(تيبو سلطان) يمتاز بمزايا كثيرة في تاريخ الهند الإسلامي ، وإن له شخصية بارزة وجهودا مشكورة لرفع مستوى الحكومة الإسلامية في الهند ، وعندما اضمحلت حكومة المغول في الهند وجعلت قوة الإنجليز تنمو وتتقوى فيها قام حيدر علي يقاومها حتى أحس منه الإنجليز خيفة ، ولم يزل الأمر بيده طول حياته في الهند الجنوبية ، وبقيت حكومة الإنجليز وطاقاتهم محدودة في مدارس فقط ، وبعد وفاة حيدر علي آل الحكم إلى ابنه الشجاع المجاهد تيبو سلطان الذي دعم أسس حكومته في ميسور والهند الجنوبية ، ولكن الإنجليز علموا أن حكومته هي أكبر خطر لنفوذهم وسيطرتهم على الهند ، فجعلوا يأتمرون فيما بينهم عن استئصالها وقمع أصلها وهدم بنيانها ، وقد ثاروا على تيبو مرارا ، ولكنهم لم ينجحوا في مرامهم ، ورجعوا بخسران مبين ، ثم أرادوا أن يسالموا تيبو سلطان مسالمة يأمنوا بها الخطر العظيم الذي لم يزل يرقص أمامهم ، فلو كان تيبو يريد الحكومة والعزة والعيش الرغد لقبل صلحهم ، ولعاش عيشة هنيئة طول عمره وأسرته بعده ، كما عاش (نظام حيدر آباد)..
ولكن تيبو سلطان لم يرد زهرة الحياة الدنيا ، ولم يلتفت إلى الأموال وقناطير الذهب والفضة ، بل وكانت أمامه غايات سامية وأهداف جليلة ومقاصد عالية ، عاش فيها ومات من أجلها،إنه لم يرد مساومة البلاد كالسلع التجارية كما فعل نظام والمرهتة ، وإنما كان همه العظيم أن يقاتل الإنجليز حتى يطرد القوة الأجنبية من أرض الهند ، ويؤسس فيها حكومة إسلامية على دعائم قوية ، فاختار الباقية على الفانية ، والموت في سبيل الله على الحياة المادية ، ورد رسالة الصلح مع الإنجليز ، وقال لهم جهارا : إنه لا يصالحهم أبدا ، وإنما يقوم في وجههم سدا منيعا حتى يخرجهم من الهند ، ويكون الأمر كله لله ، وكتب إلى نظام علي خان ملك حيدر آياد معاصره كتابا قال فيه : (إني أريد أن تكون للمسلمين قوة وغلبة في الهند ، وأريد أن أضحي بنفسي ومالي في سبيل الله وفي سبيل الإسلام ، وأقصى غايتي أن أجمع شمل المسلمين ، فيجب على المسلمين أن يعاونوني في هذا دون أن يكونوا ظهيرا للكفار ..
هذا ومن الأسف أن حكومة نظام قد ساعدت الإنجليز على تيبو ، واتحد الإنجليز والمرهتة ونظام ضده وقاتلوه جميعا ، واشتد القتال بين الفريقين ، وكانت الحرب سجالا ، وكاد يهزمهم جمعيا ، ولكن وزيره مير صادق غدره ، ومكن الإنجليز ، ونظم المرهتة من التغلب عليه ، لقد كانت قوة تيبو سلطان أقوى القوات الهندية في ذلك الزمان ، فخاف نظام أيضا ، وعرفت المرهتة قوتها العسكرية وجربوها مرارا ، فأرادوا كلهم القتال معه ، وأجمعوا على ذلك.
وكان تيبو قد استعد للحرب استعدادا كاملا ، ولما بلغ الإنجليز (سرنكابتم) وجعلوا يشنون الحرب على عساكر تيبو رءوا أن الفتح ليس بيسير ، وأن تيبو قد عبأ جيشا كثيفا لا يمكن معه القتال ، وقد حصر الإنجليز علقة سرنكابتم ، ولم يزالوا على ذلك حتى مضت عشرون يوما ونفد كل ما لديهم من الطعام والغذاء ، وأصبحت الجنود جياعا ، وأراد الإنجليز الرجعة ، وهنالك اقترح بعض أمراء تيبو بالثورة على عساكر الإنجليز ، ولكن من سوء الحظ أن تيبو سلطان لم يقبل الاقتراح الذي كان مبنيا على الدهاء والذكاء.
