قتال عنيف جداً عند مدينة ' الديبل' انتصر فيها المسلمون على الهندوس ملكهم داهر وواصل ابن القاسم فتحه حتى فتح بلاد السند كلها ,وكان كلما دخل مدينة حطم أصنامها ومعابدها وأظهر شعائر الإسلام ,ودخل كثير من أهل السند في الإسلام ,ولكن مسيرة الفتوحات توقفت بعد وفاة الحجاج الثقفي وعزل محمد بن القاسم الذي راح ضحية تصفية حسابات شخصية بين الحجاج 'وابن عمه' وخصومه ,حيث انتهت حياة هذا القائد العظيم الذي أدخل أول قدم للإسلام في الهند في سجن بمدينة واسط أيام سليمان بن عبد الملك , هذا رغم أن الله عز وجل قال في محكم التنزيل 'ولا تذر وازرة وزر أخرى' وبموت ابن القاسم انتفض ملوك الهند وعادوا إلى عروشهم ,ولكن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز استطاع إقناعهم بالعودة للإسلام على أن يبقى كل ملك على ملكه , فعادوا مرة أخرى للإسلام , وتسموا بأسماء العرب .
وبهذا أصبحت بلاد السند بلاد إسلام ,واستمر الحال كما هو عليه في الدولة الأموية , وفي عهد الدولة العباسية تمكن القائد هشام بن عمرو التغلبي وإلى السند من فتح الملتان وكشمير ,ولكن بضعف الدولة العباسية وتفكك أجزائها ظهر المتغلبون على أطراف الخلافة , واستقل كل متغلب على إمارة , فانقسمت بلاد السند إلى عدة إمارات ,منها إمارة المنصورة 'وهي مدينة جديدة بناها المسلمون أيام ابن القاسم' وإمارة الملتان, وإمارة الباطنية الإسماعيلية ,وانتشر بتلك الإمارات العقائد المنحرفة والثقافات الفارسية والوثنيات الهندية , وأصبحت مأوى لفرقة القرامطة المنحرفة لذلك , فلقد أصبحت تلك الإمارات خطراً يتهدد المسلمين جميعاً .
المرحلة الثانية : 'الدولة الغزنوية'
لما ضعفت الدولة العباسية ظهر في أطرافها عدة دول شبه مستقلة عن الخلافة تدين بالولاء للخليفة العباسي ظاهراً فقط , ولكن السلطة الفعلية في يد أمراء هذه الدول , ومن هذه الدول كانت الدولة الغزنوية أو السبكتكيتية ,والتي قد تكون المرة الأولى التي يسمع فيها الكثير عن هذه الدولة التي كان لقائدها العظيم محمود بن سبكتكين الفضل الأكبر في دخول الإسلام بقوة إلى الهند , وأيضاً سبب العداء الشديد والحقد الأعمـى في قلوب الهندوس ضد المسلمين , وقام السلطان محمود هذا بأعمال عظيمة منها :-
1- قام السلطان محمود أولاً بترتيب الجبهة الداخلية للمسلمين بالقضاء على المفسدين والمنحرفين وجيوب الفكر الباطني داخل البلاد ، فقضى على الشيعة البويهيين في جنوب أفغانستان ,وكانوا من أهم أسباب ضعف الكيان الإسلامي العام حتى إن بعضهم قد فكر في إعادة حكم المجوس وعصر الساسانيين .
2- عمل السلطان محمود على نشر الإسلام في بلاد السند والأفغان بصورته الصحيحة ذلك لجهل أهل تلك البلاد بالإسلام الصحيح ، وأزال كل العقائد والأفكار المخالفة لأهل السنة والجماعة ، فقضى على كل أثر للتشيع والاعتزال والقرامطة والجهمية والأشعرية ,وخطب على منابره للخليفة العباسي القادر بالله , وقتل كبير دعاة الفاطميين , والذي جاء لنشر المذهب العبيدي الفاطمي ببلاده , وطرد شعراء الخليفة العبيدي المستنصر وأحرق هداياه .
3- بعد أن رتب محمود البيت الداخلي وتأكد من سلامة الصف المسلم وجه كل قواته لفتح بلاد الهند ، وذلك ابتداء من سنة 392هـ حتى سنة 418هـ أي أكثر من خمس وعشرين سنة متصلة يجاهد أمراء الهند الكفرة , وكان أول صدام له مع الملك جيبال أكبر ملوك الهند سنة 390هـ فانتصر محمود انتصاراً هائلاً ، ووقع جيبال نفسه في أسره فأطلقه محمود فانتحر جيبال بإحراق نفسه في النار , وفتح محمود إقليم البنجاب , وقضى فيه على جماعات من القرامطة يقودهم زنديق اسمه 'أبو الفتوح داود' ونشر الإسلام الصحيح في كل نواحي السند حتى البنجاب .
وكان انتصار محمود على جيبال قد أحدث دوياً هائلاً في الهند كلها ، وجعل أمراء شمال الهند الملقبين بالراجبوت يكونون تحالفاً مقدساً فيما بينهم للقضاء على المسلمين , وانتهز هذا التحالف الهندوسي غياب محمود الغزنوي , وأعادوا احتلال عدة بلاد فتحها محمود فأسرع إليهم محمود بجيش كثيف وسحق جيش الهند المتحد , وذلك سنة 398هـ , ثم أكمل فتح بلاد كشمير ودخل أهلها في دين الله أفواجاً , وواصل محمود الغزنوي فتحه لبلاد الهند وكل مدينة يفتحها يحطم أصنامها ويهدم معابدها حتى هدم عشرة آلاف معبد هندوسي , وأزال سلطان طبقة البراهمة مما زاد من حقدهم عليه وعلى المسلمين عموماً .