وبعد مدة قليلة تقدم عساكر الإنجليز ونظام والمرهتة إلى قلعة سرنكابتم مرة أخرى ، وثاروا ثورة عظيمة ، واشتدت الحرب ، وطالت وعلمت الأعداء أن تيبو سلطان له قوة جبارة لا يمكن لها أن تهزمها إلا بعد مشقة طويلة وإتلاف شيء كثير من الأموال والأنفس ..
ولكن من الأسف أن أميرا من أمراء تيبو غدر به ، ولحق بالإنجليز وأعدائه الآخرين ، فلجأ تيبو إلى القلعة ، ثم علم الفريقان أن الأمر صعب ، وهنالك اصطلح الفريقان بعد ما أخذ العدو مقداراً كبيرا من المال من تيبو.
وبعد ذلك دبر السلطان أمره وأمر أن اللغة الفارسية اللغة الرسمية في مملكته ، وبنيت المساجد في كل قرية ومدينة في حكمه وعين المؤذن والقاضي ، كما أن السلطان أقبل على تعليم المسلمين ، فعين المدرسين في المساجد لتعليم أطفال المسلمين ، وكان السلطان يصل ليله بنهاره في العبادة وفي تلاوة كلام الله ، وكان يكره الذين يخالفون تعاليم الإسلام ، ويقترفون الذنوب ، وحدث في ذلك الزمان أمر خطير ، وهو أن السلطان قد جعل مير صادق وزيره بل رئيس الوزراء والمسيطر على الأمر كله ، وكان صادق رجلا خائنا غدارا لا يعرف الوفاء والمحبة ، فاقترح على السلطان أن يخرج المهدويين الذين لم يزالوا يجاهدون مع السلطان ..
ومن الأسف أن السلطان أخطأ حينما عزل أكثر الأمراء القدماء دون تفكير وقرر الوظائف والمناصب للأمراء الذين قد عزلوا من قبل ، أما أبوه حيدر على فإنه كان إذا عزل أحدا لم يعطه منصبا قط ، ولكن تيبو كان يسخط على أمير ويعزله ، ثم إذا ذهب عنه السخط أعاده إلى منصبه ، وهذا مير صداق عزل من أجل غدره وخيانته مرة ، ثم أصبح رئيس الوزراء في حكومته وغدر أيضاً ، وخان خيانة ذهبت بحكومته.
إن السلطان بعث رسله إلى فرنسا وإيران وكابل ، وكان الإنجليز لم يزالوا يرتادون فرصة للثورة على تيبو ، فقالوا : إنه يريد أن يحمل على الإنجليز فحشدوا عساكرهم وجاءوا بجنود لا قبل له بها ، ولكن مع كل هذا كان السلطان رجلا قويا ، وكانت عساكره قوية منظمة ، أما مير صادق الخائن ، فقد لحق بالإنجليز والمرهتة ونظام ، وسبب للسلطان ذهاب مملكته من يده ، ومن سوء الحظ أن مير صادق قد تمكن في الحكومة من تنظيم جماعة كبيرة من الخونة فأحلهم مناصب كبيرة ومنحهم أموالاً كثيرة ، فقد كان مير ميران ، قمر الدين ، ومير صادق هم أكبر سبب لهزيمة سلطان تيبو وقتله بأيدي الإنجليز.
وقد اقترح الفرنسيون على السلطان أن يحول عاصمته إلى مدينة أخرى في مملكته ، وكان السلطان مستعدا لذلك ولكن مير صادق الخائن حال دون ذلك ، وقال هذا ما يسبب للعسكر الجبن والخور ويذهب بحماستهم فامتنع السلطان عن هذا.