أما السبب الحقيقي وراء الكره الشديد للمسلمين من قبل الهندوس وخاصة في غرب الهند فهو ما قام به السلطان محمود في ذي القعدة سنة 416هـ عندما دمر الوثن الأكبر للهندوس والمسمى 'سومنات' في إقليم الكوجرات , وذلك أن الهندوس كانوا كلما فتح محمود مدينة وحطم وثنها قالوا إن 'الإله بزعمهم سومنات غير راض عن هذه المدينة , ولذلك تخلى عن نصرتهم ضد المسلمين , فعندما علم محمود بذلك صمم على فتح هذا الإقليم , وهدم هذا الوثن ليثبت لهم أن الله عز وجل هو الإله الحق , وخاض محمود ومن معه من المجاهدين الأبطال الكثير من المغاوز والصعاب حتى وصل لهذا الإقليم النائي فوجد أن الهندوس قد تقاطروا بأعداد غفيرة لنصرة وثنهم الأكبر ,وكانوا أضعاف أضعاف المسلمين , ودارت رحى حرب هائلة لم يسمع بمثلها من قبل حتى إن الهندوسي من هؤلاء يدخل فيعتنق الصنم , ثم يخرج للقتال فيقتل , حتى قتل منهم خمسون ألفاً , واقتحم المسلمون المعبد وتوسل كهنة الهندوس لمحمود حتى لا يحطم الصنم , وعرضوا عليه كنوزاً من الذهب والجوهر هائلة ولكنه رفض ذلك , وأصر على هدم الصنم , وبالفعل حطمه , ونقل أحجاره إلى مدينة غزنة حيث بنى بها مسجداً لله عز وجل .
وواصل محمود فتوجه في الهند حتى قيل إن فتوحاته تعدل في المساحة فتوحات الفاروق عمر , وأخذ على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها , وبلغ في فتوجه إلى حيث لم تبلغه في الإسلام رايه , ولم تتل به قط سورة ولا آية كما قال ابن كثير , ثم مات رحمه الله سنة 421هـ وتعتبر دولته الغزنوية من أكبر الدول في تاريخ الإسلام نظراً لما وفقت إليه من توسيع رقعة الإسلام في شمال الهند وغربه وكمشير .
المرحلة الثالثة : الدولة الغورية :
وهي الدولة التي ورثت الدولة الغزنوية التي دب فيها الضعف , وتنازع أمراؤها وأصبح بأسهم بينهم شديد , فأخذتها سنن الله عز وجل , وعملت فيهم سنة الاستبدال , وكان أمراء الهند قد رفعوا رؤوسهم مرة أخرى بعد ضعف الغزنوية فخالها القرامطة الملاحدة وسهلوا لهم الاستيلاء على مدينة 'الملتان' وعظم شرهم فقيض الله عز وجل آخراً من أعظم أبطال المسلمين هو شهاب الدين الغوري , وكان حاكم الغور الممتد بين غزنة وهراة في أفغانستان الحالية ، وأصل كلمة الغوري ، وكان حاكم الغر الممتد بين غزنة وهراة في الأرض كما أن كلمة النجد تعني ما ارتفع من الأرض , فقام شهاب الدين الغوري , وأعاد ما فعله السلطان محمود الغزنوي , فقضى على القرامطة واستعاد ما فقدته الدولة المسلمة , وأعاد توحيد حوض السند مرة أخرى , وقضى على ثورات المخالفين من بقايا الدولة الغزنوية التي حل معها الضعف والتفكك وبسط سلطانه على البنجاب والسند وشمال الهند حتى خليج البنغال , وذلك الأمر أدى لتحالف أكبر الأمراء الهندوس في أقاليم دهلى وأجمير والكوجرات والملقبين الرجابويين روادهم تسمى بالهندستان , واصطدموا سنة 596هـ مع شهاب الدين الغورى في معركة رهيبة انهزم فيها المسلمون لتخاذل بعض قوادهم وأحد شهاب الدين على مواصلة القتال حتى أثخنته الجراح , وكاد يفقد حياته فارتد بجيشه للوراء مسافة أربعين ميلاً , حيث أعاد تنظيم جيشه , وعاد بجيش قوامه مائة وعشرين ألفاً من المقاتلين , وهجم على التحالف الهندوسي المكون من ثلاثمائة ألف مقاتل , ودارت رحا حرب أشد عنفاً من سابقتهاً انتصر فيها المسلمون , وأسروا القائد العام للهنود 'بريتي' وقتلوه ..
وتعتبر هذه الواقعة إيذاناً بسقوط دولة الأمراء الراجبوتبين في الهند وبداية السلطان الحقيقي للإسلام في منطقة الهندستان , وقام شهاب الدين الغوري بتحطيم كل المعابد والأصنام الهندوسية في تلك المناطق ، واستعملت أحجارها في بناء المساجد ، وأرسل شهاب الدين الغوري مملوكه وقائد جيشه قطب الدين أيبك لفتح أقاليم بنارس وكواليار والبنغال , وكان أكبر أقاليم البوذية في الهند , وقضى على فلول الراجبوتيين في معركة سهل جندوار , واتخذ شهاب الدين مدينة دهلى عاصمة له في الهند ، وبذلك يكون الغوريون هم أصحاب الفضل في تثبيت أقدام الإسلام في الهند لإقامتهم الدائمة فيها عكس الغزنويين الذين كانوا لا يستقرون فيها , وما فعله شهاب الدين الغوري بالهندوس دفعهم لأن يغتالوه في الظلام أثناء سفره للجهاد في سبيل الله , وكان يصلى قيام الليل عندما دخلت عليه مجموعة من الهنادكة اندست في جيشه وقتلوه ، وذلك سنة 602هـ ، فرحمة الله رحمة واسعة ، والجدير بالذكر أن باكستان قد أطلقت اسمه 'غوري' على صاروخها النووي البعيد المدى تخليداً لذكرى هذا البطل الفاتح .
المرحلة الرابعة : عصر الهند الإسلامية حتى غزو تيمور لنك للهند :
وامتدت هذه المرحلة من سنة 602هـ حتى سنة 801هـ وتناوب على حكم الهند دولتين دولة الخلجيين وهم رجال شهاب الدين الغوري ، وأعظمهم قائده قطب الدين أيبك ، ثم دولة آل تغلق ، والتي كانت أحسن حالاً وإسلاماً من سابقتها ، واهتم ملوكها بالعمارة والديانة ونشر الإسلام ، وبعض ملوكهم وهو فيروز دخل في طاعة الخليفة العباسي في القاهرة وخطب باسمه سنة 752هـ , وبعد وفاة فيروز ذهبت سعادة دولة الإسلام في الهند ، إذ هجم عليها سلطان غاشم انتسب للإسلام هو تيمور لنك في جمادي الآخرة سنة 801هـ وحطم دهلي العاصمة تحطيماً شنيعاً وقتل أكثر من مائة مسلم بالمدينة , ودخلت دولة الإسلام بالهند مرحلة جديدة اسمعها مرحلة أمراء الطوائف وهو يتشابه تماماً مع ما حدث للأندلس المسلمة بعد سقوط دولة بني أمية فيها وقيام دولة ملوك الطوائف , وكان ذلك إيذاناً بانهيار الأندلس بعد ذلك , وفي هذه المرحلة قامت عدة ممالك مسلمة في أقاليم الهند منها مملكة ملوة ومملكة البنغال ومملكة الكوجرات ومملكة الدكن وأسرة ولودهي التي عملت على نشر الإسلام ومحاربة الهندوسية , وأعادت هذه الأسرة هيبة الإسلام في الهند مرة أخرى , ولكن هذه الإمارات لم تستمر طويلاً لأن الفرقة هي أساس الفشل والخذلان .
المرحلة الخامسة : عصر دولة سلطنة مغول الهند :
ومؤسس هذه السلطنة هو ظهير الدين محمد بابر في 15 شعبان سنة 932هـ والذي تولى توحيد إمارات الهند المتناثرة وتصدى لمحاولات أمراء الهندوس ا لعودة مرة أخرى ,وانتصر عليهم في معركة حاسمة في 13 جمادى الآخرة سنة 933هـ ودمر أمراء الراجبوت للأبد وحطم معابدهم ,وهو الذي أنشأ المسجد البابري بولاية كجرات ,وهو المسجد الذي كان سبباً لاندلاع شرارة المذابح ضد المسلمين سنة 1413هـ عندما هدمه عباد البقر , ويعتبر السلطان محمد بابر من أعظم سلاطين المسلمين من فاتحي الهند بعد محمود الغزنوي وشهاب الدين الغوري .
ثم جاء حفيده السلطان جلال الدين أكبر والذي وصل بالدولة المسلمة لأقصى اتساع لها على مر العصور كلها ,ولكنه كان نكبة على الإسلام والمسلمين , ذلك لأنه كان واقعاً تحت تأثير وزيره الرافض 'بيرم خان' وأراد 'أكبر' أن يقرب الهندوس إليه فأسند إليهم الوظائف الكبرى ,ثم أغواه شيطان مريد اسمه 'جور' وزين له اختراع ديانة جديدة تعتبر خليطاً بين الإسلام والهندوسية والبوذية والزرادشتية ,وأباح للمشركين الزواج من المسلمات ,وحرم ذبح الأبقار ,وجعل مدينة 'فتح بور' مقراً لهذه الديانة المخترعة ,وأنشأ الشيطان 'جور' فرقة السيخ ذات الفكر الغريب ليضاد بها الهندوسية ,وقد زعم لأتباعه أنه قد ذهب إلى مكة وحج البيت ,وقرأ القرآن, وعرف أنه إله ,وأعطاه السلطان أكبر قطعة أرض بنى عليها مدينة 'أمريستار' ويصل تعدادهم الآن في الهند أكثر من عشرة ملايين يتركزون في البنجاب .
ورغم أن السلطان أكبر قد بلغ بالدولة أقصى اتساع لها إلا أنه كان نكبة على الإسلام والمسلمين وبوفاته ذهبت سعادة المغول المسلمين في الهند ودخلت الهند في عصر الاحتلال الأجنبي .
المرحلة السادسة : التدخل الأجنبي في الهند :
كانت الهند محط أنظار الطامعين والمحتلين في أوروبا لغناها الشديد بالثروات الطبيعية ,وكان أول الواصلين لشواطئ الهند هم البرتغاليون عندما وصل فاسكو دي جاما سنة 904هـ فنزلوا بإقليم الكوجرات , واحتلوا بعض المواقع الساحلية ,ولم يستطيعوا التوغل للداخل لكثرة السكان ,واستعان الأمراء المسلمين في الهند أولاً بالمماليك لحرب البرتغاليين ,ولكنهم هزموا فاستعانوا بالعثمانيين الذين انتصروا على البرتغاليين , ولكن أمراء المسلمين في الهند خافوا من أن يقوم العثمانيون باحتلال الكوجرات فقطعوا عنهم الامدادات , وكانت هذه الفعلة سبباً في بقاء البرتغاليين لأكثر من قرن في سواحل الهند , واحتلوا جزيرة سيلان 'سريلانكا' وارتكبوا فيها الفظائع وأبشع الجرائم ضد المسلمين منها مذبحة ماتار سنة 1053هـ , ثم دخل بعد ذلك في الصراع على هذا الكنز دول أخرى مثل هولندا التي احتلت عدة مواضع في الهند للسيطرة على طرق التجارة ثم الفرنسيون من بعدهم , وكل هؤلاء أخذوا شكل الاحتلال التجاري بالسيطرة على بعض المدن الساحلية , ثم جاء الدور على أكبر عدو للإسلام والمسلمين عندما دخل الإنجليز في حلبة الصراع على الهند , وقد عملوا أولاً على إبعاد المنافسين 'البرتغاليين / الهولنديين / الفرنسيين' فعلموا على التقرب من سلاطين المغول المسلمين في دلهي , فتعاونوا مع السلطان محيي الدين عالم كير في حربه ضد الهندوس والسيخ والراجبوت حتى انتصر عليهم فأعطاهم عالم كير 'وكان من كبار فقهاء الحنفية , وله كتاب فقه ما زال يدرس حتى الآن في الجامعات الإسلامية هناك' ..
وأعطاهم بعض الامتيازات والتسهيلات نظير مساعدتهم له ضد أعدائه , واستغل الإنجليز ذلك الأمر وبدأوا يتوسعون داخل الهند , ولم يكن خلفاء عالم كير على نفس المستوى حيث دب بينهم الخلاف والضعف , وأخذت دولة الإسلام في الهند تترنح , وأظهر الإنجليز وجههم القبيح وأخذوا في الاستيلاء على الإمارات الهندية الواحدة تلو الأخرى والقضاء على أي مقاومة من أي أمير مسلم قوي , وظهرت صليبية الإنجليز وقربوا الهندوس واستمالوهم ضد المسلمين , وعملوا على رفع مستوى الهندوس وتعليمهم وتعيينهم في الوظائف الحكومية , فعم الفقر والجهل بين أبناء المسلمين ,ثم أرادوا القضاء على أي وجود لسلطة المسلمين في الهند رغم أنها كانت سلطة صورية فاستغلوا قيام ثورة داخل البنجاب وقاموا بعزل آخر سلاطين المسلمين بالهند في 13 شعبان سنة 1274هـ وهو السلطان بهادور , ونفوه إلى بورما بعد أن قتلوا أبناءه أمام عينيه وطبخوا له طعاماً من لحومهم , وتلك كانت نهاية أعظم الدول التي عرفها تاريخ الإسلام هي سلطنة المغول بالهند .