وقد عثر السلطان على خيانة مير صادق وغدره في وقت لم يكن له حيلة بتدبيره ؛ لأن سور القلعة كان قد هدم بأيدي الأعداء ، ولكن السلطان كتب رقعة إلى بعض أمرائه ليقتلوا مير صادق ليلا ، ومن سوء الحظ أن خادما أطلع على هذا الأمر وأخبريه مير صادق فلم يحضر مير صادق في تلك الليلة ، وأشار على الانكليز أن يقوموا بثورة شديدة ويدخلوا في القلعة ، وكان السلطان جالسا يتعشى إذ أخبر بأن الإنجليز دخلوا في القلعة نفسها ، فقال السلطان ها وقد آن الرحيل ، وأمر السلطان عساكره للجهاد ، وأرد أن يخرج من بعض أبواب القلعة ، ولكن مير صادق ذهب وأغلق الباب نفسه ؛ كي لا تنجح حيلة السلطان في الهرب ، فلو هرب السلطان لكان له نجاح باهر ، لأن كثيرا من عساكره كانت في مدن أخرى ، وكانت رقعة مملكته واسعة تحتوي كثيرا من المدن والقرى ، وكلها كانت تحت حكمه بعد وفاته أيضا حتى ردها إلى الإنجليز سلطان حيدر نجل السلطان تيبو
رجاء أن يكون ملكا بعد أبيه ، فوعده الإنجليز بذلك ثم لم ينجزوا وعدهم بل أخلفوا كعادتهم.
وهنا جزى الله مير صادق جزاء موفورا ، فحينما أراد مبر صادق أن يذهب خارج القلعة أخذه بعض خدم تيبو وقال : أنت الذي غدرت وخنت وسلمت الملك إلى الإنجليز ، وضُرب بالسيف ضربة قضت عليه ، ثم أخذه الخدم وقطعوا جسمه إربا إربا.
أما تيبو سلطان فإنه لما رأى العسكر قادما نحوه هجم عليهم وقتل اثنين أو ثلاثة منهم ثم أصيب برمح في وجهه فقط ، واستشهد في سبيل الإسلام.
والتمس الإنجليز جثته وجمعوا أسرته فتبينوا أن هذا هو جثمان السلطان ودفنوه بكل كرامة في جانب قبر أبيه حيدر علي.
وكان قتله يرادف القضاء على حكم المسلمين في الهند كلها ، وكان السلطان يرى أن الواجب على المسلمين في الوقت الحاضر أن يجمعوا أمرهم ويجاهدوا لإعلاء كلمة الله في هذه الأرض ، وكتب كتابا إلى محمد بيك الهمداني قال فيه : ((على المسلمين أن يتحدوا في هذا الوقت على جند الكفار والمشركين ، ويجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم حتى يكون الدين كله لله ، إن حكومة دهلي قد اضمحلت وذهبت قوتها وروعتها ، فلو اتحد المسلمون للجهاد في سبيل الإسلام لم يندم المسلمون على ما فرطوه في جنب الله أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
فتأمل في أفكاره الدينية وعواطفه الإسلامية وحماسته للإسلام والمسلمين ، إن مملكته كانت مملكة إسلامية ، فقد فتح للمسلمين مناصب جليلة ، ولم يكن لغير المسلمين تدخل في حكومته ، وكان يقضي أكثر أوقاته في العبادة والتلاوة والتسبيح وما إلى ذلك ، ولكن غدر أمرائه وخيانتهم ساقت الحكومة إلى الهزيمة والانهيار ، ولا شك أن الغدر والخيانة من مرضى المسلمين في البلاد كلها ، ومن أجل ذلك وحده خسروا شأنهم وفقدوا قيمتهم ، وأصبحوا بحيث لا ينظر إليهم العدو إلا بنظرة كلها شك وكلها ارتياب.
ولكن تيبو سلطان لم يزل بطل الحرية والإسلام في تاريخ الهند الزاهر ، وقد قال شاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال فيه : (( أنت وارد في وادي شوق فلا تبحث عن المنزل أبدا ، ولا تقبل على المحمل ولو كانت فيه ليلى)) ..
وإن السلطان تيبو كان يحب العلم والعلماء ، وكانت عنده مكتبة كبيرة محتوية على كتب كثيرة نادرة في (سرنكابتم) ولما فتح السلطان (حكومة ادهوني) ووجد فيها مكتبة بسالت خان فزادها إلى مكتبته ، وأصبحت مكتبته من أهم المكتبات في زمانه ، أما الكتب التي ألفت تحت إشرافه فهي (تحفة المجاهدين) و (مفرح القلوب)..