المرحلة السابعة : انقسام الهند :
عمل الإنجليز على إحكام سيطرتهم على شبه الجزيرة الهندية بتقريب الهندوس والسيخ وأي فرقة أخرى غير المسلمين وإبعاد المسلمين واضطهادهم ,وعملوا على نشر الجهل والفقر بين أبناء المسلمين , بل وعملوا على إفساد عقائد المسلمين بإحياء فكرة العقيدة المشتركة التي كان قد روح لها أكبر شاه من قبل وفشل فيها ووجدوا ضالتهم في أحد الزنادقة وهو مرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة ,وأسس فرقة القاديانية أو الأحمدية التي مازالت تعمل في الهند وأنحاء أخرى من العالم المسلم خاصة القرن الأفريقي على نشر العقائد الضالة وللعلم أكبر مركز لهذه الدعوة الضالة في 'تل أبيب' وفي 'لندن' ولا عجب فهما مراكز أعدى أعداء الإسلام , ورغم وحشية القمع الإنجليزي للمسلمين في الهند إلا أن المسلمين بالهند ظلوا متفاعلين مع الأحداث الهامة بالعالم الإسلامي فعندما سقطت الخلافة الإسلامية العثمانية سنة 1337هـ قامت مظاهرات في جميع أنحاء الهند تندد بالدور الإنجليزي في سقوط الخلافة , ورفضوا تكوين دولة لليهود في فلسطين .
وكان الإنجليز رغم تفضيلهم للهندوس على المسلمين إلا أنهم كانوا ينكلون بأبناء أي جنس ,وهذا الأمر جعل أهل الهند هندوساً ومسلمين يثورون على الإنجليز , وكانت حركتان للثورة ضد الإنجليز مسلمة بقيادة محمد على جناح وهندوسية بقيادة غاندي ,وعمل الإنجليز على تلميع غاندي ليظهر بمظهر القائد الكبير لكل الهنود , وكان الإنجليز قد أعطوا الهندوس حق تملك أراضي المسلمين مما دفع المسلمون بالتجمع في بلاد السند والبنجاب وكمشير والبنغال وإعلان عزمهم على تكون دولة خاصة بالمسلمين في الهند ويقودهم الزعيم محمد علي جناح الذي كان يرى أنه لا يمكن التعاون مع الهندوس أعدى أعداء المسلمين بالهند , وبعد محاولات دامية واشتباكات كثيرة قسم الإنجليز الهند لدولتين على أن يكون التوزيع حسب الكثافة السكانية لكل طائفة , فانقسمت الهند لدولة الهندوس واسمها الهند والأخرى دولة المسلمين واسمها باكستان أي أرض الأطهار , وكان هذا التقسيم جائراً بالمسلمين حيث تعرضت بعض الولايات ذات الأغلبية المسلمة مثل البنجاب والبنغال للتقسيم بين المسلمين والهندوس , وأرادت بعض الولايات الهندية الانضمام للهند مثل ولاية جوناكاد , ولكن الهندوس رفضوا وأرسلوا قوات لاحتلالها وضمها قسراً للهند , وعندما تقسمت البلاد لمسلمة وهندوسية قام الهندوس بعمل مجازر رهيبة للمسلمين بالهند , ومن حاول الهجرة لباكستان كانوا يقومون بقتله وسلب ماله , وحرقوا القطارات التي كانت تحمل المسلمين لباكستان لشدة حقدهم على المسلمين .
ولكن بعد هذا العرض الطويل لتاريخ الإسلام بالهند ما هي الأسباب التي أدت لوصول الإسلام والمسلمين لتلك الحالة المتردية بالهند رغم مضي ألف عام على دخوله بالهند نستطيع أن نحمل هذه الأسباب فيما يلي :-
1- أن معظم المسلمين الذين حكموا الهند كانوا حديثي العهد بالإسلام ولم يكن لديهم التربية الإسلامية الكافية للدعوة إلى الإسلام وكان جل اهتمامهم توسيع رقعة الدولة المسلمة .
2- جهل أبناء تلك البلاد باللغة العربية التي هي لغة القرآن , مما أدى لجهلهم بالكثير من أمور الدين وتركهم لكثير من الشريعة الإسلامية .
3- وجود بعض الحكام المسلمين الذين سعوا لكسب ود غير المسلمين بإعطائهم مطلق الحرية في ممارسة شعائر دينهم وإقامة طقوسهم وعاداتهم التي حرمها الإسلام ,مثل حرق الزوجات والزواج من المشركين ,وتحريم ذبح الأبقار ,هذا غير اختراع بعد العقائد الضالة لتجميع الناس وتثبيت الملك , وهذا أدى لظهور ديانات كثيرة ووثنيات متشعبة بتلك البلاد .
4- عمل الاستعمار الإنجليزي على اضطهاد المسلمين وإضعاف شوكتهم بنشر الجهل والفقر والعقائد الضالة بين أبناء المسلمين مما أدى لزيادة الهوة بين المسلمين والهندوس وحتى بعد أن استقل المسلمون بدولتهم في باكستان عملوا على إحياء الثورات الداخلية حتى انفصلت باكستان لدولتين باكستان وبنجلاديش وأخذ الصراع يتبلور عند نقطة ساخنة وملتهبة هي كشمير والتي سيكون الكلام عن تاريخها في حلقة خاصة .