ولكن لم تسترع هذه المكتبة انتباه أحد بعد وفاته حتى مضت عليها ستة أعوام ، ثم عين بياترك وبعده ميجر استارت الذي بذل جهودا مشكورة في جمع الكتب المنتشرة ، ورتب فهارس المخطوطات العربية والأودية ، وقد طبع هذا الفهرس سنة 1098م من كيمبردج ، ومن العجب أن الإنجليز لم يتركوا تراث تيبو القيم في الهند ، بل ذهبوا به إلى إنجلترا فلم تبق في الهند منه إلا كتب معدودة في مكتبة آسيا.
وتوجد في لندن ذخيرة من هذه الكتب النادرة يبلغ عددها 687 كتابا.
المصدر : مجلة الحضارة الإسلامية ـ المجلد الثامن 1967-1968
ولكن تيبو سلطان لم يرد زهرة الحياة الدنيا ، ولم يلتفت إلى الأموال وقناطير الذهب والفضة ، بل وكانت أمامه غايات سامية وأهداف جليلة ومقاصد عالية ، عاش فيها ومات من أجلها،إنه لم يرد مساومة البلاد كالسلع التجارية كما فعل نظام والمرهتة ، وإنما كان همه العظيم أن يقاتل الإنجليز حتى يطرد القوة الأجنبية من أرض الهند ، ويؤسس فيها حكومة إسلامية على دعائم قوية ، فاختار الباقية على الفانية ، والموت في سبيل الله على الحياة المادية ، ورد رسالة الصلح مع الإنجليز ، وقال لهم جهارا : إنه لا يصالحهم أبدا ، وإنما يقوم في وجههم سدا منيعا حتى يخرجهم من الهند ، ويكون الأمر كله لله ، وكتب إلى نظام علي خان ملك حيدر آياد معاصره كتابا قال فيه : (إني أريد أن تكون للمسلمين قوة وغلبة في الهند ، وأريد أن أضحي بنفسي ومالي في سبيل الله وفي سبيل الإسلام ، وأقصى غايتي أن أجمع شمل المسلمين ، فيجب على المسلمين أن يعاونوني في هذا دون أن يكونوا ظهيرا للكفار ..
هذا ومن الأسف أن حكومة نظام قد ساعدت الإنجليز على تيبو ، واتحد الإنجليز والمرهتة ونظام ضده وقاتلوه جميعا ، واشتد القتال بين الفريقين ، وكانت الحرب سجالا ، وكاد يهزمهم جمعيا ، ولكن وزيره مير صادق غدره ، ومكن الإنجليز ، ونظم المرهتة من التغلب عليه ، لقد كانت قوة تيبو سلطان أقوى القوات الهندية في ذلك الزمان ، فخاف نظام أيضا ، وعرفت المرهتة قوتها العسكرية وجربوها مرارا ، فأرادوا كلهم القتال معه ، وأجمعوا على ذلك.
وكان تيبو قد استعد للحرب استعدادا كاملا ، ولما بلغ الإنجليز (سرنكابتم) وجعلوا يشنون الحرب على عساكر تيبو رءوا أن الفتح ليس بيسير ، وأن تيبو قد عبأ جيشا كثيفا لا يمكن معه القتال ، وقد حصر الإنجليز علقة سرنكابتم ، ولم يزالوا على ذلك حتى مضت عشرون يوما ونفد كل ما لديهم من الطعام والغذاء ، وأصبحت الجنود جياعا ، وأراد الإنجليز الرجعة ، وهنالك اقترح بعض أمراء تيبو بالثورة على عساكر الإنجليز ، ولكن من سوء الحظ أن تيبو سلطان لم يقبل الاقتراح الذي كان مبنيا على الدهاء والذكاء.
وبعد مدة قليلة تقدم عساكر الإنجليز ونظام والمرهتة إلى قلعة سرنكابتم مرة أخرى ، وثاروا ثورة عظيمة ، واشتدت الحرب ، وطالت وعلمت الأعداء أن تيبو سلطان له قوة جبارة لا يمكن لها أن تهزمها إلا بعد مشقة طويلة وإتلاف شيء كثير من الأموال والأنفس ..
ولكن من الأسف أن أميرا من أمراء تيبو غدر به ، ولحق بالإنجليز وأعدائه الآخرين ، فلجأ تيبو إلى القلعة ، ثم علم الفريقان أن الأمر صعب ، وهنالك اصطلح الفريقان بعد ما أخذ العدو مقداراً كبيرا من المال من تيبو.
وبعد ذلك دبر السلطان أمره وأمر أن اللغة الفارسية اللغة الرسمية في مملكته ، وبنيت المساجد في كل قرية ومدينة في حكمه وعين المؤذن والقاضي ، كما أن السلطان أقبل على تعليم المسلمين ، فعين المدرسين في المساجد لتعليم أطفال المسلمين ، وكان السلطان يصل ليله بنهاره في العبادة وفي تلاوة كلام الله ، وكان يكره الذين يخالفون تعاليم الإسلام ، ويقترفون الذنوب ، وحدث في ذلك الزمان أمر خطير ، وهو أن السلطان قد جعل مير صادق وزيره بل رئيس الوزراء والمسيطر على الأمر كله ، وكان صادق رجلا خائنا غدارا لا يعرف الوفاء والمحبة ، فاقترح على السلطان أن يخرج المهدويين الذين لم يزالوا يجاهدون مع السلطان ..
ومن الأسف أن السلطان أخطأ حينما عزل أكثر الأمراء القدماء دون تفكير وقرر الوظائف والمناصب للأمراء الذين قد عزلوا من قبل ، أما أبوه حيدر على فإنه كان إذا عزل أحدا لم يعطه منصبا قط ، ولكن تيبو كان يسخط على أمير ويعزله ، ثم إذا ذهب عنه السخط أعاده إلى منصبه ، وهذا مير صداق عزل من أجل غدره وخيانته مرة ، ثم أصبح رئيس الوزراء في حكومته وغدر أيضاً ، وخان خيانة ذهبت بحكومته.
إن السلطان بعث رسله إلى فرنسا وإيران وكابل ، وكان الإنجليز لم يزالوا يرتادون فرصة للثورة على تيبو ، فقالوا : إنه يريد أن يحمل على الإنجليز فحشدوا عساكرهم وجاءوا بجنود لا قبل له بها ، ولكن مع كل هذا كان السلطان رجلا قويا ، وكانت عساكره قوية منظمة ، أما مير صادق الخائن ، فقد لحق بالإنجليز والمرهتة ونظام ، وسبب للسلطان ذهاب مملكته من يده ، ومن سوء الحظ أن مير صادق قد تمكن في الحكومة من تنظيم جماعة كبيرة من الخونة فأحلهم مناصب كبيرة ومنحهم أموالاً كثيرة ، فقد كان مير ميران ، قمر الدين ، ومير صادق هم أكبر سبب لهزيمة سلطان تيبو وقتله بأيدي الإنجليز.
وقد اقترح الفرنسيون على السلطان أن يحول عاصمته إلى مدينة أخرى في مملكته ، وكان السلطان مستعدا لذلك ولكن مير صادق الخائن حال دون ذلك ، وقال هذا ما يسبب للعسكر الجبن والخور ويذهب بحماستهم فامتنع السلطان عن هذا.
وقد عثر السلطان على خيانة مير صادق وغدره في وقت لم يكن له حيلة بتدبيره ؛ لأن سور القلعة كان قد هدم بأيدي الأعداء ، ولكن السلطان كتب رقعة إلى بعض أمرائه ليقتلوا مير صادق ليلا ، ومن سوء الحظ أن خادما أطلع على هذا الأمر وأخبريه مير صادق فلم يحضر مير صادق في تلك الليلة ، وأشار على الانكليز أن يقوموا بثورة شديدة ويدخلوا في القلعة ، وكان السلطان جالسا يتعشى إذ أخبر بأن الإنجليز دخلوا في القلعة نفسها ، فقال السلطان ها وقد آن الرحيل ، وأمر السلطان عساكره للجهاد ، وأرد أن يخرج من بعض أبواب القلعة ، ولكن مير صادق ذهب وأغلق الباب نفسه ؛ كي لا تنجح حيلة السلطان في الهرب ، فلو هرب السلطان لكان له نجاح باهر ، لأن كثيرا من عساكره كانت في مدن أخرى ، وكانت رقعة مملكته واسعة تحتوي كثيرا من المدن والقرى ، وكلها كانت تحت حكمه بعد وفاته أيضا حتى ردها إلى الإنجليز سلطان حيدر نجل السلطان تيبو
رجاء أن يكون ملكا بعد أبيه ، فوعده الإنجليز بذلك ثم لم ينجزوا وعدهم بل أخلفوا كعادتهم.