متى دخل الإسلام الهند ؟
تتكون شبه الجزيرة الهندية الآن من عدة دول هي الهند وباكستان وبنجلاديش ونيبال وبوتان وسريلانكا والمالديف ,وقد وصل الإسلام لتلك البلاد مبكراً في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن طريق التجارة والدعاة , وظل الأمر هكذا حتى جاءت عهد الدولة الأموية والتي كانت رغم كثرة الخارجين عليها معنية بأمر الجهاد ,حيث نصبت سوقه في المشرق والمغرب ,وكانت بلاد السند [جزء من باكستان الآن] هي مسرح أو صدام بين المسلمين بقيادة القائد الفذ محمد بن القاسم والهندوس بقيادة ملكهم داهر ,حيث دار قتال عنيف جداً عند مدينة ' الديبل' انتصر فيها المسلمون على الهندوس ملكهم داهر وواصل ابن القاسم فتحه حتى فتح بلاد السند كلها ,وكان كلما دخل مدينة حطم أصنامها ومعابدها وأظهر شعائر الإسلام ,ودخل كثير من أهل السند في الإسلام ,ولكن مسيرة الفتوحات توقفت بعد وفاة الحجاج الثقفي وعزل محمد بن القاسم الذي راح ضحية تصفية حسابات شخصية بين الحجاج 'وابن عمه' وخصومه ,حيث انتهت حياة هذا القائد العظيم الذي أدخل أول قدم للإسلام في الهند في سجن بمدينة واسط أيام سليمان بن عبد الملك , هذا رغم أن الله عز وجل قال في محكم التنزيل 'ولا تذر وازرة وزر أخرى' وبموت ابن القاسم انتفض ملوك الهند وعادوا إلى عروشهم ,ولكن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز استطاع إقناعهم بالعودة للإسلام على أن يبقى كل ملك على ملكه , فعادوا مرة أخرى للإسلام , وتسموا بأسماء العرب .
وبهذا أصبحت بلاد السند بلاد إسلام ,واستمر الحال كما هو عليه في الدولة الأموية , وفي عهد الدولة العباسية تمكن القائد هشام بن عمرو التغلبي وإلى السند من فتح الملتان وكشمير ,ولكن بضعف الدولة العباسية وتفكك أجزائها ظهر المتغلبون على أطراف الخلافة , واستقل كل متغلب على إمارة , فانقسمت بلاد السند إلى عدة إمارات ,منها إمارة المنصورة 'وهي مدينة جديدة بناها المسلمون أيام ابن القاسم' وإمارة الملتان, وإمارة الباطنية الإسماعيلية ,وانتشر بتلك الإمارات العقائد المنحرفة والثقافات الفارسية والوثنيات الهندية , وأصبحت مأوى لفرقة القرامطة المنحرفة لذلك , فلقد أصبحت تلك الإمارات خطراً يتهدد المسلمين جميعاً .
المرحلة الثانية : 'الدولة الغزنوية'
لما ضعفت الدولة العباسية ظهر في أطرافها عدة دول شبه مستقلة عن الخلافة تدين بالولاء للخليفة العباسي ظاهراً فقط , ولكن السلطة الفعلية في يد أمراء هذه الدول , ومن هذه الدول كانت الدولة الغزنوية أو السبكتكيتية ,والتي قد تكون المرة الأولى التي يسمع فيها الكثير عن هذه الدولة التي كان لقائدها العظيم محمود بن سبكتكين الفضل الأكبر في دخول الإسلام بقوة إلى الهند , وأيضاً سبب العداء الشديد والحقد الأعمـى في قلوب الهندوس ضد المسلمين , وقام السلطان محمود هذا بأعمال عظيمة منها :-
1- قام السلطان محمود أولاً بترتيب الجبهة الداخلية للمسلمين بالقضاء على المفسدين والمنحرفين وجيوب الفكر الباطني داخل البلاد ، فقضى على الشيعة البويهيين في جنوب أفغانستان ,وكانوا من أهم أسباب ضعف الكيان الإسلامي العام حتى إن بعضهم قد فكر في إعادة حكم المجوس وعصر الساسانيين .
2- عمل السلطان محمود على نشر الإسلام في بلاد السند والأفغان بصورته الصحيحة ذلك لجهل أهل تلك البلاد بالإسلام الصحيح ، وأزال كل العقائد والأفكار المخالفة لأهل السنة والجماعة ، فقضى على كل أثر للتشيع والاعتزال والقرامطة والجهمية والأشعرية ,وخطب على منابره للخليفة العباسي القادر بالله , وقتل كبير دعاة الفاطميين , والذي جاء لنشر المذهب العبيدي الفاطمي ببلاده , وطرد شعراء الخليفة العبيدي المستنصر وأحرق هداياه .
3- بعد أن رتب محمود البيت الداخلي وتأكد من سلامة الصف المسلم وجه كل قواته لفتح بلاد الهند ، وذلك ابتداء من سنة 392هـ حتى سنة 418هـ أي أكثر من خمس وعشرين سنة متصلة يجاهد أمراء الهند الكفرة , وكان أول صدام له مع الملك جيبال أكبر ملوك الهند سنة 390هـ فانتصر محمود انتصاراً هائلاً ، ووقع جيبال نفسه في أسره فأطلقه محمود فانتحر جيبال بإحراق نفسه في النار , وفتح محمود إقليم البنجاب , وقضى فيه على جماعات من القرامطة يقودهم زنديق اسمه 'أبو الفتوح داود' ونشر الإسلام الصحيح في كل نواحي السند حتى البنجاب .
وكان انتصار محمود على جيبال قد أحدث دوياً هائلاً في الهند كلها ، وجعل أمراء شمال الهند الملقبين بالراجبوت يكونون تحالفاً مقدساً فيما بينهم للقضاء على المسلمين , وانتهز هذا التحالف الهندوسي غياب محمود الغزنوي , وأعادوا احتلال عدة بلاد فتحها محمود فأسرع إليهم محمود بجيش كثيف وسحق جيش الهند المتحد , وذلك سنة 398هـ , ثم أكمل فتح بلاد كشمير ودخل أهلها في دين الله أفواجاً , وواصل محمود الغزنوي فتحه لبلاد الهند وكل مدينة يفتحها يحطم أصنامها ويهدم معابدها حتى هدم عشرة آلاف معبد هندوسي , وأزال سلطان طبقة البراهمة مما زاد من حقدهم عليه وعلى المسلمين عموماً .