وهنا جزى الله مير صادق جزاء موفورا ، فحينما أراد مبر صادق أن يذهب خارج القلعة أخذه بعض خدم تيبو وقال : أنت الذي غدرت وخنت وسلمت الملك إلى الإنجليز ، وضُرب بالسيف ضربة قضت عليه ، ثم أخذه الخدم وقطعوا جسمه إربا إربا.
أما تيبو سلطان فإنه لما رأى العسكر قادما نحوه هجم عليهم وقتل اثنين أو ثلاثة منهم ثم أصيب برمح في وجهه فقط ، واستشهد في سبيل الإسلام.
والتمس الإنجليز جثته وجمعوا أسرته فتبينوا أن هذا هو جثمان السلطان ودفنوه بكل كرامة في جانب قبر أبيه حيدر علي.
وكان قتله يرادف القضاء على حكم المسلمين في الهند كلها ، وكان السلطان يرى أن الواجب على المسلمين في الوقت الحاضر أن يجمعوا أمرهم ويجاهدوا لإعلاء كلمة الله في هذه الأرض ، وكتب كتابا إلى محمد بيك الهمداني قال فيه : ((على المسلمين أن يتحدوا في هذا الوقت على جند الكفار والمشركين ، ويجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم حتى يكون الدين كله لله ، إن حكومة دهلي قد اضمحلت وذهبت قوتها وروعتها ، فلو اتحد المسلمون للجهاد في سبيل الإسلام لم يندم المسلمون على ما فرطوه في جنب الله أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
فتأمل في أفكاره الدينية وعواطفه الإسلامية وحماسته للإسلام والمسلمين ، إن مملكته كانت مملكة إسلامية ، فقد فتح للمسلمين مناصب جليلة ، ولم يكن لغير المسلمين تدخل في حكومته ، وكان يقضي أكثر أوقاته في العبادة والتلاوة والتسبيح وما إلى ذلك ، ولكن غدر أمرائه وخيانتهم ساقت الحكومة إلى الهزيمة والانهيار ، ولا شك أن الغدر والخيانة من مرضى المسلمين في البلاد كلها ، ومن أجل ذلك وحده خسروا شأنهم وفقدوا قيمتهم ، وأصبحوا بحيث لا ينظر إليهم العدو إلا بنظرة كلها شك وكلها ارتياب.
ولكن تيبو سلطان لم يزل بطل الحرية والإسلام في تاريخ الهند الزاهر ، وقد قال شاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال فيه : (( أنت وارد في وادي شوق فلا تبحث عن المنزل أبدا ، ولا تقبل على المحمل ولو كانت فيه ليلى)) ..
وإن السلطان تيبو كان يحب العلم والعلماء ، وكانت عنده مكتبة كبيرة محتوية على كتب كثيرة نادرة في (سرنكابتم) ولما فتح السلطان (حكومة ادهوني) ووجد فيها مكتبة بسالت خان فزادها إلى مكتبته ، وأصبحت مكتبته من أهم المكتبات في زمانه ، أما الكتب التي ألفت تحت إشرافه فهي (تحفة المجاهدين) و (مفرح القلوب)..
ولكن لم تسترع هذه المكتبة انتباه أحد بعد وفاته حتى مضت عليها ستة أعوام ، ثم عين بياترك وبعده ميجر استارت الذي بذل جهودا مشكورة في جمع الكتب المنتشرة ، ورتب فهارس المخطوطات العربية والأودية ، وقد طبع هذا الفهرس سنة 1098م من كيمبردج ، ومن العجب أن الإنجليز لم يتركوا تراث تيبو القيم في الهند ، بل ذهبوا به إلى إنجلترا فلم تبق في الهند منه إلا كتب معدودة في مكتبة آسيا.
وتوجد في لندن ذخيرة من هذه الكتب النادرة يبلغ عددها 687 كتابا.
المصدر : مجلة الحضارة الإسلامية ـ المجلد الثامن 1967-1968