أما السبب الحقيقي وراء الكره الشديد للمسلمين من قبل الهندوس وخاصة في غرب الهند فهو ما قام به السلطان محمود في ذي القعدة سنة 416هـ عندما دمر الوثن الأكبر للهندوس والمسمى 'سومنات' في إقليم الكوجرات , وذلك أن الهندوس كانوا كلما فتح محمود مدينة وحطم وثنها قالوا إن 'الإله بزعمهم سومنات غير راض عن هذه المدينة , ولذلك تخلى عن نصرتهم ضد المسلمين , فعندما علم محمود بذلك صمم على فتح هذا الإقليم , وهدم هذا الوثن ليثبت لهم أن الله عز وجل هو الإله الحق , وخاض محمود ومن معه من المجاهدين الأبطال الكثير من المغاوز والصعاب حتى وصل لهذا الإقليم النائي فوجد أن الهندوس قد تقاطروا بأعداد غفيرة لنصرة وثنهم الأكبر ,وكانوا أضعاف أضعاف المسلمين , ودارت رحى حرب هائلة لم يسمع بمثلها من قبل حتى إن الهندوسي من هؤلاء يدخل فيعتنق الصنم , ثم يخرج للقتال فيقتل , حتى قتل منهم خمسون ألفاً , واقتحم المسلمون المعبد وتوسل كهنة الهندوس لمحمود حتى لا يحطم الصنم , وعرضوا عليه كنوزاً من الذهب والجوهر هائلة ولكنه رفض ذلك , وأصر على هدم الصنم , وبالفعل حطمه , ونقل أحجاره إلى مدينة غزنة حيث بنى بها مسجداً لله عز وجل .
وواصل محمود فتوجه في الهند حتى قيل إن فتوحاته تعدل في المساحة فتوحات الفاروق عمر , وأخذ على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها , وبلغ في فتوجه إلى حيث لم تبلغه في الإسلام رايه , ولم تتل به قط سورة ولا آية كما قال ابن كثير , ثم مات رحمه الله سنة 421هـ وتعتبر دولته الغزنوية من أكبر الدول في تاريخ الإسلام نظراً لما وفقت إليه من توسيع رقعة الإسلام في شمال الهند وغربه وكمشير .
المرحلة الثالثة : الدولة الغورية :
وهي الدولة التي ورثت الدولة الغزنوية التي دب فيها الضعف , وتنازع أمراؤها وأصبح بأسهم بينهم شديد , فأخذتها سنن الله عز وجل , وعملت فيهم سنة الاستبدال , وكان أمراء الهند قد رفعوا رؤوسهم مرة أخرى بعد ضعف الغزنوية فخالها القرامطة الملاحدة وسهلوا لهم الاستيلاء على مدينة 'الملتان' وعظم شرهم فقيض الله عز وجل آخراً من أعظم أبطال المسلمين هو شهاب الدين الغوري , وكان حاكم الغور الممتد بين غزنة وهراة في أفغانستان الحالية ، وأصل كلمة الغوري ، وكان حاكم الغر الممتد بين غزنة وهراة في الأرض كما أن كلمة النجد تعني ما ارتفع من الأرض , فقام شهاب الدين الغوري , وأعاد ما فعله السلطان محمود الغزنوي , فقضى على القرامطة واستعاد ما فقدته الدولة المسلمة , وأعاد توحيد حوض السند مرة أخرى , وقضى على ثورات المخالفين من بقايا الدولة الغزنوية التي حل معها الضعف والتفكك وبسط سلطانه على البنجاب والسند وشمال الهند حتى خليج البنغال , وذلك الأمر أدى لتحالف أكبر الأمراء الهندوس في أقاليم دهلى وأجمير والكوجرات والملقبين الرجابويين روادهم تسمى بالهندستان , واصطدموا سنة 596هـ مع شهاب الدين الغورى في معركة رهيبة انهزم فيها المسلمون لتخاذل بعض قوادهم وأحد شهاب الدين على مواصلة القتال حتى أثخنته الجراح , وكاد يفقد حياته فارتد بجيشه للوراء مسافة أربعين ميلاً , حيث أعاد تنظيم جيشه , وعاد بجيش قوامه مائة وعشرين ألفاً من المقاتلين , وهجم على التحالف الهندوسي المكون من ثلاثمائة ألف مقاتل , ودارت رحا حرب أشد عنفاً من سابقتهاً انتصر فيها المسلمون , وأسروا القائد العام للهنود 'بريتي' وقتلوه ..
وتعتبر هذه الواقعة إيذاناً بسقوط دولة الأمراء الراجبوتبين في الهند وبداية السلطان الحقيقي للإسلام في منطقة الهندستان , وقام شهاب الدين الغوري بتحطيم كل المعابد والأصنام الهندوسية في تلك المناطق ، واستعملت أحجارها في بناء المساجد ، وأرسل شهاب الدين الغوري مملوكه وقائد جيشه قطب الدين أيبك لفتح أقاليم بنارس وكواليار والبنغال , وكان أكبر أقاليم البوذية في الهند , وقضى على فلول الراجبوتيين في معركة سهل جندوار , واتخذ شهاب الدين مدينة دهلى عاصمة له في الهند ، وبذلك يكون الغوريون هم أصحاب الفضل في تثبيت أقدام الإسلام في الهند لإقامتهم الدائمة فيها عكس الغزنويين الذين كانوا لا يستقرون فيها , وما فعله شهاب الدين الغوري بالهندوس دفعهم لأن يغتالوه في الظلام أثناء سفره للجهاد في سبيل الله , وكان يصلى قيام الليل عندما دخلت عليه مجموعة من الهنادكة اندست في جيشه وقتلوه ، وذلك سنة 602هـ ، فرحمة الله رحمة واسعة ، والجدير بالذكر أن باكستان قد أطلقت اسمه 'غوري' على صاروخها النووي البعيد المدى تخليداً لذكرى هذا البطل الفاتح .
المرحلة الرابعة : عصر الهند الإسلامية حتى غزو تيمور لنك للهند :
وامتدت هذه المرحلة من سنة 602هـ حتى سنة 801هـ وتناوب على حكم الهند دولتين دولة الخلجيين وهم رجال شهاب الدين الغوري ، وأعظمهم قائده قطب الدين أيبك ، ثم دولة آل تغلق ، والتي كانت أحسن حالاً وإسلاماً من سابقتها ، واهتم ملوكها بالعمارة والديانة ونشر الإسلام ، وبعض ملوكهم وهو فيروز دخل في طاعة الخليفة العباسي في القاهرة وخطب باسمه سنة 752هـ , وبعد وفاة فيروز ذهبت سعادة دولة الإسلام في الهند ، إذ هجم عليها سلطان غاشم انتسب للإسلام هو تيمور لنك في جمادي الآخرة سنة 801هـ وحطم دهلي العاصمة تحطيماً شنيعاً وقتل أكثر من مائة مسلم بالمدينة , ودخلت دولة الإسلام بالهند مرحلة جديدة اسمعها مرحلة أمراء الطوائف وهو يتشابه تماماً مع ما حدث للأندلس المسلمة بعد سقوط دولة بني أمية فيها وقيام دولة ملوك الطوائف , وكان ذلك إيذاناً بانهيار الأندلس بعد ذلك , وفي هذه المرحلة قامت عدة ممالك مسلمة في أقاليم الهند منها مملكة ملوة ومملكة البنغال ومملكة الكوجرات ومملكة الدكن وأسرة ولودهي التي عملت على نشر الإسلام ومحاربة الهندوسية , وأعادت هذه الأسرة هيبة الإسلام في الهند مرة أخرى , ولكن هذه الإمارات لم تستمر طويلاً لأن الفرقة هي أساس الفشل والخذلان .
المرحلة الخامسة : عصر دولة سلطنة مغول الهند :
ومؤسس هذه السلطنة هو ظهير الدين محمد بابر في 15 شعبان سنة 932هـ والذي تولى توحيد إمارات الهند المتناثرة وتصدى لمحاولات أمراء الهندوس ا لعودة مرة أخرى ,وانتصر عليهم في معركة حاسمة في 13 جمادى الآخرة سنة 933هـ ودمر أمراء الراجبوت للأبد وحطم معابدهم ,وهو الذي أنشأ المسجد البابري بولاية كجرات ,وهو المسجد الذي كان سبباً لاندلاع شرارة المذابح ضد المسلمين سنة 1413هـ عندما هدمه عباد البقر , ويعتبر السلطان محمد بابر من أعظم سلاطين المسلمين من فاتحي الهند بعد محمود الغزنوي وشهاب الدين الغوري .
ثم جاء حفيده السلطان جلال الدين أكبر والذي وصل بالدولة المسلمة لأقصى اتساع لها على مر العصور كلها ,ولكنه كان نكبة على الإسلام والمسلمين , ذلك لأنه كان واقعاً تحت تأثير وزيره الرافض 'بيرم خان' وأراد 'أكبر' أن يقرب الهندوس إليه فأسند إليهم الوظائف الكبرى ,ثم أغواه شيطان مريد اسمه 'جور' وزين له اختراع ديانة جديدة تعتبر خليطاً بين الإسلام والهندوسية والبوذية والزرادشتية ,وأباح للمشركين الزواج من المسلمات ,وحرم ذبح الأبقار ,وجعل مدينة 'فتح بور' مقراً لهذه الديانة المخترعة ,وأنشأ الشيطان 'جور' فرقة السيخ ذات الفكر الغريب ليضاد بها الهندوسية ,وقد زعم لأتباعه أنه قد ذهب إلى مكة وحج البيت ,وقرأ القرآن, وعرف أنه إله ,وأعطاه السلطان أكبر قطعة أرض بنى عليها مدينة 'أمريستار' ويصل تعدادهم الآن في الهند أكثر من عشرة ملايين يتركزون في البنجاب .
ورغم أن السلطان أكبر قد بلغ بالدولة أقصى اتساع لها إلا أنه كان نكبة على الإسلام والمسلمين وبوفاته ذهبت سعادة المغول المسلمين في الهند ودخلت الهند في عصر الاحتلال الأجنبي .
المرحلة السادسة : التدخل الأجنبي في الهند :
كانت الهند محط أنظار الطامعين والمحتلين في أوروبا لغناها الشديد بالثروات الطبيعية ,وكان أول الواصلين لشواطئ الهند هم البرتغاليون عندما وصل فاسكو دي جاما سنة 904هـ فنزلوا بإقليم الكوجرات , واحتلوا بعض المواقع الساحلية ,ولم يستطيعوا التوغل للداخل لكثرة السكان ,واستعان الأمراء المسلمين في الهند أولاً بالمماليك لحرب البرتغاليين ,ولكنهم هزموا فاستعانوا بالعثمانيين الذين انتصروا على البرتغاليين , ولكن أمراء المسلمين في الهند خافوا من أن يقوم العثمانيون باحتلال الكوجرات فقطعوا عنهم الامدادات , وكانت هذه الفعلة سبباً في بقاء البرتغاليين لأكثر من قرن في سواحل الهند , واحتلوا جزيرة سيلان 'سريلانكا' وارتكبوا فيها الفظائع وأبشع الجرائم ضد المسلمين منها مذبحة ماتار سنة 1053هـ , ثم دخل بعد ذلك في الصراع على هذا الكنز دول أخرى مثل هولندا التي احتلت عدة مواضع في الهند للسيطرة على طرق التجارة ثم الفرنسيون من بعدهم , وكل هؤلاء أخذوا شكل الاحتلال التجاري بالسيطرة على بعض المدن الساحلية , ثم جاء الدور على أكبر عدو للإسلام والمسلمين عندما دخل الإنجليز في حلبة الصراع على الهند , وقد عملوا أولاً على إبعاد المنافسين 'البرتغاليين / الهولنديين / الفرنسيين' فعلموا على التقرب من سلاطين المغول المسلمين في دلهي , فتعاونوا مع السلطان محيي الدين عالم كير في حربه ضد الهندوس والسيخ والراجبوت حتى انتصر عليهم فأعطاهم عالم كير 'وكان من كبار فقهاء الحنفية , وله كتاب فقه ما زال يدرس حتى الآن في الجامعات الإسلامية هناك' ..
وأعطاهم بعض الامتيازات والتسهيلات نظير مساعدتهم له ضد أعدائه , واستغل الإنجليز ذلك الأمر وبدأوا يتوسعون داخل الهند , ولم يكن خلفاء عالم كير على نفس المستوى حيث دب بينهم الخلاف والضعف , وأخذت دولة الإسلام في الهند تترنح , وأظهر الإنجليز وجههم القبيح وأخذوا في الاستيلاء على الإمارات الهندية الواحدة تلو الأخرى والقضاء على أي مقاومة من أي أمير مسلم قوي , وظهرت صليبية الإنجليز وقربوا الهندوس واستمالوهم ضد المسلمين , وعملوا على رفع مستوى الهندوس وتعليمهم وتعيينهم في الوظائف الحكومية , فعم الفقر والجهل بين أبناء المسلمين ,ثم أرادوا القضاء على أي وجود لسلطة المسلمين في الهند رغم أنها كانت سلطة صورية فاستغلوا قيام ثورة داخل البنجاب وقاموا بعزل آخر سلاطين المسلمين بالهند في 13 شعبان سنة 1274هـ وهو السلطان بهادور , ونفوه إلى بورما بعد أن قتلوا أبناءه أمام عينيه وطبخوا له طعاماً من لحومهم , وتلك كانت نهاية أعظم الدول التي عرفها تاريخ الإسلام هي سلطنة المغول بالهند .
المرحلة السابعة : انقسام الهند :
عمل الإنجليز على إحكام سيطرتهم على شبه الجزيرة الهندية بتقريب الهندوس والسيخ وأي فرقة أخرى غير المسلمين وإبعاد المسلمين واضطهادهم ,وعملوا على نشر الجهل والفقر بين أبناء المسلمين , بل وعملوا على إفساد عقائد المسلمين بإحياء فكرة العقيدة المشتركة التي كان قد روح لها أكبر شاه من قبل وفشل فيها ووجدوا ضالتهم في أحد الزنادقة وهو مرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة ,وأسس فرقة القاديانية أو الأحمدية التي مازالت تعمل في الهند وأنحاء أخرى من العالم المسلم خاصة القرن الأفريقي على نشر العقائد الضالة وللعلم أكبر مركز لهذه الدعوة الضالة في 'تل أبيب' وفي 'لندن' ولا عجب فهما مراكز أعدى أعداء الإسلام , ورغم وحشية القمع الإنجليزي للمسلمين في الهند إلا أن المسلمين بالهند ظلوا متفاعلين مع الأحداث الهامة بالعالم الإسلامي فعندما سقطت الخلافة الإسلامية العثمانية سنة 1337هـ قامت مظاهرات في جميع أنحاء الهند تندد بالدور الإنجليزي في سقوط الخلافة , ورفضوا تكوين دولة لليهود في فلسطين .
وكان الإنجليز رغم تفضيلهم للهندوس على المسلمين إلا أنهم كانوا ينكلون بأبناء أي جنس ,وهذا الأمر جعل أهل الهند هندوساً ومسلمين يثورون على الإنجليز , وكانت حركتان للثورة ضد الإنجليز مسلمة بقيادة محمد على جناح وهندوسية بقيادة غاندي ,وعمل الإنجليز على تلميع غاندي ليظهر بمظهر القائد الكبير لكل الهنود , وكان الإنجليز قد أعطوا الهندوس حق تملك أراضي المسلمين مما دفع المسلمون بالتجمع في بلاد السند والبنجاب وكمشير والبنغال وإعلان عزمهم على تكون دولة خاصة بالمسلمين في الهند ويقودهم الزعيم محمد علي جناح الذي كان يرى أنه لا يمكن التعاون مع الهندوس أعدى أعداء المسلمين بالهند , وبعد محاولات دامية واشتباكات كثيرة قسم الإنجليز الهند لدولتين على أن يكون التوزيع حسب الكثافة السكانية لكل طائفة , فانقسمت الهند لدولة الهندوس واسمها الهند والأخرى دولة المسلمين واسمها باكستان أي أرض الأطهار , وكان هذا التقسيم جائراً بالمسلمين حيث تعرضت بعض الولايات ذات الأغلبية المسلمة مثل البنجاب والبنغال للتقسيم بين المسلمين والهندوس , وأرادت بعض الولايات الهندية الانضمام للهند مثل ولاية جوناكاد , ولكن الهندوس رفضوا وأرسلوا قوات لاحتلالها وضمها قسراً للهند , وعندما تقسمت البلاد لمسلمة وهندوسية قام الهندوس بعمل مجازر رهيبة للمسلمين بالهند , ومن حاول الهجرة لباكستان كانوا يقومون بقتله وسلب ماله , وحرقوا القطارات التي كانت تحمل المسلمين لباكستان لشدة حقدهم على المسلمين .
ولكن بعد هذا العرض الطويل لتاريخ الإسلام بالهند ما هي الأسباب التي أدت لوصول الإسلام والمسلمين لتلك الحالة المتردية بالهند رغم مضي ألف عام على دخوله بالهند نستطيع أن نحمل هذه الأسباب فيما يلي :-
1- أن معظم المسلمين الذين حكموا الهند كانوا حديثي العهد بالإسلام ولم يكن لديهم التربية الإسلامية الكافية للدعوة إلى الإسلام وكان جل اهتمامهم توسيع رقعة الدولة المسلمة .
2- جهل أبناء تلك البلاد باللغة العربية التي هي لغة القرآن , مما أدى لجهلهم بالكثير من أمور الدين وتركهم لكثير من الشريعة الإسلامية .
3- وجود بعض الحكام المسلمين الذين سعوا لكسب ود غير المسلمين بإعطائهم مطلق الحرية في ممارسة شعائر دينهم وإقامة طقوسهم وعاداتهم التي حرمها الإسلام ,مثل حرق الزوجات والزواج من المشركين ,وتحريم ذبح الأبقار ,هذا غير اختراع بعد العقائد الضالة لتجميع الناس وتثبيت الملك , وهذا أدى لظهور ديانات كثيرة ووثنيات متشعبة بتلك البلاد .
4- عمل الاستعمار الإنجليزي على اضطهاد المسلمين وإضعاف شوكتهم بنشر الجهل والفقر والعقائد الضالة بين أبناء المسلمين مما أدى لزيادة الهوة بين المسلمين والهندوس وحتى بعد أن استقل المسلمون بدولتهم في باكستان عملوا على إحياء الثورات الداخلية حتى انفصلت باكستان لدولتين باكستان وبنجلاديش وأخذ الصراع يتبلور عند نقطة ساخنة وملتهبة هي كشمير والتي سيكون الكلام عن تاريخها في حلقة خاصة .